العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:57 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (93) إلى الآية (95) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (93) إلى الآية (95) ]

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:09 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى إلا ما حرم إسرائيل على نفسه قال اشتكى إسرائيل عرق النساء فقال إن الله شفاني لأحرمن العروق فحرمها). [تفسير عبد الرزاق: 1/126]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر قال الكلبي قال إسرائيل إن الله شفاني لأحرمن أطيب الطعام والشراب أو قال أحب الطعام والشراب إلي فحرم لحوم الإبل وألبانها). [تفسير عبد الرزاق: 1/126]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان إسرائيل أخذه عرق النساء فكان يبيت له زقاء فجعل الله عليه إن شفاه ألا يأكل العروق فأنزل الله كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه قال سفيان له زقاء قال صياح). [تفسير عبد الرزاق: 1/126]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، أنّ أعرابيًّا قال لابن عبّاسٍ: إنّي قلت لامرأتي: هي عليّ حرامٌ؟ قال: فإنّها ليست عليك بحرامٍ، قال: فأين قول اللّه عزّ وجلّ: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه} ؟ قال: هل تدري ما حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: لا، قال: إنّ إسرائيل أخذته الأنساء، فأضنته، فجعل لله عليه: إن الله عافاه: أن لا يأكل عرقًا أبدًا، فلذلك (تسلّ) اليهود العروق، ولا يأكلونها). [سنن سعيد بن منصور: 3/1067]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {قل: فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93]
- حدّثني إبراهيم بن المنذر، حدّثنا أبو ضمرة، حدّثنا موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما: أنّ اليهود جاءوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برجلٍ منهم وامرأةٍ قد زنيا، فقال لهم: «كيف تفعلون بمن زنى منكم؟» قالوا: نحمّمهما ونضربهما، فقال: «لا تجدون في التّوراة الرّجم؟» فقالوا: لا نجد فيها شيئًا، فقال لهم عبد اللّه بن سلامٍ: كذبتم فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضع مدراسها الّذي يدرّسها منهم كفّه على آية الرّجم فطفق يقرأ ما دون يده، وما وراءها ولا يقرأ آية الرّجم، فنزع يده عن آية الرّجم، فقال: ما هذه؟ فلمّا رأوا ذلك قالوا: هي آية الرّجم، فأمر بهما فرجما قريبًا من حيث موضع الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يحني عليها يقيها الحجارة). [صحيح البخاري: 6/37]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)
ذكر فيه حديث بن عمر في قصّة اليهوديّين اللّذين زنيا وسيأتي شرحه في الحدود وقوله في هذه الرّواية كيف تفعلون في رواية الكشميهنيّ كيف تعملون وقوله نحمّمهما بمهملةٍ ثمّ ميمٍ مثقّلةٍ أي نسكب عليهما الماء الحميم وقيل نجعل في وجوهما الحمة بمهملة وميمٍ خفيفةٍ أي السّواد وسيأتي ما في ذلك عند شرح الحديث وقوله فوضع مدراسها بكسر أوّله كذا للكشميهنيّ ولغيره مدارسها بضمّ أوّله وتقديم الألف بوزن المفاعلة من الدّراسة والأوّل أوجه
- قوله فلمّا رأوا ذلك قالوا في رواية الكشميهنيّ بالإفراد فيهما قوله يجنأ بجيمٍ ساكنةٍ ثمّ نونٍ مفتوحةٍ ثمّ همزةٍ وللكشميهنيّ يجني بالمهملة وكسر النّون بغير همز). [فتح الباري: 8/224]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (6 - (بابٌ: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} (آل عمران: 93)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {قل فأتوا} الآية. وقبلها {كل الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلاّ ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التّوراة قل فاتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} (آل عمران: 93) قوله: (كل الطّعام) أي: كل المطعومات (كان حلا لبني إسرائيل) وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم الصّلاة والسّلام (إلّا ما حرم إسرائيل على نفسه) وهو لحوم الإبل وألبانها. وقيل: العروق، وكان به عرق النّساء فنذر إن شفي أن يحرم على نفسه أحب الطّعام إليه وكان ذلك أحب إليه فحرمه، وأنكر اليهود ذلك فأنزل الله (قل فاتوا) أي: قل يا محمّد لليهود: (قاتلوها إن كنتم صادقين) فيما تنكرون من ذلك.

- حدّثني إبراهيم بن المنذر حدّثنا أبو ضمرة حدّثنا موسى بن عقبة عن نافعٍ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ اليهود جاؤا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ منهم وامرأةٍ قد زنيا فقال لهم كيف تفعلون بمن زنا منكم نحمّمهما ونضربهما فقال لا تجدون في التّوراة الرّجم فقالوا لا نجد فيها شيئا فقال لهم عبد الله بن سلامٍ كذبتم فأتوا بالتورة فاتلوها إن كنتم صادقين فوضع مدراسها الّذي يدرّسها منهم كفّه على آية الرّجم فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ آية الرّجم فنزع يده عن آية الرّجم فقال ما هذه فلما رأوا ذلك قالوا هي آية الرّجم فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد فرأيت صاحبها يجنأ عليها يقيها الحجارة.

مطابقته للتّرجمة في قوله: (كذبتم فاتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) وإبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المدينيّ، وأبو ضمرة، بفتح الضّاد المعجمة وسكون الميم واسمه أنس بن عياض اللّيثيّ والحديث قد مضى مختصرا في الجنائز في: باب الصّلاة على الجنازة في المصلى والمسجد.
قوله: (إن اليهود جاؤوا إلى النّبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة زنيا) قال ابن بطال: قيل: إنّهما لم يكونا أهل ذمّة وإنّما كانا أهل حرب، ذكره الطّبريّ، وفي رواية عيسى عن ابن القاسم: كانا من أهل فدك وخيبر حربًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذاك، وعن أبي هريرة: كان هذا حين قدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وقال مالك إنّما كانا أهل حرب ولو كانا أهل ذمّة لم يسألهم كيف الحكم فيهم؟ وقال النّوويّ: وعند مالك لا يصح إحصان الكافر وإنّما رجمهما لأنّهما لم يكونا أهل ذمّة. قيل: هذا غير جيد لأنّهما كانا من أهل العهد، ولأنّه رجم المرأة والنّساء الحربيات لا يجوز قتلهن مطلقًا. وقال السّهيلي: اسم المرأة المرجومة: بسرة. قوله: (كيف تفعلون) ؟ لم يرد به صلى الله عليه وسلم تقليدهم ولا معرفة الحكم به منهم، وإنّما أراد إلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعلّه صلى الله عليه وسلم قد أوحى إليه أن الرّجم في التّوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا غيره، أو أنه أخبره من أسلم منهم. قوله: (نحممهما) من التحميم يعني: نسود وجوههما بالحمم، بضم الحاء المهملة وفتح الميم، وهو الفحم، وفي رواية تحملهما: بالحاء المهملة واللّام يعني: تحملهما على شيء ليظهرا. وفي رواية: تحملهما: بالجيم واللّام أي: نجعلهما جميعًا على شيء ليظهرا قوله: (فوضع مدراسها) ، بكسر الميم يريد به صاحب دراسة كتبهم، والمفعال من أبنية المبالغة، وهو عبد الله بن صوريا، بضم الصّاد المهملة وسكون الواو وكسر الرّاء وفتحها. وفي رواية أبي داود: ائتوني بأعلم رجلين منك، فأتوه يا بني صوريا، قال المنذريّ: لعلّه عبد الله بن صوريا وكنانة بن صوريا، وكان عبد الله أعلم من بقي من الأحبار بالتّوراة ثمّ كفر بعد ذلك، وزعم السّهيلي أنه أسلم. قوله: (فطفق) أي: فجعل (يقرأ ما دون يده) أي: ما قبلها. قوله: (فنزع يده) أي: نزع عبد الله بن سلام يد المدراس عن آية الرّجم. قوله: (فرجما) على صيغة المجهول، وفي (سنن أبي داود) أنه صلى الله عليه وسلم رجمهما بالبيّنة وقال الخطابيّ: إنّما رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوحى إليه من أمره، وإنّما احتج عليهم بالتّوراة استظهارا للحجة وإحياءً لحكم الله تعالى الّذي كانوا يكتمونه. قوله: (من حيث موضع الجنائز عند المسجد) ، وفي رواية: عند البلاط، وهما متقاربان. قوله: (يحنأ) بالجيم. قال ابن الأثير: يعني أكب عليها. وقيل: هو مهموز. وقيل: الأصل فيه الهمز من جنأ يجنأ إذا مال عليه وعطف ثمّ خفف وهو لغة، وقال المنذريّ: ياؤه مفتوحة وجيمه ساكنة، يقال: جنى الرجل على الشّيء إذا أكب عليه. ورواه بعضهم بضم الياء، وروي: يجاني من جانى يجاني. وقيل: روي بجيم ثمّ باء موحدة ثمّ همزة، أي: يركع. وقال الخطابيّ: المحفوظ بالحاء والنّون، يقال: حنا يحنو وحنوا وروي بالحاء وتشديد النّون، وقال يحيى بن يحيى: بحاء ونون مكسورة بغير همزة وقال البيهقيّ: عند أهل الحديث يجني بالحاء، وعند أهل اللّغة بالجيم. قوله: (يقيها) أي: يحفظها من وقى يقي وقاية، وفي الحديث الحكم بين أهل الذّمّة، وفي (التّوضيح) الأصح عندنا وجوبه وفاقا لأبي حنيفة. وهو قول الزّهريّ وعمر بن عبد العزيز والثّوري والحكم. وروي عن ابن عبّاس: وقال القرطبيّ: إن كان ما رفعوه إلى الإمام ظلما كالقتل والغصب بينهم فلا خلاف في منعهم منه، ونقل عن مالك والشّافعيّ أنه بالخيار بين الحكم بينهم وتركه غير أن مالكًا يرى الإعراض أولى، ونقل عن الشّافعي أنه لا يحكم بينهم في الحدود، وفيه أن أنكحة الكفّار صحيحة ولذلك رجمهما وهو الأصح عند الشّافعيّة وفيه دليل على أنه لا يحفر لمن رجم إذ لو حفر له لما استطاع أن يجنا عليها، لكن في (صحيح مسلم) من حديث بريدة أنه حفر لما عز والغامدية إلى صدرها. وقيل: يحفر لمن قامت عليه البيّنة دون المقر). [عمدة القاري: 18/147-148]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (6 - باب {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}) [آل عمران: 93] لما قال عليه الصلاة والسلام: "أنا على ملة إبراهيم" قالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "كان حلالًا لإبراهيم فنحن نحله" فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه كان محرمًا على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا فأنزل الله تعالى تكذيبًا لهم وردًّا عليهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعى عليهم من البغي والظلم والصد عن سبيل الله وما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم الله عليهم نوعًا من الطيبات عقوبة لهم في قوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} إلى قوله: {عذابًا أليمًا} [النساء: 160] وفي قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} إلى قوله: {ذلك جزيناهم ببغيهم} [الأنعام: 147]. كل الطعام أي المطعومات كان حلاًّ أي حلالًا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على نفسه من قبل أن تنزل التوراة وهو لحوم الإبل وألبانها وكان ذلك سائغًا في شرعهم، قيل كان به عرق النسا فندر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحب إليه، وقيل فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء، واحتج به من جوّز للنبي أن يجتهد وللمانع أن يقول ذلك بإذن من الله فهو كتحريمه ابتداء، ثم أمر الله تعالى نبيه محمدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحاج اليهود بكتابهم فقال: {قل} أي لليهود {فأتوا بالتوراة فاتلوها} أي فاقرؤوها فإنها ناطقة بما قلناه إذ فيها أن يعقوب حرم ذلك على نفسه قبل أن تنزل وأن تحريم ما حرم عليهم حادث بظلمهم فلم يحضروها فثبت صدق النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيه وجواز النسخ الذي ينكرونه هذا ما يقتضيه سياق هذه الآية التي أوردها البخاري في هذا الباب وعليه المفسرون.
- حدّثني إبراهيم بن المنذر، حدّثنا أبو ضمرة، حدّثنا موسى بن عقبة، عن نافعٍ عن عبد اللّه بن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ اليهود جاءوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم برجلٍ منهم وامرأةٍ قد زنيا فقال لهم: «كيف تفعلون بمن زنى منكم» قالوا: نحمّمهما ونضربهما فقال: «لا تجدون في التّوراة الرّجم» فقالوا: لا نجد فيها شيئًا فقال لهم عبد اللّه بن سلامٍ: كذبتم {فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} فوضع مدراسها الّذي يدرّسها منهم كفّه على آية الرّجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ آية الرّجم فنزع يده عن آية الرّجم فقال: "ما هذه؟ " فلمّا رأوا ذلك قالوا: هي آية الرّجم فأمر بهما فرجما قريبًا من حيث موضع الجنائز عند المسجد قال: فرأيت صاحبها يجنأ عليها يقيها الحجارة.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق الحزامي قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض الليثي قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله (أن اليهود) يهود خيبر (جاؤوا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم) في ذي القعدة من السنة الرابعة (برجل منهم) لم يسم (وامرأة) اسمها بسرة (قد زنيا) قال النووي: وكانا من أهل العهد (فقال لهم) عليه الصلاة والسلام:
(كيف تفعلون) ولأبي ذر عن الكشميهني كيف تعملون (بمن زنى منكم؟ قالوا: نحممهما) بضم النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم الأولى مشددة من التحميم يعني نسوّد وجوههما بالحمم وهو الفحم (ونضربهما فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (لا تجدون في التوراة الرجم؟) على من زنى إذا أحصن (فقالوا: لا نجد فيها شيئًا) وإنما سألهم عليه الصلاة والسلام ليلزمهم بما يعتقدونه في كتابهم الموافق لحكم الإسلام إقامة للحجة عليهم لا لتقليدهم ومعرفة الحكم منهم.
(فقال لهم عبد الله بن سلام) رضي الله عنه (كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كتم صادقين) فإن ذلك موجود فيها لم يغير، واستدلّ به ابن عبد البر على أن التوراة صحيحة بأيديهم ولولا ذلك ما سألهم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عنها ولا دعا بها. وأجيب: بأن سؤاله عنها يدل على صحة جميع ما فيها وإنما يدل على صحة المسؤول عنه منها، وقد علم صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك بوحي أو إخبار من أسلم منهم فأراد بذلك تبكيتهم وإقامة الحجة عليهم في مخالفتهم كتابهم وكذبهم عليه وإخبارهم بما ليس فيه وإنكارهم ما هو فيه فأتوا بالتوراة فنشروها (فوضع) عبد الله بن صوريا (مدراسها) بكسر الميم مفعال من أبنية المبالغة أي صاحب دراسة كتبهم وكان أعلم من بقي من الأحبار بالتوراة وزعم السهيلي أنه أسلم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مدارسها بضم الميم على وزن المفاعلة من المدارسة. قال في الفتح: والأول أوجه وهو (الذي يدرسها منهم) بضم التحتية وفتح الدال المهملة
وتشديد الراء مكسورة وفي نسخة يدرسها بفتح أوله وسكون الدال وضم الراء مخففة (كفه على آية الرجم فطفق) بكسر الفاء أي فجعل (يقرأ) من التوراة (ما دون يده) أي قبلها (وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم فنزع) عبد الله بن سلام (يده عن آية الرجم فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك) أي اليهود (قالوا): ولأبي ذر عن الكشميهني فلما رأى ذلك أي المدراس قال: (هي آية الرجم فأمر بهما) صلّى اللّه عليه وسلّم (فرجما) بحكم شرعه (قريبًا من حيث موضع الجنائز) برفع موضع في الفرع كأصله وغيرهما لأن حيث لا تضاف إلى ما بعدها إلا أن يكون جملة (عند المسجد).
وفي هذه القصة من حديث جابر عند أبي داود في سننه: أنه شهد عنده صلّى اللّه عليه وسلّم أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة. قال النووي: فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا كفارًا فلا اعتبار بشهادتهم ويتعين أنهما أقرّا بالزنا، فلذا حكم عليه الصلاة والسلام برجمهما.
(قال) أي ابن عمر (فرأيت صاحبها) أي صاحب المرأة الذي زنى بها (يجنأ) بفتح أوله وسكون الجيم وبعد النون المفتوحة همزة مضمومة أي أكب، ولأبي ذر عن الكشميهني يحني بفتح حرف المضارعة وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية أي يميل وينعطف (عليها) حال كونه (يقيها الحجارة).
وفي هذا الحديث من الفوائد وجوب حدّ الزنا على الكافر، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والجمهور خلافًا لمالك حيث قال: لا حدّ عليه وأنه ليس من شرط الإحصان المقتضي للرجم الإسلام وهو مذهب الشافعي وأحمد خلافًا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا: لا يرجم الذمي لأن من شرط الإحصان الإسلام وأن أنكحة الكفار صحيحة وإلاّ لما ثبت إحصانهم وأنهم مخاطبون بالفروع خلافًا للحنفية.
وهذا الحديث قد سبق مختصرًا في الجنائز ويأتي إن شاء الله في الحدود). [إرشاد الساري: 7/60-61]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
- أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ، من كتابه، حدّثنا يزيد يعني ابن زريعٍ، حدّثنا شعبة، حدّثنا أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه حدّثه لمّا رفعا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما تجدون في كتابكم؟» قالوا: لا نجد الرّجم، فقال عبد الله بن سلامٍ: كذبوا، الرّجم في كتابهم، فقيل: {فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93] فجاءوا بالتّوراة وجاء قارئهم فوضع كفّه على موضع الرّجم، فجعل يقرأ ما خلا ذلك، قال عبد الله بن سلامٍ: أدخل كفّك، فإذا هو بالرّجم يلوح، فأمر نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم بهما فرجما "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/47]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه أنّه لم يكن حرّم على بني إسرائيل وهم ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرّحمن شيئًا من الأطعمة من قبل أن تنزّل التّوراة، بل كان ذلك كلّه لهم حلالاً، إلاّ ما كان يعقوب حرّمه على نفسه، فإنّ ولده حرّموه استنانًا بأبيهم يعقوب، من غير تحريم اللّه ذلك عليهم في وحي ولا تنزيلٍ ولا على لسان رسولٍ له إليهم من قبل نزول التّوراة.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تحريم ذلك عليهم، هل نزل في التّوراة أم لا؟ فقال بعضهم: لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ التّوراة حرّم عليهم من ذلك ما كانوا يحرّمونه قبل نزولها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} قالت اليهود: إنّما نحرّم ما حرّم إسرائيل على نفسه، وإنّما حرّم إسرائيل العروق، كان يأخذه عرق النّسا، كان يأخذه باللّيل ويتركه بالنّهار، فحلف لئن اللّه عافاه منه لا يأكل عرقًا أبدًا، فحرّمه اللّه عليهم ثمّ قال: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} ما حرّم هذا عليكم غيري ببغيكم، فذلك قوله: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم}
فتأويل الآية على هذا القول: كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة، فإنّ اللّه حرّم عليهم من ذلك ما كان إسرائيل حرّمه على نفسه في التّوراة، ببغيهم على أنفسهم، وظلمهم لها، قل يا محمّد: فأتوا أيّها اليهود إن أنكرتم ذلك بالتّوراة، فاتلوها إن كنتم صادقين أنّ اللّه لم يحرّم ذلك عليكم في التّوراة، وأنّكم إنّما تحرّمونه لتحريم إسرائيل إيّاه على نفسه.
وقال آخرون: ما كان شيءٌ من ذلك عليهم حرامًا، لا حرّمه اللّه عليهم في التّوراة، وإنّما هو شيءٌ حرّموه على أنفسهم اتّباعًا لأبيهم، ثمّ أضافوا تحريمه إلى اللّه، فكذّبهم اللّه عزّ وجلّ في إضافتهم ذلك إليه، فقال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد: إن كنتم صادقين، فأتوا بالتّوراة فاتلوها، حتّى ننظر هل ذلك فيها، أم لا؟ ليتبيّن كذبهم لمن يجهل أمرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} إسرائيل: هو يعقوب، أخذه عرق النّسا، فكان لا يثبت اللّيل من وجعه، وكان لا يؤذيه بالنّهار، فحلف لئن شفاه اللّه لا يأكل عرقًا أبدًا، وذلك قبل نزول التّوراة على موسى، فسأل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اليهود ما هذا الّذي حرّم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا: نزلت التّوراة بتحريم الّذي حرّم إسرائيل فقال اللّه لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} إلى قوله: {فأولئك هم الظّالمون} وكذّبوا وافتروا، لم تنزل التّوراة بذلك
وتأويل الآية على هذا القول: كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل من قبل أن تنزّل التّوراة وبعد نزولها، إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة، بمعنى: لكنّ إسرائيل حرّم على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة بعض ذلك، وكأنّ الضّحّاك وجّه قوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} إلى الاستثناء الّذي يسمّيه النّحويّون الاستثناء المنقطع.
وقال آخرون: تأويل ذلك: كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل، إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة، فإنّ ذلك حرامٌ على ولده بتحريم إسرائيل إيّاه على ولده، من غير أن يكون اللّه حرّمه على إسرائيل ولا على ولده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} فإنّه حرّم على نفسه العروق، وذلك أنّه كان يشتكي عرق النّسا، فكان لا ينام اللّيل، فقال: واللّه لئن عافاني اللّه منه لا يأكله لي ولدٌ، وليس مكتوبًا في التّوراة وسأل محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم نفرًا من أهل الكتاب، فقال ما شأن هذا حرامًا؟ فقالوا: هو حرامٌ علينا من قبل الكتاب، فقال اللّه عزّ وجلّ: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل} إلى {إن كنتم صادقين}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ: أخذه يعني إسرائيل عرق النّسا، فكان لا يبيت باللّيل من شدّة الوجع، وكان لا يؤذيه بالنّهار، فحلف لئن شفاه اللّه لا يأكل عرقًا أبدًا، وذلك قبل أن تنزّل التّوراة، فقال اليهود للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: نزلت التّوراة بتحريم الّذي حرّم إسرائيل على نفسه. قال اللّه لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} وكذبوا، ليس في التّوراة.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل من قبل أن تنزّل التّوراة، إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من غير تحريم اللّه ذلك عليه، فإن كان حرامًا عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم، من غير أن يحرّمه اللّه عليهم في تنزيلٍ ولا بوحي قبل التّوراة، حتّى نزلت التّوراة، فحرّم اللّه عليهم فيها ما شاء، وأحلّ لهم فيها ما أحبّ. وهذا قولٌ قالته جماعةٌ من أهل التّأويل، وهو معنى قول ابن عبّاسٍ الّذي ذكرناه قبل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة} وإسرائيل: هو يعقوب {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} يقول: كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل من قبل أن تنزّل التّوراة. إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه، فلمّا أنزل اللّه التّوراة حرّم عليهم فيها ما شاء، وأحلّ لهم ما شاء.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة بنحوه.
واختلف أهل التّأويل في الّذي كان إسرائيل حرّمه على نفسه، فقال بعضهم: كان الّذي حرّمه إسرائيل على نفسه العروق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن يوسف بن ماهكٍ، قال: جاء أعرابيٌّ إلى ابن عبّاسٍ، فقال: إنّه جعل امرأته عليه حرامًا، قال: ليست عليك بحرامٍ قال: فقال الأعرابيّ: ولم؟ واللّه يقول في كتابه: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} قال: فضحك ابن عبّاسٍ وقال: وما يدريك ما كان إسرائيل حرّم على نفسه؟ قال: ثمّ أقبل على القوم يحدّثهم، فقال: إسرائيل عرضت له الأنساء فأضنته، فجعل للّه عليه إن شفاه اللّه منها لا يطعم عرقًا قال: فلذلك اليهود تنزع العروق من اللّحم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، قال: سمعت يوسف بن ماهكٍ يحدّث أنّ أعرابيًّا أتى ابن عبّاسٍ، فذكر رجلاً حرّم امرأته، فقال: إنّها ليست بحرامٍ، فقال الأعرابيّ: أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} فقال: إنّ إسرائيل كان به عرق النّسا، فحلف لئن عافاه اللّه أن لا يأكل العروق من اللّحم، وأنّها ليست عليك بحرامٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ، في قوله: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} قال: إنّ يعقوب أخذه وجع عرق النّسا، فجعل اللّه عليه أو أقسم أو قال: لا يأكله من الدّوابّ قال: والعروق كلّها تبعٌ لذلك العرق.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ الّذي حرّم إسرائيل على نفسه أنّ الأنساء أخذته ذات ليلةٍ، فأسهرته، فتألّى إن اللّه شفاه لا يطعم نسًا أبدًا فتتبّعت بنوه العروق بعد ذلك يخرجونها من اللّحم
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة بنحوه، وزاد فيه: قال: فتألّى لئن شفاه اللّه لا يأكل عرقًا أبدًا، فجعل بنوه بعد ذلك يتتبّعون العروق، فيخرجونها من اللّحم، وكان الّذي حرّم على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة العروق.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} قال: اشتكى إسرائيل عرق النّسا، فقال: إن اللّه شفاني لأحرّمنّ العروق، فحرّمها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان الثّوريّ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان إسرائيل أخذه عرق النّسا فكان يبيت وله زقاء، فجعل للّه عليه إن شفاه أن لا يأكل العروق، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} قال سفيان: له زقاء: يعني صياحً.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} قال: كان يشتكي عرق النّسا، فحرّم العروق
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة} قال: كان إسرائيل يأخذه عرق النّسا، فكان يبيت وله زقاءٌ، فحرّم على نفسه أن يأكل عرقًا
وقال آخرون: بل الّذي كان إسرائيل حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: سمعنا أنّه، اشتكى شكوى، فقالوا: إنّه عرق النّسا، فقال: ربّ إنّ أحبّ الطّعام إليّ لحوم الإبل وألبانها، فإن شفيتني فإنّي أحرّمها عليّ قال ابن جريجٍ: وقال عطاء بن أبي رباحٍ: لحوم الإبل وألبانها حرّم إسرائيل.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن، في قوله: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل} قال: كان إسرائيل حرّم على نفسه لحوم الإبل، وكانوا يزعمون أنّهم يجدون في التّوراة تحريم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل، وإنّما كان حرّم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل قبل أن تنزّل التّوراة، فقال اللّه: {فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} فقال: لا تجدون في التّوراة تحريم إسرائيل على نفسه إى لحم الإبل.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابتٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ إسرائيل، أخذه عرق النّسا، فكان يبيت باللّيل له زقاءٌ يعني صياحًا قال: فجعل على نفسه لئن شفاه اللّه منه لا يأكله يعني لحوم الإبل قال: فحرّمه اليهود، وتلا هذه الآية: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} أي أنّ هذا قبل التّوراة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} قال: حرّم العروق ولحوم الإبل، قال: كان به عرق النّسا، فأكل من لحومها فبات بليلةٍ يزقو، فحلف أن لا يأكله أبدًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} قال: حرّم لحوم الأنعام
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب قول ابن عبّاسٍ الّذي رواه الأعمش، عن حبيبٍ، عن سعيدٍ، عنه أنّ ذلك العروق ولحوم الإبل؛ لأنّ اليهود مجمعةٌ إلى اليوم على ذلك من تحريمها، كما كان عليه من ذلك أوائلها
وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو ذلك خبرٌ.وهو ما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشبٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ عصابةً، من اليهود حضرت رسول اللّه، فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا أيّ الطّعام حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب مرض مرضًا شديدًا، فطال سقمه منه، فنذر للّه نذرًا لئن عافاه اللّه من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الطّعام والشّراب إليه، وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل، وأحبّ الشّراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللّهمّ نعم.
وأمّا قوله: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} فإنّ معناه: قل يا محمّد للزّاعمين من اليهود أنّ اللّه حرّم عليهم في التّوراة العروق ولحوم الإبل وألبانها: ائتوا بالتّوراة فاتلوها، يقول: قل لهم: جيئوا بالتّوراة فاتلوها، حتّى يتبيّن لمن خفي عليه كذبهم وقيلهم الباطل على اللّه من أمرهم أنّ ذلك ليس ممّا أنزلته في التّوراة {إن كنتم صادقين} يقول: إن كنتم محقّين في دعواكم أنّ اللّه أنزل تحريم ذلك في التّوراة، فأتونا بها، فاتلوا تحريم ذلك علينا منها.
وإنّما ذلك خبرٌ من اللّه عن كذبهم؛ لأنّهم لا يجيئون بذلك أبدًا على صحّته، فأعلم اللّه بكذبهم عليه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وجعل إعلامه إيّاه ذلك حجّةً له عليهم؛ لأنّ ذلك إذا كان يخفى على كثيرٍ من أهل ملّتهم فمحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو أمّيّ من غير ملّتهم، لولا أنّ اللّه أعلمه ذلك بوحيٍ من عنده، كان أحرى أن لا يعلمه، فكان في ذلك له صلّى اللّه عليه وسلّم من أعظم الحجّة عليهم بأنّه نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم؛ لأنّ ذلك من أخبار أوائلهم كان من خفيّ علومهم الّذي لا يعلمه غير خاصّةٍ منهم، إلاّ من أعلمه الّذي لا يخفى عليه خافيةٌ من نبيٍّ أو رسولٍ، أو من أطلعه اللّه على علمه ممّن شاء من خلقه). [جامع البيان: 5/572-587]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93)
قوله تعالى: كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ الأصبهانيّ، ثنا أبو داود، ثنا عبد الحميد ابن بهرام، عن شهر بن حوشبٍ، حدّثني ابن عبّاسٍ قال: لمّا حضرت عصابةٌ من اليهود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا، فقالوا: يا أبا القاسم حدّثنا عن خلالٍ نسألك عنها لا يعلمها إلا نبيّ، قال سلوني عمّ شئتم؟ ولكن اجعلوا ذمّة اللّه وما أخذه يعقوب على بنيه إن أنا حدّثتكم بشيءٍ فعرفتموه لتبايعنّي على الإسلام. فقالوا: فلك ذلك. قال: فسلوني عمّ شئتم؟ قالوا: أخبرنا عن الطّعام الّذي حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة. قال: فأنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب مرض مرضاً شديداً طال سقمه منه، فنذر للّه نذراً لئن شفاه من سقمه ليحرّمنّ من أحبّ الشّراب إليه وأحبّ الطّعام إليه وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل وأحبّ الشّراب إليه ألبان الإبل، فقالوا: اللّهمّ نعم. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ اشهد عليهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا أبو أحمد ثنا عبد اللّه بن الوليد، حدّثني بكير بن شهابٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال أقبلت يهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا أبا القاسم إنّا نسألك عن خمسة أشياء إن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنّك نبيٌّ واتّبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه أن قال: اللّه على ما نقول وكيلٌ. فقالوا: هاتوا، فقالوا: أخبرنا ما حرّم إسرائيل على نفسه قال: كان يشتكي عرق النّسا، فلم يجد له شيئاً يلائمه إلا ألبان (الأتن) فحرّم لحومها. قالوا: صدقت
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو الأشجّ، ثنا ابن نميرٍ، عن الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه قال:
اشتكى عرق النّسا، فبات وبه زقّاً حتّى أصبح فقال: لئن شفاني اللّه لا آكل عرقاً.
والوجه الرّابع:
- ذكر عن محمّد بن عمرو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقول: الّذي حرّم إسرائيل على نفسه زائدٌ في الكبد والكليتين والشّحم إلا ما كان على الظّهر فإنّ ذلك كان يقرّب للقربان فتأكله النّار.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ: إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه قال: حرم الأنعام.
قوله تعالى: من قبل أن تنزّل التّوراة
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن عبد الرّحمن، عن قتادة قوله: من قبل أن تنزّل التّوراة فلمّا أنزل اللّه التّوراة حرّم عليهم فيها ما شاء وحلّ لهم ما شاء.
قوله تعالى: قل فأتوا بالتوراة
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني الحسين عمّي، حدّثني أبي، عن جدّي عن ابن عبّاسٍ قال: سأل محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم نفراً من أهل الكتاب فقالوا: ما شأن هذا حرامٌ؟ يعني: العرق فقالوا:
علينا حرامٌ من قبل الكتاب فقال اللّه تعالى: قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: قالت اليهود لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم:
كان موسى عليه السّلام يهوديّاً على ديننا وجاءنا في التّوراة تحريم الشّحوم وذي الظّفر والسّبت. فقال محمّد: كذبتم، لم يكن موسى يهوديّاً وليس في التّوراة إلا الإسلام ويقول اللّه: قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها أفيه ذلك وما جاءهم بها أنبياؤهم بعد موسى؟
- حدّثنا أبي، ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّادٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: جاء اليهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيهوديّين فقالوا:
أنّهما زنيا فقال: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: نفضحهما. قال: فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فجاءوا بالتّوراة). [تفسير القرآن العظيم: 2/704-706]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال اشتكى يعقوب عرق النسا فحرم العروق على نفسه). [تفسير مجاهد: 132]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الشّيخ أبو بكرٍ أحمد بن إسحاق، أنبأ أبو المثنّى، ثنا مسدّدٌ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنّ إسرائيل، أخذه عرق النّسا فكان يبيت وله زقاءٌ، قال: فجعل إن شفاه اللّه أن لا يأكل لحمًا فيه عروقٌ، قال فحرّمته اليهود " فنزلت {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه، من قبل أن تنزّل التّوراة، قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93] إنّ هذا كان قبل التّوراة «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/320]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني عبد اللّه بن الحسين القاضي بمرو، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا روح بن عبادة، ثنا هشام بن حسّان، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «في عرق النّسا يأخذ ألية كبشٍ عربيٍّ ليست بأعظمها، ولا أصغرها، فيتقطّعها صغارًا، ثمّ يذيبها، فيجيد إذابتها، ويجعلها ثلاثة أجزاءٍ، فيشرب كلّ يومٍ جزءًا على ريق النّفس» قال أنس بن سيرين: فلقد أمرت بذلك ناسًا ذكر عددًا كثيرًا كلّهم يبرأ بإذن اللّه تعالى «هذا حديثٌ صحيحٌ ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/320]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 93 - 95.
أخرج عبد بن حميد والفريابي والبيهقي في "سننه"، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} قال: العرق، أخذه عرق النسا فكان يبيت له زقاء يعني صياح فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحما فيه عروق فحرمته اليهود.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال: هل تدري ما حرم إسرائيل على نفسه إن إسرائيل أخذته الأنساء فأضنته فجعل لله عليه إن عافاه الله أن لا يأكل عرقا أبدا، فلذلك تسل اليهود العروق فلا يأكلونها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: حرم على نفسه العروق وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا فكان لا ينام الليل فقال: والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد وليس مكتوبا في التوراة، وسأل محمد صلى الله عليه وسلم نفرا من أهل الكتاب فقال: ما شأن هذا حراما فقالوا: هو حرام علينا من قبل الكتاب فقال الله {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل} إلى {إن كنتم صادقين}.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء اليهود فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه قال: كان يسكن البدو فاشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمها قالوا: صدقت.
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {إلا ما حرم إسرائيل على نفسه}
قال: حرم العروق ولحوم الإبل كان به عرق النسا فأكل من لحومها فبات بليلة يزقو فحلف أن لا يأكله أبدا.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز في قوله {إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} قال: إن إسرائيل هو يعقوب وكان رجلا بطيشا فلقي ملكا فعالجه فصرعه الملك ثم ضرب على فخذه فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به فقال: ما أنا بتاركك حتى تسميني اسما، فسماه إسرائيل فلم يزل يوجعه ذلك العرق حتى حرمه من كل دابة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: حرم على نفسه لحوم الأنعام.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول: الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتين والشحم إلا ما كان على الظهر، فإن ذلك كان يقرب للقربان فتأكله النار.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عطاء {إلا ما حرم إسرائيل} قال: لحوم الإبل وألبانها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال: قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} وكذبوا ليس في التوراة وإنما لم يحرم ذلك إلا تغليظا لمعصية بني إسرائيل بعد نزول التوراة {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم: كان موسى يهوديا على ديننا وجاءنا في التوراة تحريم الشحوم وذي الظفر والسبت، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: كذبتم لم يكن موسى يهوديا وليس في التوراة إلا الإسلام، يقول الله {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} أفيه ذلك وما جاءهم بها أنبياؤهم بعد موسى فنزلت في الألواح جملة.
وأخرج عبد بن حميد عن عامر أن عليا رضي الله عنه قال في رجل جعل امرأته عليه حراما قال: حرمت عليه كما حرم إسرائيل على نفسه لحوم الجمل فحرم عليه، قال مسروق: إن إسرائيل كان حرم على نفسه شيئا كان في علم الله أن سيحرمه إذا نزل الكتاب فوافق تحريم إسرائيل ما قد علم الله أنه سيحرمه إذا نزل
الكتاب وأنتم تعمدون إلى الشيء قد أحله الله فتحرمونه على أنفسكم ما أبالي إياها حرمت أو قصعة من ثريد). [الدر المنثور: 3/666-670]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون}.
يعني جلّ ثناؤه بذلك: فمن كذب على اللّه منّا ومنكم من بعد مجيئكم بالتّوراة، وتلاوتكم إيّاها، وعدمكم ما ادّعيتم من تحريم اللّه العروق ولحوم الإبل وألبانها فيها، {فأولئك هم الظّالمون} يعني: فمن فعل ذلك منهم {فأولئك} يعني فهؤلاء الّذين يفعلون ذلك {هم الظّالمون} يعني فهم الكافرون القائلون على اللّه الباطل.
- كما: حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن زكريّا، عن الشّعبيّ: {فأولئك هم الظّالمون} قال: نزلت في اليهود). [جامع البيان: 5/587-588]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون (94)
قوله تعالى: فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، ثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك في قوله: فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون
قال: وكذبوا وافتروا ولم ينزل التّوراة بذلك. قال أبو محمّدٍ: يعني بتحريم العروق). [تفسير القرآن العظيم: 2/706-707]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد: صدق اللّه فيما أخبرنا به من قوله: {كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل} وأنّ اللّه لم يحرّم على إسرائيل ولا على ولده العروق ولا لحوم الإبل وألبانها، وأنّ ذلك إنّما كان شيئًا حرّمه إسرائيل على نفسه وولده بغير تحريم اللّه إيّاه عليهم في التّوراة، وفي كلّ ما أخبر به عباده من خبرٍ دونكم وأنتم يا معشر اليهود الكذبة في إضافتكم تحريم ذلك إلى اللّه عليكم في التّوراة المفترية على اللّه الباطل في دعواكم عليه غير الحقّ {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} يقول: فإن كنتم أيّها اليهود محقّين في دعواكم أنّكم على الدّين الّذي ارتضاه اللّه لأنبيائه ورسله، فاتّبعوا ملّة إبراهيم خليل اللّه، فإنّكم تعلمون أنّه الحقّ الّذي ارتضاه اللّه من خلقه دينًا، وابتعث به أنبياءه، وذلك الحنيفيّة يعني الاستقامة على الإسلام وشرائعه دون اليهوديّة والنّصرانيّة والمشركة.
وقوله: {وما كان من المشركين} يقول: لم يكن يشرك في عبادته أحدًا من خلقه، فكذلك أنتم أيضًا أيّها اليهود، فلا يتّخذ بعضكم بعضًا أربابًا من دون اللّه، تطيعونهم كطاعة إبراهيم ربّه، وأنتم يا معشر عبدة الأوثان، فلا تتّخذوا الأوثان والأصنام أربابًا، ولا تعبدوا شيئًا من دون اللّه، فإنّ إبراهيم خليل الرّحمن كان دينه إخلاص العبادة لربّه وحده، من غير إشراك أحدٍ معه فيه، فكذلك أنتم أيضًا، فأخلصوا له العبادة ولا تشركوا معه في العبادة أحدًا، فإنّ جميعكم مقرّون بأنّ إبراهيم كان على حقٍّ وهدًى مستقيمٍ، فاتّبعوا ما قد أجمع جميعكم على تصويبه من ملّته الحنيفيّة، ودعوا ما اختلفتم فيه من سائر الملل غيرها أيّها الأحزاب، فإنّها بدعٌ أبدعتموها إلى ما قد أجمعتم عليه أنّه حقٌّ، فإنّ الّذي أجمعتم عليه أنّه صوابٌ وحقٌّ من ملّة إبراهيم هو الحقّ الّذي ارتضيته وابتعثت به أنبيائي ورسلي، وسائر ذلك هو الباطل الّذي لا أقبله من أحدٍ من خلقي جاءني به يوم القيامة.
وإنّما قال جلّ ثناؤه: {وما كان من المشركين} يعني به: وما كان من عددهم وأوليائهم، وذلك أنّ المشركين بعضهم من بعضٍ في التّظاهر على كفرهم، ونصرة بعضهم بعضًا، فبرّأ اللّه إبراهيم خليله أن يكون منهم أو من نصرائهم وأهل ولايتهم، وإنّما عنى جلّ ثناؤه بالمشركين اليهود والنّصارى، وسائر الأديان غير الحنيفيّة، قال: لم يكن إبراهيم من أهل هذه الأديان المشركة، ولكنّه كان حنيفًا مسلمًا). [جامع البيان: 5/588-589]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (95) إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين (96)
قوله تعالى: قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين يعني: ابن حفصٍ، ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: أفاض جبريل بإبراهيم صلّى اللّه عليهما، فصلّى به بمنًى الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ غدا من منًى إلى عرفة فصلّى به الصّلاتين: الظّهر والعصر، ثمّ وقف له حتّى غابت الشّمس، ثمّ دفع حتّى أتى المزدلفة، فنزل بها، فبات وصلّى، ثمّ صلّى كأعجل ما يصلّي أحدٌ من المسلمين، ثمّ وقف به كأبطأ ما يصلّي أحدٌ من المسلمين، ثمّ دفع منه إلى منًى، فرمى وذبح، ثمّ أوحى اللّه تعالى إلى محمّدٍ أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين.
قوله تعالى: حنيفًا وما كان من المشركين
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/707-710]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:43 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه...}
يذكر في التفسير أنه أصابه عرق النسا فجعل على نفسه إن برأ أن يحرّم أحبّ الطعام والشراب إليه، فلمّا برأ حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، وكان أحبّ الطعام والشراب إليه). [معاني القرآن: 1/226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كلّ الطّعام كان حلاًّ لّبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
قال تعالى: {كلّ الطّعام كان حلاًّ لّبني إسرائيل} لأنه يقال: "هذا حلالٌ" و: "هذا حلٌّ"، و"هذا حرام" و"هذا حرمٌ" ويقال {وحرامٌ على قريةٍ} [ويقال] {وحرمٌ على قرية} وتقول: "حرمٌ عليّكم ذاك" ولو قال: {وحرمٌ على قريةٍ} كان جائزا [ولو قال] {وحرمٌ على قريةٍ} كان جائزاً أيضاً). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({كلّ الطّعام كان حلًّا} أي: حلالا {لبني إسرائيل}.
ومثله: الحرم والحرام، واللّبس واللّباس. {إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه}، قالوا: لحوم الإبل). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {كلّ الطّعام كان حلّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
موضع " ما " نصب، المعنى: إلا الطعام الذي حرّمه إسرائيل على نفسه.
ويروى: أنه وجد وجعا، وقيل في التفسير: إن ذلك الوجع كان عرق النساء فنذر إن أبرأه اللّه أن يترك أحبّ الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها، فحرم اللّه ذلك عليهم بمعاصيهم كما قال: {فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}.
وأعلم الله أن الذي حرمه إسرائيل على نفسه كان من قبل أن تنزل التوراة، وفيه أعظم آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أنبأهم بأنهم يدعون أن في كتابهم ما ليس فيه، ودعاهم مع ذلك إلى أن يأتوا بكتابهم فيتلوه ليبين لهم كذبهم فأبوا.
فكان إباؤهم دليلا على علمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صدق فيما أنبأهم به، ولو أتوا بها لم يكونوا يخلون من أحد أمرين:
1- إما أن يزيدوا فيها ما ليس فيها في ذلك الوقت فيعلم بعضهم أنه قد زيد
2- أو ينزل اللّه بهم عقوبة تبين أمرهم، أو أن يأتوا بها على جملتها فيعلم بطلان دعواهم منها. فقصتهم في هذه الآية كقصة النصارى في المباهلة). [معاني القرآن: 1/443-444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة}
قال ابن عباس: كان اشتكى عرق النسا كذا روي عنه فكان له زقاء يعني صياح فآلى لئن برأ من ذلك لا أكل عرقا.
وقال مجاهد: الذي حرم على نفسه الأنعام.
قال عطاء: حرم لحوم الإبل وألبانها.
وهذا كله صحيح مما كان حرمه واليهود تحرمه إلى هذا الوقت كما كان عليه أوائلها وفيه حديث مسند.
وقال الضحاك: قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: حرم علينا هذا في التوراة، فأكذبهم الله وأخبر أن إسرائيل حرمه على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ودعاهم إلى إحضارها فقال قل {فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}). [معاني القرآن: 1/440-441]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فمن افترى على الله الكذب} أي: اختلق). [مجاز القرآن: 1/97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون} أي: من بعد ما ذكرنا من ظهور الحجة في افترائه: {فأولئك هم الظّالمون} ). [معاني القرآن: 1/444]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {فمن افترى على الله الكذب} أي: كذب على الله - تبارك وتعالى). [ياقوتة الصراط: 190]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}
قال الله {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً} نصب على الحال). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حنيفا}: قالوا متبعا حجاجا وأنهم سموا بقوم كانوا يأتون الحج يسمون الحنفاء). [غريب القرآن وتفسيره:107-108]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{حنيفا} أي: مستقيما على الإسلام). [ياقوتة الصراط: 190]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({حَنِيفاً}: الذي لا يرجع عن دينه). [العمدة في غريب القرآن: 101]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:49 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) }
[لا يوجد]
تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) }

[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 02:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: كلّ الطّعام الآية، إخبار بمغيب عن محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأميين لا يعلمه إلا الله وعلماء أهل الكتاب، وذهب كثير من المفسرين إلى أن معنى الآية: الرد على اليهود في قولهم في كل ما حرموه على أنفسهم من الأشياء: إنها محرمة عليهم بأمر الله في التوراة، فأكذبهم الله بهذه الآية، وأخبر أن جميع الطعام كان حلا لهم، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه خاصة، ولم يرد به ولده، فلما استنوا هم به جاءت التوراة بتحريم ذلك عليهم، وليس من التوراة شيء من الزوائد التي يدعون أن الله حرمها، وإلى هذا تنحو ألفاظ السدي، وقال: إن الله تعالى حرم ذلك عليهم في التوراة عقوبة لاستنانهم في تحريم شيء إنما فعله يعقوب خاصة لنفسه، قال: فذلك قوله تعالى: فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم [النساء: 160] قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والظاهر في لفظة ظلم أنها مختصة بتحريم ونحوه، يدل على ذلك أن العقوبة وقعت بذلك النوع، وذهب قوم من العلماء إلى أن معنى الآية: الرد على قوم من اليهود قالوا: إن ما نحرمه الآن على أنفسنا من الأشياء التي لم تذكر في التوراة كان علينا حراما في ملة أبينا إبراهيم، فأكذبهم الله وأخبر أن الطعام كله كان حلالا لهم قبل التوراة إلّا ما حرّم إسرائيل في خاصته، ثم جاءت التوراة بتحريم ما نصت عليه، وبقيت هذه الزوائد في حيز افترائهم وكذبهم، وإلى هذا تنحو ألفاظ ابن عباس رضي الله عنه وترجم الطبري في تفسير هذه الآية بتراجم، وأدخل تحتها أقوالا توافق تراجمه، وحمل ألفاظ الضحاك أن الاستثناء منقطع وكأن المعنى: كل الطعام كان حلا لهم قبل نزول التوراة وبعد نزولها.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: فيرجع المعنى إلى القول الأول الذي حكيناه، وحمل الطبري قول الضحاك إن معناه: لكن إسرائيل حرم على نفسه خاصة ولم يحرم الله على بني إسرائيل في توراة ولا غيرها.
قال الفقيه الإمام: وهذا تحميل يرد عليه قوله تعالى: حرّمنا عليهم [الأنعام: 146] وقوله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليهم الشحوم إلى غير ذلك من الشواهد، وقوله تعالى: حلًّا معناه: حلالا، وإسرائيل هو يعقوب، وانتزع من هذه الآية أن للأنبياء أن يحرموا باجتهادهم على أنفسهم ما اقتضاه النظر لمصلحة أو قربة أو زهد، ومن هذا على جهة المصلحة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم جاريته، فعاتبه الله تعالى في ذلك ولم يعاتب يعقوب، فقيل: إن ذلك لحق آدمي ترتب في نازلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: إن هذا تحريم تقرب وزهد، وتحريم الجارية تحريم غضب ومصلحة نفوس، واختلف الناس في الشيء الذي حرمه يعقوب على نفسه فقال يوسف بن ماهك: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال له: إنه جعل امرأته عليه حراما، فقال ابن عباس: إنها ليست عليك بحرام، فقال الأعرابي: ولم؟
والله تعالى يقول في كتابه إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه فضحك ابن عباس وقال: وما يدريك ما حرم إسرائيل؟ ثم أقبل على القوم يحدثهم، فقال: إن إسرائيل عرضت له الأنساء فأضنته فجعل لله أن شفاه من ذلك أن لا يطعم عرقا، قال: فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم، وقال بمثل هذا القول قتادة وأبو مجلز وغيرهم، وقال ابن عباس والحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن كثير ومجاهد أيضا: إن الذي حرم إسرائيل هو لحوم الإبل وألبانها، ولم يختلف فيما علمت أن سبب التحريم هو بمرض أصابه، فجعل تحريم ذلك شكرا لله تعالى إن شفي، وقيل: هو وجع عرق النسا، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عصابة من بني إسرائيل قالوا له: يا محمد ما الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقال لهم: أنشدكم بالله هل تعلمون أن يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه فنذر لله نذرا إن عافاه الله من سقمه ليحرمنّ أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وألبانها؟ قالوا: اللهم نعم، وظاهر الأحاديث والتفاسير في هذه الأمر أن يعقوب عليه السلام حرم لحوم الإبل وألبانها، وهو يحبها، تقربا إلى الله بذلك، إذ ترك الترفه والتنعم من القرب، وهذا هو الزهد في الدنيا، وإليه نحا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر ومن ذلك قول أبي حازم الزاهد، وقد مر بسوق الفاكهة فرأى محاسنها فقال: موعدك الجنة إن شاء الله، وحرم يعقوب عليه السلام أيضا العروق، لكن بغضة لها لما كان امتحن بها، وهذا شيء يعتري نفوس البشر في غير ما شيء وليس في تحريم العروق قربة فيما يظهر، والله أعلم، وقد روي عن ابن عباس: أن يعقوب حرم العروق ولحوم الإبل، وأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالإتيان بالتوراة، حتى يبين منها كيف الأمر، المعنى: فإنه أيها اليهود، كما أنزل الله عليّ لا كما تدعون أنتم، قال الزجّاج: وفي هذا تعجيز لهم وإقامة الحجة عليهم، وهي كقصة المباهلة مع نصارى نجران). [المحرر الوجيز: 2/284-287]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون (94) قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (95) إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً وهدىً للعالمين (96)
قوله: فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك تحتمل الإشارة- بذلك- أن تكون إلى ثلاثة أشياء: أحدها: أن تكون إلى التلاوة إذ مضمنها بيان المذهب وقيام الحجة، أي فمن كذب منا على الله تعالى أو نسب إلى كتب الله ما ليس فيها فهو ظالم واضع الشيء غير موضعه، والآخر: أن تكون الإشارة إلى استقرار التحريم في التوراة، لأن معنى الآية: كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه [آل عمران: 93]، ثم حرمته التوراة عليهم عقوبة لهم، فمن افترى على اللّه الكذب، وزاد في المحرمات فهو الظالم، والثالث: أن تكون الإشارة إلى الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه، وقبل نزول التوراة، أي من تسنن بيعقوب وشرع ذلك دون إذن من الله، ومن حرم شيئا ونسبه إلى ملة إبراهيم فهو الظالم، ويؤيد هذا الاحتمال الأخير، قوله تعالى فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم [النساء: 160] فنص على أنه كان لهم ظلم في معنى التحليل والتحريم، وكانوا يشددون فشدد الله عليهم، كما فعلوا في أمر البقرة، وبخلاف هذه السيرة جاء الإسلام في قوله صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا، وقوله: دين الله يسر وقوله: بعثت بالحنيفية). [المحرر الوجيز: 2/287]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تعالى نبيه أن يصدع بالخلاف والجدال مع الأحبار بقوله قل صدق اللّه أي الأمر كما وصف لا كما تكذبون أنتم، فإن كنتم تعتزون بإبراهيم فاتبعوا ملته على ما ذكر الله، وقرأ أبان بن تغلب: «قل صدق»، بإدغام اللام في الصاد، وكذلك: قل سيروا، قرأها بإدغام اللام في السين، قال أبو الفتح: علة جواز ذلك فشو هذين الحرفين في الفم وانتشار الصدى المنبث عنهما فقاربا بذلك مخرج اللام، فجاز إدغامهما فيهما). [المحرر الوجيز: 2/287-288]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93) فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون (94) قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (95)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا عبد الحميد، حدّثنا شهر قال: قال ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنه] حضرت عصابةٌ من اليهود نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: حدّثنا عن خلالٍ نسألك عنهنّ لا يعلمهنّ إلّا نبيٌّ. قال: "سلوني عمّا شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة اللّه، وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدّثتكم شيئًا فعرفتموه لتتابعنّي على الإسلام". قالوا: فذلك لك. قال: "فسلوني عمّا شئتم " قالوا: أخبرنا عن أربع خلالٍ: أخبرنا أيّ الطّعام حرّم إسرائيل على نفسه؟ وكيف ماء المرأة وماء الرّجل؟ كيف هذا النّبيّ الأمّيّ في النّوم؟ ومن وليّه من الملائكة؟ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنّه وقال:"أنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى: هل تعلمون أنّ إسرائيل مرض مرضًا شديدًا وطال سقمه، فنذر للّه نذرًا لئن شفاه اللّه من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الشّراب إليه وأحبّ الطّعام إليه، وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل، وأحبّ الشّراب إليه ألبانها" فقالوا: اللّهمّ نعم. قال: "اللّهمّ اشهد عليهم". وقال: أنشدكم باللّه الّذي لا إله إلا هو، الّذي أنزل التّوراة على موسى: هل تعلمون أنّ ماء الرّجل أبيض غليظٌ، وماء المرأة أصفر رقيقٌ، فأيّهما علا كان له الولد والشّبه بإذن اللّه، إن علا ماء الرّجل ماء المرأة كان ذكرًا بإذن اللّه وإن علا ماء المرأة ماء الرّجل كان أنثى بإذن اللّه ". قالوا: نعم. قال: "اللّهمّ اشهد عليهم". وقال: "أنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى: هل تعلمون أنّ هذا النّبيّ الأمّيّ تنام عيناه ولا ينام قلبه". قالوا: اللّهمّ نعم. قال: "اللّهمّ اشهد ". قالوا: وأنت الآن فحدّثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك قال: "إنّ وليّي جبريل، ولم يبعث اللّه نبيًّا قطّ إلا وهو وليّه". قالوا: فعندها نفارقك، ولو كان وليّك غيره لتابعناك، فعند ذلك قال اللّه تعالى: {قل من كان عدوًّا لجبريل} الآية [البقرة: 97].
ورواه أحمد أيضًا، عن حسين بن محمّدٍ، عن عبد الحميد، به.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ حدّثنا عبد اللّه بن الوليد العجليّ، عن بكير بن شهابٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: أقبلت يهود على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا أبا القاسم، نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنّك نبيٌّ واتّبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: {اللّه على ما نقول وكيلٌ} [يوسف: 66]. قال: "هاتوا". قالوا: أخبرنا عن علامة النّبيّ؟ قال: "تنام عيناه ولا ينام قلبه". قالوا: أخبرنا كيف تؤنّث المرأة وكيف تذكر؟ قال: "يلتقي الماءان، فإذا علا ماء الرّجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة آنثت. قالوا: أخبرنا ما حرّم إسرائيل على نفسه، قال: "كان يشتكي عرق النّسا، فلم يجد شيئًا يلائمه إلّا ألبان كذا وكذا -قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل -فحرّم لحومها". قالوا: صدقت. قالوا: أخبرنا ما هذا الرّعد؟ قال: "ملكٌ من ملائكة الله موكلٌ بالسّحاب بيده -أو في يده-مخراقٌ من نارٍ يزجر به السّحاب، يسوقه حيث أمره الله عزّ وجلّ". قالوا: فما هذا الصّوت الّذي يسمع؟ قال: "صوته". قالوا: صدقت، إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، فإنّه ليس من نبيٍّ إلّا له ملكٌ يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: "جبريل عليه السّلام". قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا. لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزله على قلبك بإذن اللّه مصدّقًا لما بين يديه وهدًى وبشرى للمؤمنين} [البقرة: 97].
وقد رواه التّرمذيّ، والنّسائيّ، من حديث عبد اللّه بن الوليد العجلي، به نحوه، وقال الترمذي: حسن غريب.
وقال ابن جريج والعوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: كان إسرائيل -وهو يعقوب عليه السّلام-يعتريه عرق النّسا باللّيل، وكان يقلقه ويزعجه عن النّوم، ويقلع الوجع عنه بالنّهار، فنذر للّه لئن عافاه اللّه لا يأكل عرقًا ولا يأكل ولد ما له عرق.
وهكذا قال الضّحّاك والسّدّيّ. كذا حكاه ورواه ابن جريرٍ في تفسيره. قال: فاتّبعه بنوه في تحريم ذلك استنانًا به واقتداءً بطريقه. قال: وقوله: {من قبل أن تنزل التّوراة} أي: حرّم ذلك على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة.
قلت: ولهذا السّياق بعد ما تقدّم مناسبتان.
إحداهما: أن إسرائيل، عليه السّلام، حرّم أحبّ الأشياء إليه وتركها للّه، وكان هذا سائغًا في شريعتهم فله مناسبةٌ بعد قوله: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} فهذا هو المشروع عندنا وهو الإنفاق في طاعة اللّه ممّا يحبّه العبد ويشتهيه، كما قال: {وآتى المال على حبّه} [البقرة:177] وقال {ويطعمون الطّعام على حبّه} [الإنسان:8].
المناسبة الثّانية: لمّا تقدّم السّياق في الرّدّ على النّصارى، واعتقادهم الباطل في المسيح وتبيّن زيف ما ذهبوا إليه. وظهور الحقّ واليقين في أمر عيسى وأمّه، وكيف خلقه اللّه بقدرته ومشيئته، وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربّه تعالى -شرع في الرّدّ على اليهود، قبّحهم اللّه، وبيان أنّ النّسخ الّذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع، فإنّ اللّه، عزّ وجلّ، قد نصّ في كتابهم التّوراة أنّ نوحًا، عليه السّلام، لمّا خرج من السّفينة أباح اللّه له جميع دوابّ الأرض يأكل منها، ثمّ بعد هذا حرّم إسرائيل على نفسه لحمان الإبل وألبانها، فاتّبعه بنوه في ذلك، وجاءت التّوراة بتحريم ذلك، وأشياء أخر زيادةً على ذلك. وكان اللّه، عزّ وجلّ، قد أذن لآدم في تزويج بناته من بنيه، وقد حرّم ذلك بعد ذلك. وكان التّسرّي على الزّوجة مباحًا في شريعة إبراهيم، وقد فعله [الخليل] إبراهيم في هاجر لمّا تسرّى بها على سارّة، وقد حرّم مثل هذا في التّوراة عليهم. وكذلك كان الجمع بين الأختين شائعًا وقد فعله يعقوب، عليه السّلام، جمع بين الأختين، ثمّ حرّم ذلك عليهم في التّوراة. وهذا كلّه منصوصٌ عليه في التّوراة عندهم، فهذا هو النّسخ بعينه، فكذلك فليكن ما شرعه اللّه للمسيح، عليه السّلام، في إحلاله بعض ما حرّم في التّوراة، فما بالهم لم يتبعوه؟ بل كذّبوه وخالفوه؟ وكذلك ما بعث اللّه به محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من الدّين القويم، والصّراط المستقيم، وملّة أبيه إبراهيم فما بالهم لا يؤمنون؟ ولهذا قال [تعالى] {كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التّوراة} أي: كان حلا لهم جميع الأطعمة قبل نزول التّوراة إلّا ما حرّمه إسرائيل، ثمّ قال: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}؛ فإنّها ناطقةٌ بما قلناه). [تفسير القرآن العظيم: 2/74-76]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون}
أي: فمن كذب على اللّه وادّعى أنّه شرع لهم السّبت والتّمسّك بالتّوراة دائمًا، وأنّه لم يبعث نبيًّا آخر يدعو إلى اللّه بالبراهين والحجج بعد هذا الّذي بيّنّاه من وقوع النّسخ وظهور ما ذكرناه {فأولئك هم الظّالمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/76-77]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {قل صدق اللّه} أي: قل يا محمّد: صدق فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} أي: اتّبعوا ملّة إبراهيم الّتي شرعها اللّه في القرآن على لسان محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّه الحقّ الّذي لا شكّ فيه ولا مرية، وهي الطّريقة الّتي لم يأت نبيٌّ بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتمّ، كما قال تعالى: {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [الأنعام:161] وقال تعالى: {ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النّحل:123] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/77]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة