العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:22 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (30) إلى الآية (33) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (30) إلى الآية (33) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:25 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قال ضاهت النصارى قول اليهود من قبل فقالت النصارى المسيح ابن الله كما قالت اليهود عزير ابن الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/271]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( (يضاهون) يشبّهون»). [صحيح البخاري: 6/64]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يضاهون يشبهون وصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى يضاهون قول الّذين كفروا أي يشبّهون وقال أبو عبيدة المضاهاة التّشبيه). [فتح الباري: 8/316]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يضاهون يشبّهون
أشار به إلى قوله تعالى: {ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الّذين كفروا من قبل} (التّوبة: 30) وفسّر: يضاهون، بقوله: يشبهون، وكذا فسره ابن عبّاس فيما رواه عنه عليّ بن أبي طلحة، وهو من المضاهاة. وقال أبو عبيدة: هي التّشبيه، وهذا إخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزيرًا ابن الله، والنّصارى المسيح ابن الله، فأكذبهم بقوله ذلك قولهم: بأفواههم، يعني لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلافهم يضاهون أي: يشابهون قول الّذين كفروا من قبلهم من الأمم ضلوا كما ضل هؤلاء قاتلهم الله. قال ابن عبّاس: لعنهم الله). [عمدة القاري: 18/259]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: (يضاهون) قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه (يشبهون) وقال: أبو عبيدة هي التشبيه وقال القاضي أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والمضاهاة المشابهة وهذا أخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزير ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله فأكذبهم الله تعالى بقوله: {وذلك قولهم بأفواههم} [التوبة: 30] والتقييد بكونه بأفواههم مع أن القول لا يكون إلا بل بالفم للإشعار بأنه لا دليل عليه فهو كالمهملات لم يقصد بها الدلالة على المعاني، وقول اليهود هذا كان مذهبًا مشهورًا عندهم أو قاله بعض من متقدميهم أو من كان بالمدينة، وإنما ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة فلما أحياه الله بعد مائة عام وأملى عليهم التوراة حفظًا فتعجبوا من ذلك، وقالوا ما هذا إلا لأنه ابن الله والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب). [إرشاد الساري: 7/140-141]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون}.
اختلف أهل التّأويل في القائل: {عزيرٌ ابن اللّه} فقال بعضهم: كان ذلك رجلاً واحدًا، هو فنحاص.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قوله: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه} قال: قالها رجلٌ واحدٌ، قالوا: إنّ اسمه فنحاص، وقالوا: هو الّذي قال: {إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء}.
وقال آخرون: بل كان ذلك قول جماعةٍ منهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سلاّم بن مشكمٍ، ونعمان بن أوفى، وشاس بن قيسٍ، ومالك بن الصّيف، فقالوا: كيف نتّبعك وقد تركت قبلتنا، وأنت لا تزعم أنّ عزيرًا ابن اللّه؟ فأنزل في ذلك من قولهم: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه} إلى: {أنّى يؤفكون}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه} وإنّما قالوا: هو ابن اللّه من أجل أنّ عزيرًا، كان في أهل الكتاب وكانت التّوراة عندهم يعملون بها ما شاء اللّه أن يعملوا، ثمّ أضاعوها وعملوا بغير الحقّ. وكان التّابوت فيهم، فلمّا رأى اللّه أنّهم قد أضاعوا التّوراة وعملوا بالأهواء، رفع اللّه عنهم التّابوت، وأنساهم التّوراة ونسخها من صدورهم، وأرسل اللّه عليهم مرضًا، فاستطلقت بطونهم، حتّى جعل الرّجل يمشي كبده، حتّى نسوا التّوراة، ونسخت من صدورهم، وفيهم عزيرٌ. فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا بعد ما نسخت التّوراة من صدورهم، وكان عزيرٌ قبل من علمائهم، فدعا عزيرٌ اللّه وابتهل إليه أن يردّ إليه الّذي نسخ من صدره من التّوراة. فبينما هو يصلّي مبتهلاً إلى اللّه، نزل نورٌ من اللّه فدخل جوفه، فعاد إليه الّذي كان ذهب من جوفه من التّوراة، فأذّن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني اللّه التّوراة، وردّها إليّ، فعلّق يعلّمهم، فمكثوا ما شاء اللّه وهو يعلّمهم. ثمّ إنّ التّابوت نزل بعد ذلك، وبعد ذهابه منهم، فلمّا رأوا التّابوت عرضوا ما كان فيه على الّذي كان عزيرٌ يعلّمهم، فوجدوه مثله، فقالوا: واللّه ما أوتي عزيرٌ هذا إلاّ إنّه ابن اللّه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه} إنّما قالت ذلك؛ لأنّهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم، وأخذوا التّوراة، وذهب علماؤهم الّذين بقوا فدفنوا كتب التّوراة في الجبال. وكان عزيرٌ غلامًا يتعبّد في رءوس الجبال لا ينزل إلاّ يوم عيدٍ، فجعل الغلام يبكي ويقول: ربّ تركت بني إسرائيل بغير عالمٍ، فلم يزل يبكي حتّى سقطت أشفار عينيه. فنزل مرّةً إلى العيد، فلمّا رجع إذا هو بامرأةٍ قد مثّلت له عند قبرٍ من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه، ويا كاسياه، فقال لها: ويحك، من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرّجل؟ قالت: اللّه. قال: فإنّ اللّه حيّ لم يمت. قالت: يا عزير، فمن كان يعلّم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: اللّه. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلمّا عرف أنّه قد خصم ولّى مدبرًا، فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدًا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه، ثمّ اخرج فصلّ ركعتين، فإنّه يأتيك شيخٌ فما أعطاك فخذه، فلمّا أصبح، انطلق عزيرٌ إلى ذلك النّهر، فاغتسل فيه، ثمّ خرج فصلّى ركعتينٍ، فجاءه الشّيخ فقال: افتح فمك، ففتح فمه، فألقى فيه شيئًا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعًا كهيئة القوارير ثلاث مرارٍ. فرجع عزيرٌ وهو من أعلم النّاس بالتّوراة، فقال: يا بني إسرائيل، إنّي قد جئتكم بالتّوراة. فقالوا يا عزير ما كنت كذّابًا. فعمد فربط على كلّ أصبعٍ له قلمًا، وكتب بأصابعه كلّها، فكتب التّوراة كلّها. فلمّا رجع العلماء أخبروا بشأن عزيرٍ، فاستخرج أولئك العلماء كتبهم الّتي كانوا دفنوها من التّوراة في الجبال، وكانت في خوابٍ مدفونةٍ، فعارضوها بتوراة عزيرٍ فوجدوها مثلها، فقالوا: ما أعطاك اللّه هذا إلاّ أنّك ابنه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض المكّيّين والكوفيّين: (وقالت اليهود عزير ابن اللّه) لا ينوّنون عزيرًا.
وقرأه بعض المكّيّين والكوفيّين: {عزيرٌ ابن اللّه} بتنوين عزيرٍ. قال: هو اسمٌ مجرًى وإن كان أعجميًّا لخفّته، وهو مع ذلك غير منسوبٍ إلى اللّه، فيكون بمنزلة قول القائل: زيدٌ ابن عبد اللّه، وأوقع الابن موقع الخبر، ولو كان منسوبًا إلى اللّه لكان الوجه فيه إذا كان الابن خبرًا: الإجراء والتّنوين، فكيف وهو منسوبٌ إلى غير أبيه.
وأمّا من ترك تنوين عزيرٍ، فإنّه لمّا كانت الباء من ابن ساكنةً مع التّنوين السّاكن والتّقى ساكنان فحذف الأوّل منهما استثقالاً لتحريكه، قال الرّاجز:
لتجدنّي بالأمير برًّا = وبالقناة مدعسًا مكرًّا
إذا غطيف السّلميّ فرّا
فحذف النّون للسّاكن الّذي استقبلها.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك قراءة من قرأ: {عزيرٌ ابن اللّه} بتنوين عزيرٍ؛ لأنّ العرب لا تنوّن الأسماء إذا كان الابن نعتًا للاسمٍ، كقولهم: هذا زيد بن عبد اللّه، فأرادوا الخبر عن عزيرٍ بأنّه ابن اللّه، ولم يريدوا أن يجعلوا الابن له نعتًا. والابن في هذا الموضع خبرٌ لعزيرٍ؛ لأنّ الّذين ذكر اللّه عنهم أنّهم قالوا ذلك، إنّما أخبروا عن عزيرٍ أنّه كذلك، وإن كانوا بقيلهم ذلك كانوا كاذبين على اللّه مفترين.
{وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل} يعني قول اليهود: {عزيرٌ ابن اللّه} يقول: نسبة قول هؤلاء في الكذب على اللّه والفرية عليه ونسبتهم المسيح إلى أنّه للّه ابنٌ ككذب اليهود وفريتهم على اللّه في نسبتهم عزيرًا إلى أنّه للّه ابنٌ، ولا ينبغي أن يكون للّه ولدٌ سبحانه، بل له ما في السّموات والأرض، كلٌّ له قانتون.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل} يقول: يشبهون.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل} ضاهت النّصارى قول اليهود قبلهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل} النّصارى يضاهئون قول اليهود في عزيرٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل} يقول: النّصارى يضاهئون قول اليهود.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل} يقول: قالوا مثل ما قال أهل الأوثان.
وقد قيل: إنّ معنى ذلك: يحكون بقولهم قول أهل الأديان الّذين قالوا: {اللاّت والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق: (يضاهون) بغير همزٍ. وقرأه عاصمٌ: {يضاهئون} بالهمز، وهي لغةٌ لثقيفٍ. وهما لغتان، يقال: ضاهيته على كذا أضاهيه مضاهاةً وضاهأته عليه مضاهأةً، إذا مالأته عليه وأعنته.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك ترك الهمز؛ لأنّها القراءة المستفيضة في قراءة الأمصار واللّغة الفصحى.
وأمّا قوله: {قاتلهم اللّه} فإنّ معناه فيما ذكر عن ابن عبّاسٍ ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قاتلهم اللّه} يقول: لعنهم اللّه، وكلّ شيءٍ في القرآن قتل. فهو لعن.
- وقال ابن جريجٍ في ذلك ما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {قاتلهم اللّه} يعني النّصارى، كلمةٌ من كلام العرب.
فأمّا أهل المعرفة بكلام العرب فإنّهم يقولون معناه: قتلهم اللّه، والعرب تقول: قاتعك اللّه، وقاتعها اللّه، بمعنى: قاتلك اللّه، قالوا: وقاتعك اللّه أهون من قاتله اللّه.
وقد ذكروا أنّهم يقولون: شاقاه اللّه ما باقاه، يريدون: أشقاه اللّه ما أبقاه. قالوا: ومعنى قوله: {قاتلهم اللّه} كقوله: {قتل الخرّاصون} و{قتل أصحاب الأخدود} واحدٌ، وهو بمعنى التّعجّب.
فإن كان الّذي قالوا كما قالوا، فهو من نادر الكلام الّذي جاء على غير القياس؛ لأنّ فاعلت لا تكاد أن تجيء فعلاً إلاّ من اثنين، كقولهم: خاصمت فلانًا وقاتلته، وما أشبه ذلك. وقد زعموا أنّ قولهم: عافاك اللّه منه، وأنّ معناه: أعفاك اللّه، بمعنى الدّعاء لمن دعا له بأن يعفيه من السّوء.
وقوله: {أنّى يؤفكون} يقول: أيّ وجهٍ يذهب بهم ويحيدون، كيف يصدّون عن الحقّ، وقد بيّنّا ذلك بشواهده فيما مضى قبل). [جامع البيان: 11/408-416]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون (30)
قوله تعالى: وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا ابن نميرٍ ثنا يونس بن بكيرٍ ثنا ابن إسحاق ثنا محمّد بن أبي محمّدٍ أنبأ سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سلام بن مشكمٍ ونعمان بن أوفى ومحمّد بن دحية وشاس بن قيسٍ ومالك بن ضيفٍ، فقالوا: كيف نتّبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أنّ عزيرًا ابن اللّه؟ فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهم وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وإنّما قالوا هو ابن اللّه من أجل أن عزير كان في أهل الكتاب وكانت التّوراة عندهم فعلموا بها ما شاء اللّه أن يعملوا، ثمّ أضاعوها وعملوا بغير الحقّ وكان التّابوت فيهم، فلمّا رأى اللّه عزّ وجلّ أنّهم قد أضاعوا التّوراة وعملوا بالأهواء رفع اللّه عنهم التّابوت وأنساهم التّوراة ونسخها من صدورهم، وأرسل عليهم مرضًا فاستطلقت بطونهم منه حتّى جعل الرّجل يمشي كبده حتّى نسوا التّوراة ونسخت من صدورهم وفيهم عزير، فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا بعد ما نسخت التّوراة من صدورهم، وكان عزيرٌ قبل من علمائهم فدعا عزير اللّه عزّ وجلّ. وابتهل إليه أن يردّ إليه الّذي نسخ من صدره فبينما هو يصلّي مبتهلا إلى اللّه نزل عليه نورٌ من اللّه فدخل جوفه فعاد إليه الّذي كان ذهب من جوفه من التّوراة، فأذّن في قومه فقال: يا قوم قد أتاني اللّه التّوراة وردّها إي، فعلّق بعلمهم فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا وهو يعلّمهم، ثمّ إنّ التّابوت نزل عليهم بعد ذلك، وبعد ذهابه منهم، فلمّا رأوا التّابوت عرضوا ما كان فيه على الّذي كان عزير يعلّمهم فوجدوه مثله، فقالوا: واللّه ما أوتي عزيرٌ هذا إلا أنّه ابن اللّه.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه إنّما قالت ذلك لأنّهم ظهرت عليهم العمالقة، فقتلوهم وأخذوا التّوراة وهرب علماؤهم الّذين بقوا فدفنوا كتب التّوراة في الجبال وكان عزيرٌ يتعبّد في رؤوس الجبال، لا ينزل إلّا في يوم عيدٍ فجعل الغلام يبكي ويقول: ربّ تركت بني إسرائيل بغير عالمٍ فلم يزل يبكيهم حتّى سقط أشغار عينيه فنزل مرّةً إلى العيد، فلمّا رجع إذا هو بامرأةٍ قد مثلت له عند قبرٍ من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه يا كاسياه فقال له: ويحك من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك أو ينفعك قبل هذا الرّجل؟ قالت: اللّه قال: فإنّ اللّه حيّ لم يمت قال: يا عزير، فمن كان يعلّم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: اللّه، قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلمّا عرف أنّه قد خصم ولّى مدبرًا فدعته فقالت يا عزير، إذا أصبحت غدا فأن نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ثمّ اخرج فصلّ ركعتين فإنّه يأتيك شيخٌ فما أعطاك فخذه، فلمّا أصبح انطلق عزيرٌ إليّ ذلك النّهر واغتسل، ثمّ خرج فصلّى ركعتين فأتاه شيخٌ فقال: افتح فمك ففتح فمه، فألقى فيه شيئًا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعٌ كهيئة القوارير ثلاث مرّاتٍ، فرجع عزيرٌ وهو من أعلم النّاس بالتّوراة، فقال: يا بني إسرائيل، إنّي قد جئتكم بالتّوراة فقالوا: ما كنت كذابا فعمد فربط على كل أصبغ له قلما، ثمّ كتب بأصابعه كلّها فكتب التّوراة فلمّا رجع العلماء أخبروا بشأن عزيرٍ، واستخرج أولئك العلماء كتبهم الّتي كانوا رفعوها من التّوراة في الجبال، وكانت في خوابٍ مدفونةٍ فعرضوها بتوراة عزيرٍ فوجدوها، مثلها فقالوا: ما أعطاك اللّه إلا وأنت ابنه.
قوله تعالى: وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه وقالت الصّابئون: نحن نعبد الملائكة من دون اللّه، وقالت المجوس: نحن نعبد الشّمس والقمر من دون اللّه، وقال أهل الأوثان: نحن نعبد الأوثان من دون اللّه فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى نبيّه ليكذّب قولهم قل هو اللّه أحدٌ. اللّه الصّمد السّورة كلّها.
قوله تعالى: ذلك قولهم بأفواههم
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤن قول الذين كفروا النصارى.
قوله تعالى: يضاهؤن
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: يضاهؤن يقول: يشبّهون.
قوله تعالى: قول الّذين كفروا من قبل
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: يضاهؤن قول الّذين كفروا من قبل يقول: ضاهت النّصارى قول اليهود قبلهم.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: يضاهؤن قول الّذين كفروا من قبل يقول: قالوا بمثل ما قال أهل الأديان.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن حبال بن حمّادٍ- فيما كتب إليّ- ثنا ابن عبد الغفّار الصّنعانيّ قال: قال سفيان بن عيينة في قول الله تعالى: يضاهؤن قول الّذين كفروا من قبل قال: الّذين قالوا الجنّ بنات اللّه.
قوله تعالى: قاتلهم الله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: قاتلهم اللّه يقول: لعنهم اللّه. وروي عن أبي مالكٍ. مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ- فيما كتب إلي- ثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ ثنا سفيان في قوله: قاتلهم اللّه قال: عاداهم اللّه.
قوله تعالى: أنّى يؤفكون
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: أنّى يؤفكون قال: كيف يكذبون. وروي عن أبي مالكٍ. مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1781-1784]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 30.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله تعالى أن يعملوا ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق وكان التابوت فيهم فلما رأى الله تعالى أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم وأرسل عليهم مرضا فاستطلقت بطونهم منهم حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة ونسخت من صدورهم وفيهم عزير كان من علمائهم فدعا عزير الله عز وجل وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله تعالى نزل نور من الله فدخل جوفه فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة ردها إلي فعلق يعلمهم فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا وهو يعلمهم ثم إن التابوت نزل عليهم بعد ذلك وبعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كانوا فيه على الذي كان عزير يعلمهم فوجده مثله فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي اله عنه في قوله {وقالت اليهود عزير ابن الله} قال: قالها رجل وأحد اسمه فنحاص.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل الله تعالى به على بني إسرائيل وما أعطاهم ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس وعزير يومئذ غلام فقال عزير: أو كان هذا فلحق الجبال والوحش فجعل يتعبد فيها وجعل لا يخالط الناس فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال: يا أمة الله اتقي الله واحتسبي واصبري أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت فقالت: يا عزير أتنهاني أن أبكي وأنت خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش قالت: إني لست بامرأة ولكني الدنيا وأنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة فاشرب من العين وكل من ثمرة الشجرة فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا، فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها فألهمه الله التوراة فجاء فأملاه على الناس فقالوا عند ذلك: عزير بن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأخرج أبو الشيخ عن كعب رضي الله عنه قال: دعا عزير ربه عز وجل أن يلقي التوراة كما أنزل على موسى عليه السلام في قلبه فأنزلها الله تعالى عليه فبعد ذلك قالوا: عزير بن الله.
وأخرج أبو الشيخ عن حميد الخراط رضي الله عنه، أن عزيرا كان يكتبها بعشرة أقلام في كل أصبع قلم.
وأخرج أبو الشيخ عن الزهري رضي الله عنه قال: كان عزير يقرأ التوراة ظاهرا وكان قد أعطي من القوة ما أن كان ينظر في شرف السحاب فعند ذلك قالت اليهود: عزير بن الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: إنما قالت اليهود عزير بن الله لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة وهرب علمائهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال وكان عزير يتعبد في رؤوس الجبال لا ينزل إلا في يوم عيد فجعل الغلام يبكي يقول: رب تركت بني اسرائيل بغير عالم فلم يزل يبكيهم حتى سقط أشفار عينيه فنزل مرة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي تقول: يا مطعماه يا كاسياه، فقال لها: ويحك من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك قبل هذا الرجل قالت: الله، قال: فإن الله حي لم يمت، قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني اسرائيل قال: الله، قالت: فلم تبكي عليهم فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبرا، فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدا فائت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ثم أخرج فصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه، فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر فاغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين فأتاه شيخ فقال: افتح فمك، ففتح فمه فألقمه فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمع كهيئة القوارير ثلاث مرات فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال: يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة، فقالوا له: ما كنت كذابا فعمد فربط على كل أصبع له قلما ثم كتب بأصابعه كلها فكتب التوراة فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير واستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا رفعوها من التوراة
في الجبال وكانت في خواب مدفونة فعرضوها بتوراة عزيز فوجدوها مثلها فقالوا: ما أعطاك الله إلا وأنت ابنه.
وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث أشك فيهن، فلا أدري أعزير كان نبيا أم لا ولا أدري ألعن تبعا أم لا قال: ونسيت الثالثة.
وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رافعا يديه يقول إن الله عز وجل اشتد غضبه على اليهود أن قالوا عزير ابن الله واشتد غضبه على النصارى أن قالوا أن المسيح ابن الله وأن الله اشتد غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي.
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عزير: يا رب ما علامة من صافيته من خلقك فأوحى الله إليه: أن أقنعه باليسير وأدخر له في الآخرة الكثير.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} قال: قالوا مثل ما قال أهل الأديان.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} يقول: ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم فقالت النصارى: المسيح بن الله، كما قالت اليهود: عزير بن الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {قاتلهم الله} قال: لعنهم الله وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {قاتلهم الله} قال: كلمة من كلام العرب). [الدر المنثور: 7/318-324]

تفسير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سأل رجل حذيفة فقال يا أبا عبد الله أرأيت قوله اتخذوا أحبارهم ورهبنهم أربابا من دون الله أكانوا يعبدونهم قال لا ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه). [تفسير عبد الرزاق: 1/272]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن أبي البختريّ عن حذيفة في قول اللّه: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح} قال: كانوا يعبدونهم؟ قال: لا ولكن كانوا إذا أحلّوا لهم شيئًا استحلّوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه [الآية: 31]). [تفسير الثوري: 124-125]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (31) : قوله تعالى: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلّا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا العوّام بن حوشب، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، قال: حدّثني أبو البختري الطّائي، قال: قال لي حذيفة : أرأيت قول الله عز وجل: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} ؟ فقال حذيفة: أما إنّهم لم يصلّوا لهم، ولكنّهم كانوا ما أحلّوا لهم من حرامٍ استحلّوه، وما حرّموا عليهم من الحرام حرموه، فتلك ربوبيتهم). [سنن سعيد بن منصور: 5/245-246]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن فضيلٍ، عن عطاءٍ، عن أبي البختريّ في قوله: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} قال: أطاعوهم فيما أمروهم به من تحليل حرامٍ، وتحريم حلال الله فعبدوهم بذلك). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 293]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسين بن يزيد الكوفيّ، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعدٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وفي عنقي صليبٌ من ذهبٍ. فقال: يا عديّ اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءةٌ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه}، قال: أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئًا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئًا حرّموه.
هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث عبد السّلام بن حربٍ، وغطيف بن أعين ليس بمعروفٍ في الحديث). [سنن الترمذي: 5/129]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون}.
يقول جلّ ثناؤه: اتّخذ اليهود أحبارهم، وهم العلماء. وقد بيّنت تأويل ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا. قيل واحدهم حبرٌ وحبرٌ بكسر الحاء منه وفتحها.
وكان يونس الجرميّ فيما ذكر عنه يزعم أنّه لم يسمع ذلك إلاّ حبرٌ بكسر الحاء، ويحتجّ بقول النّاس: هذا مداد حبرٍ، يراد به: مداد عالمٍ.
وذكر الفرّاء أنّه سمعه حبرًا وحبرًا بكسر الحاء وفتحها. والنّصارى رهبانهم، وهم أصحاب الصّوامع وأهل الاجتهاد في دينهم منهم.
- كما حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة، عن الضّحّاك: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم} قال: قرّاءهم وعلماءهم.
{أربابًا من دون اللّه} يعني: سادةً لهم من دون اللّه يطيعونهم في معاصي اللّه، فيحلّون ما أحلّوه لهم ممّا قد حرّمه اللّه عليهم ويحرّمون ما يحرّمونه عليهم ممّا قد أحلّه اللّه لهم.
- كما حدّثني الحسن بن يزيد الطّحّان، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ الملائيّ، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعدٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقرأ في سورة براءة: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} فقال: أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكن كانوا يحلّون لهم فيحلّون.
- حدّثنا أبو كريبٍ وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا مالك بن إسماعيل، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد جميعًا عن عبد السّلام بن حربٍ، قال: حدّثنا غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعدٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي عنقي صليبٌ من ذهبٍ، فقال: يا عديّ اطرح هذا الوثن من عنقك قال: فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} قال: قلت: يا رسول اللّه إنّا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرّمون ما أحلّ اللّه فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّم اللّه فتحلّونه؟ قال: قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم واللّفظ لحديث أبي كريبٍ.
- حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة عن قيس بن الرّبيع، عن عبد السّلام بن حربٍ النّهديّ، عن غطيفٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ سورة براءة، فلمّا قرأ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} قلت: يا رسول اللّه، أما إنّهم لم يكونوا يصلّون لهم؟ قال: صدقت، ولكن كانوا يحلّون لهم ما حرّم اللّه فيستحلّونه، ويحرّمون ما أحلّ اللّه لهم فيحرّمونه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن أبي البختريّ، عن حذيفة، أنّه سئل عن قوله: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} كانوا يعبدونهم؟ قال: لا، كانوا إذا أحلّوا لهم شيئًا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئًا حرّموه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حبيبٍ، عن أبي البختريّ، قال: قيل لأبي حذيفة فذكر نحوه، غير أنّه قال: ولكن كانوا يحلّون لهم الحرام فيستحلّونه، ويحرّمون عليهم الحلال فيحرّمونه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشبٍ، عن حبيبٍ، عن أبي البختريّ قال: قيل لحذيفة: أرأيت قول اللّه: {اتّخذوا أحبارهم} قال: أما إنّهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلّون لهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئًا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئًا أحلّه اللّه لهم حرّموه، فتلك كانت ربوبيّتهم.
- قال: حدّثنا جريرٌ، وابن فضيلٍ، عن عطاءٍ، عن أبي البختريّ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} قال: انطلقوا إلى حلال اللّه فجعلوه حرامًا، وانطلقوا إلى حرام اللّه فجعلوه حلالاً، فأطاعوهم في ذلك، فجعل اللّه طاعتهم عبادتهم، ولو قالوا لهم اعبدونا لم يفعلوا.
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن أبي البختريّ، قال: سأل رجلٌ حذيفة، فقال: يا أبا عبد اللّه أرأيت قوله: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} أكانوا يعبدونهم؟ قال: لا، كانوا إذا أحلّوا لهم شيئًا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئًا حرّموه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن أشعث، عن الحسن: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا} قال: في الطّاعة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} يقول: وزيّنوا لهم طاعتهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} قال عبد اللّه بن عبّاسٍ: لم يأمروهم أن يسجدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية اللّه، فأطاعوهم، فسمّاهم اللّه بذلك أربابًا.

- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا} قال: قلت لأبي العالية: كيف كانت الرّبوبيّة الّتي كانت في بني إسرائيل؟ قال قالوا: ما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنّا انتهينا، لقولهم: وهم يجدون في كتاب اللّه ما أمروا به وما نهوا عنه، فاستنصحوا الرّجال، ونبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم.
- حدّثني بشرٌ عن سويدٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن أبي البختريّ، عن حذيفة: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} قال: لم يعبدوهم، ولكنّهم أطاعوهم في المعاصي.
وأمّا قوله {والمسيح ابن مريم} فإنّ معناه: اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابًا من دون اللّه.
وأمّا قوله: {وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهًا واحدًا} فإنّه يعني به: وما أمر هؤلاء اليهود والنّصارى الّذين اتّخذوا الأحبار والرّهبان والمسيح أربابًا إلاّ أن يعبدوا معبودًا واحدًا، وأن يطيعوا إلاّ ربًّا واحدًا دون أربابٍ شتّى، وهو اللّه الّذي له عبادة كلّ شيءٍ وطاعة كلّ خلقٍ، المستحقّ على جميع خلقه الدّينونة له بالوحدانيّة والرّبوبيّة، لا إله إلاّ هو. يقول تعالى ذكره: لا تنبغي الألوهة إلاّ لواحدٍ الّذي أمر الخلق بعبادته، ولزمت جميع العباد طاعته. {سبحانه عمّا يشركون} يقول: تنزيهًا وتطهيرًا للّه عمّا يشرك في طاعته وربوبيّته القائلون عزيرٌ ابن اللّه، والقائلون: المسيح ابن اللّه، المتّخذون أحبارهم أربابًا من دون اللّه). [جامع البيان: 11/416-421]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلّا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون (31)
قوله تعالى: اتّخذوا أحبارهم
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم قال: الأحبار: القرّاء.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا جعفر بن عون، أنبأ سلمة ابن نبيطٍ عن الضّحّاك الأحبار قال: قرّاؤهم، ورهبانهم قال: علماؤهم.
قوله تعالى: أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم
- حدّثنا أبي ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبد السّلام بن حربٍّ أنبأ غطيف بن أعين الجزريّ عن مصعب بن سعدٍ عن عديّ بن حاتمٍ قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي عنقي صليبٌ من ذهبٍ وهو يقول اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه قلت: يا رسول اللّه لم يكونوا يعبدونهم، قال: أجل، ولكن يحلّون لهم ما حرّم اللّه فيستحلّونه ويحرّمون عليهم ما أحلّ اللّه فيحرّمون.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ قالا: ثنا وكيعٌ عن الأعمش عن حبيبٍ عن أبي البختريّ قال: قيل لحذيفة اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله أكانوا يعبدونهم؟ قال: لا، ولكنّهم كانوا يحلّون لهم الحرام فيستحلّونه ويحرّمون عليهم الحلال فيحرّمونه. وروي عن أبي العالية وأبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن الحسين والضّحّاك والسّدّيّ. نحو ذلك
قوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ اعبدوا ربّكم أي وحّدوا ربّكم.
قوله تعالى: لا إله إلا هو
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ لا إله إلا هو قال: توحيدٌ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: لا إله إلا هو أي ليس معه غيره شريكٌ في أمره.
قوله تعالى: سبحانه عما يشركون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفص بن غياثٍ عن حجّاجٍ عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ: سبحان اللّه: تنزيه اللّه نفسه عن السّوء قال: ثمّ قال عمر لعليٍّ وأصحابه عنده: لا إله إلا اللّه قد عرفناه فما سبحان اللّه؟ فقال له عليّ: كلمةٌ أحبّها لنفسه ورضيها، فأحبّ أن تقال.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا زيد بن الحباب ثنا أبو الأشهب عن الحسن قال: سبحان اللّه: اسمٌ لا يستطيعون النّاس أن ينتحلوه.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ ثنا النظر بن عربيٍّ قال: سأل رجلٌ ميمون بن مهران عن سبحان اللّه، فقال: اسمٌ يعظّم اللّه به، ويحاشى به من السّوء). [تفسير القرآن العظيم: 6/1784-1785]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن عطاء بن السائب عن أبي البحتري في قوله اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال أطاعوهم فيما أمروهم به من حرام الله وحلاله فجعل الله طاعتهم لهم عبادة). [تفسير مجاهد: 276]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) عدي بن حاتم [الطائي]- رضي الله عنه -: قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذهبٍ، فقال: يا عديّ، اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه} [التوبة: 31] قال: إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه. أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(الوثن) : ما يعبد من دون الله تعالى، وأراد به ها هنا الصليب.
(أحبارهم) الأحبار: جمع حبر، وهو العالم). [جامع الأصول: 2/161-162]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 31
أخرج ابن سعد، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} فقال: أما أنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في "سننه" عن أبي البختري رضي الله عنه قال: سأل رجل حذيفة رضي الله عنه فقال: أرأيت قوله تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} أكانوا يعبدونهم قال: لا ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن حذيفة رضي الله عنه {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم} قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم أطاعوهم في معصية الله.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه {اتخذوا أحبارهم} اليهود {ورهبانهم} النصارى {وما أمروا} في الكتاب الذي أتاهم وعهد إليهم {إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} سبح نفسه أن يقال عليه البهتان.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال {أحبارهم} قراؤهم {ورهبانهم} علماؤهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال: الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي، مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال: الأحبار العلماء والرهبان العباد). [الدر المنثور: 7/324-325]

تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}.
يقول تعالى ذكره: يريد هؤلاء المتّخذون أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابًا {أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم} يعني: أنّهم يحاولون بتكذيبهم بدين اللّه الّذي ابتعث به رسوله وصدّهم النّاس عنه بألسنتهم أن يبطلوه، وهو النّور الّذي جعله اللّه لخلقه ضياءً. {ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره} يعلو دينه وتظهر كلمته، ويتمّ الحقّ الّذي بعث به رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ولو كره إتمام اللّه إيّاه الكافرون، يعني: جاحديه المكذّبين به.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم} يقول: يريدون: أن يطفئوا الإسلام بكلامهم). [جامع البيان: 11/421-422]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون (32)
قوله تعالى: يريدون أن يطفؤا نور اللّه
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: يريدون أن يطفؤا نور اللّه قال: يريدون أن يطفئوا الإسلام.
- ذكره أحمد بن محمّد بن أبي أسلم ثنا إسحاق بن راهويه أنبأ محمّد بن يزيد الواسطيّ عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله: يريدون أن يطفؤا نور اللّه بأفواههم يقول: يريدون أن يهلك محمّدٌ وأصحابه، أن لا يعبدوا اللّه بالإسلام في الأرض.
قوله تعالى: بأفواههم
- أخبرنا أحمد بن عثمان فيما كتب إليّ حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ حدّثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: بأفواههم يقول: بكلامهم.
قوله تعالى: ويأبى اللّه إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون
- ذكره أحمد بن محمّد بن أبي أسلم ثنا إسحاق بن راهويه أنبأ محمّد بن يزيد عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله: ويأبى اللّه إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون
يعني بها: كفّار العرب، وأهل الكتاب من حارب منهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم وكفر بآياته). [تفسير القرآن العظيم: 6/1785-1786]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 32
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم} قال: الإسلام بكلامهم
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {يريدون أن يطفئوا نور الله} يقول: يريدون أن يهلك محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن لا يعبدوا الله بالإسلام في الأرض يعني بها كفار العرب وأهل الكتاب من حارب منهم النب صلى الله عليه وسلم ي وكفر بآياته.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم} قال: هم اليهود والنصارى). [الدر المنثور: 7/325-326]

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي المقدام عن نبيحٍ سمع أبا هريرة يقول: في قوله: {ليظهره على الدين كله} قال: خروج عيسى ابن مريم صلوات الله عليه [الآية: 33]). [تفسير الثوري: 125]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (33) : قوله تعالى: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون} ] - حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن أبي جعفرٍ، عن جابر بن عبد اللّه - في قوله عزّ وجلّ: {ليظهره على الدّين كلّه} - قال: خروج عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام). [سنن سعيد بن منصور: 5/248]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {ليظهره على الدّين كله ولو كره المشركون} قال: إذا أنزل عليهم ابن مريم لم يكن في الأرض دينٌ إلا دين الإسلام. قال: فذلك قوله عزّ وجلّ: {ليظهره على الدين كله}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 62]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون}.
يقول تعالى ذكره: اللّه الّذي يأبى إلاّ إتمام دينه ولو كره ذلك جاحدوه ومنكروه، الّذي أرسل رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بالهدى، يعني: ببيان فرائض اللّه على خلقه، وجميع اللاّزم لهم، وبدين الحقّ وهو الإسلام {ليظهره على الدّين كلّه} يقول: ليعلي الإسلام على الملل كلّها. {ولو كره المشركون} باللّه ظهوره عليها.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {ليظهره على الدّين كلّه} فقال بعضهم: ذلك عند خروج عيسى حين تصير الملل كلّها واحدةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدّثنا شقيق، قال: حدّثني ثابتٌ الحدّاد أبو المقدام، عن نبيح، عن أبي هريرة في قوله: {ليظهره على الدّين كلّه}، قال: خروج عيسى ابن مريم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن فضيل بن مرزوقٍ، قال: حدّثني من سمع أبا جعفرٍ يقول: {ليظهره على الدّين كلّه} قال: إذا خرج عيسى عليه السّلام اتّبعه أهل كلّ دينٍ.
وقال آخرون: معنى ذلك: ليعلمه شرائع الدّين كلّها فيطلعه عليها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليظهره على الدّين كلّه} قال: ليظهر اللّه نبيّه على أمر الدّين كلّه، فيعطيه إيّاه كلّه، ولا يخفى عليه منه شيءٌ. وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك). [جامع البيان: 11/422-423]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون (33)
قوله تعالى: هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ ثنا شيبان عن قتادة هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ قال:
قاتل اللّه قومًا ينتحلون دينًا لم يصدّقه قومٌ قطّ ولم يفلحه ولم ينصره إذا أظهروه إهراق به دماؤهم، وإذا سكتوا عنه كان فرحًا في قلوبهم ذلك واللّه دين سوءٍ قد ألاصوا هذا الأمر منذ بضعٍ وستّين سنةً، فهل أفلحوا فيه يومًا أو أنجحوا؟.
قوله تعالى: ليظهره على الدّين كله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ليظهره على الدّين كلّه قال: يظهر اللّه نبيّه على أمر الدّين كلّه، فيعطيه إيّاه كلّه، ولا يخفي عليه منه شيءٌ.
الوجه الثّاني:
- ذكره محمّد بن عامر بن إبراهيم ثنا أبي عن النّعمان بن عبد السّلام عن سفيان وغيره عن خالد الحذّاء عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: بعث اللّه محمّدًا ليظهره على الدّين كلّه، فديننا فوق الملل، ورجالنا فوق نسائهم ولا يكون رجالهم فوق نسائنا.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا المقدّميّ ثنا معمرٌ عن ليثٍ عن مجاهدٍ ليظهره على الدّين كلّه قال: لا يكون ذلك حتّى لا يبقى يهوديّ ولا نصرانيّ ولا صاحب ملّةٍ إلا الإسلام وحتّى تأمن الشّاة الذّئب والبقرة الأسد، والإنسان الحيّة وحتّى لا تقرض فأرةٌ جرابًا وحتّى توضع الجزية ويكسر الصّليب ويقتل الخنزير فهو قوله: ليظهره على الدّين كلّه
وروي عن الضّحّاك أنّه قال: يظهر الإسلام على الدّين كلّ دين.
قوله تعالى: ولو كره المشركون
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولو كره المشركون قال: كان المشركون واليهود يكرهون أن يظهر اللّه نبيّه على أمر الدّين كلّه). [تفسير القرآن العظيم: 6/1786-1787]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 33.
أخرج أحمد ومسلم والحاكم، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله إني كنت أظن حين أنزل الله {ليظهره على الدين كله} أن ذلك سيكون تاما فقال: إنه سيكون من ذلك إن شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فيتوفى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير فيبقى من لا خير فيه يرجعون إلى دين آبائهم.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه {هو الذي أرسل رسوله بالهدى} يعني بالتوحيد والقرآن والإسلام.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} قال: يظهر الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أمر الدين كله فيعطيه إياه كله ولا يخفى عليه شيء منه وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم ليظهره على الدين كله فديننا فوق الملل ورجالنا فوق نسائهم ولا يكونون رجالهم فوق نسائنا.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر والبيهقي في "سننه"، عن جابر رضي الله عنه في قوله {ليظهره على الدين كله} قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام حتى تأمن الشاة الذئب والبقرة الأسد والإنسان الحية وحتى لا تقرض فأرة جرابا وحتى توضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير وذلك إذا نزل عيسى بن مريم عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله في قوله {ليظهره على الدين كله} قال: الأديان ستة، الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا فالأديان كلها تدخل في دين الإسلام والإسلام لا يدخل في شيء منها فإن الله قضى فيما حكم وأنزل أن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله {ليظهره على الدين كله} قال: خروج عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام). [الدر المنثور: 7/326-328]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:27 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه...}
قرأها الثقات بالتنوين وبطرح التنوين. والوجه أن ينوّن لأن الكلام ناقص (وابن) في موضع خبر لعزير. فوجه العمل في ذلك أن تنوّن ما رأيت الكلام محتاجا إلى ابن. فإن اكتفى دون بن، فوجه الكلام ألا ينون. وذلك مع ظهور اسم أبي الرجل أو كنيته. فإذا جاوزت ذلك فأضفت (ابن) إلى مكنّى عنه؛ مثل ابنك، وابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالح، أدخلت النون في التامّ منه والناقص. وذلك أن حذف النون إنما كان في الموضع الذي يجري في الكلام كثيرا، فيستخفّ طرحها في الموضع الذي يستعمل. وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرا فيقال: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، فلا يجرى كثيرا بغير ذلك. وربما حذفت النون وإن لم يتمم الكلام لسكون الباء من ابن، ويستثقل النون إذ كانت ساكنة لقيت ساكنا، فحذفت استثقالا لتحريكها. قال: من ذلك قراءة القرّاء:(عزير ابن الله). وأنشدني بعضهم:

لتجدنّي بالأمير برّا =وبالقناة مدعسا مكرّا
* إذا غطيف السلمي فرّا *
وقد سمعت كثيرا من القراء الفصحاء يقرءون: {قل هو اللّه أحد اللّه الصّمد}. فيحذفون النون من {أحد}. وقال آخر:

كيف نومي على الفراش ولمّا =تشمل الشام غارةٌ شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي =عن خدام العقيلة العذراء
أراد: عن خدامٍ، فحذف النون للساكن إذا استقبلتها. وربما أدخلوا النون في التمام مع ذكر الأب؛ أنشدني بعضهم:
جارية من قيس ابن ثعلبة =كأنها حلية سيف مذهبه
وقال آخر:
وإلا يكن مال يثاب فإنه = سيأتي ثنائي زيدا ابن مهلهل
وكان سبب قول اليهود: عزير ابن الله أن بخت نصّر قتل كلّ من كان يقرأ التوراة، فأتي بعزير فاستصغره فتركه. فلمّا أحياه الله أتته اليهود، فأملى عليهم التوراة عن ظهر لسانه. ثم إن رجلا من اليهود قال: إن أبي ذكر أن التوراة مدفونة في بستان له، فاستخرجت وقوبل بها ما أملى عزير فلم يغادر منها حرفا. فقالت اليهود: ما جمع الله التوراة في صدر عزير وهو غلام إلا وهو ابنه - تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا -.
وقوله: {وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه}. وذكر أن رجلا دخل في النصارى وكان خبيثا منكرا فلبّس عليهم، وقال: هو هو. وقال: هو ابنه، وقال: هو ثالث ثلاثة. فقال الله تبارك وتعالى في قولهم ثالث ثلاثة: {يضاهئون قول الّذين كفروا} في قولهم: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى). [معاني القرآن: 1/431-433]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يضاهون قول الّذين كفروا من قبل} ومجاز المضاهات مجاز التشبيه.
(قاتلهم الله) قتلهم الله، وقلّما يوجد فاعل إلاّ أن يكون العمل من إثنين، وقد جاء هذا ونظيره ونظره: عافاك الله، والمعنى أعفاك الله، وهو من الله وحده.
والنظر والنظير سواء مثل ندّ ونديد، وقال:
ألا هل أتى نظيري مليكة أنّني
{أنّي يؤفكون} كيف يحدّون، وقال كعب بن زهير:
أنّى ألّم بك الخيال يطيف..=. ومطافه لك ذكرةٌ وشعوف
ويقال: رجل مأفوك أي لا يصيب خيراً، وأرض مأفوكة أي لم يصبها مطر وليس بها نبات). [مجاز القرآن: 1/256-257]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون}
[وقال] {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه} وقد طرح بعضهم التنوين وذلك رديء لأنه إنما يترك التنوين إذا كان الاسم يستغني عن الابن وكان ينسب إلى اسم معروف. فالاسم ههنا لا يستغني. ولو قلت "وقالت اليهود عزيز" لم يتمّ كلاما إلا أنه قد قرئ وكثر وبه نقرأ على الحكاية كأنهم أرادوا "وقالت اليهود نبيّنا عزيز ابن الله"). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وابن محيصن وعاصم {وقالت اليهود عزير ابن} بالتنوين؛ وهو الوجه.
وأبو عمرو وشيبة ونافع وأبو جعفر {عزير ابن} بغير تنوين؛ وإنما كان الوجه التنوين؛ لأن "ابن" هنا في موضع الخبر، لا يستغنى عنه؛ فصار كقولك: "زيد ابن عمرو؛ وإنما يترك
[معاني القرآن لقطرب: 627]
التنوين إذا كان ابن وصفا قد أضيف إلى اسم أبيه الغالب عليه؛ كقولك: هذا زيد بن عمرو؛ فلو قلت: "هذا زيد" كنت مستغنيًا عن الصفة.
وقد جاء هذا منونًا؛ قال الحطيئة:
فإن لا يكن مال يثاب فإنه = سيأتي ثنائي زيدا ابن مهلهل
فنون.
وقال الأغلب:
جارية من قيس بن ثعلبه = قباء ذات سرة مقعبة
فنون.
وقد يقولون في كلامهم: هذا زيد بن عمرو؛ وبعض العرب يحذف التنوين إذا لقيه ساكن على هذه القراءة، على كل حال؛ كراهة لتحريك التنوين، وهو ساكن في الأصل.
ومثل هذه القراءة قراءة الحسن "قل هو الله أحد الله الصمد" فترك التنوين في أحد، وهي قراءة عبد الله بن أبي إسحاق؛ وحكي أن قراءة عامة الأعراب على قراءة الحسن.
ومما جاء من الشعر في ذلك، قال الشاعر:
أتجعل صالح الغنوي دوني = ورحلي دون رحلك في الرحال
ترك التنوين لما لقيته اللام الساكنة.
وقال الآخر مثل ذلك:
حيدة خالي ولقيط وعلي = وحاتم الطائي وهاب المئي
ولم يكن كخالك العبد الدعي = يأكل أزمان الهزال والسني
[معاني القرآن لقطرب: 628]
فترك التنوين من "حاتم"، على القراءة التي ذكرنا.
قراءة عاصم {يضاهئون} بالهمز؛ وهي لغة بني أسد.
وسائر القراء الحسن وأبو عمرو {يضاهون} بغير همز، من ضاهيت مضاهاة؛ والأولى من ضاهأته مضاهأة، والمعنى فيهما مالأته وأعنته عليه). [معاني القرآن لقطرب: 629]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله: {قاتلهم الله} فإنما هي تعجب؛ والعرب تقول: قاتعه الله، وكاتعه الله؛ أي قاتله؛ وقالوا أيضًا: قاتعه أهون وأخف من قاتله الله؛ ومثلها في اللفظ قولهم: "شاقاه الله ما باقاه"؛ يريدون: أشقاه ما أبقاه؛ وكأن معنى قاتله: قتله الله كقوله {قتل الخراصون} و{قتل أصحاب الأخدود}.
[معاني القرآن لقطرب: 640]
وأما "المسيح" فكان ابن عباس يقول: الملك؛ وكان ابن الكلبي يقول: لأنه يمسح عين الأعمى والأبرص والمجنون فيبرأ). [معاني القرآن لقطرب: 641]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يضاهون}: والمضاهاة التشبيه.
{قاتلهم الله}: أي قتلهم الله.
{أنى يؤفكون}: يدفعون عنه ويحدون). [غريب القرآن وتفسيره: 162-163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يضاهؤن قول الّذين كفروا من قبل} أي يشبهون. يريد أن من كان في عصر النبي صلّى اللّه عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قاله أوّلوهم). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه
من ذلك الدعاء على جهة الذم لا يراد به الوقوع:
كقول الله عز وجل: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]، و {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]، و{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] وأشباه ذلك.
ومنه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، للمرأة: «عقرى حلقى»، أي عقرها الله، وأصابها بوجع في حلقها.
وقد يراد بهذا أيضا التعجب من إصابة الرجل في منطقه، أو في شعره، أو رميه، فيقال: قاتله الله ما أحسن ما قال، وأخزاه الله ما أشعره، ولله درّه ما أحسن ما احتج به.
ومن هذا قول امرئ القيس في وصف رام أصاب:
فهو لا تنمي رميّته ما له لا عدّ من نفره
يقول: إذا عدّ نفره- أي قومه- لم يعدّ معهم، كأنه قال: قاتله الله، أماته الله.
وكذلك قولهم: هوت أمّه، وهبلته، وثكلته.
قال كعب بن سعد الغنوي:
هَوَتْ أمُّه ما يبعث الصُّبحُ غادِيًا = وما ذا يؤدِّي اللَّيلُ حين يؤوبُ).
[تأويل مشكل القرآن: 276-277] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أنّى}
أنّي: يكون بمعنيين. يكون بمعنى: كيف، نحو قول الله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ} [البقرة: 259] أي كيف يحييها؟ وقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أي كيف شئتم.
وتكون بمعنى: من أين، نحو قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: 101].
والمعنيان متقاربان، يجوز أن يتأول في كل واحد منهما الآخر.
وقال الكميت:
أَنَّى ومِن أَين آبَكَ الطَّرَبُ = مِن حيث لا صبوةٌ ولا رِيَبُ
فجاء بالمعنيين جميعا). [تأويل مشكل القرآن: 525] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالت اليهود عزير ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون}
قرئت {عزير} بالتنوين وبغير تنوين، والوجه إثبات التنوين لأن " ابنا " خبر.
وإنما يحذف التنوين في الصفة نحو قولك: جاءني زيد بن عمرو، فيحذف التنوين لالتقاء السّاكنين وأنّ ابنا مضاف إلى علم وأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد. فإذا كان خبرا فالتنوين وقد يجوز حذف التنوين على ضعف لالتقاء السّاكنين وقد قرئت {قل هو اللّه أحد (1) اللّه الصّمد (2)}.
بحذف التنوين، لسكونها وسكون الباء في قوله: {عزير ابن اللّه}.
وفيه وجه آخر: أن يكون الخبر محذوفا، فيكون معناها عزير ابن اللّه معبودنا، فيكون " ابن " نعتا.
ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود.
وقوله: {ذلك قولهم بأفواههم}.
إن قال قائل: كل قول هو بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم؟
فالفائدة فيه عظيمة بيّنة.
المعنى أنّه ليس فيه بيان ولا برهان إنما هو قول بالفم لا معنى تحته صحيح، لأنهم معترفون بأن الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون له ولدا، فإنما هو تكذّب وقول فقط.
وقوله : {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل}.
أي يشابهون في قولهم هذا ما تقدم من كفرتهم، أي إنما قالوه اتباعا لمن تقدم من كفرتهم. الدليل على ذلك قوله:
(اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه).
أي قبلوا منهم أن العزير والمسيح ابنا الله تعالى.
وهذا معنى: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل}
وقرئ يضاهون، وأصل المضاهاة في اللغة المشابهة، والأكثر ترك الهمزة، واشتقاقه من قولهم: امرأة ضيهاء.
وهي التي لا ينبت لها ثدي، وقيل هي التي لا تحيض.
وإنما معناها أنها أشبهت الرجال في أنّها لا ثدي لها، وكذلك إذا لم تحض. وضهياء فعلاء.
الهمزة زائدة كما زيدت في شمأل، وغرقئ البيضة، ولا نعلم أنها زيدت غير أول، إلا في هذه الأشياء.
ويجوز أن تكون " فعيل " وإن كانت بنية ليس لها في الكلام نظير.
فإنا قد نعرف كثيرا مما لا ثاني له. من ذلك قولهم كنهبل وهو الشجر العظام، تقديره فنعلل، وكذلك قرنفل، لا نظير له وتقديره فعنلل.
وقد قيل:
إبل لا نظير له وإن كان قد جاء إطل وهو الخصر، وقالوا إيطل ثم حذفوا فقالوا إطل، فيجوز أن يكون " يضاهئون " من هذا بالهمز، وتكون همزة ضهياء أصلا في الهمز.
وقوله: {سبحانه عمّا يشركون}.
معناها تنزيها له من شركهم). [معاني القرآن: 2/442-444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذلك قولهم بأفواههم}
يقال قد علم أن القول بالفم فما الفائدة في قوله: {بأفواههم}
والجواب عن هذا انه لا بيان عندهم ولا برهان لهم لأنهم يقولون اتخذ الله صاحبة ويقولون له ولد وقولهم بلا حجة
ثم قال جل وعز: {يضاهون قول الذين كفروا من قبل}
أي يشابهون ويقتفون ما قالوا
ويقرأ {يضاهئون} والمعنى واحد يقال امرأة ضهيا مقصورة وضهياء ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض
ويقال هي التي لا ثدي لها
والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة فمن جعل الهمزة أصلا قال يضاهئون ومن جعلها زائدة وهو أجود قال يضاهون
ثم قال تعالى: {قاتلهم الله أنى يؤفكون}
فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا
ثم قال أنى يؤفكون أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان). [معاني القرآن: 3/200-201]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُضَاهِئُونَ} يشبهون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُضَاهِؤُونَ}: يشابهون
{يُؤْفَكُون}: يدفعون). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً مّن دون اللّه...}
قال: لم يعبدوهم، ولكن أطاعوهم فكانت كالربوبية). [معاني القرآن: 1/433]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أحبارهم ورهبانهم}: قراءهم وعلمائهم). [غريب القرآن وتفسيره: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه} يريد: أنهم كانوا يحلّون لهم الشيء فيستحلونه. ويحرّمون عليهم الشيء فيحرمونه). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}
روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سئل حذيفة عن قول الله جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} هل عبدوهم فقال لا
ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه
حدثنا أبو جعفر قال نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن بنت أحمد بن منيع قال نا الحماني قال نا عبد السلام بن حرب عن غضيف وهو ابن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في رقبتي صليبا من ذهب فقال اطرح هذا عنك قال وسئل عن قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قال أما إنهم ما كانوا يعبدونهم ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم فيحرمونه). [معاني القرآن: 3/201-202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَحْبَارَهُمْ}: علماؤهم
{رُهْبَانَهُمْ}: قراؤهم). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره...}
دخلت {إلاّ} لأن في أبيت طرفا من الجحد؛ ألا ترى أن (أبيت) كقولك: لم أفعل، ولا أفعل، فكأنه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد. ولولا الجحد إذا ظهر أو أتى الفعل محتملا لضميره لم تجز دخول إلاّ؛ كما أنك لا تقول: ضربت إلا أخاك، ولا ذهب إلا أخوك. وكذلك قال الشاعر:
وهل لي أمّ غيرها إن تركتها = أبى اللّه إلا أن أكون لها ابنما
وقل الآخر:
إياداً وأنمارها الغالبين = إلاّ صدودا وإلا ازورارا
أراد: غلبوا إلا صدودا وإلا ازورارا، وقال الآخر:
واعتلّ إلا كل فرع معرق =مثلك لا يعرف بالتلهوق
فأدخل {إلا} لأن الاعتلال في المنع كالإباء. ولو أراد علّة صحيحة لم تدخل إلا؛ لأنها ليس فيها معنى جحد. والعرب تقول: أعوذ بالله إلا منك ومن مثلك؛ لأن الاستعاذة كقولك: اللهم لا تفعل ذا بي). [معاني القرآن: 1/433-434]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}
وقال: {ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره} لأن {أن يتم} اسم كأنه "يأبى الله ألاّ إتمام نوره"). [معاني القرآن: 2/30]

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:29 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومثل الرفع: {طوبى لهم وحسن مآبٍ} يدلّك على رفعها رفع حسن مآبٍ.
وأمّا قوله تعالى جدّه: {ويل يومئذ للمكذبين} و{ويلٌ للمطففين} فإنّه لا ينبغي أن تقول إنّه دعاءٌ ههنا لأنّ الكلام بذلك قبيح واللفظ به قبيحٌ ولكنّ العباد إنّما كلموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنّه والله أعلم قيل لهم ويلٌ للمطففين وويل يومئذٍ للمكذبين أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم لأنّ هذا الكلام إنّما يقال لصاحب الشّر والهلكة فقيل هؤلاء ممن دخل في الشرّ والهلكة ووجب لهم هذا.
ومثل ذلك قوله تعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}. فالعلم قد أتى من وراء ما يكون ولكن اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من اعلم وليسلهما أكثر من ذا ما لم يعلما
ومثله: {قاتلهم الله} فإنما أجرى هذا على كلام العباد وبه أنزل القرآن.
وتقول ويلٌ له ويلٌ طويلٌ فإن شئت جعلته بدلاً من المبتدأ الأوّل وإن شئت جعلته صفةً له وإن شئت قلت ويلٌ لك ويلاً طويلا تجعل الويل الآخر غير مبدول ولا موصوف به ولكنّك تجعله دائماً أي ثبت لك الويل دائما). [الكتاب: 1/331-332] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: هذا زيدٌ ابن أبي عمرو، وأبو عمرو غير كنية، ولكنك أردت أن أباه أبو آخر يقال له عمرو لم يكن في زيد إلا التنوين، إلا في قول من قرأ {قل هو الله أحدُ الله الصمد} وقد مضى تفسيره. ومن قال بالبدل قال: يا زيد ابن عبد الله؛ لأنه دعا زيداً، ثم أبدل منه. فهذا كقوله: يا زيد أخا عبد الله. فعلى هذا يجري هذا الباب.
فأما القراءة فعلى ضربين: قرأ قوم {وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله}؛ لأنه ابتداء وخبر، فلا يكون في عزير إلا التنوين.
ومن قرأ (عزيرُ ابن الله) فإنما أراد خبر ابتداء كأنهم قالوا: هو عزير بن الله، ونحو هذا مما يضمر. ويكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهو يريد الابتداء والخبر. فيصير كقولك: زيد الذي في الدار. فهذا وجه ضعيف جداً؛ لأن حق التنوين أن يحرك لالتقاء الساكنين إلا أن يضطر شاعر على ما ذكرت لك فيكون كقوله:

عمرو العلا هشم الثريد لقومه = ورجال مكة مسنتون عجاف
). [المقتضب: 2/314-315] (م)

تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) }

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) }

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:30 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:31 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:34 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:34 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤن قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون (30)
الذي كثر في كتب أهل العلم أن فرقة من اليهود تقول هذه المقالة، وروي أنه لم يقلها إلا فنحاص، وقال ابن عباس: قالها أربعة من أحبارهم، سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف وقال النقاش: لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فإذا قالها واحد فيتوجه أن يلزم الجماعة شنعة المقالة لأجل نباهة القائل فيهم، وأقوال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها، فمن هنا صح أن تقول الجماعة قول نبيها، وقرأ عاصم والكسائي «عزير ابن الله» بتنوين عزير، والمعنى أن ابنا على هذا خبر ابتداء عن عزير، وهذا هو أصح المذاهب لأن هذا هو المعنى المنعيّ عليهم، وعزيرٌ ونحوه ينصرف عجميا كان أو عربيا، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «عزير ابن الله» دون تنوين عزير، فقال بعضهم «ابن» خبر عن «عزير» وإنما حذف التنوين من عزير لاجتماع الساكنين ونحوه قراءة من قرأ أحدٌ اللّه الصّمد [الإخلاص: 1- 2] قال أبو علي وهو كثير في الشعر، وأنشد الطبري في ذلك: [الرجز]
لتجدنّي بالأمير برّا = وبالقناة مدعسا مكرا
إذا عطيف السلمي برا قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالألف على هذه القراءة والتأويل ثابتة في «ابن» وقال بعضهم «ابن» صفة لـ«عزير» كما تقول زيد بن عمرو وجعلت الصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد وحذف التنوين إذا جاء الساكنان كأنهما التقيا من كلمة واحدة، والمعنى عزير ابن الله معبودنا وإلهنا أو المعنى معبودنا أو إلهنا عزير ابن الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقياس هذه القراءة والتأويل أن يحذف الألف من «ابن» لكنها تثبت في خط المصحف، فيترجح من هذا كله أن قراءة التنوين في «عزير» أقواها، وحكى الطبري وغيره أن بني إسرائيل أصابتهم فتن وبلاء وقيل مرض وأذهب الله عنهم التوراة في ذلك ونسوها، وكان علماؤهم قد دفنوها أول ما أحسوا بذلك البلاء، فلما طالت المدة فقدت التوراة جملة فحفظها الله عزيرا كرامة منه له، فقال لبني إسرائيل إن الله قد حفظني التوراة فجعلوا يدرسونها من عنده، ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي مساوية لما كان عزير يدرس، فضلوا عند ذلك وقالوا إن هذا لن يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله، وظاهر قول النصارى المسيح ابن اللّه أنها بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة، وكذلك يقتضي قول الضحاك والطبري وغيرهما، وهذا أشنع في الكفر، قال أبو المعالي: أطبقت النصارى على أن المسيح إله وأنه ابن الإله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة، وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق البنوة عليه، وهو كفر لمكان الإشكال الذي يدخل من جهة التناسل وكذلك كفرت اليهود في قولهم عزيرٌ ابن اللّه وقولهم نحن أبناء الله، وإنما توجد في كلام العرب استعارة البنوة عبارة عن نسب وملازمات تكون بين الأشياء إذا لم يشكل الأمر وكان أمر النسل لاستحالة من ذلك قول عبد الملك بن مروان: وقد زبنتنا الحرب وزبناها فنحن بنوها وهي أمنا يريد للملازمة ومن ذلك قول حريث بن مخفض:
[الطويل]
بنو المجد لم تقعد بهم أمهاتهم = وآباؤهم أبناء صدق فأنجبوا
ومن ذلك ابن نعش وابن ماء وابن السبيل ونحو ذلك ومنه قول الشاعر: [الكامل]
والأرض تحملنا وكانت أمنا
ومنه أحد التأويلات في قوله صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة ابن زنى» أي ملازمه والتأويل الآخر أن لا يدخلها مشكل الأمر والتأويلان في قول النصارى المسيح ابن اللّه كما تقدم من الصفة والخبر إلا أن شغب التنوين ارتفع هاهنا، وعزيرٌ نبي من أنبياء بني إسرائيل، وقوله بأفواههم يتضمن معنيين:
أحدهما إلزامهم المقالة والتأكيد في ذلك كما قال يكتبون الكتاب بأيديهم [البقرة: 79]، وكقوله ولا طائرٍ يطير بجناحيه [الأنعام: 38]، والمعنى الثاني في قوله بأفواههم أي هو ساذج لا حجة عليه ولا برهان غاية بيانه أن يقال بالأفواه قولا مجردا نفس دعوى، ويضاهؤن قراءة الجماعة ومعناه يحاكون ويبارون ويماثلون، وقرأ عاصم وحده من السبعة وطلحة بن مصرف «يضاهئون» بالهمز على أنه من ضاهأ وهي لغة ثقيف بمعنى ضاهى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومن قال إن هذا مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء وهي التي لا تحيض وقيل التي لا ثدي لها سميت بذلك لشبهها بالرجال فقوله خطأ قاله أبو علي: لأن الهمزة في ضاهأ أصلية وفي ضهياء زائدة كحمراء، وإن كان الضمير في يضاهؤن لليهود والنصارى جميعا فالإشارة بقوله الّذين كفروا من قبل هي إما لمشركي العرب إذ قالوا الملائكة بنات الله وهم أول كافر وهو قول الضحاك: وإما لاسم سالفة قبلهما، وإما للصدر الأول من كفرة اليهود والنصارى، ويكون يضاهؤن لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان الضمير في يضاهؤن للنصارى فقط كانت الإشارة ب الّذين كفروا من قبل إلى اليهود، وعلى هذا فسر الطبري وحكاه الزهراوي عن قتادة، وقوله قاتلهم اللّه دعاء عليهم عام لأنواع الشر، ومعلوم أن من قاتله الله فهو المغلوب المقتول، وحكى الطبري عن ابن عباس أن المعنى لعنهم الله، وأنّى يؤفكون مقصده أنى توجهوا أو أنى ذهبوا وبدل مكان هذا الفعل المقصود فعل سوء يحق لهم، وذلك فصيح في الكلام كما تقول لعن الله الكافر أنى هلك كأنك تحتم عليه بهلاك وكأنه حتم عليهم في هذه الآية بأنهم يؤفكون، ومعناه يحرمون ويصرفون عن الخير، والأرض المأفوكة التي لم يصبها مطر، قال أبو عبيدة يؤفكون معناه يحدون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد من قولك رجل محدود أي محروم لا يصيب خيرا، وكأنه من الإفك الذي هو الكذب، فكأن المأفوك هو الذي تكذبه أراجيه فلا يلقى خيرا. ويحتمل أن يكون قوله تعالى: أنّى يؤفكون ابتداء تقرير، أي بأي سبب ومن أي جهة يصرفون عن الحق بعد ما تبين لهم، و «قاتل» في هذه الآية بمعنى قتل وهي مفاعلة من واحد وهذا كله بين). [المحرر الوجيز: 4/ 292-297]

تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون (31) يريدون أن يطفؤا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون (32) هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون (33)
واحد «الأحبار» حبر بكسر الحاء، ويقال حبر بفتح الحاء والأول أفصح، ومنه مداد الحبر، والحبر بالفتح: العالم، وقال يونس بن حبيب: لم أسمعه إلا بكسر الحاء، وقال الفراء: سمعت فتح الحاء وكسرها في العالم، وقال ابن السكيت الحبر: بالكسر المداد والحبر بالفتح العالم، و «الرهبان» جمع راهب وهو الخائف من الرهبة، وسماهم أرباباً وهم لا يعبدوهم لكن من حيث تلقوا الحلال والحرام من جهتهم،
وهو أمر لا يتلقى إلا من جهة الله عز وجل ونحو هذا قال ابن عباس وحذيفة بن اليمان وأبو العالية، وحكى الطبري أن عدي بن حاتم قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب ذهب، فقال: يا عدي اطرح هذا الصليب من عنقك، فسمعته يقرأ اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه، فقلت يا رسول الله وكيف ولم نعبدهم؟ فقال أليس تستحلون ما أحلوا وتحرمون ما حرموا قلت نعم. قال فذاك، والمسيح عطف على الأحبار والرهبان،
وسبحانه نصب على المصدر والعامل فيه فعل من المعنى لأنه ليس من لفظ سبحان فعل، والتقدير أنزهه تنزيها، فمعنى سبحانه تنزيها له، واحتج من يقول إن أهل الكتاب مشركون بقوله تعالى عمّا يشركون، والغير يقول إن اتخاذ هؤلاء الأرباب ضرب ما من الإشراك وقد يقال في المرائي إنه أشرك وفي ذلك آثار). [المحرر الوجيز: 4/ 297-298]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يريدون أن يطفؤا نور اللّه الآية، نور اللّه في هذه الآية هداه الصادر عن القرآن والشرع المثبت في قلوب الناس فمن حيث سماه نورا سمي محاولة إفساده والصد في وجهه إطفاء، وقالت فرقة: النور القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا معنى لتخصيص شيء مما يدخل تحت المقصود بالنور، وقوله بأفواههم عبارة عن قلة حيلتهم وضعفها، أخبر عنهم أنهم يحاولون مقاومة أمر جسيم بسعي ضعيف فكان الإطفاء بنفخ الأفواه، ويحتمل أن يراد بأقوال لا برهان عليها فهي لا تجاوز الأفواه إلى فهم سامع، وقوله ويأبى إيجاب يقع بعده أحيانا إلا وذلك لوقوعه هو موقع الفعل المنفي، لأن التقدير ولا يريد الله إلا أن يتم نوره وقال الفراء: هو إيجاب فيه طرف من النفي، ورد الزجاج على هذه العبارة وبيانه ما قلناه).[المحرر الوجيز: 4/ 298]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ الآية، رسوله يراد به محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله بالهدى يعم القرآن وجميع الشرع، وقوله ودين الحقّ إشارة إلى الإسلام والملة بجمعها وهي الحنيفية، وقوله ليظهره قال أبو هريرة وأبو جعفر محمد بن علي وجابر بن عبد الله ما معناه:
إن الضمير عائد على الدين وإظهاره عند نزول عيسى ابن مريم وكون الأديان كلها راجعة إلى دين الإسلام فذلك إظهاره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكأن هذه الفرقة رأت الإظهار على أتم وجوهه أي حتى لا يبقى معه دين آخر، وقالت فرقة ليظهره على الدّين أي ليجعله أعلاها وأظهرها وإن كان معه غيره كان دونه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا لا يحتاج إلى نزول عيسى بل كان هذا في صدر الأمة وهو حتى الآن إن شاء الله وقالت فرقة: الضمير عائد على الرسول، ومعنى ليظهره ليطلعه ويعلمه الشرائع كلها والحلال والحرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التأويل وإن كان صحيحا جائزا فالآخر أبرع منه وأليق بنظام الآية وأحرى مع كراهية المشركين، وخص المشركون هنا بالذكر لما كانت كراهية مختصة بظهور دين محمد صلى الله عليه وسلم فذكره العظم والأول ممن كره ذلك وصد فيه، وذكر الكافرون في الآية قبل لأنها كراهية إتمام نور الله في قديم الدهر وفي باقية فعم الكفر من لدن خلق الدنيا إلى انقراضها إذ قد وقعت الكراهية والإتمام مرارا كثيرة).[المحرر الوجيز: 4/ 298-299]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:35 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:35 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون (30) اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون (31)}
وهذا إغراءٌ من اللّه تعالى للمؤمنين على قتال المشركين الكفّار من اليهود والنّصارى، لمقالتهم هذه المقالة الشّنيعة، والفرية على اللّه تعالى، فأمّا اليهود فقالوا في العزير: "إنّه ابن اللّه"، تعالى [اللّه] عن ذلك علوًّا كبيرًا. وذكر السّدّيّ وغيره أنّ الشّبهة الّتي حصلت لهم في ذلك، أنّ العمالقة لمّا غلبت على بني إسرائيل، فقتلوا علماءهم وسبوا كبارهم، بقي العزير يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم، حتّى سقطت جفون عينيه، فبينا هو ذات يومٍ إذ مرّ على جبّانةٍ، وإذ امرأةٌ تبكي عند قبرٍ وهي تقول: وامطعماه! واكاسياه! [فقال لها ويحك] من كان يطعمك قبل هذا؟ قالت: اللّه. قال: فإنّ اللّه حيٌّ لا يموت! قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: اللّه. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فعرف أنّه شيءٌ قد وعظ به. ثمّ قيل له: اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه، وصلّ هناك ركعتين، فإنّك ستلقى هناك شيخًا، فما أطعمك فكله. فذهب ففعل ما أمر به، فإذا شيخٌ فقال له: افتح فمك. ففتح فمه. فألقى فيه شيئًا كهيئة الجمرة العظيمة، ثلاث مرّاتٍ، فرجع عزير وهو من أعلم النّاس بالتّوراة، فقال: يا بني إسرائيل، قد جئتكم بالتّوراة. فقالوا: يا عزير، ما كنت كذّابا. فعمد فربط على إصبعٍ من أصابعه قلمًا، وكتب التّوراة بإصبعه كلّها، فلمّا تراجع النّاس من عدوّهم ورجع العلماء، وأخبروا بشأن عزيرٍ، فاستخرجوا النّسخ الّتي كانوا أودعوها في الجبال، وقابلوها بها، فوجدوا ما جاء به صحيحًا، فقال بعض جهلتهم: إنّما صنع هذا لأنّه ابن اللّه.
وأمّا ضلال النّصارى في المسيح فظاهرٌ؛ ولهذا كذّب اللّه سبحانه الطّائفتين فقال: {ذلك قولهم بأفواههم} أي: لا مستند لهم فيما ادّعوه سوى افترائهم واختلاقهم، {يضاهئون} أي: يشابهون {قول الّذين كفروا من قبل} أي: من قبلهم من الأمم، ضلّوا كما ضلّ هؤلاء، {قاتلهم اللّه} وقال ابن عبّاسٍ: لعنهم اللّه، {أنّى يؤفكون}؟ أي: كيف يضلّون عن الحقّ، وهو ظاهرٌ، ويعدلون إلى الباطل؟). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 134]

تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ([وقوله] {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم} روى الإمام أحمد، والتّرمذيّ، وابن جريرٍ من طرقٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، رضي اللّه عنه، أنّه لمّا بلغته دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرّ إلى الشّام، وكان قد تنصّر في الجاهليّة، فأسرت أخته وجماعةٌ من قومه، ثمّ منّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أخته وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، ورغّبته في الإسلام وفي القدوم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقدم عديّ المدينة، وكان رئيسًا في قومه طيّئٍ، وأبوه حاتمٌ الطّائيّ المشهور بالكرم، فتحدّث النّاس بقدومه، فدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي عنق عديّ صليبٌ من فضّةٍ، فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} قال: فقلت: إنّهم لم يعبدوهم. فقال: "بلى، إنّهم حرّموا عليهم الحلال، وأحلّوا لهم الحرام، فاتّبعوهم، فذلك عبادتهم إيّاهم". وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عديّ، ما تقول؟ أيفرّك أن يقال: اللّه أكبر؟ فهل تعلم شيئًا أكبر من اللّه؟ ما يفرك؟ أيفرّك أن يقال لا إله إلّا اللّه؟ فهل تعلم من إلهٍ إلّا اللّه"؟ ثمّ دعاه إلى الإسلام فأسلم، وشهد شهادة الحقّ، قال: فلقد رأيت وجهه استبشر ثمّ قال: "إنّ اليهود مغضوبٌ عليهم، والنّصارى ضالّون"
وهكذا قال حذيفة بن اليمان، وعبد اللّه بن عبّاسٍ، وغيرهما في تفسير: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} إنّهم اتّبعوهم فيما حلّلوا وحرّموا.
وقال السّدّيّ: استنصحوا الرّجال، وتركوا كتاب اللّه وراء ظهورهم.
ولهذا قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا} أي: الّذي إذا حرّم الشّيء فهو الحرام، وما حلّله حلّ، وما شرعه اتّبع، وما حكم به نفّذ.
{لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون} أي: تعالى وتقدّس وتنزّه عن الشّركاء والنّظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 135]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون (32) هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون (33)}
يقول تعالى: يريد هؤلاء الكفّار من المشركين وأهل الكتاب {أن يطفئوا نور اللّه} أي: ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحقّ، بمجرّد جدالهم وافترائهم، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشّمس، أو نور القمر بنفخه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل اللّه به رسوله لا بدّ أن يتمّ ويظهر؛ ولهذا قال تعالى مقابلًا لهم فيما راموه وأرادوه: {ويأبى اللّه إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}
والكافر: هو الّذي يستر الشّيء ويغطّيه، ومنه سمّي اللّيل "كافرًا"؛ لأنّه يستر الأشياء، والزّارع كافرًا؛ لأنّه يغطّي الحبّ في الأرض كما قال: {أعجب الكفّار نباته} [الحديد: 20]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 135-136]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ} فالهدى: هو ما جاء به من الإخبارات الصّادقة، والإيمان الصّحيح، والعلم النّافع -ودين الحقّ: هي الأعمال [الصّالحة] الصّحيحة النّافعة في الدّنيا والآخرة.
{ليظهره على الدّين كلّه} أي: على سائر الأديان، كما ثبت في الصّحيح، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ اللّه زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن محمّد بن أبي يعقوب: سمعت شقيق بن حيّان يحدّث عن مسعود بن قبيصة -أو: قبيصة بن مسعودٍ -يقول: صلّى هذا الحيّ من "محارب" الصّبح، فلمّا صلّوا قال شابٌّ منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإنّ عمّالها في النّار، إلّا من اتّقى اللّه وأدّى الأمانة"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، حدّثنا سليم بن عامرٍ، عن تميمٍ الدّاريّ، رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنّهار، ولا يترك اللّه بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله هذا الدّين، بعزّ عزيزٍ، أو بذلّ ذليلٍ، عزًّا يعزّ اللّه به الإسلام، وذلًّا يذلّ اللّه به الكفر"، فكان تميمٌ الدّاريّ يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذّلّ والصّغار والجزية
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن عبد ربّه، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثني ابن جابرٍ، سمعت سليم بن عامرٍ قال: سمعت المقداد بن الأسود يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر، إلّا أدخله اللّه كلمة الإسلام بعزّ عزيزٍ، أو بذلّ ذليلٍ، إمّا يعزّهم اللّه فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها"
وفي المسند أيضًا: حدّثنا محمّد بن أبي عديّ، عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن أبي حذيفة، عن عديّ بن حاتمٍ سمعه يقول: دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا عديّ، أسلم تسلم". فقلت: إنّي من أهل دينٍ. قال: "أنا أعلم بدينك منك". فقلت: أنت أعلم بديني منّي؟ قال: "نعم، ألست من الرّكوسيّة، وأنت تأكل مرباع قومك؟ ". قلت: بلى. قال: "فإنّ هذا لا يحلّ لك في دينك". قال: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، قال: "أما إنّي أعلم ما الّذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنّما اتّبعه ضعفة النّاس ومن لا قوّة له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ " قلت: لم أرها، وقد سمعت بها. قال: "فوالّذي نفسي بيده، ليتمّنّ اللّه هذا الأمر حتّى تخرج الظّعينة من الحيرة، حتّى تطوف بالبيت في غير جوار أحدٍ، ولتفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز". قلت: كسرى بن هرمز؟. قال: "نعم، كسرى بن هرمز، وليبذلنّ المال حتّى لا يقبله أحدٌ". قال عديّ بن حاتمٍ: فهذه الظّعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت في غير جوار أحدٍ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والّذي نفسي بيده، لتكوننّ الثّالثة؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قالها.
وقال مسلمٌ: حدّثنا أبو معنٍ زيد بن يزيد الرّقاشيّ، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، عن الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تعبد اللات والعزّى". فقلت: يا رسول اللّه، إن كنت لأظنّ حين أنزل اللّه، عزّ وجلّ: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ} إلى قوله: {ولو كره المشركون} أنّ ذلك تامٌّ، قال: "إنّه سيكون من ذلك ما شاء اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ يبعث اللّه ريحًا طيّبةً [فيتوفّى كلّ من كان في قلبه مثقال حبّة خردلٍ من إيمانٍ] فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 136-137]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة