العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:20 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الأحزاب

التفسير اللغوي لسورة الأحزاب

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 05:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 8]

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) }

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ اتّق اللّه ولا تطع الكافرين} [الأحزاب: 1] في الشّرك باللّه.
{والمنافقين} ولا تطع المنافقين حتّى تكون وليجةً في دين اللّه، والوليجة أن يدخل في دين اللّه ما يقارب به المنافقين.
قال: {إنّ اللّه كان عليمًا حكيمًا {1}). [تفسير القرآن العظيم: 2/697]
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):
(وقوله: {اتّق اللّه...}
قال الفراء): يقول القائل : فيم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتقوى؟.
فالسّبب في ذلك : أنّ أبا سفيان بن حرب , وعكرمة بن أبي جهل , وأبا الأعور السّلمي قدموا إلى المدينة، فنزلوا على عبد الله بن أبيّ بن سلول , ونظرائه من المنافقين، فسألوا رسول الله أشياء يكرهها، فهمّ بهم المسلمون , فنزل {يا أيّها النّبيّ اتّق اللّه} في نقض العهد؛ لأنه كانت بينهم موادعة فأمر بألاّ ينقض العهد, {ولا تطع الكافرين} من أهل مكّة , {والمنافقين} من أهل المدينة فيما سألوك.) [معاني القرآن للفراء: 2/333-334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}
ففيه تأويلان:

أحدهما: أن تكون المخاطبة لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره من الشّكّاك؛ لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثّلهم: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون، يدلك على ذلك أنه قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا، يعني أهل الكتاب، فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد المشركون.
ومثل هذا قول الكميت في مدح رسول الله، صلّى الله عليه وسلم:
إلى السّراج المنير أحمد لا = يعدلني رغبةٌ ولا رَهَبُ
عنه إلى غيره ولو رفع النَّـ = ـاسُ إليَّ العيون وارتقبوا
وقيل: أفرطتَ، بل قصدتُ = ولو عنَّفني القائلون أو ثلبوا
لَجَّ بتفضيلك اللّسانُ ولو = أُكثرَ فيك اللَّجاجُ واللَّجَبُ
أنت المصفَّى المحضُ المهذَّب في النِّسْـ = ـبَةِ إنْ نصَّ قومك النَّسَبُ

فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم، والمراد أهل بيته، فورّى عن ذكرهم به، وأراد بالعائبين واللائمين بني أمية.
وليس يجوز أن يكون هذا للنبي، صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس أحد من المسلمين يسوءه مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا يعنّف قائلا عليه، ومن ذا يساوى به، ويفضّل عليه، حتى يكثر في مدحه الضّجاج واللّجب؟.
وإن الشعراء ليمدحون الرجل من أوساط الناس فيفرطون ويفرّطون فيغلون وما يرفع الناس إليهم العيون ولا يرتقبون، فكيف يلام هذا على الاقتصاد في مدح من الإفراط في مدحه غير تفريط، ولكنه أراد أهل بيته.
والتأويل الآخر: أن الناس كانوا في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم أصنافا: منهم كافر به مكذّب، لا يرى إلا أن ما جاء به الباطل.
وآخر: مؤمن به مصدّق يعلم أن ما جاء به الحق.
وشاك في الأمر لا يدري كيف هو، فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى.
فخاطب الله سبحانه هذا الصّنف من الناس فقال: فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم فسل الأكابر من أهل الكتاب والعلماء الذين يقرؤون الكتاب من قبلك، مثل: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الدّاري وأشباههم، ولم يرد المعاندين منهم فيشهدون على صدقه، ويخبرونك بنبوّته، وما قدّمه الله في الكتب من ذكره فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} ، وهو يريد غير النبي، صلّى الله عليه وسلم.
كما قال في موضع آخر: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}
وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.
وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ}.
ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:
إذا كنت متّخذا صاحبا = فلا تصحبنَّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم.
وهذا، وإن كان جائزا حسنا، فإنّ المذهب الأول أعجب إليّ؛ لأنّ الكلام اتصل حتى قال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
وهذا لا يجوز أن يكون إلّا لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم). [تأويل مشكل القرآن: 269-274] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ اتّق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين إنّ اللّه كان عليما حكيما}
معناه : اثبت على تقوى الله , ودم عليها.
وقوله:{إنّ اللّه كان عليما حكيما}:أي : كان عليما بما يكون قبل كونه، حكيما فيما يخلقه قبل خلقه إياه.). [معاني القرآن: 4/213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين}
معناه : اثبت على تقوى الله , ما قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا} .). [معاني القرآن: 5/317]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({واتّبع ما يوحى إليك من ربّك إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا {2}} [الأحزاب: 2]، يعني: العامّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/697]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ({واتّبع ما يوحى إليك من ربّك إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا (2)}: يعني به القرآن.).
[معاني القرآن: 4/213]

تفسير قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا} [الأحزاب: 3] متوكّلا عليه، وقال أيضًا: {ونعم الوكيل} [آل عمران: 173] ونعم المتوكّل عليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/697]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا (3)}

معناه : وكفى بالله وكيلا، دخلت الباء بمعنى الأمر، وإن كان لفظه لفظ الخبر.
المعنى :اكتف باللّه وكيلا.). [معاني القرآن: 4/213]

تفسير قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ما جعل اللّه لرجلٍ من قلبين في جوفه} [الأحزاب: 4] تفسير مجاهدٍ: أنّ رجلا من المشركين من بني فهرٍ قال: إنّ في جوفي لقلبين أعقل بكلّ واحدٍ منهما أفضل من عقل محمّدٍ، وكذب.
وتفسير الكلبيّ: أنّ رجلا من قريشٍ يقال له جميلٌ كان حافظًا لما
[تفسير القرآن العظيم: 2/697]
سمع، فقالت قريشٌ: ما يحفظ جميلٌ ما يحفظ بقلبٍ واحدٍ، إنّ له لقلبين.
قوله عزّ وجلّ: {وما جعل أزواجكم اللّائي تظاهرون منهنّ أمّهاتكم} [الأحزاب: 4] إذا قال الرّجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي، لم تكن عليه مثل أمّه في التّحريم، فتحرم عليه أبدًا، ولكن عليه كفّارة الظّهار في أوّل سورة المجادلة، {فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ {3} فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا} [المجادلة: 3-4] وكان الظّهار عندهم في الجاهليّة طلاقًا فجعل اللّه فيه الكفّارة.
قال: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} [الأحزاب: 4] عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا، قال: هذا في زيد بن حارثة، تبنّاه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان الرّجل في الجاهليّة يكون ذليلا، فيأتي الرّجل ذا القوّة والشّرف، فيقول: أنا ابنك، فيقول: نعم، فإذا قبله واتّخذه ابنًا أصبح أعزّ أهلها، وكان زيد بن حارثة منهم، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تبنّاه يومئذٍ على ما كان
يصنع في الجاهليّة، وكان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا جاء الإسلام أمرهم اللّه أن يلحقوهم بآبائهم فقال: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم} [الأحزاب: 4]، يعني: ادّعاءهم هؤلاء وقول الرّجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي.
قال: {واللّه يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل} [الأحزاب: 4] يهدي إلى الهدى، وقوله الحقّ في هذا الموضع أنّه أمر هؤلاء المدّعين أن يلحقوا هؤلاء المدّعين بآبائهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/698]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {مّا جعل اللّه لرجلٍ مّن قلبين في جوفه...}

إنما جرى ذكر هذا لرجل كان يقال له جميل بن أوس , ويكنى أبا معمرٍ, وكان حفظاً للحديث كثيره، فكان أهل مكّة يقولون: له قلبان , وعقلان من حفظه , فانهزم يوم بدر، فمرّ بأبي سفيان , وهو في العير، فقال: ما حال الناس يا أبا معمرٍ؟ .
فقال: بين مقتولٍ وهارب.
قال: فما بال إحدى نعليك في رجلك , والأخرى في يدك؟ .
قال: لقد ظننت أنهما جميعاً في رجليّ؛ فعلم كذبهم في قولهم: له قلبان, ثم ضم إليه : {وما جعل}.
وقوله: {وما جعل أزواجكم اللاّئي تظاهرون منهنّ أمّهاتكم} : أي : هذا باطل؛ كما أن قولكم في جميل باطل, إذا قال الرجل: امرأته عليه كظهر أمّه , فليس كذلك، وفيه من الكفّارة ما جعل الله.
وقوله: {تظاهرون} خفيفة , قرأها يحيى بن وثّاب, وقرأها الحسن:{تظهّرون} مشدّدةً بغير ألفٍ, وقرأها أهل المدينة {تظّهّرون} بنصب التاء، وكلّ صواب, معناه متقارب .
العرب تقول: عقّبت وعاقبت، {وعقّدتم الأيمان} , و{عاقدتم} , {ولا تصعّر خدّك}
و{لا تصاعر}: اللهمّ لا تراءبي، وترأبّي.
وقد قرأ بذلك قولهم فقالوا: {يراءون} و{يرءّون} مثل يرعّون.
وقد قرأ بعضهم {تظاهرون} , وهو وجه جيّد لا أعرف إسناده.
وقوله: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}.
كان أهل الجاهليّة إذا أعجب أحدهم جلد الرجل , وظرفه ضمّه إلى نفسه، وجعل له مثل نصيب ذكر من ولده من ميراثه. وكانوا ينسبون إليهم، فيقال: فلان بن فلان للذي أقطعه إليه, فقال الله : {ذلكم قولكم بأفواهكم}, وهو باطل , {واللّه يقول الحقّ} غير ما قلتم). [معاني القرآن: 2/333-335]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({مّا جعل اللّه لرجلٍ مّن قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللاّئي تظاهرون منهنّ أمّهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم واللّه يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل}
قال: {مّن قلبين في جوفه} : إنّما هو "ما جعل الله لرجلٍ قلبين في جوفه" , وجاءت {من} توكيدا كما تقول "رأيت زيداً نفسه" , فأدخل "من" توكيدا.).[معاني القرآن: 3/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}: من تبنّيتموه , واتخذتموه ولدا, يقول: ما جعلهم بمنزلة الصّلب، وكانوا يورّثون من ادّعوه.
{ذلكم قولكم بأفواهكم} : أي : قولكم على التّشبيه , والمجاز، لا على الحقيقة{واللّه يقول الحقّ}.). [تفسير غريب القرآن: 348]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل:{ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللّائي تظاهرون منهنّ أمّهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم واللّه يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل (4)}
قال ابن عباس: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى فسها كما يسهو الرجال في صلاته، وخطرت على باله كلمة , فقال المنافقون إنّ له قلبين، قلبا معكم , وقلبا مع أصحابه).
وأكثر ما جاء في التفسير : أن عبد اللّه بن خطل كانت قريش تسميه ذا القلبين، وروي أنه قال: إن لي قلبين أفهم بكل واحد منهما أكثر مما يفهم محمد، فأكذبه اللّه عزّ وجلّ فقال: {ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه}
ثم قرن بهذا الكلام ما يقوله المشركون غيرهم مما لا حقيقة له , فقال عزّ وجلّ: {وما جعل أزواجكم اللّائي تظاهرون منهنّ أمّهاتكم}
وتقرأ :{تظّاهرون}منهنّ، فمن قرأ {تظاهرون} بالتخفيف فعلى قولك: ظاهر الرجل من امرأته، ومن قرأ {تظّاهرون} - بالتشديد - فعلى تظاهر الرجل من امرأته، ومعناه أنه قال لها: أنت عليّ كظهر أمّي، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الزوجة لا تكون أمّا، وكانت الجاهلية تطلّق بهذا الكلام، فأنزل اللّه كفارة الظهار في سور المجادلة.
وقوله عزّ وجلّ: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}: أي : ما جعل من تدعونه ابنا , وليس بولد في الحقيقة ابنا.
وكانوا يتوارثون على الهجرة, ولا يرث الأعرابي من المهاجر، وإن كان النسب يوجب له الإرث, فأعلم اللّه أن أولى الأرحام بعضهم أولى ببعض، وأبطل الإرث بالهجرة.
وقوله: {ذلكم قولكم بأفواهكم}:أي : ادّعاؤكم نسب من لا حقيقة لنسبه , قول بالفم لا حقيقة معنى تحته.
{واللّه يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل}:أي : اللّه لا يجعل الابن غير الابن، وهو يهدي السّبيل، أي: يهدي السبيل المستقيمة مثل قوله: {فقد ضلّ سواء السّبيل}). [معاني القرآن: 4/213-214-215]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {إن الله كان عليما حكيما}
أي : عليما بما يكون قبل أن يكون حكيما فيما يخلقه قبل أن يخلقه
وقوله جل وعز: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}
قال أبو جعفر : في معنى هذا , ونزوله ثلاث أقوال: فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال : حدثنا سلمة , قال حدثنا عبد الرزاق , قال أخبرنا معمر , قال: (قال قتادة : كان رجل لا يسمع شيئا إلا وعاه , فقال الناس : ما يعي هذا إلا أن له قلبين , فكان يسمى ذا القلبين , فقال الله عز وجل :{ما جعل الله لرجل من قلبين}).
قال معمر , وقال الحسن : (كان رجل يقول إن نفسا تأمرني بكذا , ونفسا تأمرني بكذا , فقال الله جل وعز: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ).
وروى أبو هلال , عن عبد الله بن بريدة قال : (كان في الجاهلية رجل يقال له ذو قلبين , فأنزل الله جل وعز: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ).
وروى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: (قال رجل من بني فهر : إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه وسلم , وكذب).
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد , وهو أن الآية نزلت في رجل بعينه , ويقال : إن الرجل عبد الله بن خطل.
والقول الثاني: قول ضعيف لا يصح في اللغة , وهو من منقطعات الزهري رواه معمر عنه , في قوله جل وعز: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} .
قال: بلغنا أن ذلك في شأن زيد بن حارثة ضرب له مثلا , يقول : ليس ابن رجل آخر ابنك.
والقول الثالث : أصحها وأعلاها إسنادا , وهو جيد الإسناد .
قرئ على محمد بن عمرو بن خالد , عن أبيه قال: حدثنا زهير بن معاوية , قال : حدثنا قابوس بن أبي ظبيان : أن أباه حدثه , قال : قلنا لابن عباس : أرأيت قول الله جل وعز: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} .:ما معني بذلك ؟..
قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلي , فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترون أن له قلبين , قلبا معكم , وقلبا معهم , فأنزل الله جل وعز: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه})
قال أبو جعفر : وهذا أولى الأقوال في الآية لما قلنا .
والمعنى : ما جعل الله لرجل قلبا يحب به، وقلبا يبغض به , وقلبا يؤمن به , وقلبا يكفر به, ثم قرن بهذا ما كان المشركون يطلقون به مما لا يكون , فقال: {وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم}
وهو لفظ مشتق من الظهر , وقرأ الحسن : تظاهرون , وأنكر هذه القراءة أبو عمرو بن العلاء , وقال : (إنما يكون هذا من المعاونة).
قال أبو جعفر : وليس يمتنع شيء من هذا لاتفاق اللفظين , ويدل على صحته الظهار , ثم قال جل وعز: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم
أي : ما جعل من تبنيتموه , واتخذتموه ولدا بمنزلة الولد في الميراث
قال مجاهد : (نزل هذا في زيد بن حارثة) .
ثم قال جل وعز: {ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}
أي : هو شيء تقولونه على التشبيه , وليس بحقيقة , والله يقول الحق , أي : لا يجعل غير الولد ولدا , وهو يهدي السبيل , أي:سبيل الحق.). [معاني القرآن: 5/317-322]

تفسير قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه} [الأحزاب: 5] أعدل عند اللّه.
{فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم} [الأحزاب: 5]، يعني: المولى الّذي
[تفسير القرآن العظيم: 2/698]
يعتق...
السّدّيّ.
قال يحيى: قولوا وليّنا فلانٌ، وأخونا فلانٌ.
{وليس عليكم جناحٌ} [الأحزاب: 5] إثمٌ.
{فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم} [الأحزاب: 5] إن أخطأ الرّجل بعد النّهي فنسبه إلى الّذي تبنّاه ناسيًا، فليس عليه في ذلك إثمٌ.
{ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 5] أن تدعوهم إلى غير آبائهم الّذين ألحقهم اللّه بهم متعمّدين لذلك وهذا تفسير الحسن.
وقال مجاهدٌ: {وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به} [الأحزاب: 5] قبل النّهي عن هذا وغيره {به ولكن ما تعمّدت قلوبكم} [الأحزاب: 5] بعد النّهي في هذا وغيره.
{وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 5]
- نصر بن طريفٍ، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سعد بن مالكٍ قال: سمعت أذناي ووعى قلبي من محمّدٍ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنّه غير أبيه، فالجنّة عليه حرامٌ»، قال: فلقيت أبا بكرة فأخبرته، فقال: قد سمعته من النّبيّ عليه السّلام). [تفسير القرآن العظيم: 2/699]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (ثم أمرهم فقال: {ادعوهم لآبائهم...}

أي : انسبوهم إلى آبائهم, وقوله: {فإن لّم تعلموا آباءهم} , فانسبوهم إلى نسبة مواليكم الذين لا تعرفون آباءهم: فلان بن عبد الله، بن عبد الرحمن ونحوه.
وقوله: {وليس عليكم جناحٌ} : فيما لم تقصدوا له من الخطأ، إنما الإثم فيما تعمّدتم.
وقوله: {ولكن مّا تعمّدت قلوبكم} : (ما) في موضع خفض مردودة على (ما) التي مع الخطأ.). [معاني القرآن: 2/335]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ فإخوانكم في الدّين}:أي: إخوانكم في الملّة , وخرج مخرج فتىً , والجميع فتيان وفيتية.
{ومواليكم }: أي : بنو عمكم , وولاتكم.). [مجاز القرآن: 2/134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه فإن لّم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ولكن مّا تعمّدت قلوبكم وكان اللّه غفوراً رّحيماً}
وقال: {ادعوهم لآبائهم} : لأنك تقول: "هو يدعى لفلان".). [معاني القرآن: 3/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({هو أقسط عند الله}: أعدل). [غريب القرآن وتفسيره: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هو أقسط عند اللّه}: أي:أعدل , وأصحّ.). [تفسير غريب القرآن: 348]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان اللّه غفورا رحيما (5)}
{ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه}: أي: هو أعدل.
{فإن لم تعلموا آباءهم}:أي : فإن لم تعلموا أنّ المدعوّ ابن فلان , فهو أخوك في الدّين إذا كان مؤمنا، أي : فقل : يا أخي.
{ومواليكم}:أي : بنو عمّكم، ويجوز أن يكون: ومواليكم , أي: أولياؤكم في الدّين.
{وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم}:
في هذا وجهان:
أحدهما : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به مما قد فعلتموه قبل أن تنهوا عن هذا، ولكن ما تعمّدت قلوبكم، أي : ولكن الإثم فيما تعمّدت قلوبكم.
و (ما) في موضع جرّ عطف على (ما) الأولى, المعنى: وليس عليكم جناح في الذي أخطأتم به, ولكن في الذي تعمّدت قلوبكم.
ويجوز أن يكون: ولا جناح عليكم في أن تقولوا له يا بنيّ على غير أن تتعمّد أن تجريه مجرى الولد في الإرث.). [معاني القرآن: 4/215]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}
روى سالم عن ابن عمر قال : (ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد , حتى نزلت :{ادعوهم لآبائهم }).
ثم قال جل وعز: {هو أقسط عند الله} : أي أعدل , وقوله جل وعز: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} : أي : فقولوا : أخي في الدين.
{ومواليكم } : أي : بنو عمكم , أو أولياؤكم في الدين .
ثم قال جل وعز: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم}
في معناه ثلاثة أقوال:
قال مجاهد : {فيما أخطأتم به} (قبل النهي في هذا , وفي غيره , {ولكن ما تعمدت قلوبكم} بعد النهي في هذا , وفي غيره ).
وقيل: {فيما أخطأتم به} : أن يقول له يا بني في المخاطبة على غير تبن .
وقال قتادة : (هو أن تنسب الرجل إلى غير أبيه , وأنت ترى أنه أبوه . وهذا أولاها وأبينها) .
وقوله جل وعز: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}
روى جابر , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم , فأيما رجل مات وترك دي, فإلي , وإن ترك مالا فلورثته .)).
وحقيقة معنى الآية - والله جل وعز أعلم -: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء , أو نهى عنه , ثم خالفته النفس , كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه أولى بالاتباع من الناس.). [معاني القرآن: 5/322-324]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {هو أقسط عند الله}:أي: أعدل عند الله.). [ياقوتة الصراط: 409]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَقْسَطُ}: أعدل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَقْسَطُ}: أعدل.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6] تفسير مجاهدٍ: هو أبوهم.
{وأزواجه أمّهاتهم} [الأحزاب: 6] في التّحريم مثل أمّهاتهم.
[تفسير القرآن العظيم: 2/699]
- سفيان الثّوريّ، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن عائشة أنّ امرأةً قالت لها: يا أمّه، فقالت: لست لك بأمٍّ إنّما أنا أمّ رجالكم.
قال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين} [الأحزاب: 6] سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان نزل قبل هذه الآية في [الأنفال:] {والّذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيءٍ حتّى يهاجروا} [سورة الأنفال: 72]، فتوارث المسلمون بالهجرة، فكان لا يرث الأعرابيّ المسلم من قريبه المهاجر المسلم شيئًا، فنسختها هذه الآية، فصارت المواريث بالملل.
فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين} [الأحزاب: 6] فخلط اللّه المسلمين بعضهم ببعضٍ فصارت المواريث بالملل.
- وحدّثني أبو سلمة البنانيّ، عن شهر بن حوشبٍ، عن أبي أمامة، قال: لا يتوارث أهل ملّتين شيئًا.
- مالك بن أنسٍ، عن الزّهريّ، عن عليّ بن حسينٍ، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يرث المسلم الكافر».
- نصر بن طريفٍ، عن حبيبٍ المعلّم، وسعيدٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر».
وفي حديث سعيدٍ: ولا يتوارث أهل ملّتين شيئًا.
وحدّثني بحر بن كنيزٍ، عن الزّهريّ أنّ أبا طالبٍ مات فترك طالبًا، وجعفرًا وعقيلا، وعليًّا، فورثه عقيلٌ وطالبٌ ولم يرثه عليٌّ ولا جعفرٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/700]
قوله عزّ وجلّ: {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم} [الأحزاب: 6] قال: إلى قرابتكم من أهل الشّرك.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: يقول اللّه: {إلى أوليائكم} [الأحزاب: 6] من أهل الشّرك وصيّةٌ ولا ميراث لهم، يعني بالمعروف: الوصيّة، أجاز لهم الوصيّة ولا ميراث لهم.
ثمّ رجع إلى قوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين} [الأحزاب: 6] فقال: {كان ذلك في الكتاب مسطورًا} [الأحزاب: 6] يقول: مكتوبًا ألا يرث كافرٌ مسلمًا.
وقد قال النّبيّ: «لا يرث المسلم الكافر».
- حمّادٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: قدمت عليّ أمّي وهي مشركةٌ، فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصلها، قال: صليها.
وقال عثمان، عن قتادة: {إلى أوليائكم} [الأحزاب: 6] من أهل الكتاب.
وقال مجاهدٌ: {إلى أوليائكم معروفًا} [الأحزاب: 6] قال: الّذين والى بينهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار تمسّكًا بينهم بالمعروف). [تفسير القرآن العظيم: 2/701]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم...}

وفي قراءة عبد الله , أو أبيّ :{النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم}, وكذلك كلّ نبيّ.
وجرى ذلك لأن المسلمين كانوا متواخين، وكان الرجل إذا مات عن أخيه الذي آخاه ورثه دون عصبته وقرابته , فأنزل الله : {النّبيّ أولى من} المسلمين بهذه المنزلة، وليس يرثهم، فكيف يرث المواخي أخاه! , وأنزل {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ} في الميراث {في كتاب اللّه} : أي : ذلك في اللوح المحفوظ عند الله.
وقوله: {من المؤمنين والمهاجرين}: إن شئت جعلت (من) دخلت لـ (أولى) بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين بعضهم ببعض، وإن شئت جعلتها - يعني من - يراد بها: وأولو الأرحام من المؤمنين , والمهاجرين أولى بالميراث.). [معاني القرآن: 2/335-336]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({في الكتاب مسطوراً}: أي مكتوباً , قال العجاج:في الصّحف الأولى التي كان سطر. ). [مجاز القرآن: 2/134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم مّعروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً}
وقال: {إلاّ أن تفعلوا}: في موضع نصب , واستثناء خارج.). [معاني القرآن: 3/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مسطوراً}: أي : مكتوباًَ.) [تفسير غريب القرآن: 348]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال في أزواج النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، أي: كأمهاتهم في الحرمات). [تأويل مشكل القرآن: 104] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (المولى
المولى: المعتق. والمولى: المعتق. والمولى: عصبة الرّجل. ومنه قول الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5]. أراد: القرابات.
وقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «أيّما امرأة نكحت بغير أمر مولاها فنكاحها باطل»، أي: بغير أمر وليها.
وقد يقال لمن تولّاه الرجل وإن لم يكن قرابة: مولى. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 14] أي: وليّ المؤمنين، وأن الكافرين لا ولي لهم.
وقال تعالى: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا}. أي: وليّ عن وليّه شيئا، إمّا بالقرابة أو بالتّولّي.
والحليف أيضا: المولى. قال النابغة الجعدي:
موالِيَ حِلْفٍ لا مَوالِي قَرَابَةٍ = وَلَكِنْ قَطِينًا يَسْأَلُونَ الأَتَاوِيَا
وقال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} يريد: إذا دعاهم إلى أمر، ودعتهم أنفسهم إلى خلاف ذلك الأمر- كانت طاعته أولى بهم من طاعتهم لأنفسهم). [تأويل مشكل القرآن: 455-456] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل :{النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين إلّا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا (6)}
وفي بعض القراءة: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم)، ولا يجوز أن تقرأ بها ؛ لأنها ليست في المصحف المجمع عليه.
والنبي عليه السلام أبو الأمة في الحقيقة.
ومعنى : {وأزواجه أمّهاتتهم}: أي : لا تحل زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعده إذ هي بمنزلة الأم.
وقوله:{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين}
أي : ذو الرحم بذي رحمه أولى من المهاجر إذا لم يكن من ذوي رحمه.
وقوله عزّ وجلّ:{إلّا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً}
(إلّا أن) استثناء ليست من الأول المعنى , لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز، وهو أن يوصي الرجل لمن يتولّاه بما أحب من ثلثه، إذا لم يكن وارثا؛ لأنه لا وصية لوارث.
{كان ذلك في الكتاب مسطوراً}:أي: كان ذلك في الكتاب الذي فرض فيه الفرض {مسطوراً}, أي: مكتوباً.). [معاني القرآن: 4/215-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأزواجه أمهاتهم}
أي : هن في الحرمة بمنزلة الأمهات في الإجلال , ولا يتزوجن بعده صلى الله عليه وسلم , وروي : أنه إنما فعل هذا؛ لأنهن أزواجه في الجنة.
ثم قال جل وعز: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا}
قال مجاهد : (أي: إلا أن توصوا لمن حالفتموه من المهاجرين والأنصار , وكان رسول الله آخى بين المهاجرين , وهذا قول بين ؛ لأنه بعيد أن يقال للمشرك : ولي) .
وقال ابن الحنفية, والحسن , وعطاء في قوله تعالى: {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا}: (أن يوصي لذي قرابته من المشركين) .
قال الحسن : (هو وليك في النسب , وليس بوليك في الدين) .
ثم قال جل وعز: {كان ذلك في الكتاب مسطورا}
قال قتادة : (أي : مكتوبا عند الله جل وعز : لا يرث كافر مسلماً).
قال أبو جعفر : يجوز أن يكون المعنى حل ذلك في الكتاب, أي : في القرآن .
ويجوز أن يكون ذلك قوله: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} , وقوله جل وعز: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم}
قال مجاهد : (هذا في ظهر آدم صلى الله عليه وسلم)
وقال قتادة : (أخذنا ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضا , وقوله جل وعز: {ليسأل الصادقين عن صدقهم})
أي : ليسأل الصادقين من الرسل توبيخا لمن كذبهم , كما قال جل وعز: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}
وقيل : ليسأل الصادقين عن صدقهم , هل كان لله جل وعز .
وقيل: ليثابوا عليه.). [معاني القرآن: 5/325-326-327]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم} [الأحزاب: 7] قال مجاهدٌ: في ظهر آدم.
وقال الكلبيّ: في صلب آدم أن يبلّغوا الرّسالة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/701]
قال: {ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} [الأحزاب: 7] بتبليغ الرّسالة.
وبعضهم يقول: وأن يعلموا أنّ محمّدًا رسول اللّه، وتصديق ذلك عنده في قوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} [الزخرف: 45] سل جبريل فإنّه هو كان يأتيهم بالرّسالة: هل أرسلنا من رسولٍ إلا بشهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه.
وتفسير الحسن في هذه الآية في آل عمران مثل هذه الآية: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم} [آل عمران: 81] قال: أخذ اللّه على النّبيّين أن يعلموا أمر محمّدٍ، ما خلا محمّدًا من النّبيّين فإنّه لا نبيّ بعده، ولكنّه قد أخذ عليه أن يصدّق بالأنبياء كلّهم، ففعل صلّى اللّه عليه وسلّم.
وذكر يحيى، عن بعض أصحابه، عن قتادة أنّه كان إذا تلا هذه الآية: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ} [الأحزاب: 7]، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كنت أوّل النّبيّين في الخلق وآخرهم في البعث».
- عمّارٌ، عن أبي هلالٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن مطرّف بن عبد اللّه، قال: قال رجلٌ: يا نبيّ اللّه، متى كتبت نبوّتك؟ قال: بين الطّين، وبين الرّوح من خلق آدم). [تفسير القرآن العظيم: 2/702]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا (7)}

موضع " إذ " نصب المعنى : اذكر إذ أخذنا، فذكره اللّه صلى الله عليه وسلم في أخذ الميثاق قبل نوح.
وجاء في التفسير: إني خلقت قبل الأنبياء، وبعثت بعدهم.
فعلى هذا القول : لا تقديم في هذا الكلام , ولا تأخير, هو على نسقه، وأخذ الميثاق حيث أخرجوا من صلب آدم صلى اللّه عليه وسلم كالذّرّ.
ومذهب أهل اللغة : أن الواو معناها الاجتماع، وليس فيها دليل أن المذكور أولا لا يستقيم أن يكون معناه التأخير.
فالمعنى على مذهب أهل اللّغة: ومن نوح , وإبراهيم , وموسى, وعيسى ابن مريم ومنك, ومثله قوله: {واسجدي واركعي مع الراكعين}.). [معاني القرآن: 4/216-217]

تفسير قوله تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ليسأل}، أي: ليسأل اللّه.
{الصّادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8] تفسير الحسن: يعني: النّبيّين كقوله: {ولنسألنّ المرسلين} [الأعراف: 6].
وقال في آيةٍ أخرى: {يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ماذا أجبتم} [المائدة: 109]
[تفسير القرآن العظيم: 2/702]
وقال مجاهدٌ: {ليسأل الصّادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8] قال: المبلّغين المؤدّين، هم الرّسل في حديث عاصم بن حكيمٍ.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: المبلّغين المؤدّين من الرّسل.
وقال السّدّيّ: {ليسأل الصّادقين} [الأحزاب: 8]، يعني: النّبيّين {عن صدقهم} [الأحزاب: 8] أنّهم بلّغوا الرّسالة إلى قومهم من اللّه.
قال: {وأعدّ للكافرين عذابًا أليمًا} [الأحزاب: 8] موجعًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/703]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله:{ليسأل الصّادقين عن صدقهم وأعدّ للكافرين عذابا أليما (8)}

معناه : ليسأل المبلّغين من الرسل عن صدقهم في تبليغهم.
وتأويل مسألة الرسل - واللّه يعلم - : أنهم صادقون التبكيت للذين كفروا بهم، كما قال اللّه عزّ وجلّ : {وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه}
فأجاب فقال: {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته}.
ثم قال : {ما قلت لهم إلّا ما أمرتني به},فتأويله التبكيت للمكذبين.
فعلى هذا : {ليسأل الصّادقين عن صدقهم وأعدّ للكافرين عذابا أليما (8)}
أي : للكافرين بالرسل.) [معاني القرآن: 4/217]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 06:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 9 إلى 27]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنودٌ} [الأحزاب: 9] يعني أبا سفيان وأصحابه، وهم الأحزاب.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: يوم الأحزاب تحازبوا على اللّه ورسوله، جاء عيينة بن حصنٍ الفزاريّ وطليحة بن خويلدٍ الأسديّ من فوق الوادي، وجاء أبو الأعور السّلميّ من أسفل الوادي، ونصب أبو سفيان قبل الخندق الّذي فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال: {فأرسلنا عليهم ريحًا} [الأحزاب: 9] قال مجاهدٌ: وهي الصّبا تكبّهم على وجوههم وتقطع فساطيطهم حتّى أظعنتهم، وهذا تفسير مجاهدٍ.
- حدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالح بن كيسان، عن طاوسٍ، قال يحيى: وأخبرني صاحبٌ لي، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نصرت بالصّبا وأهلكت عادٌ بالدّبور».
[تفسير القرآن العظيم: 2/703]
قال: {وجنودًا لم تروها} [الأحزاب: 9] الملائكة، في تفسير مجاهدٍ وقتادة). [تفسير القرآن العظيم: 2/704]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لّم تروها...}

يريد: وأرسلنا جنوداً لم تروها من الملائكة, وهذا يوم الخندق , وهو يوم الأحزاب.). [معاني القرآن: 2/336]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم...}
وقد كانوا طمعوا أن يصطلموا المسلمين لكثرتهم، فسلّط الله عليهم ريحاً باردةً، فمنعت أحدهم من أن يلجم دابّته, وجالت الخيل في العسكر، وتقطعت أطنابهم , فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة.
فذلك قوله: {إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها}: يعني :الملائكة.). [معاني القرآن: 2/340] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان اللّه بما تعملون بصيرا (9)}
هؤلاء الجنود هم الأحزاب، والجنود الذين كانوا: هم قريش مع أبي سفيان , وغطفان , وبنو قريظة، تحزّبوا , وتظاهروا على حرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم , فأرسل اللّه عليهم ريحا كفأت قدورهم، أي: قلبتها، وقلعت فساطيطهم , وأظعنتهم من مكانهم، والجنود التي لم يروها الملائكة.). [معاني القرآن: 4/217]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود}
قال مجاهد : (جاءهم أبو سفيان , وعيينة بن بدر , وبنو قريظة : وهم الأحزاب) .
ثم قال جل وعز: {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال : (هي الصبا : كفأت قدورهم , ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم) .
وروى ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((نصرت بالصبا , وأهلكت عاد بالدبور)).) [معاني القرآن: 5/327-328]

تفسير قوله تعالى:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} [الأحزاب: 10] جاءوا من وجهين من أسفل المدينة ومن أعلاها في تفسير الحسن.
أبو سفيان في تفسير مجاهدٍ.
وقال الكلبيّ: جاءوا من أعلى الوادي ومن أسفله، جاء من أعلاه عيينة ابن حصنٍ، ومن أسفله أبو الأعور السّلميّ، ونصب أبو سفيان إلى الخندق.
وقال السّدّيّ: {إذ جاءوكم} [الأحزاب: 10]، يعني: الأحزاب، أبا سفيان ومن معه.
{من فوقكم} [الأحزاب: 10]، يعني: من فوق الوادي، يعني: من أعلاه، من قبل المشرق، ومن حيث يجيء الصّبح، يعني: مالك بن عوفٍ من بني نضرٍ، وعيينة بن حصنٍ الفزاريّ ومعهما ألفٌ من غطفان، ومع طليحة بن خويلدٍ الثّقفيّين من بني أسدٍ، وحييّ بن أخطب اليهوديّ في يهودٍ من بني قريظة.
ثمّ قال: {ومن أسفل منكم} [الأحزاب: 10]، يعني: من أسفل من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من بطن الوادي ومن قبل المغرب، وجاء أبو سفيان على أهل مكّة ومعه يزيد بن جحشٍ على فرقتين، جاءوا من أسفل الوادي من قبل المغرب، وجاء أبو الأعور السّلميّ عمرو بن سفيان من قبل الخندق والّذين معه.
قال عزّ وجلّ: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] من شدّة الخوف.
{وتظنّون باللّه الظّنونا} [الأحزاب: 10]، يعني: التّهمة، تفسير السّدّيّ، يعني: المنافقين ظنّوا
[تفسير القرآن العظيم: 2/704]
أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم سيقتل، وأنّهم سيهلكون). [تفسير القرآن العظيم: 2/705]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إذ جاءوكم مّن فوقكم...}

ممّا يلي مكّة , {ومن أسفل منكم} ممّا يلي المدينة., وقوله: {وإذ زاغت الأبصار}: زاغت عن كلّ شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوّها, وقوله: {وبلغت القلوب الحناجر} : ذكر أن الرجل منهم كانت تنتفخ رئته حتى ترفع قلبه إلى حنجرته من الفزع, وقوله: {وتظنّون باللّه الظّنونا} : ظنون المنافقين.). [معاني القرآن: 2/336]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذ زاغت الأبصار}:أي : حارت , وطمحت , وعدلت , وفي آية أخرى: { ما زاغ البصر }.). [مجاز القرآن: 2/134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إذ جاءوكم مّن فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا}
وقال: {الظّنونا} , والعرب : تلحق الواو , والياء ,, والألف في آخر القواففي, فشبهوا رؤوس الآي بذلك.). [معاني القرآن: 3/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({زاغت الأبصار}: طمحت وعدلت). [غريب القرآن وتفسيره: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذ زاغت الأبصار}:أي :عدلت .
{وبلغت القلوب الحناجر}:أي: كادت تبلغ الحلوق من الخوف.). [تفسير غريب القرآن: 348]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن هذا الباب قول الله عز وجل: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم: 51] يريد أنهم ينظرون إليك بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقك من شدّته، أي يسقطك.
ومثله قول الشاعر:
يتقارضون إذا التقوا في موطن = نظرا يزيل مواطئ الأقدام
أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء، يزيل الأقدام عن مواطئها.
فتفهّم قول الله عز وجل: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} أي: يقاربون أن يفعلوا ذلك، ولم يفعلوا.
وتفهّم قول الشاعر: (نظرا يزيل) ولم يقل: يكاد يزيل؛ لأنه نواها في نفسه.
وكذلك قول الله عز وجل: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} إعظاما لقولهم.
وقوله جل وعز: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}.
إكبارا لمكرهم. وقرأها بعضهم: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ}.
وأكثر ما في القرآن من مثل هذا فإنه يأتي بكاد، فما لم يأت بكاد ففيه إضمارها، كقوله: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، وأي كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق.
وقد يجوز أن يكون أراد: أنها ترجف من شدّة الفزع وتجف ويتصل وجيفها بالحلوق، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب). [تأويل مشكل القرآن: 171] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، وأي كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق.
وقد يجوز أن يكون أراد: أنها ترجف من شدّة الفزع وتجف ويتصل وجيفها بالحلوق، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب.
وهم يصفون القلوب بالخفقان، والنّزو عند المخافة والذّعر.
قال الشاعر في وصف مفازة تنزو من مخافتها قلوب الأدلّاء:
كأنّ قلوب أدلاَّئِها = معلَّقَةٌ بقرون الظّباء
وهذا مثل قوله امرئ القيس:
ولا مِثْلَ يوم في قُدَارٍ ظَلِلْتُهُ = كَأَنِّي وَأَصْحَابي عَلَى قَرْنِ أَعْفَرا
أي كأنّا من القلق على قرن ظبي، فنحن لا نستقر ولا نسكن.
وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من هذا الفنّ). [تأويل مشكل القرآن: 171-172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا (10)}
جاءت قريظة من فوقهم، وجاءت قريش وغطفان من ناحية مكة من أسفل منهم.
وقوله: {وتظنّون باللّه الظّنونا}: اختلف القراء فيها, فقرأ بعضهم بإثبات الألف في الوقف , والوصل , وقرأ بعضهم " الظنون " بغير ألف في الوصل، وبألف في الوقف.
وقرأ أبو عمرو : " الظّنون " بغير ألف، في الوصل والوقف.
والذي عليه حذّاق النحويين, ن المتبعون السّنّة من حذاقهم أن يقرأوا :{الظّنونا}.
ويقفون على الألف , ولا يصلون، وإنّما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل، ويثبتون في آخرها في الوقف ما قد يحذف مثله في الوصل.
وهؤلاء يتبعون المصحف , ويكرهون أن يصلوا ويثبتوا الألف؛ لأن الآخر لم يقفوا عليه , فيجروه مجرى الفواصل.
ومثل هذا من كلام العرب في القوافي:
= أقلّي اللوم عاذل والعتابا
فأثبت الألف , لأنّها في موضع فاصلة , وهي القافية.).[معاني القرآن: 4/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وجنودا لم تروها}
قال مجاهد: (الملائكة , ولم تقاتل يومئذ يوم الأحزاب) .
وقوله جل وعز: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}
قال محمد بن إسحاق : (الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة , والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان).
ثم قال جل وعز: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر}
روى حماد بن زيد, عن أيوب, عن عكرمة قال : (بلغ فزعها) .
وقال قتادة : (شخصت عن مواضعها , فلولا أن الحلوق ضاقت عنها , لخرجت, وقيل :كادت تبلغ) .
قال أبو جعفر , وأحسن هذه الأقوال: القول الأول , أي: بلغ وجيفها من شدة الفزع الحلوق, فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب.). [معاني القرآن: 5/328-329]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زَاغَتْ}: مالت، عدلت.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {هنالك ابتلي المؤمنون} محّصوا في تفسير مجاهدٍ.
قال: {وزلزلوا زلزالا شديدًا} [الأحزاب: 11] كان اللّه أنزل في سورة البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه} [البقرة: 214] قال اللّه: {ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214].
فلمّا نزلت هذه الآية قال أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أصابنا هذا بعد، فلمّا كان يوم الأحزاب أنزل اللّه: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا} [الأحزاب: 22] وأنزل: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان اللّه بما
تعملون بصيرًا {9} إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا {10} هنالك ابتلي المؤمنون} [الأحزاب: 9-11] محصوا {وزلزلوا زلزالا شديدًا} [الأحزاب: 11] حرّكوا بالخوف، في تفسير مجاهدٍ، وأصابتهم الشّدّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/705]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(ثم قال الله: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً}.

يقول: حرّكوا تحريكاً إلى الفتنة فعصموا.). [معاني القرآن: 2/336]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ زلزلوا زلزالاً شديداً }: أي: ابتلوا , وفتنوا , ومنه الزلازل.).
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وزلزلوا زلزالًا شديداً}: أي: شدّد عليهم , وهوّل, و«الزّلازل»: الشدائد, وأصلها من «التحريك».). [تفسير غريب القرآن: 348]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11)}
ويجوز زلزالا, بفتح الزاي، والمصدر من المضاعف , يجيء على ضربين فعلال , وفعلال نحو : قلقله قلقالا , وقلقالا , وزلزلزلته زلزالا , وزلزالا، والكسر أكثر , وأجود لأن غير المضاعف من هذا الباب مكسور الأول، نحو: دحرجته دحراجا , لا يجوز فيه غير الكسر.
ومعنى :{هنالك ابتلي المؤمنون}: أي : في تلك الحال اختبر المؤمنون.
ومعنى : {زلزلوا زلزالا شديدا}: أزعجوا إزعاجا شديدا , وحرّكوا). [معاني القرآن: 4/218-419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}
قال مجاهد : (أي : محصوا) .
ثم قال:{وزلزلوا زلزالا شديدا }:أي :أزعجوا, وحركوا.). [معاني القرآن: 5/329-330]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَزُلْزِلُوا}: أي : شدد عليهم.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ} [الأحزاب: 12] وهم المنافقون، والمرض في تفسير قتادة النّفاق.
وفي تفسير الحسن الشّرك، وصفهم بالوجهين جميعًا، والنّفاق أنّهم نافقوا بقلوبهم عن ما أظهروا بألسنتهم والمرض ما في قلوبهم.
{ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 12] في ما يزعم أنّه رسوله.
{إلا غرورًا} [الأحزاب: 12] وذلك أنّه لمّا أنزل اللّه في سورة البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة} [البقرة: 214] إلى قوله: {ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214] فوعد اللّه المؤمنين أن ينصرهم كما نصر من قبلهم بعد أن يزلزلوا وهي الشّدّة، وأن يحرّكوا بالخوف كما قال النّبيّون حيث يقول اللّه: {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى
[تفسير القرآن العظيم: 2/705]
نصر اللّه} [البقرة: 214] قال اللّه {ألا إنّ نصر
اللّه قريبٌ} [البقرة: 214] فقال المنافقون: وعدنا اللّه النّصر فلا نرانا ننصر، ونرانا نقتل ونهزم، ولم يكن في ما وعدهم اللّه ألا يقتل منهم أحدٌ، وألا يهزموا في بعض الأحايين، وقد قال في آيةٍ أخرى: {وتلك الأيّام نداولها بين النّاس} [آل عمران: 140]، وإنّما وعدهم النّصر في العاقبة). [تفسير القرآن العظيم: 2/706]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مّا وعدنا اللّه ورسوله إلاّ غروراً...}

وهذا قول معتّب بن قشير الأنصاري وحده, ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ معولاً من سلمان في صخرة اشتدّت عليهم، فضرب ثلاث ضربات، مع كل واحدة كلمع البرق. فقال سلمان: (والله يا رسول الله لقد رأيت فيهنّ عجباً .
قال فقال النبي عليه السّلام: ((لقد رأيت في الضربة الأولى أبيض المدائن، وفي الثانية قصور اليمن، وفي الثالثة بلاد فارس والرّوم, وليفتحنّ الله على أمّتى مبلغ مداهنّ. ))).
فقال معتّبٌ حين رأى الأحزاب: أيعدنا محمّد أن يفتح لنا فارس والرّوم , وأحدنا لا يقدر أن يضرب الخلاء فرقاً؟ , ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً.). [معاني القرآن: 2/336]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{وإذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللّه ورسوله إلّا غرورا (12)}
موضع " إذ " نصب المعنى : اذكر إذ يقول المنافقون.
ومعنى الآية أن المنافقين قالوا: وعدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن فارس والروم تفتحان علينا، ونحن بمكاننا هذا ما يقدر أحدنا أن يبرز لحاجته، فهذا وعد غرور.). [معاني القرآن: 4/219]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}
قال قتادة : (قال قوم من المنافقين , وعدنا محمد أن نفتح قصور الشام وفارس , وأحدنا لا يقدر أن يجاوز رحله , {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}.
ثم قال جل وعز: {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا})
وقرأ أبو عبد الرحمن , والأعرج : (لا مقام) لكم بضم الميم .
قال أبو جعفر : المقام بالفتح : الموضع الذي يقام فيه , والمصدر من قام :يقوم , والمقام بالضم بمعنى : الإقامة , والموضع من أقام هو , وأقامه غيره.). [معاني القرآن: 5/330-331]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {وإذ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا} [الأحزاب: 13] يقوله المنافقون بعضهم لبعضٍ، اتركوا دين محمّدٍ وارجعوا إلى دين مشركي العرب في تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ: لمّا رأى المنافقون الأحزاب جبنوا، فقال بعضهم لبعضٍ: لا واللّه ما لكم مقامٌ مع هؤلاء فارجعوا إلى قومكم، يعنون المشركين فاستأمنوهم.
وقال السّدّيّ: {يا أهل يثرب لا مقام لكم} [الأحزاب: 13]، يعني: لا مكث لكم مع الأحزاب، لا تقومون لهم.
قال عزّ وجلّ: {ويستأذن فريقٌ منهم النّبيّ يقولون إنّ بيوتنا عورةٌ} [الأحزاب: 13] قال مجاهدٌ: يخشى عليها السّرق.
وقال الكلبيّ: خاليةٌ نخاف عليها السّرق.
وقال الحسن: ضائعةٌ وهو واحدٌ، يقولون: إذا خلّيناهم ضاعت.
قال اللّه: {وما هي بعورةٍ} [الأحزاب: 13] يقول: {إن يريدون إلا فرارًا {13}). [تفسير القرآن العظيم: 2/706]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لا مقام لكم...}

قراءة العوامّ بفتح الميم؛ إلا أبا عبد الرحمن فإنه ضمّ الميم فقال :{لا مقام لكم}.
فمن قال:{لا مقام}, فكأنه أراد: لا موضع قيام, ومن قرأ : {لا مقام} , كأنه أراد: لا إقامة لكم {فارجعوا}.
كلّ القراء الذين نعرف على تسكين الواو {عورةٌ}, و ذكر عن بعض القراء أنه قرأ : {عورة} على ميزان فعلة , وهو وجه, والعرب تقول: قد أعور منزلك إذا بدت منه عورة، وأعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب., وأنشدني أبو ثروان.:
= له الشّدّة الأولى إذا القرن أعورا =
يعني : الأسد.
وإنما أرادوا بقولهم: إن بيوتنا عورة , أي : ممكنة للسرّاق لخلوتها من الرجال, فأكذبهم الله، فقال: ليست بعورة.). [معاني القرآن: 2/337]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يثرب}: اسم أرض , ومدينة النبي صلى الله عليه في ناحية من يثرب .
قال حسان في الجاهلية:
سأهدي لها في كل عامٍ قصيدةً= وأقعد مكفياً بيثرب مكرما.
{ لا مقام لكم }: مفتوحة الأول , ومجازها: لا مكان لكم تقومون فيه , ومنه قوله:
فايٌّ ما وأيّك كان شرا= فقيد إلى المقامة لا يراها.).[مجاز القرآن: 2/134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لا مقام لكم}: أي لا مكان لكم تقومون فيه. والمقام الإقامة). [غريب القرآن وتفسيره: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّ بيوتنا عورةٌ}:أي : خالية، فقد أمكن من أراد دخولها , وأصل «العورة»: ما ذهب عنه السّتر والحفظ، فكأن الرجال ستر , وحفظ للبيوت، فإذا ذهبوا , أعورت البيوت, تقول العرب: أعور منزلك، إذا ذهب ستره، أو سقط جداره, وأعور الفارس: إذا بدا فيه موضع خلل للضرب بالسيف, أو الطعن.
يقول اللّه: {وما هي بعورةٍ}؛ لأن اللّه يحفظها, ولكن يريدون الفرار.). [تفسير غريب القرآن: 348-349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل : {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النّبيّ يقولون إنّ بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلّا فرارا (13)}
ويقرأ { لا مقام لكم } بفتح الميم، فمن ضم الميم , فالمعنى لا إقامة لكم، تقول: أقمت في البلد إقامة , ومقاماً.
ومن قرأ :{لا مقام لكم } بفتح الميم، فالمعنى : لا مكان لكم تقيمون فيه، وهؤلاء كانوا يثبّطون المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم .
{ويستأذن فريق منهم النّبيّ يقولون إنّ بيوتنا عورة}:أي : معوّرة, وذلك أنهم قالوا : إنّ بيوتنا ممّا يلي العدو، ونحن نسرق منها، فكذبهم اللّه تعالى , وأعلم أن قصدهم الهرب والفرار.
فقال: {وما هي بعورة}, ويقرأ: وما هي بعورة.
يقال : عور المكان , يعور عورا، وهو عور وبيوت عورة، وبيوت عورة على ضربين، على تسكين عورة، وعلى معنى : ذات عورة.
{إن يريدون إلّا فراراً}:أي : ما يريدون تحرزا من سرق، ولكن المنافقين يريدون الفرار عن نصرة النبي عليه السلام.). [معاني القرآن: 4/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة}
قال ابن إسحاق : (هو أوس بن قيظي الذي قال : إن بيوتنا عورة عن ملأ من قومه) .
وقرأ يحيى بن يعمر , وأبو رجاء عورة بكسر الواو
يقال: أعور المنزل إذا ضاع , أو لم يكن له ما يستره , أو سقط جداره.
فالمعنى : إن بيوتنا ضائعة متهتكة , ليس لها من يحفظها , فأعلم الله جل وعز أنها ليست كذلك , وأن العدو لا يصل إليها لأن الله جل وعز يحفظها
قال مجاهد : (أي : نخاف أن تسرق).
ويقال للمرأة عورة , فيجوز أن يكون المعنى : إن بيوتنا ذات عورة , فأكذبهم الله جل وعز .
قال قتادة : (قال قوم من المنافقين : إن بيوتنا عورة , وإنا نخاف على أهلينا , فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها : فلم يوجد فيها أحد) .
ويجوز أن يكون عورة : مسكنا من عورة , ثم قال جل وعز: {إن يريدون إلا فرارا}
أي : عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.). [معاني القرآن: 5/332-333]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}: أي: خالية , وقد أمكن منها من أراد دخولها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَا مُقَامَ}: لا إقامة.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ولو دخلت عليهم} [الأحزاب: 14] لو دخل عليهم أبو سفيان ومن معه.
{من أقطارها} [الأحزاب: 14] من نواحيها، يعني: المدينة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/706]
{ثمّ سئلوا} [الأحزاب: 14] طلبت منهم.
{الفتنة} [الأحزاب: 14] الشّرك.
{لآتوها} [الأحزاب: 14] لجاءوها، رجع إلى الفتنة وهي الشّرك على تفسير من قرأها خفيفةً ومن قرأها مثقّلةً: {لآتوها} لأعطوها، يعني: الفتنة وهي الشّرك، لأعطوهم إيّاها.
{وما تلبّثوا بها إلا يسيرًا} [الأحزاب: 14] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/707]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولو دخلت عليهم مّن أقطارها...}

يعني : واحي المدينة , {ثمّ سئلوا الفتنة} , يقول: الرجوع إلى الكفر {لآتوها}, يقول: لأعطوا الفتنة.
فقرأ عاصم , والأعمش بتطويل الألف, وقصرها أهل المدينة{لأتوها}: يريد: لفعلوها, والذين طوّلوا يقولون: لمّا وقع عليها السؤال وقع عليها الإعطاء؛ كما تقول: سألتني حاجةً , فأعطيتك , وآتيتكها.
وقد يكون التأنيث في قوله: {لآتوها} للفعلة، ويكون التذكير فيه جائزاً لو أتى كما تقول عند الأمر يفعله الرجل: قد فعلتها، أما والله لا تذهب بها، , تريد : الفعلة.
وقوله: {وما تلبّثوا بها إلاّ يسيراً}: يقول: لم يكونوا ليلبثوا بالمدينة إلا قليلاً بعد إعطاء الكفر حتى يهلكوا.). [معاني القرآن: 2/337]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من أقطارها}:أي: من جوانبها , ونواحيها , وأحدها: قطر.
{سئلوا الفتنة لأتوها}:أي : لأعطوها.). [مجاز القرآن: 2/135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من أقطارها}: من جوانبها قطر). [غريب القرآن وتفسيره: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ولو دخلت عليهم من أقطارها}: أي: من جوانبها، {ثمّ سئلوا الفتنة}: أي: الكفر :{لآتوها}, أي : أعطوا ذلك من أراده، {وما تلبّثوا بها} :أي, بالمدينة.
ومن قرأ: {لأتوها} بقصر الألف، أراد: لصاروا إليها.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({ولو دخلت عليهم من أقطارها ثمّ سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبّثوا بها إلّا يسيرا (14)}
أي: ولو دخلت البيوت من نواحيها.
{ثمّ سئلوا الفتنة لآتوها}: ويقرأ بالقصر : {لأتوها}, فمن قرأ : {لآتوها}بالمدّ , فالمعنى لأعطوها، أي: لو قيل لهم كونوا على المسلمين , مظهرين الفتنة , لفعلوا ذلك،{وما تلبّثوا بها إلّا يسيرا},
ومن قرأ : {لأتوها} بالقصر، فالمعنى : لقصدوها.). [معاني القرآن: 4/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سألوا الفتنة لأتوها}
قال الحسن :{من أقطارها }: (أي: من نواحيها) .
قال غيره : نواحي البيوت.
{ثم سئلوا الفتنة لأتوها }: أي : لقصدوها , وجاءوها.
قال الحسن : (الفتنة ههنا : الشرك).
وقرئ : {لآتوها}, قال الحسن : (أي: لأعطوها من أنفسهم).
قال غيره : كما روي في الذين عذبوا , أنهم أعطوا ما سئلوا في النبي صلى الله عليه وسلم إلا بلالا .
ثم قال جل وعز: {وما تلبثوا بها إلا يسيرا} , قال القتبي : (أي : بالمدينة)). [معاني القرآن: 5/333-334]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِّنْ أَقْطَارِهَا}: أي : من جوانبها, {سُئِلُوا الْفِتْنَةَ}: أي:الكفر.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَقْطَارِهَا}: جوانبها.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولّون الأدبار} [الأحزاب: 15] منهزمين، وهو تفسير السّدّيّ.
- ابن لهيعة عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: سئل جابر بن عبد اللّه كيف بايعتموه؟ قال: بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن لا نفرّ، ولم نبايعه على الموت.
قال: {وكان عهد اللّه مسئولا} [الأحزاب: 15] لا يسألهم اللّه عن ذلك العهد الّذي لم يوفوا به، يعني: المنافقين). [تفسير القرآن العظيم: 2/707]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {قل لن ينفعكم الفرار} [الأحزاب: 16]، يعني: الهرب.
{إن فررتم من الموت} [الأحزاب: 16]، يعني: إن هربتم من الموت.
{أو القتل وإذًا لا تمتّعون إلا قليلا} [الأحزاب: 16] في الدّنيا.
{إلا قليلا} إلى آجالكم، وهو تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/707]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإذاً لاّ تمتّعون...}

مرفوعة؛ لأنّ فيها الواو , وإذا كانت الواو , كان في الواو فعل مضمر، وكان معنى : (إذاً) التأخير، أي : ولو فعلوا ذلك لا يلبثون خلافك إلا قليلاً إذاً, وهي في إحدى القراءتين :{وإذاً لا يلبثوا} بطرح النون يراد بها النصب, وذلك جائز؛ لأنّ الفعل متروك , فصارت كأنها لأوّل الكلام، وإن كانت فيها الواو. والعرب تقول: إذاً أكسر أنفك، إذاً أضربك، إذاً أغمّك إذا أجابوا بها متكلّماً, فإذا قالوا: أنا إذاً أضربك رفعوا، وجعلوا الفعل أولى باسمه من إذاً؛ كأنّهم قالوا أضربك إذاً؛ ألا ترى أنهم يقولون: أظنّك قائماً، فيعملون الظنّ إذا بدءوا به , وإذا وقع بين الاسم وخبره أبطلوه، وإذا تأخّر بعد الاسم , وخبره أبطلوه, وكذلك اليمين يكون لها جواب إذا بدئ بها , فيقال: والله إنك لعاقل، فإذا وقعت بين الاسم وخبره قالوا: أنت والله عاقل, وكذلك إذا تأخّرت لم يكن لها جواب؛ لأنّ الابتداء بغيرها, وقد تنصب العرب بإذاً , وهي بين الاسم وخبره في إنّ وحدها، فيقولون: إني إذاً أضربك، قال الشاعر:
لا تتركنّي فيهم شطيراً = إني إذاً أهلك أو أطيرا
والرفع جائز, وإنما جاز في (إنّ) ولم يجز في المبتدأ بغير (إنّ) لأن الفعل لا يكون مقدّماً في إنّ، وقد يكون مقدّماً لو أسقطت.). [معاني القرآن: 2/338]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل لّن ينفعكم الفرار إن فررتم مّن الموت أو القتل وإذاً لاّ تمتّعون إلاّ قليلاً}
وقال: {وإذاً لاّ تمتّعون إلاّ قليلاً} : فرفعت ما بعد "إذاً" لمكان الواو وكذلك الفاء , وقال: {فإذاً لا يؤتون النّاس نقيرا} , وهي في بعض القراءة نصب , اعملوها كما يعملونها بغير فاء , ولا واو.). [معاني القرآن: 3/30-31]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا لا تمتعون إلا قليلا}
قال مجاهد , والربيع بن خيثم في قوله: {وإذا لا تمتعون إلا قليلا}: (ما بينهم وبين الأجل).). [معاني القرآن: 5/334]

تفسير قوله تعالى:{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل من ذا الّذي يعصمكم من اللّه} [الأحزاب: 17] يمنعكم من اللّه.
{إن أراد بكم سوءًا} [الأحزاب: 17] عذابًا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/707]
وقال السّدّيّ: يعني: القتل والهزيمة.
{أو أراد بكم رحمةً} [الأحزاب: 17] توبةً، يعني: المنافقين، كقوله: {ويعذّب المنافقين إن شاء} [الأحزاب: 24] يموتون على نفاقهم فيعذّبهم {أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فيرجعون عن نفاقهم.
وقال السّدّيّ: يعني: النّصر والفتح.
قال: {ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا {17}). [تفسير القرآن العظيم: 2/708]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :
( {يعصمكم من الله}: أي: يمنعكم.).
[ياقوتة الصراط: 409]

تفسير قوله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قد يعلم اللّه المعوّقين منكم} [الأحزاب: 18] يعوّق بعضكم بعضًا يأمر بعضكم بعضًا بالفرار.
{والقائلين لإخوانهم} [الأحزاب: 18]، أي: {قد يعلم اللّه المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا} [الأحزاب: 18] يأمر بعضهم بعضا بالفرار.
{ولا يأتون البأس} [الأحزاب: 18] القتال.
{إلا قليلا} بغير حسبةٍ ولا إخلاصٍ.
وقال السّدّيّ: {إلا قليلا}، يعني: رياءً وسمعةً.
وقال يحيى: حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن في قوله: {ولا يذكرون اللّه إلا قليلا} [النساء: 142] قال: إنّما قل إنّه كان لغير اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/708]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أشحّةً عليكم...}

منصوب على القطع، أي: من الأسماء التي ذكرت: ذكر منهم., وإن شئت من قوله: {يعوّقون} , ها هنا : عند القتال , ويشحّون عن الإنفاق على فقراء المسلمين, وإن شئت من القائلين لإخوانهم (هلمّ) , وهم هكذا, وإن شئت من قوله: {ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحّةً} : يقول: جبناء عند البأس أشحّةً عند الإنفاق على فقراء المسلمين, وهو أحبّها إليّ.
والرفع جائز على الاستئناف , ولم أسمع أحداً قرأ به , و{أشحّة}يكون على الذمّ، مثل ما تنصب على الممدوح على؛ مثل قوله: {ملعونين} .). [معاني القرآن: 2/338] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (هلمَّ): بمعنى تعالى، وأهل الحجاز لا يثنّونها ولا يجمعونها. وأهل نجد يجعلونها من هلممت، فيثنّون ويجمعون ويؤنّثون. وتوصل باللام فيقال: هلمّ لك، وهلمّ لكما.
قال الخليل: أصلها (لمّ) زيدت الهاء في أوّلها.
وخالفه الفراء فقال: أصلها (هل) ضمّ إليها (أمّ) والرّفعة التي في اللام من همزة (أمّ) لمّا تركت انتقلت إلى ما قبلها.
وكذلك (اللهم) نرى أصلها: (يا الله أمّنا بخير) فكثرت في الكلام فاختلطت، وتركت الهمزة). [تأويل مشكل القرآن: 557] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قد يعلم اللّه المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلّا قليلا (18)}
أي : الذين يعوقون عن النبي صلى الله عليه وسلم نصّاره، وذلك أنهم قالوا لنصّار النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس, ولو كانوا لحما
, لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه , فخلوهم , وتعالوا إلينا.
وقوله:{ولا يأتون البأس إلّا قليلا}
أي : لا يأتون الحرب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا تعذيرا , يوهمونهم أنّهم معهم.). [معاني القرآن: 4/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا}
قال قتادة: (هم قوم من المنافقين , قالوا : ما أصحاب محمد عندنا إلا أكلة رأس , ولن يطيقوا أبا سفيان وأصحابه , فهلم إلينا) .
ثم قال جل وعز: {ولا يأتون البأس إلا قليلا} : أي إلا تعذيرا .
ثم قال جل وعز: {أشحة عليكم فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد}
أي : أشحة عليكم بالنفقة على فقرائكم , ومساكينكم
{فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد }: أي : بالغوا في الاحتجاج عليكم
وقال قتادة : (سلقوكم بطلب الغنيمة , وهذا قول حسن , لأن بعده أشحة على الخير).
وعن ابن عباس : (استقبلوكم بالأذى).
وقال يزيد بن رومان : (سلقوكم بما تحبون , نفاقا منهم, يقال خطيب مسلاق, وسلاق , أي : بليغ).). [معاني القرآن: 5/334-336]

تفسير قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أشحّةً عليكم} [الأحزاب: 19] لا يتركون عليكم من حقوقهم من الغنيمة شيئًا.
قال: {فإذا جاء الخوف} [الأحزاب: 19] رجع الكلام إلى أوّل القتال قبل أن تكون الغنيمة، قال: {فإذا جاء الخوف} [الأحزاب: 19]، يعني: القتال، وهو تفسير السّدّيّ.
{رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت} [الأحزاب: 19] خوفًا من القتال.
{فإذا ذهب الخوف} [الأحزاب: 19]، يعني: القتال، يعني: إذا ذهب القتال.
{سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ} [الأحزاب: 19] فحشوا عليكم، السّلق: الصّياح.
{أشحّةً على الخير} [الأحزاب: 19] على الغنيمة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/708]
قال اللّه: {أولئك لم يؤمنوا} [الأحزاب: 19] كقوله: {من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [المائدة: 41].
قال: {فأحبط اللّه أعمالهم} [الأحزاب: 19] أبطل اللّه حسناتهم لأنّهم ليس لهم فيها حسبةٌ.
{وكان ذلك على اللّه يسيرًا} [الأحزاب: 19] وقال بعضهم: {أشحّةٌ على الخير}على القتال، لا يقاتلون.
وتفسير الكلبيّ أنّ رجلا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا مسّهم الحصر والبلاء في الخندق رجع إلى أهله ليصيب طعامًا أو إدامًا، فوجد أخاه يتغدّى تمرًا، فدعاه، فقال أخوه المؤمن: قد بخلت عليّ وعلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنفسك فلا حاجة لي في طعامك). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أشحّةً عليكم...}

منصوب على القطع، أي : من الأسماء التي ذكرت: ذكر منهم, وإن شئت من قوله: {يعوّقون} : ها هنا عند القتال , ويشحّون عن الإنفاق على فقراء المسلمين, وإن شئت من القائلين لإخوانهم (هلمّ) , وهم هكذا, وإن شئت من قوله: {ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحّةً}, يقول: جبناء عند البأس أشحّةً عند الإنفاق على فقراء المسلمين., وهو أحبّها إليّ, والرفع جائز على الاستئناف , ولم أسمع أحداً قرأ به .
و{أشحّة} : يكون على الذمّ، مثل ما تنصب على الممدوح على؛ مثل قوله: {ملعونين}.
وقوله: {سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ}: آذوكم بالكلام عند الأمن , {بألسنةٍ حدادٍ}: ذربةٍ.
والعرب تقول: صلقوكم., ولا يجوز في القراءة لمخالفتها إيّاه, أنشدني بعضهم:
أصلق ناباه صياح العصفور = إن زلّ فوه عن جواد مئشير
وذلك إذا ضرب النّاب الناب , فسمعت صوته.).[معاني القرآن: 2/339]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حدادٍ }: أي: بالغوا في عيبكم , ولا ائمتكم , ومنه قولهم خطيب مسلقٌ , ومنه الخاطب المسلاق, وبالصاد أيضاً , وقال الأعشى:
فيهم الحزم والسّماحة والنّجد= ة فيهم والخاطب المسلاق
ويقال: لسان حديد , أي: ذلقٌ , وذليق).). [مجاز القرآن: 2/135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({سلقوكم بألسنة حداد}: بالغوا فيكم بالكلام. يقال
[غريب القرآن وتفسيره: 302]
خطيب مصقع ومسلق). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ} , يقول: آذوكم بالكلام الشديد.
يقال: خطيب مسلق , ومسلاق, وفيه لغة أخرى: «صلقوكم»، ولا يقرأ بها.
وأصل «الصّلق»: الضرب.
قال ابن أحمر يصف سوطا ضرب به ناقته :
كأنّ وقعته لوذان مرفقها = صلق الصّفا بأديم وقعه تير.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أشحّة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحّة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط اللّه أعمالهم وكان ذلك على اللّه يسيرا (19)}
" أشحّة " : منصوب على الحال، المعنى : يأتون الحرب بخلاء عليكم بالظفر , والغنيمة , فإذا جاء الخوف , فهم أجبن قوم، فإذا جاءت الغنيمة , فأشحّ قوم , وأخصمهم.
{فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت}: لأنهم يحضرون على غير نية خير، إلا نية شر.
{فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد}: معنى " سلقوكم " خاطبوكم أشدّ مخاطبة وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق وسلّاق إذا كان بليغا في خطبته.
{أشحّة على الخير}:أي: خاطبوكم , وهم أشحّة على المال , والغنيمة.
وقوله : {أولئك لم يؤمنوا فأحبط اللّه أعمالهم}:أي : هم : وإن أظهروا الإيمان, ونافقوا , فليسوا بمؤمنين.). [معاني القرآن: 4/221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا}
أي : أشحة على الغنيمة , أولئك لم يؤمنوا , وإن كانوا قد أظهروا الإيمان , فإن اعتقادهم غير ذلك.). [معاني القرآن: 5/336]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {سلقوكم} :أي: رفعوا أصواتهم عليكم.). [ياقوتة الصراط: 409]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَلَقُوكُم}: أي: آذوكم بالكلام، ويجوز فيه بالصاد، كل سين بعدها طاء , أو خاء , أو غين , أو قاف.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَلَقُوكُم}: غلبوكم بالقول.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يحسبون} [الأحزاب: 20] يحسب المنافقون.
{الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا} [الأحزاب: 20] يودّ المنافقون.
{لو أنّهم بادون في الأعراب} [الأحزاب: 20]، يعني: في البادية مع الأعراب، يودّون من الخوف لو أنّهم في البدو.
{يسألون عن أنبائكم} [الأحزاب: 20] وهو كلامٌ موصولٌ، وليس بهم في ذلك إلا الخوف على أنفسهم وعيالهم وأموالهم، لأنّهم مع المسلمين قد أظهروا أنّهم على الإسلام وهم يتمنّون أن يظهر المشركون على المسلمين من غير أن يدخل عليهم في ذلك مضرّةٌ.
قال: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا} [الأحزاب: 20] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يسألون عن أنبائكم...}

عن أنباء العسكر الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقرأها الحسن : {يسّاءلون}, والعوامّ على: {يسألون}؛ لأنهم إنما يسألون غيرهم عن الأخبار، وليس يسأل بعضهم بعضاً.). [معاني القرآن: 2/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ...}
كان عاصم بن أبي النجود يقرأ : (أسوة) برفع الألف في كلّ القرآن , وكان يحيى بن وثّاب يرفع بعضاً ويكسر بعضاً, وهما لغتان: الضم في قيس, والحسن , وأهل الحجاز يقرءون (إسوةٌ) بالكسر في كلّ القرآن لا يختلفون.
ومعنى الأسوة : أنهم تخلّفوا عنه بالمدينة يوم الخندق, وهم في ذلك يحبّون أن يظفر النبي صلى الله عليه وسم إشفاقاً على بلدتهم، فقال: لقد كان في رسول الله أسوة حسنة إذ قاتل يوم أحد. وذلك أيضاً قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} فهم في خوف وفرق {وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب} يقول في غير المدينة,
وفي في قراءة عبد الله : {يحسبون الأحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودّوا لو أنهم بادون في الأعراب} ). [معاني القرآن: 2/339] (م)
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الأحزاب }:واحدهم حزب يقال: من أي حزب أنت , وقال رؤبة:
= وكيف أضوى وبلالٌ حزبيبي.). [مجاز القرآن: 2/135]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلّا قليلا (20)}
أي : يحسبون الأحزاب بعد انهزامهم, وذهابهم , لم يذهبوا لجبنهم وخوفهم منهم.
{وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب}:أي: إذا جاءت الجنود , والأحزاب , ودّوا أنهم في البادية.).[معاني القرآن: 4/221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب}
أي : يحسبون الأحزاب لم يذهبوا لجبنهم .
{وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } : المعنى : إنهم لفزعهم ورعبهم إذا جاء من يقاتلهم , ودوا أنهم بادون في الأعراب .
وقرأ طلحة بن مصرف : يودوا لو أنهم بذا في الأعراب بدا , والمعنى واحد , وهو جمع باد كما يقال: غزا وغزى.).[معاني القرآن: 5/336-337]

تفسير قوله تعالى: {َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا} [الأحزاب: 21] وهذا الذّكر تطوّعٌ، ليس فيه وقتٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لّقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ...}

كان عاصم بن أبي النجود يقرأ (أسوة) برفع الألف في كلّ القرآن, وكان يحيى بن وثّاب يرفع بعضاً ويكسر بعضاً, وهما لغتان: الضم في قيس, والحسن , وأهل الحجاز يقرءون (إسوةٌ) بالكسر في كلّ القرآن لا يختلفون.
ومعنى الأسوة : أنهم تخلّفوا عنه بالمدينة يوم الخندق , و هم في ذلك يحبّون أن يظفر النبي صلى الله عليه وسم إشفاقاً على بلدتهم، فقال: لقد كان في رسول الله أسوة حسنة إذ قاتل يوم أحد, وذلك أيضاً قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} فهم في خوف وفرق {وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب} : يقول في غير المدينة, وفي قراءة عبد الله : (يحسبون الأحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودّوا لو أنهم بادون في الأعراب).
وقوله: {لّمن كان يرجو اللّه} خصّ بها المؤمنين, ومثله في الخصوص قوله: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} : هذا {لمن اتّقى} قتل الصيّد). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى:{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22]
[تفسير القرآن العظيم: 2/709]
يعنون الآية في سورة البقرة، وقد فسّرناه قبل هذا الموضوع.
{وصدق اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] قال اللّه: {وما زادهم إلا إيمانًا} [الأحزاب: 22] وتصديقًا.
{وتسليمًا} [الأحزاب: 22] لأمر اللّه.
وتفسير الكلبيّ أنّ الأحزاب لمّا خرجوا من مكّة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخندق أن يحفر، فقالوا: يا رسول اللّه، وهل أتاك من خبرٍ؟ قال: نعم، فلمّا حفر الخندق وفرغ منه أتاهم الأحزاب، فلمّا رآهم المؤمنون{قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب...}

صدّقوا , فقالوا : {هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} , كان النبي عليه السلام , قد أخبرهم بمسيرهم إليه فذلك قوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً وتسليماً} , ولو كانت: وما زادوهم , يريد الأحزاب.
وقوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً}: أي: ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلاّ إيماناً.
وقال في سورة أخرى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً} , ولو كانت: ما زادكم إلا خبالاً , كان صواباً، يريد: ما زادكم خروجهم إلاّ خبالاً, وهذا من سعة العربيّة التي تسمع بها.). [معاني القرآن: 2/340]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
فوصف اللّه حال المنافقين في حرب الكافرين , وحال المؤمنين في حرب الكافرين.
فوصف المنافقين بالفشل , والجبن , والروغان , ووالمسارعة إلى الفتنة , والزيادة في الكفر، ووصف المؤمنين بالثبوت عند الخوف في الإيمان، فقال:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
والوعد : أن اللّه قال لهم: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب (214)}
فكذلك لمّا ابتلي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وزلزلوا زلزالا شديدا , علموا أن الجنّة والنصر قد وجبا لهم.). [معاني القرآن: 4/221-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم خبر تعالى بما يقول المؤمنون فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله}
وقيل الذي وعدهم في قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} , كذا قال قتادة .
وقال يزيد بن رومان : (الأحزاب : قريش وغطفان)). [معاني القرآن: 5/337-338]

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23] حيث بايعوه على أن لا يفرّوا، وصدقوا في لقائهم العدوّ، وذلك يوم أحدٍ.
{فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] وتفسير مجاهدٍ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] عهده فقتل أو عاش.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] يومًا فيه قتالٌ فيقضي نحبه، عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
وبعضهم يقول: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] أجله، يعني: من قتل يومئذٍ: حمزة وأصحابه.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] أجله.
وقال السّدّيّ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23]، يعني: أتمّ أجله.
قال: {وما بدّلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] كما بدّل المنافقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مّن المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه...}

رفع الرجال بـ (من) , {فمنهم مّن قضى نحبه}: أجله, وهذا في حمزة , وأصحابه.). [معاني القرآن: 2/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فمنهم من قضى نحبه}: أي: نذره الذي كان نحب , أي: نذر , والنحب أيضاً النفس , أي: الموت , وجعله جرير : الخطر العظيم فقال:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا= عشيّة بسطامٍ جرين على نحب
أي: خطر عظيم، قال : ومنه التنحيب , قال الفرزدق:
وإذ نحبّت كلبٌ على الناس أيّهم= أحقٌّ بتاجٍ الماجد المتكرّم
وقال ذو الرمة:
= قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر=
أي : نفسه , وإنما هو يزيد بن هوبر , ويقال: نحب في سيره يومه أجمع ؛ إذا مدًّ فلم ينزل وليلته جميعاً). [مجاز القرآن: 2/135-136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قضى نحبه}: نذره والنحب أيضا النفس). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({من قضى نحبه} : أي قتل و أ صل «النحب»: النذر, وكان قوم نذروا إن لقوا العدوّ أن يقاتلوا حتى يقتلوا , أو يفتح اللّه، فقتلوا.
فقيل: فلان قضي نحبه، إذا قتل.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي قُتِل، والنَّحْبُ: النَّذر.
[تأويل مشكل القرآن: 183]
وأصل هذا: أنّ رجالا من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، نذروا إن لقوا العدوّ ليصدقنّ القتال أو ليقتلنّ، هذا أو نحوه، فقتلوا، فقيل لمن قتل: قَضَى نَحْبَه. واستعير النَّحب مكان الأجل، لأن الأجل وقع بالنّحب، وكان النّحب له سبباً.
ومنه قيل للعطية: المنُّ، لأنّ من أعطى فقد مَنَّ. قال الله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت.
وقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}، أي فأعط أو أمسك.
وقوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} مردود إلى قوله: هذا عطاؤنا بغير حساب). [تأويل مشكل القرآن: 184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا (23)}
المعنى : أنهم عاهدوا في الإسلام , فأقاموا على عهدهم.
وموضع (ما) نصب بـ (صدقوا).
{فمنهم من قضى نحبه}:أي : أجله , ولم يبدّل.
وهو قوله:{وما بدّلوا تبديلاً}
فالمعنى : أنّه مات على دينه غير مبدّل.). [معاني القرآن: 4/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
يقال صدقت العهد , أي : وفيته , ثم قال جل وعز: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}
روى سعيد بن مسروق , عن مجاهد , قال: (نحبه : عهده) .
وروى خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس :{فمنهم من قضى نحبه }(قال : مات على ما عاهد عليه , ومنهم من ينتظر ذلك) .
قال أبو جعفر : حكى أهل اللغة : أن النحب : العهد , والنفس , والخطر العظيم , وأشهرها : أن النحب العهد , كما قال مجاهد.
ويصححه : أنه يروى : أن قوما جعلوا على أنفسهم إن لاقوا العدو أن يصدقوا القتال حتى يقتلوا , أو يفتح الله جل وعز عليهم.
فالمعنى : فمنهم من قضى أجله : وسمي الأجل عهدا لأنه على العهد كان , أو قضى عهده .
ثم قال تعالى: {وما بدلوا تبديلا} : أي: وما بدلوا دينهم تبديلاً.). [معاني القرآن: 5/338-340]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَّن قَضَى نَحْبَهُ}: أي: قتل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَحْبَهُ}: أجله.).[العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم} [الأحزاب: 24]، يعني: المؤمنين، تفسير السّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قال: {بصدقهم} [الأحزاب: 24] يجزيهم الجنّة.
{ويعذّب المنافقين إن شاء} [الأحزاب: 24] فيموتوا على نفاقهم فيعذّبهم.
{أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فيرجعوا من نفاقهم.
{إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 24] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورا رحيما (24)}

أي: ليجزي الذين صدقوا في عهدهم، والمنافقون كذبوا في عهدهم ؛ لأنهم أظهروا الإسلام , وأبطنوا الكفر.
وقوله تعالى: {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم}: أي : أو ينقلهم من النفاق إلى الإيمان.). [معاني القرآن: 4/222-223]

تفسير قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا}لم ينالوا من المسلمين خيرًا، وظفرهم بالمسلمين لو ظفروا عندهم خيرٌ.
وقال بعضهم لو ينالوا خيرًا، يعني: لم يصيبوا ظفرًا ولا غنيمةً.
{وكفى اللّه المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25] بالرّيح والجنود الّتي أرسلها اللّه عليهم.
{وكان اللّه قويًّا عزيزًا} [الأحزاب: 25] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم...}

وقد كانوا طمعوا أن يصطلموا المسلمين لكثرتهم، فسلّط الله عليهم ريحاً باردةً، فمنعت أحدهم من أن يلجم دابّته., وجالت الخيل في العسكر، وتقطعت أطنابهم , فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة.
فذلك قوله: {إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها}: يعني : الملائكة.). [معاني القرآن: 2/340]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قويّا عزيزا (25)}
يعنى به ههنا: أبا سفيان, وأصحابه الأحزاب.
{لم ينالوا خيراً}: أي: لم يظفروا بالمسلمين وكان ذلك عندهم خيراً, فخوطبوا على استعمالهم.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا}
قال مجاهد : أبا سفيان , وأصحابه.). [معاني القرآن: 5/340]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وأنزل الّذين ظاهروهم} [الأحزاب: 26] عاونوهم.
{من أهل الكتاب}قريظة والنّضير.
{من صياصيهم} [الأحزاب: 26] من حصونهم.
{وقذف في قلوبهم الرّعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا {26}). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأنزل الّذين ظاهروهم مّن أهل الكتاب...}

هؤلاء بنو قريظة, كانوا يهوداً، وكانوا قد آزروا أهل مكّة على النبي عليه السلام, وهي في قراءة عبد الله : {آزروهم} مكان {ظاهروهم} .
{من صياصيهم}: من حصونهم, وواحدتها صيصية , وهي طرف القرن والجبل, وصيصية غير مهموز.
وقوله: {فريقاً تقتلون} : يعني : قتل رجالهم , واستبقاء ذرارّيهم.
وقوله: {وتأسرون فريقاً}, كلّ القرّاء قد اجتمعوا على كسر السين. وتأسرون لغة , ولم يقرأ بها أحد.). [معاني القرآن: 2/341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الّذين ظاهروهم }: أي : عاونوهم , وهو من التظاهر.
{ من صياصيهم}: أي : من حصونهم وأصولهم , يقال: جذ الله صيصة فلانٍ , أي: أصله , وهي أيضاً شوك الحاكة , ال:
وما راعني إلاّ الرماح تنوشه= كوقع الصّياصي في النّسيج الممدّد
وهي شوكتا الديك , وهي قرن البقرة أيضاً.). [مجاز القرآن: 2/136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من صياصيهم}: من حصونهم واحدها صيصة). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {من صياصيهم}: أي: من حصونهم, وأصل «الصّياصي»: قرون البقر، لأنها تمتنع بها، وتدفع عن أنفسها, فقيل للحصون صياصي: لأنها تمنع.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرّعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا (26)}
يعنى به: بنو قريظة، ومعنى {ظاهروهم}: عاونوهم على النبي صلى الله عليه وسلم , فقذف اللّه في قلوبهم الرعب , وأنزلهم على حكم سعد, وكان سعد حكم فيهم بأن يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم}
أي: أعاونهم من أهل الكتاب , قال مجاهد : قريظة.
{من صياصهم } : من قصورهم.
وروى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة : {من صياصيهم}: (من حصونهم) .
قال أبو جعفر : والقصور قد يتحصن بها , وأصل الصيصية في اللغة ما يمتنع به , ومنه قيل لقرون البقر صياصي , ومنه قوله:
= كوقع الصياصي في النسيج الممدد
يقال : جذ الله صيصته , أي: أصله.). [معاني القرآن: 5/340-341]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ظاهروهم}: أي: عاونوهم,{من صياصيهم}: أي: من قصورهم , وحصونهم.). [ياقوتة الصراط: 410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصياصي): الحصون، وأصل الصياصي : قرون البقر؛ لأنها تمتنع بها، شبهت الحصون بذلك لامتناعهم ببها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصَيَاصِي): الحصون.). [العمدة في غريب القرآن: 243]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} [الأحزاب: 27] لمّا حصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذٍ في قول بعضهم.
- وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن عمرو بن سعد بن معاذٍ، عن أبيه، أنّ سعدًا لم يحكم فيهم ولكنّهم نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل رسول اللّه إلى سعدٍ فجاء على حمارٍ، فقال: «أشر عليّ فيهم»، فقال: قد علمت أنّ اللّه قد أمرك فيهم بأمرٍ، أنت
[تفسير القرآن العظيم: 2/711]
فاعلٌ ما أمرك به فقال: «أشر عليّ فيهم» فقال: لو ولّيت أمرهم
لقتلت مقاتلتهم ولسبيت ذراريّهم ونساءهم، ولقسمت أموالهم، فقال: «والّذي نفسي بيده لقد أشرت عليّ فيهم بالّذي أمرني اللّه به».
- وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عطيّة القرظيّ.
قال: كنت فيمن عرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم قريظة فمن كان احتلم أو نبتت عانته قتل، ومن لم تنبت عانته ترك.
قال: فنظروا إليّ فلم تكن نبتت عانتي، فتركت.
- قال يحيى: وأمّا النّضير، فحدّثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا حصر وقطع نخلهم فرأوا أنّه قد ذهب بعيشهم صالحوه على أن يجليهم إلى الشّام.
- حدّثني عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حرق نخل بني النّضر وهي البويرة وترك العجوة، وهي الّتي قال فيها الشّاعر:
وهان على سراة بني لؤيٍّ... حريقٌ بالبويرة مستطيرٌ
قال يحيى: وحدّثني نصر بن طريفٍ، عن أيّوب، عن عكرمة قال: ما دون العجوة من النّخل فهي لينةٌ.
قوله عزّ وجلّ: {وأرضًا لم تطئوها} [الأحزاب: 27]، أي: وأورثكم أيضًا: {وأرضًا لم تطئوها} [الأحزاب: 27] وهي خيبر.
- أخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ قال: كنت رديف أبي طلحة
[تفسير القرآن العظيم: 2/712]
يوم فتحنا خيبر، إنّ ساقي لتصيب ساق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفخذي فخذه فلمّا أشرفنا عليها قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّه أكبر، خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين، فأخذناها عنوةً.
- وحدّثني أشعث، عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غداة صبّحنا خيبر، فقرأ بأقصر سورتين في القرآن ثمّ ركب، فلمّا أشرفنا عليها قالت اليهود: محمّدٌ واللّه والخميس قال: والخميس الجيش، فأخذناها عنوةً.
قال: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ قديرًا} [الأحزاب: 27] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/713]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأرضاً لّم تطئوها...}

عنى خيبر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم إيّاها الله.). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
[تأويل مشكل القرآن: 295]
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير.
وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ}، أي فنسوقه.
في أشباه لهذا كثيرة في القرآن). [تأويل مشكل القرآن: 296] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان اللّه على كلّ شيء قديرا (27)}
جعل النبي صلى الله عليه وسلم أرضهم , وديارهم , وأموالهم للمهاجرين ؛ لأنهم لم يكونوا ذوي عقار.
ومعنى الصياصى : كل ما يمتنع به، والصياصي ههنا: الحصون.
وقيل : القصور، والقصور قد يتحصّن فيها.
والصّياصي : قرون البقر , والظباء , وكل قرن صيصية؛ لأن ذوات القرون , يتحصّن بقرونها وتمتنع بها، وصيصة الديك : شوكته لأنه يتحصّن بها أيض.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها}
قال الحسن : (فارس والروم) .
وقال قتادة : (مكة) .
وقال ابن إسحاق : (خيبر) .
وقال أبو جعفر : وهذه كلها قد أورثها الله جل وعز المسلمين إلا أن الأشبه بالمعنى أن تكون خيبر , والله أعلم .
روى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة في قوله تعالى: {وأرضا لم تطئوها} , قال : (ما يفتح على المسلمين إلى يوم القيامة)). [معاني القرآن: 5/341-342]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 06:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 28 إلى 34]

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحا جميلا (28)}
وكن أردن شيئا من أمر الدّنيا، فأمر اللّه رسول صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه بين الإقامة معه على طلب ما عند اللّه، أو التسريح إن أردن الحياة الدنيا وزينتها، فاخترن الآخرة على الدنيا , والجنّة على الزينة.).[معاني القرآن: 4/224]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}
روى يونس , عن الزهري , عن أبي سلمة , عن عائشة , ومعمر , عن عروة , عن عائشة قالت : (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه , بدأ بي , فقال: ((إني ذاكر لك أمرا , ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك.)).
قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه , ثم تلا {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } , فقلت : أو في هذا استأمر أبوي ؟!, فإني أختار الله جل وعز , ورسوله , والدار الآخرة .
قال يونس في حديثه : (وفعل أزواجه كما فعلت , فلم يكن ذلك طلاقا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرهن , فاخترنه).). [معاني القرآن: 5/342-343]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا {29}} [الأحزاب: 29] الجنّة.
- قال: وحدّثني مندل بن عليٍّ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: خيّرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاخترناه، فلم يكن ذلك طلاقًا.
- عمّارٌ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ قال: خيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه، فلم يك ذلك طلاقًا، فذكرت ذلك لقتادة، فقال: إنّما خيّرهنّ بين الدّنيا والآخرة ولم يخيّرهنّ الطّلاق، وكان عليّ بن أبي طالبٍ يجعل الخيار إذا اختارت المرأة نفسها إذا خيّرها الرّجل تطليقةً بائنةً.
قال يحيى: أحسبه قال ذلك من هذه الآية في قوله: {أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 28].
[تفسير القرآن العظيم: 2/713]
وقال في هذه السّورة بعد هذا الموضع: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ} [الأحزاب: 49]، يعني: تجامعوهنّ، تفسير السّدّيّ: {فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 49] فإذا طلّقها قبل أن يدخل بها تطليقةً فإنّها تبين بها، وهي أملك بنفسها، وهو خاطبٌ، إن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين.
وقال في سورة البقرة: {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ} [البقرة: 231] وهذا عند انقضاء العدّة قبل أن ينقضي ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة إذا كانت ممّن يحيض، فإن كانت ممّن لا تحيض وليست بحاملٍ فما لم تنقض ثلاثة أشهرٍ، وإن كانت حاملا ما لم تضع حملها، فإن كان في بطنها اثنان أو ثلاثةٌ فما لم تضع الآخر فهو يراجعها قبل ذلك إن شاء، فإن
انقضت العدّة ولم يراجعها فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
قال: {أو سرّحوهنّ بمعروفٍ} [البقرة: 231] فالتّسريح في كتاب اللّه واحدةٌ بائنةٌ، وكان زيد بن ثابتٍ يقول: إن اختارت نفسها فثلاثٌ، وكان ابن عمر وابن مسعودٍ يقولان: واحدةٌ وهو أحقّ بها، وإن اختارته فلا شيء لها كأنّهما يقولان: إنّما يكون في طلاق السّنّة على الواحدة، ولا ينبغي للرّجل أن يطلّق ثلاثًا جميعًا فإنّما خيّرها على وجه ما ينبغي له أن يطلّقها، وأمّا إذا قال: أمرك
بيدك ففي قولهما: إذا طلّقت نفسها ثلاثًا فهي واحدةٌ على هذا الكلام الأوّل، وكان عليٌّ ورجالٌ معه من أصحاب النّبيّ عليه السّلام، يقولون: القول ما قالت، غير أنّ ابن عمر قال: إلا أن يقول: إنّما ملكتها في واحدةٍ، فيحلف على ذلك ويكون قضاؤها في واحدةٍ، وبه يأخذ يحيى، ذكره عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر). [تفسير القرآن العظيم: 2/714]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله:{وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرا عظيما (29)}

أي : من آثر ت منكن الآخرة , فأجرها أجر عظيم.).[معاني القرآن: 4/224]

تفسير قوله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ} [الأحزاب: 30]
[تفسير القرآن العظيم: 2/714]
يعني الزّنا: تفسير السّدّيّ.
قال: {يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرًا} [الأحزاب: 30] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/715]
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):
(وقوله: {من يأت منكنّ...}
اجتمعت القراء على قراءة: {من يأت}, بالياء , واختلفوا في قوله: {ويعمل صالحاً} .
فقرأها عاصم , والحسن , وأهل المدينة بالتاء, وقرأها الأعمش , وأبو عبد الرحمن السلميّ بالياء, فالذين قرءوا بالياء , أتبعوا الفعل الآخر بـ {يأت} إذ كان مذكّرا, والذين أنّثوا , قالوا لمّا جاء الفعل بعدهنّ علم أنه للأنثى، فأخرجناه على التأويل.
والعرب تقول: كم بيع لك جاريةً، فإذا قالوا: كم جاريةً بيعت لك , أنّثوا, والفعل في الوجهين جميعاً لكم، إلاّ أن الفعل لمّا أتى بعد الجارية ذهب به إلى التأنيث، ولو ذكّر كان صواباً، لأنّ الجارية مفسّرةٌ ليس الفعل لها، وأنشدني بعض العرب:
أيام أم عمرٍو من يكن عقر داره = جواءٌ عديّ يأكل الحشرات
ويسود من لفح السّموم جبينه = ويعر وإن كانوا ذوي بكرات
وجواء عدي.
قال الفراء: سمعتها أيضاً نصباً , ولو قال: {وإن كان}, كان صواباً , وكل حسنٌ.).[معاني القرآن للفراء: 2/341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يضاعف لها العذاب ضعفين } أي : يجعل لها العذاب ثلاثة أعذبة لأن ضعف الشيء مثله، وضعفي الشيء مثلا الشيء , ومجاز " يضاعف " أي : يجعل الشيء، شيئين حتى يكون ثلاثة فأما قوله , ويضعف أي: يجعل الشيء شيئين.). [مجاز القرآن: 2/136-137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يضاعف لها العذاب ضعفين}
قال أبو عبيدة: يجعل الواحد ثلاثة لا اثنين, هذا معنى قول أبي عبيدة, ولا أراه كذاك، لأنه يقول بعد: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله}, أي: يطعهما: {وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين}، فهذا يدلّ على أن «الضّعفين» , ثم أيضا: مثلان, وكأنه أراد: يضاعف لها العذاب، فيجعل ضعفين، أي: مثلين، كلّ واحد منهما ضعف الآخر, وضعف الشيء: مثله, ولذلك قرأ أبو عمرو:
(يضعف) : لأنه رأى أن «يضعف» للمثل، و«يضاعف» لما فوق ذلك.
وهذا كما يقول الرجل: إن أعطيتني درهما كافأتك بضعفين - أي : بدرهمين - , فإن أعطيتني فردا , أعطيتك زوجين، يريد اثنين. ومثله:
{ربّنا آتهم ضعفين من العذاب} : أي : مثلين.). [تفسير غريب القرآن: 350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين}
فرق أبو عمرو بين يضعف , ويضاعف , قال : يضاعف للمرار الكثيرة , ويضعف مرتين , وقرأ يضعف لهذا .
وقال أبو عبيدة : يضاعف لها العذاب : يجعل ثلاثة أعذبة
قال أبو جعفر : التفريق الذي جاء به أبو عمرو, لا يعرفه أحد من أهل اللغة علمته , والمعنى في يضاعف , ويضعف واحد , أي : يجعل ضعفين , أي : مثلين , كما تقول : إن دفعت إلي درهما , دفعت إليك ضعفيه , أي: مثليه , يعني : درهمين , ويدل على هذا :{نؤتها أجرها مرتين }, فلا يكون العذاب أكثر من الأجر .
وقال في موضع آخر : ربنا آتهم ضعفين من العذاب , أي : مثلين .
وروى معمر , عن قتادة , يضاعف لها العذاب ضعفين , قال : (عذاب الدنيا , وعذاب الآخرة) .
وقوله جل وعز: {ومن يقنت منكن لله ورسوله}
ومعناه : من يطع .
قال قتادة : (كل قنوت في القرآن طاعة, وقال: وأعتدنا لها رزقا كريما الجنة)). [معاني القرآن: 5/344-345]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}
قال أبو عبيدة: ثلاثة أضعاف, ولو قال ضعفاً, لكان الواحد اثنين, وقيل: إن معناه مرتين بدليل قوله: {نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله} [الأحزاب: 31]، أي: ومن يطع منكنّ اللّه ورسوله فيما حدّثني قباث ابن رزينٍ اللّخميّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، وليس فيه اختلافٌ.
قال: {وتعمل صالحًا} [الأحزاب: 31]، يعني: الّتي تقنت منهنّ للّه ورسوله.
{نؤتها أجرها مرّتين} [الأحزاب: 31] قال يحيى: بلغني أنّ رجلا سأل الحسن قال: أين يضاعف لها العذاب ضعفين؟ قال: حيث تؤتى أجرها مرّتين.
قال يحيى: تؤتى أجرها مرّتين، يعني: في الآخرة.
قال: {وأعتدنا لها} [الأحزاب: 31]، أي: وأعددنا لها.
{رزقًا كريمًا} [الأحزاب: 31] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/715]
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):
(وقوله: {من يأت منكنّ...}
اجتمعت القراء على قراءة: {من يأت} بالياء , واختلفوا في قوله: {ويعمل صالحاً}, فقرأها عاصم , والحسن , وأهل المدينة بالتاء, وقرأها الأعمش , وأبو عبد الرحمن السلميّ بالياء.
فالذين قرءوا بالياء , أتبعوا الفعل الآخر بـ {يأت} إذ كان مذكّرا, والذين أنّثوا , قالوا لمّا جاء الفعل بعدهنّ علم أنه للأنثى، فأخرجناه على التأويل.
والعرب تقول: كم بيع لك جاريةً، فإذا قالوا: كم جاريةً بيعت لك, أنّثوا، والفعل في الوجهين جميعاً لكم، إلاّ أن الفعل لما أتى بعد الجارية ذهب به إلى التأنيث، ولو ذكّر كان صواباً، لأنّ الجارية مفسّرةٌ ليس الفعل لها، وأنشدني بعض العرب:
أيام أم عمرٍو من يكن عقر داره = جواءٌ عديّ يأكل الحشرات
ويسود من لفح السّموم جبينه = ويعر وإن كانوا ذوي بكرات
وجواء : عدي.
قال الفراء: سمعتها أيضاً نصباً ولو قال: وإن كان, كان صواباً , وكل حسنٌ.). [معاني القرآن للفراء: 2/341] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن يقنت...}
بالياء لم يختلف القراء فيها.
وقوله: {نؤتها}: قرأها أهل الحجاز بالنون., وقرأها يحيى بن وثّاب , والأعمش , وأبو عبد الرحمن السلميّ بالياء.). [معاني القرآن: 2/341-342]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ نؤتها أجرها }: أي: نعطها ثوابها.). [مجاز القرآن: 2/137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يضاعف لها العذاب ضعفين}
قال أبو عبيدة: يجعل الواحد ثلاثة لا اثنين, هذا معنى قول أبي عبيدة, ولا أراه كذاك؛ لأنه يقول بعد: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله} أي: يطعهما, {وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين}، فهذا يدلّ على أن «الضّعفين» ثم أيضا: مثلان.
وكأنه أراد: يضاعف لها العذاب، فيجعل ضعفين، أي : مثلين، كلّ واحد منهما ضعف الآخر. وضعف الشيء: مثله, ولذلك قرأ أبو عمرو:
(يضعف) ؛ لأنه رأى أن «يضعف» للمثل، و«يضاعف» لما فوق ذلك.
وهذا كما يقول الرجل: إن أعطيتني درهما , كافأتك بضعفين - أي : بدرهمين - فإن أعطيتني فردا , أعطيتك زوجين، يريد اثنين. ومثله:
{ربّنا آتهم ضعفين من العذاب}: أي : مثلين.). [تفسير غريب القرآن: 350] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}
قال أبو عبيدة: ثلاثة أضعاف, ولو قال ضعفا , لكان الواحد اثنين, وقيل: إن معناه مرتين بدليل قوله: {نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) )}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا نساء النّبيّ لستنّ كأحدٍ من النّساء إن اتّقيتنّ} [الأحزاب: 32] ثمّ استأنف الكلام، فقال: {فلا تخضعن بالقول} [الأحزاب: 32] قال الكلبيّ: هو الكلام الّذي فيه ما يهوى المريب.
وقال الحسن: فلا تكلّمن بالرّفث، قال وكان أكثر من يصيب الحدود في زمان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المنافقون.
قال: {فيطمع الّذي في قلبه مرضٌ} [الأحزاب: 32] سعيدٌ، عن قتادة، قال بعضهم: المرض هاهنا الزّنا.
وقال بعضهم: النّفاق.
[تفسير القرآن العظيم: 2/715]
وقال السّدّيّ: يعني: فجورٌ.
قال: {وقلن قولا معروفًا} [الأحزاب: 32] وهذا تبعٌ للكلام الأوّل {فلا تخضعن بالقول} [الأحزاب: 32]...........
{وقلن قولا معروفًا} [الأحزاب: 32].
تفسير الكلبيّ: هو الكلام الّذي فيه ما يهوى المريب.
وقال الحسن: فلا تكلّمن بالرّفث). [تفسير القرآن العظيم: 2/716]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {فلا تخضعن بالقول...}

يقول: لا تليّن القول , {فيطمع الّذي في قلبه مرضٌ}: أي: الفجور , {وقلن قولاً مّعروفاً}: صحيحاً , لا يطمع فاجرا.). [معاني القرآن: 2/342]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ لستنّ كأحدٍ من النّساء }: أحد يقع على الذكر والأنثى بلفظ واحد يقع على ما ليس في الآدميين، يقال: لم أجد فيها أحداً شاة , ولا بعيراً.). [مجاز القرآن: 2/137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فلا تخضعن بالقول}: أي : فلا تلنّ القول، {فيطمع الّذي في قلبه مرضٌ}: أي : فجور، {وقلن قولًا معروفاً} أي : صحيحاً, لا يطمع فاجرا.). [تفسير غريب القرآن: 350]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا نساء النّبيّ لستنّ كأحد من النّساء إن اتّقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الّذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا (32)}
ولم يقل كواحدة من النساء؛ لأن أحدا نفي عام للمذكر , والمؤنث, والواحد , والجماعة.
وقوله: {إن اتّقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الّذي في قلبه مرض}: أي : لا تقلن قولا يجد به منافق سبيلا إلى أن يطمع في موافقتكنّ له.
{وقلن قولا معروفاً}: أي : قلن ما يوجبه الدّين والإسلام بغير خضوع فيه، بل بتصريح وبيان.
{فيطمع}بالنصب وهي القراءة، وجواب {فلا تخضع} , {فيطمع}, ويقرأ : {فيطمع)}: الذي في قلبه مرض، بتسكين العين، نسق على فلا تخضعن , فيطمع.). [معاني القرآن: 4/224]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}
يقال : خضع في قوله إذا لان , ولم يبين .
ويبينه قوله تعالى: {وقلن قولا معروفا} : أي : بينا ظاهرا
قال قتادة , والسدي : (فيطمع الذي في قلبه مرض , أي : شك , ونفاق) .
قال عكرمة : (هو شهوة الزنى)). [معاني القرآن: 5/345]

تفسير قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {وقرن في بيوتكنّ} [الأحزاب: 33] وهي تقرأ على وجهين: قرن، {وقرن} [الأحزاب: 33] فمن قرأها: {وقرن} [الأحزاب: 33] فمن قبل القرار، ومن قرأها: وقرن فمن قبل الوقار.
قال: {ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى} [الأحزاب: 33] قبلكم في تفسير الحسن، ليس يعني: أنّها كانت جاهليّةً قبلها كقوله: {عادًا الأولى} [النجم: 50]، أي: قبلكم.
وبعضهم يقول: الجاهليّة الّتي ولد فيها إبراهيم قبل الجاهليّة الّتي ولد فيها محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وحدّثني الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزريّ، قال: قال ابن عبّاسٍ في تفسيرها: تكون جاهليّةً أخرى.
وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: لا تقوم السّاعة حتّى يعبد ذو الخلصة، فإنّه كان سيّد الأوثان في الجاهليّة.
- وحدّثني عاصم بن حكيمٍ، عن عوفٍ، عن أبي المغيرة، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: تنفخ النّفخة الأولى، وما يعبد اللّه يومئذٍ في الأرض.
قال: {وأقمن الصّلاة} [الأحزاب: 33] المفروضة، الصّلوات الخمس على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها.
{وآتين الزّكاة} [الأحزاب: 33] المفروضة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/716]
{وأطعن اللّه ورسوله} [الأحزاب: 33] في ما أمركنّ به.
{إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس} [الأحزاب: 33] الشّيطان الّذي يدعو إلى المعاصي.
وقال بعضهم: الرّجس، يعني: الإثم الّذي ذكر في هذه الآيات.
{ويطهّركم تطهيرًا} [الأحزاب: 33] من الذّنوب، في تفسير السّدّيّ، وقال: كلّ رجسٍ في القرآن، فإنّما هو إثمٌ، والرّجز كلّه العذاب، والرّجز مرفوعةٌ: الأوثان.
- وحدّثني حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقوم على باب عليٍّ وفاطمة صلاة الفجر ستّة أشهرٍ، فيقول: الصّلاة الصّلاة يا أهل البيت {إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرًا} [الأحزاب: 33].
- وحدّثني يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهرٍ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كيومٍ واحدٍ فسمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا طلع الفجر جاء إلى باب عليٍّ وفاطمة، فقال: الصّلاة، ثلاثًا: {إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرًا} [الأحزاب: 33].
قال يحيى: وبلغني أنّ هذه الآية نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بيت أمّ سلمة). [تفسير القرآن العظيم: 2/717]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: ( قوله: {وقرن في بيوتكنّ...}

من الوقار, تقول للرّجل: قد وقر في منزله , يقر وقوراً.
وقرأ عاصم وأهل المدينة : {وقرن}بالفتح, ولا يكون ذلك من الوقار، ولكنا نرى أنهم أرادوا: واقررن في بيوتكنّ , فحذفوا الرّاء الأولى، فحوّلت فتحها في القاف؛ كما قالوا: هل أحست صاحبك؟, وكما قال: {فظلتم} , يريد: فظللتم.
ومن العرب من يقول: واقررن في بيوتكنّ، فلو قال قائل: وقرن بكسر القاف يريد , واقررن بكسر الراء فيحوّل كسرة الراء -إذا سقطت- إلى القاف كان وجهاً.
ولم نجد ذلك في الوجهين جميعاً مستعملاً في كلام العرب إلاّ في فعلت وفعلتم وفعلن , فأمّا في الأمر والنهي المستقبل فلا؛ إلا أنا جوّزنا ذلك لأنّ اللام في النسوة ساكنة في فعلن , ويفعلن فجاز ذلك, وقد قال أعرابيّ من بني نمير: ينحطن من الجبل , يريد: ينحططن, فهذا يقوّي ذلك.
وقوله: {ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى}: قال: ذلك في زمنٍ ولد فيه إبراهيم النبي عليه السلام, كانت المرأة إذ ذاك تلبس الدّرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين, ويقال: كانت تلبس الثياب تبلغ المال لا تواري جسدها، فأمرن ألاّ يفعلن مثل ذلك). [معاني القرآن: 2/342-343]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقرن في بيوتكنّ}: القاف مكسورة لأنها من وقرت تقر، تقديره: وزنت تزن , ومعناه من الوقار , ومن فتح القاف , فإن مجازها من " قرّت تقر " تقديره: قررت تقر , فحذف الراء الثانية فخففها , وقد تفعل العرب ذلك , وقال الشاعر:
خلا أنّ العتاق من المطاي= أحسن به فهنّ إليه شوس
أراد : أحسن.
{ولا تبرّجن}: وهو من التبرج , وهو أن يبرزن محاسنهن , فيظهرونها.). [مجاز القرآن: 2/138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وقرن في بيوتكم}: من الوقار، ومن فتح القاف فهي مخففة، قررت كما خففت ظللت فقيل: ظلت عليه عاكفا). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقرن في بيوتكنّ} من الوقار، يقال: وقر في منزله , يقر وقورا.
ومن قرأ: {وقرن في بيوتكنّ} بنصب القاف، جعله من «القرار», وكأنه من «قرّ يقرّ» بفتح القاف, أراد: «أقررن في بيوتكن»، فحذف الراء الأولى، وحول فتحتها إلى القاف. كما يقال: ظللن في موضع كذا، من «أظللن».

قال اللّه تعالى: {فظلتم تفكّهون}
ولم نسمع بـ «قرّ يقرّ» إلا في قرة العين, فأمّا في الاستقرار , فإنما هو «قرّ يقرّ» بالقاف مكسورة, ولعلها لغة.).[تفسير غريب القرآن: 350-351]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ {وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى وأقمن الصّلاة وآتين الزّكاة وأطعن اللّه ورسوله إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا (33)}
ويقرأ " وقرن " بكسر القاف , فمن قرأ بالفتح , فهو من قررت بالمكان أقرّ. فالمعننى: واقررن , فإذا خففت صارت : وقرن , حذفت الألف لثقل التضعيف في الراء، وألقيت حركتها على القاف.
والأجود:{ وقرن في بيوتكن } بكسر القاف , وهو من الوقار، تقول: وقر يقر في المكان.
ويصلح أن يكون من قررت في المكان أ, قره فيحذف على أنه من {واقررن} بكسر الراء الأولى، والكسر من جهتين، من أنه من الوقار، ومن أنه من القرار جميعا.
وقوله تعالى:{ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى}
التبرّج : إظهار الزينة، وما تستدعى به شهوة الرجل.
وقيل : إنهن كن يتكسّرن في مشيتهنّ، ويتبخترن، وقيل إن الجاهلية الأولى من كان من لدن آدم إلى زمن نوح، وقيل : من زمن نوح إلى زمن إدريس.
وقيل : منذ زمن عيسى إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
والأشبه أن تكون منذ زمن عيسى إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؛لأنهم هم الجاهلية المعروفون , لأنه روى أنهم كانوا يتخذون البغايا - وهن الفواجر - يغللن لهم.
فإن قيل: لم قيل الأولى؟, قيل : يقال لكل متقدّم , ومتقدّمة أولى وأول، فتأويله : أنهم تقدّموا أمّة محمد صلى الله عليه وسلم , فهم أولى , وهم أول من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وقوله عزّ وجلّ: {من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة}
وتقرأ: {مبينة}
{يضاعف لها العذاب ضعفين}
القراءة يضاعف بألف، وقرأ أبو عمرو وحده يضعّف، وكلاهما جيّد.
وقال أبو عبيدة: يعذب ثلاثة أعذبة، قال: كان عليها أن يعذب مرة واحدة، فإذا ضوعفت المرة ضعفين، صار العذاب ثلاثة أعذبة.
وهذا القول ليس بشيء ؛ لأنّ معنى : يضاعف لها العذاب ضعفين : يجعل عذاب جرمها -كعذابي جرمين.
والدليل عليه {نؤتها أجرها مرّتين}: فلا يكون أن تعطى على الطاعة أجرين , وعلى المعصية ثلاثة أعذبة , ومعنى ضعف الشيء مثله، لأن ضعف الشيء الذي يضعفه بمنزلة مثقال الشيء.
ومعنى : {يقنت}: يقيم على الطاعة.
{وأعتدنا لها رزقا كريما}: جاء في التفسير : أنه الجنّة.
وقوله: {إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت}
{أهل البيت} منصوب على المدح، ولو قرئت أهل البيت - بالخفض - أو قرئت, أهل البيت بالرفع لجاز ذلك , ولكنّ القراءة النصب.
وهو على وجهين:
على معنى : أعني : أهل البيت, وعلى النداء: على معنى : يا أهل البيت.
والرجس في اللغة : كل مستنكر , مستقذر من مأكول , أو عمل , أو فاحشة.
وقيل : إن أهل البيت ههنا : يعنى به نساء النبي صلى الله عليه وسلم , وقيل نساء النبي صلى الله عليه وسلم , والرجال الذين هم آله.
واللغة : تدل على أنه للنساء والرجال جميعا ؛ لقوله {عنكم}بالميم، ويطهّركم, ولو كان للنساء لم يجز إلا عنكن , ويطهّركنّ.
والدليل على هذا قوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ} حيث أفرد النساء بالخطاب.). [معاني القرآن: 4/224-227]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}
هو من وقر يقر وقارا في المكان, إذا ثبت فيه .
وفيه قول آخر : قال محمد بن يزيد : هو من قررت في المكان أقر , والأصل :{واقررن }, جاء على لغة من قال : في مسست , مست حذفت , الراء الأولى , وألقيت حركتها على القاف , فصار : (وقرن) .
قال : ومن قرأ: (وقرن) , فقد لحن .
قال أبو جعفر : يجوز أن يكون {وقرن} من قررت به عينا , أقر , فيكون المعنى : واقررن به عينا في بيوتكن .
ثم قال جل وعز: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}
روى علي بن أحمر , عن عكرمة , عن ابن عباس قال: (الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح صلى الله عليهما و سلم) .
وروى عبد الله بن عمرو , عن عبد الكريم , عن عكرمة , عن ابن عباس قال: (ستكون جاهلية أخرى) .
وروى هشيم , عن زكريا , عن الشعبي قال : (الجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم).
قال مجاهد : (كان النساء يتمشين بين الرجال , فذلك التبرج) .
وقال ابن أبي نجيح: هو التبختر
قال أبو جعفر : التبرج في اللغة : هو إظهار الزينة , وما تستدعى به الشهوة , وكان هذا ظاهرا بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم , وكان ثم بغايا يقصدن , وقوله جل وعز: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}
قال عطية : حدثني أبو سعيد الخدري , قال: (حدثتني أم سلمة , قالت : نزلت هذه الآية في بيت , وكنت جالسة على الباب , فقلت : يا رسول الله , ألست من أهل البيت , قال : ((إنك إلى خير , وأنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم)) , وكان في البيت النبي صلى الله عليه وسلم , وعلي , وفاطمة , والحسن , والحسين صلوات الله عليهم وسلامه)). [معاني القرآن: 5/347-348]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَقَرْنَ}: من الاستقرار). [العمدة في غريب القرآن: 243]


تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقيل: إن أهل البيت ههنا , يعنى به نساء النبي صلى الله عليه وسلم , وقيل: نساء النبي صلى الله عليه وسلم , والرجال الذين هم آله.

واللغة : تدل على أنه للنساء والرجال جميعا لقوله (عنكم) بالميم، ويطهّركم.
ولو كان للنساء لم يجز إلا عنكن , ويطهّركنّ.
والدليل على هذا قوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ}:حيث أفرد النساء بالخطاب.). [معاني القرآن: 4/227] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}
قال قتادة : أي : القرآن , والسنة .
وروى محمد بن عمرو , عن أبي سلمة , عن أم سلمة قالت: (قلت: يا رسول الله أرى الله جل وعز يذكر الرجال , ولا يذكر النساء , فنزلت: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات})). [معاني القرآن: 5/349]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 06:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 35 إلى 49]

{إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) }

تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} [الأحزاب: 35] وهو واحدٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/717]
وقال في آيةٍ أخرى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين {35} فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين {36}} [الذاريات: 35-36] والإسلام هو اسم الدّين.
قال: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] والإيمان باللّه وما أنزل.
- حمّاد بن سلمة، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن رجلٍ، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال له: «أسلم تسلم»، قال: وما الإسلام، قال: «أن يسلم قلبك للّه وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك»، قال: وأيّ الإسلام أفضل، قال: «الإيمان»، قال: وما الإيمان، قال: «أن تؤمن باللّه وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت» قال: فأيّ الإيمان أفضل، قال:
«الهجرة»، قال: وما الهجرة، قال: «أن تهجر السّوء»، قال: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: «الجهاد»، قال: وما الجهاد، قال: «أن تقاتل المشركين إذا لقيتهم ثمّ لا تغلّ ولا تجبن».
- خداشٌ، عن عبد الملك بن قدامة، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينما هو في ملإٍ من أصحابه إذ أقبل رجلٌ حتّى سلّم عليه فردّ عليه النّبيّ عليه السّلام.
- الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله، وزاد فيه أيضًا، وردّ الملأ فقال: يا محمّد، ألا تخبرني ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن باللّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والبعث بعد الموت والحساب، والميزان، والجنّة، والنّار، والقدر خيره وشرّه»، قال: فإذا فعلت هذا فقد آمنت؟ قال: «نعم»، قال: صدقت، فعجب أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقوله: صدقت.
[تفسير القرآن العظيم: 2/718]
ثمّ قال: يا محمّد ألا تخبرني ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تقيم الصّلاة وتؤتي الزّكاة»، قال: فإذا فعلت هذا فقد أسلمت؟ قال: «نعم»، قال: صدقت، قال: يا محمّد ألا تخبرني ما الإحسان؟ فقال: «الإحسان أن تخشى اللّه كأنّك تراه، فإنّك إلا تكون تراه فإنّه يراك»، قال: فإذا فعلت هذا فقد أحسنت؟ قال: «نعم»، قال: صدقت، قال: يا محمّد أخبرني متى السّاعة؟ فقال: " سبحان اللّه العظيم، سبحان اللّه العظيم، سبحان اللّه العظيم، ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، استأثر اللّه بعلم خمسٍ لم يطلع عليهنّ أحدًا، إنّ اللّه يقول: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة} [لقمان: 34] حتّى أتمّ الآية، ولكن سأخبرك بشيءٍ يكون قبلها حين تلد الأمة ربّتها، ويتطاول أهل الشّاء في البنيان، ويصير الحفاة العراة على رقاب المسلمين "، قال: ثمّ ولّى الرّجل، فأتبعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طرفه طويلا ثمّ ردّ طرفه عليه، فقال: هل تدرون من هذا؟ هذا جبريل جاءكم يعلّمكم أمر دينكم، أو جاءكم يتعاهد دينكم). [تفسير القرآن العظيم: 2/719]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والقانتين والقانتات} [الأحزاب: 35] والقنوت: الطّاعة.
وقال السّدّيّ: يعني: المطيعين للّه والمطيعات.
قال: {وقوموا للّه} [البقرة: 238]، أي: في صلاتكم {قانتين} [البقرة: 238] مطيعين.
{والصّادقين والصّادقات والصّابرين والصّابرات} [الأحزاب: 35] على ما أمرهم اللّه به وعمّا نهاهم اللّه عنه.
{والخاشعين والخاشعات} [الأحزاب: 35] وهو الخوف الثّابت في القلب.
{والمتصدّقين والمتصدّقات} [الأحزاب: 35]، يعني: الزّكاة المفروضة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/719]
{والصّائمين والصّائمات} [الأحزاب: 35] قال يحيى: بلغني أنّه من صام رمضان وثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ فهو من الصّائمين والصّائمات.
{والحافظين فروجهم والحافظات} [الأحزاب: 35] ممّا لا يحلّ لهنّ.
{والذّاكرين اللّه كثيرًا والذّاكرات} [الأحزاب: 35]، يعني: باللّسان، وهو تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: وليس في هذا الذّكر وقتٌ.
{أعدّ اللّه لهم مغفرةً} [الأحزاب: 35] لذنوبهم.
{وأجرًا عظيمًا} [الأحزاب: 35] الجنّة.
- حدّثني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا، قال: إنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول اللّه ما للنّساء لا يذكرن مع الرّجال في العمل الصّالح؟ فأنزل اللّه هذه الآية: {إنّ المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/720]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {إنّ المسلمين والمسلمات...}

ويقول القائل: كيف ذكر المسلمين والمسلمات , والمعنى بأحدهما كافٍ؟
وذلك أنّ امرأة قالت: (يا رسول الله: ما الخير إلاّ للرجال, هم الذين يؤمرون وينهون), وذكرت غير ذلك من الحجّ والجهاد , فذكرهن الله لذلك.). [معاني القرآن: 2/342-343]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت»
أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم))، يعني المصلّي الصّائم.
[تأويل مشكل القرآن: 451]
ثم قيل للدعاء: قنوت، لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت؛ لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت.
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة، لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 452] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصّادقين والصّادقات والصّابرين والصّابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصّائمين والصّائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين اللّه كثيرا والذّاكرات أعدّ اللّه لهم مغفرة وأجرا عظيما (35)}
لما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل، قال النساء من المسلمات: (فما نزل فينا نحن شيء)، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن النساء , والرجال يجازون بأعمالهم المغفرة , والأجر العظيم.
وقوله عزّ وجلّ: {والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين اللّه كثيرا والذّاكرات}


المعنى : والحافظين فروجهم , والحافظاتها , والذاكرين اللّه كثيرا, والذاكراته.
استغنى عن ذكر الهاء بما تقدّم , ودل على المحذوف، ومثله : ونخلع , ونترك من يفجرك، المعنى : ونخلع من يفجرك , ونتركه.


ومثله من الشعر:
وكمتا مدمّاة كأنّ متونها= جرى فوقها واستشعرت لون مذهب
على رفع لون, المعنى : جرى فوقها لون مذهب , واستشعرته.
وقوله تعالى: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله}: بالياء، (وتعمل) بالتاء.
الأول: محمول على اللفظ، وتعمل على المعنى.
ومن قرأهما جميعا بالتاء , حمل على المعنى, أراد : والتي تقنت منكن للّه ورسوله , وتعمل.
ومن قرأ الأول بالتاء , قبح أن يقرأ , ويعمل، لأنه قد حمل على المعنى، وأوضح الموصول بأنه مؤنث، فيقبح الحمل على اللفظ.). [معاني القرآن: 4/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}
قال قتادة : أي: القرآن , والسنة.
وروى محمد بن عمرو , عن أبي سلمة , عن أم سلمة قالت: (قلت: يا رسول الله , أرى الله جل وعز يذكر الرجال , ولا يذكر النساء , فنزلت: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات}) .). [معاني القرآن: 5/349] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والحافظين فروجهم والحافظات}
أي : والحافظاتها , ونظيره:
وكمتا مدماة كأن متونها = جرى فوقها واستشعرت لون المذهب
مذهب وروى سيبويه لوت مذهب بالنصب , وإنما يجوز الرفع على حذف الهاء , كأنه قال : فاستشعرته فيمن رفع لونا , وقوله جل وعز: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا}

قال قتادة : (لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش و, هي ابنة عمته , وهو يريدها لزيد , ظنت أنه يريدها لنفسه , فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت , وامتنعت , فأنزل الله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} , فأطاعت وسلمت)). [معاني القرآن: 5/350]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُِينًا (36) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يزوّج زينب بنت جحشٍ زيد بن حارثة، فأبت وقالت: أزوّج نفسي رجلا كان عبدًا بالأمس، وكانت ذات شرفٍ، فلمّا أنزلت هذه الآية جعلت أمرها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فزوّجها إيّاه، ثمّ صارت سنّةً بعد في جميع
[تفسير القرآن العظيم: 2/720]
الدّين، ليس لأحدٍ خيارٌ على قضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وحكمه.
حدّثني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: نزلت في كراهية زينب بنت جحشٍ نكاح زيد بن حارثة حين أمره محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال السّدّيّ: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمرًا} [الأحزاب: 36]، يعني: فعل اللّه ورسوله أمرًا، يعني: شيئًا من أمر تزويج زينب.
{أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] قال: {ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينًا} [الأحزاب: 36] بيّنًا.
وقال السّدّيّ: {فقد ضلّ ضلالا مبينًا} [الأحزاب: 36]، يعني: أخطأ خطأً طويلا). [تفسير القرآن العظيم: 2/721]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)

: (وقوله: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم...}



نزلت في زينب بنت جحش الأسدية, أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوّجها زيد بن حارثة، فذكر لها ذلك، فقالت: (لا, لعمر الله، أنا بنت عمّتك , وأيّم نساء قريش) , فتلا عليها هذه الآية، فرضيت وسلّمت، وتزوّجها زيد, ثم إن النبي عليه السلام أتى منزل زيدٍ لحاجةٍ، فرأى زينب , وهي في درعٍ وخمارٍ، فقال: ((سبحان مقلّب القلوب)), فلمّا أتى زيدٌ أهله , أخبرته زينب الخبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوها إليه, فقال: (يا رسول الله , إنّ في زينب كبراً، وإنها تؤذيني بلسانها , فلا حاجة لي فيها).
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتّق الله , وأمسك عليك زوجك)), فأبى، فطلّقها، وتزوّجها النبي عليه السلام بعد ذلك.


وكان الوجهان جميعاً: تزوجها زيد , والنبي عليه السلام من بعد؛ لأن الناس كانوا يقولون: زيد بن محمدٍ؛ وإنما كان يتيما في حجره, فأراهم الله أنه ليس له بأبٍ، لأنه قد كان حرّم أن ينكح الرجل امرأة أبيه، أو أن ينكح الرجل امرأة ابنه إذا دخل بها.). [معاني القرآن: 2/343]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا (36)}
الخيرة: التخيير, ونزلت هذه الآية بسبب زينب بنت جحش, وكانت بنت عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وزيد بن حارثة، وكان زيد مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم , وكانت منزلته منه في محبّته إياه كمنزلة الولد، فخطب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زينب ليزوجها من زيد، فظنت أنه خطبها لنفسه عليه السلام، فلما علمت أنه يريدها لزيد , كرهت ذلك, وأعلم اللّه جل وعلا أنه لا اختيار على ما قضاه اللّه ورسوله، وزوّجها من زيد.). [معاني القرآن: 4/228]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإذ تقول للّذي أنعم اللّه عليه} [الأحزاب: 37]، يعني: زيدًا.
{أمسك عليك زوجك واتّق اللّه} [الأحزاب: 37] قال اللّه للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه} [الأحزاب: 37] مظهره، تفسير السّدّيّ.
{وتخشى النّاس واللّه أحقّ أن تخشاه} [الأحزاب: 37] كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعجبه أن يطلّقها زيدٌ من غير أن يأمره بطلاقها، فيتزوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال الكلبيّ: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتى زينب زائرًا، فأبصرها قائمةً فأعجبته، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سبحان
[تفسير القرآن العظيم: 2/721]
اللّه مقلّب القلوب، فرأى زيدٌ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد هويها فقال: يا رسول اللّه ائذن لي في طلاقها، فإنّ فيها كبرًا وإنّها تؤذيني بلسانها، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اتّق اللّه وأمسك عليك
زوجك، فأمسكها زيدٌ ما شاء اللّه ثمّ طلّقها، فلمّا انقضت عدّتها أنزل اللّه نكاحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من السّماء فقال: {وإذ تقول للّذي أنعم اللّه عليه وأنعمت عليه} [الأحزاب: 37] إلى قوله: {فلمّا قضى زيدٌ منها وطرًا زوّجناكها} [الأحزاب: 37] فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند ذلك زيدًا فقال: ائت زينب فأخبرها أنّ اللّه قد زوّجنيها، فانطلق زيدٌ
فاستفتح الباب، فقيل من هذا؟ قال: زيدٌ، قالت: وما حاجة زيدٍ إليّ وقد طلّقني؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرسلني، فقالت: مرحبًا برسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ففتح له الباب، فدخل عليها وهي تبكي، فقال زيدٌ: لا يبك اللّه عينك، قد كنت نعمت المرأة أو قال: الزّوجة، إن كنت لتبرّين قسمي وتطيعين أمري، وتتّبعين مسرّتي، فقد أبدلك اللّه
خيرًا منّي، قالت: من لا أبا لك؟ فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فخرّت ساجدةً.
وقوله عزّ وجلّ: {وتخشى النّاس} [الأحزاب: 37] عيب النّاس أن يعيبوا ما صنعت.
{فلمّا قضى زيدٌ منها وطرًا} [الأحزاب: 37] والوطر الحاجة.
{زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطرًا} [الأحزاب: 37] فقال المشركون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد زعمت أنّ حليلة الابن لا تحلّ للأب، وقد تزوّجت حليلة ابنك زيدٍ، فقال اللّه: {لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ في أزواج أدعيائهم} [الأحزاب: 37]، أي: أنّ زيدًا كان دعيًّا، ولم يكن بابن محمّدٍ، وقال: {ما كان محمّد أبا أحدٍ من رجالكم} [الأحزاب: 40].
[تفسير القرآن العظيم: 2/722]
قال: {وكان أمر اللّه مفعولا {37}). [تفسير القرآن العظيم: 2/723]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)

: (وقوله: {وتخفي في نفسك...}



من تزويجها {ما اللّه} مظهره, {وتخشى النّاس} , يقول: تستحي من الناس , {واللّه أحقّ} , أن تستحي منه, ثم قال: {لكيلا يكون على المؤمنين حرجٌ في أزواج أدعيائهم} ). [معاني القرآن: 2/343]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فلمّا قضًى زيدٌ منها وطراً }:أي: أرباً وحاجة , قال الشاعر:


ودّعني قبل أن أودّعه= لمّا قضى من شبابنا وطرا
أي : أرباً , وحاجة.). [مجاز القرآن: 2/138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((الوطر): والأرب واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 304]


قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ تقول للّذي أنعم اللّه عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتّق اللّه وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه وتخشى النّاس واللّه أحقّ أن تخشاه فلمّا قضى زيد منها وطرا زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطرا وكان أمر اللّه مفعولا (37)}
معنى أنعم اللّه عليه : هداه للإسلام، وأنعمت عليه : أعتقته من الرق، وكان زيد شكا إلى النبي عليه السلام أمر زينب، فأمره بالتمسك بها، وكان عليه السلام : يحب التزوج بها إلا أنه عليه السلام , آثر ما يحب من الأمر بالمعروف فقال:{أمسك عليك زوجك واتّق اللّه}.
{وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه وتخشى النّاس واللّه أحقّ أن تخشاه}:أي: تكره مقالة النّاس.


{فلمّا قضى زيد منها وطرا زوّجناكها}:أي : فلما طلّقها زيد, والوطر في اللغة والأرب بمعنى واحد.
قال الخليل: معنى الوطر كل حاجة يكون لك فيها همّة، فإذا بلغها البالغ , قيل: قد قضى وطره , وأربه، أي : بلغ مراده منها.


وقوله - عزّ وجلّ: {لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطرا}
أي: زوجناك زينب , وهي امرأة زيد الذي قد تبنّيت به، لئلا يظن: أنه من تبنّى برجل لم تحل امرأته للمتبنّي.). [معاني القرآن: 4/229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه}
قال قتادة: (هو زيد بن حارثة, أنعم الله عليه بالإسلام , وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق) .
ثم قال: {أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}
روى ثابت , عن أنس قال : (جاء زيد يشكو زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال له :{أمسك عليك زوجك واتق الله }, فأنزل الله جل وعز: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} إلى آخر الآية.
قال : ولو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن , لكتمها).
قال قتادة : (جاء زيد , فقال : يا رسول الله إني أشكو إليك لسان زينب, وإني أريد أن أطلقها) .
فقال له : {أمسك عليك زوجك واتق الله}, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها زيد , فكره أن يقول له طلقها , فيسمع الناس بذلك , قال أبو جعفر : أي: فيفتتنوا.
وسئل علي بن الحسين عليه السلام عن هذه الآية, فقال: (أعلم الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم أن زيدا سيطلق زينب , ثم يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده).
أي : فقد أعلمتك: أنه يطلقها قبل أن يطلقها.
وقوله جل وعز: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها}
قال الخليل : معنى الوطر كل حاجة يهتم بها , فإذا قضاها قيل : قضى وطره , وأربه , ثم خبر جل وعز بالعلة التي من أجلها كان من أمر زيد ما كان , فقال :{لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا }
أي: زوجناك زينب , وكانت امرأة زيد , وأنت متبن له , لئلا يتوهم أن تحريم التبني كتحريم الولادة كما كانت الجاهلية تقول.). [معاني القرآن: 5/354]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه}, قال: انعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق.
{وطراًً}: أي: حاجة.). [ياقوتة الصراط: 410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَطَرًا}: إرباُ: حاجة.). [العمدة في غريب القرآن: 243]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ما كان على النّبيّ من حرجٍ فيما فرض اللّه له} [الأحزاب: 38] فيما أحلّ اللّه له.
قال بعضهم: في زينب.
وقال الحسن: يعني: الّتي وهبت نفسها للنّبيّ إذ زوّجها اللّه إيّاه بغير صداقٍ، ولكنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد تطوّع عليها، فأعطاها الصّداق.
قال: {سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل} [الأحزاب: 38]، أي: أنّه ليس على الأنبياء حرجٌ فيما أحلّ اللّه لهم، وقد أحللت لداود مائة امرأةٍ، ولسليمان ثلاث مائة امرأةٍ وسبع مائة سريّةٍ.
قال: {وكان أمر اللّه قدرًا مقدورًا} [الأحزاب: 38] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/723]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)

: (وقوله: {مّا كان على النّبيّ من حرجٍ فيما فرض اللّه له...}



من هذا , ومن تسع النسوة، ولم تحلّ لغيره وقوله: {سنّة اللّه} , يقول: هذه سنّة , قد مضت أيضاً لغيرك, كان لداود , ولسليمان من النساء ما قد ذكرناه، فضّلا به، كذلك أنت.). [معاني القرآن: 2/344]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ما كان على النّبيّ من حرجٍ فيما فرض الله له سنّة اللّه في الذّين خلوا من قبل }: سنة الله منصوبة لأنها في موضع مصدر من غير لفظها ؛ من حرج , أي: من ضيق وإثم، خلوا , أي: مضوا).). [مجاز القرآن: 2/138]


قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما كان على النّبيّ من حرجٍ فيما فرض اللّه له}: أي : أحلّ اللّه له.
{سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل}: أنه لا حرج على أحد فيما لم يحرم عليه.). [تفسير غريب القرآن: 351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}.
قال المفسرون: فيما أحل الله له.
وقد يجوز في اللغة أن يكون: ما أوجب له من النكاح، يعني: نكاح أكثر من أربع). [تأويل مشكل القرآن: 476]


قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان على النّبيّ من حرج فيما فرض اللّه له سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل وكان أمر اللّه قدرا مقدورا (38)}
(سنّة) منصوب على المصدر، لأن معناه :ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله سنّ الله سنّة حسنة , واسعة , لا حرج فيها.
أي: لا ضيق فيها , والسّنّة الطريقة، والسنن : من ذا كلّه.


وقوله عزّ وجلّ:{في الّذين خلوا من قبل}
معناه: في النبيين الذين قبل محمد صلى الله عليهم وسلم .


أي : سنّة الله في التّوسعة على محمد صلى الله عليه وسلم , فيما فرض اللّه له كسنّته في الأنبياء الماضين.). [معاني القرآن: 4/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له}
قال قتادة : (أي: فيما أحل الله له).
قال أبو جعفر : وفيه معنى المدح , كما قال جل وعز: {ما على المحسنين من سبيل}, ثم قال جل وعز: {سنة الله في الذين خلوا من قبل}
أي: لا يؤاخذون بما لم يحرم عليهم.). [معاني القرآن: 5/354]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}: أي: أحل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {الّذين يبلّغون رسالات اللّه ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا اللّه وكفى باللّه حسيبًا} [الأحزاب: 39] حفيظًا لأعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/723]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)

: (ثم قال: {الّذين يبلّغون رسالات اللّه...}



فضّلناهم بذلك، يعني : الأنباء, و(الذين) في موضع خفضٍ إن رددته على قوله: {سنّة الله في الذين خلوا من قبل}, إن شئت رفعت على الاستئناف, ونصب السنّة على القطع، كقولك: فعل ذلك سنة, ومثله كثير في القرآن, وفي قراءة عبد الله: {الّذين بلّغوا رسالات اللّه ويخشونه} هذا مثل قوله: {إنّ الذين كفروا ويصدّون} يردّ يفعل على فعل، وفعل على يفعل, وكلّ صواب.) [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى:{الّذين يبلّغون رسالات اللّه ويخشونه ولا يخشون أحدا إلّا اللّه وكفى باللّه حسيبا (39)}


" الذين " : في موضع خفض نعت لقوله :{في الّذين خلوا من قبل}, ويجوز أن يكون رفعا على المدح على هم {الّذين يبلّغون رسالات اللّه}
ويجوز : أن يكون نصبا على معنى , أعني : الذين يبلّغون.). [معاني القرآن: 4/230]


تفسير قوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ما كان محمّد أبا أحدٍ من رجالكم} [الأحزاب: 40] يقول: إنّ محمّدًا لم يكن بأبي زيدٍ وإنّما كان زيدٌ دعيًّا له.
قال: {ولكن رسول اللّه وخاتم النّبيّين} [الأحزاب: 40]
- الرّبيع بن صبيحٍ، عن محمّد بن سيرين، عن عائشة قالت: لا تقولوا: لا نبيّ بعد محمّدٍ، وقولوا: خاتم النّبيّين، فإنّه ينزل عيسى ابن مريم حكمًا عدلا وإمامًا مقسطًا، فيقتل الدّجّال، ويكسر الصّليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها.
- عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة حتّى يخرج دجّالون كذّابون قريبٌ من ثلاثين كلّهم يزعم أنّه نبيٌّ ولا نبيّ بعدي وأنا خاتم النّبيّين».
- وحدّثني قرة بن خالدٍ، عن معاوية بن قرّة المزنيّ، عن أبيه قال:
[تفسير القرآن العظيم: 2/723]
أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فاستأذنته أن أدخل يدي فأمسّ الخاتم فأذن لي.
فأدخلت يدي في جربّان قميصه، وإنّه ليدعو لي فما منعه وأنا ألمسه أن دعا لي، قال: فوجدت على نغض كتفه مثل السّلعة.
قال: {وكان اللّه بكلّ شيءٍ عليمًا} [الأحزاب: 40] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/724]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)

: (وقوله: {مّا كان محمّدٌ أبا أحدٍ مّن رّجالكم...}: دليل على أمر تزوّج زينب .



{ولكن رّسول اللّه} , معناه: ولكن كان رسول الله, ولو رفعت على: ولكن هو رسول الله , كان صواباً , وقد قرئ به, والوجه النصب.
وقوله: {وخاتم النّبيّين} : كسرها الأعمش , وأهل الحجاز، ونصبها - يعني التاء - عاصم , والحسن .


وهي في قراءة عبد الله: {ولكن نبيّاً ختم النبيّين}نبيّاً ختم النبيّين}, فهذه حجّةٌ لمن قال {خاتم} بالكسر، ومن قال {خاتم}: أرد هو آخر النبيّين، كما قرأ علقمة فيما ذكر عنه:{خاتمه مسكٌ}: أي: آخره مسك...
- حدثنا أبو الأحوص سلاّم ابن سليم , عن الأشعث بن أبي الشعثاء المحاربيّ قال: (كان علقمة يقرأ : {خاتمه مسكٌ}, ويقول: أما سمعت المرأة تقول للعطّار: اجعل لي خاتمه مسكاً , أي: آخره)). [معاني القرآن: 2/344]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({مّا كان محمّدٌ أبا أحدٍ مّن رّجالكم ولكن رّسول اللّه وخاتم النّبيّين وكان اللّه بكلّ شيءٍ عليماً}
وقال: {ولكن رّسول اللّه وخاتم النّبيّين}: أي: ولكن كان رسول الله , وخاتم النبيين.). [معاني القرآن: 3/31]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللّه وخاتم النّبيّين وكان اللّه بكلّ شيء عليما (40)}
أي: لم يكن زيد ابن محمد صلى الله عليه وسلم لم يلده، وقد ولد لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكور : إبراهيم , والطيب والقاسم , والمطهّر، وإنما تأويله: ما كان يحرم عليه ممن تبنى به ما يحرم على الوالد.
والنبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين في التبجيل , والتعظيم.
وقرئت: {وخاتم النبيين} , {وخاتم النبيين}.
فمن كسر التاء , فمعناه: ختم النبيين، ومن قرأ : وخاتم النبيين , بفتح التاء , فمعناه : آخر النبيين، لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم .
ويجوز: ولكن رسول الله , وخاتم النبيين.
فمن نصب , فالمعنى : ولكن كان رسول اللّه , وكان خاتم النبيين, ومن رفع , فالمعنى : ولكن هو خاتم النبيين.). [معاني القرآن: 4/229-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكفى بالله حسيبا}
يجوز : أن يكون بمعنى محاسب كما تقول أكيل , وشريب .
ويجوز أن يكون بمعنى محسب , أي : كاف, يقال: أحسبني الشيء : كفاني .
وقوله جل وعز: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}
قال علي بن الحسين عليه السلام : (نزلت في زيد بن حارثة) .
قال أبو جعفر : أي ليس هو أباهم بالولادة , وإن كان كذلك في التبجيل , والتعظيم .
ثم قال جل وعز: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين}
قال قتادة: (أي: آخرهم) .
قال أبو جعفر : من قرأ :{خاتم }بفتح التاء , فمعناه : عنده آخرهم , ومن قرأ بالكسر {خاتم }, فمعناه : عندهم أنه ختمهم .
قال قتادة :{وسبحوه بكرة وأصيلا }: (صلاة الصبح , والعصر)). [معاني القرآن: 5/355-356]


تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا اللّه ذكرًا كثيرًا} [الأحزاب: 41] يعني باللّسان، وهو تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: وهذا ذكرٌ ليس فيه وقتٌ وهو تطوّعٌ.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر، عن أبي الدّرداء، قال: ألا أخبركم بخير أعمالكم، أزكاها عند مليككم، وخيرٌ لكم من إعطاء الذّهب والفضّة، ومن أن تلقوا عدوّكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر اللّه.
فقال أبو بحريّة: قد قال ذاك أخوكم معاذ بن جبلٍ: ما عمل آدميٌّ قطّ عملا أنجى له من عذاب اللّه من كثرة ذكر اللّه.
- خداشٌ، عن ميمون بن عجلان، عن ميمون بن سياهٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما من قومٍ اجتمعوا يذكرون اللّه لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم منادٍ من السّماء: قوموا مغفورًا لكم، بدّلت سيّئاتكم حسناتٍ "). [تفسير القرآن العظيم: 2/724]

تفسير قوله تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وسبّحوه بكرةً} [الأحزاب: 42] لصلاة الغداة.
{وأصيلا} [الأحزاب: 42] صلاة الظّهر وصلاة العصر.
ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة أنّ ابن عبّاسٍ قال: هذا في الصّلاة المكتوبة). [تفسير القرآن العظيم: 2/724]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)

: ({بكرةً وأصيلاً}: ما بين العصر إلى الليل.).
[مجاز القرآن: 2/138]



قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الأصيل}: ما بين العصر إلى الليل). [غريب القرآن وتفسيره: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (و{الأصيل}: ما بين العصر إلى الليل). [تفسير غريب القرآن: 351]


قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الأصيل): ما بين العصر إلى الليل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الأَصِيل): ما بين العصر إلى الليل.). [العمدة في غريب القرآن: 243]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {هو الّذي يصلّي عليكم وملائكته} [الأحزاب: 43] تفسير ابن عبّاسٍ، قال: صلاة اللّه الرّحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.
وقال السّدّيّ: {هو الّذي يصلّي عليكم} [الأحزاب: 43]، يعني: اللّه تبارك وتعالى، هو الّذي يغفر لكم إذا أطعتموه، قال: {وملائكته} [الأحزاب: 43]، يعني: هو الّذي يصلّي عليكم، يغفر لكم، ويستغفر لكم الملائكة.
قال: وحدّثني أبو الأشهب، عن الحسن إنّ بني إسرائيل قالت لموسى: سل لنا ربّك هل يصلّي لعلّنا نصلّي بصلاة ربّنا، فقال: يا بني إسرائيل اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين، فأوحى اللّه إليه، أنّي أنّما أرسلتك إليهم لتبلغهم عنّي وتبلغني عنهم، قال: يقولون يا ربّ ما قد سمعت، يقولون: سل لنا ربّك هل يصلّي لعلّنا نصلّي بصلاة ربّنا، قال: فأخبرهم عنّي أنّي أصلّي، وأنّ
صلاتي عليهم: لتسبق رحمتي غضبي ولولا ذلك لهلكوا.
قال عزّ وجلّ: {ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور} [الأحزاب: 43]، يعني: من الشّرك إلى الإيمان، تفسير السّدّيّ.
وقال الحسن: {ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور} [الأحزاب: 43] من الضّلالة إلى الهدى.
وتفسير الحسن أنّه يعصم المؤمنين من الضّلالة، وقال هو كقول الرّجل: الحمد للّه الّذي نجّاني من كذا وكذا لأمرٍ لم ينزل به، صرفه اللّه عنه.
قال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/725]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)

: (وقوله: {هو الّذي يصلّي عليكم...}



يغفر لكم، ويستغفر لكم , ملائكته.). [معاني القرآن: 2/345]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({هو الذي يصلّي عليكم وملائكته } أي : يبارك عليكم , قال الأعشى:


عليك مثل الّذي صلّيت فاغتمضى= نوماً فإن لجنب المرء مضطجعاً.). [مجاز القرآن: 2/138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يصلّي عليكم}: أي يبارك عليكم, ويقال: يغفر لكم, {وملائكته}: أي : تستغفر لكم.). [تفسير غريب القرآن: 351]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: عزّ وجلّ: {هو الّذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور وكان بالمؤمنين رحيما (43)}: صلاة اللّه على خلقه , رحمته , وهدايته إياهم.). [معاني القرآن: 4/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}
قال الحسن : (سألت بنو إسرائيل موسى صلى الله عليه : أيصلي ربك ؟, فكأنه أعظم ذلك , فأوحى الله جل وعز إليه : إن صلاتي : أن رحمتي , تسبق غضبي)
والأصيل : العشي .
قال الفراء : معنى :{هو الذي يصلي عليكم وملائكته }: هو الذي يغفر لكم , وتستغفر لكم ملائكته.). [معاني القرآن: 5/356-357]


تفسير قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {تحيّتهم يوم يلقونه سلامٌ} [الأحزاب: 44] تحيّيهم الملائكة عن اللّه بالسّلام، في تفسير الحسن.
{وأعدّ لهم أجرًا} [الأحزاب: 44] ثوابًا.
{كريمًا} [الأحزاب: 31] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/725]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)

: (وقوله: {تحيّتهم يوم يلقونه سلام وأعدّ لهم أجرا كريما (44)}



تحية أهل الجنّة: سلام، قال الله عزّ وجلّ: {تحيّتهم يوم يلقونه سلام}.). [معاني القرآن: 4/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تحيتهم يوم يلقونه سلام}


هو كما قال , والملائكة يدخلون عليهم من كل باب : سلام عليكم , أي : تحيتهم في الجنة سلام.). [معاني القرآن: 5/357]



تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا} [الأحزاب: 45] على أمّتك،
[تفسير القرآن العظيم: 2/725]
تشهد عليهم في الآخرة أنّك قد بلّغتهم.
{ومبشّرًا} [الأحزاب: 45] في الدّنيا بالجنّة.
{ونذيرًا} [الأحزاب: 45] من النّار.
وتفسير الحسن من عذاب الدّنيا وعذاب الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/726]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)


: (وقوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا (45)}

أي: شاهدا على أمّتك بالإبلاغ، إبلاغ الرسالة، ومبشرا بالجنّة , ومنذرا من النّار، وهذا كله منصوب على الحال، أي: أرسلناك في حال الشهادة , والبشارة, والإنذار.). [معاني القرآن: 4/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}
{شاهدا} : أي : شاهدا بالإبلاغ , {ومبشرا} : بالجنة , {ونذيرا} : من النار , {وداعيا إلى الله بإذنه} , أي : بأمره , {وسراجا منيرا} : أي : وذا سراج , وهو القرآن , ويجوز أن يكون المعنى ومبينا , وتاليا .
حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال :حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي , قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي , عن شيبان النحوي قال : حدثنا قتادة , عن عكرمة , عن ابن عباس قال: (لما نزلت :{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا }, دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً,ومعاذا ً, فقال : (( انطلقا , فيسرا , ولا تعسرا , فإنه قد نزل علي الليلة آية : {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} من النار , {وداعيا إلى الله} , قال : شهادة أن لا إله إلا الله , {بإذنه بأمره وسراجا منيرا }, قال: بالقرآن)))). [معاني القرآن: 5/357-359]


تفسير قوله تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وداعيًا إلى اللّه بإذنه} [الأحزاب: 46] بالقرآن، الوحي الّذي جاء من عنده.
{وسراجًا منيرًا} [الأحزاب: 46] مضيئًا.
- مندل بن عليٍّ وغيره، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «مثل أصحابي مثل الملح لا يصلح الطّعام إلا به، ومثل النّجوم يهتدى بها فبأيّ قول أصحابي أخذتم اهتديتم».
وحدّثنا الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، عن أبي مسلمٍ الخولانيّ قال: إنّ مثل العلماء في الأرض كمثل النّجوم في السّماء يهتدي بها النّاس ما بدت فإذا خفيت تحيّروا). [تفسير القرآن العظيم: 2/726]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)

: ( {وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا (46)}



أي : داعيا إلى توحيد الله , وما يقرّب منه، وبإذنه , أي: بأمره.
{وسراجا منيراًْ}:أي : وكتابا بينا، المعنى : أرسلناك شاهدا , وذا سراج منير , وذا كتاب بيّن، وإن شئت كان {وسراجا} منصوبا على معنى : داعيًا إلى اللّه , وتاليا ًكتاباً بيناً.). [معاني القرآن: 4/231]


قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال :حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي , قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي , عن شيبان النحوي قال : حدثنا قتادة , عن عكرمة , عن ابن عباس قال: (لما نزلت :{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا },دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً,ومعاذا ً, فقال : (( انطلقا , فيسرا , ولا تعسرا , فإنه قد نزل علي الليلة آية : {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} من النار , {وداعيا إلى الله} , قال : شهادة أن لا إله إلا الله , {بإذنه بأمره وسراجا منيرا }, قال: بالقرآن.))) )[معاني القرآن: 5/359] (م)


تفسير قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من اللّه فضلا كبيرًا} [الأحزاب: 47]، يعني: الجنّة.
وهو تفسير السّدّيّ وغيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/726]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 48] وقد فسّرناه في أوّل السّورة.
قال: {ودع أذاهم} [الأحزاب: 48] قال مجاهدٌ: اعرض عن أذاهم إيّاك، أي: اصبر عليه.
{وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا} [الأحزاب: 3] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/726]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)

: (وقوله عزّ وجلّ:{ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا (48)}



{ودع أذاهم}:معناه : دع أذى المنافقين، وتأويل :{ودع أذاهم} دعهم , لا تجازهم عليه إلى أن تؤمر فيهم بأمر.). [معاني القرآن: 4/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم}


قال مجاهد : {ودع أذاهم }: (أي: أعرض عنهم , وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} ).
قال حبيب بن أبي ثابت : سئل علي بن الحسين عليه السلام عن رجل قال لامرأته: إن تزوجتك , فأنت طالق .
فقال: (ليس بشيء ذكر الله جل وعز النكاح قبل الطلاق , فقال : {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن})). [معاني القرآن: 5/360]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من
[تفسير القرآن العظيم: 2/726]
قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 49] قال يحيى: إذا طلّق الرّجل المرأة قبل أن يدخل بها واحدةً فقد بانت منه بتلك الواحدة وهي أملك بنفسها، يخطبها مع الخطّاب وليس عليها عدّةٌ منه
ولا من غيره حتّى تزوّج إن شاءت من يومها الّذي طلّقها فيه لأنّه لم يطأها فتعتدّ من مائةٍ مخافة أن تكون حبلى، ولها نصف الصّداق، فإن أغلق عليها بابًا أو أرخى عليها سترًا، فقد وجب عليه الصّداق كاملا ووجبت عليها العدّة، وإن طلّقها ثلاثًا قبل أن يدخل بها لم يتزوّجها حتّى تنكح زوجًا غيره إلا أن يفرّق الطّلاق، فيقول: أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، أنت طالقٌ فإنّها
تبين بالأولى وليس ما طلّق بعدها بشيءٍ، وهو خاطبٌ من الخطّاب، فإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين، وأمّا قوله: {فمتّعوهنّ} [الأحزاب: 49] فهو منسوخٌ إذا كان قد سمّى لها صداقًا إلا أن يكون لم يسمّ لها صداقًا فيكون لها المتعة ولا صداق لها، فإن كان سمّى لها صداقًا ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فإنّ لها نصف الصّداق ولا متعة لها، نسختها الآية الّتي في البقرة: {لا جناح
عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين {236} وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} [البقرة: 236-237] ولا متاع لها إلى آخر الآية.
سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: جعلت لها المتعة في هذه الآية، فلمّا نزلت الآية الّتي في البقرة: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] جعل لها النّصف ولا متاع لها وهو قول قتادة، وبه يأخذ يحيى.
[تفسير القرآن العظيم: 2/727]
وقال الحسن: ليست بمنسوخةٍ لها المتاع.
وقد حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن أنّه كان يقول: لها المتاع، وليست بمنسوخةٍ.
والعامّة على أنّها منسوخةٌ.
وقوله عزّ وجلّ: {وسرّحوهنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 49] إلى أهلهنّ.
لا تكون المرأة والرّجل في بيتٍ وليس بينهما حرمةٌ، وإذا مات الرّجل قبل أن يدخل بامرأته توارثا ولها الصّداق كاملا، وإنّما يكون لها النّصف إذا طلّقها). [تفسير القرآن العظيم: 2/728]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحا جميلا (49)}


معنى {تمسّوهنّ}:تقربوهنّ.
{فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحا جميلا}


قال بعضهم: {فمتّعوهن} نسخها قوله تعالى :{وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم}
والنصف ينوب عن التمتيع، إلا أن يكون لم يسمّ لها مهراً، فلها نصف مهر مثلها، وأسقط الله العدة عن التي لم يدخل بها؛ لأنّّ العدة في الأصل استبراء.). [معاني القرآن: 4/232]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا}
قال سعيد بن المسيب : (هي منسوخة بالتي في البقرة , يعني قوله جل وعز: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة} : أي : فلم يذكر المتعة)). [معاني القرآن: 5/360]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 06:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 50 إلى 58]

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجورهنّ} [الأحزاب: 50] صداقهنّ.
{وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك} [الأحزاب: 50]، أي: وأحللنا لك أيضًا بنات عمّك.
{وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللّاتي هاجرن معك} [الأحزاب: 50] إلى قوله: {لا يحلّ لك
[تفسير القرآن العظيم: 2/728]
النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] هؤلاء اللّاتي ذكر من أزواجه، ومن بنات عمّه ومن بنات عمّاته، وبنات خاله، وبنات خالاته.
{وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ} [الأحزاب: 50] قال يحيى فيما حدّثني حمّاد بن سلمة، عن داود بن أبي هندٍ، عن موسى بن عبد اللّه، عن أبيّ بن كعبٍ قال: {إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجورهنّ} [الأحزاب: 50] صداقهنّ {وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك} [الأحزاب: 50] حتّى انتهى إلى قوله: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] هؤلاء: العمّة، والخالة ونحوهنّ، وكان يقول: يتزوّج من بنات عمّاته وبنات خالاته اللّاتي هاجرن معه). [تفسير القرآن العظيم: 2/729]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ أن يستنكحها خالصةً لك} [الأحزاب: 50] يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] مقرأ العامّة على {إن وهبت نفسها للنّبيّ إن} [الأحزاب: 50] يقولون: كانت امرأةً واحدةً وأن مفتوحةٌ لما قد كان، وبعضهم يقرأها: {إن وهبت نفسها} [الأحزاب: 50] يقولون: في المستقبل على تلك الوجوه من قول
أبيٍّ وقول الحسن، وقول مجاهدٍ.
وقوله عزّ وجلّ: {خالصةً لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] لا تكون
[تفسير القرآن العظيم: 2/729]
الهبة بغير صداقٍ إلا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما حدّثني سليمان بن أرقم، عن الحسن.
- وحدّثني الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: لم تحلّ الهبة لأحدٍ بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وحدّثني اللّيث بن سعدٍ، عن يزيد بن قسيطٍ، عن سعيد بن المسيّب أنّه سئل عن رجلٍ وهبت له امرأةٌ فقال: الهبة لا تكون إلا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكن لو كان سمّى سوطًا كان صداقًا.
وفي تفسير الحسن أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد تطوّع على تلك المرأة الّتي وهبت نفسها له فأعطاها الصّداق.
نزل أمر المرأة الّتي وهبت نفسها للنّبيّ عليه السّلام في تفسير الحسن قبل أن ينزل: {ما كان على النّبيّ من حرجٍ فيما فرض اللّه له} [الأحزاب: 38] وهي بعدها في التّأليف). [تفسير القرآن العظيم: 2/730]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم} [الأحزاب: 50] يعني ما أوجبنا عليهم، تفسير السّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/730]
{وما ملكت أيمانهم} [الأحزاب: 50]
- حدّثني حمّاد بن سلمة، عن داود بن أبي هندٍ، عن موسى بن عبد اللّه، عن أبيّ بن كعبٍ قال: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} [الأحزاب: 50]، يعني: الأربع، يقول يتزوّج أربعًا إن شاء {وما ملكت أيمانهم} [الأحزاب: 50] ويطأ بملك يمينه كم شاء.
وتفسير سعيدٍ، عن قتادة: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} [الأحزاب: 50] أن لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي عدلٍ، وصداقٍ معلومٍ.
وقال قتادة في قوله: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} [النساء: 4] قال: فريضةً.
قال يحيى: فإن تزوّج الرّجل امرأةً ولم يسمّ لها صداقًا أو وهبها له الوليّ فرضيت، أو كانت بكرًا فزوّجها أبوها، فإنّ ذلك جائزٌ عليها، فلها ما اتّفقوا عليه من الصّداق، فإن اختلفوا فلها صداق مثلها، والنّكاح ثابتٌ.
قوله عزّ وجلّ: {لكيلا يكون عليك حرجٌ} [الأحزاب: 50] رجع إلى قصّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 50] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/731]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وبنات خالك وبنات خالاتك اللاّتي هاجرن معك...}
وفي قراءة عبد الله : {وبنات خالك وبنات خالاتك واللاّتي هاجرن معك}: فقد تكون المهاجرات من بنات الخال و الخالة، وإن كان فيه الواو، فقال: {واللاتي}, والعرب تنعت بالواو وبغير الواو , كما قال الشاعر:
فإنّ رشيداً وابن مروان لم يكن = ليفعل حتّى يصدر الأمر مصدرا
وأنت تقول في الكلام: إن زرتني زرت أخاك , وابن عمّك القريب لك، وإن قلت: والقريب لك كان صوابا.
وقوله: {وامرأةً مّؤمنةً} نصبتها بـ {أحللنا} .
وفي قراءة عبد الله : {وامرأةً مّؤمنةً وهبت} : ليس فيها (أن) , ومعناهما واحد؛ كقولك في الكلام: لا بأس أن تسترقّ عبداً وهب لك، وعبداً إن وهب لك، سواء.
وقرأ بعضهم : {أن وهبت} بالفتح على قوله: {لا جناح عليه أن ينكحها} في أن وهبت، لا جناح عليه في هبتها نفسها.
ومن كسر جعله جزاء, وهو مثل قوله: {لا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم}, و{إن صدّوكم} , {إن أراد النّبيّ} مكسورة لم يختلف فيها.
وقوله:{خالصةً لّك}: يقول: هذه الخصلة: خالصة لك, ورخصة دون المؤمنين، فليس للمؤمنين أن يتزوّجوا امرأة بغير مهر, ولو رفعت {خالصة لك} على الاستئناف كان صواباً؛ كما قال: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ} , أي : هذا بلاغ, وما كان من سنّة الله، وصبغة الله وشبهه فإنه منصوب لاتصاله بما قبله على مذهب حقّاً , وشبهه, والرفع جائز؛ لأنه كالجواب؛ ألا ترى أن الرجل يقول: قد قام عبد الله، فتقول: حقّا إذا وصلته. وإذا نويت الاستئناف رفعته , وقطعته ممّا قبله, وهذه محض القطع الذي تسمعه من النحويين.). [معاني القرآن: 2/345-346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اللاتي آتيت أجورهنّ}: أي : أ{ مّما أفاء اللّه عليك }:أي: مما فتح الله عليك من الفيء.
{وامرأةً مؤمنةٌ إن وهبت نفسها للنّبيّ }: مجازه: إن تهب , والموضع موضع مجازاة, والعرب قد تجازى بحرف , وتضمر الآخر معهما , قال ذو الرمة:
وإني متى أشرف على الجانب الذي= به أنت ما بين الجوانب ناظر
قال القطامي:
والناس من يلق خيراً قائلون له= ما يشتهي ولأمّ المخطئ الهبل
قال :{وامرأةً مؤمنةً إن وهبت للنّبيّ }: إن أراد النبي أن يستنكحها { خالصةً لك من دون المؤمنين }:وهبت في موضع " تهب " , والعرب تفعل ذلك قال:
إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً.= وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنوا
أي : يطيروا, والعرب قد تخاطب , فتخبر عن الغائب , والمعنى للشاهد , فترجع إلى الشاهد فتخاطبه , قال عنترة:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت= عسراً علىّ طلابك ابنة مخرم.). [مجاز القرآن: 2/139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {آتيت أجورهنّ}: أي: وعورهن.). [تفسير غريب القرآن: 351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} أي: ألزمناهم). [تأويل مشكل القرآن: 475]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ :{يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللّاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان اللّه غفورا رحيما (50)}
{أجورهن}: مهورهنّ.
{وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك}:وأصل الإملاك في الإماء والعبيد ما يجوز سبيه , وفيئه , فأما سبي الخبيثة , فلا يجوز وطئه , ولا ملكه.
يقال: هذا سبي طيبة , وسبي خبيثة , فسبي الطيبة سبي من يجوز حربه من أهل الكفر.
فأما من كان له عهد فلا يجوز سبيه , ولا ملك عبد منه ولا أمة .
وقوله عزّ وجلّ : {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}
وتقرأ: {أن وهبت}بالفتح, أي: أن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم حلّت له .
ومن قرأ " أن وهبت " بالفتح , فالمعنى : أحللناها لأن وهبت نفسها.
{وخالصة}:منصوب على الحال, المعنى : إنا أحللنا لك هؤلاء.
وأحللنا لك من وهبت نفسها لك , وإنما قيل للنبي ههنا , لأنه لو قيل: أن وهبت نفسها لك , كان يجوز أن يتوهم أن في الكلام دليلا أنه يجوز ذلك لغير النبي عليه السلام، كما جاز في قوله:{وبنات عمّك وبنات عمّاتك}, لأن بنات العمّ , وبنات الخال يحللن للناس.
وقوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم}:أي : إن التزويج لا ينعقد إلا بوليّ وشاهدين، وملك اليمين لا يكون إلا ممن يجوز سبيه.). [معاني القرآن: 4/232-233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها النبي إنا حللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}
قال مجاهد : (أي : صداقهن) .
وروى أبو صالح , عن أم هانئ قالت :(خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاعتذرت منه فعذرني , فأنزل الله جل وعز:{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}إلى قوله:{اللاتي هاجرن معك}, ولم أكن هاجرت, إنما كنت من الطلقاء , فكنت لا أحل له ).
ثم قال جل وعز: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي}
قال علي بن الحسين رضي الله عنه , وعروة والشعبي: (هي أم شريك) .
وقال الزهري , وعكرمة , ومحمد بن كعب: (هي ميمونة ابنة الحارث وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم).
قال الزهري : (ووهبت سودة يومها لعائشة) .
وقرأ الحسن : (أن وهبت).
وقرأ الأعمش : (وامرأة مؤمنة وهبت) .
وكسر إن أجمع للمعاني ؛ لأنه قيل : إنهن نساء , وإذا فتح كان المعنى على واحدة بعينها ؛ لأن الفتح على البدل من امرأة , وبمعنى لأن .
وقال مجاهد : (لم تهب نفسها) , فعلى هذا القول لا تكون إن إلا مكسورة .
وقيل : ومعنى : {وهبت نفسها} : إن تزوجت بلا صداق.
وقيل هو : أن تجعل الهبة صداقا , وأن هذا لا يحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو جعفر : والقول الأول أولى ؛ لأن معنى الهبة في اللغة دفع شيء بلا عوض .
وقوله جل وعز: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم}
أي : قد علمنا ما في ذلك من الصلاح , وهذه كلمة مستعملة , يقال: أنا أعلم مالك في ذا .
وروى زياد بن عبد الله , عن أبي بن كعب في قوله تعالى: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} , (قال: مثنى , وثلاث , ورباع) .
وقال قتادة : (فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي , وشاهدي عدل , وصداق , وأن لا يتزوج الرجل أكثر من أربع).
وقوله جل وعز: {لكيلا يكون عليك حرج}
متعلق بقوله: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيتهن أجورهن} .). [معاني القرآن: 5/361-364]

تفسير قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ترجي من تشاء منهنّ وتئوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك} [الأحزاب: 51] تفسير الحسن: {ترجي من تشاء منهنّ} [الأحزاب: 51] يذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المرأة للتّزوّج ثمّ يرجيها، أي: يتركها فلا يتزوّجها.
قال: {وتئوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] تتزوّج من تشاء، وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا ذكر امرأةً ليتزوّج لم يكن لأحدٍ أن يعرّض بذكرها حتّى يتزوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو يتركها.
وأمّا قوله: {ومن ابتغيت ممّن عزلت} [الأحزاب: 51] يقول: ليست عليك لهنّ قسمةٌ، ومن
[تفسير القرآن العظيم: 2/731]
ابتغيت من نسائك للحاجة ممّن عزلت فلم ترد منها الحاجة.
{فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ} [الأحزاب: 51] إذا علمن أنّه من قبل اللّه.
{ولا يحزنّ} [الأحزاب: 51] على أن تخصّ واحدةً منهنّ دون الأخرى.
{ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ} [الأحزاب: 51] من الحاجة الّتي تخصّ منهنّ لحاجتك وهذا تفسير الحسن.
وقال مجاهدٌ: {ترجي من تشاء} [الأحزاب: 51] تعزل {وتئوي} [الأحزاب: 51] تمسك.
وتفسير الكلبيّ: {ترجي من تشاء منهنّ} [الأحزاب: 51]، يعني: من اللّائي أحلّ له، إن شاء أن يتزوّج منهنّ {وتئوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] يتزوّج منهنّ من شاء {ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ} [الأحزاب: 51]، يعني: نساءه اللّائي عنده يومئذٍ، يعني: التّسع، {ولا يحزنّ} [الأحزاب: 51] إذا عرفن إلا تنكح عليهنّ.
{واللّه يعلم ما في قلوبكم وكان اللّه عليمًا حليمًا {51}). [تفسير القرآن العظيم: 2/732]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ترجي من تشاء منهنّ...}
بهمز وغير همز, وكلّ صواب .
{وتؤوي إليك من تشاء}: هذا أيضاً ممّا خصّ به النبي صلى الله عليه وسلم: أن يجعل لمن أحبّ منهنّ يوماً, أو أكثر , أو أقلّ، ويعطّل من شاء منهنّ فلا يأتيه, وقد كان قبل ذلك , لكلّ امرأة من نسائه يوم وليلة.
وقوله: {ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ}: يقول: إذا لم تجعل لواحدة منهنّ يوماً , وكنّ في ذلك سواء، كان أحرى أن تطيب أنفسهنّ , ولا يحزنّ. ويقال : إذا علمن أن الله قد أباح لك ذلك رضين إذ كان من عند الله, ويقال: إنه أدنى أن تقرّ أعينهنّ إذا لم يحلّ لك غيرهنّ من النساء , وكلّ حسن.
وقوله: {ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ} , رفع لا غير، لأن المعنى: وترضى كلّ واحدة, ولا يجوز أن تجعل {كلّهن} نعتاً للهاء في الإيتاء؛ لأنه لا معنى له؛ ألا ترى أنك تقول: لأكرمنّ القوم ما أكرموني أجمعين، وليس لقولك (أجمعون) معنىً. ولو كان له معنى لجاز نصبه.). [معاني القرآن: 2/346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ترجى من تشاء }:أي : تؤخر, {وتؤوى إليك من تشاء}: أي : تضم.). [مجاز القرآن: 2/139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ترجي من تشاء}: تؤخر.
{وتؤي}: تضم إليك). [غريب القرآن وتفسيره: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ترجي من تشاء منهنّ}: أي : تؤخر, يهمز ولا يهمز, يقال: أرجيت الأمر , وأرجأته, {وتؤوي إليك من تشاء}:أي : تضمّ.
قال الحسن: (كان النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا خطب امرأة، لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أو يتزوجها).
ويقال: هذا في قسمة الأيام بينهن، كان يسوّي بينهن قبل، ثم نزل, أي: تؤخر من شئت، فلا تقسم له, وتضمّ إليك من شئت، بغير قسمة.). [تفسير غريب القرآن: 351-352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ واللّه يعلم ما في قلوبكم وكان اللّه عليما حليما (51)}
ترجي بالهمز , وغير الهمز، والهمز أكثر وأجود، ومعنى : ترجي تؤخر بالهمز و, غير الهمز، المعنى واحد، وهذا مما خص اللّه به النبي عليه السلام , فكان له أن يؤخر من أحب من نسائه , ويؤوي إليه من أحب من نسائه , وليس ذلك لغيره من أمّته، وله أن يردّ من أخّر إلى فراشه عليه السلام.
{ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك}: أي: إن أردت ممن عزلت أن تؤوي إليك , فلا جناح عليك.
{ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ)}:أي: ويرضين كلّهنّ بما آتيتهنّ من تقريب , وإرجاء , ويجوز النصب في (كلّهنّ) توكيدا للهاء والنون.). [معاني القرآن: 4/233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}
روى هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة في قوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن}, قال: (هذا في الواهبات أنفسهن) .
قال الشعبي : (هن الواهبات أنفسهن تزوج رسول الله منهن , وترك منهن).
وقال الزهري : (ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه , بل آواهن كلهن).
وقال قتادة : (أطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بينهن كيف شاء , ولم يقسم بينهن إلا بالقسط).
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع , حدثنا سلمة , حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا معمر , عن منصور , عن أبي رزين قال : (المرجآت: ميمونة , وسودة , وصفية, وجويرية , وأم حب, وكانت عائشة , وحفصة , وأم سلمة , وزينب سواء في قسم النبي صلى الله عليه وسلم , يساوي بينهن في القسم) .
وقال مجاهد : (هو أن يعتزلهن بلا طلاق) .
قال أبو جعفر : قول قتادة , وأبي رزين , ومجاهد : (يرجع إلى معنى واحد أن ذلك في القسم) .
وقد روى منصور , عن أبي رزين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يخلي اللواتي أرجأهن , فقلن له : اقسم لنا كيف شئت , واتركنا على حالنا , فتركهن).
وقال قتادة في قوله تعالى: {ذلك أدنى أن تقر أعينهن} (إذا علمن أن ذلك من الله جل وعز قرت أعينهن , ولم يحزن , ورضين).). [معاني القرآن: 5/364-366]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تُرْجِي}: تؤخر, {وتُؤْوِي}: تضم.). [العمدة في غريب القرآن: 243]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقيبًا (52)}ِ
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (عمّارٌ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن قتادة، عن الحسن، أنّ النّبيّ عليه السّلام لمّا خيّر نساءه، فاخترن اللّه ورسوله قصره عليهنّ، وقال: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] إلى آخر الآية.
حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن الحسن، قال: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52]، يعني: أزواجه التّسع {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ} [الأحزاب: 52] قال: قصره اللّه على أزواجه اللّاتي مات عنهنّ، فأخبرت به عليّ بن الحسن فقال: لو شاء لتزوّج عليهنّ.
وقال عليّ بن زيدٍ: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جريرًا يخطب عليه جميلة بنت فلانٍ بعد التّسع.
وحدّثني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] لا نصرانيّاتٍ، ولا يهوديّاتٍ، ولا كوافر، ولا أن تبدّل بهنّ من الأزواج المسلمات غيرهنّ {ولو أعجبك حسنهنّ إلا ما ملكت يمينك} [الأحزاب: 52] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/729]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ في قوله: {لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ} [الأحزاب: 52] أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا تزوّج أسماء بنت النّعمان الكنديّة، وكانت من أحسن البشر، فقال نساء نبيّ اللّه: لئن تزوّج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغرائب ما له فينا حاجةٌ، فحبس اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على
أزواجه اللّائي عنده، وأحلّ له من بنات العمّ، والعمّة، والخال، والخالة ما شاء.
قال يحيى: وهذا موافقٌ لتفسير أبيّ بن كعبٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/730]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] وقد فسّرناه قبل هذا.
{ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ} [الأحزاب: 52] حسن نساء غير أزواجه وما أحلّ اللّه له ممّا سمّى في قول أبيّ بن كعبٍ، ومجاهدٍ، والكلبيّ، على وجه ما قالوا.
وفي قول الحسن: غير نسائه خاصّةً، هذا في أزواجه اللّائي عنده خاصّةً، لا يتزوّج مكانهنّ ولا يطلّقهنّ.
قال: {إلا ما ملكت يمينك} [الأحزاب: 52] يطأ بملك يمينه ما يشاء.
{وكان اللّه على كلّ شيءٍ رقيبًا} [الأحزاب: 52] حفيظًا.
وتفسير السّدّيّ حفيظًا لأعمالكم). [تفسير القرآن العظيم: 2/732]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ...}
(أن) في موضع رفع؛ كقولك: لا يحلّ لك النّساء والاستبدال ببهن, وقد اجتمعت القراء على {لاّ يحلّ} بالياء, وذلك أنّ المعنى: لا يحلّ لك شيء من النساء، فلذلك اختير تذكير الفعل, ولو كان المعنى : للنساء جميعاً , لكان التّأنيث أجود في العربيّة, والتاء جائزة لظهور النساء بغير من.).[معاني القرآن: 2/346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا يحل لك النساء من بعد }: إذا جعلت العرب من فعل المؤنث , وبينها شيئاً ذكروا فعلها ؛ وبعد مرفوعه بغير تنوين ؛ لأنه غاية لم تصف , وحرم على النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء، فإن قال قائل: إنهن لم يحرمن عليه , فإن الآية إذا منسوخة :{ على كلّ شيءٍ رقيباً }, أي: حفيظاً, قال أبو داود:
= كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم نواهد= .). [مجاز القرآن: 2/139-1400]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لاّ يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ إلاّ ما ملكت يمينك وكان اللّه على كلّ شيءٍ رّقيباً}
وقال: {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ} : فمعناه - والله أعلم - أن تبدّل بهنّ أزواجاً, وأدخلت {من} للتوكيد.). [معاني القرآن: 3/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ} : قصره على أزواجه، وحرم عليه ما سواهنّ، إلا ما ملكت يمينه من الإماء.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ إلّا ما ملكت يمينك وكان اللّه على كلّ شيء رقيبا (52)}
ويقرأ: لا تحل لك النساء بالتاء، فمن قرأ بالياء فلأن الياء في معنى جمع النساء، والنساء يدل على التأنيث , فيستغنى عن تأنيث يحل.
ويجوز لا تحل بالتاء على معنى : لا تحل لك جماعة النساء.
وقوله:{ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ إلّا ما ملكت يمينك}
موضع " ما " رفع , المعنى : لا يحل لك إلا ما ملكت يمينك.
جعل " ما " بدلا من النساء , ويجوز أن يكون موضع " ما " نصبا على معنى : لا يحل لك النساء , أستثني : ما ملكت يمينك.). [معاني القرآن: 4/234]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا يحل لك النساء من بعد}
في هذه الآية أقوال:-
فمنها: ما روى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن عائشة قالت : (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء).
وقال الحسن : (لما خير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه , فاخترنه , شكر الله جل وعز لهن ذلك , فحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج غيرهن , أي : فامتحنه بذلك كما امتحنهن) .
وقال علي بن الحسين : (قد كان له أن يتزوج) .
قال أبو جعفر : هذه الثلاثة الأقوال غير متناقضة
تقول عائشة :(ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء), إسناده جيد , ويتأول على أنه ناسخ للحظر , ويحتج به في أن السنة تنسخ القرآن , كما قال جل وعز: {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا وصية لوارث .)).
ومذهب الضحاك : أن الناسخ لها , قوله: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}
وهذا لا يصح , لأن بعده :{ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن}
وقول علي بن الحسين عليه السلام يجوز أن يكون يرجع إلى قول عائشة , وإن كان قد أنكر قول الحسن , فإن الحسن لم يذكر أن الآية منسوخة , فيجوز أن يكون أنكره من هذه الجهة وتكون الآية عنده منسوخة , وعوض الله جل وعز نساء النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أن جعلهن أزواجه في الجنة .
وفي الآية غير هذا : قال زياد بن عبد الله : سألت أبي بن كعب , عن قول الله جل وعز: {لا يحل لك النساء من بعد} , فقلت : أكان يحل له أن يتزوج ؟.
فقال : (نعم , ما بأس بذلك , قال الله جل وعز: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}إلى قوله:{وامرأة مؤمنة}ثم قال جل وعز: {لا يحل لك النساء من بعد}, أي : لا يحل لك الأمهات , ولا الأخوات , ولا البنات) فهذا قول آخر أي: لا يحل لك النساء من بعد من أحللنا إلا ما ملكت يمينك .
وقال مجاهد , وسعيد بن جبير , وعطاء , والحكم قولا آخر ., قالوا {لا يحل لك النساء من بعد}: (أي: لا يحل لك اليهوديات , ولا النصرانيات)
قال مجاهد : (أي : لا يحل أن تتزوج كافرة , فتكون أما للمؤمنين , ولو أعجبك حسنها إلا ما ملكت يمينك , فإن له أن يتسرى بها).). [معاني القرآن: 368-370]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا} [الأحزاب: 53]، يعني: فتفرّقوا، وهو تفسير السّدّيّ.
{ولا مستأنسين لحديثٍ} [الأحزاب: 53] تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه، وهو تفسير السّدّيّ: بعد أن تأكلوا.
{إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم واللّه لا يستحيي من الحقّ وإذا سألتموهنّ متاعًا فاسألوهنّ من وراء حجابٍ} [الأحزاب: 53]
- حدّثني أشعث، عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: لمّا تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زينب بنت جحشٍ أولم عليها ما لم يولم على امرأةٍ من نسائه، قال أنسٌ: كنت أدعو النّاس على الخبز واللّحم، فيأكلون حتّى يشبعوا، فجاء رجلان، فقعدا مع زينب في جوف البيت ينتظران، أظنّه، يعني: الطّعام، فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حجرة
عائشة، فقال: السّلام عليكم يا أهل البيت، فقالت عائشة: السّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته، كيف وجدت أهلك؟ بارك اللّه لك فيهم؟ قال: فاستقرى نساءه كلّهنّ فقلن بمقالتها، ثمّ جاء فوجد الرّجلين في البيت، فاستحيى، فرجع، وأنزل اللّه آية الحجاب، فقرأها عليهما فخرجا، ودخل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأرخى السّتر.
- حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ أنّ عمر بن الخطّاب قال: قلت: يا رسول اللّه، إنّه قد يدخل عليكم البرّ والفاجر، فلو أمرت نساءك يحتجبن، فأنزل اللّه آية الحجاب.
وقوله عزّ وجلّ: {غير ناظرين إناه} [الأحزاب: 53] صنعته.
وقال مجاهدٌ: متحيّنين حينه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/733]
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه لا يستحيي من الحقّ} [الأحزاب: 53] يخبركم أنّ هذا يؤذي النّبيّ عليه السّلام.
قوله عزّ وجلّ: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ} [الأحزاب: 53]، يعني: من الرّيبة والدّنس.
تفسير السّدّيّ: أن يكون ذلك من وراء حجابٍ.
قال: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيمًا} [الأحزاب: 53] قال ناسٌ من المنافقين: لو قد مات محمّدٌ تزوّجنا نساءه، فأنزل اللّه هذه الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/734]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} , فغير منصوبة لأنها نعت للقوم، وهم معرفة , و(غير) نكرة فنصبت على الفعل؛ كقوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد} ., ولو خفضت {غير ناظرين} كان صواباً؛ لأنّ قبلها {طعامٍ} , وهو نكرة، فتجعل فعلهم تابعاً للطعام؛ لرجوع ذكر الطعام في (إناه) , كما تقول العرب: رأيت زيداً مع امرأة محسنٍ إليها، ومحسناً إليها, فمن قال: {محسناً} جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قال: رأيت زيداً مع التي يحسن إليها. فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها، وإن كان فعلاً لغيرها. وقد قال الأعشى:
فقلت له هذه هاتها = فجاء بأدماء مقتادها
فجعل المقتاد تابعا لإعراب الأدماء؛ لأنه بمنزلة قولك: لأدماء يقتادها؛ فخفضته لأنه صلة لها, وقد ينشد بأدماء مقتادها , تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد, ومعناه: بملء يدي من اقتادها , ومثله في العربية أن تقول: إذا دعوت زيداً , فقد استغثت بزيد مستغيثه, فمعنى زيد مدح , أي: أنه كافي مستغيثه, ولا يجوز أن تخفض على مثل قولك: مررت على رجل حسن وجهه؛ لأن هذا لا يصلح حتى تسقط راجع ذكر الأول , فتقول: حسن الوجه, وخطأ أن تقول: مررت على امرأة حسنة وجهها , وحسنة الوجه صواب.
وقوله: {ولا مستأنسين}, في موضع خفض تتبعه الناظرين؛ كما تقول: كنت غير قائم ولا قاعدٍ؛ وكقولك للوصيّ: كل من مال اليتيم بالمعروف غير متأثّل مالا، ولا واقٍ مالك بماله. ولو جعلت المستأنسين في موضع نصب تتوهّم أن تتبعه بغير لمّا أن حلت بينهما بكلام. وكذلك كلّ معنىً احتمل وجهين ثم فرّقت بينهما بكلام جاز أن يكون الآخر معرباً بخلاف الأوّل.
من ذلك قولك: ما أنت بمحسن إلى من أحسن إليك لا مجملاً، تنصب المجمل وتخفضه: الخفض على إتباعه المحسن, والنصب أن تتوهم أنك قلت: ما أنت محسناً, وأنشدني بعض العرب:
ولست بذي نيربٍ في الصديق = ومنّاع خيرٍ وسبّابها
ولا من إذا كان في جانب = أضاع العشيرة واغتابها
وأنشدني أبو القماقم:
أجدّك لست الدهر رائي رامةٍ = ولا عاقل إلاّ وأنت جنيب
ولا مصعدٍ في المصعدين لمنعجٍ * ولا هابطاً ما عشت هضب شطيب
وينشد هذا البيت:
معاوي إننا بشرٌ فأسجح = فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وينشد (الحديدا) : خفضاً , ونصباً, وأكثر ما سمعته بالخفض, ويكون نصب المستأنسين على فعلٍ مضمرٍ، كأنه قال: فادخلوا غير مستأنسين. ويكون مع الواو ضمير دخولٍ؛ كما تقول: قم ومطيعاً لأبيك.
والمعنى في تفسير الآية : أنّ المسلمين كانوا يدخلون على النبي عليه السلام في وقت الغداء، فإذا طعموا , أطالوا الجلوس، وسألوا أزواجه الحوائج, فاشتدّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى أنزل الله هذه الآية، فتكلّم في ذلك بعض الناس، وقال: أننهى أن ندخل على بنات عمّنا إلاّ بإذنٍ، أو من وراء حجاب. لئن مات محمد لأتزوّجنّ بعضهنّ.
فقام الآباء أبو بكرٍ وذووه، فقالوا: (يا رسول الله، ونحن أيضاً لا ندخل عليهنّ إلاّ بإذنٍ، ولا نسألهنّ الحوائج إلاّ من وراء حجاب، فأنزل الله{لا جناح عليهنّ في آبائهنّ}) إلى آخر الآي, وأنزل في التزويج : {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً}). [معاني القرآن: 2/347-349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إلى طعامٍ غير ناظرين إناه }: أي : إدراكه وبلوغه, ويقال: أبي لك أن تفعل، يأني أنياً , والاسم إني, وأبى أبلغ أدرك , قال:
تمخّضت المنون له بيوم= أنى ولكلّ حاملةٍ تمام.). [مجاز القرآن: 2/140]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً }: مجازه: ما كان لكم أن تفعلوا شيئاً منذ لك , وكان من حروف الزوائد , قال:
فكيف إذا رأيت ديار قومٍ.= وجيرانٍ لهم كانوا كرام
القافية مجرورة , والقصيدة لأنه جعل " كانوا زائدة للتوكيد , ولو أعمل " كان " لنصب القافية , وقال العجاج:
= إلى كناسٍ كان مستعيده=
وقال الفزاري:
=لم يوجد كان مثل بني زياد=
فرفع مثل بني زياد ؛ لأنه ألقى " كان " , وأعمل " يوجد ".). [مجاز القرآن: 2/140-141]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديثٍ إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم واللّه لا يستحيي من الحقّ وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذالكم كان عند اللّه عظيماً}
وقال: {ولا مستأنسين} , فعطفه على {غير} فجعله نصبا , أو على ما بعد {غير} , فجعله جرا.
وقال: {لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه}: نصب على الحال : أي: إلاّ أن يؤذن لكم غير ناظرين, ولا يكون جرا على الطعام إلا أن تقول "أنتم" , ألا ترى أنك لو قلت: "ائذن" لعبد الله على امرأة مبغضا لها" لم يكن فيه إلا النصب إلا أن تقول "مبغض لها هو" لأنك إذا اجريت صفته عليها ,ولم تظهر الضمير الذي يدل على أن الصفة له لم يكن كلاما, لو قلت: "هذا رجلٌ مع امرأةٍ ملازمها" كان لحنا حتى تقول "ملازمها" فترفعأو و تقول "ملازمها هو" فتجر.). [معاني القرآن: 3/31-32]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({إناء}: إدراكه). [غريب القرآن وتفسيره: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({غير ناظرين إناه} : أي : منتظرين وقت إدراكه.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم واللّه لا يستحيي من الحقّ وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيما (53)}
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ}:بضم الباء , وقد رويت عن عاصم " بيوت " بكسر الباء , وعن جماعة من أهل الكوفة.
وليس يروي البصريون بيوت بكسر الباء، بل يقولون: إن الضم بعد الكسر ليس موجودا في كلام العرب , ولا في أشعارها, والذين كسروا ؛ فكأنهم ذهبوا إلى اتباع الياء، والاختيار عند الكوفيين الضّم في {بيوت}.
وقوله: {إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام}: في موضع نصب, المعنى : إلا بأن يؤذن لكم، أو لأن يؤذن لكم.
وقوله: {إلى طعام غير ناظرين إناه}:(إناه) : نضجه , وبلوغه، يقال : أنى يأني إناء إذا نضج, وبلغ, و " غير " منصوبة على الحال، المعنى : إلا أن يؤذن لكم غير منتظرين, ولا يجوز الخفض في " غير " لأنها إذا كانت نعتا للطعام لم يكن بدّ من إظهار الفاعل لا يجوز إلا غير ناظرين إناه أنتم.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا مستأنسين لحديث إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم}
ويجوز {فيستحي} منكم بياء واحدة، وكذلك قوله: {واللّه لا يستحيي من الحق}, ويستحي بالتخفيف على استحييت , واستحيت، والحذف لثقل الياءين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل إطالتهم كرما منه , فيصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله من يحضره الأدب , فصار أدبا لهم ولمن بعدهم.
وقوله: {وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب}:أي : إذا أردتم أن تخاطبوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أمر , فخاطبوهن من وراء حجاب، فنزل الأمر بالاستتار.
وقوله:{وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه}:أي : ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء.
{ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا}:موضع " أن " رفع, المعنى: وما كان لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده، وذلك أنه ذكر أن رجلا قال: إذا توفّي محمد تزوّجت امرأته فلانة، فأعلم الله أن ذلك محرّم بقوله: {إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيما}: أي : كان ذنبا عظيما.).[معاني القرآن: 4/234-235]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}
قال أنس بن مالك: (أنا أعلم الناس بهذه الآية : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب ابنة جحش , أمرني أن أدعو كل من لقيت , ودعا النبي صلى الله عليه وسلم , فجعل الله جل وعز في الطعام البركة , فأكل قوم , وانصرفوا , وبقيت طائفة , وكانت زينب في البيت , فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وخرج , وهم جلوس , فأنزل الله جل وعز:{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} إلى آخر الآية , فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاب , وانصرفوا).
قال مجاهد في قوله تعالى: {إلى طعام غير ناظرين إناه} : غير متحينين نضجه, {ولا مستأنسين لحديث }, قال: بعد الأكل.
وقوله جل وعز: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب}
فكان لا يحل لأحد أن يسألهن طعاما , ولا غيره , ولا ينظر إليهن متنقبات , ولا غير متنقبات إلا من وراء حجاب , وكانت عائشة : إذا طافت بالبيت , سترت .
وفي الحديث : (لما ماتت زينب , قال عمر : لا يخرج في جنازتها إلا ذو محرم منها , فوصف له النعش فاستحسنه , وأمر به , وقال : اخرجوا , فصلوا على أمكم).
قال أنس : (كنت أدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم , فلما نزلت هذه الآية , جئت لأدخل , فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ((وراءك , يا بني.))) .
وقوله عز وجل: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا}
قال قتادة : (قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم , تزوجت فلانة , قال معمر , قال هذا : طلحة لعائشة)). [معاني القرآن: 5/370-373]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {غير ناظرين إناه}:أي: منتظرين إناه، أي: بلوغه وإنضاجه, {قولا سديداً}:أي: مستويا.). [ياقوتة الصراط: 411]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ناظرين إِنَاهُ}: حينه.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إِنَاهُ}: إدراكه.). [العمدة في غريب القرآن: 244]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال: {إن تبدوا شيئًا أو تخفوه} [الأحزاب: 54]، يعني: ما قالوا: لو قد مات محمّدٌ تزوّجنا نساءه.
{فإنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا} [الأحزاب: 54] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/734]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ استثنى من يدخل على أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الحجاب فقال: {لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ ولا إخوانهنّ ولا أبناء إخوانهنّ ولا أبناء أخواتهنّ ولا نسائهنّ} [الأحزاب: 55] المسلمات.
{ولا ما ملكت أيمانهنّ} [الأحزاب: 55] وكذلك الرّضاع بمنزلة الّذي ذكر ممّن يدخل على أزواج النّبيّ عليه السّلام في الحجاب.
- المعلّى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قوله: {لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ} [الأحزاب: 55] إلى آخر الآية، فقال: هو الجلباب، رخّص لهنّ في وضعه عند هؤلاء.
[تفسير القرآن العظيم: 2/734]
- حدّثني زيد بن عياضٍ المدنيّ، عن الزّهريّ، عن نبهان مولى أمّ سلمة قال: كنت أساير أمّ سلمة بين مكّة والمدينة إذ قالت لي: يا نبهان، كم بقي لي عليك من كتابتك؟ قلت: ألفان، قالت: قطّ؟ قلت: قطّ، قالت: أهما عندك؟ قال: قلت: نعم، قالت: ادفعهما إلى محمّد بن عبد اللّه فإنّي قد أعنته بهما في نكاحه، ثمّ أرخت الحجاب دوني، فبكيت فقلت: واللّه لا أدفعهما
إليه أبدًا، فقالت: يا بنيّ إنّك واللّه لن تراني أبدًا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد إلينا أيّما مكاتب إحداكنّ كان عنده ما يؤدّي فاضربن دونه الحجاب.
- بحرٌ السّقّاء، عن الزّهريّ قال: سافرت أمّ سلمة مع مكاتبٍ لها فقالت: يا فلان عندك ما تؤدّي لي؟ قال: نعم وزيادةٌ، فاحتجبت منه، وقالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إذا كان مع المكاتب ما يؤدّي فاحتجبن منه».
قال: {واتّقين اللّه إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا} [الأحزاب: 55] شاهدًا لكلّ شيءٍ، وشاهدًا على كلّ شيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/735]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والمعنى في تفسير الآية : أنّ المسلمين كانوا يدخلون على النبي عليه السلام في وقت الغداء، فإذا طعموا , أطالوا الجلوس، وسألوا أزواجه الحوائج, فاشتدّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى أنزل الله هذه الآية، فتكلّم في ذلك بعض الناس، وقال: أننهى أن ندخل على بنات عمّنا إلاّ بإذنٍ، أو من وراء حجاب, لئن مات محمد لأتزوّجنّ بعضهنّ.
فقام الآباء أبو بكرٍ , وذووه، فقالوا: (يا رسول الله، ونحن أيضاً لا ندخل عليهنّ إلاّ بإذنٍ، ولا نسألهنّ الحوائج إلاّ من وراء حجاب، فأنزل الله : {لا جناح عليهنّ في آبائهنّ}) إلى آخر الآية, وأنزل في التزويج : {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً} .). [معاني القرآن: 2/348-349] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ ولا إخوانهنّ ولا أبناء إخوانهنّ ولا أبناء أخواتهنّ ولا نسائهنّ ولا ما ملكت أيمانهنّ واتّقين اللّه إنّ اللّه كان على كلّ شيء شهيدا (55)}
ولم يرد في هذه القصة أعمامهنّ , ولا أخوالهنّ.
فجاء في التفسير : أنه لم يذكر العمّ والخال، لأنّ كل واحد منهما يحل لابنة المرأة، فتحل لابن عمها , وابن خالها, فقيل كره ذلك لأنهما يصفانها لأبنائهما.
وهذه الآية نزلت في الحجاب , فيمن يحل للمرأة البروز له، فذكر الأب , والابن إلى آخر الآية.
المعنى : لا جناح عليهن في رؤية آبائهن لهنّ، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين في الرؤية.
وقد جاء في القرآن تسمية العم أبا ًفي قوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً}, فجعل العمّ أباً.). [معاني القرآن: 4/235-236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن}
يعني : في الاستئذان , وقيل معنى : ولا نسائهن : ولا أهل دينهن.
وقد قيل : بل هو لجميع النساء , أي: اللواتي من جنسهن
وقيل : ولا ما ملكت أيمانهن من النساء خاصة , وقيل : عام إذا لم تعرف ريبة.). [معاني القرآن: 5/373-373]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ} [الأحزاب: 56]، يعني: أنّ
[تفسير القرآن العظيم: 2/735]
اللّه يغفر للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وتستغفر له الملائكة، هذا تفسير السّدّيّ.
{يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه} [الأحزاب: 56]، يعني: استغفروا له.
{وسلّموا تسليمًا} [الأحزاب: 56]
- حدّثني سعيدٌ، والخليل بن مرّة، عن أبي هاشمٍ صاحب الرّمّان، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال: جاءني كعب بن عجرة، فقال لي: ألا أهدي لك هديّةً؟ بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ قال رجلٌ: يا رسول اللّه عرفنا السّلام عليك، فكيف الصّلاة عليك؟ قال: " قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّدٍ وعلى آل محمّدٍ كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ،
اللّهمّ بارك على محمّدٍ وعلى آل محمّدٍ كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ ".
- الخليل بن مرّة، والنّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ، عن أبي طلحة قال: دفعت ذات يومٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمّي، ما أدري متى رأيتك أطيب نفسًا، ولا أشرق وجهًا، ولا أحسن بشرًا منك الآن قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " وما يمنعني يا أبا طلحة، وإنّما صدر جبريل من عندي الآن، فبشّرني
بما أعطيت أمّتي، فقال: يا محمّد، من صلّى عليّ صلاةً صلّى اللّه عليه عشرًا أو ردّ عليه مثل الّذي صلّى به عليّ ".
- وحدّثني حمّادٌ الكلبيّ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّ ملكًا موكّلا بالنّبيّ عليه السّلام إذا قال العبد: صلّى اللّه على
[تفسير القرآن العظيم: 2/736]
محمّدٍ، قال الملك: وأنت فصلّى اللّه عليك.
- وحدّثني المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة».
- وحدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن عبيدة، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن عبادة بن نسيٍّ، عن أبي الدّرداء، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة فإنّه يومٌ مشهودٌ تشهده الملائكة، وإنّ أحدًا لا يصلّي عليّ إلا بلغتني صلاته حيث كان»، قلنا: يا رسول اللّه، كيف تبلغك صلاتنا إذا تضمّنتك الأرض؟ قال: «إنّ اللّه حرّم على
الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».
- أشعث، عن عمرو بن دينارٍ، عن محمّد بن عليٍّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من نسي الصّلاة عليّ فقد خطئ طريق الجنّة»). [تفسير القرآن العظيم: 2/737]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً}
وقال: {إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً} , فصلاة الناس عليه , دعاؤهم له، وصلاة الله عز وجل, إشاعة الخير عنه.). [معاني القرآن: 3/32]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقالوا في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إنّ الّذين آمنوا وموضعه رفعٌ؛ لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها.
ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني.
ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيداً، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد.
وتقول: لعل عبد الله قائم وزيداً، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إنَّ) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنَّ) لم تُحدث شيئا.
وكان الكسائي يجيز: إنَّ عبد الله وزيدٌ قائمان، وإنَّ عبد الله وزيدٌ قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وينشدون:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب ). [تأويل مشكل القرآن: 52] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والصّلاة من الله: الرحمة والمغفرة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}. وقال: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} وقال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} أي: مغفرة.
وقال النبي، صلّى الله عليه وسلم: ((اللهم صلّ على آل أبي أوفى))
يريد: ارحمهم واغفر لهم). [تأويل مشكل القرآن: 460-461]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله وملائكته يصلون على النبي}
قال أبو مسعود الأنصاري : (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة , فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله جل وعز أن نصلي عليك يا رسول الله , فكيف نصلي عليك ؟.
قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله .
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((قولوا : اللهم صل على محمد , وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد, والسلام كما علمتم .))).
وروى المسعودي , عن عون بن عبد الله , عن أبي فاختة, عن الأسود , عن عبد الله أنه قال : ( إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم , فأحسنوا الصلاة عليه , فإنكم لا تدرون لعل الله يعرض ذلك عليه).
قالوا : فعلمنا .
قال : (قولوا : اللهم اجعل صلواتك , ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين , وإمام المتقين , وخاتم النبيين محمد عبدك , ورسولك, إمام الخير , وقائد الخير , ورسول الرحمة .
اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون , اللهم صل على محمد , وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم , وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد , وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم , وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)). [معاني القرآن: 5/374-376]

تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه في الدّنيا والآخرة وأعدّ لهم عذابًا مهينًا} [الأحزاب: 57] هؤلاء المنافقون كانوا يؤذون رسول اللّه عليه السّلام ويستخفّون بحقّه، ويرفعون أصواتهم عنده استخفافًا بحقّه، ويكذبون عليه ويبهتونه). [تفسير القرآن العظيم: 2/737]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة}
قيل المعنى : يؤذون أولياء الله , وروى همام, عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل: ((شتمني عبدي ولم يكن له أن يشتمني، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني , فأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولدا , وأنا الأحد الصمد , وأما تكذيبه إياي , فإنه زعم أن لن يبعث. يعني : بعد الموت.)).) [معاني القرآن: 5/377]

تفسير قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} [الأحزاب: 58] بغير ما جنوا، هم المنافقون.
{فقد احتملوا بهتانًا} [الأحزاب: 58] كذبًا.
{وإثمًا مبينًا} [الأحزاب: 58] بيّنًا.
- حدّثني النّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ
[تفسير القرآن العظيم: 2/737]
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج يومًا، فنادى بصوتٍ أسمع العواتق في الخدور: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه، ألا لا تؤذوا المؤمنين ولا تغتابوهم، ولا تتبعّوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع اللّه عورته، ومن يتّبع اللّه عورته فضحه في بيته».
وحدّثني همّامٌ، عن قتادة، عن الحسن، قال: بلغنا أنّه من استحمد إلى النّاس في الدّنيا بشيءٍ لم يستحمد فيه إلى اللّه نادى منادٍ يوم القيامة: ألا إنّ فلانًا استحمد إلى النّاس في الدّنيا بشيءٍ لم يستحمد فيه إلى اللّه، ومن ذمّه النّاس بشيءٍ في الدّنيا لم يستذمّ فيه إلى اللّه نادى منادٍ يوم القيامة، ألا إنّ فلانًا ذمّه النّاس في الدّنيا بشيءٍ لم يستذمّ فيه إلى اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/738]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا...}
نزلت في أهل الفسق والفجور، وكانوا يتّبعون الإماء بالمدينة, فيفجرون بهنّ، فكان المسلمون في الأخبية , لم يبنوا , ولم يستقرّوا, وكانت المرأة من نساء المسلمين تتبرّز للحاجة، فيعرض لها بعض الفجّار يرى أنها أمة، فتصيح به، فيذهب, وكان الزّي واحداً, فأمر النبي عليه السلام {قل لأزواجك وبنانك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين }, والجلباب: الرداء...
- حدثني يحيى بن المهلّب أبو كدينة , عن ابن عون , عن ابن سيرين في قوله: {يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ} .). [معاني القرآن: 2/349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال : يقعون في المؤمنين , والمؤمنات بغير ما عملوا.). [معاني القرآن: 5/377]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 06:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 59 إلى آخر السورة]

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رحِيمًا (59)}َ
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ} [الأحزاب: 59] والجلباب الرّداء تقنّع به، وتغطّي به شقّ وجهها الأيمن، تغطّي عينها اليمنى وأنفها.
{ذلك أدنى أن يعرفن} [الأحزاب: 59] أنّهنّ حرائر، مسلماتٌ عفائف.
{فلا يؤذين} [الأحزاب: 59]، أي: فلا يعرض لهنّ بالأذى، وكان المنافقون هم الّذين كانوا يتعرّضون للنّساء.
وقال الكلبيّ: كانوا يلتمسون الإماء، ولم تكن تعرف الحرّة من الأمة باللّيل فلقي نساء المسلمين منهم أذًى شديدًا، فذكرن ذلك لأزواجهنّ، فرفع ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية.
[تفسير القرآن العظيم: 2/738]
وقال الحسن: كان أكثر من يصيب الحدود يومئذٍ المنافقون.
- وحدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ عمر بن الخطّاب رأى أمةً عليها قناعٌ فعلاها بالدّرّة وقال: اكشفي رأسك ولا تشبّهي بالحرائر.
- وحدّثنا حمّاد بن سلمة، ونصر بن طريفٍ، عن ثمامة بن أنسٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: كنّ جواري عمر يخدمننا كاشفات الرّءوس تضطرب ثديّهنّ باديةً أخدامهنّ.
قال: {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 59] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/739]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {والّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا...}

نزلت في أهل الفسق والفجور، وكانوا يتّبعون الإماء بالمدينة , فيفجرون بهنّ، فكان المسلمون في الأخبية , لم يبنوا , ولم يستقرّوا, وكانت المرأة من نساء المسلمين تتبرّز للحاجة، فيعرض لها بعض الفجّار يرى أنها أمة، فتصيح به، فيذهب, وكان الزّي واحداً , فأمر النبي عليه السلام : {قل لأزواجك وبنانك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فيؤذين }لا , والجلباب: الرداء...
- حدثني يحيى بن المهلّب أبو كدينة , عن ابن عون, عن ابن سيرين في قوله: {يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ} ). [معاني القرآن: 2/349] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ...}
هكذا: قال تغطّي إحدى عينيها , وجبهتها , والشّقّ الآخر، إلاّ العين.). [معاني القرآن: 2/349]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((الجلابيب): الخمر واحدها جلباب). [غريب القرآن وتفسيره: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ}:أي : يلبسن الأردية.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}

قال أبو مالك , والحسن : كان النساء يخرجن بالليل في حاجاتهن , فيؤذيهن المنافقون , ويتوهمون إنهن إماء , فأنزل الله جل وعز:
{يا أيها النبي قل لأزواجك} إلى آخر الآية
قال الحسن : (ذلك أدني أن يعرف أنهن حرائر , فلا يؤذين) .
قال الحسن : (تغطي نصف وجهها , وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت , علاها بالدرة) .
قال محمد بن سيرين , سألت عبيدة عن قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} , فقال : (تغطي حاجبها بالرداء , ثم ترده على أنفها حتى تغطي رأسها , ووجهها , وإحدى عينيها).
قال مجاهد : (يتجلببن حتى يعرفن , فلا يؤذين بالقول).). [معاني القرآن: 5/377-379]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الجَلَابِيبِ): الخمر , والملاحف.). [العمدة في غريب القرآن: 244]


تفسير قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {لئن لم ينته المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ} [الأحزاب: 60]، يعني: الزّناة.
وقال السّدّيّ: يعني: فجورٌ، وليس في القرآن غير هذه والأولى.
قال: {والمرجفون في المدينة} [الأحزاب: 60]، يعني: المنافقين يرجفون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه يقولون: يهلك محمّدٌ وأصحابه.
قال الكلبيّ: لئن لم ينتهوا عن أذى نساء المسلمين.
وقال الحسن: عمّا في قلوبهم من الشّرك حتّى يظهروه شركًا.
{لنغرينّك بهم} [الأحزاب: 60] لنسلّطنّك عليهم.
{ثمّ لا يجاورونك فيها} [الأحزاب: 60] في المدينة.
{إلا قليلا {60} ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلا {61}). [تفسير القرآن العظيم: 2/739]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {لنغرينّك بهم...}
المرجفون : كانوا من المسلمين, وكان المؤلّفة قلوبهم يرجفون بأهل الصّفّة, كانوا يشنّعون على أهل الصّفّة , أنهم هم الذين يتناولون النساء , لأنهم عزّاب, وقوله: {لنغرينّك بهم} : أي: لنسلّطّنك عليهم، ولنولعنّك بهم, وقوله: {إلاّ قليلاً...}...
- حدثني حبّان , عن الكلبيّ , عن أبي صالح قال: قال ابن عبّاس : (لا يجاورونك فيها إلا يسيراً، حتّى يهلكوا).
وقد يجوز أن تجعل القلّة من صفتهم صفة الملعونين، كأنك قلت: إلا أقلاّء ملعونين؛ لأنّ قوله: {أينما ثقفوا أخذوا} يدلّ على أنهم يقلّون , ويتفرّقون.). [معاني القرآن: 2/349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لنغرينّك ببهم}: أي: لنسلطنك عليهم.). [مجاز القرآن: 2/141]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لّئن لّم ينته المنافقون والّذين في قلوبهم مّرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلاّ قليلاً}
وقال:{إلاّ قليلاً}: أي: "لا يجاورونك فيها إلاّ قليلاً" على المصدر.). [معاني القرآن: 3/32]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لنغرينّك بهم} : أي: لنسلطنّك عليهم، ونولعنكّ بهم.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {لئن لم ينته المنافقون والّذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلّا قليلا (60)}: المعنى: لنسلطنك عليهم.). [معاني القرآن: 4/236]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ لا يجاورونك فيها إلّا قليلا (60) }.). [معاني القرآن: 4/236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم}
قال قتادة : (كان ناس من المنافقين أرادوا أن يظهروا نفاقهم , فأنزل الله جل وعز: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم}: أي : لنحرشنك عليهم ).
وقال مالك بن دينار : (سألت عكرمة عن قوله: {والذين في قلوبهم مرض} : فقال: الزنى ) , وكذلك شهر بن حوشب.
وقال طاووس : (نزلت هذه الآية في أمر النساء).
وقال سلمة بن كهيل : (نزلت في أصحاب الفواحش).
ثم قال جل وعز: {ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا}
يجوز أن يكون المعنى : إلا وهم قليل , ويجوز أن يكون المعنى : إلا وقتا قليلا.). [معاني القرآن: 5/379-380]


تفسير قوله تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (...

- حدثني حبّان , عن الكلبيّ , عن أبي صالح قال: (قال ابن عبّاس : لا يجاورونك فيها إلا يسيراً، حتّى يهلكوا), وقد يجوز أن تجعل القلّة من صفتهم : صفة الملعونين، كأنك قلت: إلا أقلاّء ملعونين؛ لأنّ قوله: {أينما ثقفوا أخذوا}يدلّ على أنهم يقلّون, ويتفرّقون). [معاني القرآن: 2/349] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّلعونين...}: منصوبة على الشتم، وعلى الفعل , أي: لا يجاورنك فيها إلاّ ملعونين. والشتم على الاستئناف، كما قال:{وامرأته حمّالة الحطب}: لمن نصبه.
ثم قال: {أينما ثقفوا أخذوا}, فاستأنف, فهذا جزاء.). [معاني القرآن: 2/349-350]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقتّلوا تقتيلاً سنّة الله }: نصبوها لأنها في موضع مصدر فعل من غير لفظها , " وقتّلوا " أشد مبالغة من قتلوا " إذا خففته.). [مجاز القرآن: 2/141]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلا (61)}
{ملعونين}: منصوب على الحال، المعنى : لا يجاورونك إلّا وهم ملعونون.
وقوله: {أينما ثقفوا أخذوا}:لا يجوز أن يكون " ملعونين " منصوبا بما بعد (أينما)، لا يجوز أن تقول: ملعونا أينما ثقف , أخذ زيد يضرب، لأن ما بعدما حروف الشرط , لا يعمل فيما قبلها.). [معاني القرآن: 4/236]


تفسير قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل} [الأحزاب: 62]، أي: من أظهر الشّرك قتل، وهذا إذا أمر النّبيّون بالجهاد.
[تفسير القرآن العظيم: 2/739]
قال: {ولن تجد لسنّة اللّه تبديلا} [الأحزاب: 62] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/740]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({وقتّلوا تقتيلاً سنّة الله }: نصبوها لأنها في موضع مصدر فعل من غير لفظها , " وقتّلوا " أشد مبالغة من قتلوا " إذا خففته.).
[مجاز القرآن: 2/141] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل ولن تجد لسنّة اللّه تبديلا (62)}
{سنّة اللّه}: منصوب بمعنى قوله : أخذوا , وقتلوا، فالمعنى : سنّ اللّه في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا.). [معاني القرآن: 4/236-237]


تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يسألك النّاس عن السّاعة قل إنّما علمها} [الأحزاب: 63] علم مجيئها.
{عند اللّه} لا يعلم متى مجيئها إلا اللّه.
{وما يدريك لعلّ السّاعة تكون قريبًا} [الأحزاب: 63]، أي: أنّها قريبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/740]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({لعلّ السّاعة تكون قريباً}: مجازه مجاز الظرف هاهنا, ولو كان وصفاً للساعة , لكان قريبة , وإذا كان ظرفاً , فإن لفظها في الواحد والاثنين , والجميع من المذكر والمؤنث واحد بغير الهاء , وبغير تثنية , وبغير جمع.).
[مجاز القرآن: 2/141]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) )

تفسير قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({خالدين فيها أبدًا} [الأحزاب: 65] لا يموتون ولا يخرجون منها.
و {لا يجدون وليًّا} [الأحزاب: 65] يمنعهم من العذاب.
{ولا نصيرًا} [الأحزاب: 65] ينصرهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/740]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يوم تقلّب وجوههم في النّار} [الأحزاب: 66] يجرّون على وجوههم تجرّهم الملائكة.
{يقولون} في النّار.
{يا ليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا} [الأحزاب: 66] وإنّما صارت: الرّسولا، والسّبيلا لأنّها مخاطبةٌ وهذا جائزٌ في كلام العرب إذا كانت مخاطبةً). [تفسير القرآن العظيم: 2/740]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يوم تقلّب وجوههم في النّار...}
والقراء على: {تقلّب} , ولو قرئت: {تقلّب} , و{نقلّب} كانا وجهين.
وقوله: {وأطعنا الرّسولا} يوقف عليها بالألف, وكذلك {فأضلّونا السّبيلا} و{الظّنونا} يوقف على الألف؛ لأنها مثبتة فيهنّ، وهي مع آيات بالألف، ورأيتها في مصاحف عبد الله بغير ألف.
وكان حمزة والأعمش يقفان على هؤلاء الأحرف بغير ألفٍ فيهن, وأهل الحجاز يقفون بالألف, وقولهم : أحبّ إلينا لاتّباع الكتاب, ولو وصلت بالألف لكان صواباً ؛ لأن العرب تفعل ذلك, وقد قرأ بعضهم بالألف في الوصل والقطع.). [معاني القرآن: 2/350]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا} [الأحزاب: 67] وهي تقرأ على وجهٍ آخر ساداتنا والسّادة جماعةٌ واحدةٌ، والسّادات جماعة الجماعة.
{وكبراءنا} [الأحزاب: 67] في الضّلالة.
{فأضلّونا السّبيلا {67}). [تفسير القرآن العظيم: 2/740]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {إنّا أطعنا سادتنا...}: واحدة منصوبة, وقرأ الحسن : {ساداتنا}, وهي في موضع نصب.).
[معاني القرآن: 2/350]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ فأضلونا السّبيلا }, ويقال أيضاً في الكلام: أضلى عن السبيل ,ومجازه: عن الحق والدين.). [مجاز القرآن: 2/141]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67)}
الاختيار " السبيلا " بألف، وأن يوقف عليها، لأن أواخر الآي , وفواصلها يجري فيها ما يجري في أواخر الأبيات من الشعر, والفواصل، لأنه خوطب العرب بما يعقلون في الكلام المؤلف , فيدلّ بالوقف في هذه الأشياء , وزيادة الحروف فيها نحو: الظنونا, والسبيلا، والرسولا أن الكلام قد تم , وانقطع، وأن ما بعده مستأنف.). [معاني القرآن: 4/237]


تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا {68}} [الأحزاب: 68] وقد تقرأ: كثيرًا، وكلّ شيءٍ في القرآن يذكر فيه شيءٌ من كلام أهل
[تفسير القرآن العظيم: 2/740]
النّار فهو قبل أن يقول اللّه لهم: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] وقد فسّرنا متى يقول ذلك لهم في غير هذا الموضع). [تفسير القرآن العظيم: 2/741]

قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):
(وقوله: {لعناً كثيراً...}
قراءة العوامّ بالثاء، إلاّ يحيى بن وثّاب , فإنه قرأها :{والعنهم لعناً كبيراً} بالباء, وهي في قراءة عبد الله, قال الفراء: لا نجيزه, يعني: كثيراً.). [معاني القرآن للفراء: 2/351]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا (68)}
{والعنهم لعنا كبيرا}: ويقرأ (كثيرا), ومعناهما : قريب.). [معاني القرآن: 4/237]


تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين آذوا موسى فبرّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيهًا} [الأحزاب: 69]
- حدّثني حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: كان موسى أراد أن يغتسل، فدخل الماء يومًا ووضع ثوبه على صخرةٍ، وكانت بنو إسرائيل تقول: إنّ موسى آدر، فلمّا أراد أن يخرج يتناول ثوبه تدهدهت الصّخرة، فتبعها وهو يقول: ثوبي، ثوبي، فمرّ بملإٍ من بني إسرائيل، فرأوه {فبرّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيهًا} [الأحزاب: 69] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/741]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين آذوا موسى فبرّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيها (69)}
أي : لا تؤذوا النبي عليه السلام كما آذى أصحاب موسى موسى، عليه السلام، فينزل بكم ما نزل بهم.
وكان أذاهم لموسى فيما جاء في التفسير : أنهم عابوه بشيء في بدنه , فاغتسل يوما , ووضع ثوبه على حجر , فذهب الحجر بثوبه ,فاتبعه موسى , فرآه بنو إسرائيل, ولم يروا ذلك العيب الذي آذوه بذكره.
{وكان عند اللّه وجيها}: كلمه اللّه تكليما , وبرأه من العيب الذي رموه به بآية معجزة.).[معاني القرآن: 4/237]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها}
حدثنا محمد بن إدريس , قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق , قال: حدثنا روح بن عبادة , قال: حدثنا عوف , عن محمد بن سيرين , عن أبي هريرة في هذه الآية :{لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا }, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن موسى صلى الله عليه وسلم كان رجلا حييا ستيرا , لا يكاد يرى من جلده شيء استحياء منه , فآذاه من آذاه من بني إسرائيل , وقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص , وإما أدرة , وإما آفة , وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا , وإن موسى خلا يوما وحده , فوضع ثوبه على حجر , ثم اغتسل , فلما فرغ من غسله , أقبل إلى ثوبه , ليأخذه , وإن الحجر عدا بثوبه , فأخذ موسى عصاه , وطلب الحجر , وجعل يقول: ثوبي حجر , ثوبي حجر , حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل , فرأوه عريانا كأحسن الرجال خلقا , فبرأوه مما قالوا له ,ثم إن الحجر قام, فأخذ ثوبه فلبسه.
قال : فطفق بالحجر ضربا , قال : فوالله إن في الحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا , أو أربعا , أو خمسا.)).).
وروى سفيان بن حسين , عن الحكم , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , عن علي عليه السلام في قوله جل وعز: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} .
قال: (صعد موسى , وهارون صلى الله عليهما وسلم إلى الجبل , فمات هارون عليه السلام , فقالت بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته, كان ألين لنا منك , وأشد حبا فأوذي في ذلك , فأمر الله جل وعز الملائكة فحملته , فمروا به على مجالس بني إسرائيل , فتكلمت الملائكة بموته حتى علمت بنو إسرائيل أنه مات, فدفنوه , فلم يعلم موضع قبره إلا الرخم فإن الله قد جعله أصم أبكم) .
قال أبو جعفر : والمعنى لا تؤذوا محمدا صلى الله عليه وسلم كما آذى قوم موسى موسى , {فبرأه الله مما قالوا} : مما رموه به من الأمرين جميعا , {وكان عند الله وجيها} , أي : كلمه تكليما.). [معاني القرآن: 5/380-382]


تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه} [الأحزاب: 70]، يعني: وحّدوا اللّه، وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {وقولوا قولا سديدًا} [الأحزاب: 70] عدلا، وهو لا إله إلا اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/741]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({ وقولوا قولاً سديداً }: قصداً، قال أوس بن حجر:
وما جبنوا إني أسدّ عليهم= ولكن لقواً ناراً تحسّ وتسفع
ويروى: ناراً تخش توقد، وتحس: تستأصل؛ أسد أقول عليهم السداد، يقال: أسددت بالقوم إذا قلت عليهم حقاً وسدداً.). [مجاز القرآن: 2/141]


قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({سديدا}: قصدا). [غريب القرآن وتفسيره: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قولًا سديداً} أي:قصدا.). [تفسير غريب القرآن: 352]


قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا}
قال مجاهد: {وقولوا قولا سديدا}: (أي: سدادا)

وقال الحسن : (أي : صدقاً)). [معاني القرآن: 5/382]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَدِيدًا}: صواباً). [العمدة في غريب القرآن: 244]


تفسير قوله تعالى: (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({يصلح لكم أعمالكم} [الأحزاب: 71] لا يقبل العمل إلا ممّن قال: لا إله إلا اللّه مخلصًا من قلبه.
خالدٌ، عن الحسن، قال: إنّ اللّه لا يقبل عمل عبدٍ حتّى يرضى قوله.
قوله عزّ وجلّ: {يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} [الأحزاب: 71] وهي النّجاة العظيمة من النّار إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/741]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} [الأحزاب: 72]
[تفسير القرآن العظيم: 2/741]
حدّثني الخليل بن مرّة، قال سمعت قتادة يقول، وحدّثني به إسرائيل، عن قتادة، قال: عرض عليهنّ الثّواب، والعقاب، والطّاعة، والمعصية.
وتفسير الكلبيّ: عرض العبادة على السّموات، والأرض، والجبال أيأخذنها بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتنّ جوزيتنّ، وإن أسأتنّ عوقبتنّ.
{فأبين أن يحملنها} [الأحزاب: 72] وعرضها على الإنسان، والإنسان آدم فقبلها.
- وحدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: الأمانة الّتي حملها الإنسان: الصّلاة، والصّوم، والغسل من الجنابة.
- وحدّثني أبو الأشهب والمبارك والحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " قال اللّه: ثلاثٌ من حفظهنّ فهو عبدي حقًّا، ومن ضيّعهنّ فهو عدوّي حقًّا، ائتمن اللّه ابن آدم على ثلاثٍ على الصّلاة، ولو شاء قال قد صلّيت، وعلى الصّوم ولو شاء قال قد صمت، وعلى الغسل من الجنابة ولو شاء قال قد اغتسلت "، ثمّ تلا هذه الآية {يوم تبلى السّرائر} [الطارق: 9].
قال: {إنّه كان ظلومًا} [الأحزاب: 72] لنفسه.
{جهولا} [الأحزاب: 72] بربّه وهذا المشرك). [تفسير القرآن العظيم: 2/742]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( {إنّا عرضنا الأمانة}:يعني: الفرائض، {على السّماوات والأرض والجبال} : بما فيها من الثواب والعقاب، {فأبين أن يحملنها}، وعرضت على الإنسان - بما فيها من الثواب والعقاب - فحملها.
وقال بعض المفسرين: إن آدم لمّا حضرته الوفاة، قال: يا ربّ! من استخلف بعدي؟ فقيل له: اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها، فكلّ أباها غير ولده.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
إن الله، جلّ ذكره، لما استخلف آدم على ذرّيته، وسلّطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والطير والوحش- عهد إليه عهدا أمره فيه ونهاه، وحرّم عليه وأحلّ له، فقبله، ولم يزل عاملا به إلى أن حضرته الوفاة، فما حضرته، صلّى الله عليه وسلم، سأل الله أن يعلمه من يستخلف بعده، ويقلّده من الأمانة ما قلّده. فأمره أن يعرض ذلك على السموات بالشّرط الذي أخذ عليه من الثّواب إن أطاع، ومن العقاب إن عصى. فأبين أن يقبلنه شفقا من عقاب الله.
ثم أمره أن يعرض ذلك على الأرض والجبال، فكلّها أباه.
ثم أمره أن يعرضه على ولده، فعرضه عليه فقبله بالشّرط، ولم يتهيّب منه ما تهيبته السماء والأرض والجبال.
إنّه كان ظلوماً لنفسه جهولًا بعاقبة ما تقلّد لربّه.
ثم قال: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}
أي عرضنا ذلك عليه ليتقلّده، فإذا تقلّده ظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فعذّبه الله به، وظهر إيمان المؤمن فتاب الله عليه. وكان الله غفوراً للمؤمنين رحيماً.
هذا قول على مذهب بعض المفسرين.
وفيه قول آخر:
قالوا: الأمانة: الفرائض، عرضت على السموات والأرض والجبال بما فيها من الثواب والعقاب، فأبين أن يحملنها، وعرضت على الإنسان بما فيها من الثواب والعقاب، فحملها.



والمعنيان في التفسيرين متقاربان). [تأويل مشكل القرآن: 436-437]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ(ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا (72)}

روي عن ابن عبّاس , وسعيد بن جبير أنهما قالا: (الأمانة ههنا : الفرائض التي افترضها اللّه على عبادة).

وقال ابن عمر: (عرضت على آدم الطاعة , والمعصية , وعرف ثواب الطاعة, وعقاب المعصية).

وحقيقة هذه الآية واللّه أعلم، وهو موافق للتفسير : أن اللّه عزّ وجلّ ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السّماوات والأرض والجبال على طاعته , والخضوع له، فأعلمنا الله أنه قال:{ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11)}
وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية اللّه , وأن الشمس , والقمر , والنجوم , والملائكة , وكثيرا من الناس يسجدون للّه.
فأعلمنا اللّه أن السّماوات , والأرض , والجبال لم تحتمل الأمانة، أي : أدّتها، وكل من خان الأمانة , فقد احتملها، وكذلك كل من أثم , فقد احتمل الإثم، قال اللّه عزّ جل: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}, فأعلم اللّه أن من باء بالإثم , يسمّى: حاملاً للإثم.
فالسّماوات والأرض , والجبال أبين أن يحملن الأمانة , وأدّينها, وأداؤها طاعة اللّه فيما أمر به، والعمل به , وترك المعصية.
{وحملها الإنسان}، قال الحسن: (الكافر , والمنافق حملا الأمانة , ولم يطيعا), فهذا المعنى , والله أعلم.
ومن أطاع من الأنبياء والصديقين والمؤمنين فلا , قال: كان ظلوما جهولا، وتصديق ذلك ما يتلو هذه الآية من قوله: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفورا رحيما (73) }.). [معاني القرآن: 4/237-238]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها}
في هذه الآية أقوال
منها : أن المعنى : على أهل السموات , ويكون معنى : عرضنا : أظهرنا , كما تقول عرضت المتاع ويكون: فأبين على لفظ الأول ؛ لأنهم لم يحملوها كلهم , ويكون المعنى : فأبوا أن يقبلوها .
وحملها الإنسان : أي تكلفها , وكلهم قد كلفها.
وقيل : لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم الوفاة , أمر أن يعرض الأمانة على الخلق , فعرضها , فلم يقبلها إلا بنوه .
وقول ثالث : هو الذي عليه أهل التفسير :-
حدثنا بكر بن سهل , قال : حدثنا أبو صالح , عن معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قال: قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال} , قال : (الأمانة الفرائض عرضها الله على السموات , والأرض, والجبال إن أدوها أثابهم , إن ضيعوها عذبهم , فكرهوا ذلك , وأشفقوا من غير معصية , ولكن تعظيما لدين الله جل وعز ألا يقوموا به , ثم عرضها على آدم , فقبلها بما فيها , وهو قوله تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} , غرا بأمر الله جل وعز).
وقال مجاهد : (عرض الله الثواب , والعقاب على السموات , والأرض , والجبال , فأبين ذلك , وأشفقن منه, وقيل لأدم : فقبله , فما أقام في الجنة إلا ساعتين ).
وقال سعيد بن جبير : (عرضت الفرائض على السموات , والأرض , والجبال , فأشفقن منها, وامتنعن , وقبلها آدم صلى الله عليه وسلم) .
وقال عبد الله بن عمر : (عرض على آدم الثواب والعقاب) .
وقال الضحاك : (الأمانة : الطاعة عرضت على السموات , والأرض , والجبال , إن خالفنها عذبن, فأبين , وحملها الإنسان).
وقال قتادة : (عرضت الفرائض على الخلق , فأبين إلا آدم صلى الله عليه وسلم).
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال, وهي أقوال الأئمة من أهل التفسير, تتأول على معنيين :-
أحدهما : أن الله جل وعز جعل في هذه الأشياء ما تميز به , ثم عرض عليها الفرائض , والطاعة ,والمعصية .
والمعنى الآخر : أن الله جل وعز ائتمن ابن آدم على الطاعة , وائتمن هذه الأشياء على الطاعة , والخضوع, فخبرنا أن هذه الأشياء لم تحتمل الأمانة , أي: لم تخنها , يقال : حمل الأمانة , واحتملها, أي : خانها , وحمل إثمها .
وقيل المعنى : وحملها الإنسان , ولم يقم بها , فحذف لعلم المخاطب بذلك , فقال جل وعز: {قالتا أتينا طائعين} , وقال: {وإن منها لما يهبط من خشية الله}
وحملها الإنسان : أي: خانها , وحمل إثمها.
قال الحسن : (وحملها الإنسان , أي : الكافر , والمنافق).
قال أبو جعفر : وقول الحسن يدل على التأويل الثاني , ويدل عليه أيضاً قوله: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما} ). [معاني القرآن: 5/382-387]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ}: أي: عمل الفرائض , والجزاء عليها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]


تفسير قوله تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الأحزاب: 73]
حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن أنّه قرأ هذه الآية: {إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض} [الأحزاب: 72] إلى قوله: {وحملها الإنسان إنّه كان ظلومًا جهولا} [الأحزاب: 72].
{ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الأحزاب: 73] فقال: هما اللّذان ظلماها، هما اللّذان خاناها، المنافق والمشرك، قال: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفورًا} [الأحزاب: 73] لمن تاب من شركه.
{رحيمًا} للمؤمنين، فبرحمته يدخلهم الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/743]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {لّيعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب...}
بالنصب على الإتباع ,وإن نويت به الاستئناف رفعته، كما قال: {لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام} إلا إن القراءة : {ويتوب}بالنصب.). [معاني القرآن: 2/351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}
أي عرضنا ذلك عليه ليتقلّده، فإذا تقلّده ظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فعذّبه الله به، وظهر إيمان المؤمن فتاب الله عليه. وكان الله غفوراً للمؤمنين رحيماً.


هذا قول على مذهب بعض المفسرين). [تأويل مشكل القرآن: 436-437] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومن أطاع من الأنبياء والصديقين والمؤمنين فلا , قال: كان ظلوما جهولا، وتصديق ذلك ما يتلو هذه الآية من قوله: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفورا رحيما (73)}). [معاني القرآن: 4/238] (م)


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة