العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:26 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الزمر

التفسير اللغوي لسورة الزمر

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ذو القعدة 1431هـ/25-10-2010م, 04:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 9]

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تنزيل الكتاب...}
ترفع
{تنزيل} بإضمار: هذا تنزيل، كما قال: {سورةٌ أنزلناها} ومعناه: هذه سورة أنزلناها , وإن شئت جعلت رفعه بمن, والمعنى: من الله تنزيل الكتاب , ولو نصبته , وأنت تأمر باتباعه , ولزومه كان صواباً؛ كما قال الله {كتاب الله عليكم} : أي: ألزموا كتاب الله). [معاني القرآن: 2/414]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله جلّ وعزّ: {تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم (1) إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ}
الكتاب ههنا : القرآن، ورفع تنزيل الكتاب من جهتين:
إحداهما الابتداء , ويكون الخبر من اللّه، أي نزل من عند اللّه, ويجوز أن يكون رفعه على: هذا تنزيل الكتاب.).
[معاني القرآن: 4/343]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}
يجوز أن يكون المعنى تنزيل الكتاب من عند الله , وأن يكون المعنى هذا تنزيل الكتاب.).
[معاني القرآن: 6/148]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاعبد اللّه مخلصاً لّه الدّين...}
منصوب بوقوع الإخلاص عليه, وكذلك ما أشبهه في القرآن مثل :
{مخلصين له الدين} : ينصب كما في هذا, ولو رفعت {الدين} بله، وجعلت الإخلاص مكتفياً غير واقعٍ؛ كأنك قلت: اعبد الله مطيعاً فله الدين). [معاني القرآن: 2/414]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله جلّ وعزّ: {تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم (1) إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ}
الكتاب ههنا : القرآن، ورفع تنزيل الكتاب من جهتين:
إحداهما الابتداء , ويكون الخبر من اللّه، أي: نزل من عند اللّه
ويجوز أن يكون رفعه على: هذا تنزيل الكتاب.).
[معاني القرآن: 4/343] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{فاعبد اللّه مخلصا له الدّين (2)}
{الدّين} منصوب بوقوع الفعل عليه، و{مخلصا} : منصوب على الحال، أي: فاعبد اللّه موحدا لا تشرك به شيئا.
وزعم بعض النحويين : أنه يجوز مخلصا له الدّين، وقال: يرفع الدّين على قولك :
{ مخلصا له الدّين} , ويكون مخلصا تمام الكلام.
ويكون له الدين ابتداء, وهذا لا يجوز من جهتين:-
إحداهما : أنه لم يقرأ به.
والأخرى أنه يفسده
{ألا للّه الدّين الخالص}, فيكون " له الدين " مكررا في الكلام، لا يحتاج إليه، وإنما الفائدة في {ألا للّه الدّين الخالص} : تحسن بقوله: {مخلصا له الدّين}.
ومعنى إخلاص الدّين ههنا : عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا جرى تثبيتا للتوحيد، ونفيا للشرك، ألا ترى قوله:
{والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى إنّ اللّه يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذب كفّار (3) }.) . [معاني القرآن: 4/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين} : أي: بما حق في الكتب من إنزاله عليك , ويجوز أن يكون المعنى : ألزمك إياه بحقه عليك , وعلى خلقه
وقيل المعنى : يأمر بالعدل , والحق
ثم قال تعالى:
{فاعبد الله مخلصا له الدين}: أي : لا تعبد معه غيره , وحكى الفراء له الدين , برفع الدين.
وهو خطأ من ثلاثة جهات :-
إحداها : أن بعده :
{ألا لله الدين الخالص} , فهو يغني عن هذا
وأيضا: فلم يقرأ به .
وأيضا: فإنه يجعل مخلصا التمام , والتمام عند رأس الآية أولى.).
[معاني القرآن: 6/148-149]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء...}
(الذين) في موضع رفع بقول مضمر, والمعنى: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء}: يقولون لأوليائهم , وهي الأصنام: ما نعبدكم إلاّ لتقرّبونا إلى الله, وكذلك هي في (حرف) أبيّ , وهي حرف عبد الله :
{قالوا ما نعبدهم} , والحكاية إذا كانت بالقول مضمراً , أو ظاهراً : جاز أن يجعل الغائب كالمخاطب، وأن تتركه كالغائب، كقوله: {قل للّذين كفروا سيغلبون} , و{ستغلبون} بالياء, والتاء على ما وصفت لك). [معاني القرآن: 2/414]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى إنّ اللّه يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذب كفّار (3)}
أي : فأخلص أنت الدّين، ولا تتخذ من دونه أولياء، فهذا كله يؤكده مخلصا له الدّين.
وموضع :
{والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم..}: (الّذين) رفع بالابتداء، وخبرهم محذوف، في الكلام دليل عليه المعنى , والذين اتخذوا من دونه أولياء , يقولون: ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى.
والدليل على هذا أيضا : قراءة أبى:
{ما نعبدكم إلا لتقرّبونا إلى اللّه}
هذا تصحيح الحكاية, المعنى يقولون لأوليائهم: ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى اللّه زلفى، وعلى هذا المعنى، يقولون: ما نعبدهم، أي يقولون لمن يقول لهم : لم عبدتموهم؟: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى, أي: قربى.
ثم أعلم عزّ وجلّ - أنه لا يهدي هؤلاء فقال:
{إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذب كفّار} ). [معاني القرآن: 4/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ألا لله الدين الخالص}
أي: يعبد وحده ؛ لأن من الناس من له دين , ولا يخلصه لله جل وعز
وروى معمر, عن قتادة:
{ ألا لله الدين الخالص }, قال: (لا إله إلا الله, ثم قال جل وعز: {والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} )
قال قتادة : (أي: منزلة) .
وقال الضحاك : (أي: إلا ليشفعوا لنا) .
قال أبو جعفر : وفي قراءة ابن مسعود , وابن عباس ومجاهد :
{والذين اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}
وفي حرف أبي :
{ والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدكم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }
قال أبو جعفر : والحكاية في هذا بينة.).
[معاني القرآن: 6/149-151 ]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لو أراد اللّه أن يتّخذ ولداً لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء}: أي: لأختار ما يشاء من خلقه، لو كان فاعلا: {سبحانه هو اللّه الواحد القهّار} ). [تفسير غريب القرآن: 382]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثمّ أعلم جلّ وعزّ: أنه تعالى عن هذه الصفة فقال:{لو أراد اللّه أن يتّخذ ولدا لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء سبحانه هو اللّه الواحد القهّار (4)}
أي : تنزيها له عن ذلك..
{هو اللّه الواحد القهّار} : وفي هذا دليل : أن الذين اتخذوا من دونه أولياء قد دخل فيهم من قال: عيسى ابن اللّه - جلّ اللّه وعزّ - عن ذلك, ومن قال: العزير ابن اللّه). [معاني القرآن: 4/344-345]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء}
واتصال هذا بالأول يدل على : أن هؤلاء ممن اتخذ من دون الله أولياء , واصطفى : اختار).
[معاني القرآن: 6/151]

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يكوّر اللّيل على النّهار }: يدخل، مجازها: يولج). [مجاز القرآن: 2/188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يكور الليل على النهار}: مثل يولج).[غريب القرآن وتفسيره: 325]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يكوّر اللّيل على النّهار}
قال أبو عبيدة: يدخل هذا على هذا, وأصل التكوير اللف والجمع, ومنه : كور العمامة, ومنه قوله:
{إذا الشّمس كوّرت} :أي: جمعت , ولفت.). [تفسير غريب القرآن: 382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل}
قال قتادة: (أي: يلقي هذا على هذا , وهذا على هذا).
قال أبو جعفر : أصل التكوير في اللغة اللف , والجمع , ومنه : كور العمامة , ومنه
إذا الشمس كورت). [معاني القرآن: 6/151-152]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل}: أي: يدخل هذا في هذا، وهذا في هذا). [ياقوتة الصراط: 443]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ}: أي: يدخل هذا على هذا , وأصله اللف والجمع, ومنه: {إذا الشمس كورت}: أي: لفت كالعمامة.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 213]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُكَوِّرُ}: يدخل.). [العمدة في غريب القرآن: 261]

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلقكم مّن نّفسٍ واحدةٍ ثمّ جعل منها زوجها...}
يقول القائل: كيف قال:
{خلقكم} لبني آدم, ثم قال: {ثمّ جعل منها زوجها}والزوج مخلوق قبل الولد؟
ففي ذلك وجهان من العربيّة:
أحدهما: أن العرب إذا أخبرت عن رجل بفعلين ردّوا الآخر بثمّ , إذا كان هو الآخر في المعنى, وربّما جعلوا (ثمّ) فيما معناه التقديم , ويجعلون (ثم) من خبر المتكلّم, من ذلك أن تقول: قد بلغني ما صنعت يومك هذا، ثمّ ما صنعت أمس أعجب, فهذا نسق من خبر المتكلّم. وتقول: قد أعطيتك اليوم شيئاً، ثم الذي أعطيتك أمس أكثر، فهذا من ذلك.
والوجه الآخر: أن تجعل خلقه الزوج مردوداً على (واحدة) , كأنه قال: خلقكم من نفسٍ وحدها، ثمّ جعل منها زوجها, ففي (واحدةٍ) معنى خلقها واحدة.
قال: أنشدني بعض العرب:
أعددته للخصم ذي التعدّي = كوّحته منك بدون الجهد
ومعناه : الذي إذا تعدى كوّحته، وكوّحته: غلبته).
[معاني القرآن: 2/414-415]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ في ظلماتٍ ثلاثٍ } : في أصلاب الرجال, ثم في الرحم , ثم في البطن , وقال بعضهم: في الحولاء, وفي الرحم , وفي البطن.). [مجاز القرآن: 2/188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({في ظلمات ثلث}: قالوا: في الصلب ثم في الرحم ثم في البطن). [غريب القرآن وتفسيره: 325]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج}:أي : ثمانية أصناف، وهي التي ذكرها اللّه - عز ذكره - في سورة الأنعام.
{يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقاً من بعد خلقٍ}: أي: علقة بعد نطفة، ومضغة بعد علقة.
{في ظلماتٍ ثلاثٍ} : يقال: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة البطن). [تفسير غريب القرآن: 382]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم بيّن - جلّ وعزّ - ما يدل على توحيده بما خلق ويعجز عنه المخلوقون فقال:{خلقكم من نفس واحدة ثمّ جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم اللّه ربّكم له الملك لا إله إلّا هو فأنّى تصرفون (6)}
" ثمّ " لا تكون إلا لشيء بعد شيء, والنفس الواحدة يعني بها آدم صلى الله عليه وسلم , وزوجه حوّاء. وإنّما قوله " ثمّ " لمعنى : خلقكم من نفس واحدة، أي : خلقها واحدة , ثم جعل منها زوجها، أي: خلقها ثم جعل منها زوجها قبلكم.
وقوله:
{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج}: يعنى من الإبل ذكرا وأنثى، ومن البقر ذكرا وأنثى , ومن الضأن كذلك , ومن المعز ذكرا وأنثى.
يقال للذكر والأنثى زوجان , كل واحد منهما , يقال له : زوج.
{يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث} : نطفا , ثم علقا , ثم مضغا ثم عظاما , ثم تكسى العظام لحما، ثم تصوّر , وتنفخ فيها الروح، فذلك معنى قوله: خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث: في البطن، والرّحم، والمشيمة.
وقد قيل : في الأصلاب , والرحم , والبطن.
{ذلكم اللّه ربّكم له الملك لا إله إلّا هو}:المعنى : الّذي دبّر الخلق هذا التدبير , ليس كمثله شيء.
{فأنّى تصرفون} : المعنى فمن أين تصرفون عن طريق الحق، مثل: {فأنّى تؤفكون)}
أي : فكيف تعدلون عن الحق بعد هذا البيان الذي يدل على صحة التوحيد).
[معاني القرآن: 4/345-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها}, ثم ههنا : تدل على أن الإخبار الثاني بعد الأول
وقال قتادة : (ثم جعل منها زوجها : حواء , خلقها من ضلع من أضلاعه ).
وقيل : يكون خلقه الزوج مردودا على واحد , أي: على نفس وحدها ثم جعل منها زوجها.
ثم قال جل وعز:
{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} : أي: أصناف.
قال مجاهد : (من الإبل اثنين, ومن البقر اثنين , ومن الضأن اثنين , ومن المعز اثنين) .
قال قتادة: (هي مثل التي في الأنعام , ثم قال جل وعز:
{يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق} )
قال مجاهد والضحاك : (نطفة , ثم علقة , ثم مضغة حتى يتم الخلق ثم قال تعالى:
{في ظلمات ثلاث})
قال مجاهد , وعكرمة , وقتادة , والضحاك: (في ظلمة الرحم , وفي ظلمة المشيمة , وفي ظلمة البطن).
وقيل: في الصلب , ثم في الرحم, ثم في البطن , وهذا مذهب أبي عبيدة , والأول أصح.).
[معاني القرآن: 6/152-154]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {في ظلمات ثلاث}
اخبرنا أبو عمر , قال: أنا ثعلب، عن رجاله الكوفيين , والبصريين: قالوا: ظلمة البطن، وظلمة الليل، وظلمة المشيمة، وقالت طائفة: ظلمة البطن، وظلمة المهبل - وهو موضع الولد - , وظلمة المشيمة.).
[ياقوتة الصراط: 443-444]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ظُلُمَاتٍ}: الصلب , والرحم, والبطن.).[العمدة في غريب القرآن: 261]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن تشكروا يرضه لكم...}
يقول: يرضى الشكر لكم, وهذا مثل قوله:
{فاخشوهم فزادهم إيماناً} : أي : فزادهم قول الناس، فإن قال قائل: كيف قال {ولا يرضى لعباده الكفر} : وقد كفروا؟ , قلت: إنه لا يرضى أن يكفروا, فمعنى الكفر: أن يكفروا, وليس معناه الكفر بعينه, ومثله ممّا يبيّنه لك أن تقول: لست أحبّ الإساءة، وإني لأحب أن يسيء فلان , فيعذّب , فهذا ممّا يبيّن لك معناه.). [معاني القرآن: 2/415]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إن تكفروا فإنّ اللّه غنيّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثمّ إلى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم تعملون إنّه عليم بذات الصّدور (7)}
{وإن تشكروا يرضه لكم} : معناه يرضى الشكر؛ لأن قوله: {وإن تشكروا}: يدلّ على الشكر.
وقوله:
{ولا تزر وازرة وزر أخرى} : لا يؤخذ أحذ بذنب أحد.). [معاني القرآن: 4/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} : أي: يرضى الشكر لكم , ودل:{ تشكروا } : على الشكر.). [معاني القرآن: 6/154]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {نسي ما كان يدعو إليه من قبل...}
يقول: ترك الذي كان يدعوه إذا مسّه، الضر يريد الله تعالى, فإن قلت: فهلاّ , قيل: نسي من كان يدعو؟ .
قلت: إن (ما) قد تكون في موضع (من) , قال الله :
{قل يأيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد} : يعني : الله, وقال : {فانكحوا ما طاب لكم من النّساء} : فهذا وجه. وبه جاء التفسير، ومثله: {أن تسجد لما خلقت بيديّ} , وقد تكون : {نسي ما كان يدعو إليه} يراد: نسي دعاءه إلى الله من قبل, فإن شئت جعلت الهاء التي في (إليه) لما , وإن شئت جعلتها لله وكلّ مستقيم.
وقوله:
{قل تمتّع بكفرك قليلاً} : فهذا تهدّد , وليس بأمر محض, وكذلك قوله: {فتمتّعوا فسوف تعلمون} , وما أشبهه.). [معاني القرآن: 2/416]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ثمّ إذا خوّله نعمةً منه }: كل مالك , وكل شيء أعطيته فقد خولته , قال أبو النجم:
أعطى فلم يبخل ولم يبخّل= كوم الذّرى من خول المخوّل
يريد الله تبارك وتعالى: وسمعت أبا عمرو يقول في بيت زهير:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا = وإن يسئلوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
قال يونس: إنما سمعنا:
= هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
: وهي معناها).
[مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.
وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ}.
ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:
إذا كنتَ متّخذا صاحبا = فلا تصحبنّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم). [تأويل مشكل القرآن: 273] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({خوله نعمة}: ملكه). [غريب القرآن وتفسيره: 325]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {وإذا مسّ الإنسان ضرّ دعا ربّه منيبا إليه ثمّ إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله قل تمتّع بكفرك قليلا إنّك من أصحاب النّار (8)}
{منيبا إليه} : أي: تائبا إليه.
{ثمّ إذا خوّله نعمة منه} : أي: أذهب الضّرّ عنه , وأنعم عليه.
{نسي ما كان يدعو إليه من قبل} : يقول: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى اللّه - جلّ وعزّ - , وجائز أن يكون معناه : نسي اللّه الذي كان يتضرع إليه من قبل.
ومثله:
{ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)}: فكانت (ما) تدل على اللّه، و " من " عبارة عن كل مميّز.
و(ما) يكون لكل نوع، تقول: ما عندك؟ فيكون الجواب : رجل , أو فرس , أو ما شئت من الأجناس، فيدخل المميز في (ما) من جهة دخولها على الأجناس.
{قل تمتّع بكفرك قليلا} : لفظ هذا لفظ أمر، ومعناه - التهديد والوعيد.
ومثله :
{فتمتّعوا فسوف تعلمون} , ومثله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}, ومثله قوله لمن يتهدده: عد لما أكره وحسبك، فأنت لست تأمره في المعنى , وإنّما تتوعده وتتهدده.). [معاني القرآن: 4/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه}
روى سعيد , عن قتادة قال : (مخلصا) .
قال أبو جعفر : يقال: أناب إذا رجع , وتاب .
وقوله جل وعز:
{ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل}
أي: أعطاه , وأباحه , وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا = وإن يسالوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
ثم قال:
{نسي ما كان يدعو إليه من قبل} :أي: نسي الذي كان يدعو الله جل وعز به من قبل , ويجوز أن يكون المعنى : نسي الله الذي كان يدعوه كما قال تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}
وفي قوله تعالى:
{قل تمتع بكفرك قليلا }: معنى التهديد .
وقوله جل وعز:
{وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}
قال السدي : (الأنداد من الرجال : يطيعهم في المعاصي , وقيل : عبد الأوثان).
وهذا أولى بالصواب ؛ لأن ذلك في سياق عتاب الله عز وجل إياهم على عبادتها).
[معاني القرآن: 6/154-156]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خوله}: أعطاه , ورزقه.). [ياقوتة الصراط: 444]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَوَّلَهُ}: ملكه). [العمدة في غريب القرآن: 261]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل...}
قرأها يحيى بن وثّاب بالتخفيف, وذكر ذلك , عن نافع , وحمزة , وفسّروها يريد: يا من هو قانت؟, وهو وجه حسن، العرب تدعو بألف، كما يدعون بيا, فيقولون: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل. قال الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ = إلاّ يدٍ ليست لها عضد
وقال الآخر:
أضمر بن ضمرة ماذا ذكر = ت من صرمة أخذت بالمرار
وهو كثير في الشعر فيكون المعنى مردوداً بالدعاء كالمنسوق، لأنه ذكر الناسي الكافر، ثم
قصّ قصة الصالح بالنداء، كما تقول في الكلام: فلان لا يصلّي , ولا يصوم, فيا من يصلّي , ويصوم , أبشر , فهذا هو معناه, والله أعلم.
وقد تكون الألف استفهاماً بتأويل أم؛ لأن العرب قد تضع (أم) في موضع الألف إذا سبقها كلام، قد وصفت من ذلك ما يكتفى به, فيكون المعنى أمن هو قانت (خفيف) كالأوّل الذي ذكر بالنسيان , والكفر.
ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف, وهو الوجه: أن تجعل أم إذا كانت مردودة على معنىً قد سبق قلتها بأم, وقد قرأ بها الحسن , وعاصم , وأبو جعفر المدنيّ يريدون: أم من, والعرب تقول: كان هذا حين قلت: أأخوك أم الذئب؟, تقال هذه الكلمة بعد المغرب إذا رأيت الشخص , فلم تدر ما هو, ومنه قولك: أفتلك أم وحشيّة؟, وقولك: أذلك أم جأب يطارد أتنا؟.
فإن قال قائل فأين جواب (أمّن هو) ؟: فقد تبيّن في الكلام أنه مضمر، وقد جرى معناه في أوّل الكلمة، إذ ذكر الضالّ ثم ذكر المهتدى بالاستفهام ؛ فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا أو أهذا أفضل أم هذا؟. ومن لم يعرف مذاهب العرب , ويتبيّن له المعنى في هذا , وشبهه لم يكتف ولم يشتف؛ ألا ترى قول الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أنّ معناه: لو أتانا رسول غيرك لدفعناه، فعلم المعنى ولم يظهر, وجرى قوله:
{أفمن شرح الله صدره للإسلام} على مثل هذا.
وقوله:
{آناء اللّيل ساجداً وقائماً} نصب على قوله: يقنت ساجداً مرّةً , وقائماً مرّةً، أي: مطيع في الحالين, ولو رفع كما رفع القانت كان صواباً, والقنوت: الطاعة). [معاني القرآن: 2/417]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أمّن هو قانتٌ} :أي : مصل, وأصل القنوت: الطاعة , {آناء اللّيل} : أي: ساعاته.). [تفسير غريب القرآن: 382]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} ولم يذكر ضدّ هذا؛ لأن في قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} دليلا على ما أراد.
وقال الشاعر:
أراك فما أدري أهمٌّ هممتُه = وذو الهمِّ قدمًا خاشعٌ متضائل
ولم يأت بالأمر الآخر.
وقال أبو ذؤيب:
عصيت إليها القلب إنّي لأمرِهِ = سميعٌ، فما أدري أَرُشْدٌ طِلابُها؟
أراد: أرشد هو أم غيّ؟ فحذف). [تأويل مشكل القرآن: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}.
هذا كلام مردود إلى ما قبله، محذوف منه الجواب للاختصار، على ما بيّنا في (باب المجاز).
وإنما ذكر الله تعالى قبل هذا الكلام قوما ركنوا إلى الدنيا ورضوا بها عوضا من الآخرة فقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} .
أي نؤتيهم ثواب أعمالهم في الدنيا، إذ كان عملهم لها وطلبهم ثوابها، وليس لهم في الآخرة إلا النار.
وحبط ما صنعوا فيها أي ذهب وبطل، لأنهم لم يريدوا الله بشيء منه.
ثم قايس بين هؤلاء وبين النبي صلّى الله عليه وسلم وصحابته فقال: أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه يعني محمدا، صلّى الله عليه وسلم. ويتلوه شاهدٌ منه أي من ربّه. (الهاء) مردودة إلى الله تعالى.
والشاهد من الله تعالى للنبي، صلّى الله عليه وسلم: جبريل عليه السلام، يريد أنه يتبعه ويؤيّده ويسدّده ويشهده.
ويقال: الشاهد: (القرآن) يتلوه يكون بعده تاليا شاهدا له.
وهذا أعجب إليّ؛ لأنّه يقول: ومن قبله كتاب موسى يعني التوراة.
إماماً ورحمةً قبل القرآن يشهد له بما قدّم الله فيها من ذكره.
والجواب هاهنا محذوف. أراد أفمن كانت هذه حاله كهذا الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إذ كان فيه دليل عليه.
ومثله قوله: { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، ولم يذكر الذي هو ضده؟ لأنه قال بعد: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
فالقانتون آناء الليل والنهار هم الذين يعلمون، وأضدادهم، هم الذين لا يعلمون، فاكتفى من الجواب بما تأخّر من القول، إذ كان فيه دليل عليه). [تأويل مشكل القرآن: 394-395] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت»
أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت؛ لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت).
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة؛ لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 451-452]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب (9)}
{أمّن هو قانت آناء اللّيل} : ساعات الليل، وأكثر القراءة بتشديد الميم على معنى : بل أم من هو قانت , والقانت المقيم على الطاعة، ودعاء القنوت الدعاء في القيام، فالقانت القائم بما يجب عليه من أمر اللّه، ويقرأ {أمن هو قانت} بتخفيف الميم، وتأويله: أمن هو قانت كهذا الذي ذكرنا ممن جعل للّه أندادا، وكذلك (أمّن) معناه بل أمن هو قانت كغيره، أي أمن هو مطيع كمن هو عاص.
{يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه} : معناه يحذر عذاب الآخرة.
{قل هل يستوي الّذين يعلمون}: أي: لا يستوي العالم والجاهل، وكذلك لا يستوي المطيع والعاصي , و{أولوا الألباب} : ذوو العقول، وواحد الألباب لب , وهي العقول.). [معاني القرآن: 4/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما}
أي: مصل , والقنوت: الطاعة.
قال الحسن , وقتادة : (آناء الليل ساعاته أوله , وأوسطه ,وآخره).
قال أبو جعفر : قال الأخفش : قراءة من قرأ :
{أمن هو} , بالتخفيف ضعيفة في العربية ؛ لأن ألف الاستفهام لا يعتمد على ما قبلها.
قال أبو جعفر : الذي قاله الأخفش حسن , يدل عليه: أن الذي في سورة النمل , لم يقرأ إلا مثقلا , ومعنى كلامه : أن الكلام معتمد على ما قبله ليس له خبر , وإنما دل عليه ما قبله ؛ لأنه قال جل وعز:
{وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}
فحذف الخبر ؛ لأن المعنى أمن هو مطيع كهذا؟! , أو أمن هو مطيع أفضل أم هذا ؟!
وهذا موضع أم التي بمعنى بل , كما قال:
أفتلك أم وحشية مسبوعة = خذلت وهادية الصوار قوامها
وقوله:
أذلك أم جاب يطارد آتنا = حملن فأدنى حملهن دروص
ومن قرأ بالتخفيف , فالخبر أيضا عنده محذوف , وهو شيء غامض في العربية , لا يأنس به إلا من درب بها كما قال:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أي : لدفعناه , فعلى هذا يقع الحذف
وقيل هو نداء : أي : يا من هو قائم آناء الليل .
وقوله جل وعز:
{يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}
قرأ سعيد بن جبير :
{يحذر عذاب الآخرة } , والمعنى واحد.
وقوله جل وعز:
{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}
أي: كما لا يستوي العالم والجاهل كذا لا يستوي المطيع والعاصي , وقيل : الذين يعلمون ما لهم في الطاعة , وما عليهم في المعصية , ثم قال:
{ إنما يتذكر أولو الألباب }:أي: العقول , ولب كل شيء : خالصه.). [معاني القرآن: 6/156-160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَانِتٌ}: قانت, {آناء الليل}: ساعاته). [العمدة في غريب القرآن: 261]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 ذو القعدة 1431هـ/25-10-2010م, 04:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 10 إلى 28]

{ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)}

تفسير قوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل يا عباد الّذين آمنوا اتّقوا ربّكم للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة وأرض اللّه واسعة إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب (10)}
ذكر سعة الأرض ههنا : لمن كان يعبد الأصنام, وأمرنا بالمهاجرة عن البلد الذي يكره فيه على عبادتها، كما قال:
{ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها}: وقد جرى ذكر الأوثان في قوله: {وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله}
{إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب}: أي : من صبر على البلاء في طاعة اللّه , أعطي أجره بغير حساب.
جاء في التفسير : بغير مكيال , وغير ميزان.
يغرف له غرفا، وهذا وإن كان الثواب لا يقع على بعضه كيل , ولا وزن , مما يتنغم به الإنسان من اللذة , والسرور , والرّاحة، فإنه يمثل ما يعلم بحاسّة القلب بما يدرك بالنظر، فيعرف مقدار القلّة من الكثرة.).
[معاني القرآن: 4/347-348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة}
قيل: الحسنة : الجنة .
وقيل : المعنى لهم حسنة في الدنيا , أي : ثناء حسن , وطمأنينة بما لهم
وقوله جل وعز:
{وأرض الله واسعة} , قال مجاهد : أي: فهاجروا , واعتزلوا الأوثان.). [معاني القرآن: 6/160]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: { قل إنّي أمرت أن أعبد اللّه مخلصا له الدّين (11)}
يقول: إني أمرت بتوحيد اللّه، وأمر الخلق كلّهم بذلك، وألّا يتخذ من دونه وليّا , ولا يجعل له أندادا.).
[معاني القرآن: 4/348]

تفسير قوله تعالى:{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وأمرت لأن أكون أول المسلمين}
قال:
{وأمرت لأن أكون} :أي: وبذلك أمرت.). [معاني القرآن: 3/40]

تفسير قوله تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين (15)}
{فاعبدوا ما شئتم من دونه} : هذا على ما قلنا من الوعيد , مثل قوله: {قل تمتع بكفرك قليلا}
وهذا يدل - واللّه أعلم - على أنه قبل أن يؤمر المسلمون بالحرب، وهو مثل :
{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} : وقد بين حظ المؤمنين من جزيل الثواب، وحظ الكافرين من عظيم العقاب.
وقوله تعالى:
{قل إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة}
هذا يعني به : الكفار، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار، وخسروا أهليهم ؛ لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة، ثم بين حالهم فقال:
{ألا ذلك هو الخسران المبين} ). [معاني القرآن: 4/348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فاعبدوا ما شئتم من دونه} : على الوعيد , وهذا قبل الأمر بالقتال
ثم قال جل وعز:
{قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة}
أي: خسروا أنفسهم بالتخليد في النار , وأهليهم, بأنهم لم يدخلوا الجنة , فيكون لهم أهلون.
وروى معمر , عن قتادة قال :
(ليس أحد إلا وقد أعد الله له أهلا في الجنة , إن أطاعه)). [معاني القرآن: 6/161]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لهم من فوقهم ظلل من النّار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوّف اللّه به عباده يا عباد فاتّقون (16)}
وهذا مثل قوله :
{يوم يغشاهم العذاب من فوقهم}
{ذلك يخوّف اللّه به عباده} : أي: ذلك الذي وصف من العذاب , وما أعدّه لأهل الضلال الّذي يخوّف اللّه به عباده.
{يا عباد فاتّقون} : القراءة بحذف الياء، وهو الاختيار عند أهل العربية، ويجوز: يا عبادي ويا عبادي، والحذف أجود , وعليه القراءة.). [معاني القرآن: 4/348-349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون} :أي: ذلك الذي وصف من العذاب.).[معاني القرآن: 6/161]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل}: قال: قلت لابن الأعرابي: ظلل من فوقهم، نعم، فكيف تكون الظلل من تحتهم ؟ , قال: (الظلل من تحتهم , ظلل لمن تحتهم من الطبق الثاني ؛ فهي لهم هم بساط، وهي لمن تحتهم ظلل، وهكذا هلم جرا، حتى ينتهي إلى القعر من النار). ).[ياقوتة الصراط: 444-445]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد}
وقال:
{والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها} ؛ لأنّ: {الطاغوت} : في معنى جماعة, وقال: {أولياؤهم الطّاغوت} : وإن شئت جعلته واحداً مؤنّثاً). [معاني القرآن: 3/40]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17)} :أي: الذين اجتنبوا الشياطين أن يتبعوهم.). [معاني القرآن: 4/349] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال:
{الطاغوت}: الشياطين
قال أبو جعفر: وقد بينا هذا في سورة البقرة.).
[معاني القرآن: 6/161-162]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17)}: أي: الذين اجتنبوا الشياطين أن يتبعوهم.
{وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17) الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولو الألباب (18)}
وهذا فيه - واللّه أعلم - وجهان:
أحدهما: أن يكون يستمعون القرآن.
وغيره , فيتبعون القرآن.
وجائز أن يكونوا يستمعون جميع ما أمر الله به, فيتبعون أحسن ذلك نحو القصاص , والعفو، فإن من عفا , وترك ما يجب له أعظم ثوابا ممن اقتص، ومثله:
{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}.
{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (41)}.). [معاني القرآن: 4/349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}
في معنى هذا قولان:
- القول الأول : قال الضحاك: (يستمعون القول : القرآن , وأحسنه ما أمر الله جل وعز به الأنبياء من طاعته , فيتبعونه)
- والقول الآخر: أنهم يستمعون القرآن , وغيره , فيتبعون القرآن .
قال أبو جعفر : القول الأول حسن , والمعنى أنهم إذا سمعوا بالعقوبة , والعفو عفوا , ورأوا أن العفو أفضل , وإن كانت العقوبة لهم.).
[معاني القرآن: 6/162-163]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} :-
قال ثعلب: كله حسن، ولكن فيه القصاص، وفيه العفو عن القصاص، والعفو أحسن من القصاص.).
[ياقوتة الصراط: 445-446]

تفسير قوله تعالى: {َفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار}.
يقال: كيف اجتمع استفهامان في معنىً واحدٍ؟
يقال: هذا ممّا يراد به استفهامٌ واحدٌ؛ فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه , يردّ الاستفهام إلى موضعه الذي هو له, وإنّما المعنى - والله أعلم -: أفأنت تنقذ من حقّت عليه كلمة العذاب؟!, ومثله من غير الاستفهام قوله:
{أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مخرجون} , فردّ {أنكم} مرّتين.
والمعنى - والله أعلم -: أيعدكم أنّكم مخرجون إذا متّم وكنتم تراباً, ومثله قوله:
{لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم} : فردّ (تحسبنّ) مرّتين؛ ومعناهما - والله أعلم - لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا بمفازة من العذاب, ومثله كثير في التنزيل , وغيره من كلام العرب.). [معاني القرآن: 2/418]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار}
وقال:
{أفأنت تنقذ من} : أي: أفأنت تنقذه , واستغنى بقوله: {تنقذ من في النّار} عن هذا.
{أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ مّن رّبّه فويلٌ لّلقاسية قلوبهم مّن ذكر اللّه أولئك في ضلالٍ مّبينٍ}
وقال:
{أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ مّن رّبّه} , فجعل قوله: {فويلٌ لّلقاسية قلوبهم} مكان الخبر). [معاني القرآن: 3/40]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار (19)}
هذا من لطيف العربية، ومعناه : معنى الشرط والجزاء, وألف الاستفهام ههنا معناها : معنى التوقيف، والألف الثانية في
{أفأنت تنقذ من في النّار} جاءت مؤكّدة , معادة لمّا طال الكلام؛ لأنه لا يصلح في العربية أن تأتي بألف الاستفهام في الاسم , وألف أخرى في الخبر.
والمعنى : أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟!.
ومثله :
{ أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابا وعظاما أنّكم مخرجون (35)}
أعاد " أنكم " - ثانية، والمعنى : أيعدكم أنّكم إذا متّم , وكنتم ترابا وعظاما مخرجون، ويكون - واللّه أعلم - على وجه آخر، على أنه حذف , وفي الكلام دليل على المحذوف، على معنى : أفمن حق عليه كلمة العذاب يتخلّص منه؟!, أو ينجو منه؟!, أفأنت تنقذه؟!, أي: لا يقدر أحد أن ينقذ من أضلّه اللّه، وسبق في علمه أنه من أهل النار.).
[معاني القرآن: 4/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار}
يقال : كيف جيء باستفهامين, وقد أجمع أهل العربية انه لا يجوز استفهامان في اسم وخبره ؟.
ففي هذا جوابان :-
أحدهما : أن العرب إذا طال الكلام كررت توكيدا, وكذلك قال سيبويه في قول الله جل وعز:
{أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}
المعنى على هذا : أفمن حق عليه كلمة العذاب , أفأنت تنقذه ؟!.
والكلام شرط , وجوابه , وجيء بالاستفهام ؛ ليدل على التوقيف والتقرير.
قال الفراء : المعنى : أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب ؟!.
قال أبو جعفر : وهذا , والأول واحد.
والجواب الآخر : أن في الكلام حذفا , والمعنى: أفمن حق عليه كلمة العذاب يتخلص , أو ينجو؟!
ثم حذف الجواب , وكان ما بعده مستأنفا .
والمعنى: أفمن سبق في علم الله جل وعز أنه يدخل النار ينجو , أو يتخلص؟!.).
[معاني القرآن: 6/163-164]

تفسير قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وعد اللّه لا يخلف اللّه الميعاد }: نصبٌ مجازه , مجاز المصدر الذي ينصبه فعلٌ من غير لفظه , والوعد , والميعاد , والوعيد واحد.
قال ابو عبيدة إذا قلت: وعدت الرجل، فالوجه الخير , ويكون الشر .
قال الله:
{النّار وعدها الله الذين كفروا} : وإذا قلت: أوعدت فالوجه الشر ولا يكون الخير). [مجاز القرآن: 2/189]

تفسير قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فسلكه ينابيع في الأرض }: واحدها ينبوع , وهو ما جاش من الأرض.
{ثمّ يهيج فتراه مصفرّاً} : إذا ذوى الرطب كله فقد هاج , ويقال: هاجت الأرض , وهو إذا ذوى ما فيها من الخضر.
{ثمّ يجعله حطاماً} : بعد صفرته , أي: رفاتاً , والحطام , والرفات , والدرين واحد في كلام العرب, وهو ما يبس فتحات من النبات.). [مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ثم يهيج}: إذا ذوى الرطب كله فقد هاج. يقال: هاجت الأرض إذا ذوى ما فيها من الخضر.
{حطاما}: ورفاتا واحد).[غريب القرآن وتفسيره: 325-326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فسلكه ينابيع في الأرض}: أي: أدخله فيها ، فجعله ينابيع: عيونا تنبع.
{ثمّ يهيج}: أي: ييبس.
{ثمّ يجعله حطاماً} : مثل :الرّفات, والفتات.).[تفسير غريب القرآن: 383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ :{ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرّا ثمّ يجعله حطاما إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب (21)}
جاء في التفسير : أن كلّ ما في الأرض , فابتداؤه من السّماء، ومعنى " ينابيع " الأمكنة التي ينبع منها الماء، وواحد الينابيع : ينبوع، وتقدره : يفعول: من نبع ينبع.
{لكن الّذين اتّقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف}: منازل في الجنة رفيعة، وفوقها منازل أرفع منها.
{وعد اللّه} : القراءة النصب، ويجوز {وعد اللّه}, فمن نصب , وهي القراءة، فبمعنى لهم غرف؛ لأن المراد وعدهم اللّه غرفا وعدا، فوعد اللّه منصوب على المصدر, ومن رفع فالمعنى: ذلك وعد اللّه.
وقوله جلّ وعزّ :
{ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه} : ألوانه خضرة , وصفرة , وحمرة , وبياض, وغير ذلك.
{ثمّ يهيج} : قال الأصمعي يقال للنبت إذا تمّ جفافه: قد هاج يهيج هيجاً.
{ثمّ يجعله حطاما}: الحطام ما تفتّت , وتكسّر من النبت وغيره، ومثل الحطام الرفات, والدّرين.
{إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب}: أي: تفكر لذوي العقول، فيذكرون ما لهم في هذا من الدلالة على توحيد اللّه جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 4/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض}
يروى: أن كل ماء في الأرض فاصله من السماء , وقد يجوز أن يكون إنزاله إياه خلقه له , وتكوينه بأمره
وقوله تعالى:
{فسلكه} , أي: فادخله , فجعله ينابيع : جمع ينبوع , يفعول : من نبع , ينبع .
{ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه}: أي: أخضر , وأسود , وأصفر , وأبيض .
{ثم يهيج فتراه مصفرا}: أي: يجف.
قال الأصمعي : يقال للنبت إذا تم جفافه : قد هاج , يهيج , هيجا .
ثم يجعله حطاما , أي: رفاتا.
ثم قال تعالى:
{إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب}
أي : يفكرون , فيذكرون أن هذا دال على توحيد الله جل وعز , وقدرته.).
[معاني القرآن: 6/164-166]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَهِيجُ}: يذوى ويخف, {حُطَامًا}: متكسراً.)[العمدة في غريب القرآن: 261]

تفسير قوله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فويلٌ لّلقاسية قلوبهم مّن ذكر اللّه...}
و
{عن ذكر الله} كلّ صواب, تقول: اتّخمت من طعامٍ أكلته , وعن طعام أكلته، سواءً في المعنى, وكأنّ قوله: قست من ذكره , أنهم جعلوه كذباً فأقسى قلوبهم: زادها قسوة. وكأن من قال: قست عنه يريد: أعرضت عنه).[معاني القرآن: 2/418]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلال مبين (22)}
فهذه الفاء فاء المجازاة، والمعنى : أفمن شرح اللّه صدره , فاهتدى , كمن طبع على قلبه , فلم يهتد ؛لقسوته؟!
والجواب متروك , لأن الكلام دالّ عليه.
ويؤكد ذلك قوله - جلّ وعزّ:
{فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه}, يقال: قسا قلبه عن ذكر اللّه , ومن ذكر اللّه.
فمن قال من ذكر اللّه، فالمعنى : كلما تلي عليه ذكر اللّه , قسا قلبه، كما قال:
{وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم}.
ومن قال: عن ذكر اللّه , فالمعنى : أنه غلظ قلبه , وجفا عن قبول ذكر اللّه.
{أولئك في ضلال مبين} : يعني القاسية قلوبهم. الآية). [معاني القرآن: 4/351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}
في الكلام حذف , والمعنى : أفمن شرح الله صدره , فاهتدى , كمن طبع على قلبه , فلم يهتد ؟!.
وفي الحديث قال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
أو ينشرح القلب ؟).
قال:
(( نعم , إذا أدخل الله فيه النور انشرح ,وانفسح .)).
قالوا:
(فهل لذلك من علامة؟).
قال:
(( نعم , التجافي عن دار الغرور , والإنابة إلى دار الخلود , والإعداد للموت قبل لقاء الموت.)).
ثم قال جل وعز:
{فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين}
قيل : معنى من , وعن ههنا واحد.
قال أبو جعفر : وليس هذا بشيء , فمعنى : من إذا تليت عليهم آياته قسوا , كما قال تعالى:
{واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم}
وإذا قال: عن , فمعناه : قست قلوبهم , وجفت عن قبول ذكر الله.).
[معاني القرآن: 6/166-167]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {شَرَحَ}: فتح، ومنه قوله جل وعز:{ألم نشرح لك صدرك} : أي: ألم نفتح لك صدرك؟!.). [ياقوتة الصراط: 446]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كتاباً مّتشابهاً...}
أي: غير مختلف , لا ينقض بعضه بعضاً.
وقوله:
{مّثاني}: أي : مكرّراً , يكرّر فيه ذكر الثواب والعقاب.
وقوله:
{تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم} : تقشعرّ خوفاً من آية العذاب إذا نزلت , {ثمّ تلين} عند نزل آية رحمة). [معاني القرآن: 2/418]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({متشابهاً }: يصدق بعضه بعضاً , ويشبه بعضه بعضاً.). [مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كتاباً متشابهاً} : يشبه بعضه بعضا، ولا يختلف. {مثاني} : أي: تثني فيه الأنباء والقصص، وذكر الثواب والعقاب.
{تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم} : من آية العذاب، وتلين من آية الرحمة). [تفسير غريب القرآن: 383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {اللّه نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء ومن يضلل اللّه فما له من هاد (23)}
يعني : القرآن، ومعنى متشابها، يشابه بعضه بعضا في الفضل والحكمة، لا تناقض فيه.
و
{كتابا} منصوب على البدل من {أحسن الحديث}
وقوله:
{مثاني} من نعت قوله :{كتابا} منصوب على النعت، ولم ينصرف{مثاني} لما فسرناه: من إنّه جمع ليس على مثال الواحد.
{تقشعر منه جلود الذين يخشون ربّهم} : يقول: إذا ذكرت آيات العذاب , اقشعرت جلود الخاشعين للّه.
{ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه}: إذا ذكرت آيات الرحمة , لانت جلودهم وقلوبهم.
{ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء}: يقول: الذي وهبه الله لهم من خشيته , وخوف عذابه , ورجاء رحمته ؛ هدي اللّه). [معاني القرآن: 4/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}
روى الشعبي , عن عون بن عبد الله قال: قالوا: (يا رسول الله حدثنا) , فنزلت:
{الله نزل أحسن الحديث}
قال قتادة :
{ متشابها}:(أي: لا يختلف).
قال أبو جعفر : والمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحكمة , والحق , كما قال جل وعز:
{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}
ثم قال جل وعز:
{مثاني}
قال قتادة :
{مثاني }: (ثناه الله عز وجل) .
قال أبو جعفر : والمعنى : ما تثنى فيه القصص , والثواب , والعقاب .
وقيل : المثاني : كل سورة فيها اقل من مائة آية , أي: تثنى في الصلاة.
ثم قال جل وعز:
{تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}
أي: تقشعر من الآيات التي يذكر فيها العذاب , ثم تلين إلى الآيات التي تذكر فيها الرحمة.).
[معاني القرآن: 6/168-169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَّثَانِيَ}: أي: يثنى فيها ذكر الأنبياء , والقصص , والعقاب.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفمن يتّقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة...}.
يقال: إن الكافر تنطلق به الخزنة إلى النار مغلولاً، فيقذف به في النار، فلا يتّقيها إلاّ بوجهه وجوابه من المضمر الذي ذكرت لك).
[معاني القرآن: 2/418]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({أفمن يتّقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظّالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون}
وقال:
{أفمن يتّقي بوجهه} : فهذا لم يظهر له خبر في اللفظة , ولكنه في المعنى - والله أعلم - , كأنه :"أفمن يتّقي بوجهه أفضل أم من لا يتّقي؟!"). [معاني القرآن: 3/40-41]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أفمن يتّقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظّالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون (24)}
هذا مما جوابه محذوف، المعنى كمن يدخل الجنة، وجاء في التفسير أن الكافر يلقى في النار مغلولا، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه.).
[معاني القرآن: 4/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة}
في الكلام حذف , والمعنى :
{أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة }
قال مجاهد : (يخر على وجهه في العذاب , يوم القيامة).
قال أبو جعفر : ويروى أنه يلقى في النار مغلولا , فلا يقدر : أن يتقي النار إلا بوجهه.).
[معاني القرآن: 6/170]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قرآناً عربيّاً غير ذي عوجٍ لّعلّهم يتّقون}
وقال:
{قرآناً عربيّاً غير ذي عوجٍ} ؛ لأن قوله: {ولقد ضربنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثلٍ}: معرفة , فانتصب خبره.). [معاني القرآن: 3/41] (م)

تفسير قوله تعالى:{قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) }
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قرآناً عربيّاً غير ذي عوجٍ لّعلّهم يتّقون}
وقال:
{قرآناً عربيّاً غير ذي عوجٍ} ؛ لأن قوله: {ولقد ضربنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثلٍ}: معرفة , فانتصب خبره.).[معاني القرآن: 3/41]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد ضربنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثل لعلّهم يتذكّرون (27) قرآنا عربيّا غير ذي عوج لعلّهم يتّقون (28)}
{عربيّا} : منصوب على الحال, المعنى: ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيّته, وبيانه.
وذكر
{قرآنا} توكيدا، كما تقول: جاءني زيدا رجلا صالحا.
, وجاءني عمرو إنسانا عاقلا, فتذكر رجل, و" إنسانا " توكيدا).
[معاني القرآن: 4/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}
قال مجاهد: (أي : غير ذي لبس).
قال أبو جعفر : المعنى أنه مستقيم لا يخالف بعضه بعضا , لأن الشيء المعوج مختلف
وقد روي , عن ابن عباس :
{غير ذي عوج }: (غير مخلوق).). [معاني القرآن: 6/171]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 ذو القعدة 1431هـ/25-10-2010م, 04:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 29 إلى 52]

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) }

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فيه شركاء متشاكسون...}
مختلفون, هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن, فجعل الذي فيه شركاء الذي يعبد الآلهة المختلفة.
وقوله: {ورجلاً سلماً لّرجلٍ} : هو المؤمن الموحّد, وقد قرأ العوامّ (سلماً) , وسلمٌ وسالم متقاربان في المعنى، وكأنّ (سلما) مصدر لقولك: سلم له سلماً والعرب تقول: ربح ربحاً وربحاً، وسلم سلماً وسلماً وسلامة, فسالم من صفة الرّجل، وسلم مصدرٌ لذلك, والله أعلم...
- حدثني أبو إسحاق التيميّ -وليس بصاحب هشيم - عن أبي روق, عن إبراهيم التيميّ , عن ابن عباس: أنه قرأ : (ورجلاً سالماً) .
- وحدثني ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد أنه قرأ : (سالماً).
وقوله: {هل يستويان مثلاً...} , ولم يقل مثلين، لأنهما جميعاً ضربا مثلا واحداً، فجرى المثل فيهما بالتوحيد ومثله {وجعلنا ابن مريم وأمّه آيةً} ولم يقل: آيتين؛ لأن شأنهما واحد, ولو قيل مثلين أو آيتين كان صوابا؛ لأنهما اثنان في اللفظ). [معاني القرآن: 2/419]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون } : مجازها من الرجل الشكس, " سالماً " خالصاً , وسلماً لرجل , أي : صلحاً). [مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({متشاكسون}: متضايقون، والشكس الضيق من الرجال). [غريب القرآن وتفسيره: 326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({رجلًا فيه شركاء متشاكسون} :أي: مختلفون: يتنازعون , ويتشاحون فيه, يقال: رجل شكس :أي متعب الخلق.
قال قتادة: (هو الرجل الكافر، والشركاء: الشياطين, {ورجلًا سلماً لرجلٍ} : هو: المؤمن يعمل للّه وحده).
ومن قرأ: {سلماً لرجلٍ}، أراد: سلم إليه، فهو سلم له). [تفسير غريب القرآن: 383]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد جاء في القرآن التعريض...ومنه قول إبراهيم صلّى الله عليه وسلم: {إِنِّي سَقِيمٌ} أي سأسقم، لأن من كتب عليه الموت، فلا بد من أن يسقم.
ومنه قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أي: ستموت ويموتون.
فأوهمهم إبراهيم بمعاريض الكلام أنه سقيم عليل، ولم يكن عليلا سقيما، ولا كاذبا). [تأويل مشكل القرآن: 267-268] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةًفِي النُّجُومِ}
ولم يقل: إلى النجوم. وهذا كما يقال: فلان ينظر في النجوم، إذا كان يعرف حسابها، وفلان ينظر في الفقه والحساب والنحو.
وإنما أراد بالنظر فيها: أن يوهمهم أنه يعلم منها ما يعلمون، ويتعرف في الأمور من حيث يتعرفون، وذلك أبلغ في المحال، وألطف في المكيدة {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} أي سأسقم فلا أقدر على الغدوّ معكم. هذا الذي أوهمهم بمعاريض الكلام، ونيّته أنه سقيم غدا لا محالة، لأن من كانت غايته الموت ومصيره إلى الفناء- فسيسقم.
ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ولم يكن النبي، صلّى الله عليه وسلم، ميّتا في ذلك الوقت، وإنما أراد: أنك ستموت وسيموتون). [تأويل مشكل القرآن: 335-336] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون (29)}
ويقرأ: (سلما) , و (سلما)، فسالما على معنى اسم الفاعل.
سلم فهو سالم، وسلم , وسلم مصدران وصف بهما على معنى : ورجلا ذا سلم.
ومثله مما جاء من المصادر فعلا وفعلا , قولهم: ربحت ربحا وربحا.
قال الشاعر:
إذا الحسناء لم ترحض يديها= ولم يقصر لها بصر بستر
قروا أضيافهم ربحا ببحّ= يعيش بفضلهنّ الحيّ سمر
أي: قروا أضيافهم بذبح القداح التي يضربون بها في الميسر.
وتفسير هذا المثل : أنه ضرب لمن وحّد اللّه، ولمن جعل له شريكا, فالذي وحد الله مثله : مثل السّالم لرجل , لا يشركه فيه غيره, ومثل الذي عبد غير اللّه مثل صاحب الشركاء المتشاكسين.
و " الشركاء المتشاكسون " المختلفون العسيرون الذين لا يتفقون.
وقوله: {هل يستويان مثلا} أي: هل يستوي مثل الموحّد , ومثل المشرك.). [معاني القرآن: 4/352-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون}
قال قتادة : هو الكافر , والشركاء هم الشياطين .
قال : ورجلا سلما: هو المؤمن يعمل لله وحده .
قال مجاهد والضحاك : (هذا مثل للحق , والباطل , والشركاء هم الأوثان)
قال الفراء:{ متشاكسون }: مختلفون.
قال أبو جعفر: من قرأ رجلا سالما , أخرجه على الفعل , ومن قرأ سلما جعله مصدرا , فمعناه ذا سلم). [معاني القرآن: 6/171-172]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {متشاكسون}: أي: مختلفون). [ياقوتة الصراط: 446]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ}: أي: مختلفون , وقيل معناه: متعاسرون , ويقال: رجل شكس الأخلاق , أي: عسرها , والرجل هاهنا الكافر , والشركاء: الشياطين يعمل لهم, {وَرَجُلًا سَلَمًا}: الرجل هو المؤمن يعمل لله وحده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 213-214]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُتَشَاكِسُونَ}: متصانعون.).[العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون (31)}: يختصم المؤمن والكافر، ويخاصم المظلوم الظالم). [معاني القرآن: 4/353]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون}
أي : يخاصم المظلوم الظالم , والمؤمن الكافر.
قال ابن عمر : (ما كنا ندري , فيم نختصم؟!, حتى وقعت الفتنة , فقلنا : هو ذا).
وفي الحديث : أن الزبير قال: (يا رسول الله, أنختصم يوم القيامة بعدما كان بيننا ؟).
قال:((نعم, حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه .)).
قال: (إن الأمر إذا لشديد).). [معاني القرآن: 6/172]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فمن أظلم ممّن كذب على اللّه وكذّب بالصّدق إذ جاءه أليس في جهنّم مثوى للكافرين (32)}
المعنى : أي : أحد أظلم ممن كذب على اللّه , وكذّب نبيّه صلى الله عليه وسلم ). [معاني القرآن: 4/353]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): قوله: {والّذي جاء بالصّدق وصدّق به...}
(الذي) غير موقّت، فكأنه في مذهب جماعٍ في المعنى, وفي قراءة عبد الله {والذين جاءوا بالصّدق وصدّقوا به}, فهذا دليل أنّ (الذي) في تأويل جمعٍ). [معاني القرآن: 2/419]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ والذي جاء بالصّدق }: في موضع الجميع , وصدق به , قال الأشهب ابن رميلة:
وإن الذي حانت بفلجٍ دماؤهم= هم القوم كل القوم يا أمّ خالد). [مجاز القرآن: 2/190]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({والّذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتّقون}
وقال: {والّذي جاء بالصّدق} , ثم قال: {أولئك هم المتّقون} , فجعل "الذي" في معنى جماعة بمنزلة : {من} ).[معاني القرآن: 3/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والّذي جاء بالصّدق} : هو: النبي صلّى اللّه عليه وسلم {وصدّق به}: هم: أصحابه رضي اللّه عنهم.
قال أبو عبيدة: {الّذي جاء بالصّدق} : في موضع جميع, وهي قراءة عبد اللّه: {والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به}.).[تفسير غريب القرآن :383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {والّذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتّقون (33)}
روي عن علي رحمه اللّه أنه قال: (الّذي جاء بالصّدق محمد صلى الله عليه وسلم , والذي صدّق به أبو بكر- رحمه اللّه-).
وروي : (أن الّذي جاء بالصّدق جبريل، والذي صدّق به محمد صلى اللّه عليهما).
وروي: (أن الّذي جاء بالصّدق محمد صلى الله عليه وسلم , وصدّق به المؤمنون), وجميع هذه الوجوه صحيح.
والذي جاء في حرف ابن مسعود: {والّذين جاءوا بالصّدق وصدّقوا به } , و (الذين) ههنا , و (الذي) في معنى واحد، توحيده - لأنه غير موقت – جائز وهو بمنزلة قولك من جاء بالصّدق , وصدّق به.
{أولئك هم المتقون}:-
و(الذي) ههنا للجنس، المعنى , والقبيل الذي جاء بالصدق, وقوله (أولئك هم المتقون) : يدل على معنى الجماعة.
ومثله من الشعر:
إنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم= هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد)[معاني القرآن: 4/354]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}
حدثنا بكر بن سهل قال : حدثنا أبو صالح , عن معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس {والذي جاء بالصدق }: يقول : (جاء بلا إله إلا الله) , {وصدق به }: (يعني برسول الله صلى الله عليه وسلم) {أولئك هم المتقون }, يقول : (اتقوا الشرك) .
وروى ابن عيينة , عن منصور قال : قلت لمجاهد : يا أبا الحجاج : ما معنى قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به} : قال: (الذي جاء بالقرآن , وصدق به) .
قال أبو جعفر : وهذا يشبه القول الأول , وهو قول أكثر أهل اللغة , ويدل على صحته: أن عبد الله بن مسعود قرأ : {والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به أولئك هم المتقون }: فالذي ههنا , والذين واحد .
وقال الحسن : (هو المؤمن جاء بالصدق يوم القيامة , وصدق به في الدنيا) .
وبعض أهل اللغة بقول: حذف من (الذين )النون , لطول الاسم.
وبعضهم يقول : الذي بمعنى الذين , وبعضهم يقول : (الذي ) واحد يؤدي عن معنى الجماعة.
قال أبو جعفر : وهذا القول أصحها , يكون الذي مثل من ؛ لأنه لا يقصد قصده , وحقيقته أن المعنى والقبيل الذي جاء بالصدق وصدق به
وقد قيل في الآية غير هذا.
قال قتادة ,وأبو العالية : (الذي جاء بالصدق النبي صلى الله عليه وسلم , وأبو بكر رضي الله عنه)
وقيل : النبي صلى الله عليه وسلم , وعلي عليه السلام.
حدثنا علي بن سعيد , قال : حدثنا الحسين بن نصر , حدثني أبي , قال : حدثنا عمر بن سعيد, عن ليث , عن مجاهد: والذي جاء بالصدق محمد , وصدق به علي بن أبي طالب عليه السلام .
ونظير الذي جاء بالصدق , في أنه واحد يؤدي عن جماعة , قوله:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم = هم القوم كل القوم يا أم خالد
وحذف النون وقوله:
أبني كليب إن عمي اللذا = قتلا الملوك وفككا الأغلالا) [معاني القرآن: 6/173-176]

تفسير قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أليس اللّه بكافٍ عبده...}
قرأها يحيى بن وثّاب , وأبو جعفر المدني {أليس الله بكافٍ عباده} على الجمع, وقرأها لناس {عبده} , وذلك أن قريشاً , قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لعيبك إيّاها! , فأنزل الله: {أليس اللّه بكافٍ عبده} : محمّدا صلى الله عليه وسلم، فكيف يخوّفونك بمن دونه,والذين قالوا {عباده} قالوا: قد همّت أمم الأنبياء بهم، ووعدوهم مثل هذا، فقالوا لشعيب {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} , فقال الله {أليس اللّه بكافٍ عباده} : أي: محمداً عليه الصلاة والسلام , والأنبياء قبله, وكلّ صواب). [معاني القرآن: 2/419-420]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أليس اللّه بكاف عبده ويخوّفونك بالّذين من دونه ومن يضلل اللّه فما له من هاد (36)}
(أليس اللّه بكاف عبده): ويقرأ (عباده)، ولو قرئت " كافي عبده " , و " كافي عباده " لجازت، ولكن القراءة سنة لا تخالف.
ومعنى بكاف عبده : يدل على النصر، وعلى أنه كقوله:{ليظهره على الدّين كلّه} ، وهو مثل: {إنّا كفيناك المستهزئين (95)}
{ويخوّفونك بالّذين من دونه}:أي: يخوفون بآلهتهم , وأوثانهم.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها، فلما جاء خالد قال له سادنها: أحذركها يا خالد , إن لها شدة , لا يقوم لها شيء, فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها، فهذا معنى {ويخوّفونك بالّذين من دونه}؛ لأن تخويفهم خالدا , هو تخويفهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وجهه). [معاني القرآن: 4/354-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه} : هذا يدل على النصر , وأكثر الكوفيين يقرأ بكاف عباده.
والتوحيد أحسن , لأنه يروى : أنه يراد به النبي صلى الله عليه وسلم , ويدل عليه :{ويخوفونك بالذين من دونه} .
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال: (الأوثان) .
قال قتادة: (أخذها خالد بن الوليد فأسا , فجاء إلى العزى ليكسرها , فقال له قيمها : إن سبلها لا يطاق , فخف منها , فجاء حتى كسر أنفها) .
ويروى : أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لئن لم تنته عن سبها , لنأمرنها فلتخبلنك .
قال مجاهد : (نزلت هذه الآية : حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم عند باب الكعبة)). [معاني القرآن: 6/176-178]

تفسير قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل هنّ كاشفات ضرّه...}
{ممسكات رحمته...} : نوّن فيهما عاصم , والحسن , وشيبة المدنيّ, وأضاف يحيى بن وثّاب, وكلّ صواب, ومثله {إنّ الله بالغ أمره} , و{بالغٌ أمره} , و{موهن كيد الكافرين} , و{موهنٌ كيد الكافرين} , وللإضافة معنى مضّى من الفعل, فإذا رأيت الفعل قد مضى في المعنى فآثر الإضافة فيه، تقول أخوك أخذ حقه، فتقول ها هنا: أخوك آخذ حقّه, ويقبح أن تقول: آخذٌ حقّه. فإذا كان مستقبلاً لم يقع بعد قلت: أخوك آخذٌ حقّه عن قليل، وآخذ حقّه عن قليل: ألا ترى أنك لا تقول: هذا قاتلٌ حمزة مبغّضاً؛ لأن معناه ماضٍ , فقبح التنوين؛ لأنه اسم). [معاني القرآن: 2/420]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ قل أفرايتم ما تدعون من دون اللّه إن أرادني اللّه بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه }: ما ها هنا في موضع الجميع مجازها مجاز الذي مثل بيت الأشهب هذا , وقوله { هل هن كاشفات ضره }: يعني ما تعبدون من حجر ووثن، وأنت لأنهن موات, كما قال { إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً }: إلا مواتاً). [مجاز القرآن: 2/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم - مع عبادتهم العزى والأوثان - أنهم مقرون بأن اللّه خالقهم فقال: {ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه قل أفرأيتم ما تدعون من دون اللّه إن أرادني اللّه بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه أو أرادني برحمة هل هنّ ممسكات رحمته قل حسبي اللّه عليه يتوكّل المتوكّلون (38)}
ويقرأ كاشفات ضره , بترك التنوين , والخفض في ضره ورحمته, فمن قرأ بالتنوين , فلأنه غير واقع في معنى : هل يكشفن ضره , أو يمسكن رحمته , ومن أضاف وخفض , فعلى الاستخفاف , وحذف التنوين.
, وكلا الوجهين حسن قرئ بهما). [معاني القرآن: 4/355]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل فسوف تعلمون (39)}
و{على مكاناتك}: هذا اللفظ أمر على معنى الوعيد , والتهدّد , بعد أن أعلموا ما يجب أن يعملوا به، ثم قيل لهم: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}, وهذا كلام يستعمله الناس في التهدد , والوعيد.
تقول: متى أسأت إلى فلان انتقمت منك، ومتى أحسنت إليه أحسنت إليك , فاعمل ما شئت, واختر
لنفسك، فخوطب العباد على قدر مخاطباتهم وعلمهم.
وقوله على {مكاناتكم} و {مكانتكم}: معناه على ناحيتكم التي اخترتموها، وجهتكم التي تمكنتم - عند أنفسكم - في العلم بها.
{إنّي عامل} : ولم يقل على جهتي، لأن في الكلام دليلا على ذلك). [معاني القرآن: 4/356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون}
قال مجاهد : (على مكانتكم : أي : على ناحيتكم) .
قال أبو جعفر : وهذا قول صحيح , والمعنى : على ناحيتكم التي اخترتموها , وتمكنت عندكم .
إني عامل : المعنى إني عامل على ناحيتي , ثم حذف). [معاني القرآن: 6/178]

تفسير قوله تعالى: {ِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إنّا أنزلنا عليك الكتاب للنّاس بالحقّ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها وما أنت عليهم بوكيل (41)}
{وما أنت عليهم بوكيل}: أي: ما أنت عليهم بحفيظ .). [معاني القرآن: 4/356]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها...}
والمعنى : فيه يتوفّى الأنفس حين موتها، ويتوفّى التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها, ويقال: إن توفّيها نومها, وهو أحبّ الوجهين إليّ لقوله: {فيمسك الّتي قضى عليها الموت}.
ولقوله: {وهو الذي يتوفّاكم بالليل} , وتقرأ: {قضى عليها الموت} , {وقضي عليها الموت} ). [معاني القرآن: 2/420]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ الله يتوفى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمًّى }: فجعل النائم متوفى أيضاً إلا أنه يرده إلى الدنيا). [مجاز القرآن: 2/190]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أصل قضى: حتم، كقول الله عز وجل: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي حتمه عليها.
ثم يصير الحتم بمعان، كقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أي أمر؛ لأنه لما أمر حتم بالأمر). [تأويل مشكل القرآن: 441] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أخبر بأنه الحفيظ عليهم القدير فقال: {اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك الّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون (42)}
أي : ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها، فالميتة المتوفاة -وفاة الموت - , التي قد فارقتها النفس التي يكون بها الحياة, والحركة، والنفس التي تميز بها, والتي تتوفى في النوم نفس التمييز لا نفس الحياة، لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس, فهذا الفرق بين توفّي نفس النائم في النوم , ونفس الحي.ّ). [معاني القرآن: 4/356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}
روى جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير قال: (تجمع أرواح الأحياء , وأرواح الأموات , فتعارف بينهما ما شاء الله , فيمسك التي قضى عليها الموت , ويرسل الأخرى إلى أجسادها) .
قال الفراء : المعنى : والتي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها , قال : وقد يكون توفاها نومها .
قال أبو جعفر : وقيل المعنى الله يتوفى الأنفس حين موتها بإزالة أنفسها , وتمييزها , ثم أضمر للثاني فعل لأنه مخالف للأول .
فالمعنى : ويتوفى التي لم تمت في منامها , بإزالة تمييزها فقط , لأن النائم يتنفس
قال أبو جعفر : أحسن ما قيل في هذا أن المعنى يتوفى , ويستوفي واحد إذا انقضى الشيء , كما يقال تبينت , واستبنت , وتيقن , واستيقن , فالميت , والنائم في هذا واحد , ويدل عليه قوله: {فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} ).[معاني القرآن: 6/178-180]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) }
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أم اتخذوا من دونه شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون}
قال قتادة: قالوا : إنما عبدناها حتى تشفع لنا .
ثم قال جل وعز: {أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون}
قال سيبويه : هذا باب الواو , إذا دخلت عليها ألف الاستفهام , وذلك قولك : أفلان عند فلان ؟, فيقول: أهو ممن يكون عند فلان ؟.
قال أبو العباس: هذا على الاسترشاد أو على الإنكار , وما جاء منه في القرآن , فمعناه : الإنكار , والتقرير ووقوع الشيء). [معاني القرآن: 6/180]


تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) }
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {قل لله الشفاعة جميعا}
كما قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} ). [معاني القرآن: 6/181]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اشمأزّت قلوب }, تقول العرب: اشمأزّ قلبي عن فلان , أي: نفر). [مجاز القرآن: 2/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({وإذا ذكر اللّه وحده اشمأزّت قلوب الّذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الّذين من دونه إذا هم يستبشرون (45)}
معنى (اشمأزّت) : نفرت، وكانوا - أعني المشركين - إذا ذكر اللّه , فقيل: " لا إله إلا اللّه " نفروا من هذا، ؛ لأنهم كانوا يقولون: اللات والعزى، وهذه الأوثان آلهة). [معاني القرآن: 4/356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة}
روى معمر , عن قتادة قال: (اشمأزت: استكبرت , وكفرت) .
وروى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: (انقبضت) .
قال أبو جعفر يقال : اشمأز من كذا , إذا نفر منه .
ويروى أنهم كانوا إذا سمعوا من يقول: لا إله إلا الله وحده , نفروا , وقالوا: لم تذكر آلهتنا.). [معاني القرآن: 6/181]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {اشمأزت}: أي: اقشعرت). [ياقوتة الصراط: 447]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اشْمَأَزَّتْ}: نفرت.). [العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون} : يقال: إنهم عملوا في الدنيا أعمالا كانوا يرون أنها تنفعهم، فلم تنفعهم مع شركهم).[تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}
يروى : أنهم عملوا أعمالا توهموا أنها تنفعهم , فلم تنفعهم؛ لأنهم كانوا مشركين.). [معاني القرآن: 6/182]

تفسير قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وحاق بهم }: مثل أحاط بهم , ولزمهم.). [مجاز القرآن: 2/190]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بل هي فتنةٌ...}
خرجت (هي) بالتأنيث لتأنيث الفتنة, ولو قيل: بل هو فتنة لكان صواباً؛ كما قال {هذا رحمةٌ من ربّي} , ومثله كثير في القرآن, وكذلك قوله: {قد قالها الذين من قبلهم} أنثت إرادة الكلمة .
ولو قيل: قد قاله الذين من قبلهم كان صوابا, ومثله في الكلام أن تقول: قد فعلتها , وفعلت ذاك: ومثله, قوله: {وفعلت فعلتك التي فعلت}: يجوز مكانها لو أتى: وفعلت فعلك). [معاني القرآن: 2/420-421]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضُّرّ: الشدة والبلاء ... ومنه المرض، كقول أيوب عليه السّلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}، {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا}). [تأويل مشكل القرآن: 483] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {فإذا مسّ الإنسان ضرّ دعانا ثمّ إذا خوّلناه نعمة منّا قال إنّما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (49)}
{ثمّ إذا خوّلناه}: أعطيناه ذلك تفضلا، وكل من أعطى على غير جزاء , فقد خول.
{قال إنّما أوتيته على علم} : أي: أعطيته على شرف, وفضل يجب له به هذا الّذي أعطيت، فقد علمت أني سأعطى هدى، فأعلم اللّه أنه قد يعطى اختبارا , وابتلاء فقال:{بل هي فتنة}: أي : تلك العطيّة فتنة من الله, وبلوى يبتلى بها العبد ليشكر , أو يكفر). [معاني القرآن: 4/357]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا}
قال مجاهد :{خولناه}: (أعطيناه) .
قال أبو جعفر : يقال خولته كذا , أي: أعطيته إياه تفضلا من غير جزاء.
وقوله جل وعز: {قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون}
قال مجاهد: (إنما أوتيته على علم , أي: على شرف) .
وقال قتادة: (أي على خير عندي)
قال أبو جعفر: المعنى إن لي علما بالكسب : إما بتجارة , أو غيرها , فقد علمت إني أوتي هذا.
ومن أحسن ما قيل فيه : أن المعنى : قد علمت إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة, فرد الله جل وعز ذا عليه , فقال : {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون } الآية , فعرف الله جل وعز : أنه ليس يعطي المال كل من له منزلة .
ثم قال جل وعز: {بل هي فتنة} : أي بل العطية فتنة يمتحن بها العبد ليظهر منه أيشكر , أم يكفر). [معاني القرآن: 6/182-183]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قد قالها الّذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (50)}: يقول: فأحبطت أعمالهم.). [معاني القرآن: 4/357]


تفسير قوله تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فأصابهم سيّئات ما كسبوا والّذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيّئات ما كسبوا وما هم بمعجزين (51)} : أي : إلى الله مرجعهم ؛ فيجازيهم بأعمالهم). [معاني القرآن: 4/357]
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 ذو القعدة 1431هـ/25-10-2010م, 04:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 53 إلى 64]

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)}

تفسير قوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعاً...},
هي في قراءة عبد الله:
{الذنوب جميعاً لمن يشاء}.
قال الفراء: وحدثني أبو إسحاق التّيميّ , عن أبي روق, عن إبراهيم التيميّ , عن ابن عبّاس أنه قرأها كما هي في مصحف عبد الله :{يغفر الذنوب جميعاً لمن يشاء}, وإنما نزلت في وحشيّ قاتل حمزة , وذويه.) [معاني القرآن للفراء: 2/421]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفور الرّحيم (53)}
ومعنى (لا تقنطوا) : لا تيأسوا، وجاء في التفسير : أن قوما من أهل مكة قالوا : إنّ محمدا يقول: إن من عبد الأوثان , واتخذ مع الله إلها , وقتل النفس، لا يغفر له، فأعلم اللّه أن من تاب , وآمن غفر اللّه له كل ذنب، فقال:
{لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا}). [معاني القرآن: 4/357]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}
روى مجاهد , عن ابن عباس قال : (
نزلت في وحشي قاتل حمزة - على حمزة السلام - إلى تمام ثلاث آيات , وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر إليه فظن أن الله جل وعز لم يقبل منه إسلامه , فنزلت هذه الآيات الثلاث) .
وروى إبراهيم التيمي , عن ابن عباس: أنه كان يقرأ :
{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء }, وقال: (نزلت في قاتل حمزة , وذويه) , كذا قال .
قال أبو جعفر : وكذلك يروى أنه في مصحف ابن مسعود , ومعنى :
لا تقنطوا: لا تيأسوا
قال قتادة :
وأنيبوا إلى ربكم : (أي: أقبلوا واعملوا له).) [معاني القرآن: 6/184-185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَا تَقْنَطُوا}: لا تيأسوا). [العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال:{وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون (54)}
أي : توبوا، وقيل : إنها نزلت في قوم فتنوا، في دينهم، وعذبوا بمكة , فرجعوا عن الإسلام، فقيل : إن هؤلاء لا يغفر لهم بعد رجوعهم عن الإسلام , فأعلم اللّه : أنهم إن تابوا , وأسلموا , غفر لهم).
[معاني القرآن: 4/3587-358]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون (55)}
يعني : القرآن , ودليله:
{اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشاببها}, وقوله: {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} : بغتة: فجأة). [معاني القرآن: 4/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة}
وكله حسن , ففي هذا أقوال:
أ- منها أن الله جل وعز قد أباح الانتصار بعد الظلم , والعفو، والعفو أحسن
ب-ومنها أن الله جل وعز قد أخبر عن قوم أنهم أطاعوا , وعن قوم أنهم عصوا , فأمر أن نتبع الطاعة.
ج-ومنها أنه الناسخ
د-ومنها أن يكون المعنى الحسن مما أنزل إليكم .
و«بغتة» : فجأة).
[معاني القرآن: 6/185-186]

تفسير قوله تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا...}
أي : افعلوا , وأنيبوا , وافعلوا .
{أن تقول نفسٌ}: ألاّ يقول أحدكم غداً {يا حسرتا} , ومثله قوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}: أي : لا تميد.
وقوله:
{يا حسرتا}: يا ويلتا مضاف إلى المتكلّم يحوّل العرب الياء إلا الألف في كلّ كلام , كان معناه: الاستغاثة، يخرج على لفظ الدعاء, وربّما قيل: يا حسرت , كما قالوا: يا لهف على فلانٍ، ويا لهفا عليه .
قال: أنشدني أبو ثروان العكليّ.
تزورونها أو لا أزور نساءكم = ألهف لأولاد الإماء الحواطب
فخفض كما يخفض المنادى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه, وربّما أدخلت العرب الهاء بعد الألف التي في
{حسرتا} , فيخفضونها مرة، , ويرفعونها, قال: أنشدني أبو فقعس، بعض بني أسد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل = عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
فخفض، قال: وأنشدني أبو فقعسٍ:
يا مرحباه بحمار ناهيه = إذا أتى قرّبته للسّانية
والخفض أكثر في كلام العرب، ألاّ في قولهم: يا هناه ويا هنتاه، فالرفع في هذا أكثر من الخفض؛ لأنه كثر في الكلام , فكأنه حرف واحدٌ مدعو.ّ).
[معاني القرآن: 2/421-422]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({في جنب اللّه}, وفي ذات الله واحد). [مجاز القرآن: 2/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين (56)}
أي : يا ندما، وحرف النداء يدل على تمكن القصة من صاحبها، إذا قال القائل: يا حسرتاه ويا ويلاه، فتأويله الحسرة والويل قد حلّ به , وأنهما لازمان له غير مفارقين, ويجوز :
يا حسرتي.
وزعم الفراء : أنه يجوز
يا حسرتاه على كذا وكذا بفتح الهاء, ويا حسرتاه - بالكسر والضم.
والنحويون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء في الوصل , وزعم أنه أنشده من بني فقعس رجل من بني أسد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل = عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
وأنشده أيضا:
يا مرحباه بحمار ناهية=
والذي أعرف أن الكوفيين ينشدون:
يا مرحباه بجمار ناهية=
قال أبو إسحاق: ولا أدري لم استشهد بهذا، ولم يقرأ به قط، ولا ينفع في تفسير هذه الآية شيئا، وهو خطأ.
ومعنى:
{أن تقول نفس}: خوف أن تقول نفس , وكراهة أن تقول نفس, المعنى : اتبعوا أحسن ما أنزل خوفا أن تصيروا إلى حال يقال فيها هذا - القول، وهي حال الندامة , ومعنى : {على ما فرطت في جنب الله}: في أمر اللّه، أي فرطت في الطريق الذي هو طريق اللّه الذي دعاني إليه , وهو توحيده , والإقرار بنبوة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
{وإن كنت لمن السّاخرين}: أي: وما كنت إلا من المستهزئين). [معاني القرآن: 4/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله}
المعنى: افعلوا هذا خوف أن تقول نفس , وكراهة أن تقول نفس : يا حسرتا.
والحسرة : الندامة , أي: يلحق الإنسان ما يصير معه حسيرا , أي: معيبا , وحرف النداء يدل على أنه شيء لازم , أي: يا حسرة هذا وقتك , وهذا مذهب سيبويه .
قال مجاهد :
في جنب الله , (أي: في أمر الله) .
قال أبو جعفر : المعنى : في جنب أمر الله على التمثيل , أي : على الطريق الذي يؤدي إلى الحق , وهو الإيمان).
[معاني القرآن: 6/186-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {في جنب الله}: أي: في قرب الله - عز وجل - من الجنة). [ياقوتة الصراط: 447]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي: وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث، لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله :
(بلى) جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني} و {لو أنّ لي كرّة}, كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون }: أي: حيث قالوا: (يا ليتنا نردّ) - الآية). [معاني القرآن: 4/359-360] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين...}
النصب في قوله:
{فأكون} جواب للو, وإن شئت جعلته مردوداً على تأويل أن, تضمرها في الكرّة، كما تقول: لو أنّ لي أن أكرّ فأكون, ومثله مّما نصب على ضمير أن قوله: {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجابٍ أو يرسل} , المعنى - والله أعلم - ما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلاّ أن يوحى إليه أو يرسل, ولو رفع {فيوحي} إذا لم يظهر أن قبله ولا معه كان صوابا. وقد قرأ به بعض القراء. قال: وأنشدني بعض بني أسدٍ:
يحلّ أحيده ويقال بعلٌ= ومثل تموّلٍ منه افتقار
فما يخطئك لا يخطئك منه= طبانيةٌ فيحظل أو يغار
فرفع, وأنشدني آخر:
فمالك منها غير ذكرى وحسبة = وتسأل عن ركبانها أين يمّموا
وقال الكسائي: سمعت من العرب: ما هي إلا ضربة من الأسد فيحطم ظهره، و يحطم ظهره.
قال: وأنشدني الأسدي:
على أحوذيّين استقلت عشيّة = فما هي إلاّ لمحة فتغيب).
[معاني القرآن: 2/422-423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي: وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث، لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله :
{بلى} جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني} و {لو أنّ لي كرّة}
كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} : أي: حيث قالوا: {يا ليتنا نرد} - الآية). [معاني القرآن: 4/359-360] (م)

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها...}
القراء مجتمعون على نصب الكاف , وأن المخاطب ذكر.
قال الفراء : وحدثني شيخ , عن وقاء بن إياسٍ بسنده: أنه قرأ :
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت} فخفض الكاف والتاء ؛ كأنه يخاطب النفس. وهو وجه حسن؛ لأنه ذكر النفس فخاطبها أوّلاً، فأجرى الكلام الثاني على النفس في خطابها). [معاني القرآن للفراء: 2/423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي : وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث؛ لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله
{بلى}: جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني}, و{لو أنّ لي كرّة}
كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون}: أي: حيث قالوا: {يا ليتنا نرد} - الآية.
وقد رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكسر الكاف:
{بلى قد جاءتك آياتي } جواب للفظ النفس - كما قال:{أنّ تقول نفس}
وإذا قال:
{بلى قد جاءتك آياتي}بالفتح؛ فلأن النفس تقع على الذكر والأنثى، فخوطب المذكرون.
ومثل
{قد جاءتك آياتتي} على خطابه المؤنث:{يا أيّتها النّفس المطمئنّة (27) ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة (28) }) [معاني القرآن: 4/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين}
(بلى) في كلام العرب إنما يقع بعد النف, وليس في ما هداني الله .
وروى الربيع بن انس عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: ((بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين))
وقراءة الأعمش: بلى قد جاءته آياتي.
وهذا يدل على التذكير والربيع بن أنس لم يلحق أم سلمة إلا أن القراءة جائزة؛ لأن النفس تقع للمذكر والمؤنث .
وقد أنكر هذه القراءة بعضهم,وقال: يجب إذا كسر التاء أن يقول: وكنت من الكوافر أو من الكافرات
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم ألا ترى أن قبله:
{أن تقول نفس} ثم قال: {وإن كنت لمن الساخرين} , ولم يقل: من السواخر ولا من الساخرات
والتقدير في العربية على كسر التاء: واستكبرت,وكنت من الجميع الساخرين,أو من الناس الساخرين, أو من القوم الساخرين,وقوم يقع للرجال والنساء إذا اجتمعوا وللرجال مفردين كما قال الشاعر:
وما أدري وسوف إخال أدري = أقوم آل حصن أم نساء).
[معاني القرآن: 6/ 187-188]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مّسودّةٌ...}
ترفع
{وجوههم} و{مسودّة} : لأنّ الفعل قد وقع على (الذين) , ثم جاء بعد (الذين) اسم له فعل فرفعته بفعله، وكان فيه معنى نصب, وكذلك فالفعل بكل اسم أوقعت عليه الظنّ والرأي ,وما أشبههما , فارفع ما يأتي بعده من الأسماء إذا كان معها أفاعيلها بعدها؛ كقولك: رأيت عبد الله أمره مستقيم. فإن قدمت الاستقامة نصبتها، ورفعت الاسم؛ فقلت: رأيت عبد الله مستقيماً أمره، ولو نصبت الثلاثة في المسألة الأولى على التكرير كان جائزاً، فتقول: رأيت عبد الله أمره مستقيماً.
وقال عدي ابن زيد:
ذريني إن أمرك لن يطاعا = وما ألفيتني حلمي مضاعا
فنصب الحلم , والمضاع على التكرير. ومثله:
= ما للجمال مشيها وئيدا =
فخفض الجمال , والمشي على التّكرير, ولو قرأ قارئ
{وجوههم مّسودّةٌ} على هذا لكان صواباً). [معاني القرآن: 2/424]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مّسودّةٌ أليس في جهنّم مثوًى لّلمتكبّرين}
وقال:
{وجوههم مّسودّةٌ} فرفع على الابتداء, ونصب بعضهم فجعلها على البدل. وكذلك {ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ} جعله بدلاً من {الخبيث} , ومنهم من قال: {بعضه على بعض} فرفع على الابتداء, أو شغل الفعل بالأول.
وقال بعضهم
{مسوادّةٌ} , وهي لغة لأهل الحجاز يقولون: "اسوادّ وجهه" , و"احمارّ" يجعلونه "افعالّ" , كما تقول للأشهب "قد اشهابّ" "قد ازراقّ".
وقال بعضهم لا يكون "افعالّ" في ذي اللون الواحد، و إنّما يكون في نحو الأشهب , ولا يكون في نحو الأحمر , وهما لغتان.).
[معاني القرآن: 3/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الرؤية: المعاينة، كقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}). [تأويل مشكل القرآن: 499]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -:{ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّة أليس في جهنّم مثوى للمتكبّرين (60)}
القراءة على رفع
{وجوههم مسودّة} على الابتداء والخبر.
ويجوز
{ وجوههم مسودّة } على البدل من الذين كفروا.
المعنى : ويوم القيامة ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودّة, والرفع أكثر , وعليه القراء .
ومثل النصب قول عدي بن زيد:
دعيني إن أمرك لن يطاعا= وما ألفيتني حلمي مضاعا).
[معاني القرآن: 4/360]

تفسير قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بمفازاتهم...}: جمع , وقد قرأ أهل المدينة {بمفازتهم} بالتوحيد, وكلّ صواب.
تقول في الكلام: قد تبيّن أمر القوم وأمور القوم، وارتفع الصوت والأصوات , (ومعناه) واحد , قال الله :
{إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير}, ولم يقل: أصواتٌ , وكلّ صواب.). [معاني القرآن: 2/424]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وينجّي اللّه الذين اتّقوا بمفازاتهم }: بنجاتهم من الفوز). [مجاز القرآن: 2/191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وينجّي اللّه الّذين اتّقوا بمفازتهم}: من العذاب، أي: بمنجاتهم).[تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وينجّي اللّه الّذين اتّقوا بمفازتهم لا يمسّهم السّوء ولا هم يحزنون (61)}
(بمفازتهم), و(بمفازاتهم) يقرآن جميعا). [معاني القرآن: 4/360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} : أي: بنجائهم من النار , ويقرأ: بمفازاتهم , والتوحيد أجود لأن مفازة بمعنى الفوز). [معاني القرآن: 6/189]

تفسير قوله تعالى:{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" له مقاليد السّموات والأرض " : أي: المفاتيح ,واحدها: مقليد , وواحد الأقاليد إقليد، وقال الأعشى:
فتىً لو يجاري الشّمس ألقت قناعها = أو القمر الساري لألقى المقالدا).
[مجاز القرآن: 2/191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((المقاليد): المفاتيح). [غريب القرآن وتفسيره: 326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({له مقاليد السّماوات والأرض}: أي: مفاتيحها , وخزائنها، واحدها: «إقليد» , يقال: هو فارسي، معرب : «إكليد»). [تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({له مقاليد السّماوات والأرض والّذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون (63)}: أي: مفاتيح السّماوات، المعنى : ما كان من شيء من السّماوات والأرض , فالله خالقه , وفاتح بابه.
{والّذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون} : أي: الذين يقولون إن شيئا ليس مما خلق اللّه أو رزقه من السّماوات والأرض , فليس الله خالقه، أولئك هم الخاسرون.). [معاني القرآن: 4/361]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون}
روى سعيد , عن قتادة قال:
مقاليد : أي : مفاتيح .
قال أبو جعفر : ومعنى :
{ له مفاتح السموات والأرض }: هو خالق ما فيهما , ومفتاح بابه بيده عز وجل, ثم قال: {والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون} : أي: من زعم أن غيره خلق شيئا من هذا, فقد خسر وكفر.). [معاني القرآن: 6/189-190]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {له مقاليد}: أي: مفاتيح، واحدها: إقليد).[ياقوتة الصراط: 447]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَقَالِيدُ}: مفاتيح.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 214]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَقَالِيدُ}: مفاتيح.).[العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) }
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون}, وقال: {أفغير اللّه تأمرونّي أعبد} : يريد "أفغير الله أعبد تأمرونني" كأنه أراد الإلغاء - والله أعلم - كما تقول "هل ذهب فلان, تدري؟, جعله على معنى "ما تدري"). [معاني القرآن: 3/41]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه - جل وعز - أنه إنما ينبغي أن يعبد الخالق وحده لا شريك له , فقال: قل لهم بعد هذا البيان:{قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون (64)}
(أفغير) منصوب بـ (أعبد) لا بقوله (تأمرونّي), المعنى : أفغير اللّه أعبد أيها الجاهلون فيما تأمرونني).
[معاني القرآن: 4/361]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم أخبر أنه ينبغي أن يعبد وحده , بعد البراهين: {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} , أي: أفغير الله أعبد في أمركم , هذا قول سيبويه.). [معاني القرآن: 6/190]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ذو القعدة 1431هـ/25-10-2010م, 05:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 65 إلى آخر السورة]

{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطّن عملك ولتكوننّ من الخاسرين}: مجازها :{ولقد أوحي إليك لئن اشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك}: مجازها مجاز الأمرين اللذين يخبر عن أحدهما , ويكف عن الآخر , وهو داخل في معناه.).[مجاز القرآن: 2/191]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين}, وقال: {ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك} ). [معاني القرآن: 3/42]

تفسير قوله تعالى:{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بل اللّه فاعبد...}
تنصب (الله) - يعني في الإعراب - بهذا الفعل الظاهر؛ لأنه ردّ كلام. وإن شئت نصبته بفعل تضمره قبله؛ لأنّ الأمر والنهي لا يتقدّمهما إلاّ الفعل.
ولكن العرب تقول: زيد فليقم، وزيداً فليقم , فمن رفعه قال: أرفعه بالفعل الذي بعده؛ إذا لم يظهر الذي قبله, وقد يرفع أيضاً بأن يضمر له مثل الذي بعده؛ كأنك قلت: لينظر زيد فليقم.
ومن نصبه فكأنه قال: انظروا زيداً فليقم.).
[معاني القرآن: 2/424-425]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {بل اللّه فاعبد وكن من الشّاكرين (66)}
نصب لفظاللّه - جلّ وعزّ - بقولك:
{فاعبد}, وهو إجماع في قول البصريين والكوفيين، والفاء جاءت على معنى المجازاة، كأنّه قال: قد تبينت , فاعبد اللّه.). [معاني القرآن: 4/361]

تفسير قوله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (:وقوله {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة...}: ترفع القبضة, ولو نصبها ناصب، كما تقول: شهر رمضان انسلاخ شعبان , أي : هذا لي انسلاخ هذا.
وقوله:
{والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه} ترفع السّموات بمطوياتٌ إذا رفعت المطويات, ومن قال {مطويّاتٍ}: رفع السموات بالباء التي في يمينه، كأنه قال: والسّموات في يمينه, وينصب المطويّات على الحال , أو على القطع, والحال أجود.). [معاني القرآن: 2/425]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون}
وقال:
{والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه} يقول: "في قدرته" نحو قوله: {وما ملكت أيمانكم} : أي: وما كانت لكم عليه قدرة، وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر البدن. وأما قوله: {قبضته} , فنحو قولك للرجل: "هذا في يدك وفي قبضتك".). [معاني القرآن: 3/42]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون (67)}
{وما قدروا اللّه حقّ قدره}: ويقرأ (قدره) - بفتح الدال.
جاء في التفسير: ما عظّموه حق عظمته, والقدر , والقدر ههنا بمعنى واحد.
{والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} : (جميعا) منصوب على الحال.
المعنى : والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة ,
{والسّماوات مطويّات بيمينه} , أكثر القراءة رفع {مطويّات} على الابتداء والخبر.
وقد قرئت:
{والسّماوات مطويّات} بكسر التاء على معنى: والأرض جميعا , والسّماوات قبضته يوم القيامة , و{مطويّات}: منصوب على الحال.
وقد أجاز بعض النحويين
{قبضته}بنصب التاء، وهذا لم يقرأ به ولا يجيزه النحويون البصريون، لا يقولون: زيد قبضتك، ولا المال قبضتك على معنى في قبضتك، ولو جاز هذا لجاز : زيد دارك يريدون : زيد في دارك.).[معاني القرآن: 4/362]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما قدروا الله حق قدره}
قال أبو جعفر أبو عبيدة : يذهب إلى أن المعنى : وما عرفوا الله حق معرفته , وفي معناه قول آخر : وهو أن يكون التقدير : وما قدروا نعم الله.
ثم حذف كما قال سبحانه:
{واسأل القرية}
ثم قال جل وعز:
{والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه}
قال الضحاك : هذا كله في يمينه.
قال أبو جعفر : معنى :
{والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}: أي : يملكها , كما تقول: هذا في قبضتي
قال محمد بن يزيد معنى:
{ بيمينه }: بقوته , وأنشد:
إذا ما راية رفعت لمجد = تلقاها عرابة باليمين
أي : بالقوة.).
[معاني القرآن: 6/190-191]

تفسير قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {في الصّور...}
قال: كان الكلبيّ يقول: لا أدري ما الصور, وقد ذكر : أنه القرن.
وذكر عن الحسن , أو عن قتادة أنه قال: (الصور جماعة الصورة).).
[معاني القرآن: 2/425]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فصعق من في السّماوات ومن في الأرض}: أي: ماتوا, {إلّا من شاء اللّه} : يقال: الشهداء.). [تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصّعق: الموت، قال تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}، وقال تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} . أي ميّتا، ثم ردّ الله إليه حياته.
وقال الله تعالى: {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}، أي الموت، يدلك على ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 501] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ونفخ في الصّور فصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68)}
{ونفخ في الصّور}:وقد فسرناه, {فصعق}: أي مات{ من في السّماوات ومن في الأرض}.
وجاء في التفسير : أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل.
وقال بعض أهل اللغة: هو جمع صورة.
{إلّا من شاء الله} : جاء في التفسير أن هذا الاستثناء وقع على جبريل , وميكائيل , وملك الموت، وجاء أن الاستثناء على حملة العرش.). [معاني القرآن: 4/362]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ونفخ في الصور}
في معناه قولان:
أحدهما: أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن الصور , فقال : ((هو قرن ينفخ فيه)).
وروى معمر , عن قتادة في قوله:
{ونفخ في الصور} , قال : (في صور الناس أجمعين)
قال أبو جعفر : هذا ليس بمعروف, والمستعمل في جمع صورة : صور , ولم يقرأ أحد :
{ونفخ في الصور}
ثم قال تعالى:
{فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}
روى سعيد , عن قتادة :
فصعق : فمات
وروى عاصم , عن عيسى المدني قال : سمعت علي بن حسين يسأل كعب الأحبار عن قوله تعالى:
{فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}, فقال كعب: (جبرائيل , وميكائيل , وإسرافيل ملك الموت , وحملة العرش , ثم يميتهم الله بعد) .
وروى محمد بن إسحاق , عن يزيد الرقاشي, عن أنس بن مالك , عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
{فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} , قال:((جبرائيل , وميكائيل , وحملة العرش , وملك الموت , وإسرافيل .))), وفي هذا الحديث : ((أن آخرهم موتا جبرائيل)) .
وقال سعيد بن جبير :
{إلا من شاء الله }: (هم الشهداء , متقلدي السيوف عند العرش)
قال أبو جعفر : وهذا ليس بناقض للأول
وقد روى أبو هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم :
((ينفخ في الصور فأكون أول من قام , فإذا موسى , فلا أدري أقام قبلي , أم هو ممن استثنى الله .)).
وقوله جل وعز:
{ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}
روى أبو هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((إن بين النفختين أربعين .)).
قال الحسن :
(لا أدري: أهي أربعون سنة , أم أربعون شهرا , أم أربعون ليلة , أم أربعون ساعة؟).). [معاني القرآن: 6/192-195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ}: قيل : الشهداء.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأشرقت الأرض بنور ربّها}: أضاءت.). [تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنّبيّين والشّهداء وقضي بينهم بالحقّ وهم لا يظلمون (69)}
معناها : لما أراد اللّه الحساب , والمجازاة أشرقت الأرض.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: (
أنرى ربّنا يا رسول اللّه؟)
فقال:
((أتضارّن في رؤية الشمس والقمر في غير سحاب؟.)).
قالوا:
(لا).
قال:
((فإنكم لا تضارون في رؤيته)).
وجاء في الحديث:
((لا تضامون في رؤيته.)), والذي جاء في الحديث مخفف تضارون، وتضامون، وله وجه حسن في العربيّة.
وهذا موضع يحتاج إلى أن يستقصى تفسيره ؛ لأنه أصل في السنة والجماعة, ومعناه : لا ينالكم ضيز , ولا ضيم في رؤييه.
أي: ترونه حتى تستووا في الرؤية فلا يضيم بعضكم بعضا، ولا يضير بعضكم بعضا.
وقال أهل اللغة قولين آخرين:
قالوا: لا تضارّون بتشديد الراء . ولا تضامّون بتشديد الميم, مع ضم التاء في تضامون , وتضارّون.
وقال بعض أهل اللغة بفتح التاء , وتشديد الراء : تضارون في رؤيته , ولا تضامون على معنى : تتضارون , وتتضامون.
وتفسير هذا : أنه لا يضام بعضكم بعضا , ولا يخالف بعضكم بعضا في ذلك, يقال: ضاررت الرجل أضارّه , مضارّة , وضرارا ؛ إذا خالفته , قال نابغة بني جعدة:
وخصمي ضرار ذوي تدارإ= متى بات سلمها يشغبا
ومعنى : لا تضامون في رؤيته , لا ينضم بعضكم إلى بعض، ويقول واحد للآخر: أرنيه كما تفعلون عند النظر إلى الهلال، فهذا تفسير بيّن.
وكلّ ما قيل في هذا.
{وأشرقت الأرض}: ألبست الإشراق بنور اللّه.). [معاني القرآن: 4/362-363]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأشرقت الأرض بنور ربها}
يبين هذا الحديث المرفوع , عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة صحاح :
((تنظرون إلى الله جل وعز , لا تضامون في رؤيته .))
وهو يروى على أربعة أوجه :
لا تضامون .
ولا تضارون .
ولا تضارون .
ولا تضامون .
فمعنى تضامون : لا يلحقكم ضيم , كما يلحق في الدنيا في النظر إلى الملوك .
ولا تضارون : لا يلحقكم ضير .
ولا تضامون : لا ينضم بعضكم إلى بعض , ليسأله أن يريه .
ولا تضارون : لا يخالف بعضكم بعضا , يقال : ضاررته مضارة وضرارا , أي : خالفته.).
[معاني القرآن: 6/195-196]

تفسير قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) }
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({زمراً }: جماعات في تفرقة , وبعضهم على أثر بعض : واحدتها زمرة , قال الأخطل:
شوقاً إليهم ووجداً يوم أتبعهم= طرفي ومنهم بجني كوكبٍ زمر).
[مجاز القرآن: 2/191]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وسيق الّذين اتّقوا ربّهم إلى الّجنّة زمراً حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين}
وقال:
{حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} , فيقال أن قوله: {وقال لهم خزنتها} في معنى :{قال لهم} ؛ كأنه يلقي الواو. وقد جاء في الشعر شيء يشبه أن تكون الواو زائدة فيه, قال الشاعر:
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن = إلاّ كلمّة حالمٍ بخيال
فيشبه أن يكون يريد "فإذا ذلك لم يكن".
وقال بعضهم: "أضمر الخبر" , وإضمار الخبر أحسن في الآية أيضاً , وهو في الكلام.).
[معاني القرآن: 3/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({زمرا}: فرقا بعضهم على إثر بعض). [غريب القرآن وتفسيره: 326]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({زُمَرًا}: فرقاً).[العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {طبتم...}:أي: زكوتم ,{فادخلوها} ). [معاني القرآن: 2/425]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({زمراً}: جماعات في تفرقة , وبعضهم على أثر بعض , واحدتها زمرة , قال الأخطل:
شوقاً إليهم ووجداً يوم أتبعهم= طرفي ومنهم بجني كوكبٍ زمر).
[مجاز القرآن: 2/191] (م)
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وسيق الذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمراً حتّى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين }: مكفوفٌ عن خبره , والعرب تفعل مثل هذا، قال عبد مناف بن ربع في آخر قصيدة:
حتى إذا أسلكوهم في قتائدةٍ= شلاًّ كما تطرد الجمّالة الشّردا
وقال الأخطل أيضاً في آخر قصيدة:
خلا إن حياً من قريش تفضلوا= على الناس أو أن الأكارم نهشلا).
[مجاز القرآن: 2/192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(واو النّسق) قد تزاد حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له، كقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}. والمعنى: قال لهم خزنتها.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ}.
وكقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} .
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحيِّ وانتحَى = بنا بطن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ
أراد انتحى.
وقال آخر:
حتَّى إذا قَمِلَتْ بطونُكم = ورأيتمُ أبناءَكمْ شَبُّوا
وَقَلَبْتمُ ظَهْرَ المجَنِّ لَنَا = إِنَّ اللَّئيمَ العَاجِزَ الخَبُّ
أراد: قلبتم). [تأويل مشكل القرآن: 252-254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفتح: أن يفتح المغلق، كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}). [تأويل مشكل القرآن: 492]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وسيق الّذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (73)}
اختلف الناس في الجواب لقوله :
{حتّى إذا جاءوها}
فقال قوم: الواو مسقطة المعنى : حتى إذا جاءوها , فتحت أبوابها.
قال أبو إسحاق: سمعت محمد بن يزيد يذكر أن الجواب محذوف، وإن المعنى: حتى إذا جاءوها إلى آخر الآية , سعدوا.
قال : فالمعنى في الجواب : حتى إذا كانت هذه الأشياء , صاروا إلى السعادة.
وقال قوم :
{حتّى إذا جاءوها جاءوها , وفتحت أبوابيها } , فالمعنى : عندهم أن (جاءوها) محذوف , وعلي معنى قول هؤلاء : أنه اجتمع المجيء مع الدخول في حال.
المعنى : حتى إذا جاءوها وقع مجيئهم مع فتح أبوابها.
قال أبو إسحاق: والذي قلته أنا - وهو القول إن شاء اللّه - أن المعنى :
{حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}دخلوها.
فالجواب " دخلوها "، وحذف لأن في الكلام دليلا عليه.
ومعنى
{طبتم}: أي: كنتم طيبين في الدّنيا , لم تكونوا خبيثين، أي: لم تكونوا أصحاب خبائث.). [معاني القرآن: 4/364]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}
الكوفيون يذهبون إلى أن الواو زائدة , وهذا خطأ عند البصريين ؛ لأن الواو تفيد معنى العطف , ولا يجوز أن تزاد .
قال محمد بن يزيد : المعنى : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها , سعدوا
وقوله جل وعز:
{وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}
قال أبو إسحاق: المعنى :
{طبتم فادخلوها خالدين }: دخلوا , وحذف هذا لعلم السامع
وقيل معنى :
طبتم : طبتم في الدنيا
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال :
(يغتسلون من نهر في الجنة ويشربون منه , فلا يبقى في أجوافهم خبث , ولا غل إلا خرج).). [معاني القرآن: 6/196-197]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأورثنا الأرض...}: يعني : الجنّة). [معاني القرآن: 2/425]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأورثنا الأرض}: أي : أرض الجنة {نتبوّأ من الجنّة} , أي: ننزل منها {حيث نشاء} ). [تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالوا الحمد للّه الّذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين (74)}
{وأورثنا الأرض}: يعني: أرض الجنة , نتخذ منها من المنازل ما شئنا، والعرب تقول لكل من اتخذ منزلا: تبوأ فلان منزلا). [معاني القرآن: 4/364]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض} , قال قتادة: (يعني : أرض الجنة).). [معاني القرآن: 6/198]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حافّين من حول العرش}: أطافوا به بحفافيه, {يسبّحون بحمد ربّهم }: والعرب قد تخلى الباء منها في القرآن: {سبّح اسم ربّك الأعلى}.). [مجاز القرآن: 2/192]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وترى الملائكة حافّين من حول العرش يسبّحون بحمد ربّهم وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين}
وقال:
{وترى الملائكة حافّين من حول العرش}, فـ {من} أدخلت ههنا توكيدا - والله أعلم - نحو قولك "ما جاءني من أحدٍ". , وثقّلت "الحافين" لأنها من "حففت"). [معاني القرآن: 3/42-43]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وترى الملائكة حافّين من حول العرش يسبّحون بحمد ربّهم وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين (75)}
معنى
{حافّين}: محدقين، وكذا جاء في التفسير.
{وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين}: فابتدأ اللّه - عزّ وجلّ - خلق الأشياء بالحمد , وختمه بالحمد، فقال: {الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور}
فلما أفنى الخلق وبعثهم وحكم بينهم، فاستقر أهل الجنة في الجنة , وأهل النار في النار ختم بقوله:
{الحمد للّه ربّ العالمين}.). [معاني القرآن: 4/364]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} : فختم بالحمد كما بدأ به.). [معاني القرآن: 6/198]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حافين}: أي: طائفين من حول العرش، يقال: قد حفت العساكر بملكها، إذا طافت به). [ياقوتة الصراط: 448]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة