العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الزمر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 09:52 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة الزمر الآيات من [21-23]

سورة الزمر


أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:07 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرًّا ثمّ يجعله حطامًا إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ألم تر} يا محمّد {أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً} وهو المطر {فسلكه ينابيع في الأرض} يقول: فأجراه عيونًا في الأرض؛ واحدها ينبوعٌ، وهو ما جاش من الأرض.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن جابرٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {فسلكه ينابيع في الأرض} قال: كلّ ندًى وماءٍ في الأرض من السّماء نزل.
- قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن جابرٍ، عن الحسن بن مسلم بن ينّاق، قال: ثمّ ينبت بذلك الماء الّذي أنزله من السّماء فجعله في الأرض عيونًا زرعًا {مختلفًا ألوانه} يعني: أنواعًا مختلفةً من بين حنطةٍ وشعيرٍ وسمسمٍ وأرزٍ، ونحو ذلك من الأنواع المختلفة {ثمّ يهيج فتراه مصفرًّا} يقول: ثمّ ييبس ذلك الزّرع من بعد خضرته، يقال للأرض إذا يبس ما فيها من الخضر وذوي: هاجت الأرض، وهاج الزّرع.
وقوله: {فتراه مصفرًّا} يقول: فتراه من بعد خضرته ورطوبته قد يبس فصار أصفر، وكذلك الزّرع إذا يبس اصفرّ {ثمّ يجعله حطامًا} والحطام: فتات التّبن والحشيش، يقول: ثمّ يجعل ذلك الزّرع بعدما صار يابسًا فتاتًا متكسّرًا.
وقوله: {إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب} يقول تعالى ذكره: إنّ في فعل اللّه ذلك كالّذي وصف لذكرى وموعظةً لأهل العقول والحجا يتذكّرون به، فيعلمون أنّ من فعل ذلك فلن يتعذّر عليه إحداث ما شاء من الأشياء، وإنشاء ما أراد من الأجسام والأعراض، وإحياء من هلك من خلقه من بعد مماته وإعادته من بعد فنائه، كهيئته قبل فنائه، كالّذي فعل بالأرض الّتي أنزل عليها من بعد موتها الماء، فأنبت بها الزّرع المختلف الألوان بقدرته). [جامع البيان: 20/187-189]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 21
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض} قال: ما أنزل الله من السماء ولكن عروق في الأرض تغمره فذلك قوله {فسلكه ينابيع في الأرض} فمن سره أن يعود الملح عذبا فليصعد). [الدر المنثور: 12/644]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والخرائطي في مكارم الأخلاق عن الشعبي رضي الله عنه في قوله {فسلكه ينابيع في الأرض} أصله من السماء). [الدر المنثور: 12/644]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {فسلكه ينابيع في الأرض} قال: عيونا). [الدر المنثور: 12/644-645]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الكبي رضي الله عنه قال: العيون والركايا مما أنزل الله من السماء {فسلكه ينابيع في الأرض} والله أعلم). [الدر المنثور: 12/645]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (حدثنا المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر - رجل من بني هاشم، وليس محمد بن علي - قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {أفمن شرح الله صدره للإسلام} [سورة الزمر: 22] فقال: إذا دخل الصدر النور انشرح وانفسح، قيل: هل لذلك من آيةٍ يعرف بها، قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل الموت). [الزهد لابن المبارك: 2/140]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حفصٌ عن ابن عجلان قال: لما أنزلت هذه الآية على رسول اللّه: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربه}، قال أصحاب رسول الله عليه السلام: أو ينشرح الصّدر، قال: نعم، إذا جعل اللّه فيه النّور انشرح وانفسح، قالوا: فهل لذلك علامةٌ يعرف بها، قال: التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل الموت.
وحدّثني سفيان بن عيينة، عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد اللّه بن المسور عن رسول اللّه بنحو ذلك أيضًا). [الجامع في علوم القرآن: 1/37-38]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربّه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلالٍ مبينٍ}.
يقول تعالى ذكره: أفمن فسح اللّه قلبه لمعرفته، والإقرار بوحدانيّته، والإذعان لربوبيّته، والخضوع لطاعته {فهو على نورٍ من ربّه} يقول: فهو على بصيرةٍ ممّا هو عليه ويقينٍ، بتنوير الحقّ في قلبه، فهو لذلك لأمر اللّه متّبعٌ، وعمّا نهاه عنه منتهٍ فيما يرضيه، كمن أقسى اللّه قلبه، وأخلاه من ذكره، وضيّقه عن استماع الحقّ، واتّباع الهدى، والعمل بالصّواب؟ وترك ذكر الّذي أقسى اللّه قلبه، وجواب الاستفهام اجتزاءً بمعرفة السّامعين المراد من الكلام، إذ ذكر أحد الصّنفين، وجعل مكان ذكر الصّنف الآخر الخبر عنه بقوله: {فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربّه} يعني: كتاب اللّه، هو المؤمن به يأخذ، وإليه ينتهي.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام} قال: وسّع صدره للإسلام، والنّور: الهدى.
- حدّثت عن ابن أبي زائدة، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام} قال: ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه.
قوله: {فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه} يقول تعالى ذكره: فويلٌ للّذين جفّت قلوبهم ونأت عن ذكر اللّه وأعرضت، يعني: عن القرآن الّذي أنزله تعالى ذكره، مذكّرًا به عباده، فلم يؤمن به، ولم يصدّق بما فيه وقيل: {من ذكر اللّه} والمعنى: عن ذكر اللّه، فوضعت من مكان عن، كما يقال في الكلام: أتخمت من طعامٍ أكلته، وعن طعامٍ أكلته بمعنًى واحدٍ.
وقوله: {أولئك في ضلالٍ مبينٍ} يقول تعالى ذكره: هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر اللّه في ضلالٍ مبينٍ، لمن تأمّله وتدبّره بفهم أنّه في ضلالٍ عن الحقّ جائرٌ). [جامع البيان: 20/189-190]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 22.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {أفمن شرح الله صدره للإسلام} الآية، قال: ليس المشروح صدره كالقاسية قلوبهم). [الدر المنثور: 12/645]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} قالوا: يا رسول الله فهل ينفرج الصدر قال: نعم، قالوا: هل لذلك علامة قال: نعم، التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت). [الدر المنثور: 12/645]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} فقلنا يا رسول الله كيف انشراح صدره قال: إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، قلنا يا رسول الله فما علامة ذلك قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت). [الدر المنثور: 12/645-646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال: يا نبي الله أي المؤمنين أكيس قال أكثرهم ذكر للموت وأحسنهم له استعدادا وإذا دخل النور القلب انفسح واستوسع، فقالوا ما آية ذلك يا نبي الله قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت ثم أخرج عن أبي جعفر عبد الله بن المسور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد فيه {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}، أما قوله تعالى: {فويل للقاسية قلوبهم} ). [الدر المنثور: 12/646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي، وابن مردويه، وابن شاهين في الترغيب في الذكر في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القاسي). [الدر المنثور: 12/646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الجلد رضي الله عنه، أن عيسى عليه السلام أوصى إلى الحواريين: أن لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم وإن القاسي قلبه بعيد من الله ولكن لا يعلم). [الدر المنثور: 12/647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل العباد ونومهم عليه قسوة في قلوبهم). [الدر المنثور: 12/647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج العقيلي والطبراني في الأوسط، وابن عدي، وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب والبيهقي في شعب الإيمان، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم). [الدر المنثور: 12/647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يورث القسوة في القلب ثلاث خصال، حب الطعام وحب النوم وحب الراحة، والله أعلم). [الدر المنثور: 12/647]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى كتابا متشابها قال متشابها في حلاله وحرامه لا يختلف منه شيء تشبه الآية الآية والحرف الحرف مثاني.
قال معمر وقال قتادة قد ثناه الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/172]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر قال تلا قتادة تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله قال هذا نعت أولياء الله نعتهم الله بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان). [تفسير عبد الرزاق: 2/172]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {متشابهًا} [الزمر: 23] : «ليس من الاشتباه، ولكن يشبه بعضه بعضًا في التّصديق»). [صحيح البخاري: 6/125]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله متشابهًا ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضًا في التّصديق قال أبو عبيدة في قوله متشابهًا قال يصدّق بعضه بعضًا وروى الطّبريّ من طريق السّدّيّ في قوله كتابًا متشابهًا قال يشبه بعضه بعضًا ويدلّ بعضه على بعضٍ ومن طريق سعيد بن جبيرٍ نحوه وقوله مثاني يجوز أن يكون بيانًا لقوله متشابهًا لأنّ القصص المتكرّرة تكون متشابهةٌ والمثاني جمع مثنى بمعنى مكرّرٍ لما أعيد فيه من قصصٍ وغيرها). [فتح الباري: 8/549]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (متشابهاً ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضاً في التّصديق
أشار به إلى قوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابهاً} (الزمر: 23) وأشار إلى أن معنى: متشابهاً ليس من الاشتباه الّذي بمعنى الالتباس والاختلاط، ولكن معناه أنه يشبه بعضه بعضًا في التّصديق لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وقيل: في تصديق الرّسول صلى الله عليه وسلم، في رسالته بسبب إعجازه، وكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير). [عمدة القاري: 19/142]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({متشابهًا}) في قوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا} [الزمر: 23] (ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضًا في التصديق) والحسن ليس فيه تناقض ولا اختلاف). [إرشاد الساري: 7/319]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه نزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ}.
يقول تعالى ذكره: {اللّه نزّل أحسن الحديث كتابًا} يعني به القرآن {متشابهًا} يقول: يشبه بعضه بعضًا، لا اختلاف فيه، ولا تضادّ.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {اللّه نزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا} الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {كتابًا متشابهًا} قال: المتشابه: يشبه بعضه بعضًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {كتابًا متشابهًا} قال: يشبه بعضه بعضًا، ويصدق بعضه بعضًا، ويدلّ بعضه على بعضٍ.
وقوله: {مثاني} يقول: تثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: {اللّه نزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني} قال: ثنى اللّه فيه القضاء، تكون السّورة فيها الآية في سورةٍ أخرى آيةٌ تشبهها، وسئل عنها عكرمة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {كتابًا متشابهًا مثاني} قال: في القرآن كلّه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {مثاني} قال: ثنى اللّه فيه الفرائض، والقضاء، والحدود.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {مثاني} قال: كتاب اللّه مثاني، ثنى فيه الأمر مرارًا.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {مثاني} قال: كتاب اللّه مثاني، ثنى فيه الأمر مرارًا.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {مثاني} ثنى في غير مكانٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {مثاني} مردّدٌ، ردّد موسى في القرآن وصالحٌ وهودٌ والأنبياء في أمكنةٍ كثيرةٍ.
وقوله: {تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم} يقول تعالى ذكره: تقشعرّ من سماعه إذا تلي عليهم جلود الّذين يخافون ربّهم {ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه} يعني إلى العمل بما في كتاب اللّه، والتّصديق به.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أجل أنّ أصحابه سألوه الحديث.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن أيّوب بن موسى، عن عمرٍو الملائيّ، عن ابن عبّاسٍ، قالوا: يا رسول اللّه لو حدّثتنا؟ قال: فنزلت: {اللّه نزّل أحسن الحديث}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن أيّوب بن سيّارٍ أبي عبد الرّحمن، عن عمرو بن قيسٍ، قال: قالوا: يا نبيّ اللّه، فذكر مثله.
{ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء} يقول تعالى ذكره: هذا الّذي يصيب هؤلاء القوم الّذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم، ثمّ لينها ولين قلوبهم إلى ذكر اللّه من بعد ذلك، {هدى اللّه} يعني: توفيق اللّه إيّاهم وفّقهم له {يهدي به من يشاء} يقول: يهدي تبارك وتعالى بالقرآن من يشاء من عباده.
وقد يتوجّه معنى قوله: {ذلك هدى} إلى أن يكون ذلك من ذكر القرآن، فيكون معنى الكلام: هذا القرآن بيان اللّه يهدي به من يشاء، يوفّق للإيمان به من يشاء.
وقوله: {ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ} يقول تعالى ذكره: ومن يخذله اللّه عن الإيمان بهذا القرآن والتّصديق بما فيه، فيضلّه عنه، فما له من هادً؛ يقول: فما له من موفّقٍ له، ومسدّدٍ يسدّده في اتّباعه). [جامع البيان: 20/190-193]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله الله نزل أحسن الحديث يعني القرآن). [تفسير مجاهد: 557]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 23
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فنزل {الله نزل أحسن الحديث} ). [الدر المنثور: 12/647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني} قال: القرآن كله مثاني). [الدر المنثور: 12/647-648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {مثاني} قال: القرآن يشبه بعضه بعضا ويرد بعضه إلى بعض). [الدر المنثور: 12/648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {كتابا متشابها} حلاله وحرامه لا يختلف شيء منه، الآية تشبه الآية والحرف يشبه الحرف {مثاني} قال: يثني الله فيه الفرائض والحدود والقضاء). [الدر المنثور: 12/648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {كتابا متشابها} قال: القرآن كله مثاني، قال: من ثناء الله إلى عبده). [الدر المنثور: 12/648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {متشابها} قال: يفسر بعضه بعضا ويدل بعضه على بعض). [الدر المنثور: 12/648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي رجاء رضي الله عنه قال: سألت الحسن رضي الله عنه عن قول الله تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} قال: ثنى الله فيه القضاء، تكون في هذه السورة الآية وفي السورة الآية الأخرى تشبه بها). [الدر المنثور: 12/649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي رضي الله عنه قال: سأل عكرمة رضي الله عنه عنها وأنا أسمع فقال: ثنى الله فيه القضاء). [الدر المنثور: 12/649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} هذا نعت أولياء الله نعتهم الله تعالى قال: تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله تعالى، ولم ينعتهم الله تعالى بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وإنما هو من الشيطان). [الدر المنثور: 12/649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} قال: إذا سمعوا ذكر الله والوعيد اقشعروا {ثم تلين جلودهم} إذا سمعوا ذكر الجنة واللين {يرجون رحمة الله}). [الدر المنثور: 12/649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء رضي الله عنها كيف كان يصنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأوا القرآن قالت: كانوا كما نعتهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، قلت: فإن ناسا ههنا إذا سمعوا ذلك تأخذهم عليه غشية فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). [الدر المنثور: 12/649-650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: جئت أمي فقلت: وجدت قوما ما رأيت خيرا منهم قط يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله فقالت: لا تقعد معهم، ثم قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا، أفتراهم أخشى من أبي بكر وعمر). [الدر المنثور: 12/650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه عن قيس بن جبير رضي الله عنه قال: الصعقة من الشيطان). [الدر المنثور: 12/650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر عن إبراهيم رضي الله عنه في الرجل يرى الضوء قال: من الشيطان لو كان يرى خيرا لأوثر به أهل بدر). [الدر المنثور: 12/650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها). [الدر المنثور: 12/650-651]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ليس من عبد على سبيل ذكر سنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله تعالى إلا كان مثله مثل شجرة يبس ورقها وهي كذلك فأصابتها ريح تحات ورقها كما تحات عن الشجرة البالية ورقها وليس من عبد على سبيل وذكر سنة وذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله إلا لم تمسه النار أبدا). [الدر المنثور: 12/651]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:08 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فسلكه ينابيع في الأرض }: واحدها ينبوع , وهو ما جاش من الأرض.
{ثمّ يهيج فتراه مصفرّاً} : إذا ذوى الرطب كله فقد هاج , ويقال: هاجت الأرض , وهو إذا ذوى ما فيها من الخضر.
{ثمّ يجعله حطاماً} : بعد صفرته , أي: رفاتاً , والحطام , والرفات , والدرين واحد في كلام العرب, وهو ما يبس فتحات من النبات.). [مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ثم يهيج}: إذا ذوى الرطب كله فقد هاج. يقال: هاجت الأرض إذا ذوى ما فيها من الخضر.
{حطاما}: ورفاتا واحد).[غريب القرآن وتفسيره: 325-326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فسلكه ينابيع في الأرض}: أي: أدخله فيها ، فجعله ينابيع: عيونا تنبع.
{ثمّ يهيج}: أي: ييبس.
{ثمّ يجعله حطاماً} : مثل :الرّفات, والفتات.).[تفسير غريب القرآن: 383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ :{ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرّا ثمّ يجعله حطاما إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب (21)}
جاء في التفسير : أن كلّ ما في الأرض , فابتداؤه من السّماء، ومعنى " ينابيع " الأمكنة التي ينبع منها الماء، وواحد الينابيع : ينبوع، وتقدره : يفعول: من نبع ينبع.
{لكن الّذين اتّقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف}: منازل في الجنة رفيعة، وفوقها منازل أرفع منها.
{وعد اللّه} : القراءة النصب، ويجوز {وعد اللّه}, فمن نصب , وهي القراءة، فبمعنى لهم غرف؛ لأن المراد وعدهم اللّه غرفا وعدا، فوعد اللّه منصوب على المصدر, ومن رفع فالمعنى: ذلك وعد اللّه.
وقوله جلّ وعزّ :
{ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه} : ألوانه خضرة , وصفرة , وحمرة , وبياض, وغير ذلك.
{ثمّ يهيج} : قال الأصمعي يقال للنبت إذا تمّ جفافه: قد هاج يهيج هيجاً.
{ثمّ يجعله حطاما}: الحطام ما تفتّت , وتكسّر من النبت وغيره، ومثل الحطام الرفات, والدّرين.
{إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب}: أي: تفكر لذوي العقول، فيذكرون ما لهم في هذا من الدلالة على توحيد اللّه جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 4/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض}
يروى: أن كل ماء في الأرض فاصله من السماء , وقد يجوز أن يكون إنزاله إياه خلقه له , وتكوينه بأمره
وقوله تعالى:
{فسلكه} , أي: فادخله , فجعله ينابيع : جمع ينبوع , يفعول : من نبع , ينبع .
{ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه}: أي: أخضر , وأسود , وأصفر , وأبيض .
{ثم يهيج فتراه مصفرا}: أي: يجف.
قال الأصمعي : يقال للنبت إذا تم جفافه : قد هاج , يهيج , هيجا .
ثم يجعله حطاما , أي: رفاتا.
ثم قال تعالى:
{إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب}
أي : يفكرون , فيذكرون أن هذا دال على توحيد الله جل وعز , وقدرته.).
[معاني القرآن: 6/164-166]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَهِيجُ}: يذوى ويخف, {حُطَامًا}: متكسراً.)[العمدة في غريب القرآن: 261]

تفسير قوله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فويلٌ لّلقاسية قلوبهم مّن ذكر اللّه...}
و"
عن ذكر الله" كلٌّ صواب تقول: اتّخمت من طعامٍ أكلته، وعن طعام أكلته، سواء في المعنى، وكأنّ قوله: قست من ذكره ، أنهم جعلوه كذباً فأقسى قلوبهم: زادها قسوة، وكأن من قال: قست عنه يريد: أعرضت عنه).[معاني القرآن: 2/418]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلال مبين (22)}
فهذه الفاء فاء المجازاة، والمعنى : أفمن شرح اللّه صدره , فاهتدى , كمن طبع على قلبه , فلم يهتد ؛لقسوته؟!
والجواب متروك , لأن الكلام دالّ عليه.
ويؤكد ذلك قوله - جلّ وعزّ:
{فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه}, يقال: قسا قلبه عن ذكر اللّه , ومن ذكر اللّه.
فمن قال من ذكر اللّه، فالمعنى : كلما تلي عليه ذكر اللّه , قسا قلبه، كما قال:
{وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم}.
ومن قال: عن ذكر اللّه , فالمعنى : أنه غلظ قلبه , وجفا عن قبول ذكر اللّه.
{أولئك في ضلال مبين} : يعني القاسية قلوبهم. الآية). [معاني القرآن: 4/351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}
في الكلام حذف , والمعنى : أفمن شرح الله صدره , فاهتدى , كمن طبع على قلبه , فلم يهتد ؟!.
وفي الحديث قال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
أو ينشرح القلب ؟).
قال:
(( نعم , إذا أدخل الله فيه النور انشرح ,وانفسح .)).
قالوا:
(فهل لذلك من علامة؟).
قال:
(( نعم , التجافي عن دار الغرور , والإنابة إلى دار الخلود , والإعداد للموت قبل لقاء الموت.)).
ثم قال جل وعز:
{فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين}
قيل : معنى من , وعن ههنا واحد.
قال أبو جعفر : وليس هذا بشيء , فمعنى : من إذا تليت عليهم آياته قسوا , كما قال تعالى:
{واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم}
وإذا قال: عن , فمعناه : قست قلوبهم , وجفت عن قبول ذكر الله.).
[معاني القرآن: 6/166-167]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {شَرَحَ}: فتح، ومنه قوله جل وعز:{ألم نشرح لك صدرك} : أي: ألم نفتح لك صدرك؟!.). [ياقوتة الصراط: 446]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كتاباً مّتشابهاً...}
أي: غير مختلف , لا ينقض بعضه بعضاً.
وقوله:
{مّثاني}: أي : مكرّراً , يكرّر فيه ذكر الثواب والعقاب.
وقوله:
{تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم} : تقشعرّ خوفاً من آية العذاب إذا نزلت , {ثمّ تلين} عند نزل آية رحمة). [معاني القرآن: 2/418]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({متشابهاً }: يصدق بعضه بعضاً , ويشبه بعضه بعضاً.). [مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كتاباً متشابهاً} : يشبه بعضه بعضا، ولا يختلف. {مثاني} : أي: تثني فيه الأنباء والقصص، وذكر الثواب والعقاب.
{تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم} : من آية العذاب، وتلين من آية الرحمة). [تفسير غريب القرآن: 383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {اللّه نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء ومن يضلل اللّه فما له من هاد (23)}
يعني : القرآن، ومعنى متشابها، يشابه بعضه بعضا في الفضل والحكمة، لا تناقض فيه.
و
{كتابا} منصوب على البدل من {أحسن الحديث}
وقوله:
{مثاني} من نعت قوله :{كتابا} منصوب على النعت، ولم ينصرف{مثاني} لما فسرناه: من إنّه جمع ليس على مثال الواحد.
{تقشعر منه جلود الذين يخشون ربّهم} : يقول: إذا ذكرت آيات العذاب , اقشعرت جلود الخاشعين للّه.
{ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه}: إذا ذكرت آيات الرحمة , لانت جلودهم وقلوبهم.
{ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء}: يقول: الذي وهبه الله لهم من خشيته , وخوف عذابه , ورجاء رحمته ؛ هدي اللّه). [معاني القرآن: 4/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}
روى الشعبي , عن عون بن عبد الله قال: قالوا: (يا رسول الله حدثنا) , فنزلت:
{الله نزل أحسن الحديث}
قال قتادة :
{ متشابها}:(أي: لا يختلف).
قال أبو جعفر : والمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحكمة , والحق , كما قال جل وعز:
{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}
ثم قال جل وعز:
{مثاني}
قال قتادة :
{مثاني }: (ثناه الله عز وجل) .
قال أبو جعفر : والمعنى : ما تثنى فيه القصص , والثواب , والعقاب .
وقيل : المثاني : كل سورة فيها اقل من مائة آية , أي: تثنى في الصلاة.
ثم قال جل وعز:
{تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}
أي: تقشعر من الآيات التي يذكر فيها العذاب , ثم تلين إلى الآيات التي تذكر فيها الرحمة.).
[معاني القرآن: 6/168-169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَّثَانِيَ}: أي: يثنى فيها ذكر الأنبياء , والقصص , والعقاب.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 213]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:09 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي





التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

ولـســن بـأســواء فمـنـهـن روضــــةتهيج الرياض غيرها، لا تصوح

...
...
وتهيج: تصفر وتجف، يقال: هاج النبات، وأهجته أنا إذا صادفته هائجا). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 7-8]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) }

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:26 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وقف تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على معتبر من مخلوقاته، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وكل بشر داخل معه في معناه، وقال الطبري وغيره: أشار إلى ماء المطر، وقالوا: العيون منه، وذلك أنها تنماع عند وجوده وتيبس عند فقده،. وقال الحسن بن مسلم بن يناق: والإشارة إلى العيون، وليست العيون من المطر، ولكن ماؤها نازل من السماء، قال الشعبي: وكل ماء عذب في الأرض فمن السماء نزل، والقولان متقاربان، و"سلكه" معناه: أجراه، ومنه قول الشاعر:
حتى سلكن الشوى منهن في مسك ... من نسل جوابة الآفاق مهداج
ومنه قول امرئ القيس:
نطعنهم سلكى ومخلوجة .... كرك لأمين على نابل
وواحد الينابيع: ينبوع، وهو العين بني لها بناء، مبالغة من النبع. و"الزرع" هنا واقع على كل ما يزرع، وقالت فرقة: "ألوانه": أعراضه من الحمرة والصفرة وغير ذلك، و"يهيج": ييبس، هاج النبات والزرع إذا يبس، ومنه قول علي رضي الله عنه في الحديث الذي في غريب ابن قتيبة: "ذمتي رهينة، وأنا به زعيم ألا يهيج على التقوى زرع قوم ولا ييبس على التقوى .... أصل الحديث". و"الحطام": اليابس المتفتت، ومعنى قوله تعالى: {[لذكرى]} أي: للبعث من القبور وإحياء الموتى على ما يوحيه هذا المثال المذكور).[المحرر الوجيز: 7/ 385-386]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين * الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد}
روي أن هذه الآية: أفمن شرح الله صدره للإسلام الآية، نزلت في علي وحمزة رضي الله عنهما وأبي لهب وابنه، هما اللذان كانا من القاسية قلوبهم. وفي الكلام محذوف يدل عليه الظاهر، تقديره: كالقاسي القلب المعرض عن أمر الله، و"شرح الله صدره" استعارة لتحصيله للنظر الجيد والإيمان بالله، و"النور" هداية الله، وهي أشبه شيء بالضوء، قال ابن مسعود رضي الله عنه: قلنا: يا رسول الله، كيف انشراح الصدر؟ قال: "إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح"، قلنا: وما علامة ذلك؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت"، و"القسوة": شدة القلب، وهي مأخوذة من قسوة الحجر، شبه قلب الكافر به في صلابته، وقلة انفعاله للوعظ. وقال مالك بن دينار: "ما ضرب العبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب"، ويدل قوله: {فويل للقاسية قلوبهم} على المحذوف المقدر). [المحرر الوجيز: 7/ 387]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} يريد به القرآن، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سبب هذه الآية أن قوما من الصحابة قالوا: يا رسول الله، حدثنا بأحاديث حسان، وأخبرنا بأخبار الدهر، فنزلت الآية في ذلك، وقوله: "متشابها" معناه: مستويا لا تناقض فيه ولا تدافع، بل يشبه بعضه بعضا في رصانة اللفظ، ووثاقة البراهين، وشرف المعاني; إذ هي اليقين في العقائد في الله تعالى وصفاته وأفعاله وشرعه. وقوله: "مثاني" معناه: موضع تثنية للقصص والأقضية والمواعظ، تثنى فيه ولا يمل مع ذلك، ولا يعرضها ما يعرض للحديث المعاد، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يثنى فيه الأمر مرارا. ولا ينصرف "مثاني" لأنه جمع لا نظير له في الواحد.
وقوله تعالى: {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} عبارة عن وقف شعر الإنسان عند ما يداخله خوف، ولين قلب عند سماع موعظة أو زجر قرآن ونحوه، وهذه علامة وقوع المعنى المخشع في قلب السامع، وفي الحديث أن أبي بن كعب قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فرقت القلوب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة"، وقال العباس: قال عليه الصلاة والسلام: "من اقشعر جلده من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها"، وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: كان الصحابة تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن، قيل لها: إن أقواما اليوم إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشيا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: وقد رأى ساقطا عند سماع القرآن: إنا لنخشى الله وما نسقط، هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم، وقال ابن سيرين بيننا وبين هؤلاء الذين يصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط باسطا رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن كله، فإن رمى بنفسه فهو صادق.
وقوله: {ذلك هدى الله} يحتمل أن يشير إلى القرآن، أي: ذلك الذي هذه صفته هدى الله، ويحتمل أن يشير إلى الخشية واقشعرار الجلد، أي: ذلك أمارة هدى الله، ومن جعل [تقشعر] في موضع الصفة لم يقف على "مثاني"، ومن جعله مستأنفا وإخبارا منقطعا وقف على "مثاني". وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 7/ 387-389]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:18 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:20 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرًّا ثمّ يجعله حطامًا إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب (21) أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربّه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلالٍ مبينٍ (22) }
يخبر تعالى: أنّ أصل الماء في الأرض من السّماء كما قال تعالى: {وأنزلنا من السّماء ماءً طهورًا} [الفرقان:48]، فإذا أنزل الماء من السّماء كمن في الأرض، ثمّ يصرفه تعالى في أجزاء الأرض كما يشاء، وينبعه عيونًا ما بين صغارٍ وكبارٍ، بحسب الحاجة إليها؛ ولهذا قال: {فسلكه ينابيع في الأرض}.
قال ابن أبي حاتمٍ -رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا أبو قتيبة عتبة بن يقظان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض}، قال: ليس في الأرض ماءٌ إلّا نزل من السّماء، ولكن عروق في الأرض تغيّره، فذلك قوله تعالى: {فسلكه ينابيع في الأرض}، فمن سره أن يعود الملح عذاب فليصعّده.
وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وعامرٌ الشّعبيّ: أنّ كلّ ماءٍ في الأرض فأصله من السّماء.
وقال سعيد بن جبيرٍ: أصله من الثّلج يعني: أنّ الثّلج يتراكم على الجبال، فيسكن في قرارها، فتنبع العيون من أسافلها.
وقوله: {ثمّ يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه} أي: ثمّ يخرج بالماء النّازل من السّماء والنّابع من الأرض زرعًا {مختلفًا ألوانه} أي: أشكاله وطعومه وروائحه ومنافعه، {ثمّ يهيج} أي: بعد نضارته وشبابه يكتهل {فتراه مصفرًّا}، قد خالطه اليبس، {ثمّ يجعله حطامًا} أي: ثمّ يعود يابسًا يتحطّم، {إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب} أي: الّذين يتذكّرون بهذا فيعتبرون إلى أنّ الدّنيا هكذا، تكون خضرةً نضرةً حسناء، ثمّ تعود عجوزا شوهاء، والشّابّ يعود شيخًا هرما كبيرًا ضعيفًا [قد خالطه اليبس]، وبعد ذلك كلّه الموت. فالسّعيد من كان حاله بعده إلى خيرٍ، وكثيرًا ما يضرب اللّه تعالى مثل الحياة الدّنيا بما ينزّل اللّه من السّماء من ماءٍ، وينبت به زروعًا وثمارًا، ثمّ يكون بعد ذلك حطاما، كما قال تعالى: {واضرب لهم مثل الحياة الدّنيا كماءٍ أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيمًا تذروه الرّياح وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقتدرًا} [الكهف:45]). [تفسير ابن كثير: 7/ 92-93]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربّه} أي: هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيدٌ من الحقّ؟! كقوله تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها} [الأنعام:122]؛ ولهذا قال: {فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه} أي: فلا تلين عند ذكره، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم، {أولئك في ضلالٍ مبينٍ} ). [تفسير ابن كثير: 7/ 93]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اللّه نزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ (23) }
هذا مدحٌ من اللّه -عزّ وجلّ-لكتابه القرآن العظيم المنزّل على رسوله الكريم، قال اللّه تعالى: {اللّه نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني} قال مجاهدٌ: يعني القرآن كلّه متشابهٌ مثاني.
وقال قتادة: الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف.
وقال الضّحّاك: {مثاني} ترديد القول ليفهموا عن ربّهم عزّ وجلّ.
وقال عكرمة، والحسن: ثنّى اللّه فيه القضاء -زاد الحسن: تكون السّورة فيها آيةٌ، وفي السّورة الأخرى آيةٌ تشبهها.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {مثاني} مردّد، ردّد موسى في القرآن، وصالح وهود والأنبياء، عليهم السّلام، في أمكنةٍ كثيرةٍ.
وقال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {مثاني} قال: القرآن يشبه بعضه بعضًا، ويردّ بعضه على بعضٍ.
وقال بعض العلماء: ويروى عن سفيان بن عيينة معنى قوله: {متشابهًا مثاني} أنّ سياقات القرآن تارةً تكون في معنًى واحدٍ، فهذا من المتشابه، وتارةً تكون بذكر الشّيء وضدّه، كذكر المؤمنين ثمّ الكافرين، وكصفة الجنّة ثمّ صفة النّار، وما أشبه هذا، فهذا من المثاني، كقوله تعالى: {إنّ الأبرار لفي نعيمٍ وإنّ الفجّار لفي جحيمٍ} [الانفطار:14، 13]، وكقوله {كلا إنّ كتاب الفجّار لفي سجّينٍ} [المطفّفين:7]، إلى أن قال: {كلا إنّ كتاب الأبرار لفي علّيّين} [المطفّفين:18]، {هذا ذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ} [ص:49]، إلى أن قال: {هذا وإنّ للطّاغين لشرّ مآبٍ} [ص:55]، ونحو هذا من السّياقات فهذا كلّه من المثاني، أي: في معنيين اثنين، وأمّا إذا كان السّياق كلّه في معنًى واحدٍ يشبه بعضه بعضًا، فهو المتشابه وليس هذا من المتشابه المذكور في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} [آل عمران:7]، ذاك معنًى آخر.
وقوله: {تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه} أي هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبّار، المهيمن العزيز الغفّار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد. والتّخويف والتّهديد، تقشعرّ منه جلودهم من الخشية والخوف، {ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه} لما يرجون ويؤمّلون من رحمته ولطفه، فهم مخالفون لغيرهم من الكفّار من وجوهٍ:
أحدها: أنّ سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات لأبياتٍ، من أصوات القينات.
الثّاني: أنّهم إذا تليت عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدًا وبكيّا، بأدبٍ وخشيةٍ، ورجاءٍ ومحبّةٍ، وفهمٍ وعلمٍ، كما قال: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون الّذين يقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم درجاتٌ عند ربّهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ} [الأنفال:2-4] وقال تعالى: {والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم لم يخرّوا عليها صمًّا وعميانًا} [الفرقان:73] أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها، بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنّما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرةٍ لا عن جهلٍ ومتابعةٍ لغيرهم [أي يرون غيرهم قد سجد فيسجدون تبعًا له]..
الثّالث: أنّهم يلزمون الأدب عند سماعها، كما كان الصّحابة، رضي اللّه عنهم عند سماعهم كلام اللّه من تلاوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تقشعرّ جلودهم، ثمّ تلين مع قلوبهم إلى ذكر اللّه. لم يكونوا يتصارخون ولا يتكلّفون ما ليس فيهم، بل عندهم من الثّبات والسّكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحدٌ في ذلك؛ ولهذا فازوا بالقدح المعلّى في الدّنيا والآخرة.
قال عبد الرّزّاق: حدّثنا معمر قال: تلا قتادة، رحمه اللّه: {تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه} قال: هذا نعت أولياء اللّه، نعتهم اللّه بأن تقشعرّ جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئنّ قلوبهم إلى ذكر اللّه، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنّما هذا في أهل البدع، وهذا من الشّيطان.
وقال السّدّي: {ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه} أي: إلى وعد اللّه. وقوله: {ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده} أي: هذه صفة من هداه اللّه، ومن كان على خلاف ذلك فهو ممّن أضلّه اللّه، {ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ} [الرّعد:33] ). [تفسير ابن كثير: 7/ 93-95]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة