العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة يوسف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:51 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة يوسف [ من الآية (80) إلى الآية (83) ]

تفسير سورة يوسف
[ من الآية (80) إلى الآية (83) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:52 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى كبيرهم قال هو روبيل الذي أشار عليهم ألا يقتلوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/327]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا} قال: تشاوروا تشاورا بوسوسة [الآية: 80].
سفيان [الثوري] قال: دخل على يوسف ملك السّجن فقال له يوسف: أيّها الملك الطّيّب الرّيح ما فعل يعقوب ما بلغ حزنه قال: بلغ حزن سبعين ثلكى). [تفسير الثوري: 145]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({استيأسوا} [يوسف: 80] : «يئسوا»). [صحيح البخاري: 6/76]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله استيأسوا يئسوا ولا تيأسوا من روح الله معناه الرّجاء ثبت هذا لأبي ذرٍّ عن المستملي والكشميهنيّ وسقط لغيرهما وقد تقدّم في ترجمة يوسف من أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/361] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (استيأسوا يئسوا لا تيأسوا من روح الله معناه الرّجاء
لم يثبت هذا ألا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني، وأشار بقوله: {استيأسوا} إلى قوله تعالى: {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيا} (يوسف: 80) وفسره بقوله: (يئسوا) أي: فلمّا أيس أخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه خلصوا نجيا. أي: خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم، والآن يأتي مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى قوله: {لا تيأسوا من روح الله} أشار به إلى قوله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون} (يوسف: 87) ومعنى من روح الله من رحمته، قال قتادة والضّحّاك: من فضل الله، وقال ابن زيد: من فرج الله، وهذا حكاية عن كلام يعقوب، عليه السّلام، لأولاده قوله: (معناه الرّجاء) أي: معنى عدم اليأس الرّجاء أو معنى التّركيب الرّجاء، أو لا روح به حقيقة). [عمدة القاري: 18/303]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (قوله: فلما ({استيأسوا}) [يوسف: 80] أي (يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة). [إرشاد الساري: 7/175-176]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({خلصوا نجيًّا} [يوسف: 80] : «اعتزلوا نجيًّا، والجميع أنجيةٌ يتناجون الواحد نجيٌّ والاثنان والجميع نجيٌّ وأنجيةٌ»). [صحيح البخاري: 6/76]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله خلصوا نجيًّا أي اعتزلوا نجيًّا والجمع أنجيةٌ يتناجون الواحد نجيٌّ والاثنان والجمع نجيٌّ وأنجيةٌ ثبت هذا لأبي ذرٍّ عن المستملي والكشميهنيّ ووقع في رواية المستملي اعترفوا بدل اعتزلوا والصّواب الأوّل قال أبو عبيدة في قوله تعالى {خلصوا نجيا} أي اعتزلوا نجيًّا يتناجون والنّجيّ يقع لفظه على الواحد والجمع أيضًا وقد يجمع فيقال أنجيةٌ). [فتح الباري: 8/361]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (خصلوا نجيّا اعتزلوا نجيّا والجسم أنجيةٌ يتناجون الواحد نجيٌّ والاثنان والجميع نجيٌّ وأنجيةٌ.
أشار به إلى قوله تعالى: {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيا} ولم يثبت هذا إلاّ لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وقوله: (خلصوا) جواب لما وفسّر خلصوا بقوله: (اعتزلوا) ووقع في رواية المستملي: اعترفوا والأول هو الصّواب، والنجي هو الّذي يناجي، ويستوي فيه الواحد والاثنان والجمع المذكر والمؤنث لأنّه مصدر في الأصل جعل نعتا كالعدل والزور ونحوهما وجاء جمعه أنجية وقد نبه عليه بقوله: وأنجبة وانتصاب: نجيا، على الحال أي: حال كونهم متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم). [عمدة القاري: 18/303]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({خلصوا نجيًّا}) أي (اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا (نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث (والجمع أنجية) بالهمز (يتناجون الواحد نجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: {وقربناه نجيًا} [مريم: 52] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: {وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه (و) قد يجمع فيقال: (أنجية) بالهمزة كما مرّ قال:
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
وقال لبيد:
وشهدت أنجية الافاقة عاليًا = كعبي وأرداف الملوك شهود
وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء. وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: {وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة. وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان. قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي). [إرشاد الساري: 7/176]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيًّا قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}.
يعني تعالى ذكره: {فلمّا استيأسوا منه} فلمّا يئسوا منه من أن يخلّي يوسف عن بنيامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه، وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك، وقوله {استيأسوا} استفعلوا، من يئس الرّجل من كذا ييأس، كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فلمّا استيأسوا منه} يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره.
وقوله: {خلصوا نجيًّا} يقول: بعضهم لبعضٍ: يتناجون، لا يختلط بهم غيرهم والنّجيّ جماعة القوم المتناجين يسمّى به الواحد والجماعة، كما يقال: رجلٌ عدلٌ، ورجالٌ عدلٌ، وقومٌ زورٌ وفطرٌ، وهو مصدرٌ من قول القائل: نجوت فلانًا أنجوه نجيًّا، جعل صفةً ونعتًا، ومن الدّليل على أنّ ذلك كما ذكرنا قول اللّه تعالى: {وقرّبناه نجيًّا} فوصف به الواحد، وقال في هذا الموضع: {خلصوا نجيًّا} فوصف به الجماعة، ويجمع النّجيّ أنجيةً، كما قال لبيدٌ:
وشهدت أنجية الأفاقة عاليًا = كعبي وأرداف الملوك شهود
وقد يقال للجماعة من الرّجال: نجوى، كما قال جلّ ثناؤه: {وإذ هم نجوى} وقال: {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ} وهم القوم الّذين يتناجون وتكون النّجوى أيضًا مصدرًا، كما قال اللّه: {إنّما النّجوى من الشّيطان} يقال منه: نجوت أنجو نجوى، فهي في هذا الموضع: المناجاة نفسها، ومنه قول الشّاعر:
بنيّ بدا خبّ نجوى الرّجال = فكن عند سرّك خبّ النّجي
فالنّجوى والنّجيّ في هذا البيت بمعنًى واحدٍ، وهو المناجاة، وقد جمع بين اللّغتين.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {خلصوا نجيًّا} قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك؛
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمرٌو، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيًّا} وأخلص لهم شمعون، وقد كان ارتهنه، خلوا بينهم نجيًّا يتناجون بينهم
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {خلصوا نجيًّا} خلصوا وحدهم نجيًّا
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {خلصوا نجيًّا} أي خلا بعضهم ببعضٍ، ثمّ قالوا: ماذا ترون؟
وقوله: {قال كبيرهم} اختلف أهل العلم في المعنيّ بذلك، فقال بعضهم: عنى به كبيرهم في العقل والعلم، لا في السّنّ، وهو شمعون، قالوا: وكان روبيل أكبر منه في الميلاد
ذكر من قال ذلك؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {قال كبيرهم} قال: هو شمعون الّذي تخلّف، وأكبر منه، أوأكبر منهم في الميلاد روبيل
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ قال: حدّثنا شبابة قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قال كبيرهم}: شمعون الّذي تخلّف، وأكبر منه في الميلاد روبيل.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثني المثنّى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {قال كبيرهم} قال: شمعون الّذي تخلّف، وأكبرهم في الميلاد روبيل.
وقال آخرون: بل عنى به كبيرهم في السّنّ وهو روبيل.
ذكر من قال ذلك؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قال كبيرهم} وهو روبيل أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الّذي نهاهم عن قتله
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {قال كبيرهم} قال: روبيل وهو الّذي أشار عليهم أن لا يقتلوه
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمرٌو، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: {قال كبيرهم} في العلم {أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه، ومن قبل ما فرّطتم في يوسف، فلن أبرح الأرض} الآية، فأقام روبيل بمصر، وقبل التّسعة إلى يعقوب فأخبروه الخبر، فبكى وقال: يا بنيّ، ما تذهبون مرّةً إلاّ نقصتم واحدًا، ذهبتم مرّةً فنقصتم يوسف، وذهبتم الثّانية فنقصتم شمعون، وذهبتم الآن فنقصتم روبيل
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيًّا} قال: ماذا ترون؟ فقال روبيل كما ذكر لي، وكان كبير القوم: {ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا مّن اللّه} {لتأتنّني به إلاّ أن يحاط بكم} {ومن قبل ما فرّطتم في يوسف} الآية.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّحّة قول من قال: عنى بقوله: {قال كبيرهم} روبيل لإجماع جميعهم على أنّه كان أكبرهم سنًّا، ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم: فلانٌ كبير القوم مطلقًا بغير وصلٍ إلاّ أحد معنيين، إمّا في الرّياسة عليهم والسّؤدد، وإمّا في السّنّ، فأمّا في العقل فإنّهم إذا أرادوا ذلك وصلوه، فقالوا: هو كبيرهم في العقل، فأمّا إذا أطلق بغير صلته بذلك فلا يفهم إلاّ ما ذكرت.
وقد قال أهل التّأويل: لم يكن لشمعون، وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الّذي جعله اللّه به على إخوته رياسةٌ وسؤددٌ، فيعلم بذلك أنّه عنى بقوله: {قال كبيرهم}.
فإذ كان ذلك كذلك فلم يبق إلاّ الوجه الآخر، وهو الكبر في السّنّ، وقد قال الّذين ذكرنا جميعًا: روبيل كان أكبر القوم سنًّا، فصحّ لذلك القول الّذي اخترناه
وقوله: {ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه} يقول: ألم تعلموا أيّها القوم أنّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهود اللّه ومواثيقه لنأتينّه به جميعًا، إلاّ أن يحاط بكم، { ومن قبل ما فرّطتم في يوسف} ومن قبل فعلتكم هذه تفريطكم في يوسف يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف.
وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الّذي قلناه، كانت ما حينئذٍ في موضع نصبٍ وقد يجوز أن يكون قوله: {ومن قبل ما فرّطتم في يوسف} خبر مبتدأٍ، ويكون قوله: {ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه} خبرًا متناهيًا، فتكون ما حينئذٍ في موضع رفعٍ، كأنّه قيل: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف، فتكون ما مرفوعةً بـ من قبل هذا وقد، ويجوز أن تكون ما الّتي تكون صلةً في الكلام، فيكون تأويل الكلام: ومن قبل ما تفريطكم في يوسف.
وقوله: {فلن أبرح الأرض} الّتي أنا بها وهي مصر فأفارقها، {حتّى يأذن لي أبي} بالخروج منها، كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فلن أبرح الأرض} الّتي أنا بها اليوم، {حتّى يأذن لي أبي} بالخروج منها
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قال شمعون: {لن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}.
وقوله: {أو يحكم اللّه لي}: أو يقضي لي ربّي بالخروج منها وترك أخي بنيامين، وإلاّ فإنّي غير خارجٍ: {وهو خير الحاكمين} يقول: واللّه خير من حكم وأعدل من فصل بين النّاس.
وكان أبو صالحٍ يقول في ذلك بما؛
- حدّثني الحسين بن زيدٍ السّبيعيّ، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {حتّى يأذن لي أبي، أو يحكم اللّه لي} قال: بالسّيف.
وكأنّ أبا صالحٍ وجّه تأويل قوله: {أو يحكم اللّه لي} إلى: أو يقضي اللّه لي بحرب من منعني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب فأحاربه). [جامع البيان: 13/280-287]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا استيئسوا منه خلصوا نجيًّا قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين (80)
قوله تعالى: فلمّا استيأسوا منه.
- وبه عن ابن إسحاق فلما استيأسوا أي: فلمّا يئسوا منه ورأوا شدّته في أمره.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ فقال لهم يوسف: إذا أتيتم أباكم فأقرءوا عليه السّلام، وقولوا له إن ملك مصر يدعوا لك أن لا تموت حتّى ترى ابنك يوسف حتّى يعلم أبوكم إنّ في الأرض صدّيقين مثله، فلمّا يئسوا منه وأخرج لهم شمعون.
قوله تعالى: خلصوا نجيًّا.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ ثنا شعيب بن إسحاق ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله: خلصوا نجيًّا قال خلصوا وحدهم نجيًّا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى ثنا سلمة عن ابن إسحاق خلصوا نجيًّا أي: خلا بعضهم ببعضٍ.
قوله تعالى: قال كبيرهم ألم تعلموا.
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: قال كبيرهم شمعون الّذي تخلّف وأكبر منه في الميلاد، روبيل.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو الجماهر أنا سعيد بن بشيرٍ ثنا قتادة قوله: قال كبيرهم وهو روبيل وهو الّذي كان نهاهم عن قتله وكان أكبر القوم.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله كبيرهم وهو روبيل أخو يوسف، وهو ابن خالته.
- حدّثنا عبد اللّه ثنا الحسين ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قال كبيرهم وهو روبيل، ولم يكن بأكبرهم سنًّا ولكن كان كبيرهم في العلم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق فقال روبيل كما ذكر لي وكان كبير القوم: ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه
قوله تعالى: فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة عن ابن إسحاق قوله: فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي قال: لن أبرح الأرض الّتي أنا بها حتّى يأذن لي أبي أي: بالخروج
- حدّثنا عبد اللّه ثنا الحسين ثنا عامرٌ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي فأقام روبيل بمصر، وأقبل النّفر إلى يعقوب فبكى، وقال: يا بنيّ ما تذهبون من مرّةٍ إلا نقصتم واحدًا.
قوله تعالى: أو يحكم الله لي الآية.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد المؤمن بن عليٍّ ثنا عبد السّلام بن حربٍ أنبأ إسماعيل عن أبي صالحٍ في قوله: فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي قال: بالسّيف). [تفسير القرآن العظيم: 7/2181-2182]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كبيرهم قال يعني شمعون الذي تخلف وأكبر منه في الميلاد روبيل). [تفسير مجاهد: 319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 80.
أخرج ابن جرير عن ابن إسحاق - رضي الله عنه - {فلما استيأسوا منه} قال: أيسوا ورأوا شدته في الأمر). [الدر المنثور: 8/299]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {خلصوا نجيا} قال: وحدهم). [الدر المنثور: 8/299]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله {قال كبيرهم} قال: شمعون الذي تخلف أكبرهم عقلا وأكبر منه في الميلاد روبيل). [الدر المنثور: 8/299-300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {قال كبيرهم} هو روبيل وهو الذي كان نهاهم عن قتله وكان أكبر القوم). [الدر المنثور: 8/300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله {أو يحكم الله لي} قال: أقاتل بالسيف حتى أقتل). [الدر المنثور: 8/300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن وهب - رضي الله عنه - قال: إن شمعون كان أشد بني يعقوب بأسا وإنه كان إذا غضب قام شعره وانتفخ فلا يطفئ غضبه شيء إلا أن يمسه أحد من آل يعقوب وأنه كان قد أغار مرة على أهل قرية فدمرهم، وإنه غضب يوم أخذ بنو يعقوب بالصواع غضبا شديدا، حتى انتفخ فأمر يوسف عليه السلام ابنه أن يمسه فسكن غضبه وبرد وقال: قد مسني يد من آل يعقوب). [الدر المنثور: 8/300]

تفسير قوله تعالى: (ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وما كنا للغيب حافظين قال يقولون ما كنا نظن أن ابنك يسرق). [تفسير عبد الرزاق: 1/327]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق، وما شهدنا إلاّ بما علمنا، وما كنّا للغيب حافظين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته حين أخذ يوسف أخاه بالصّواع الّذي استخرج من وعائه: {ارجعوا} إخوتي {إلى أبيكم} يعقوب {فقولوا} له {يا أبانا إنّ ابنك} بنيامين {سرق}.
والقراءة على قراءة هذا الحرف بفتح السّين والرّاء والتّخفيف: {إنّ ابنك سرق}.
وروي عن ابن عبّاسٍ: ( إنّ ابنك سرّق ) بضمّ السّين وتشديد الرّاء، على وجه ما لم يسمّ فاعله، بمعنى أنّه سرق.
{وما شهدنا إلاّ بما علمنا}. واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنّه سرق إلاّ بظاهر علمنا بأنّ ذلك كذلك، لأنّ صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ارجعوا إلى أبيكم} فإنّي ما كنت راجعًا حتّى يأتيني أمره، {فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق، وما شهدنا إلاّ بما علمنا}: أي قد وجدت السّرقة في رحله، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب {وما كنّا للغيب حافظين}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأنّ السّارق يؤخذ بسرقته إلاّ بما علمنا
ذكر من قال ذلك
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: قال لهم يعقوب عليه السّلام: ما دري هذا الرّجل أنّ السّارق يؤخذ بسرقته إلاّ بقولكم؟ فقالوا: {ما شهدنا إلاّ بما علمنا} لم نشهد أنّ السّارق يؤخذ بسرقته إلاّ وذلك الّذي علمنا. قال: وكان الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه أن يؤخذ السّارق بسرقته عبدًا يسترقّ.
وقوله: {وما كنّا للغيب حافظين} يقول: وما كنّا نرى أنّ ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا، وإنّما قلنا {ونحفظ أخانا} ممّا لنا إلى حفظه منه السّبيل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا الحسين بن الحريث أبو عمّارٍ المروزيّ، قال: حدّثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقدٍ، عن يزيد، عن عكرمة: {وما كنّا للغيب حافظين} قال: ما كنّا نعلم أنّ ابنك يسرق
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وما كنّا للغيب حافظين} لم نشعر أنّه سيسرق
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد: {وما كنّا للغيب حافظين} قال: لم نشعر أنّه سيسرق
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وما كنّا للغيب حافظين} قال: لم نشعر أنّه سيسرق.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، وأبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة: {وما كنّا للغيب حافظين} قال: ما كنّا نظنّ ولا نشعر أنّه سيسرق
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وما كنّا للغيب حافظين} قال: ما كنّا نرى أنّه سيسرق
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وما كنّا للغيب حافظين} قال: ما كنّا نظنّ أنّ ابنك يسرق.
وأولى التّأويلين بالصّواب عندنا في قوله: {وما شهدنا إلاّ بما علمنا} قول من قال: وما شهدنا بأنّ ابنك سرق إلاّ بما علمنا من رؤيتنا للصّواع في وعائه؛ لأنّه عقيب قوله: {إنّ ابنك سرق} فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك أولى من أن يكون خبرًا عمّا هو منفصلٌ.
وذكر أنّ الغيب في لغة حمير هو اللّيل بعينه). [جامع البيان: 13/287-290]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق وما شهدنا إلّا بما علمنا وما كنّا للغيب حافظين (81)
قوله تعالى: ارجعوا إلى أبيكم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى ثنا سلمة عن ابن إسحاق ارجعوا إلى أبيكم فإنّي ماكثٌ لا أرجع حتّى يأتيني أمره.
قوله تعالى: فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا.
- حدّثنا أبي ثنا عفّان ثنا حسامٌ عن أبي معشرٍ عن إبراهيم أنّه كره أن يكتب الرّجل شهادته، فإذا استشهد شهد، ويقول: ما شهدنا إلا بما علمنا
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة عن ابن إسحاق ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا أي قد أخذت السّرقة من رحله ونحن ننظر.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ يقول: ما شهدنا إلا بما علمنا لم نشهد أنّ السّارق يؤخذ بسرقته إلّا وذلك الّذي علمنا، قال وكان الحكم عند الأنبياء: يعقوب وبنيه: أن يؤخذ السّارق بسرقته عند ما يسرق.
قوله تعالى: وما كنّا للغيب حافظين.
- حدّثنا أبي، ثنا معاذ بن أسدٍ المروزيّ ثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقدٍ عن يزيد عن عكرمة في قوله: وما كنّا للغيب حافظين ما كنّا نعلم أنّ ابنك يسرق.
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا أبو الجماهر، أنا سعيد بن بشيرٍ ثنا قتادة ما كنّا للغيب حافظين أي ما كنّا نشعر أنّ ابنك يسرق.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى ثنا سلمة عن ابن إسحاق:
وما كنّا للغيب حافظين فلا علم لنا بالغيب.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنا أصبغ بن الفرج، قال سمعت: عبد الرّحمن بن زيدٍ يقول في قوله: وما كنّا للغيب حافظين قال: ما علمنا من الغيب إنّه أخذ له شيئًا، ولا ظننّا ذلك، إنّما سألنا ما جزاء السارق؟). [تفسير القرآن العظيم: 7/2182-2183]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وما كنا للغيب حافظين أي لم نشعر أنه سيسرق). [تفسير مجاهد: 319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 81 - 83.
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ {إن ابنك سرق}). [الدر المنثور: 8/300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد - رضي الله عنه - قال: قال يعقوب عليه السلام لبنيه: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم، قالوا: ما شهدنا إلا بما علمنا لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذاك الذي علمنا). [الدر المنثور: 8/300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم - رضي الله عنه - أنه كره أن يكتب الرجل شهادته فإذا استشهد شهد ويقرأ {وما شهدنا إلا بما علمنا}). [الدر المنثور: 8/301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله {وما كنا للغيب حافظين} قال: لم نعلم أنه سيسرق). [الدر المنثور: 8/301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله {وما كنا للغيب حافظين} قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق). [الدر المنثور: 8/301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {وما كنا للغيب حافظين} قال: يقولون ما كنا نظن أن ابنك يسرق). [الدر المنثور: 8/301]

تفسير قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({وإلى مدين أخاهم شعيبًا} [هود: 84] : «أي إلى أهل مدين، لأنّ مدين بلدٌ» ، ومثله {واسأل القرية} [يوسف: 82] : «واسأل العير، يعني أهل القرية وأصحاب العير»). [صحيح البخاري: 6/74] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وإلى مدين أي لأهل مدين لأنّ مدين بلدٌ ومثله واسأل القرية والعير أي أهل القرية وأصحاب العير قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا} مدين لا ينصرف لأنّه اسم بلدٍ مؤنّثٍ ومجازه مجاز المختصر الّذي فيه ضميرٌ أي إلى أهل مدين ومثله {واسأل القرية} والعير أي من في العير). [فتح الباري: 8/354] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وإلى مدين أخاهم شعيبا) أي أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم أي من أنفسهم قوله " شعيبا " بدل من أخاهم الّذي هو منصوب بأرسلنا المقدر وشعيب منصرف لأنّه علم عربيّ وليس فيه علّة أخرى وفي صحيح ابن حبان أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر وكان لسانه العربيّة أرسله الله إلى مدين بعد إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام وفي اسم أبيه أقوال والمشهور شعيب بن بويب بن مدين بن إبراهيم ومدين لا ينصرف للعلمية والعجمة ثمّ صار اسما للقبيلة ثمّ أن مدين لما بنى بلدة قريبة من أرض معان من أطراف الشّام ممّا يلي ناحية الحجاز سمّاها باسمه مدين قوله " إلى مدين " أي إلى أهل مدين لأن مدين اسم بلد فلا يمكن الإرسال إليه ولا يكون الإرسال إلّا إلى أهله فلذلك قدر المضاف مثل واسأل القرية أي اسأل أهل القرية لأن السّؤال عن القرية لا يتصوّر وكذلك قوله واسأل العير تقديره واسأل أصحاب العير بكسر العين الإبل بأحمالها من عار يعير إذا سار وقيل هي قافلة الحمير فكثرت حتّى سمى بها كل قافلة). [عمدة القاري: 18/294] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({وإلى مدين أخاهم شعيبًا}) [هود: 84] أي وأرسلنا (إلى أهل مدين) أخاهم شعيبًا (لأن مدين بلد) بناه مدين فسمى باسمه فهو على حذف مضاف (ومثله) في ذلك ({واسأل القرية}) [يوسف: 82] أي واسأل العير يعني أهل (القرية والعير) ولأبي ذر وأصحاب العير وكان أهل قرية شعيب مطففين فأمرهم بالتوحيد أولاً لأنه للأصل ثم إن يوفوا حقوق الناس ولا ينقصوهم). [إرشاد الساري: 7/170] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واسأل القرية الّتي كنّا فيها والعير الّتي أقبلنا فيها وإنّا لصادقون}.
يقول: وإن كنت متّهمًا لنا لا تصدّقنا على ما نقول من أنّ ابنك سرق، فاسأل القرية الّتي كنّا فيها، وهي مصر يقول: سل من فيها من أهلها، {والعير الّتي أقبلنا فيها}
وهي القافلة الّتي كنّا فيها، الّتي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك، وحقيقة ما أخبرناك عنه من سرقه، فإنّك تخبر مصداق ذلك {وإنّا لصادقون} فيما أخبرناك من خبره.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واسأل القرية الّتي كنّا فيها} وهي مصر
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {واسأل القرية الّتي كنّا فيها} قال: يعنون مصر
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قد عرف روبيل في رجع قوله لإخوته أنّهم أهل تهمةٍ عند أبيهم، لمّا كانوا صنعوا في يوسف، وقولهم له: {اسأل القرية الّتي كنّا فيها والعير الّتي أقبلنا فيها} فقد علموا ما علمنا، وشهدوا ما شهدنا إن كنت لا تصدّقنا {وإنّا لصادقون}). [جامع البيان: 13/290-291]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واسأل القرية الّتي كنّا فيها والعير الّتي أقبلنا فيها وإنّا لصادقون (82)
قوله تعالى: وسئل القرية الّتي كنّا فيها.
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا أبو الجماهر أنبأ سعيد بن بشيرٍ، ثنا قتادة قوله: وسئل القرية الّتي كنّا فيها وهي: مصر.
قوله تعالى: والعير الّتي أقبلنا فيها.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر العدنيّ، ثنا سفيان عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ في قوله: والعير قال: هي حميرٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا محمّد بن عيسى ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: وقد عرف روبيل في رجع قوله لإخوته، أنّهم أهل تهمةٍ عند أبيهم، لمّا كانوا صنعوا في يوسف، وقوله: وسئل القرية الّتي كنّا فيها فقد علموا ما علمنا، وشهدوا ما شهدنا، إن كنت لا تصدقنا، وإنا لصادقون). [تفسير القرآن العظيم: 7/2183]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {واسأل القرية} قال: مصر، وفي قوله {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} قال: بيوسف وأخيه وروبيل). [الدر المنثور: 8/301-302]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا إنّه هو العليم الحكيم}.
قال أبو جعفرٍ: في الكلام متروكٌ، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم، وتخلّف روبيل، فأخبروه خبره، فلمّا أخبروه أنّه سرق قال: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا} يقول: بل زيّنت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به وأردتموه {فصبرٌ جميلٌ} يقول: فصبري على ما نالني من فقد ولدي صبرٌ جميلٌ لا جزع فيه ولا شكاية، عسى اللّه أن يأتيني بأولادي جميعًا فيردّهم عليّ {إنّه هو العليم} بوحدتي وبفقدهم وحزني عليهم، وصدق ما يقولون من كذبه {الحكيم} في تدبيره خلقه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا، فصبرٌ جميلٌ} يقول: زيّنت، وقوله: {عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا} يقول: بيوسف، وأخيه، وروبيل
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لمّا جاءوا بذلك إلى يعقوب، يعني بقول روبيل لهم اتّهمهم، وظنّ أنّ ذلك كفعلتهم بيوسف، ثمّ قال: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا، فصبرٌ جميلٌ، عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا}: أي بيوسف، وأخيه، وروبيل). [جامع البيان: 13/291-292]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا إنّه هو العليم الحكيم (83)
قوله تعالى: قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله: بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا أي: زيّنت لكم أنفسكم أمرًا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: فلمّا جاءوا إلى يعقوب اتّهمهم وظن أنها كفعلتهم بيوسف، ثمّ قال:
بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ
قوله تعالى: فصبرٌ جميلٌ.
- حدّثنا عبد اللّه ثنا الحسين ثنا عامرٌ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ قال: وأقبل النّفر إلى يعقوب فأخبروه الخبر، فبكى وقال: يا بنيّ ما تذهبون من مرّةٍ إلا نقصتم واحدًا، ذهبتم فنقصتم يوسف ثمّ ذهبتم الثّانية فنقصتم يوسف، ثمّ ذهبتم الثّانية فنقصتم شمعون ثمّ ذهبتم الثّالثة فنقصتم بنيامين، وروبيل، فصبرٌ جميلٌ عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا
قوله تعالى: عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا.
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا أبو الجماهر، أنبأ سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قوله: عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا أي: يوسف وأخيه وروبيل.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة عن ابن إسحاق عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا أي بيوسف وأخيه وروبيل.
قوله تعالى: إنّه هو العليم الحكيم.
قد تقدّم تفسيره.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير قوله: الحكيم قال: الحكيم في عذره وحجّته إلى عباده). [تفسير القرآن العظيم: 7/2184]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {واسأل القرية} قال: مصر، وفي قوله {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} قال: بيوسف وأخيه وروبيل). [الدر المنثور: 8/301-302] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج - رضي الله عنه - في قوله {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} قال: بيوسف وأخيه وكبيرهم الذي تخلف). [الدر المنثور: 8/302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي روق - رضي الله عنه - قال: لما حبس يوسف عليه السلام أخاه بسبب السرقة كتب إليه يعقوب عليه السلام: من يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الله إلى يوسف عزيز فرعون أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء إن أبي إبراهيم عليه السلام ألقي في النار في الله فصبر فجعلها الله عليه بردا وسلاما وإن أبي إسحاق عليه السلام قرب للذبح في الله فصبر ففداه الله بذبح عظيم، وإن الله كان وهب لي قرة عين فسلبنيه فأذهب حزنه بصري وأيبس لحمي على عظمي فلا ليلي ليل ولا نهاري نهار والأسير الذي في يديك بما ادعي عليه من السرق أخوه لأمه فكنت إذا ذكرت أسفي عليه قربته مني فيسلي عني بعض ما كنت أجد، وقد بلغني أنك حبسته بسبب سرقة فخل سبيله فإني لم ألد سارقا وليس بسارق والسلام). [الدر المنثور: 8/302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الجلد - رضي الله عنه - قال: قال له أخوه: يا أيها العزيز لقد ذهب لي أخ ما رأيت أحدا أشبه به منك لكأنه الشمس، فقال له يوسف عليه السلام: اسأل إله يعقوب أن يرحم صباك وأن يرد إليك أخاك). [الدر المنثور: 8/302]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:53 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلصوا نجيّاً...}
و[نجوى] قال الله عزّ جلّ {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ} وقوله: {قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم مّوثقاً مّن اللّه ومن قبل ما فرّطتم} (ما) التي مع (فرّطتم) في موضع رفع كأنه قال: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف.
فإن شئت جعلتها نصباً، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبل تفريطكم في يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال: {ومن قبل فرّطتم في يوسف} ). [معاني القرآن: 2/53]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {استيئسوا منه} استفعلوا من يئست.
{خلصوا نجيّاً} أي اعتزلوا نجيّاً يتناجون، والنجى يقع لفظه على الواحد والجميع أيضاً وقد يجمع، فيقال: بجىٌ وأنجية، وقال لبيد:
وشهدت أبجية الأفاقة عالياً= كعبي وأرداف الملوك شهود).
[مجاز القرآن: 1/315]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّاً قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم مّوثقاً مّن اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}
وقال: {خلصوا نجيّاً} فجعل "النجيّ" للجماعة مثل قولك: "هم لي صديق".
وقال: {قال كبيرهم} فزعموا أنه أكبرهم في العقل لا في السن). [معاني القرآن: 2/53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {خلصوا نجيا}؛ أي خلوا وانفردوا؛ {وإذ هم نجوى} من ذلك؛ يقال: نجوت الرجل نجوى طويلة؛ أي ناجيته؛ وقالوا أيضًا: ناجيته نجاء، وأنجيته انتجاء؛ إذا خصصته بمناجاتك.
فيجوز أن يكون قوله {ما يكون من نجوى ثلاثة} يريد المصدر؛ أي ما يكون من مناجاة ثلاثة، على ما ذكرنا من نجوته نجوى.
ويجوز أن يكون "النجوى" هي الثلاثة أنفسها، وتكون الثلاثة عطفا عليها كالوصف؛ والعرب تقول: القوم نجوى، على هذا؛ والقوم أنجية وأنجياء: إذا تناجوا.
وقوله {قال كبيرهم} مثل قوله {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} يريد: معلمكم وإمامكم، ليس في السن؛ وكذلك قال ابن عباس في قوله {قال كبيرهم} في العقل لا في السن، مثله أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 748]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خلصوا نجيا}: اعتزلوا يتناجون يقال هم نجي وهم نجوى وجمع نجي أنجية). [غريب القرآن وتفسيره: 186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه} أي يئسوا. خلصوا نجيًّا أي اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم، يتناجون ويتناظرون ويتسارّون.
يقال: قوم نجيّ، والجميع أنجية.
قال الشاعر:
إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيه =واضطربت أعناقهم كالأرشية
{قال كبيرهم} أي أعقلهم. وهو: شمعون. وكأنه كان رئيسهم. وأما أكبرهم في السن: فروبيل. وهذا قول مجاهد.
وفي رواية الكلبي: كبيرهم في العقل، وهو: يهوذا)[تفسير غريب القرآن: 221-220]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقا من اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}
المعنى خلصوا يتناجون، أي خلصوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم، وليس معهم أخوهم، و " نجيّ " لفظ واحد في معنى جمع، وكذلك {وإذ هم نجوى}.
ويجوز قوم نجيّ وقوم نجوى وقوم أنجية.
قال الشاعر:
إني إذا ما القوم صاروا أنجيه
واختلف القول اختلاف الأرشية
هناك أوصيني ولا توصي بيه
ومعنى خلصوا انفردوا وليس معهم أخوهم.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن قبل ما فرّطتم في يوسف}.
أجود الأوجه أن يكون (ما) لغوا، فيكون المعنى: ومن قبل فرّطتم في يوسف - ويجوز أن يكون ما في موضع رفع، فيكون المعنى ومن قبل تفريطكم في يوسف، أي وقع تفريطكم في يوسف، ويجوز أن يكون (ما) في موضع نصب نسق على (أنّ)، المعنى ألم تعلموا أن أباكم، وتعلموا تفريطهم في يوسف.
(فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي) أي لن أبرح أرض مصر، وإلا فالناس كلهم على الأرض.
{أو يحكم اللّه لي} نسق على {حتّى يأذن}، ويجوز أن يكون " أو " على جواب " لن " المعنى لن أبرح الأرض حتى يحكم اللّه لي). [معاني القرآن: 3/125-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا} أي يئسوا تركوا أخاهم وانفردوا يتناجون كيف يرجعون إلى يعقوب وليس معهم
ثم قال تعالى: {قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله} قيل كبيرهم يهوذا
قال مجاهد هو شمعون وليس بكبيرهم في السن لأن روبيل أكبر منه
يذهب مجاهد إلى أن المعنى قال كبيرهم في العقل ورئيسهم لا كبيرهم في السن وقال قتادة في قوله تعالى: {قال كبيرهم} هو روبيل ذهب إلى أنه كبيرهم في السن والله أعلم بحقيقة ذلك
وقوله تعالى: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي}
يعني أرض مصر لأن كل أحد على الأرض). [معاني القرآن: 3/451-450]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خلصوا نجيا} أي انفردوا، يتناجون ويتناظرون ويتشاورون في أمر أخيهم الذي حبس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اسْتَيْأَسُواْ}: من اليأس
{خَلَصُواْ}: اعتزلوا
{نَجِيًّا}: يتناجون). [العمدة في غريب القرآن: 163]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ ابنك سرق...}
ويقرأ (سر‍ّق) ولا أشتهيها؛ لأنها شاذّة. وكأنه ذهب إلى أنه لا يستحلّ أن يسرّق ولم يسرق: وذكر أن ميمون بن مهران لقي رجاء بن حيوة بمكّة، وكان رجاء يقول: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل. وكان ميمون يقول: ربّ كذبة هي خير من صدق كثير. قال فقال ميمون لرجاء: من كان زميلك؟ قال: رجل من قيس. قال: فلو أنك إذ مررت بالبشر قالت لك تغلب: أنت الغاية في الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كان من قيس قتلناه، فقد علمت ما قتلت قيسٌ منّا، أكنت تقول: من قيس أم من غير قيس؟ قال: بل من غير قيس. قال: فهي كانت أفضل أم الصدق؟ قال الفراء: قد جعل الله عزّ وجلّ للأنبياء من المكايد ما هو أكثر من هذا. والله أعلم بتأويل ذلك.
وقوله: {وما كنّا للغيب حافظين} يقول: لم نكن نحفظ غيب ابنك ولا ندري ما يصنع إذا غاب عنا.
ويقال: لو علمنا أن هذا يكون لم نخرجه معنا). [معاني القرآن: 2/53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وما كنا للغيب حافظين} الغيب: الليل في لغة حمير؛ وهو قول ابن عباس: الغيب الليل؛ لأنه يجن الأشياء ويغيبها بإظلامه؛ فالمعنى كله واحد). [معاني القرآن لقطرب: 748]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما كنّا للغيب حافظين} يريدون: حين أعطيناك الموثق لنأتينّك [به]، أي [لم] نعلم أنه يسرق، فيؤخذ).
[تفسير غريب القرآن: 221]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق وما شهدنا إلّا بما علمنا وما كنّا للغيب حافظين}
{إنّ ابنك سرق} ويجوز سرق، إلا أن سرق آكد في القراءة، وسرّق يكون على ضربين، " سرّق علم أنه سرق، وسرّق اتهم بالسرق). [معاني القرآن: 3/125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق}
وحكي أنه قرئ (سرق)
حدثني محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عثمان بن شبيب قال نا أبو جعفر أحمد بن أبي سريج قالا نا علي بن عاصم عن داو وهود ابن أبي هند عن سعيد بن جبير قال نا ابن عباس يقرؤها يا أبانا إن ابنك سرق
وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال نا ابن شاذان قال نا أحمد بن سريج البغدادي قال سمعت الكسائي يقرأ يا أبانا إن ابنك سرق مرفوعة بالسين
و سرق تحتمل معنيين
أحدهما اتهم بالسرقة
والآخر علم منه السرق
ومعنى بل سولت أي بل زينت). [معاني القرآن: 3/452-451]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وما كنا للغيب حافظين} أي لم نعلم حين أعطيناك العهد أنه يسرق فيؤخذ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكان، عامّ النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الرّيح والبرق والسماء والأرض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به، وأنها قد شملت وعمّت. وليس ذلك بكذب، لأنّهم جميعا متواطئون عليه، والسّامع له يعرف مذهب القائل فيه.
وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظّموه ويستقصوا صفته. ونيّتهم في قولهم: أظلمت الشمس، أي كادت تظلم، وكسف القمر، أي كاد يكسف.
ومعنى كاد: همّ أن يفعل ولم يفعل. وربما أظهروا كاد، قال ابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا:
الرِّيحُ تبكِي شَجْوَهُ = والبرق يَلْمَعُ في غَمَامَه
وقال آخر:
الشَّمسُ طالعةٌ ليست بكاسفةٍ = تبَكي عليكَ نُجومَ اللَّيلِ والقَمَرا
أراد: الشمس طالعة تبكي عليك، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر، لأنّها مظلمة، وإنما تكسف بضوئها، فنجوم الليل بادية بالنهار.
وهذا كقوله النابغة وذكر يوم حرب:
تبدوا كواكبه والشمس طالعة = لا النّور نورٌ ولا الإظلامُ إظلام
ونحوه قول طرفة في وصف امرأة:
إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَد تَمْنَعُهُ = وُتِرِيهِ النَّجْمَ يَجري بالظُّهُر
يقول: تشقّ عليه حتى يظلم نهاره فيرى الكواكب ظهرا.
والعامة تقول: أراني فلانّ الكواكب بالنّهار، إذا برَّح به.
وقال الأعشى:
رجعت لما رمت مستحسرا = ترى للكواكب ظُهْرًا وَبِيصَا
أي: رجعت كئيبا حسيرا، قد أظلم عليك نهارك، فأنت ترى الكواكب تعالي النّهار بريقا.
وقد اختلف الناس في قول الله عز وجل: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}.
فذهب به قوم مذاهب العرب في قولهم: بكته الريح والبرق. كأنه يريد أنّ الله عز وجل حين أهلك فرعون وقومه وغرّقهم وأورث منازلهم
وجنّاتهم غيرهم- لم يبك عليهم باك، ولم يجزع جازع، ولم يوجد لهم فقد.
وقال آخرون: أراد: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلهما، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، أراد أهل القرية.
وقال: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}، أي يضع أهل الحرب السّلاح.
وقال ابن عباس: لكل مؤمن باب في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه الباب، وبكت عليه آثاره في الأرض ومصلّاه. والكافر لا يصعد له عمل،
ولا يبكي له باب في السماء ولا أثره في الأرض). [تأويل مشكل القرآن: 167-170] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من الإنسان، يعني العجلة.
كذلك قال أبو عبيدة.
ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب،
ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم. وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية،
أو لاستقامة وزن البيت.
فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وحذف ومثلنا،
لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة،
كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون).
[تأويل مشكل القرآن: 205-197] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الحذف والاختصار
من ذلك: أن تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه وتجعل الفعل له.
كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} أي سل أهلها.
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حبّه.
و{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج.
وكقوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات). [تأويل مشكل القرآن: 210] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمراً فصبرٌ جميلٌ...}
الصبر الجميل مرفوع لأنه عزّى نفسه وقال: ما هو إلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل،
كما قال الشاعر:
يشكو إليّ جملي طول السّرى =صبراً جميلاً فكلانا مبتلى
وقوله: {فصبرٌ جميلٌ} يقول: لا شكوى فيه إلاّ إلى الله جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 2/54-53]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميلٌ عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعاً إنّه هو العليم الحكيم}
وإنما قال: {عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعاً} لأنه عنى الذي تخلف عنهم معهما وهو كبيرهم في العقل). [معاني القرآن: 2/53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا إنّه هو العليم الحكيم}
أي زيّنت لكم أنفسكم وحببت إليكم أنفسكم.
{فصبر جميل}.
المعنى فأمري صبر جميل أو فصبري صبر جميل، وقد فسرنا هذا فيما سبق من السور). [معاني القرآن: 3/125]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:55 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال سحيم بن وثيل اليربوعي، وأدرك الإسلام:
...
ظلت نساؤهم والقوم أنجية = يعدى عليها كما يعدى على النعم
...
وواحد الأنجية نجي. كما ترى وهم جماعة يتناجون، كما قال تعالى: {خلصوا نجيا} والأنجية: جماعة النجي، كأنهم الجماعات. قال الراجز:
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه
ومنه النجوى: أي الجماعة يتناجون، قال عز وجل: {وإذ هم نجوى} والنجوى أيضا: المناجاة. قال: {وأسروا النجوى} وقال: {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} وأما قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة} فيمكن أن يعني الجماعة، ويمكن المناجاة يحتمل المعنيين، أبو حاتم:
كما يعدى على الغنم). [النوادر في اللغة: 158-160]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال حاتم طيء الجواد:
...
فقد علمت غوث بأنا سراتها = إذا علنت بعد النجي أمورها
«علنت»: ظهرت. و«النجي»: السرار). [النوادر في اللغة: 350] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}

وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ). [المقتضب: 3/175] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قال قائل: فالمضاف والنكرة مخاطبان، كما كان في المفرد المعرفة، وقد كان حقهما أن يخبر عنهما، ولا يخاطبا.
قيل له: قد علمنا أن المضاف معرفة بالمضاف إليه، كما كان قبل النداء والنكرة في حال النداء؛ كما كان قبل ذلك.
وزيد وما أشبهه في حال النداء معرفة بالإشارة منتقل عنه ما كان قبل ذلك فيه من التعريف.
ألا ترى أنك تقول إذا أردت المعرفة: يا رجل أقبل. فإنما تقديره: يا أيها الرجل أقبل، وليس على معنى معهود، ولكن حدثت فيه إشارة النداء، فلذلك لم تدخل فيه الألف واللام، وصار معرفة بما صارت به المبهمة معارف.
والمبهمة مثل: هذا، وذاك، وهذه، وتلك، وأولئك وذاك، وذاكن، وذلكن. إلا أنك إذا ناديته فهو معرفة بالإشارة؛ كما كانت هذه الأسماء، غير أنه مخاطب، وهي مخبر عنها. فهذا يوضح لك أمر الواحد المفرد.
ومع ذلك أن المضاف تمنعه الإضافة من البناء: كما كان ذلك في قبل، وبعد، وأمس، وما أشبههن.
تقول: ذهب أمس بما فيه، وقد ذهب أمسنا، وكذلك تقول: جئت من قبل، ومن بعد يا فتى.
فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}
وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ). [المقتضب: 4/205-206] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
طاوعته بعدما طال النجي بنا
يريد المناجاة، فأخرجه على لفظ: "فعيل"، ونظيره من المصادر الصهيل، والنهيق، الشحيج، ويقال: شب الفرس شبيبًا، ولذلك كان "النجي" يقع على الواحد والجماعة نعتًا، كما تقول: امرأة عدلٌ ورجل عدلٌ وقوم عدلٌ: لأنه مصدر قال الله عز وجل: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}، أي مناجيًا، وقال للجماعة: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} أي متناجين). [الكامل: 1/369] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
حمال ألوية شهاد أندية = قوال محكمة جواب آفاق
...
وروي شهاد أنجية يعني المجالس، التي يتناجى فيها، أي يتسار، والمناجاة السرار ومنه {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم} أي: تساررتم، ومنه الحديث: ((لا يتناج اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه))، ومنه: {وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم}، ومنه {خلصوا نجيًا} وأنجية جمع نجي). [شرح المفضليات: 14-15] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
ألا إن نجواك في ثادقٍ = سواء علي وإعلانها
النجوى: السر وقد ناجى فلان فلانًا إذا ساره يناجيه مناجاةً ونجاءً، ومنه قول الله تعالى: {فلما استيئسوا منه خلصوا نجيًا} أي: يتساورون فيما بينهم). [شرح المفضليات: 721]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) }

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما جاء على اتّساع الكلام والاختصار قوله تعالى جدّه: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} إنّما يريد أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كما كان عاملاً في الأهل لو كان ها هنا.
ومثله: {بل مكر الليل والنهار} وإنّما المعنى بل مكركم في الليل والنهار. وقال عزّ وجلّ: {ولكن البر من آمن بالله} وإنّما هو ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله واليوم الآخر.
ومثله في الاتّساع قوله عزّ وجلّ: {ومثل الّذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} فلم يشبّهوا بما ينعق وإنّما شبّهوا بالمنعوق به. وإنّما المعنى مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع. ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى). [الكتاب: 1/212]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب أسماء القبائل والأحياء وما يضاف إلى الأب والأم
أما ما يضاف إلى الآباء والأمهات فنحو قولك هذه بنو تميمٍ وهذه بنو سلولٍ ونحو ذلك
فإذا قلت هذه تميمٌ وهذه أسدٌ وهذه سلولٌ فإنما تريد ذلك المعنى غير أنك إذا حذفت حذفت المضاف تخفيفاً كما قال عز وجل: {واسأل القرية} ويطؤهم الطريق وإنما يريدون أهل القرية وأهل الطريق وهذا في كلام العرب كثير فلما حذفت المضاف وقع على المضاف إليه ما يقع على المضاف لأنه صار في مكانه فجرى مجراه وصرفت تميماً وأسداً لأنك لم تجعل واحداً منهما اسماً للقبيلة فصارا في الانصراف على حالهما قبل أن تحذف المضاف ألا ترى أنك لو قلت اسأل واسطاً كان في الانصراف على حاله إذا قلت أهل واسطٍ فأنت لم تغير ذلك المعنى وذلك التأليف إلا أنك حذفت وإن شئت قلت هؤلاء تميمٌ وأسدٌ لأنك تقول هؤلاء بنو أسدٍ وبنو تميم فكما أثبت اسم الجميع ههنا أثبت هنالك اسم المؤنث يعني في هذه تميمٌ وأسدٌ). [الكتاب: 3/246-247]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (أنشدني المفضل لرجل من بني ضبة هلك منذ أكثر من مائة سنة:
...
أعرف منها الأنف والعينانا = ومنخران أشبها ظبيانا
ضبيان اسم رجل، أراد: منخري ظبيان، فحذف. كما قال تعالى: {واسأل القرية} يريد أهل القرية). [النوادر في اللغة: 168]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

فما برحت في الناس حتى تبينت = ثقيفا بزيزاء الأشاء قبابها
...
و(قبابها) يريد أصحاب القباب وأهلها، فجعل الفعل للقباب، كقولك: (قام إلى المجلس)، تريد أهل المجلس، ومنه قول الله جل وعز: {واسأل القرية}، إنما يسأل أهل القرية). [شرح أشعار الهذليين: 1/47]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
ألا ليت جيش العير لاقوا كتيبة = ثلاثين منا صرع ذات الحفائل
(العير) الحمار). [شرح أشعار الهذليين: 2/683] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت = فإنما هـي إقـبـالٌ وإدبـار
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:
وكيف تواصل من أصبحت = خلالته كأبـي مـرحـب
يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل
واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/230-232]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب تسمية السور والبلدان
أما قولك: هذه هودٌ، وهذه نوحٌ، فأنت مخير: إن أردت هذه سورة نوح، وهذه سورة هود، فحذفت سورة على مثال ما حذف من قوله عز وجل: {واسأل القرية} فمصروف. تقول: هذه هودٌ، وهذه نوحٌ. وإن جعلت واحداً منهما اسماً للسورة لم تصرفه في قول من رأى ألا يصرف زيدا إذا كان اسماً لامرأة. هذا في هود خاصةً. وأما نوح فإنه اسمٌ أعجميٌّ لا ينصرف إذا كان اسماً لمؤنث، كما ذكرت لك قبل هذا. فأما يونس، وإبراهيم فغير مصروفين، للسورة جعلتهما أو للرجلين؛ للعجمة. ويدلك على ذلك أنك إذا قلت: هذه يونس أنك تريد: هذه سورة يونس، فحذفت؛ كما أنك تقول: هذه الرحمن.
وأما حاميم فإنه اسمٌ اعجميٌّ لا ينصرف، للسورة جعلته أو للحرف؛ ولا يقع مثله في أمثلة العرب. لا يكون اسم على فاعيل. فإنما تقديره تقدير: هابيل. وكذلك طس، ويس فيمن جعلهما اسماً؛ كما قال لما جعله اسماً للسورة:
يذكرني حاميم والرمح شاجرٌ = فهلا تلا حاميم قبل التقـدم
وقال الكميت:
وجدنا لكم في آل حاميم آيةً = تأولها منا تقيٌّ ومعـرب
وأما فواتح السور فعلى الوقف؛ لأنها حروفٌ مقطعة؛ فعلى هذا تقول: {الم * ذلك} و{حم والكتاب} لأن حق الحروف في التهجي التقطيع؛ كما قال:
أقبلت من عند زيادٍ كالخرف = تخط رجلاي بخطٍّ مختلـف
تكتبان في الطريف لامَ الِف
فهذا مجاز الحروف. فأما نون في قولك: قرأت نوناً يا فتى، فأنت مخير: إن أردت سورة نون، وجعلته اسماً للسورة جاز فيه الصرف فيمن صرف هندا، وتدع ذلك في قول من لم يصرفها. وكذلك صاد، وقاف. وهذه الأسماء التي على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إنما هي بمنزلة امرأة سميتها دارا). [المقتضب: 3/355-357]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قولهم: الليلة الهلال، ولا يجوز الليلة زيد؛ لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث، وإنما استقام هذا؛ لأن فيه معنى الحدوث. إنما يريد: الليلة يحدث الهلال. فللمعنى صلح.
ولو قلت: الليلة الهلال كان جيداً. تريد: الليلة ليلة الهلال، فلما حذفت ليلة أقمت الهلال مقامها. مثل قول الله عز وجل: {واسأل القرية}. تريد أهل القرية). [المقتضب: 4/351]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال العجاج:
ناج طواه لأين مما وجفا = طي الليالي: زلفاٌ فزلفا
سماوة الهلال حتى احقوقفا
ناج: سريع، والأين: الإعياء. والوجيف: ضرب من السير. ونصب "طي الليالي" لأنه مصدر من قوله: "طواه الأين"، وليس بهذا الفعل، ولكن تقدير طواه الأين طياٌ مثل طي الليالي، كما تقول: زيد يشرب شرب الإبل، إنما التقدير يشرب شرباٌ مثل الإبل، "فمثل" نعت، ولكن إذا حذفت المضاف استغنى بأن الظاهر يبينه، وقام أضيف إليه مقامه في الإعراب، من ذلك قول الله تبارك تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} نصب لأنه كان: "واسأل أهل القرية". وتقول:
بنو فلان يطؤهم الطريق، تريد أهل الطريق فحذفت " أهل " فرفعت " الطريق " لأنه في موضع، فعلى هذا فقس إن شاء الله). [الكامل: 1/197-198]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: "حين يؤم حجًّا" فيكون الحجّ جمع حاجّ، كما يقال: تاجرٌ وتجرٌ، وراكبٌ وركبٌ، قال العجّاج:
بواسطٍ أكرم دارٍ دارا = والله سمّى نصرك الأنصارا
فأخرجه على "ناصر ونصر"، قال: ويجوز أن يكون حجّ أصحاب حجّ، كما قال الله عزّ وجل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، يريد: أهلها). [الكامل: 2/667]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قول الله عز وجل: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك}
...
وقال آخرون: معنى الآية: إني أريد بطلان أن تبوء بإثمي وإثمك، فحذف البطلان أو الزوال أو الدفع أو ما أشبههن وأقام (أن) مقام الساقط كما، قال: {واسأل القرية}.
قال أبو بكر: وفي هذا القول عندي بعد؛ لأن المحذوف ليس بمشهور ولا بين الموضع، فالقول الأول هو المختار عندنا لما مضى من الاحتجاج له وإقامة الدليل عليه. والله أعلم). [كتاب الأضداد: 314] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
نرجو فواضل رب سيبه حسن = وكل خير لدبه فهو مقبول
ويروى: ترجو تذهب إلى الإبل، والمعنى على أصحابها، كما قال عز ذكره: {واسأل القرية} أي: أهلها). [شرح المفضليات: 286]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
هلا سألت الخيل إذ قلصت = ما كان إبطائي وإسراعي
قال الضبي: قلصت يعني الخصى، قال: ويزعمون أن الجبان ساعة يفزع تقلص خصيتاه.، روى عامر: هلا سألت القوم إذ قلصت، ورواها أحمد: فسائلي الأحلاف إذ قلصت. ومن روى الخيل أراد أصحاب الخيل كقول الله عز وجل: {واسأل القرية}، أي: أصحاب القرية). [شرح المفضليات: 571]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
وبنو رواحة ينظرون إذا = نظر الندي بآنفٍ خثم
قال الضبي: النادي والندي المجلس وأراد ههنا أهل الندي كقوله جل وعز: {وتأتون في ناديكم المنكر} وهو مجلسهم. وقال عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} أي: سل أهل القرية وأهل العير). [شرح المفضليات: 718] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:56 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:57 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 05:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلما استيأسوا منه} الآية. يقال: يئس واستيأس بمعنى واحد، كما يقال: سخر واستسخر، ومنه قوله تعالى: "يستسخرون"، وكما يقال: عجب واستعجب، ومنه قول أوس بن حجر:
[المحرر الوجيز: 5/128]
ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم
ومنه: نوك واستنوك، وعلى هذا يجيء قول الشاعر في بعض التأويلات:
... ... ... ....
واستنوكت وللشباب نوك.
وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير: "استايسوا" و"لا تايسوا" و"لا يايس" و"حتى إذا استايس الرسل"، أصله: استأيسوا "استفعلوا" من "أيس" على قلب الفعل من "يئس" إلى "أيس"، وليس هذا كجذب وجبذ، بل هذان أصلان والأول قلب، دل على ذلك أن المصدر من "يئس وأيس" واحد وهو "اليأس"، ولجذب وجبذ مصدران.
وقوله تعالى: {خلصوا نجيا} معناه: انفردوا عن غيرهم يناجي بعضهم بعضا، والنجي لفظ يوصف به من له نجوى، واحدا أو جماعة، أو مؤنثا أو مذكرا، فهو مثل عدو وعدل، وجمعه أنجية، قال لبيد:
[المحرر الوجيز: 5/129]
وشهدت أنجية الأفاقة عاليا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
و"كبيرهم" قال مجاهد: هو شمعون؛ لأنه كان كبيرهم رأيا وتدبيرا وعلما، وإن كان روبيل أسنهم، وقال قتادة: هو روبيل لأنه أسنهم، وهذا أظهر ورجحه الطبري، وقال السدي: معنى الآية: وقال كبيرهم في العلم، وذكرهم أخوهم الميثاق في قول يعقوب: لتأتنني به إلا أن يحاط بكم.
وقوله: {ما فرطتم}، يصح أن تكون "ما" صلة في الكلام لا موضع لها من الإعراب، ويصح أن تكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر قوله: {في يوسف}، كذا قال أبو علي، ولا يجوز أن يكون قوله: {من قبل} متعلقا بـ {ما فرطتم}، وإنما تكون -على هذا- مصدرية، التقدير: "من قبل تفريطكم في يوسف واقع أو مستقر"، وبهذا المقدر يتعلق قوله: {من قبل}. ويصح أن تكون في موضع نصب عطفا، على أن التقدير: "وتعلموا تفريطكم" أو "وتعلموا الذي فرطتم"، فيصح -على هذا الوجه- أن تكون بمعنى الذي، ويصح أن تكون مصدرية.
وقوله تعالى: {فلن أبرح الأرض}، أراد أرض القطر والموضع الذي ناله فيه المكروه المؤدي إلى سخط أبيه، والمقصد بهذا اللفظ التحريج على نفسه والتزام التضييق، كأنه سجن نفسه في ذلك القطر ليبلي عذرا.
وقوله: {أو يحكم الله لي} لفظ عام بجميع ما يمكن أن يرده من القدر كالموت أو
[المحرر الوجيز: 5/130]
النصرة وبلوغ الأمل، وغير ذلك، وقال أبو صالح: أو يحكم الله لي بالسيف، ونصب "يحكم" بالعطف على "يأذن"، ويجوز أن تكون "أو" في هذا الموضع بمعنى "إلا أن"، كما تقول: "لألزمنك أو تقضيني حقي"، فتنصب على هذا "يحكم" بـ"أو".
وروي أنهم لما وصلوا إلى يعقوب بكى وقال: "يا بني، ما تذهبون عني مرة إلا نقصتم، ذهبتم فنقصتم يوسف، ثم ذهبتم فنقصتم شمعون حيث ارتهن، ثم ذهبتم فنقصتم بنيامين وروبيل "). [المحرر الوجيز: 5/131]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم}
الأمر بالرجوع قيل: هو من قول كبيرهم، وقيل: بل هو من قول يوسف لهم، والأول أظهر، وقرأ الجمهور: "سرق" على تحقيق السرقة على "يامين" بحسب ظاهر الأمر، وقرأ ابن عباس، وأبو رزين: "سرق" بضم السين وكسر الراء وتشديدها، وكأن هذه القراءة لهم تحر ولم يقطعوا عليه بسرقة، وإنما أرادوا: جعل سارقا بما ظهر من الحال، ورويت هذه القراءة عن الكسائي، وقرأ الضحاك: "إن ابنك سارق" بالألف وتنوين القاف، ثم تحروا بعد -على القراءتين- في قولهم: {وما شهدنا إلا بما علمنا}، أي: وقولنا لك: {إن ابنك سرق} إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى، والعلم في الغيب إلى الله، ليس في ذلك حفظنا، هذا قول ابن إسحاق.
وقال ابن زيد: قولهم: {وما شهدنا إلا بما علمنا} أرادوا به: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق في شرعك إلا بما علمنا من ذلك، وما كنا للغيب حافظين أن السرقة تخرج من رحل أحدنا، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة، فشهدنا عنده -حين سألنا- بعلمنا. وقرأ الحسن: "وما شهدنا عليه إلا بما علمنا" بزيادة "عليه".
[المحرر الوجيز: 5/131]
ويحتمل قوله: {وما كنا للغيب حافظين} أي حين واثقناك إنما قصدنا ألا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه، وروي أن معنى "للغيب" أي: لليل، والغيب: الليل بلغة حمير، فكأنهم قالوا: وما شهدنا عندك إلا بما علمناه من ظاهر حاله، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو أو التدليس عليه). [المحرر الوجيز: 5/132]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم استشهدوا بأهل القرية التي كانوا فيها، وهي مصر، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وهذا مجاز، والمراد أهلها، وكذلك قوله: "والعير"، هذا قول الجمهور وهو الصحيح، وحكى أبو المعالي في التلخيص عن بعض المتكلمين أنه قال: هذا من الحذف وليس من المجاز، وإنما المجاز لفظة تستعار لغير ما هي له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وحذف المضاف هو عين المجاز وعظمه، هذا مذهب سيبويه وغيره من أهل النظر، وليس كل حذف مجازا، ورجح أبو المعالي في هذه الآية أنه مجاز، وحكى أنه قول الجمهور أو نحو هذا، وقالت فرقة: بل أحالوه على سؤال الجمادات والبهائم حقيقة، ومن حيث هو نبي فلا يبعد أن تخبره بالحقيقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا وإن جوز فبعيد، والأول أقوى.
وهنا كلام مقدر يقتضيه الظاهر، تقديره: فلما قالوا هذه المقالة لأبيهم قال: بل سولت، وهذا على أن يتصل كلام كبيرهم إلى هنا، ومن يرى أن كلام كبيرهم تم في قوله: {إن ابنك سرق} فإنه يجعل الكلام هنالك تقديره: فلما رجعوا قالوا: إن ابنك سرق الآية، والظاهر أن قوله: {بل سولت لكم أنفسكم أمرا} إنما هو ظن سيئ بهم، كما كان في قصة يوسف قبل، فاتفق أن صدق ظنه هناك ولم يتحقق هنا). [المحرر الوجيز: 5/132]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و{سولت} معناه: زينت وخيلت وجعلته سولا، والسول: ما يتمناه الإنسان ويحرص عليه.
[المحرر الوجيز: 5/132]
وقوله: {فصبر جميل} إما ابتداء وخبره: أمثل أو أولى، وحسن الابتداء بالنكرة من حيث وصفت. وإما خبر ابتداء تقديره: فأمري، أو شأني، أو صبري صبر جميل، وهذا أليق بالنكرة، أن تكون خبرا، ومعنى وصفه بالجمال أنه ليس فيه شكوى إلى بشر ولا ضجر بقضاء الله تعالى.
ثم ترجى عليه السلام من الله أن يجبرهم عليه، وهم: يوسف ويامين وروبيل الذي لم يبرح الأرض، ورجاؤه هذا من جهات:
إحداها: الرؤيا التي رأى يوسف، فكان يعقوب ينتظرها. والثانية: حسن ظنه بالله تعالى في كل حال. والثالثة: ما أخبروه به عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه،فوقع له -من هنا- تحسس ورجاء، والوصف بالعلم والإحكام لائق بما يرجوه من لقاء بنيه، وفيها تسليم لحكمة الله تعالى في جميع ما جرى عليه). [المحرر الوجيز: 5/133]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:32 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيًّا قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين (80) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنّا للغيب حافظين (81) واسأل القرية الّتي كنّا فيها والعير الّتي أقبلنا فيها وإنّا لصادقون (82)}
يخبر تعالى عن إخوة يوسف: أنّهم لمّا يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين، الّذي قد التزموا لأبيهم بردّه إليه، وعاهدوه على ذلك، فامتنع عليهم ذلك، {خلصوا} أي: انفردوا عن النّاس {نجيًّا} يتناجون فيما بينهم.
{قال كبيرهم} وهو روبيل، وقيل: يهوذا، وهو الّذي أشار عليهم بإلقائه في البئر عندما همّوا بقتله، قال لهم: {ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من اللّه} لتردنّه إليه، فقد رأيتم كيف تعذّر عليكم ذلك مع ما تقدّم لكم من إضاعة يوسف عنه، {فلن أبرح الأرض} أي: لن أفارق هذه البلدة، {حتّى يأذن لي أبي} في الرّجوع إليه راضيًا عنّي، {أو يحكم اللّه لي} قيل: بالسّيف. وقيل: بأن يمكّنني من أخذ أخي، {وهو خير الحاكمين}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 403-404]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع، حتّى يكون عذرًا لهم عنده ويتنصّلوا إليه، ويبرءوا ممّا وقع بقولهم.
وقوله: {وما كنّا للغيب حافظين} قال عكرمة وقتادة: ما [كنّا] نعلم أنّ ابنك سرق.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: ما علمنا في الغيب أنّه يسرق له شيئًا، إنّما سألنا ما جزاء السّارق؟). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 404]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واسأل القرية الّتي كنّا فيها} قيل: المراد مصر. قاله قتادة، وقيل: غيرها، {والعير الّتي أقبلنا فيها} أي: الّتي رافقناها، عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا، {وإنّا لصادقون} فيما أخبرناك به، من أنّه سرق وأخذوه بسرقته). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 404]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا إنّه هو العليم الحكيم (83) وتولّى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيمٌ (84) قالوا تاللّه تفتأ تذكر يوسف حتّى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين (85) قال إنّما أشكو بثّي وحزني إلى اللّه وأعلم من اللّه ما لا تعلمون (86)}
قال لهم كما قال لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدمٍ كذبٍ: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ}
قال محمّد بن إسحاق: لمّا جاءوا يعقوب وأخبروه بما يجري اتّهمهم، وظنّ أنّها كفعلتهم بيوسف {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ}.
وقال بعض النّاس: لمّا كان صنيعهم هذا مرتّبًا على فعلهم الأوّل، سحب حكم الأوّل عليه، وصحّ قوله: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ}
ثمّ ترجّى من اللّه أن يردّ عليه أولاده الثّلاثة: يوسف وأخاه بنيامين، وروبيل الذي أقام بديار مصر ينتظر أمر اللّه فيه، إمّا أن يرضى عنه أبوه فيأمره بالرّجوع إليه، وإمّا أن يأخذ أخاه خفيةً؛ ولهذا قال: {عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعًا إنّه هو العليم} أي: العليم بحالي، {الحكيم} في أفعاله وقضائه وقدره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 404-405]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة