العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأحقاف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:15 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير سورة الأحقاف [ من الآية (17) إلى الآية (20) ]

{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:16 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى أتعدانني أن أخرج قال يعني البعث بعد الموت). [تفسير عبد الرزاق: 2/217]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة والكلبي في قوله تعالى والذي قال لوالديه أف لكما قالا عبد الرحمن بن أبي بكر). [تفسير عبد الرزاق: 2/219]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال سمعت أبي أنه سمع مينا يذكر أنه سمع عائشة تنكر أن يكون عبد الرحمن الذي نزلت فيه الآية وقالت هو فلان بن فلان سمت رجلا). [تفسير عبد الرزاق: 2/219]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {والّذي قال لوالديه: أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان اللّه، ويلك آمن إنّ وعد اللّه حقٌّ، فيقول: ما هذا إلّا أساطير الأوّلين} [الأحقاف: 17]
- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن يوسف بن ماهك، قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب، فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ شيئًا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا، فقال مروان: إنّ هذا الّذي أنزل اللّه فيه، {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني} [الأحقاف: 17] ، فقالت عائشة من وراء الحجاب: «ما أنزل اللّه فينا شيئًا من القرآن إلّا أنّ اللّه أنزل عذري»). [صحيح البخاري: 6/133]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج إلى قوله أساطير الأوّلين)
كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره الآية إلى آخرها وأفٍّ قرأها الجمهور بالكسر لكن نوّنها نافعٌ وحفصٌ عن عاصم وقرا بن كثير وبن عامر وبن محيصنٍ وهي روايةٌ عن عاصمٍ بفتح الفاء بغير تنوينٍ
- قوله عن يوسف بن ماهك بفتح الهاء وبكسرها ومعناه القمير تصغير القمر ويجوز صرفه وعدمه كما سيأتي قوله كان مروان على الحجاز أي أميرًا على المدينة من قبل معاوية وأخرج الإسماعيليّ والنّسائيّ من طريق محمّد بن زيادٍ هو الجمحيّ قال كان مروان عاملًا على المدينة قوله استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له في رواية الإسماعيليّ من الطّريق المذكورة فأراد معاوية أن يستخلف يزيد يعني ابنه فكتب إلى مروان بذلك فجمع مروان النّاس فخطبهم فذكر يزيد ودعا إلى بيعته وقال إنّ اللّه أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيًا حسنًا وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكرٍ وعمر قوله فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ شيئًا قيل قال له بيننا وبينكم ثلاثٌ مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكرٍ وعمر ولم يعهدوا كذا قال بعض الشّرّاح وقد اختصره فأفسده والّذي في رواية الإسماعيليّ فقال عبد الرّحمن ما هي إلّا هرقليّةٌ وله من طريق شعبة عن محمّد بن زيادٍ فقال مروان سنّة أبي بكرٍ وعمر فقال عبد الرّحمن سنّة هرقل وقيصر ولابن المنذر من هذا الوجه أجئتم بها هرقليّة تبايعون لأبنائكم ولأبي يعلى وبن أبي حاتمٍ من طريق إسماعيل بن أبي خالدٍ حدّثني عبد اللّه المدنيّ قال كنت في المسجد حين خطب مروان فقال إنّ اللّه قد أرى أمير المؤمنين رأيًا حسنًا في يزيد وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكرٍ وعمر فقال عبد الرّحمن هرقليّةٌ إنّ أبا بكرٍ واللّه ما جعلها في أحدٍ من ولده ولا في أهل بيته وما جعلها معاوية إلّا كرامةً لولده قوله فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا أي امتنعوا من الدّخول خلفه إعظامًا لعائشة وفي رواية أبي يعلى فنزل مروان عن المنبر حتّى أتى باب عائشة فجعل يكلّمها وتكلّمه ثمّ انصرف قوله فقال مروان إنّ هذا الّذي أنزل اللّه فيه في رواية أبي يعلى فقال مروان اسكت ألست الّذي قال اللّه فيه فذكر الآية فقال عبد الرّحمن ألست بن اللّعين الّذي لعنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله فقالت عائشة في رواية محمّد بن زيادٍ فقالت كذب مروان قوله ما أنزل اللّه فينا شيئًا من القرآن إلّا أنّ اللّه أنزل عذري أي الآية الّتي في سورة النّور في قصّة أهل الإفك وبراءتها ممّا رموها به وفي رواية الإسماعيليّ فقالت عائشة كذب واللّه ما نزلت فيه وفي روايةٍ له واللّه ما أنزلت إلّا في فلان بن فلانٍ الفلانيّ وفي روايةٍ له لو شئت أن أسمّيه لسمّيته ولكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعن أبا مروان ومروان في صلبه وأخرج عبد الرّزّاق من طريق ميناء أنّه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكر وقالت إنّما نزلت في فلان بن فلانٍ سمّت رجلًا وقد شغب بعض الرّافضة فقال هذا يدلّ على أنّ قوله ثاني اثنين ليس هو أبا بكرٍ وليس كما فهم هذا الرّافضيّ بل المراد بقول عائشة فينا أي في بني أبي بكرٍ ثمّ الاستثناء من عموم النّفي وإلّا فالمقام يخصّص والآيات الّتي في عذرها في غاية المدح لها والمراد نفي إنزال ما يحصل به الذّمّ كما في قصّة قوله والّذي قال لوالديه إلى آخره والعجب ممّا أورده الطّبريّ من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ قال نزلت هذه الآية في عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ وقد تعقّبه الزّجّاج فقال الصّحيح أنّها نزلت في الكافر العاقّ وإلّا فعبد الرّحمن قد أسلم فحسن إسلامه وصار من خيار المسلمين وقد قال اللّه في هذه الآية أولئك الّذين حقّ عليهم القول إلى آخر الآية فلا يناسب ذلك عبد الرّحمن وأجاب المهدويّ عن ذلك بأنّ الإشارة بأولئك للقوم الّذين أشار إليهم المذكور بقوله وقد خلت القرون من قبلي فلا يمتنع أن يقع ذلك من عبد الرّحمن قبل إسلامه ثمّ يسلم بعد ذلك وقد أخرج بن أبي حاتم من طريق بن جريجٍ عن مجاهدٍ قال نزلت في عبد الله بن أبي بكر الصّديق قال بن جريجٍ وقال آخرون في عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ قلت والقول في عبد اللّه كالقول في عبد الرّحمن فإنّه أيضًا أسلم وحسن إسلامه ومن طريق أسباط عن السّدّيّ قال نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ قال لأبويه وهما أبو بكرٍ وأمّ رومان وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم فكانا يأمرانه بالإسلام فكان يردّ عليهما ويكذّبهما ويقول فأين فلانٌ وأين فلانٌ يعني مشايخ قريشٍ ممّن قد مات فأسلم بعد فحسن إسلامه فنزلت توبته في هذه الآية ولكل درجات ممّا عملوا قلت لكنّ نفي عائشة أن تكون نزلت في عبد الرّحمن وآل بيته أصحّ إسنادًا وأولى بالقبول وجزم مقاتلٌ في تفسيره أنّها نزلت في عبد الرّحمن وأنّ قوله أولئك الّذين حق عليهم القول نزلت في ثلاثةٍ من كفّار قريشٍ واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/576-577]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إنّ وعد الله حقٌّ فيقول ما هاذا إلاّ أساطير الأوّلين} (الأحقاف: 17)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {والذي قال} إلى آخره إنّما ساق الآية إلى آخرها غير أبي ذر، وفي رواية أبي ذر: {والّذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج} إلى قوله: {أساطير الأوّلين} وليس في بعض النّسخ لفظ: باب: قوله: (والّذي قال لوالديه) ، إلى آخره وقيل: نزلت في عبد الله. وقيل: في عبد الرّحمن بن أبي بكر الصّديق، رضي الله تعالى عنهما، قبل إسلامه وكان أبواه يدعونه للإسلام وهو يأبى ويسيء القول ويخبرانه بالموت والبعث، وقد روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها كانت تنكر نزولها في عبد الرّحمن، وقال الزّجاج: من قال إنّها نزلت فيه فباطل والتّفسير الصّحيح أنّها نزلت في الكافر العاق لوالديه ذكره الواحدي وابن الجوزيّ. قوله: (أف كلمة) ، كراهة يقصد به إظهار السخط وقبح الرّد، وقرأ الجمهور بكسر الفاء لكن نونها نافع وحفص عن عاصم، وقرأ ابن كثير وابن عامر وامب محيصين وهي رواية عن عاصم بفتح الفار بغير تنوين. قوله: (أتعدانني) ، قراءة العامّة بنونين مخففتين، وروى هشام عن أهل الشّام بنون واحدة مشدّدة. قوله: (أن أخرج) ، أي: من قبري حيا بعد فنائي وبلائي (وقد خلت) مضت (القرون من قبل) ولم يبعث منهم أحد (وهما يستغيثان الله) يستصرخان الله ويستغيثانه عليه ويقولان الغياث باللّه منك ومن قولك، ويقولان له (ويلك آمن) أي: صدق بالبعث، فيقول هو: (ما هذا إلّا أساطير الأوّلين) والأساطير جمع أسطار وهو جمع سطر والسطر الخط والكتابة، وقال الجوهري: الأساطير الأباطيل وهو جمع أسطورة بالضّمّ وإسطارة بالكسر.
- حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ عن يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرّحمان بن أبي بكرٍ شيئا فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه فقال مروان إنّه هذا الّذي أنزل الله فيه: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني} فقالت عائشة من وراء الحجاب ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلاّ أنّ الله أنزل عذري.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأبو عوانة اسمه الوضاح، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة، جعفر بن أبي وحشية إياس، ويوسف ابن ماهك منصرف وغير منصرف وهو معرب ومعناه: قمير، مصغر القمر.
قوله: (كان مروان على الحجاز) ، أي: أميرا على المدينة من قبل معاوية. قوله: (فجعل يذكر يزيد بن معاوية) ، إلى آخره، قد أوضحه الإسماعيليّ في روايته بلفظ: أراد معاوية أن يستخلف يزيد فكتب إلى مروان وكان على المدينة فجمع النّاس فخطبهم وقال إن أمير المؤمنين قد رأى رأيا حسنا في يزيد ودعا إلى بيعة يزيد، فقال عبد الرّحمن: ما هي إلاّ هرقليّة، أن أبا بكر والله لم يجعلها في أحد من ولده ولا من أهل بلده ولا من أهل بيته، فقال مروان: ألست الّذي قال الله فيه: {والّذي قال لوالديه أف لكما} قال: فسمعتها عائشة، فقالت: يا مروان أنت القائل لعبد الرّحمن كذا وكذا، والله ما أنزلت إلاّ في فلان بن فلان الفلانيّ، وفي لفظ والله لو شئت أن أسمّيه لسميت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض أي: قطعة من لعنة الله عز وجل، فنزل مروان مسرعا حتّى أتى باب عائشة رضي الله تعالى عنها، فجعل يكلمها وتكلمه ثمّ انصرف، وفي لفظ، فقالت عائشة: كذب والله ما نزلت فيه. قوله: (فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكر شيئا) ، ولم يبين ما هذا الشّيء الّذي قاله عبد الرّحمن لمروان، وأوضح ذلك الإسماعيليّ في روايته، فقال: عبد الرّحمن: ما هي إلاّ هرقليّة، وله من طريق شعبة عن محمّد بن زياد فقال مروان: سنة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرّحمن: سنة هرقل. وقيصر. قوله: (فقال: خذوه) أي: فقال مروان لأعوانه خذوا عبد الرّحمن. قوله: (فدخل) أي: عبد الرّحمن بيت عائشة رضي الله تعالى عنها ملتجأ بها. قوله: (فلم يقدروا) أي: لم يقدروا على إخراجه من بيت عائشة إعظاما لعائشة امتنعوا من الدّخول في بيتها. قوله: (فقال مروان: إن هذا الّذي) أراد به عبد الرّحمن (أنزل الله فيه) أي: في حقه: {والّذي قال لوالدين أف لكما أتعدانني} (الأحقاف: 17) فأجابت عائشة بقولها: ما أنزل الله فينا شيئا إلى آخره. قوله: (إن الله أنزل عذري) أرادت بها الآيات الّتي نزلت في براءة ساحة عائشة. رضي الله تعالى عنها وهي: {إن الّذين جاءوا بالإفك} (النّور: 11) إلى آخره. قوله: (فينا) أرادت به بني أبي بكر لأن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه. نزل فيه {ثاني اثنين} (التّوبة: 40) وقوله: {محمّد رسول الله والّذين معه} (الفتح: 92) وقوله: {والسّابقون والأولون} وفي آي كثيرة). [عمدة القاري: 19/169-170]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان اللّه ويلك آمن إنّ وعد اللّه حقٌّ فيقول ما هذا إلاّ أساطير الأوّلين}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({والذي قال لوالديه أفٍّ لكما}) أي التأفيف لكما وهي كلمة كراهية ({أتعدانني أن أخرج}) من قبري حيًّا ({وقد خلت القرون من قبلي}) فلم
يبعث أحد منهم ({وهما يستغيثان الله}) أي يسألان الله أن يغيثه بالتوفيق للإيمان أو يقولان الغياث بالله منك ({ويلك}) أي يقولان له ويلك ({آمن}) وصدّق بالبعث وويلك دعاء بالثبور ({إن وعد الله}) بالبعث ({حق فيقول}) لهما: ({ما هذا إلا أساطير الأوّلين}) [الأحقاف: 17] أباطيلهم التي كتبوها وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وله من قوله وقد خلت القرون الخ وقال بعد قوله: {أن أخرج} إلى قوله {أساطير الأوّلين}.
- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية، لكى يبايع له، بعد أبيه فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ شيئًا: فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إنّ هذا الّذي أنزل اللّه فيه {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني} [الأحقاف: 17] فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللّه فينا شيئًا من القرآن، إلاّ أنّ اللّه أنزل عذري.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء يصرف ولا يصرف ومعناه قمير مصغر القمر أنه (قال: كان مروان) بن الحكم الأموي أميرًا (على الحجاز استعمله معاوية) بن أبي سفيان عليه وعند النسائي أنه كان عاملًا على المدينة وعند الإسماعيلي فأراد معاوية أن يستخلف يزيد يعني ابنه فكتب إلى مروان بذلك فجمع مروان الناس (فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه) وفي رواية الإسماعيلي وقال إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيًا حسنًا وأن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر (فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر) الصدّيق (شيئًا) لم يبينه ولأبي يعلى وابن أبي حاتم فقال أي عبد الرحمن هرقلية إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده ولابن المنذر أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم (فقال) أي مروان لأعوانه (خذوه) أي عبد الرحمن (فدخل بيت) أخته (عائشة) ملتجئًا بها (فلم يقدروا عليه) أي امتنعوا أن يخرجوه من بيتها إعظامًا لها وعند أبي يعلى فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب عائشة فجعل يكلمها وتكلمه وسقط عليه من اليونينية وثبت في الفرع وغيره (فقال مروان: إن هذا) يعني عبد الرحمن (الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني} فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا) آل أبي بكر (شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري) عن قصة أهل الإفك.
وعند الإسماعيلي فقالت عائشة: كذبت والله ما نزلت فيه، وفي رواية له والله ما أنزلت إلا في فلان ابن فلان الفلاني، وفي رواية لو شئت أن أسمّيه لسميته، ولكن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فالصحيح أن الآية نزلت في الكافر العاقّ، ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن فقوله ضعيف لأن عبد الرحمن قد أسلم وحسن إسلامه وصار من خيار المسلمين، ونفي عائشة أصح إسنادًا ممن روى غيره وأولى بالقبول). [إرشاد الساري: 7/339-340]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا بشرٌ، - يعني ابن المفضّل قال: حدّثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن عبد الله بن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، مرني بأمرٍ في الإسلام لا أسأل عنه أحدًا غيرك بعدك، قال: " قل: آمنت بالله، ثمّ استقم", قال: فما أتّقي؟، فأشار إلى لسانه،
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن عبد الله بن سفيان الثّقفيّ، عن أبيه، مثله). [السنن الكبرى للنسائي: 10/256]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما}
- أخبرنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثنا أميّة بن خالدٍ، عن شعبة، عن محمّد بن زيادٍ، قال: لمّا بايع معاوية لابنه، قال مروان: سنّة أبي بكرٍ وعمر، فقال عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ: سنّة هرقل وقيصر، فقال مروان: هذا الّذي أنزل الله فيه {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما} [الأحقاف: 17] الآية، فبلغ ذلك عائشة فقالت: «كذب والله، ما هو به، وإن شئت أن أسمّي الّذي أنزلت فيه لسمّيته، ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعن أبا مروان، ومروان في صلبه، فمروان فضضٌ من لعنة الله»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/257]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان اللّه ويلك آمن إنّ وعد اللّه حقٌّ فيقول ما هذا إلاّ أساطير الأوّلين}.
وهذا نعتٌ من اللّه تعالى ذكره نعت ضالٌّ به كافرٌ، وبوالديه عاقٌّ، وهما مجتهدان في نصيحته ودعائه إلى اللّه، فلا يزيده دعاؤهما إيّاه إلى الحقّ ونصيحتهما له إلاّ عتوًّا وتمرّدًا على اللّه، وتماديًا في جهله، يقول اللّه جلّ ثناؤه {والّذي قال لوالديه} أن دعواه إلى الإيمان باللّه، والإقرار ببعث اللّه خلقه من قبورهم، ومجازاته إيّاهم بأعمالهم {أفٍّ لكما} يقول: قذرًا لكما ونتنًا أتعدانني أن أخرج يقول {أتعدانني أن أخرج} من قبري من بعد فنائي وبلائي فيه حيًّا.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أتعدانني أن أخرج} أن أبعث بعد الموت.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {أتعدانني أن أخرج} قال: يعني البعث بعد الموت.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني} إلى آخر الآية؛ قال: الّذي قال هذا ابنٌ لأبي بكرٍ رضي اللّه عنه، قال: {أتعدانني أن أخرج} أتعدانني أن أبعث بعد الموت.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج} قال: هو الكافر الفاجر العاقّ لوالديه، المكذّب بالبعث.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ثمّ نعت عبد سوءٍ عاقًّا لوالديه فاجرًا فقال: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما} إلى قوله: {أساطير الأوّلين}.
وقوله: {وقد خلت القرون من قبلي} يقول: أتعدانني أن أبعث وقد مضت قرونٌ من الأمم قبلي، فهلكوا، فلم يبعث منهم أحدًا، ولو كنت مبعوثًا بعد وفاتي كما تقولان، لكان قد بعث من هلك قبلي من القرون {وهما يستغيثان اللّه} يقول تعالى ذكره: ووالداه يستصرخان اللّه عليه، ويستغيثانه عليه أن يؤمن باللّه، ويقرّ بالبعث ويقولان له: {ويلك آمن} أي صدّق بوعد اللّه، وأقرّ أنّك مبعوثٌ من بعد وفاتك، إنّ وعد اللّه الّذي وعد خلقه أنّه باعثهم من قبورهم، ومخرجهم منها إلى موقف الحساب لمجازاتهم بأعمالهم حقٌّ لا شكّ فيه فيقول عدوّ اللّه مجيبًا لوالديه، وردًّا عليهما نصيحتهما، وتكذيبًا بوعد اللّه: ما هذا الّذي تقولان لي وتدعواني إليه من التّصديق بأنّي مبعوثٌ من بعد وفاتي من قبري، إلاّ ما سطره الأوّلون من النّاس من الأباطيل، فكتبوه، فأصبتماه أنتما فصدّقتما). [جامع البيان: 21/144-145]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) يوسف بن ماهك - رحمه الله -: قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية؛ لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكرٍ شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إنّ هذا الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أفٍّ لكما} [الأحقاف: 17] فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، إلا ما أنزل في سورة النّور من براءتي. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(أف لكما) أفّ: صوت إذا صوّت به الإنسان علم أنه متضجر، واللام في (لكما) للبيان، ومعناه: هذا التأفيف لكما خاصة دون غيركما، والمعنى: الكراهية، وقيل: الكلام الغليظ، وقيل: أصل الأف، من وسخ الإصبع إذا فتل). [جامع الأصول: 2/352-354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 17 - 19.
أخرج البخاري عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية بن أبي سفيان فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه شيئا فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة رضي الله عنها فلم يقدروا عليه فقال مروان: إن هذا أنزل فيه {والذي قال لوالديه أف لكما} فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري). [الدر المنثور: 13/326-327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد والنسائي، وابن المنذر والحاكم وصححه، وابن مردويه عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن: سنة هرقل وقيصر، فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أف لكما} الآية فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: كذب مروان كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان في صلبه فمروان فضفض (فضفض: سعة) من لعنة الله). [الدر المنثور: 13/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عبد الله قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه: أهرقلية إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أف لكما فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وسمعتها عائشة فقالت: يا مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا كذبت والله ما فيه نزلت نزلت في فلان بن فلان). [الدر المنثور: 13/327-328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في {والذي قال لوالديه أف لكما} الآية قال: هذا ابن لأبي بكر). [الدر المنثور: 13/328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت هذه الآية {والذي قال لوالديه أف لكما} في عبد الرحمن بن أبي بكر قال لوالديه وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم فكانا يأمرانه بالإسلام ويرد عليهما ويكذبهما فيقول فأين فلان وأين فلان يعني مشايخ قريش ممن قد مات، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه فنزلت توبته في هذه الآية {ولكل درجات مما عملوا}). [الدر المنثور: 13/328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن مردويه من طريق ميناء أنه سمع عائشة رضي الله عنها تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وقالت: إنما نزلت في فلان بن فلان سمت رجلا). [الدر المنثور: 13/328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه {أتعدانني أن أخرج} قال: يعني البعث بعد الموت). [الدر المنثور: 13/328]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت قال يعني بهذا القرآن قوله قد خلت القرون من قبلي). [تفسير عبد الرزاق: 2/219]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين حقّ عليهم القول في أممٍ قد خلت من قبلهم من الجنّ والإنس إنّهم كانوا خاسرين (18) ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وليوفّيهم أعمالهم وهم لا يظلمون}.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين هذه الصّفة صفتهم، الّذين وجب عليهم عذاب اللّه، وحلّت بهم عقوبته وسخطه، فيمن حلّ به عذاب اللّه على مثل الّذي حلّ بهؤلاء من الأمم الّذين مضوا قبلهم من الجنّ والإنس، الّذين كذّبوا رسل اللّه، وعتوا عن أمر ربّهم.
- وقوله: {إنّهم كانوا خاسرين} يقول تعالى ذكره: إنّهم كانوا المغبونين ببيعهم الهدى بالضّلال والنّعيم بالعقاب.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن، قال: الجنّ لا يموتون قال قتادة: فقلت {أولئك الّذين حقّ عليهم القول في أممٍ قد خلت} الآية). [جامع البيان: 21/145-146]

تفسير قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا} يقول تعالى ذكره: ولكلّ هؤلاء الفريقين: فريق الإيمان باللّه واليوم الآخر، والبرّ بالوالدين، وفريق الكفر باللّه واليوم الآخر، وعقوق الوالدين اللّذين وصف صفتهم ربّنا عزّ وجلّ في هذه الآيات منازل ومراتب عند اللّه يوم القيامة، ممّا عملوا، يعني من عملهم الّذي عملوه في الدّنيا من صالحٍ وحسنٍ وسيّئٍ يجازيهم اللّه به.
- وقد: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا} قال: درج أهل النّار يذهب سفالاً، ودرج أهل الجنّة يذهب علوًّا.
{وليوفّيهم أعمالهم} يقول جلّ ثناؤه: وليعطى جميعهم أجور أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا، المحسن منهم بإحسانه ما وعد اللّه من الكرامة، والمسيء منهم بإساءته ما أعدّه من الجزاء {وهم لا يظلمون} يقول: وجميعهم لا يظلمون: لا يجازى المسيء منهم إلاّ عقوبةً على ذنبه، لا على ما لم يعمل، ولا يحمل عليه ذنب غيره، ولا يبخس المحسن منهم ثواب إحسانه). [جامع البيان: 21/146-147]

تفسير قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا جرير بن حازم، أنه سمع الحسن يقول: قدم على أمير المؤمنين عمر وفد أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري، قال: كنا ندخل عليه وله كل يوم خبز يلت، فربما وافقناها مأدومة بسمن، وأحيانا بالزيت، وأحيانا باللبن، فربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت، ثم أغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل، فقال لنا يومًا: إني والله لقد أرى تقذركم، وكراهيتكم طعامي، وإني والله لو شئت لكنت أطيبكم طعامًا، وأرقكم عيشًا، أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة، و صلاء، وصناب و صلائق - قال جرير: والصلاء: الشواء، والصناب: الخردل، والصلائق: الخبر الرقاق- ولكني سمعت الله عير أقوامًا بأمر فعلوه، فقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} [سورة الأحقاف: 20]، قال: فكلمنا أبو موسى، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين، ففرض لكم من بيت المال طعامًا تأكلونه، قال: فكلمناه، فقال: يا معشر الأمراء، أما ترضون لأنفسكم ما أرضى به لنفسي، قال: فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن المدينة أرض العيش فيها شديد، ولا نرى طعامك يُغشى، ولا يؤكل، وإنا بأرضٍ ذات ريف، وإن أميرنا يُغشى طعامه ويؤكل، قال: فنكس ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين، وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين، ثم كل أنت وأصحابك، ثم ادع بشرابك فاشرب، ثم اسق الذي عن يمينيك، ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر، وكل أنت وأصحابك، ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فإن تجنبكم للناس لا يحسن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، والله مع ذلك ما أظن رستاقًا يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرعان في خرابه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 365-367]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة قال أخبرني رجل من أهل المدينة في قوله تعالى أذهبتم طيبتكم قال أبصر عمر مع جابر بن عبد الله إنسانا يحمل شيئا فقال ما هذا فقال لحم اشتريته بدرهم فقال عمر ما يقدم أحدكم قومه إلا أخرج درهما فاشترى به لحما أما سمعتم الله يقول أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا). [تفسير عبد الرزاق: 2/216]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن هشام بن عروة في قوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا أن عمر بن الخطاب قال لو شئت أن أذهب طيباتي في حياتي الدنيا لأمرت بجدي سمين فطبخ باللبن). [تفسير عبد الرزاق: 2/217]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر قال قتادة قال عمر لو شئت أن أكون أطيبكم طعاما وألينكم ثوبا لفعلت ولكني أستبقي طيباتي). [تفسير عبد الرزاق: 2/217]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا سفيان بن عيينة، عن أبي فروة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال: قدم على عمر ناسٌ من العراق فرأى كأنّهم يأكلون تعذيرًا، فقال: ما هذا يا أهل العراق؟ لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت، ولكنّا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا، أما سمعتم اللّه قال: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 146-147]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تفسقون}.

يقول تعالى ذكره: {ويوم يعرض الّذين كفروا} باللّه {على النّار} يقال لهم: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها} فيها.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار} قرأ يزيد حتّى بلغ {وبما كنتم تفسقون} تعلمون واللّه أنّ أقوامًا يسترطون حسناتهم استبقى رجلٌ طيّباته إن استطاع، ولا قوّة إلاّ باللّه ذكر أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول: لو شئت كنت أطيبكم طعامًا، وألينكم لباسًا، ولكنّي أستبقي طيّباتي وذكر لنا أنّه لمّا قدم الشّأم، صنع له طعامٌ لم ير قبله مثله، قال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الّذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشّعير؟ قال خالد بن الوليد: لهم الجنّة، فاغرورقت عينا عمر، وقال: لئن كان حظّنا في الحطام، وذهبوا قال أبو جعفرٍ: فيما أرى أنا بالجنّة، لقد باينونا بونًا بعيدًا.
وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل على أهل الصّفّة مكانًا يجتمع فيه فقراء المسلمين، وهم يرقعون ثيابهم بالأدم، ما يجدون لها رقاعًا، قال: أنتم اليوم خيرٌ، أو يوم يغدو أحدكم في حلّةٍ، ويروح في أخرى، ويغدى عليه بجفنةٍ، ويراح عليه بأخرى، ويستر بيته كما تستر الكعبة؟ قالوا: نحن يومئذٍ خيرٌ، قال: بل أنتم اليوم خيرٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: حدّثنا صاحبٌ، لنا عن أبي هريرة، قال: إنّما كان طعامنا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الأسودين: الماء والتّمر، واللّه ما كنّا نرى سمراءكم هذه، ولا ندري ما هي.
- قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي بردة بن عبد اللّه بن قيسٍ الأشعريّ، عن أبيه، قال: أي بنيّ لو شهدتنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن مع نبيّنا إذا أصابتنا السّماء حسبت أنّ ريحنا ريح الضّأن، إنّما كان لباسنا الصّوف.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا} إلى آخر الآية، ثمّ قرأ {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} وقرأ {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها} وقرأ {من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} إلى آخر الآية، وقال: هؤلاء الّذين أذهبوا طيّباتهم في حياتهم الدّنيا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {أذهبتم طيّباتكم}، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار {أذهبتم} بغير استفهامٍ، سوى أبي جعفرٍ القارئ، فإنّه قرأه بالاستفهام، والعرب تستفهم بالتّوبيخ، وتترك الاستفهام فيه، فتقول: أذهبت ففعلت كذا وكذا، وذهبت ففعلت وفعلت وأعجب القراءتين إليّ ترك الاستفهام فيه، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، ولأنّه أفصح اللّغتين.
وقوله {فاليوم تجزون عذاب الهون} يقول تعالى ذكره: يقال لهم: فاليوم أيّها الكافرون الّذين اذهبوا طيّباتهم في حياتهم الدّنيا تجزون: أي تثابون عذاب الهون، يعني عذاب الهوان، وذلك عذاب النّار الّذي يهينهم.
- كما: حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {عذاب الهون} قال: الهوان {بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ} يقول: بما كنتم تتكبّرون في الدّنيا على ظهر الأرض على ربّكم، فتأبون أن تخلصوا له العبادة، وأن تذعنوا لأمره ونهيه بغير الحقّ، أي بغير ما أباح لكم ربّكم، وأذن لكم به {وبما كنتم تفسقون} يقول: بما كنتم فيها تخالفون طاعته فتعصونه). [جامع البيان: 21/147-150]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فاليوم تجزون عذاب الهون يعني الهوان). [تفسير مجاهد: 2/594]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميديّ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، سمع صفوان بن عبد اللّه بن صفوان، يقول: استأذن سعدٌ على ابن عامرٍ وتحته مرافق من حريرٍ، فأمر بها فرفعت فدخل عليه وعليه مطرف خزٍّ فقال له: استأذنت عليّ وتحتي مرافق من حريرٍ، فأمرت بها فرفعت فقال له: " نعم الرّجل أنت يا ابن عامرٍ إن لم تكن ممّن قال اللّه عزّ وجلّ: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا} [الأحقاف: 20] واللّه لأن أضطجع على جمر الغضا أحبّ إليّ من أن أضطجع عليها «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه» وشاهده حديث عمر بن الخطّاب من رواية القاسم بن عبد اللّه العمريّ
- حدّثناه أبو عليٍّ الحسين بن عليٍّ الحافظ، ثنا إبراهيم بن أبي طالبٍ، ثنا عبد اللّه بن الجرّاح، ثنا القاسم بن عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، أنّ عمر رضي اللّه عنه، رأى في يد جابر بن عبد اللّه درهمًا، فقال: «ما هذا الدّرهم؟» فقال: أريد أن أشتري لأهلي بدرهمٍ لحمًا. فرموا إليه فقال عمر: " أكلّ ما اشتهيتم اشتريتموها ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لابن عمّه، وجاره أن تذهب عنكم هذه الآية {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها} [الأحقاف: 20] "). [المستدرك: 2/494]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 20.
أخرج ابن مردويه عن حفص بن أبي العاصي قال: كنا نتغدى مع عمر رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله في كتابه {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم} الآية). [الدر المنثور: 13/328-329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه رأى في يد جابر بن عبد الله درهما فقال: ما هذا الدرهم قال: أريد أن أشتري به لحما لأهلي قرموا (قرموا إليه: اشتهوه) إليه فقال: أفكلما اشتهيتم شيئا اشتريتموه أين تذهب عنكم هذه الآية {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}). [الدر المنثور: 13/329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن الأعمش قال: مر جابر بن عبد الله وهو متعلق لحما على عمر رضي الله عنه فقال ما هذا يا جابر قال: هذا لحم اشتهيته اشتريته، قال: وكلما اشتهيت شيئا اشتريته أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا}). [الدر المنثور: 13/329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر كان يقول: والله ما يعني بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان (الأسعان: جمع سعنة: القربة) حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا لأنا سمعنا الله يقول: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} الآية). [الدر المنثور: 13/329-330]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: قدم على عمر رضي الله عنه ناس من العراق فرأى كأنهم يأكلون هديرا (الهدير: العشب طال وعظم) فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت ولكنا نستبقي من ربنا ما نجده في آخرتنا أما سمعتم الله يقول لقوم {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} الآية). [الدر المنثور: 13/330]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} قال: تعلموا أن أقواما يسترطون حسناتهم في الدنيا استبقى رجل طيباته إن استطاع ولا قوة إلا بالله، قال: وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا ولكني أستبقي طيباتي وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله قال: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر رضي الله عنه فقال: لئن كان حظنا من هذا الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا). [الدر المنثور: 13/330-331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز رضي الله عنه قال: ليطلبن ناس حسنات عملوها فيقال لهم {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} الآية). [الدر المنثور: 13/331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: أتي عمر رضي الله عنه بشربة عسل فقال: والله لا أتحمل فضلها اسقوها فلانا). [الدر المنثور: 13/331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رآني عمر رضي الله عنه وأنا متعلق لحما فقال يا جابر ما هذا قلت: لحم اشتريته بدرهم لنسوة عندي قرمن إليه فقال أما يشتهي أحدكم شيئا إلا صنعه أما يجد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره، وابن عمه أين تذهب هذه الآية {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} قال فما انفلت منه حتى كدت أن لا أنفلت). [الدر المنثور: 13/331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد، وعبد بن حميد عن حميد بن هلال قال: كان حفص رضي الله عنه يكثر غشيان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكان إذا قرب طعامه اتقاه فقال له عمر رضي الله عنه: ما لك ولطعامنا فقال: يا أمير المؤمنين إن أهلي يصنعون لي طعاما هو أبين من طعامك فأختار طعامهم على طعامك فقال: ثكلتك أمك أما تراني لو شئت أمرت بشاة فتية سمينة فألقي عنها شعرها ثم أمرت بدقيق فنخل في خرقة فجعل خبزا مرققا وأمرت بصاع من زبيب فجعل في سمن حتى يكون كدم الغزال فقال حفص: إني أراك تعرف لين الطعام، فقال عمر رضي الله عنه: ثكلتك أمك والذي نفسي بيده لولا كراهية أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لأشركتكم في لين طعامكم). [الدر المنثور: 13/331-332]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك، وابن سعد وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد وأبو نعيم في الحلية عن الحسن قال: قدم وفد أهل البصرة على عمر مع أبي موسى الأشعري فكان له في كل يوم خبز يلت فربما وافقناها مأدومة بزيت وربما وافقناها مأدومة بسمن وربما وافقناها مأدومة بلبن وربما وافقناها القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي لها وربما وافقناها اللحم الغريض وهو قليل، قال وقال لنا عمر رضي الله عنه: إني والله لقد أرى تقديركم وكراهيتكم طعامي أما والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وأرقكم عيشا أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة وعن صلى وصناب وسلائق ولكني وجدت الله عير قوما بأمر فعلوه فقال {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}). [الدر المنثور: 13/332-333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة فقدم من غزاة فأتاها فإذا بمسح على بابها ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضة فرجع ولم يدخل عليها فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل من أجل ما رأى فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان فقسمته بينهما فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يبكيان فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما فقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج فإن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 13/333-334]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:17 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا...}.
ذكر أنه عبد الرحمن بن أبي بكر قال هذا القول قبل أن يسلم: {أُفٍّ لَكُمَا} قذراً لكما أتعدانني أن أخرج من القبر؟
واجتمعت القراء على {أُخرَج} بضم الألف لم يسم فاعله، ولو قرئت: أن أخرج بفتح الألف كان صوابا.
وقوله: {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ...}.
ويقولان: "وَيْلَكَ آَمِنْ ". القول مضمر يعني: أبا بكر رحمه الله وامرأته). [معاني القرآن: 3/53-54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: ({وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)}
{أُفٍّ لَكُمَا} وقد قرئت {أفّ لكم}{أفّ لكما} وقد فسرنا ذلك في سورة بني إسرائيل.
وقوله: {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ}.
ويقرأ {أَنْ أُخْرَجَ } ويجوز {أتعداني} بالإدغام، وإن شئت أظهرت النونين.
وإن شئت أسكنت الياء، وإن شئت فتحتها.
وقد رويت عن بعضهم أتعدانني - بالفتح. وذلك لحن لا وجه له، فلا تقرأنّ به، لأن فتح نون الاثنين خطأ، وإن حكي ذلك في شذوذ، فلا تحمل القراءة على الشذوذ.
ويروى أن قوله في الآية التي قبل هذه إلى قولك له: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ} نزلت في أبي بكر رحمة اللّه عليه.
فأما قوله: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} فقال بعضهم: إنها نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه، وهذا يبطله). [معاني القرآن: 4/443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} [آية: 17]
قال الفراء {أُفٍّ لَكُمَا} أي قذرا لكما أتعدانني أن أخرج
روى سعيد عن قتادة قال هذا عبد سوء نعته الله جل وعز قال لوالديه أتعدانني أن أبعث). [معاني القرآن: 6/450]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ...}.
لم تنزل في عبد الرحمن بن أبي بكر، ولكن عبد الرحمن، قال: ابعثوا [لي] جدعان بن عمرو، وعثمان بن عمرو ـ وهما من أجداده ـ حتى أسألهما عما يقول محمد صلى الله عليه وسلم ـ أحق أم باطل؟ فأنزل الله: {أولائك الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}. يعني: جدعان، وعثمان). [معاني القرآن: 3/54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: ({أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)} فأعلم اللّه أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب، وإذا أعلم بذلك فقد أعلم أنهم لا يؤمنون، وعبد الرحمن مؤمن، ومن أفاضل المؤمنين.
وسرواتهم. والتفسير الصحيح أنها نزلت في الكافر العاق). [معاني القرآن: 4/443-444]

تفسير قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)}
{وَلِيُوَفِّيَهُمْ} {ولنوفّيهم} جميعا، بالنون والياء). [معاني القرآن: 4/444]

تفسير قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ...}
قرأها الأعمش وعاصم ونافع المدني بغير استفهام، وقرأها الحسن وأبو جعفر المدني بالاستفهام: "{أأذهبتم}"، والعرب تستفهم بالتوبيخ ولا تستفهم فيقولون: ذهبت ففعلت وفعلت، ويقولون: أذهبت ففعلت وفعلت، وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 3/54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ(20)}
أكثر القراءة الفتح في النون والتفخيم في النار، وأكثر كلام العرب على إمالة الألف إلى الكسر، وبها يقرأ أبو عمرو {عَلَى النَّارِ} يختار الكسر في الرّاء، لأن الراء عندهم حرف مكرر، فكان كسرته كسرتان.
وقوله عزّ وجلّ: {أذهبتم طيّباتكم}
بغير ألف الاستفهام، ويقرأ {أأذهبتم} - بهمزتين محققتين، وبهمزتين الثانية منهما مخففة، وهذه الألف للتوبيخ، التوبيخ إن شئت أثبت فيه الألف، وإن شئت حذفتها، كما تقول: " يا فلان أحدثت ما لا يحل لك جنيت على نفسك " إذا وبّختة.
وإن شئت: أأخذت ما لا يحل لك، أجنيت على نفسك.
وقوله عزّ وجلّ: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} معناه الهوان). [معاني القرآن: 4/444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [آية: 20]
وقرأ يزيد بن القعقاع {أذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} بالاستفهام
قال أبو جعفر العرب تقرر وتوبخ بالاستفهام وغير الاستفهام
ويروى أن عمر رضي الله عنه رأى جابر بن عبد الله ومعه إنسان يحمل شيئا فقال ما هذا فقال لحم اشتريته بدرهم فقال أكلما قام أحدكم اشترى لحما بدرهم والله لو شئت أن أكون أطيبكم طعاما والينكم ثوبا لفعلت ولكن الله يقول أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فأنا اترك طيباتي.
وقوله جل وعز: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [آية: 20] قال مجاهد الهون الهوان). [معاني القرآن: 6/450-451]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:19 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) }

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) }

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 10:55 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 10:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 05:28 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والذي قال لوالديه أف لكما} الآية، "الذي" يعنى به الجنس على حد العموم الذي في الآية التي قبلها في قوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه}، هذا قول الحسن وجماعة، ويشبه أن لها سببا من رجل قال ذلك لأبويه، فلما فرغ من ذكر ذلك الموفق عقب بذكر هذا العاق. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب الطبري: نزلت في هذه الآية في ابن لأبي بكر، ولم يسمه. وقال مروان بن الحكم: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقاله قتادة، وذلك أنه كان أكبر أولاد أبي بكر وشهد بدرا وأحدا مع الكفار، وقال لأبيه في الحرب:
لم يبق إلا شكة ويعبوب ... وصارم يقتل ضلال الشيب
ودعاه للمبارزة، فكان بمكة على نحو هذه الخلق، فقيل إنها نزلت فيه. وروي أن مروان بن الحكم خطب وهو أمير المدينة فدعا الناس إلى بيعة يزيد، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: جعلتموها هرقلية، كلما مات هرقل ولي هرقل، وكلما مات قيصر ولي قيصر، فقال مروان: خذوه، فدخل عبد الرحمن بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقال مروان: إن هذا هو الذي قال الله تعالى فيه: {والذي قال لوالديه أف لكما}، فسمعته عائشة رضي الله عنها، فأنكرت ذلك عليه، وسبت مروان، وقالت: والله ما نزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي، وإني لأعرف فيمن نزلت هذه الآية. وذكر ابن عبد البر أن الذي خطب هو معاوية رضي الله عنه، وذلك وهم، والأصوب أن تكون عامة في أهل هذه الصفات ولم يقصد بها عبد الرحمن ولا غيره من المؤمنين، والدليل القاطع على ذلك قوله تعالى: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم} وكان عبد الرحمن رضي الله عنه من أفضل الصحابة، ومن الأبطال، وممن له في الإسلام غناء، ويكفيه مقامه مع مروان يوم اليمامة وغيره.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وطلحة بن مصرف: "أف" بكسر الفاء بغير تنوين، وذلك فيها علامة تعريف. وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وابن محيصن، وشبل، وعمرو بن عبيد: "أف" بالفتح، وهي لغة، الكسر والفتح، وقرأ نافع، وحفص عن عاصم، وأبو جعفر، وشيبة، والحسن، والأعرج: "أف" بالكسر والتنوين، وذلك علامة تنكير، وهي كصه، وكما تستطعم رجلا حديثا غير معين فتقول: "إيه" منونة، فإن كان حديثا مشارا إليه قلت: "إيه" بغير تنوين، و"أف": أصلها في الأقذار، وكانت العرب إذا رأت قذرا قالت: "أف"، ثم صيره الاستعمال يقال في كل ما يكره من الأقوال والأفعال.
وقرأ هشام عن ابن عامر، وعاصم، وأبو عمرو فيما روي عنه-: "أتعداني"، وقرأ أبو عمرو، ونافع، وشيبة، والأعرج، والحسن، وأبو جعفر، وجمهور القراء: "أتعدانني" بنونين، والقراءة الأولى هي بإدغام النون في النون، وقرأ نافع أيضا: "أتعداني" بنون واحدة وإظهار الياء، وقرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، وأبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وقتادة، وأبو رجاء، وابن وثاب، وجمهور الناس: "أن أخرج" بضم الهمزة وفتح الراء. وقرأ الحسن، وابن يعمر، والأعمش، وابن مصرف، والضحاك: "أن أخرج" بفتح الهمزة وضم الراء. والمعنى: أن أخرج من القبر للحشر والمعاد، وهذا القول منه استفهام بمعنى الهزء والاستبعاد، وقوله تعالى: {وقد خلت القرون من قبلي} معناه: هلكت ومضت ولم يخرج منهم أحد، وقوله: {وهما يستغيثان الله} يعني: الوالدين، ويقال: استغثت الله واستغثت بالله بمعنى واحد. و"ويلك" دعاء لمن يحقر ويحرك لأمر ما يستعجل إليه.
وقرأ الأعرج: "أن وعد الله حق" بفتح الهمزة، والناس على كسرها، وقوله: {ما هذا إلا أساطير الأولين} أي: ما هذا القول الذي يتضمن البعث من القبور إلا شيء قد سطره الأولون في كتبهم، يعني: الشرائع، وظاهر ألفاظ هذه الآية أنها نزلت في مشار إليه قال وقيل له، فنعى الله تعالى أقواله تحذيرا من الوقوع في مثلها.
قوله تعالى: {أولئك الذين حق}، ظاهر أنها إشارة إلى جنس يتضمنه قوله تعالى: "والذي قال"، ويحتمل -إن كانت الآية في مشار إليه- أن يكون قوله تعالى: "أولئك" بمعنى: صنف هذا المذكور وجنسه هم الذين حق عليهم القول، أي: قول الله تعالى، وقوله تعالى: {قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} يقتضي أن الجن يموتون كما يموت البشر قرنا بعد قرن، وقد جاء حديث يقتضي ذلك. وقال الحسن بن أبي الحسن في بعض مجالسه: "الجن لا تموت"، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت). [المحرر الوجيز: 7/ 621-623]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولكل درجات} يعني المحسنين والمسيئين. وقال ابن زيد: درجات المحسنين تذهب علوا، ودرجات المسيئين تذهب سفلا، وقرأ أبو عبد الرحمن: "ولتوفيهم" بالتاء من فوق، أي الدرجات. وقرأ جمهور الناس: "وليوفيهم" بالياء، وقرأ نافع -بخلاف عنه- وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، وطلحة، والأعمش: "ولنوفيهم" بالنون، وقرأ اللؤلؤي في حرف أبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهما: "ولنوفينهم" بنون أولى ونون ثانية مشددة وبفتح اللام، وكل امرئ يجني ثمرة عمله من خير أو شر ولا يظلم في مجازاته، بل يوضع كل أمر موضعه من ثواب أو عقاب).[المحرر الوجيز: 7/ 623]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون * واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}
المعنى: واذكر يوم يعرض، وهذا العرض هو بالمباشرة، كما تقول: عرضت العود على النار والجاني على السوط، والمعنى: يقال لهم: أذهبتم طيباتكم، وقرأ الجمهور على الخبر، ولذلك حسنت الفاء بعد ذلك، وقرأ ابن كثير، والحسن، والأعرج، وأبو جعفر، ومجاهد، وقتادة، وابن وثاب: "آذهبتم" بهمزة مطولة على التوبيخ والتقرير الذي هو في لفظ الاستفهام، وقرأ ابن عامر: "أأذهبتم" بهمزتين تقريرا أيضا، التوبيخ والتقرير إخبار بالمعنى، ولذلك حسنت الفاء، وإلا فهي لا تحسن في جواب على حد هذه مع الاستفهام المحض.
والطيبات: الملاذ، وهذه الآية وإن كانت في الكفار فهي وازعة لأولي النهى من المؤمنين عن الشهوات واستعمال الطيبات، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: "أتظنون أنا لا نعرف طيب الطعام؟ ذلك لباب البر بصغار المعزى، ولكنا رأينا الله تعالى نعى على قوم أنهم أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا"، ذكر هذا في كلامه مع الربيع بن زياد، وقال أيضا نحو هذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام، فقدم إليه طعام طيب، فقال عمر رضي الله عنه: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد: لهم الجنة، فبكى عمر وقال: لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا. وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: اشتريت لحما بدرهم فرآني عمر، فقال: أو كلما اشتهى أحدكم شيئا اشتراه فأكله؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية.
وعذاب الهون: العذاب الذي اقترن به هوان، وهو عذاب العصاة المواقعين ما قد نهوا عنه، وهذا بين في عذاب الدنيا، فعذاب المحدود في معصية كالحرابة ونحوها مقترن بهون، وعذاب المقتول في حرب لا هون معه، فالهون والهوان بمعنى). [المحرر الوجيز: 7/ 624]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 06:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 06:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان اللّه ويلك آمن إنّ وعد اللّه حقٌّ فيقول ما هذا إلّا أساطير الأوّلين (17) أولئك الّذين حقّ عليهم القول في أممٍ قد خلت من قبلهم من الجنّ والإنس إنّهم كانوا خاسرين (18) ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وليوفّيهم أعمالهم وهم لا يظلمون (19) ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تفسقون (20) }
لـمّا ذكر تعالى حال الدّاعين للوالدين البارّين بهما وما لهم عنده من الفوز والنّجاة، عطف بحال الأشقياء العاقّين للوالدين فقال: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما} -وهذا عامٌّ في كلّ من قال هذا، ومن زعم أنّها نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ فقوله ضعيفٌ؛ لأنّ عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه.
وروى العوفي، عن ابن عبّاسٍ: أنّها نزلت في ابنٍ لأبي بكرٍ الصّدّيق. وفي صحّة هذا نظرٌ، واللّه أعلم.
وقال ابن جريج، عن مجاهدٍ: نزلت في عبد اللّه بن أبي بكرٍ. وهذا أيضًا قاله ابن جريجٍ.
وقال آخرون: عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ. وقاله السّدّيّ. وإنّما هذا عامٌّ في كلّ من عقّ والديه وكذّب بالحقّ، فقال لوالديه: {أفٍّ لكما} عقّهما.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، أخبرني عبد اللّه بن المدينيّ قال: إنّي لفي المسجد حين خطب مروان، فقال: إنّ اللّه أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيًا حسنًا، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكرٍ عمر، فقال عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ: أهرقليّةٌ؟! إنّ أبا بكرٍ واللّه ما جعلها في أحدٍ من ولده، ولا أحدا من أهل بيته، ولا جعلها معاوية في ولده إلّا رحمةً وكرامةً لولده. فقال مروان: ألست الّذي قال لوالديه: أفٍّ لكما؟ فقال عبد الرّحمن: ألست ابن اللّعين الّذي لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أباك؟ قال: وسمعتهما عائشة فقالت: يا مروان، أنت القائل لعبد الرّحمن كذا وكذا؟ كذبت، ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلانٍ. ثمّ انتحب مروان، ثمّ نزل عن المنبر حتّى أتى باب حجرتها،فجعل يكلّمها حتّى انصرف.
وقد رواه البخاريّ بإسنادٍ آخر ولفظٍ آخر، فقال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية بن أبي سفيان، فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ شيئًا، فقال: خذوه. فدخل بيت عائشة، رضي اللّه عنها، فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إنّ هذا الّذي أنزل فيه: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي} فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللّه فينا شيئًا من القرآن، إلّا أنّ اللّه أنزل عذري.
طريقٌ أخرى: قال النّسائيّ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا أميّة بن خالدٍ، حدّثنا شعبة، عن محمّد بن زيادٍ قال: لـمّا بايع معاوية لابنه، قال مروان: سنّة أبي بكرٍ وعمر. فقال عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ: سنّة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الّذي أنزل اللّه فيه: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما} الآية، فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان! واللّه ما هو به، ولو شئت أن أسمّي الّذي أنزلت فيه لسمّيته، ولكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضضٌ من لعنة اللّه.
وقوله: {أتعدانني أن أخرج} أي: [أن] أبعث {وقد خلت القرون من قبلي} أن قد مضى النّاس فلم يرجع منهم مخبرٌ، {وهما يستغيثان اللّه} أي: يسألان اللّه فيه أن يهديه ويقولان لولدهما: {ويلك آمن إنّ وعد اللّه حقٌّ فيقول ما هذا إلا أساطير الأوّلين}
قال اللّه [تعالى] {أولئك الّذين حقّ عليهم القول في أممٍ قد خلت من قبلهم من الجنّ والإنس إنّهم كانوا خاسرين} أي: دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
وقوله: {أولئك} بعد قوله: {والّذي قال} دليلٌ على ما ذكرناه من أنّه جنسٌ يعمّ كلّ من كان كذلك.
وقال الحسن وقتادة: هو الكافر الفاجر العاقّ لوالديه، المكذّب بالبعث.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود، من طريق هشام بن عمّارٍ: حدّثنا حمّاد بن عبد الرّحمن، حدّثنا خالد بن الزّبرقان الحلبيّ، عن سليمان بن حبيبٍ المحاربيّ، عن أبي أمامة الباهليّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أربعةٌ لعنهم اللّه من فوق عرشه، وأمّنت عليهم الملائكة: مضلّ المساكين -قال خالدٌ: الّذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول: هلمّ أعطيك، فإذا جاءه قال: ليس معي شيءٌ-والّذي يقول للمكفوف: اتّق الدّابّة، وليس بين يديه شيءٌ. والرّجل يسأل عن دار القوم فيدلّونه على غيرها، والّذي يضرب الوالدين حتّى يستغيثا". غريبٌ جدًّا). [تفسير ابن كثير: 7/ 283-284]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا} أي: لكلٍّ عذابٌ بحسب عمله، {وليوفّيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} أي: لا يظلمهم مثقال ذرّةٍ فما دونها.
قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: درجات النّار تذهب سفالًا ودرجات الجنّة تذهب علوًّا). [تفسير ابن كثير: 7/ 284]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها} أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا. وقد تورّع [أمير المؤمنين] عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، عن كثيرٍ من طيّبات المآكل والمشارب، وتنزّه عنها، ويقول: [إنّي] أخاف أن أكون كالّذين قال اللّه تعالى لهم وقرّعهم: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها}
وقال أبو مجلز: ليتفقّدنّ أقوامٌ حسنات كانت لهم في الدّنيا، فيقال لهم: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا}
وقوله: {فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تفسقون} فجوزوا من جنس عملهم، فكما نعّموا أنفسهم واستكبروا عن اتّباع الحقّ، وتعاطوا الفسق والمعاصي، جازاهم اللّه بعذاب الهون، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة، والحسرات المتتابعة والمنازل في الدّركات المفظعة، أجارنا اللّه من ذلك كلّه). [تفسير ابن كثير: 7/ 284-285]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة