العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (67) إلى الآية (69) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (67) إلى الآية (69) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:01 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث بن نبهان، عن أيّوب، عن رجلٍ، عن مسروقٍ أو غيره، عن عائشة زوج النّبيّ قالت: من زعم أنّ محمّدًا رأى ربّه فقد أعظم على اللّه الفرية، وقال الله لمحمدٍ: {ما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلا وحيًا}، حتّى ختم الآية، ومن زعم أنّ محمّدًا كتم شيئًا من الوحي فقد أعظم على الله الفرية، وقال الله: {يا أيها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك}، حتّى ختم الآية، ومن زعم أنّه يعلم ما في غدٍ، فقد أعظم على اللّه الفرية، وقال اللّه: {قل لا يعلم من في السّموات والأرض الغيب إلا اللّه وما يشعرون أيّان يبعثون}). [الجامع في علوم القرآن: 1/78-79] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن مجاهدٍ {يا أيها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك} قال: يا ربّ إنّما أنا وحدي وأخاف أن يجتمع عليّ النّاس فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [الآية: 67]). [تفسير الثوري: 104]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحارث بن عبيد الإيادي، عن سعيد بن إياس الجريري، عن عبد اللّه بن شقيق، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يحرس، فنزلت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من الناس}، فأخرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم رأسه من القّبّة، فقال: ((أيّها النّاس، انصرفوا، فقد عصمني الله من الناس)) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1503-1504]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} [المائدة: 67]
- حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: «من حدّثك أنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئًا ممّا أنزل اللّه عليه، فقد كذب» ، واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} [المائدة: 67] الآية). [صحيح البخاري: 6/52]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك)
ذكر فيه طرفًا من حديث عائشة من حدّثك أنّ محمّدًا كتم شيئًا ممّا أنزل اللّه عليه فقد كذب وسيأتي بتمامه مع كمال شرحه في كتاب التّوحيد إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/275]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} (المائدة: 67)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {يا أيها الرّسول} الآية، ذكر الواحدي من حديث الحسن بن محمّد قال: حدثنا عليّ بن عبّاس عن الأعمش وأبي الحجاف عن عطيّة عن أبي سعيد، قال: نزلت هذه الآية: {يا أيها الرّسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقال مقاتل: قوله: {بلغ ما أنزل إليك} وذلك أن النّبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدّعاء فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمّد أن نتخذك حنانا كما اتّخذت النّصارى عيسى عليه الصّلاة والسّلام، حنانا؟ فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سكت عنهم، فحرض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على الدّعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إيّاه واستهزاؤهم به عن الدّعاء، وقال الزّمخشريّ: نزلت هذه الآية بعد أحد، وذكر الثّعلبيّ عن الحسن: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما بعثني الله عز وجل برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من النّاس من يكذبني، وكان يهاب قريشًا واليهود والنّصارى، فنزلت، وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصّفة، وقيل: في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضا بعض المؤمنين، فكان النّبي صلى الله عليه وسلم، يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم له، فنزلت: وقيل: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاريّ. وقيل: {بلغ ما أنزل إليك} أي: في أمر نسائك، وقال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن حسين معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلمّا نزلت هذه الآية أخذ بيد عليّ، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقيل: بلغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلمّا نزلت هذه الآية خطب صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع ثمّ قال: اللّهمّ هل بلغت؟ وعند الجوزيّ: بلغ ما أنزل إليك من الرّجم والقصاص.

- حدّثنا محمّد بن يوسف حدّثنا سفيان عن إسماعيل عن الشّعبيّ عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت من حدّثك أنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا ممّا أنزل عليه فقد كذب والله يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ومحمّد بن يوسف هو الفريابيّ صرح به أبو نعيم وسفيان هو الثّوريّ وإسماعيل هو ابن أبي خالد البجليّ الكوفي، والشعبيّ هو عامر، ومسروق هو ابن الأجدع. والحديث أخرجه البخاريّ مطولا ومختصرا وأخرجه في التّوحيد مقطعا. وأخرجه مسلم في الإيمان عن ابن نمير وغيره. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن أحمد بن منيع وعن ابن أبي عمرو. وأخرجه النّسائيّ فيه عن محمّد بن المثنى مطولا. وفيه الزّيادة، وأخرجه عن آخرين أيضا). [عمدة القاري: 18/206]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} [المائدة: 67]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يا أيها الرسول بلغ}) جميع ({ما أنزل إليك من ربك}) [المائدة: 67] إلى كافة الناس مجاهرًا به غير مراقب أحدًا ولا خائف مكروهًا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم: لما نزلت يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك قال: يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ؟ فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} أي فإن أهملت شيئًا من ذلك فما بلغت رسالته لأن ترك إبلاغ البعض محبط للباقي لأنه ليس بعضه أولى من بعض وبهذا تظهر المغايرة بين الشرط والجزاء.
قال ابن الحاجب: الشرط والجزاء إذا اتحدا كان المراد بالجزاء المبالغة فوضع قوله فما بلغت رسالته موضع أمر عظيم أي: فإن لم تفعل فقد ارتكبت أمرًا عظيمًا.
وقال في الانتصاف قال: وإن لم تفعل ولم يقل وإن لم تبلغ ليتغايرًا لفظًا وإن اتحدا معنى وهي أحسن بهجة من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء، وهذا من محاسن علم البيان وقدّر المضاف وهو قوله جميع ما أنزل لأنه صلوات الله وسلامه عليه كان مبلغًا، فعلى هذا فائدة الأمر المبالغة والكمال يعني ربما أتاك الوحي بما تكره أن تبلغه خوفًا من قومك فبلغ الكل ولا تخف.
وقال الراغب فيما حكاه الطيبي فإن قيل: كيف قال وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وذلك كقولك إن لم تبلغ فما بلغت قيل: معناه وإن لم تبلغ كل ما أنزل إليك تكون في حكم من لم يبلغ شيئًا مما أنزل الله بخلاف ما قالت الشيعة، إنه قد كتم أشياء على سبيل التقية. وعن بعض الصوفية ما يتعلق به مصالح العباد وأمر بإطلاعهم عليه فهو منزه عن كتمانه، وأما ما خص به من الغيب ولم يتعلق به مصالح أمته فله بل عليه كتمانه.
- حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: من حدّثك أنّ محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- كتم شيئًا ممّا أنزل عليه فقد كذب واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك} الآية.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد البجلي الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: من حدثك أن محمدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- كتم شيئًا مما أنزل عليه) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الكشميهني مما أنزل الله عليه (فقد كذب والله يقول {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك} الآية) وسقط لفظ من ربك لغير أبي ذر.
وفي الصحيحين عنها: لو كان محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- كاتمًا شيئًا لكتم هذه الآية {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفًا كما ثبت في صحيح مسلم.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف هنا مختصرًا وفي مواضع أخر مطولًا، ومسلم في كتاب الإيمان، والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طريق عن الشعبي). [إرشاد الساري: 7/106]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحارث بن عبيدٍ، عن سعيدٍ الجريريّ، عن عبد الله بن شقيقٍ، عن عائشة، قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية: {واللّه يعصمك من النّاس} فأخرج رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم رأسه من القبّة، فقال لهم: يا أيّها النّاس انصرفوا فقد عصمني اللّه. حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، بهذا الإسناد نحوه.
هذا حديثٌ غريبٌ وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريريّ، عن عبد الله بن شقيقٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس ولم يذكروا فيه عن عائشة). [سنن الترمذي: 5/101]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ}
- أخبرني إبراهيم بن يعقوب، حدّثنا جعفر بن عونٍ، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، عن مسروقٍ، عن عائشة، قالت: ثلاثٌ من قال واحدةً منهنّ فقد أعظم على الله الفرية: من زعم أنّه يعلم ما في غدٍ، والله يقول: {وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا} [لقمان: 34]، ومن زعم أنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئًا من الوحي والله يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} [المائدة: 67]، ومن زعم أنّ محمّدًا رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير} [الأنعام: 103]، {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه الله إلّا وحيًا أو من وراء حجابٍ} [الشورى: 51] فقلت: يا أمّ المؤمنين، ألم يقل: {ولقد رآه نزلةً أخرى} [النجم: 13]، {ولقد رآه بالأفق المبين} [التكوير: 23] ؟ فقالت: سألنا عن ذلك نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «رأيت جبريل ينزل من الأفق على خلقه وهيئته، أو على خلقه وصورته سادًّا ما بينهما»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/83]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (حدثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال يا محمد من يمنعك مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يمنعني منك ضع السيف فوضعه فأنزل الله عز وجل والله يعصمك من الناس). [تفسير مجاهد: 200-201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وهذا أمرٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، بإبلاغ هؤلاء اليهود والنّصارى من أهل الكتابين الّذين قصّ اللّه تعالى قصصهم في هذه السّورة وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم واجتراءهم على ربّهم وتوثّبهم على أنبيائهم وتبديلهم كتابه وتحريفهم إيّاه ورداءة مطاعمهم ومآكلهم؛ وسائر المشركين غيرهم، ما أنزل عليه فيهم من معايبهم والأزراء عليهم والتّقصير بهم والتّهجين لهم، وما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن لا يشعر نفسه حذرًا منهم أن يصيبوه في نفسه بمكروهٌ، ما قام فيهم بأمر اللّه، ولا جزعًا من كثرة عددهم وقلّة عدد من معه، وأن لا يتّقي أحدًا في ذات اللّه، فإنّ اللّه تعالى كافيه كلّ أحدٍ من خلقه، ودافعٌ عنه مكروه كلّ من ينغي مكروهه. وأعلمه تعالى ذكره أنّه إن قصّر عن إبلاغ شيءٍ ممّا أنزل إليه إليهم، فهو في تركه تبليغ ذلك وإن قلّ ما لم يبلّغ منه، فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذّنب بمنزلته لو لم يبلّغ من تنزيله شيئًا.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} يعني: إن كتمت آيةً ممّا أنزل عليك من ربّك، لم تبلّغ رسالتي.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية، أخبر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سيكفيه النّاس ويعصمه منهم، وأمره بالبلاغ، ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قيل له: لو احتجبت. فقال: واللّه لأبدينّ عقبي للنّاس ما صاحبتهم.
- حدّثني الحارث بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، قال: لمّا نزلت: {بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} قال: إنّما أنا واحدٌ، كيف أصنع؟ تجتمع عليّ النّاس فنزلت: {وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} الآية.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن ثعلبة، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا نزلت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تحرسوني إنّ ربّي قد عصمني.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يعتقبه ناسٌ من أصحابه، فلمّا نزلت: {واللّه يعصمك من النّاس} خرج فقال: يا أيّها النّاس، الحقوا بملاحقكم، فإنّ اللّه قد عصمني من النّاس.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن عاصم بن محمّدٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتحارسه أصحابه، فأنزل اللّه: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} إلى آخرها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الإياديّ، قال: حدّثنا سعيدٌ الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن عائشة، قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس، حتّى نزلت هذه الآية: {واللّه يعصمك من النّاس} قالت: فأخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رأسه من القبّة، فقال: أيّها النّاس انصرفوا، فقد عصمني الله.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن القرظيّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما زال يحرس حتّى أنزل اللّه: {واللّه يعصمك من النّاس}
واختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله نزلت هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت بسبب أعرابيٍّ كان همّ بقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكفاه اللّه إيّاه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وغيره، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرةً ظليلةً، فيقيل تحتها، فأتاه أعرابيٌّ، فاخترط سيفه ثمّ قال: من يمنعك منّي؟ قال: اللّه. فرعدت يد الأعرابيّ، وسقط السّيف منه. قال: وضرب برأسه الشّجرة حتّى انتثر دماغه، فأنزل اللّه: {واللّه يعصمك من النّاس}.
وقال آخرون: بل نزلت لأنّه كان يخاف قريشًا، فأومن من ذلك.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يهاب قريشًا، فلمّا نزلت: {واللّه يعصمك من النّاس} استلقى ثمّ قال: من شاء فليخذلني مرّتين أو ثلاثًا.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن ابن أبي خالدٍ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، قال: قالت عائشة: من حدّثك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتم شيئًا من الوحي فقد كذب. ثمّ قرأت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن المغيرة، عن الشّعبيّ، قال: قالت عائشة: من قال إنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم كتم، فقد كذب وأعظم الفرية على اللّه، قال اللّه: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، قال: قالت عائشة: من زعم أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم كتم شيئًا من كتاب اللّه فقد أعظم على اللّه الفرية، واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني خالدٌ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن محمّد بن الحميم، عن مسروق بن الأجدع، قال: دخلت على عائشة يومًا، فسمعتها تقول: لقد أعظم الفرية من قال: إنّ محمّدًا كتم شيئًا من الوحي، واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك}.
ويعني بقوله: {واللّه يعصمك من النّاس} يمنعك من أن ينالوك بسوءٍ، وأصله من عصام القربة، وهو ما توكأ به من سير وخيطٍ، ومنه قول الشّاعر:.
وقلت عليكم مالكًا إنّ مالكًا = سيعصمكم إن كان في النّاس عاصم
يعني: يمنعكم.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين} فإنّه يعني: إنّ اللّه لا يوفّق للرّشد من حاد عن سبيل الحقّ وجار عن قصد السّبيل وجحد ما جئته به من عند اللّه، ولم ينته إلى أمر اللّه وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه). [جامع البيان: 8/567-572]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين (67)
قوله تعالى: يا أيّها الرّسول
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: يا أيّها الرّسول يقول: يا محمّد.
قوله تعالى: بلّغ ما أنزل إليك من ربّك
- حدّثنا أبي ثنا عثمان بن حرزاد، ثنا إسماعيل بن زكريّا، ثنا عليّ بن عابسٍ عن الأعمش ابنى الحجاب، عن عطيّة العوفيّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال:
نزلت هذه الآية يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في عليّ بن أبي طالبٍ.
- قرأت على محمّدٍ، ثنا محمّد عن بكير بن معروفٍ عن مقاتلٍ يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك يقول: بلّغ ما أرسلت به، يحرّضه على أن يبلّغ الرّسالة عن ربّه.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبّادٌ عن هارون بن عنترة عن أبيه قال: كنت عند ابن عبّاسٍ فجاءه رجلٌ فقال: إنّ ناسًا يأتونا فيخبرونا أنّ عندكم شيئا يبده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ألم تعلم أنّ اللّه
قال يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك واللّه ما ورّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (سوداء في بيضاء)
قوله تعالى: وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية عن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته يعني إن كتمت آيةً ممّا أنزل إليك من ربّك لم تبلّغ رسالتي.
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة ابن عقبة ثنا سفيان عن رجلٍ، عن مجاهدٍ قال لمّا نزلت يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك قال: يا ربّ كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ. فنزلت وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته
قوله تعالى: والله يعصمك من الناس
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب، ثنا موسى بن سعيدٍ حدّثني زيد بن أسلم عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال: لمّا غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني أنمارٍ نزل على ذات الرقيع نخلٍ فبينما هو جالسٌ على رأس بئرٍ قد دلّى رجليه فقال: الوارث من بني النّجّار لأقتلنّ هذا. فقال له أصحابه: كيف تقتله، أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به، قال: فأتاه فقال: يا محمّد أعطني سيفك أشيمه فأعطاه إيّاه فرعدت يده حتّى سقط السّيف من يده. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حال اللّه بينك وبين ما تريد، فأنزل اللّه تعالى: يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس
الوجه الثّاني:
- حدّثنا إبراهيم بن مرزوقٍ البصريّ، نزيل مصر، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الحارث بن عبيدٍ أبو قدامة عن سعيدٍ الجريري عبد اللّه بن شقيقٍ عن عائشة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية واللّه يعصمك من النّاس قالت: فأخرج رأسه من القبّة وقال: يا أيّها النّاس انصرفوا فقد عصمني اللّه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: واللّه يعصمك من النّاس أخبر اللّه نبيّه أنّه سيكفيه النّاس ويعصمه منهم وأمره بالبلاغ.
قوله تعالى: من النّاس
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: واللّه يعصمك من النّاس يعني ممّن حولك من العرب كلّها إنّهم لا يصلون إليك، فأمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم عند ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1172-1174]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا عبد الصّمد بن عليٍّ البزّاز، ببغداد، أنبأ أحمد بن محمّد بن عيسى القاضي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الحارث بن عبيدٍ، ثنا معبد الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67] فأخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأسه من القبّة فقال لهم: «أيّها النّاس، انصرفوا فقد عصمني اللّه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/342]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلاً، حتى نزل {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67] فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبّة، فقال لهم: «يا أيّها الناس، انصرفوا، فقد عصمني الله». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/118-119]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67]
- عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: «كان عبّاسٌ عمّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فيمن يحرسه، فلمّا نزلت {واللّه يعصمك من النّاس} {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67] ترك رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - الحرس».
رواه الطّبرانيّ في الصّغير والأوسط، وفيه عطيّة العوفيّ وهو ضعيفٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «كان النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - يحرس، وكان يرسل معه عمّه أبو طالبٍ كلّ يومٍ رجالًا من بني هاشمٍ [يحرسونه] حتّى نزلت هذه الآية {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67]. فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسه فقال: " يا عمّ إنّ اللّه قد عصمني من الجنّ والإنس».
رواه الطّبرانيّ، وفيه النّضر بن عبد الرّحمن وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/17]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا عبد اللّه بن محمّدٍ الأزديّ حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنبأنا مؤمل بن إسماعيل حدّثنا حمّاد بن سلمة حدّثنا محمّد بن عمرٍو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل منزلا نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنّبي صلّى الله عليه وسلّم فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلك في ظلّ الشّجر فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السّيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السّيف من الشّجرة ثمّ دنا من النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فأيقظه فقال يا محمّد من يمنعك مني اللّيلة فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم الله فأنزل الله {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس} الآية). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين}.
أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت {بلغ ما أنزل إليك من ربك} قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع ليجتمع علي الناس فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} أن عليا مولى المؤمنين {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة، انه قال لعلي هل عندكم شيء لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس فقال: ألم تعلم أن الله قال {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} والله ما ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء.
قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس}.
أخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي آية أنزلت من السماء أشد عليك فقال كنت بمنى أيام موسم واجتمع مشركو العرب وافناء الناس في الموسم فنزل علي جبريل فقال {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي ولكم الجنة أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم وتنجحوا ولكم الجنة، قال: فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة ويبصقون في وجهي ويقولون: كذاب صابئ فعرض علي عارض فقال: يا محمد أن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وانصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه قال: الأعمش فبذلك تفتخر بنو العباس ويقولون: فيهم نزلت {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}
القصص الآية 56 هوى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبا طالب وشاء الله عباس بن عبد المطلب
وأخرج عبد بن حميد والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، وابن مردويه عن عائشة قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: كان العباس عم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه فلما نزلت {والله يعصمك من الناس} ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فذهب ليبعث معه فقال: يا عم أن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وأبو نعيم في الدلائل، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجلا من بني هاشم يحرسونه فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي ذر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام إلا ونحن حوله من مخافة الغوائل حتى نزلت آية العصمة {والله يعصمك من الناس}.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فترك الحرس.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال غورث بن الحرث: لأقتلن محمد فقال له أصحابه: كيف تقتله قال: أقول له أعطيني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به، فاتاه فقال: يا محمد اعطني سيفك أشمه
فأعطاه إياه فرعدت يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الله بينك وبين ما تريد فانزل الله {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} الآية
وأخرج ابن حبان، وابن مردويه عن أبي هريرة قال كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد من يمنعك مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يمنعني منك ضع عنك السيف فوضعه فنزلت {والله يعصمك من الناس}.
وأخرج أحمد عن جعدة بن خالد بن الصمة الجشمي قال: أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم برجل فقيل: هذا أراد أن يقتلك، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الم ترع، ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم انه سيكفيه الناس ويعصمه منهم وأمره بالبلاغ وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له: لو احتجت فقال: والله لا يدع الله عقبي للناس ما صاحبتهم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت {يا أيها الرسول} إلى قوله {والله يعصمك من الناس} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرسوني أن ربي قد عصمني
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعقبه ناس من أصحابه فلما نزلت {والله يعصمك من الناس} فخرج فقال: يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني من الناس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يحرس يحارسه أصحابه حتى أنزل الله {والله يعصمك من الناس} فترك الحرس حين اخبره انه سيعصمه من الناس.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني قال: الله فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماغه فانزل الله {والله يعصمك من الناس}.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا فأنزل الله {والله يعصمك من الناس} فاستلقى ثم قال: من شاء فليخذلني مرتين أو ثلاثا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن الربيع بن أنس قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرسه أصحابه حتى نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} الآية، فخرج إليهم فقال: لا تحرسوني فإن الله قد عصمني من الناس). [الدر المنثور: 5/382-389]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (قال سفيان: " ما في القرآن آيةٌ أشدّ عليّ من: {لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} [المائدة: 68] "). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال سفيان ما في القرآن آيةٌ أشدّ عليّ من لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم يعني أنّ من لم يعمل بما أنزل اللّه في كتابه فليس على شيءٍ ومقتضاه أنّ من أخلّ ببعض الفرائض فقد أخلّ بالجميع ولأجل ذلك أطلق كونها أشدّ من غيرها ويحتمل أن يكون هذا ممّا كان على أهل الكتاب من الإصر وقد روى ابن أبي حاتمٍ أنّ الآية نزلت في سببٍ خاصٍّ فأخرج بإسنادٍ حسنٍ من طريق سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاسٍ قال جاء مالك بن الصّيف وجماعةٌ من الأحبار فقالوا يا محمّد ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم وتؤمن بما في التّوراة وتشهد أنّها حقٌّ قال بلى ولكنّكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ ممّا أحدثتموه قالوا فإنّا نتمسّك بما في أيدينا من الهدى والحقّ ولا نؤمن بك ولا بما جئت به فأنزل اللّه هذه الآية وهذا يدلّ على أنّ المراد بما أنزل إليكم من ربّكم أي القرآن ويؤيّد هذا التّفسير قوله تعالى في الآية الّتي قبلها ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتّقوا إلى قوله لأكلوا من فوقهم الآية
تنبيهٌ: سفيان المذكور وقع في بعض النّسخ أنّه الثّوريّ ولم يقع لي إلى الآن موصولًا). [فتح الباري: 8/269-270]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال سفيان ما في القرآن آيّةٌ أشدّ عليّ من {لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} (المائدة: 68).
إنّما كان أشد عليه لما فيه من تكلّف العلم بأحكام التّوراة والإنجيل والعمل بها، وأول الآية: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء} الآية. قال المفسّرون: يقول الله تعالى: قل يا محمّد} يا أهل الكتاب لستم على شيء أي من الدّين، حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل. أي: حتّى تؤمنوا بجميع ما في أيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها من الأمر من اتّباع محمّد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته، وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عبّاس قال: جاء مالك بن الضّيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمّد: ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم وتؤمن بما في التّوراة وتشهد أنّها حق؟ قال: بلى. ولكنّكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ ممّا أحدثتموه. وقالوا: إنّا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية). [عمدة القاري: 18/198]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال) وفي الفرع وقال: (سفيان) هو الثوري (ما في القرآن آية أشد عليّ من) قوله تعالى: ({لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}) [المائدة: 68] لما فيها من التكليف من العمل بأحكامها). [إرشاد الساري: 7/100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا فلا تأس على القوم الكافرين}
وهذا أمرٌ من اللّه تعالى ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإبلاغ اليهود والنّصارى الّذين كانوا بين ظهراني مهاجره، يقول تعالى ذكره له: قل يا محمّد لهؤلاء اليهود والنّصارى: {يا أهل الكتاب} التّوراة والإنجيل، لستم على شيءٍ ممّا تدّعون أنّكم عليه ممّا جاءكم به موسى صلّى اللّه عليه وسلّم معشر اليهود، ولا ممّا جاءكم به عيسى معشر النّصارى، حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم ممّا جاءكم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الفرقان، فتعملوا بذلك كلّه وتؤمنوا بما فيه من الإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتصديقه، وتقرّوا بأنّ كلّ ذلك من عند اللّه، فلا تكذّبوا بشيءٍ منه ولا تفرّقوا بين رسل اللّه فتؤمنوا ببعضٍ وتكفروا ببعضٍ، فإنّ الكفر بواحدٍ من ذلك كفرٌ بجميعه، لأنّ كتب اللّه يصدّق بعضها بعضًا، فمن كذّب ببعضها فقد كذّب بجميعها.
وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رافع بن حارثة، وسلاّم بن مشكمٍ، ومالك بن الصّيف، ورافع بن حريملة،
فقالوا: يا محمّد ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا من التّوراة، وتشهد أنّها من اللّه حقٌّ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلى، ولكنّكم أحدثتم وجحدتم ما فيها ممّا أخذ عليكم من الميثاق، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبيّنوه للنّاس، وأنا بريءٌ من أحداثكم قالوا: فإنّا نأخذ بما في أيدينا، فإنّا على الحقّ والهدى، ولا نؤمن بك ولا نتّبعك. فأنزل اللّه: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} إلى: {فلا تأس على القوم الكافرين}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} قال: فقد صرنا من أهل الكتاب؛ التّوراة لليهود والإنجيل للنّصارى، وما أنزل إليكم من ربّكم، وما أنزل إلينا من ربّنا، أي لستم على شيءٍ حتّى تقيموا حتّى تعملوا بما فيه). [جامع البيان: 8/572-573]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا فلا تأس على القوم الكافرين}
يعني تعالى ذكره بقوله: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} وأقسم ليزيدنّ كثيرًا من هؤلاء اليهود والنّصارى الّذين قصّ قصصهم في هذه الآيات الكتاب الّذي أنزلته إليك يا محمّد طغيانًا، يقول: تجاوزا وغلوا في التّكذيب لك على ما كانوا عليه لك من ذلك قبل نزول الفرقان {كفرًا} يقول: وجحودًا لنبوّتك.
وقد أتينا على البيان عن معنى الطّغيان فيما مضى قبل.
وأمّا قوله: {فلا تأس على القوم الكافرين} يعني: بقوله {فلا تأس} فلا تحزن، يقال: أسي فلانٌ على كذا: إذا حزن يأسى أسى، ومنه قول الرّاجز:.
وانحلبت عيناه من فرط الأسى
يقول تعالى ذكره لنبيّه: لا تحزن يا محمّد على تكذيب هؤلاء الكفّار من اليهود والنّصارى من بني إسرائيل لك، فإنّ مثل ذلك منهم عادةٌ وخلقٌ في أنبيائهم، فكيف فيك؟
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} قال: الفرقان. يقول: فلا تحزن.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فلا تأس على القوم الكافرين} قال: لا تحزن). [جامع البيان: 8/574-575]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا فلا تأس على القوم الكافرين (68)
قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق وحدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رافع بن جارية وسلّام بن مشكمٍ، ومالك بن الضّيف، ورافع بن حرملة. فقالوا يا محمّد ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التّوراة وتشهد أنّها حقٌّ من اللّه قال: بلى، ولكنّكم أخذتم وجحدتم ما فيها ممّا أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمرتم أن تبيّنوه للنّاسٍ. فتبرّأت من أحداثكم. فقالوا: فإنّا نأخذ ما في أيدينا فإنّا على الهدى والحقّ ولا نؤمن بك ولا نتّبعك. فأنزل اللّه تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ
قوله تعالى: حتّى تقيموا
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله: حتّى تقيموا تعملوا بما فيه.
قوله تعالى: التّوراة والإنجيل
- وبه قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله التّوراة والإنجيل قال: التّوراة أنزلت على اليهود والإنجيل على النّصارى وعلى عيسى بن مريم.
قوله تعالى: وما أنزل إليكم من ربّكم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا مهران عن أبي سنانٍ عن ليثٍ عن مجاهدٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم قال: ما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: وما أنزل إليكم من ربّكم قال: القرآن.
قوله تعالى: وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل الآية
(بياض لم يكتب فيه شيء)
قوله تعالى: فلا تأس على القوم الكافرين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: فلا تأس فلا تحزن- وروي عن السّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1174-1175]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين * إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: جاء رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حرملة قالوا: يا محمد ألست تزعم انك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من حق الله فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق كتمتم منها ما أمرتم أن تبينوا للناس فبرئت من أحداثكم، قالوا: فانا نأخذ مما في أيدينا فانا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك فأنزل الله فيهم {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل} إلى قوله {القوم الكافرين}). [الدر المنثور: 5/389]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية قال: نا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن لحن القرآن: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون}، {والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزكاة}، و (إنّ هذان لساحران)، فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكتّاب، أخطأوا في الكتاب). [سنن سعيد بن منصور: 4/1507]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وهم أهل الإسلام {والّذين هادوا} وهم اليهود {والصّابئون} وقد بيّنّا أمرهم {والنّصارى من آمن منهم باللّه واليوم الآخر} فصدّق بالبعث بعد الممات، وعمل من العمل صالحًا لمعاده {فلا خوفٌ عليهم} فيما قدموا عليه من أهوال القيامة {ولا هم يحزنون} على ما خلّفوا وراءهم من الدّنيا وعيشها بعد معاينتهم ما أمرهم اللّه به من جزيل ثوابه.
وقد بيّنّا وجه الإعراب فيه فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 8/575]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (69)
قوله تعالى: إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصابئون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن الحجّاج بن أرطاة عن القاسم عن مجاهدٍ قال: الصّابئون بين النّصارى والمجوس ليس لهم دينٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا شريكٌ عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: الصابئون منزلة بين اليهود والنصارى.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ والصّابئون بين المجوس واليهود لا دين لهم.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن النّرسيّ، ثنا هشيمٌ عن مطرّفٍ قال: كنّا عند الحكم فحدّثه رجلٌ من أهل البصرة عن الحسن أنّه يقول في الصاب أنّهم كالمجوس، فقال الحكم: ألم أخبركم بذلك.
الوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق، ثنا معمرٌ عن قتادة قال:
الصائبون قومٌ يعبدون الملائكة ويصلّون إلى غير القبلة ويقرءون الزّبور.
الوجه السّادس:
- أخبرنا يونس عن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ أخبرني ابن أبي الزّناد عن أبيه قال: الصّابئون قومٌ مقابلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنّبيّين كلّهم ويصومون من كلّ سنةٍ ثلاثين يوما ويصلون إلى اليمين كلّ يومٍ خمس صلواتٍ
الوجه السّابع:
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصّنعانيّ، ثنا عبد الصّمد بن معقلٍ عن وهب بن منبّهٍ أنّه قيل له، وما الصّابئون؟
قال: الّذي يعرف اللّه وحده، وليست له شريعةٌ يعمل بها، ولم يحدث كفرًا.
الوجه الثّامن:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: الصّابئون فرقةٌ من أهل الكتاب يقرءون الزّبور وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: وعمل صالحًا
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هاشم بن يوسف عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قال: الأعمال الصّالحة، اللّه أكبر والحمد للّه، سبحان اللّه، لا إله إلا اللّه.
قوله تعالى: فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: فلا خوفٌ عليهم يعني في الآخرة ولا هم يحزنون يعني: لا يحزنون عند الموت). [تفسير القرآن العظيم: 4/1175-1177]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:01 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) )

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يعصمك من النّاس) (67) يمنعك، كقوله:
وقلت عليكم مالكاً إنّ مالكا... سيعصمكم إن كان في الناس عاصم). [مجاز القرآن: 1/171]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من رّبّك وإن لّم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وقال: {فما بلّغت رسالته}.
وقال بعضهم: {رسالاته}.
وكلٌّ صوابٌ لأنّ "الرّسالة" قد تجمع "الرّسائل" كما تقول "هلك البعير والشّاة" و"أهلك الناس الدينار والدرهم" تريد الجماعة). [معاني القرآن: 1/227]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي عمرو {فما بلغت رسالته} على واحدة.
الأعرج وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف {رسالاته} جمع). [معاني القرآن لقطرب: 483]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({واللّه يعصمك من النّاس} أي يمنعك منهم. وعصمة اللّه إنما هي منعه العبد من المعاصي. ويقال: هذا طعام لا يعصم، أي لا يمنع من الجوع).[تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين (67)
وتقرأ رسالاته. والمعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، وإن تركت منه شيئا فما بلغت، أي لا تراقبن أحدا ولا تتركن شيئا من ذلك خوفا من أن ينالك مكروه.
(واللّه يعصمك من النّاس).
أي يحول بينهم وبين أن ينالك منهم مكروه، فأعلمه الله جلّ وعزّ أنه يسلم منهم.
وفي هذا آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّنة). [معاني القرآن: 2/192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته} في معناه قولان: أحدهما بلغ كل ما أنزل إليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة أن المعنى أظهر ما أنزل إليك من ربك أي بلغه ظاهرا
ودل على هذا قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز: {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك طغيانا وكفرا} أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم).[معاني القرآن: 2/338-339]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي يمنعك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لستم على شيءٍ) (68) أي ليس في أيديكم حجة ولا حق ولا بيان.
(فلا تأس) (68) أي لا تحزن. (على القوم الكافرين) (68)، ولا تجزع، وقال العجّاج:
وأنحلبت عيناه من فرط الأسى
والأسى: الحزن، يقال: أسى يأسى، وأنشد:
=يقولون لا تهلك أسى وتجلّد). [مجاز القرآن: 1/171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلا تأس على القوم الكافرين} أي فلا تحزن عليهم). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى...}
فإن رفع (الصابئين) على أنه عطف على (الذين)، و(الذين) حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه، فلمّا كان إعرابه واحدا وكان نصب (إنّ) نصبا ضعيفا - وضعفه أنه يقع على (الاسم ولا يقع على) خبره - جاز رفع الصابئين. ولا أستحبّ أن أقول: إنّ عبد الله وزيد قائمان لتبيّن الإعراب في عبد الله. وقد كان الكسائي يجيزه لضعف إنّ. وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإني وقيّارا بها لغريب
وقيّارٌ. ليس هذا بحجّة للكسائيّ في إجازته (إنّ عمرا وزيد قائمان) لأن قيّارا قد عطف على اسم مكنيّ عنه، والمكنى لا إعراب له فسهل ذلك (فيه كما سهل) في (الذين) إذا عطفت عليه (الصابئون) وهذا أقوى في الجواز من (الصابئون) لأنّ المكنيّ لا يتبين فيه الرفع في حال، و(الذين) قد يقال: اللذون فيرفع في حال. وأنشدني بعضهم:
وإلاّ فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما حيينا في شقاق
وقال الآخر:
يا ليتني وأنت يا لميس=ببلدٍ ليس به أنيس
وأنشدني بعضهم:
يا ليتني وهما نخلو بمنزلةٍ=حتى يرى بعضنا بعضا ونأتلف
قال الكسائيّ: أرفع (الصابئون) على إتباعه الاسم الذي في هادوا، ويجعله من قوله (إنا هدنا إليك) لا من اليهودية. وجاء التفسير بغير ذلك؛ لأنه وصف الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى فقال: من آمن منهم فله كذا، فجعلهم يهودا ونصارى). [معاني القرآن: 1/310-312]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى) (66): والصابئ الذي يخرج من دين إلى دين، كما تصبؤ النجوم من مطالعها، يقال: صبأت سنّه وصبأ فلان علينا: أي طلع؛ ورفع (الصابئون) لأن العرب تخرج المشرك في المنصوب الذي قبله من النصب إلى الرفع على ضمير فعل يرفعه، أو استئنافٍ ولا يعملون النصب فيه، ومع هذا إن معنى (إنّ) معنى الابتداء، ألا ترى أنها لا تعمل إلا فيما يليها ثم ترفع الذي بعد الذي يليها كقولك: إن زيداً ذاهبٌ، فذاهب رفعٌ، وكذلك إذا واليت بين مشركين رفعت الأخير على معنى الابتداء. سمعت غير واحد يقول:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقد يفعلون هذا فيما هو أشدّ تمكناً في النصب من (إنّ). سمعت غير واحد يقول:
وكلّ قومٍ أطاعوا أمر سيّدهم=إلاّ نميراً أطاعت أمر غاويها
الظّاعنون ولما يظعنوا أحداً=والقائلين لمن دارٌ نخلّيها
وربما رفعوا (القائلين)، ونصبو (الظاعنين) ). [مجاز القرآن: 1/172-173]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {والصّابئون والنّصارى} وقال في موضع آخر {والصّابئين} والنصب القياس على العطف على ما بعد {إنّ} فأما هذه فرفعها على وجهين كأن قوله: {إنّ الّذين آمنوا} في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأنّ قوله: "إنّ زيداً منطلقٌ" و"زيدٌ منطلقٌ" من غير أن يكون فيه "إنّ" في المعنى سواء، فإن شئت إذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت: "إنّ زيداً منطلقٌ وعمرٌو". ولكنه إذا جعل بعد الخبر فهو أحسن وأكثر. وقال بضعهم: "لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو {الّذين هادوا} أجراه عليه فرفعه به وإن كان ليس عليه في المعنى ذلك أنه تجيء أشياء في اللفظ لا تكون في المعاني، منها قولهم: "هذا جحر ضبٍّ خربٍ" وقولهم "كذب عليكم الحجّ" يرفعون "الحجّ" بـ"كذب"، وإنما معناه "عليكم الحجّ" نصب بأمرهم. وتقول: "هذا حبّ رمّاني" فتضيف "الرّمان" إليك وإنّما لك "الحبّ" وليس لك "الرّمان". فقد يجوز أشباه هذا والمعنى على خلافه). [معاني القرآن: 1/228]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة العامة {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}.
وفي حرف أبي "والصابئين" بالنصب؛ وهي القياس يردها على "إن".
وفي حرف زيد {والصابئون} بالرفع.
وفي حرف ابن مسعود "يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون" ). [معاني القرآن لقطرب: 483]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : ( أما قوله عز وجل {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون} فرفع "الصابئون" ولم يرده على "إن" فيكون ذلك على وجهين:
أحدهما: أن يرفعه بـ "هادوا"؛ كأنه قال: "وهاد الصابئون" أيضًا، كقولك: إن الذين أتوني وزيد ظراف؛ تريد وأتاني زيد؛ وتكون "هادوا" على معنيين: على هادوا من دين اليهودية؛ كأنهم دخلوا فيه، وقد كان دينًا فيما بلغنا، وتكون على "هادوا" أي عادوا بالشيء لقول الله عز وجل {إنا هدنا إليك} وقد فسرناها في سورة البقرة.
والوجه الآخر: أن يكون رد "الصابئين" على موضع {إن الذين آمنوا}؛ لأن الموضع ابتداء؛ كأنه لما قال: "إن الذين ءامنوا" قال: "الذين ءامنوا"؛ لأن المعنى قريب بعضه من بعض؛ وليست "إن" بفعل فيقوى عملها؛ فكأنه قال: "الذين ءامنوا والصابئون" كما فسرنا هذا الرد على الموضع {فأصدق وأكن من الصالحين} وقد أكثرنا في ذلك في صدر الكتاب، فندعه هاهنا.
قال بشر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم = بغاة ما بقينا في شقاق
فقال: "وأنتم" ولم يقل: وإياكم.
وعلى هذا: إن زيدا وعمرو منطلقان؛ كأنه قال زيد وعمرو منطلقان). [معاني القرآن لقطرب: 506]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقالوا في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إنّ الّذين آمنوا وموضعه رفعٌ، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها.
ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني.
ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيداً، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد.
وتقول: لعل عبد الله قائم وزيداً، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إنَّ) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنَّ) لم تُحدث شيئا.
وكان الكسائي يجيز: إنَّ عبد الله وزيدٌ قائمان، وإنَّ عبد الله وزيدٌ قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وينشدون:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب ). [تأويل مشكل القرآن: 52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)
اختلف أهل العربية في تفسير رفع الصابئين، فقال بعضهم نصب " إنّ " ضعف فنسق بـ (الصّابئون) على " الّذين " لأن الأصل فيهم الرفع.
وهو قول الكسائي.
وقال الفراء: مثل ذلك إلا أنه ذكر أن هذا يجوز في النسق على مثل " الذين " وعلى المضمر، يجوز إني وزيد قائمان، وأنه لا يجيز إنّ زيدا وعمرو قائمان.
وهذا التفسير إقدام عظيم على كتاب اللّه وذلك أنهم زعموا أن نصب "إنّ " ضعيف؛ لأنها إنما تغيّر الاسم ولا تغير الخبر، وهذا غلط لأن " إنّ " عملت عملين النصب، والرفع، وليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع لأن كل منصوب مشبه بالمفعول، والمفعول لا يكون بغير فاعل إلا فيما لم يسم فاعله، وكيف يكون نصب " إنّ " ضعيفا وهي تتخطى الظروف فتنصب ما بعدها.
نحو قوله: " (إنّ فيها قوما جبّارين) ونصب إنّ من أقوى المنصوبات.
وقال سيبويه والخليل، وجميع البصريين: إن قوله: (والصّابئون) محمول.
على التأخير، ومرفوع بالابتداء. المعنى إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم، والصابئون والنصارى كذلك أيضا، أي من آمن باللّه واليوم الآخر فلا خوف عليهم، وأنشدوا في ذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما بقينا في شقاق
المعنى وإلا فاعلموا أنّا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم أيضا كذلك.
وزعم سيبويه أن قوما من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان. فجعل سيبويه هذا غلطا وجعله كقول الشاعر:
بدا لي أنى لست مدرك ما مضى=ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فأما (من آمن باللّه) وقد ذكر الذين آمنوا، فإنما يعني الذين آمنوا ههنا المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم، ودل على أن المعنى هنا ما تقدّم من قوله: (لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
ومعنى الصابئ الخارج عن جملة الأديان لأنهم لا يدينون بالكتب.
والعرب تقول قد صبأ ناب البعير، وصبأ سنّ الصّبيّ إذا خرج.
فأمّا قولهم ضبأت بالضاد المعجمة فمعناه اختبأت في الأرض.
ومنه اشتق اسم ضابئ.
وقال الكسائي: الصابئون نسق على ما في هادوا، كأنه قال: هادوا هم والصابئون. وهذا القول خطأ من جهتين:
إحداهما: أن الصابئ يشارك اليهودي في اليهودية.
وإن ذكر أن هادوا في معنى تابوا فهذا خطأ في هذا الموضع أيضا؛ لأن معنى الذين آمنوا ههنا إنما هو: إيمان بأفواههم؛ لأنه يعنى به المنافقون، ألا ترى أنه قال: من آمن باللّه، فلو كانوا مؤمنين لم يحتج أن يقال: إن آمنوا فلهم أجرهم). [معاني القرآن: 2/192-194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} في هذا قولان: أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا ههنا المنافقون
والتقدير إن الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}). [معاني القرآن: 2/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل اسمه {من آمن بالله} فالمعنى على هذا القول من حقق الإيمان بقلبه والقول الآخر أن معنى من آمن بالله من ثبت على إيمانه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}).[معاني القرآن: 2/340]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:24 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) }

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) }
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (ويُرْوَى: واتَّسَى واتَّسَتْ به، وهو مِن الأَسَى وهو الْحُزْنُ، يُقالُ: أَسِيَ يَأْسَى أَسًى، ويُرْوَى: واتَّسَتْ واتَّسَى به). [شرح لامية العرب: --] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

وذي إبل فجعته بخيارها = فأصبح منها وهو أسوان يائس
...
و(أسوان) من الحزن، وهو (الأسى) ). [شرح أشعار الهذليين: 2/645] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فلا تأس إن صدت سواك ولا تكن = جنيبا لخلات كذوب المواعد
(لا تأس) لا تحزن). [شرح أشعار الهذليين: 2/932] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
ولم يكن لجراحي فيكم آس
يقول: مداوٍ، الآسي: الطبيب، قال الفرزدق يصف شجة:
إذا نظر الآسون فيها تقلبت = حماليقهم من هول أنيابها العصل
والإساء الدواء، ممدودٌ، وقال الحطيئة:

هم الآسون أم الرأس لما = تواكلها الأطبة والإساءُ
فأما الأسى فمقصور، وهو: الحزن، ومن ذلك قول الله جل ثناؤه: {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} وقال العجاج:
يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا = قال نعم أعرفهُ، وأبلسا5
وانحلبت عيناه من فرط الأسى
فإذا قلت: "الأسى" قصرت أيضًا، وهو جمع أسوة، يقال فلان أسوتي وقدوتي. قال الله جل وعزَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ). [الكامل: 2/722-723]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والأسى:
الحزن، يقال: أسي يأسى أسىً). [الأمالي: 2/317-318] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما قوله عز وجل: {والصابئون} فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ على قوله: {والصابئون} بعدما مضى الخبر). [الكتاب: 2/155]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك إلى قوله القوم الكافرين هذه الآية أمر من الله ورسوله بالتبليغ على الاستيفاء والكمال. لأنه قد كان بلغ، فإنما أمر في هذه الآية بأن لا يتوقف عن شيء مخافة أحد، وذلك أن رسالته صلى الله عليه وسلم تضمنت الطعن على أنواع الكفرة وبيان فساد
حالهم فكان يلقى منهم عنتا وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية، فقال الله له بلّغ ما أنزل إليك من ربّك أي كاملا متمما، ثم توعده تعالى بقوله: وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته
، أي إنك إن تركت شيئا فكأنما قد تركت الكل، وصار ما بلغت غير معتدّ به، فقوله تعالى: وإن لم تفعل معناه وإن لم تستوف، ونحو هذا قول الشاعر:
سئلت فلم تمنع ولم تعط نائلا = فسيان لا ذم عليك ولا حمد
أي ولم تعط ما يعد نائلا وإلا فيتكاذب البيت، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «فما بلغت رسالته» على الإفراد. وقرؤوا في الأنعام حيث يجعل رسالته [الأنعام: 124] على الجمع، وكذلك في الأعراف برسالاتي [الأعراف: 144]، وقرأ ابن كثير في المواضع الثلاثة بإفراد الرسالة، وقرأ نافع «رسالاته» بالجمع، وكذلك في الأنعام، وأفرد في الأعراف، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر بجمع الرسالة في المواضع الثلاثة، وروى حفص عن عاصم الإفراد في العقود والأنعام، والجمع في الأعراف، فمن أفرد الرسالة فلأن الشرع كله شيء واحد وجملة بعضها من بعض، ومن جمع فمن حيث الشرع معان كثيرة وورد دفعا في أزمان مختلفة، وقالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم الفرية، والله تعالى يقول: يا أيّها الرّسول الآية، وقال عبد الله بن شقيق: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعقبه أصحابه يحرسونه، فلما نزلت واللّه يعصمك من النّاس خرج فقال: يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني، وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت واللّه يعصمك من النّاس بسبب الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم ليقتله به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هو غورث بن الحارث، والقصة في غزوة ذات الرقاع، وقال ابن جريج كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا فلما نزلت هذه الآية إلى قوله واللّه يعصمك من النّاس استلقى وقال: من شاء فليخذلني، مرتين أو ثلاثا، ويعصمك معناه يحفظك ويجعل عليك وقاية، ومنه قوله تعالى: يعصمني من الماء [هود: 43] ومنه قول الشاعر:
فقلت عليكم مالكا إن مالكا = سيعصمكم إن كان في الناس عاصم
وهذه العصمة التي في الآية هي من المخاوف التي يمكن أن توقف عن شيء من التبليغ كالقتل والأسر والأذى في الجسم ونحوه، وأما أقوال الكفار ونحوها فليست في الآية، وقوله تعالى: لا يهدي القوم الكافرين إما على الخصوص فيمن سبق في علم أنه لا يؤمن، وإما على العموم على أن لا هداية في الكفر، ولا يهدي الله الكافر في سبل كفره). [المحرر الوجيز: 3/216-218]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه محمدا عليه السلام أن يقول لأهل الكتاب الحاضرين معه لستم على شيءٍ أي على شيء مستقيم حتى تقيموا التوراة والإنجيل، وفي إقامة هذين الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: وما أنزل إليكم من ربّكم يعني به القرآن، قاله ابن عباس وغيره ثم أخبر تعالى نبيه أنه سيطغى كثير منهم بسبب نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويزيده نزول القرآن والشرع كفرا وحسدا، ثم سلاه عنهم وحقرهم بقوله فلا تأس على القوم الكافرين أي لا تحزن إذ لم يؤمنوا ولا تبال عنهم، والأسى الحزن يقال أسي الرجل يأسى أسى إذا حزن، ومنه قول الراجز:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى
وأسند الطبري إلى ابن عباس قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن جارية وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة فقالوا: يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وأنك تؤمن بالتوراة وبنبوة موسى وأن جميع ذلك حق؟ قال: بلى، ولكنكم أحدثتم وغيرتم وكتمتم، فقالوا: إنّا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ولا نصدقك ولا نتبعك، فنزلت الآية بسبب ذلك قل يا أهل الكتاب الآية). [المحرر الوجيز: 3/218]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (69) لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلّما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذّبوا وفريقاً يقتلون (70)
الّذين لفظ عام لكل مؤمن من ملة محمد ومن غيرها من الملل، فكأن ألفاظ الآية حصر بها الناس كلهم وبينت الطوائف على اختلافها، وهذا تأويل جمهور المفسرين، وقال الزجاج المراد بقوله: إنّ الّذين آمنوا المنافقون، فالمعنى ان الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكأن ألفاظ الآية عدت الطوائف التي يمكن أن تنتقل إلى الإيمان، ثم نفى عنهم الخوف والحزن بشرط انتقالهم إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وعلى التأويل الأول يكون قوله من آمن في حيز المؤمنين بمعنى ثبت واستمر، وقد تقدم تفسير هادوا وتفسير «الصابئين» وتفسير النّصارى في سورة البقرة، واختلف القراء في إعراب الصابئين في هذه الآية فقرأ الجمهور و «الصابئون» بالرفع وعليه مصاحف الأمصار والقراء السبعة، وقرأ عثمان بن عفان وعائشة وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والجحدري «والصابين» وهذه قراءة بينة الإعراب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والزهري «والصابيون» بكسر الباء وضم الياء دون همز، وقد تقدم في سورة البقرة، وأما قراءة الجمهور «والصابئون» فمذهب سيبويه والخليل ونحاة البصرة أنه من المقدم الذي معناه التأخير وهو المراد به، كأنه قال «إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى» كذلك، وأنشد الزجاج نظيرا في ذلك:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم = بغاة ما بقينا في شقاق
فقوله وأنتم مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى أي وأنتم كذلك، وحكى الزجّاج عن الكسائي والفراء أنهما قالا: والصّابئون عطف على الّذين، إذ الأصل في الّذين الرفع وإذ نصب إنّ ضعيف وخطأ الزجّاج هذا القول وقال: إنّ أقوى النواصب، وحكي أيضا عن الكسائي أنه قال والصّابئون عطف على الضمير في هادوا والتقدير هادوا هم والصابئون، وهذا قول يرده المعنى لأنه يقتضي أن الصابئين هادوا، وقيل إن معنى نعم، وما بعدها مرفوع بالابتداء، وروي عن بعضهم أنه قرأ «والصابئون» بالهمز، واتصال هذه الآية بالتي قبلها هو أن قيل لهم ليس الحق في نفسه على ما تزعمون من أنكم أبناء الله وأحباؤه، بل لستم على شيء مستقيم حتى تؤمنوا وتقيموا الكتب المنزلة، ثم استأنف الإخبار عن الحق في نفسه بأنه من آمن في كل العالم فهو الفائز الذي لا خوف عليه). [المحرر الوجيز: 3/219-220]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين (67)}
يقول تعالى مخاطبًا عبده ورسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم باسم الرّسالة، وآمرًا له بإبلاغ جميع ما أرسله اللّه به، وقد امتثل صلوات اللّه وسلامه عليه ذلك، وقام به أتمّ القيام.
قال البخاريّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: من حدّثك أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم كتم شيئًا ممّا أنزل عليه فقد كذب، اللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية.
هكذا رواه ههنا مختصرًا، وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطوّلًا. وكذا رواه مسلمٌ في "كتاب الإيمان"، والتّرمذيّ والنّسائيّ في "كتاب التّفسير" من سننهما من طرقٍ، عن عامرٍ الشّعبيّ، عن مسروق بن الأجدع، عنها رضي اللّه عنها.
وفي الصّحيحين عنها أيضًا أنّها قالت: لو كان محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم كاتمًا من القرآن شيئًا لكتم هذه الآية: {وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه وتخشى النّاس واللّه أحقّ أن تخشاه} [الأحزاب:37].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا عبّادٌ، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: كنت عند ابن عبّاسٍ فجاء رجلٌ فقال له: إن ناسًا يأتونا فيخبرونا أنّ عندكم شيئًا لم يبده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للنّاس. فقال: ألم تعلم أنّ اللّه تعالى قال: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} واللّه ما ورّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سوداء في بيضاء.
وهذا إسنادٌ جيّدٌ، وهكذا في صحيح البخاريّ من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد اللّه السّوائيّ قال: قلت لعليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه: هل عندكم شيءٌ من الوحي ممّا ليس في القرآن؟ فقال: لا والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إلّا فهمًا يعطيه اللّه رجلًا في القرآن، وما في هذه الصّحيفة. قلت: وما في هذه الصّحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وألّا يقتل مسلم بكافر.
وقال البخاريّ: قال الزّهريّ: من اللّه الرّسالة، وعلى الرّسول البلاغ، وعلينا التّسليم.
وقد شهدت له أمّته ببلاغ الرّسالة وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل، في خطبته يوم حجّة الوداع، وقد كان هناك من الصّحابة نحوٌ من أربعين ألفًا كما ثبت في صحيح مسلمٍ، عن جابرٍ بن عبد اللّه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في خطبته يومئذٍ: "أيّها النّاس، إنّكم مسئولون عنّي، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فجعل يرفع إصبعه إلى السّماء ويقلبها إليهم ويقول: "اللّهمّ هل بلّغت، اللّهمّ هل بلّغت".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نمير، حدّثنا فضيلٌ -يعني ابن غزوان-عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع: "يأيها النّاس، أيّ يومٍ هذا؟ " قالوا: يومٌ حرامٌ. قال: "أيّ بلدٍ هذا؟ " قالوا: بلدٌ حرامٌ. قال: "فأيّ شهرٍ هذا؟ " قالوا: شهرٌ حرامٌ. قال: "فإنّ أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا". ثمّ أعادها مرارًا. ثمّ رفع إصبعه إلى السّماء فقال: "اللّهمّ هل بلّغت! " مرارًا -قال: يقول ابن عبّاسٍ: واللّه لوصيّةٌ إلى ربّه عزّ وجلّ-ثمّ قال: "ألّا فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ".
وقد روى البخاريّ عن علي بن المدينيّ، عن يحيى بن سعيدٍ عن فضيل بن غزوان، به نحوه.
وقوله: {وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} يعني: وإن لم تؤد إلى النّاس ما أرسلتك به {فما بلّغت رسالته} أي: وقد علم ما يترتّب على ذلك لو وقع.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} يعني: إن كتمت آيةً ممّا أنزل إليك من ربّك لم تبلّغ رسالته.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي: حدّثنا قبيصة بن عقبة حدّثنا سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ قال: لمّا نزلت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} قال: "يا ربّ، كيف أصنع وأنا وحدي؟ يجتمعون عليّ". فنزلت {وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته}
ورواه ابن جريرٍ، من طريق سفيان -وهو الثّوريّ-به.
وقوله: {واللّه يعصمك من النّاس} أي: بلّغ أنت رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفّرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحدٌ منهم إليك بسوءٍ يؤذيك.
وقد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل نزول هذه الآية يحرس كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا يزيد، حدّثنا يحيى، قال سمعت عبد اللّه بن عامر بن ربيعة يحدّث: أنّ عائشة كانت تحدّث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سهر ذات ليلةٍ، وهي إلى جنبه، قالت: فقلت: ما شأنك يا رسول اللّه؟ قال: "ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني اللّيلة؟ " قالت: فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السّلاح فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا سعد بن مالكٍ. فقال: "ما جاء بك؟ " قال: جئت لأحرسك يا رسول اللّه. قالت: فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه. أخرجاه في الصّحيحين من طريق يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ، به.
وفي لفظٍ: سهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلة مقدمه المدينة. يعني: على أثر هجرته [إليها] بعد دخوله بعائشة، رضي اللّه عنها، وكان ذلك في سنة ثنتين منها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا إبراهيم بن مرزوقٍ البصريّ نزيل مصر، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحارث بن عبيد -يعني أبا قدامة-عن الجريري، عن عبد اللّه بن شقيق، عن عائشة [رضي اللّه عنها] قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية: {واللّه يعصمك من النّاس} قالت: فأخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رأسه من القبّة، وقال: "يأيها النّاس، انصرفوا فقد عصمني اللّه عزّ وجلّ".
وهكذا رواه التّرمذيّ، عن عبد بن حميد وعن نصر بن عليٍّ الجهضمي، كلاهما عن مسلم بن إبراهيم، به. ثمّ قال: وهذا حديثٌ غريبٌ.
وهكذا رواه ابن جريرٍ والحاكم في مستدركه، من طرق مسلم بن إبراهيم، به. ثمّ قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. وكذا رواه سعيد بن منصورٍ، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة [الإياديّ] عن الجريري، عن عبد اللّه بن شقيق، عن عائشة، به.
ثمّ قال التّرمذيّ: وقد روى بعضهم هذا عن الجريري، عن ابن شقيقٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس. ولم يذكر عائشة.
قلت: هكذا رواه ابن جريرٍ من طريق إسماعيل بن عليّة، وابن مردويه من طريق وهيب كلاهما عن الجريري، عن عبد اللّه بن شقيقٍ مرسلًا وقد روي هذا مرسلًا عن سعيد بن جبير ومحمّد بن كعبٍ القرظي، رواهما ابن جريرٍ والرّبيع بن أنسٍ رواه ابن مردويه، ثمّ قال: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن رشدين المصريّ، حدّثنا خالد بن عبد السّلام الصّدفي، حدّثنا الفضل بن المختار، عن عبد اللّه بن موهب، عن عصمة بن مالك الخظمي قال: كنّا نحرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم باللّيل حتّى نزلت: {واللّه يعصمك من النّاس} فترك الحرس.
حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا حمد بن محمّد بن حمدٍ أبو نصرٍ الكاتب البغداديّ، حدّثنا كردوس بن محمّدٍ الواسطيّ، حدّثنا معلّى بن عبد الرّحمن عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: كان العبّاس عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن يحرسه، فلمّا نزلت هذه الآية: {واللّه يعصمك من النّاس} ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحرس.
حدّثنا عليّ بن أبي حامدٍ المدينيّ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيدٍ، حدّثنا محمّد بن مفضّل بن إبراهيم الأشعريّ، حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن معاوية بن عمّارٍ، حدّثنا أبي قال: سمعت أبا الزّبير المكّيّ يحدّث، عن جابر بن عبد اللّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خرج بعث معه أبو طالبٍ من يكلؤه، حتّى نزلت: {واللّه يعصمك من النّاس} فذهب ليبعث معه، فقال: "يا عمّ، إنّ اللّه قد عصمني، لا حاجة لي إلى من تبعث".
وهذا حديثٌ غريبٌ وفيه نكارةٌ فإنّ هذه الآية مدنيّة، وهذا الحديث يقتضي أنّها مكّيّةٌ.
ثمّ قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا محمّد بن يحيى، حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عبد الحميد الحمّاني، عن النّضر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالبٍ كلّ يومٍ رجالًا من بني هاشمٍ يحرسونه، حتّى نزلت عليه هذه الآية: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} قال: فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: "إنّ اللّه قد عصمني من الجنّ والإنس".
ورواه الطّبرانيّ عن يعقوب بن غيلان العمّانيّ، عن أبي كريب به.
وهذا أيضًا غريبٌ. والصّحيح أنّ هذه الآية مدنيّةٌ، بل هي من أواخر ما نزل بها، واللّه أعلم.
ومن عصمة اللّه [عزّ وجلّ] لرسوله حفظه له من أهل مكّة وصناديدها وحسّادها ومعانديها ومترفيها، مع شدّة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلًا ونهارًا، بما يخلقه اللّه تعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة. فصانه في ابتداء الرّسالة بعمّه أبي طالبٍ، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريشٍ، وخلق اللّه في قلبه محبّةً طبيعيّةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا شرعيّةً، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفّارها وكبارها، ولكن لمّا كان بينه وبينهم قدرٌ مشتركٌ في الكفر هابوه واحترموه، فلمّا مات أبو طالبٍ نال منه المشركون أذًى يسيرًا، ثمّ قيّض اللّه [عزّ وجلّ] له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحوّل إلى دارهم -وهي المدينة، فلّما صار إليها حموه من الأحمر والأسود، فكلّما همّ أحدٌ من المشركين وأهل الكتاب بسوءٍ كاده اللّه وردّ كيده عليه، لمّا كاده اليهود بالسّحر حماه اللّه منهم، وأنزل عليه سورتي المعوّذتين دواءً لذلك الدّاء، ولمّا سمّ اليهود في ذراع تلك الشّاة بخيبر، أعلمه اللّه به وحماه [اللّه] منه؛ ولهذا أشباهٌ كثيرةٌ جدًّا يطول ذكرها، فمن ذلك ما ذكره المفسّرون عند هذه الآية الكريمة:
فقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا الحارث، حدّثنا عبد العزيز، حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظي وغيره قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل منزلًا اختار له أصحابه شجرةً ظليلةً فيقيل تحتها. فأتاه أعرابيٌّ فاخترط سيفه ثمّ قال: من يمنعك منّي؟ فقال: "اللّه عزّ وجلّ"، فرعدت يد الأعرابيّ وسقط السّيف منه، قال: وضرب برأسه الشّجرة حتّى انتثر دماغه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {واللّه يعصمك من النّاس}
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا موسى بن عبيدة، حدّثني زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال: لمّا غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني أنمارٍ، نزل ذات الرّقاع بأعلى نخلٍ، فبينا هو جالسٌ على رأس بئرٍ قد دلّى رجليه، فقال غورث بن الحارث من بني النّجّار: لأقتلنّ محمّدًا. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك. فإذا أعطانيه قتلته به، قال: فأتاه فقال: يا محمّد، أعطني سيفك أشيمه. فأعطاه إيّاه، فرعدت يده حتّى سقط السّيف من يده، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "حال اللّه بينك وبين ما تريد" فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس}
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه وقصّة "غورث بن الحارث" مشهورة في الصحيح.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا أبو عمرٍو أحمد بن محمّد بن إبراهيم، حدّثنا محمّد بن عبد الوهّاب، حدّثنا آدم، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كنّا إذا صحبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ تركنا له أعظم شجرةٍ وأظلّها، فينزل تحتها، فنزل ذات يومٍ تحت شجرةٍ وعلّق سيفه فيها، فجاء رجلٌ فأخذه فقال: يا محمّد، من يمنعك منّي؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّه يمنعني منك، ضع السّيف". فوضعه، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {واللّه يعصمك من النّاس}
وكذا رواه أبو حاتم بن حبّان في صحيحه، عن عبد اللّه بن محمّدٍ، عن إسحاق بن إبراهيم، عن المؤمّل بن إسماعيل، عن حمّاد بن سلمة، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدثنا شعبة، سمعت أبا إسرائيل -يعني الجشمي-سمعت جعدة -هو ابن خالد بن الصّمّة الجشميّ-رضي اللّه عنه، قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ورأى رجلًا سمينًا، فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يومئ إلى بطنه بيده ويقول: "لو كان هذا في غير هذا لكان خيرًا لك". قال: وأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم برجلٍ فقال: هذا أراد أن يقتلك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: "لم ترع، ولم ترع، ولو أردت ذلك لم يسلّطك اللّه عليّ".
وقوله: {إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين} أي: بلّغ أنت، واللّه هو الّذي يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، كما قال: {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [البقرة:272] وقال {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرّعد:40] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/150-155]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا فلا تأس على القوم الكافرين (68) إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (69)}
يقول تعالى: قل يا محمّد: {يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ} أي: من الدّين، {حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل} أي: حتّى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزّلة من اللّه على الأنبياء، وتعملوا بما فيها وممّا فيها الأمر باتباع بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم والإيمان بمبعثه، والاقتداء بشريعته؛ ولهذا قال ليث ابن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وما أنزل إليكم من ربّكم} يعني: القرآن العظيم.
وقوله: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} تقدّم تفسيره {فلا تأس على القوم الكافرين} أي: فلا تحزن عليهم ولا يهيدنّك ذلك منهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/155-156]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {إنّ الّذين آمنوا} وهم: المسلمون {والّذين هادوا} وهم: حملة التّوراة {والصّابئون} -لمّا طال الفصل حسن العطف بالرّفع. والصّابئون: طائفةٌ بين النّصارى والمجوس، ليس لهم دينٌ. قاله مجاهدٌ، وعنه: بين اليهود والمجوس. وقال سعيد بن جبيرٍ: بين اليهود والنّصارى، وعن الحسن [والحكم] إنّهم كالمجوس. وقال قتادة: هم قومٌ يعبدون الملائكة، ويصلّون إلى غير القبلة، ويقرؤون الزّبور. وقال وهب بن منبّه: هم قومٌ يعرفون اللّه وحده، وليست لهم شريعةٌ يعملون بها، ولم يحدثوا كفرًا.
وقال ابن وهب: أخبرني ابن أبي الزّناد، عن أبيه قال: الصائبون: قومٌ ممّا يلي العراق، وهم بكوثى، وهم يؤمنون بالنّبيّين كلّهم، ويصومون كلّ سنةٍ ثلاثين يومًا، ويصلّون إلى اليمن كلّ يومٍ خمس صلواتٍ. وقيل غير ذلك.
وأمّا النّصارى فمعروفون، وهم حملة الإنجيل.
والمقصود: أنّ كلّ فرقةٍ آمنت باللّه وباليوم الآخر، وهو المعاد والجزاء يوم الدّين، وعملت عملًا صالحًا، ولا يكون ذلك كذلك حتّى يكون موافقًا للشّريعة المحمّديّة بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثّقلين فمن اتّصف بذلك {فلا خوفٌ عليهم} فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم {ولا هم يحزنون} وقد تقدّم الكلام على نظيراتها في سورة البقرة، بما أغنى عن إعادته). [تفسير القرآن العظيم: 3/156]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة