العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:15 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الحج

التفسير اللغوي لسورة الحج

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 10]

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم}
{يا أيّها} نداء مبهم مفرد، وها للتنبيه، وهو مبنى على الضم، والناس رفع تبع لـ (يا أيها)، والنحويون لا يجيزون إلا رفع الناس ههنا.
والمازني أجاز النصب في يا أيها الرجل أقبل، كما تقول يا زيد الظريف والظريف، وهذا غلط من المازني، لأن زيدا يجوز الوقف والاقتصار عليه دون الظريف ويا أيها ليس بكلام،
وإنما القصد الناس، فكأنّه بمنزلة - يا ناس اتقوا ربكم.
وجاء في التفسير أن كل شيء جاء في كتاب اللّه من {يا أيها الناس} فمكي، وما كان فيه من {يا أيها الذين آمنوا} فمدني.
وقوله: {إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم}.
قيل إن هذه الزلزلة في الدنيا وأن يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها وقيل إنها الزلزلة التي تكون مع الساعة). [معاني القرآن: 3/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله جل وعز: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}
روى سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال هذا قبل يوم القيامة). [معاني القرآن: 4/372]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} [الحج: 1].
{يوم ترونها تذهل} [الحج: 2] يعني تعرض.
{كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ} [الحج: 2] وهذه النّفخة الآخرة.
- أبو الأشهب عن الحسن قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مسيرٍ له لا يقصر، إذا رفع صوته فقال: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ} [الحج: 1] حتّى انتهى إلى قوله: {ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ} [الحج: 2] فلمّا سمعوا صوت نبيّهم اعصوصبوا به فتلاهما عليهم ثمّ قال لهم: " هل تدرون أيّ يومٍ ذاكم؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: " ذاكم يوم يقول اللّه تبارك وتعالى لآدم: يا آدم قم ابعث بعث النّار.
قال: فيقول: يا ربّ وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين إنسانًا إلى النّار وواحدًا إلى الجنّة ".
فلمّا سمعوا ما قال نبيّهم أبلسوا حتّى ما يجلى أحدهم عن واضحةٍ.
فلمّا رأى ما بهم قال: «أبشروا فما أنتم في النّاس إلا كالرّقمة في ذراع الدّابّة، أو
[تفسير القرآن العظيم: 1/353]
كالشّامة في جنب البعير، وإنّكم مع خليقتين ما كانتا مع شيءٍ قطّ إلا كثّرتاه، يأجوج ومأجوج ومن هلك، يعني ومن كفر من بني إبليس، وتكمل العدّة من المنافقين».
- أخبرنا حمّادٌ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عبيد بن عميرٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: المسلمون يومئذٍ في جموع الكفّار كشعرةٍ بيضاء في جلد ثورٍ أسود، فعند ذلك يهرم الكبير، ويشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حملٍ حملها إلى آخر الآية.
قال يحيى: وبلغني أنّ الكبير يحطّ يوم القيامة إلى ثلاثٍ وثلاثين سنةً، ويرفع الصّغير إلى ثلاثٍ وثلاثين سنةً.
- الحسن بن دينارٍ عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة إلا بغضبةٍ يغضبها ربّكم لم يغضب قبلها مثلها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/354]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {تذهل كلّ مرضعةٍ...}

رفعت القراء (كلّ مرضعة) لأنهم جعلوا الفعل لها. ولو قيل: تذهل كلّ مرضعة وأنت تريد الساعة أنها تذهل أهلها كان وجهاً. ولم أسمع أحداً قرأ به والمرضعة: الأمّ.
والمرضع: التي معها صبيّ ترضعه. ولو قيل في الأمّ: مرضع لأنّ الرضاع لا يكون إلا من الإناث فيكون مثل قولك: طامث وحائض. ولو قيل في التي معها صبيّ: مرضعة كان صواباً.
وقوله: {وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى} اجتمع الناس والقراء على (سكارى وما هم بسكارى) ... حدثني هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (وترى الناس سكرى وما هم بسكرى) وهو وجه جيّد في العربية: (لأنه بمنزلة الهلكى والجرحى، وليس بمذهب النشوان والنشاوى). والعرب تذهب بفاعل وفعيل وفعل إذا كان صاحبه كالمريض أو الصريع أو الجريح فيجمعونه على الفعلى فجعلوا الفعلى علامةً لجمع كل ذي زمانةٍ وضررٍ وهلاكٍ. ولا يبالون أكان واحده فاعلاً أم فعيلاً أم فعلان فاختير سكرى بطرح الألف من هول ذلك اليوم وفزعه. ولو قيل (سكرى) على أن الجمع يقع عليه التأنيث فيكون كالواحدة كان وجهاً،
كما قال الله: {ولله الأسماء الحسنى} {والقرون الأولى} والناس. جماعة فجائز أن يقع ذلك عليهم. وقد قالت العرب: قد جاءتك الناس:
وأنشدني بعضهم:

أضحت بنو عامر غضبى =أنّي عفوت فلا عارٌ ولا باس
فقال: غضبى للأنوف على ما فسّرت لك.
وقد ذكر أن بعض القراء قرأ (وترى الناس) وهو وجه جيد يريد: مثل قولك رئيت أنك قائم ورئيتك قائماً فتجعل (سكارى) في موضع نصب لأن (ترى) تحتاج إلى شيئين تنصبهما. كما يحتاج الظنّ). [معاني القرآن: 2/215-214]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ} أي تسلو وتنسى،
قال كثير عزة:
صحا قلبه يا عزّ أو كاد يذهل
أي يصحو ويسلو). [مجاز القرآن: 2/44]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديدٌ}
قال: {تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت} وذلك أنه أراد - والله أعلم - الفعل ولو أراد الصفة فيما نرى لقال: "مرضع". وكذلك كلّ "مفعل" و"فاعل" يكون للأنثى ولا يكون للذكر فهو بغير هاء نحو "مقرب" و"موقر": نخلةٌ موقرٌ و"مشدن": معها شادن و"حامل" و"حائض" و"فادك" و"طامث" و"طالق"). [معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تذهل كل مرضعة}: تسلو وتنسى. يقال:ذهلت عن كذا وكذا). [غريب القرآن وتفسيره: 258]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت} أي تسلو عن ولدها وتتركه). [تفسير غريب القرآن: 290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({يوم ترونها تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديد}
ويجوز {تذهل كلّ مرضعة}، ومعنى تذهل تحيّر، وتترك كل مرضعة قد ذهلت عمّا أرضعت.
و{مرضعة} جار على المفعل على ما أرضعت، ويقال:
امرأة مرضع أي ذات رضاع أرضعت ولدها أو أرضعت غيره والقصد قصد ملبن أي ذات لبون ولبن.
وقوله: {وترى النّاس سكارى}.
وقرئت: {وترى النّاس سكرى} واسم الفاعل مضمر في ترى.
المعنى ترى أنت أيها الإنسان الناس، ومن قرأ: (وترى النّاس سكرى) كان بمنزلة وترى أنت الناس سكرى.
وفيه وجه آخر ما قرئ به وهو (ويرى الناس سكرى)
فيكون الناس اسم يرى، ووجه آخر لم يقرأ به: (ويرى النّاس سكرى).
المعنى ويرى الإنسان الناس سكرى.
ويقرأ وترى الناس سكرى وما هم بسكرى، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.
ويجوز وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.
والقراءة الكثيرة: (وترى الناس سكرى وما هم بسكرى).
{وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى} أيضا.
والتفسير أنك تراهم سكارى من العذاب والخوف، وما هم بسكارى من الشراب ويدل عليه: {ولكنّ عذاب اللّه شديد} ). [معاني القرآن: 3/410-409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت} أي تسلو عنه وتتركه وتحير لصعوبة ما هي فيه
وبين الله جل وعز ذلك على لسان نبيه صلى الله عيه وسلم في أي موطن يكون هذا يوم القيامة
حدثنا أحمد بن عبد الخالق قال حدثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي قال حدثني أبي قال حدثنا عصام بن طليق عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة
قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجري فقطرت دموعي على خده فاستيقظ صلى الله عليه وسلم فقلت ذكرت القيامة وهولها فهل تذكرون أهاليكم يا رسول الله فقال يا عائشة ثلاثة لا يذكر فيها أحد إلا نفسه :
أ- عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل
ب- وعند الصحف حتى يعلم ما في صحيفته
ج وعند الصراط حتى يجاوزه). [معاني القرآن: 4/373-372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى}
أي وترى الناس سكارى من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب
وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير {وترى الناس} أي تظنهم لشدة ما هم فيه
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وأبان عن أنس بن مالك قال: {نزلت يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله: {ولكن عذاب الله شديد}
قال نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال: (( أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم يقول الله عز وجل لآدم يا آدم قم فابعث بعث أهل النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة؛ فكبر ذلك على المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا وأبشروا،
فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج،
ومن هلك من كثرة الجن والإنس)).[معاني القرآن: 4/374،373]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {سكارى وما هم بسكارى} قال: تراهم سكارى من الغم والهم، وما هم بسكارى من الشراب). [ياقوتة الصراط: 367]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَذْهَلُ كل مرضعة}: أي تسلو عن ولدها وتتركه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَذْهَـلُ}: تنسـى). [العمدة في غريب القرآن: 210]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن النّاس من يجادل في اللّه بغير علمٍ} [الحج: 3] يعني المشرك يلحد في اللّه فيجعل معه آلهةً.
{بغير علمٍ} [الحج: 3] أتاه من اللّه.
{ويتّبع كلّ شيطانٍ مريدٍ} [الحج: 3] مرد، يعني اجترأ على المعصية.
والشّياطين هي الّتي أمرتهم بعبادة الأوثان). [تفسير القرآن العظيم: 1/354]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ومن النّاس من يجادل في اللّه بغير علم ويتّبع كلّ شيطان مريد}

أي يتبع ما يسول له الشيطان، ومريد ومارد معناه أنه قد مرد في الشرّ.
وتأويل المرود أن يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف.
وجائز أن يستعمل ذلك في غير الشيطان، فتقول قد تمرد هذا السيّئ أي قد جاوز حدّ مثله، وأصله في اللغة املساس الشيء، من ذلك قولك للإنسان أمرد إذا لم يكن في وجهه شعر، ويقال للصخرة مرداء إذا كانت ملساء). [معاني القرآن: 3/411،410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قال ابن جريج في قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم}
هو النضر بن الحارث
وقال غيره يجادل يخاصم في الله بزعمه أن الله تعالى جل وعز غير قادر على إحياء من قد بلي وعاد ترابا بغير علم). [معاني القرآن: 4/375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويتبع كل شيطان مريد} أي ويتبع قوله ذلك وجداله كل شيطان مريد
كتب عليه قال قتادة أي على الشيطان
المريد الممتد في الشر المتجاوز فيه ومنه قوله تعالى: {قال إنه صرح ممرد من قوارير}
قيل: مطول
وقيل: مملس). [معاني القرآن: 4/376-375]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مريد} أي: متمرد). [ياقوتة الصراط: 367]

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {كتب عليه أنّه من تولاه} [الحج: 4] تولّى الشّيطان، اتّبعه.
{فأنّه يضلّه ويهديه إلى عذاب السّعير} [الحج: 4] وهو اسمٌ من أسماء جهنّم). [تفسير القرآن العظيم: 1/354]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كتب عليه...}

الهاء للشيطان المريد في (عليه) وفي (أنّه يضلّه) ومعناه قضي عليه أنه يضلّ من اتّبعه). [معاني القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كتب عليه} أي على شيطانه {أنّه من تولّاه فأنّه يضلّه} ). [تفسير غريب القرآن: 290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {كتب عليه أنّه من تولّاه فأنّه يضلّه ويهديه إلى عذاب السّعير}
(أنّه) في موضع رفع.
{فأنّه يضلّه}، عطف عليه، وموضعه رفع أيضا، والفاء الأجود فيها أن تكون في معنى الجزاء، وجائز كسر إنّ مع الفاء، ويكون جزاء لا غير.
والتأويل: كتب عليه أي على الشيطان إضلال متولّيه وهدايتهم إلى عذاب السعير، وحقيقة " أن " الثانية أنها مكررة مع الأولى على جهة التوكيد،
لأن المعنى كتب عليه أنه من تولاه أضله). [معاني القرآن: 3/411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله}
قال مجاهد وقتادة أنه من تولى الشيطان أي تبعه
قال أبو جعفر والمعنى قضي على الشيطان أنه يضل من أتبعه). [معاني القرآن: 4/376]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يا أيّها النّاس إن كنتم في ريبٍ من البعث} [الحج: 5] في شكٍّ من البعث.
{فإنّا خلقناكم من ترابٍ} [الحج: 5] وهذا خلق آدم.
{ثمّ من نطفةٍ} [الحج: 5] يعني نسل آدم.
{ثمّ من علقةٍ ثمّ من مضغةٍ مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ} [الحج: 5] قال: هو السّقط.
وقال مجاهدٌ: هما جميعًا السّقط مخلّقٌ وغير مخلّقٍ.
{ونقرّ في الأرحام ما نشاء} [الحج: 5] يعني التّمام.
- يحيى، عن صاحبٍ له، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال:
[تفسير القرآن العظيم: 1/354]
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه، أو يكون في بطن أمّه نطفةً أربعين يومًا، ثمّ يكون علقةً أربعين يومًا، ثمّ يكون مضغةً أربعين يومًا، ثمّ يؤمر الملك أو قال: يأتي الملك فيؤمر أن يكتب أربعًا: رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أم سعيدٌ ".
- حدّثني ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي تميمٍ الجيشانيّ، عن أبي ذرٍّ أنّ المنيّ إذا مكث في الرّحم أربعين ليلةً، أتاه ملك النّفوس فخرج به إلى اللّه تبارك وتعالى في راحته فقال: أي ربّ، عبدك أذكرٌ أم أنثى؟ فيقضي اللّه ما هو قاضٍ.
أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيكتب ما هو لاقٍ بين عينيه.
ثمّ قرأ أبو ذرٍّ من فاتحة سورة التّغابن خمس آياتٍ.
وقوله: {لنبيّن لكم} [الحج: 5] بدوّ خلقكم.
قوله: {ونقرّ في الأرحام} [الحج: 5] أرحام النّساء.
{ما نشاء إلى أجلٍ مسمًّى} [الحج: 5] الوقت الّذي يولد فيه.
{ثمّ نخرجكم طفلا ثمّ لتبلغوا أشدّكم} [الحج: 5] يعني الاحتلام.
{ومنكم من يتوفّى} [الحج: 5] وفيها إضمارٌ: أي يتوفّى من قبل أن يبلغ أرذل العمر.
وقال في حم: {ومنكم من يتوفّى من قبل} [غافر: 67] أن يبلغ أرذل العمر.
{ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر} [الحج: 5] الهرم.
{لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئًا} [الحج: 5] يصير بمنزلة الصّبيّ الّذي لا يعقل شيئًا.
قوله: {وترى الأرض هامدةً} [الحج: 5] أي: غبراء متهشّمةً.
{فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت} [الحج: 5] وفيها تقديمٌ: ربت للنّبات انفتحت واهتزّت بالنّبات إذا أنبتت.
قال: {وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيجٍ} [الحج: 5] حسنٍ.
وكلّ ما ينبت في الأرض فالواحد منها زوجٌ.
وحسن ذلك النّبات أنّها تنبت ألوانًا من صفرةٍ، وحمرةٍ، وخضرةٍ وغير ذلك من الألوان). [تفسير القرآن العظيم: 1/355]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مّخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ...}

يقول: تماما وسقطاً. ويجوز مخلّقةً وغير مخلّقةٍ على الحال:
والحال تنصب في معرفة الأسماء ونكرتها. كما تقول: هل من رجل يضرب مجرّداً. فهذا حال وليس بنعت.
وقوله: {لّنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء} استأنف (ونقرّ في الأرحام) ولم يرددها على (لنبيّن) ولو قرئت (ليبيّن) يريد الله ليبيّن لكم كان صواباً ولم أسمعها.
وقوله: {ومنكم مّن يردّ إلى أرذل العمر}: إلى أسفل العمر {لكيلا يعلم} يقول لكيلا يعقل من بعد عقله الأوّل (شيئاً).
قوله: (وربت) قرأ القراء (وربت) (من تربو). ... حدثني أبو عبد الله التميمي عن أبي جعفر المدني أنه قرأ (اهتزّت وربأت) مهموزة فإن كان ذهب إلى الرّبيئة الذي يحرس القوم فهذا مذهب، أي ارتفعت حتى صارت كالموضع للربيئة. فإن لم يكن أراد (من هذا) هذا فهو من غلط قد تغلطه العرب فتقول: حلأت السّويق، ولبّأت بالحجّ، ورثأت الميّت، وهو كما قرأ الحسن (ولأدرأتكم به) يهمز. وهو ممّا يرفض من القراءة). [معاني القرآن: 2/216-215]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من مّضغةٍ مخلّقةٍ} أي مخلوقة). [مجاز القرآن: 2/44]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ يخرجكم طفلاً} مجازه أنه في موضع أطفال والعرب تضع لفظ الواحد في معنى الجميع قال:
في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وقال عباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم=فقد برئت من الإحن الصدور
وفي آية أخرى: {والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ} أي ظهراء
وقال:
إن العواذل ليس لي بأمير
أراد أمراء: {أرذل العمر}: مجازه أن يذهب العقل ويخرف). [مجاز القرآن: 2/45-44]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وترى الأرض هامدةً} أي يابسة لا نبات فيها ويقال: ويقال رماد هامد إذا كان يدرس). [مجاز القرآن: 2/45]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {زوج بهيجٍ} أي حسن قشيب جديد ويقال أيضاً بهج: " وأنّ اللّه يبعث " أي يجيء). [مجاز القرآن: 2/45]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مخلقة وغير مخلقة}:قالوا {المخلقة} الحي الخارج {وغير مخلقة} قالوا السقط.
{طفلا}: للجميع والمؤنث والاثنين على هيئة الواحد.
{أرذل العمر}: ذهاب العقل والخرف.
{هامدة}: يابسة لا نبات فيها. يقال همدت تهمد.
{بهيج}: حسن. يقال بهيج وبهج). [غريب القرآن وتفسيره:258 -259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مخلّقةٍ}: تامّة.
{وغير مخلّقةٍ}: غير تامّة. يعني السقط.
{لنبيّن لكم} كيف نخلقكم {في الأرحام}.
{ومنكم من يتوفّى} يعني قبل بلوغ الهرم.
{ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر} أي الخرف والهرم.
{وترى الأرض هامدةً} أي ميّتة يابسة. ومثل ذلك همود النار: إذا طفئت فذهبت.
{اهتزّت} بالنبات.
{وربت}: انتفخت وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيجٍ أي من كل جنس حسن، يبهج، أي يشرح. وهو فعيل في معنى فاعل. يقال: امرأة ذات خلق باهج). [تفسير غريب القرآن: 290]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكتبوا: {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاؤا} بواو بعد الألف، وفي موضع آخر {مَا نَشَاءُ}
بغير واو، ولا فرق بينهما). [تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه واحد يراد به جميع:
كقوله: {هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ} وقوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وقوله: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}.
وقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} والتفريق لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا.
وقوله: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.
والعرب تقول: فلان كثير الدرهم والدينار، يريدون الدراهم والدنانير.
وقال الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا = وإنّا من لقائهم لزور
وقال الله عز وجل: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}، أي الأعداء، {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، أي رفقاء.
وقال الشاعر:
فقلنا: أسلموا إنّا أخوكم = وقد برئت من الإحن الصّدور).
[تأويل مشكل القرآن: 285-284] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، والكريم: الحسن، وذلك من الفضل. قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي: حسن. وكذلك قوله: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: حسن يبتهج به. وقال تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، أي حسنا.
وهذا وإن اختلف، فأصله الشرف). [تأويل مشكل القرآن: 495] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّاس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى ثمّ نخرجكم طفلا ثمّ لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفّى ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج}
{يا أيّها النّاس إن كنتم في ريب من البعث}
ويقرأ من البعث بفتح العين، والريب الشك، فأمّا البعث بفتح العين - فذكر جميع الكوفيين أن كل ما كان ثانيه حرفا من حروف الحلق، وكان مسكنا مفتوح الأول جاز فيه فتح المسكن نحو نعل ونعل، وشعر وشعر، ونهر ونهر، ونخل ونخل.
فأمّا البصريون فيزعمون أن ما جاء من هذا فيه اللغتان تكلّم به على ما جاء.
وما كان لم يسمع لم يجز فيه التحريك نحو وعد، لأنك لا تقول: لك عليّ وعد، أي عليّ وعدة، ولا في هذا الأمر وهن – في معنى وهن -. وهذا في بابه مثل ركّ، وركك وقدر وقدر، وقصّ الشاة وقصصها فلا فرق في هذا بين حروف الحلق وغيرها.
وقيل للذين جحدوا البعث وهم المشركون: إن كنتم في شكّ من أنّ اللّه يبعث الموتى فتدبروا أمر خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون في القدرة فرقا بين ابتداء الخلق وإعادته، وإحياء الموتى.
ثم بين لهم ابتداء خلقهم فأعلمهم أنهم خلقوا من تراب، وهو خلق آدم عليه السلام، ثم خلق ولده من نطفة، ثم من علقة ثم من مضغة.
وأعلمهم أحوال خلقهم.
ويروى أن الإنسان يكون في البطن نطفة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما، ثم يبعث اللّه ملكا فينفخ - فيه الروح.
ومعنى {مخلّقة وغير مخلّقة}
وصف الخلق أو منهم من يتمّم مضغته فتخلق له الأعضاء التي تكمل آلات الإنسان ومنهم من لا يتمم اللّه خلقه.
وقوله: {لنبيّن لكم} أي ذكرنا أحوال خلق الإنسان.
ووجه آخر هو خلقناكم هذا الخلق {لنبيّن لكم}.
{ونقرّ في الأرحام ما نشاء}.
لا يجوز فيها إلا الرفع، - ولا يجوز أن يكون معناه فعلنا ذلك لنقر في الأرحام، وأنّ اللّه - عزّ وجلّ - لم يخلق الأنام لما يقر في الأرحام، وإنما خلقهم ليدلّهم على رشدهم وصلاحهم.
وقوله - عزّ وجلّ -: {ثمّ نخرجكم طفلا}.
في معنى أطفال، ودل عليه ذكر الجماعة.
وكأنّ طفلا يدل على معنى ويخرج كل واحد منكم طفلا.
{ثمّ لتبلغوا أشدّكم} قد فسرنا الأشدّ، وتأويله الكمال في القوّة والتمييز، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين.
وقوله: {ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر} أرذل العمر هو الذي يخرف فيه الإنسان من الكبر حتى لا يعقل، وبين ذلك بقوله: (لكيلا يعلم من بعد علم).
ثم دلّهم على إحيائه الموتى بإحيائه الأرض فقال:
{وترى الأرض هامدة} يعنى جافة ذات تراب.
{فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت} وتقرأ وربأت. فاهتزازها تحركها عند وقوع الماء بها وإنباتها.
ومن قرأ: {وربت} فهو من ربا يربو إذا زاد على أي الجهات، ومن قرأ وربأت بالهمز فمعناه ارتفعت.
{وأنبتت من كلّ زوج بهيج}. أي من كل صنف حسن من النبات). [معاني القرآن: 3/411-413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث }
أي ان كنتم في شك من أنكم تبعثون فتدبروا في أول خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون فرقا بين الابتداء والإعادة
ثم قال عز وجل: {فإنا خلقناكم من تراب }
يعني آدم صلى الله عليه وسلم ثم من نطفة ثم من علقة
قال الخليل العلق الدم قبل أن ييبس الواحدة علقة وهكذا تصير النطفة
قال أبو عبيد العلق من الدم ما اشتدت حمرته ثم من مضغة وهي لحمة صغيرة بقدر ما يمضغ مخلقة وغير مخلقة
روى معمر عن قتادة قال تامة وغير تامة
قال الشعبي النطفة والعلقة والمضغة فإذا نكست في الخلق الرابع كانت مخلقة وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخلقة
قال أبو العالية غير مخلقة السقط
قال أبو جعفر مخلقة مصورة ويبين ذلك هذا الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مروي من طرق شتى
فمن طرقه ما رواه سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب
قال سمعت ابن مسعود يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو الصادق المصدوق ((يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم يكون مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله جل وعز إليه ملكا فيقول اكتب عمله وأجله ورزقه واكتبه شقيا أو سعيدا ))
قال عبد الله والذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل السعادة فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع ثم يدركه الشقاء فيعمل بعمل أهل النار أو الشقاء فيدخل النار
وروى عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب أنطفة أي رب أعلقة أي رب أمضغة فإذا أراد الله جل وعز أن يقضي خلقها قال يقول الملك أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد فما الأجل فما الرزق فيكتب ذلك في بطن أمه
قال علقمة إذا وقعت النطفة في الرحم قال الملك مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجت الرحم دما وإن قال مخلقة قال أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فيقول اكتبها من اللوح المحفوظ فيجد صفتها فيستنسخه فلا يزال العبد يعمل عليه حتى يموت
وقوله جل وعز: {لنبين لكم} أي ذكرنا أحوال الخلق لنبين لكم
ويجوز أن يكون المعنى خلقنا هذا الخلق لنبين لكم
ثم قال جل وعز: {ونقر في الأرحام ما نشاء }
أي ونحن نقر في الأرحام ما نشاء
ثم قال: {ومنكم من يتوفى}
وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ ومنكم من يتوفى
ومعناه يستوفي أجله
وقوله عز وجل: {لكيلا يعلم من بعد علم شيئا }
قال الفراء لكيلا يعقل من بعد ما عقل شيئا
وقوله عز وجل: {وترى الأرض هامدة }
روى سعيد عن قتادة قال أي غبراء متهشمة
قال أبو جعفر يقال همدت النار إذا طفئت وذهب لهبها وأرض هامدة أي جافة عليها تراب). [معاني القرآن: 4/380-376]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت}
أي تحركت وربت أي زادت وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس وربأت أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف فهو رابيء وربئة على المبالغة). [معاني القرآن: 4/381-380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال عز وجل: {وأنبتت من كل زوج بهيج }
أي من كل صنف من النبات
وروى سعيد عن قتادة قال بهيج حسن
قال أبو جعفر يقال بهج فهو بهج إذا حسن وأبهجني أعجبني لحسنه). [معاني القرآن: 4/381]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مخلقة} أي: قد بدا فيها الخلق). [ياقوتة الصراط: 367]
{وغير مخلقة} أي: لم تصور بعد). [ياقوتة الصراط: 368]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بهيج} أي: حسن). [ياقوتة الصراط: 368]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مخلقة وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}: أي غير تامة يريد السقط.
{هَامِدَةً}: أي ميتة ويابسة.
{بَهِيجٍ}: حسن. يبهج من يراه، وهو "فعيل" بمعنى "فاعل"). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُخَلَّقَةٍ}: المولود.
{وغَيْرِ مُخَلَّقَـةٍ}: السـقط.
{طِفْلاً}: الذكر والأنثى.
{أرذَلِ العُمُرِ}: الخـرف.
{هامِـدَةً}: يابسـة.
{بَهِيجٍ}: حسـن). [العمدة في غريب القرآن: 211-210]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ} [الحج: 6] والحقّ اسمٌ من أسماء اللّه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/355]
{وأنّه يحيي الموتى وأنّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [الحج: 6] إنّ الّذي أخرج من هذه الأرض الهامدة الميّتة ما أخرج من النّبات قادرٌ على أن يحيي الموتى). [تفسير القرآن العظيم: 1/356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ وأنّه يحي الموتى وأنّه على كلّ شيء قدير}

المعنى الأمر ذلك، أي الأمر ما وصف لكم وبيّن لكم {بأنّ اللّه هو الحقّ وأنّه يحي الموتى وأنّه على كلّ شيء قدير}.
فالأجود أن يكون موضع (ذلك) رفعا.
ويجوز أن يكون نصبا على معنى فعل اللّه ذلك بأنه هو الحق وأنه يحي الموتى). [معاني القرآن: 3/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذلك بأن الله هو الحق } أي الأمر ذلك والأمر ما وصف لكم وبين
ثم قال جل وعز: {وأنه يحيي الموتى} أي كما أحيا الأرض بقدرته). [معاني القرآن: 4/382-381]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها} [الحج: 7] لا شكّ فيها.
{وأنّ اللّه يبعث من في القبور} [الحج: 7] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/356]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن النّاس من يجادل في اللّه بغير علمٍ} [الحج: 8] يعني المشرك يلحد في اللّه فيجعل معه الآلهة يعبدها بغير علمٍ أتاه من اللّه.
{ولا هدًى} [الحج: 8] أتاه منه.
{ولا كتابٍ منيرٍ} [الحج: 8] قضى بعبادة الأوثان). [تفسير القرآن العظيم: 1/356]

تفسير قوله تعالى: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ثاني عطفه} [الحج: 9] ثاني رقبته، معرضٌ عن اللّه، وعن رسوله، ودينه.
{ليضلّ عن سبيل اللّه له في الدّنيا خزيٌ} [الحج: 9] القتل.
{ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} [الحج: 9] عذاب جهنّم، يحرق بالنّار.
وتفسير الكلبيّ أنّها نزلت في النّضر بن الحارث فقتل، أحسبه قال: يوم بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/356]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثاني عطفه...}

منصوب على: يجادل ثانياً عطفه: معرضا عن الذكر). [معاني القرآن: 2/216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثاني عطفه ليضلّ} يقال جاءني فلان ثاني عطفه أي يتبختر من التكبر، قال الشماخ:
نبّئت أن ربيعاً أن رعى إبلاً=يهدى إلىّ خناه ثاني الجيد
قال أبو زبيد:
فجاءهم يستنٌّ ثاني عطفه=له غيبٌ كأنما بات يمكر).
[مجاز القرآن: 2/46-45]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ثاني عطفه}: قالوا متكبر. يقال جاء فلان ثاني عطفه إذا جاء متكبر). [غريب القرآن وتفسيره: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثاني عطفه} أي متكبر معرض). [تفسير غريب القرآن: 290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل اللّه له في الدّنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق}
وليضل عن سبيل اللّه، و (ثاني) منصوب على الحال، ومعناه التنوين.
ومعناه ثانيا عطفه، وجاء في التفسير أن معناه لاويا عنقه، وهذا يوصف به.
فالمعنى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم متكبّرا). [معاني القرآن: 3/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثاني عطفه }
وقال مجاهد أي رقبته
وقال قتادة أي عنقه
قال أبو العباس العطف ما انثنى من العنق ويقال للأردية العطف لأنها تقع على ذلك الموقع
وقال غيره يوصف بهذا المتكبر المعرض تجبرا). [معاني القرآن: 4/382]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( اني عطفه} أي: متكبرا، يقال: ثنى عطفه ونأى بجانبه، إذا تكبر). [ياقوتة الصراط: 368]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثَانِيَ عِطْفِهِ}: أي متكبر معرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثَانِيَ عِطْفِهِ}: متكبـر). [العمدة في غريب القرآن: 211]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذلك بما قدّمت يداك وأنّ اللّه ليس بظلّام للعبيد}
يقال: هذا العذاب بما قدمت يداك، وموضع (ذلك) رفع بالابتداء.
وخبره {بما قدّمت يداك}، وموضع " أن " خفض المعنى ذلك بما قدمت يداك وبأن الله ليس بظلام للعبيد.
ولو قرئت (إن) بالكسر لجاز.
ويجوز أن يكون موضع (ذلك) رفعا على خبر الابتداء.
المعنى الأمر {ذلك بما قدمت يداك}.
ويكون موضع أن الرفع على معنى {أنّ اللّه ليس بظلام للعبيد} ). [معاني القرآن: 3/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله جل وعز: {ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد }
والمعنى يقال له هذا العذاب بما قدمت يداك وبأن الله ليس بظلام للعبيد). [معاني القرآن: 4/383-382]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 11 إلى 24]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} [الحج: 11] تفسير مجاهدٍ وقتادة: على شكٍّ.
{فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به} [الحج: 11] يقول رضي به.
{وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه} [الحج: 11] هذا المنافق، يعني إن رأى في الإسلام رخاءً وطمأنينةً طابت نفسه بما يصيب من ذلك وقال: أنا منكم ومعكم، وإن رأى في الإسلام شدّةً أو بليّةً لم يصبر على مصيبتها أو لم يرج عاقبتها {انقلب على وجهه} [الحج: 11] يعني كافرًا.
تفسير مجاهدٍ.
قال اللّه: {خسر الدّنيا} [الحج: 11] فذهبت عنه وزالت.
وخسر {والآخرة} [الحج: 11] فلم يكن له فيها نصيبٌ.
وقال قتادة: يقول إن أصاب خصبًا ورفاغةً في العيش وما يشتهي اطمأنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/356]
إليه وقال: أنا على حقٍّ وأنا أعرف الّذي أنا عليه: {وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه} [الحج: 11] أي ترك ما كان عليه من الحقّ وأنكر معرفته.
{خسر الدّنيا} [الحج: 11] يعني خسر دنياه الّتي كان لها عمل وفيها يفرح، فهي همّه وطلبته، ثمّ أفضى إلى الآخرة وليس له فيها نصيبٌ.
قوله: {ذلك هو الخسران المبين} [الحج: 11] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ...}

نزلت في أعاريب من بني أسد انتقلوا إلى المدينة بذراريهّم، فامتنّوا بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنما يسلم الرجل (بعد الرجل) من القبيلة. وقد أتيناك بذرارينّا.
وكانوا إذا أعطوا من الصّدقة وسلمت مواشيهم وخيلهم قالوا: نعم الدين هذا. وإن لم يعطوا من الصّدقة ولم تسلم مواشيهم انقلبوا عن الإسلام. فذلك قوله:
{يعبد اللّه على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به} يقول: أقام عليه {وإن أصابته فتنةٌ انقلب} ورجع.
وقوله: {خسر الدّنيا والآخرة} غبنهما. وذكر عن حميد الأعرج وحده أنه قرأ (خاسر الدنيا والآخرة) وكلّ صواب: والمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/217-216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومن النّاس من يعبد الله على حرف} كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم وتقول: إنما أنت لي على حرف، أي لا أثق بك {لبئس المولي} مجازه هاهنا ابن العم، {ولبئس العشير} الخليط المعاشر). [مجاز القرآن: 2/46]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يعبد الله على حرف}: أي شك). [غريب القرآن وتفسيره: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} على وجه واحد ومذهب واحد.
{فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه} أي ارتد). [تفسير غريب القرآن: 291-290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}
جاء في التفسير على شكّ، وحقيقته أنّه يعبد اللّه على حرف الطريقة في الدّين، لا يدخل فيه دخول متمكن.
{فإن أصابه خير اطمأنّ به} أي :إن أصابه خِصْب وكثر ماله وماشيته اطمأنّ بما أصابه ورضي بدينه.
{وإن أصابته فتنة} اختبار بجدب وقلّة مال.
{انقلب على وجهه} رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان). [معاني القرآن: 3/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن الناس من يعبد الله على حرف }
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال على شك
قال أبو جعفر وحقيقته في اللغة على حرف طريقة الدين أي ليس داخلا فيه بكليته
وبين هذا بقوله جل وعز: {فإن أصابه خير اطمأن به}
قال استقر وإن أصابته فتنة قال عذاب أو مصيبة انقلب على وجهه قال ارتد كافرا
ثم قال جل وعز: {خسر الدنيا والآخرة }
وقرأ مجاهد وحميد خاسر الدنيا والآخرة). [معاني القرآن: 4/383]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {على حرف} أي: على شك). [ياقوتة الصراط: 369]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَلَى حَرْفٍ}: أي علي وجه واحد ومذهب واحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَلَى حَرْفٍ}: أي على شك). [العمدة في غريب القرآن: 211]

تفسير قوله تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يدعو من دون اللّه ما لا يضرّه وما لا ينفعه} [الحج: 12] يعني الوثن.
{ذلك هو الضّلال البعيد} [الحج: 12] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يدعو من دون اللّه...}
يعني الأصنام). [معاني القرآن: 2/217]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يدعو من دون اللّه ما لا يضرّه وما لا ينفعه ذلك هو الضّلال البعيد}
يعنى يدعو الوثن الذي لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ). [معاني القرآن: 3/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه }
ثم قال بعد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى
فيقال كيف يكون له ضر وقد قال ما لا يضره
فالجواب أن المعنى يدعو لمن ضر عبادته
فإن قيل كيف قال أقرب من نفعه ولا نفع له
فالجواب أن العرب تقول لما لا يكون البتة هذا بعيد مثل قوله تعالى: {ذلك رجع بعيد}
وفي الآية أجوبة من أجل اللام
فأكثر النحويين يذهب إلى أنها في غير موضعها وأن المعنى يدعو من لضره أقرب من نفعه
وقال أبو العباس في الكلام حذف أي يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها
وقيل يدعو ههنا بمعنى يقول كما قال عنترة:

يدعون عنتر والرماح كأنها = أشطان بئر في لبان الأدهم
وقال أبو إسحاق يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة ويكون خبر من لبئس المولى ولبئس العشير
قال الفراء يجوز أن يكون يدعو خبر من ويكون لبئس المولى ولبئس العشير مكررة على ما قبلها
ولأبي إسحاق قول آخر وزعم أن النحويين أجازوه قال يكون ذلك بمعنى الذي أي الذي هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره كما قال تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى}
وأنشد:
عدس ما لعباد عليك إمارة = أمنت وهذا تحملين طليق
وحكى الفراء أنه يجوز في هذا شيء لم يتقدم به أثر وهو يدعو لمن ضره بكسر اللام بمعنى يدعو إلى من ضره كما قال سبحانه: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} أي إلى هذا
قال أبو جعفر والآية مشكلة لدخول اللام وإن الحذاق من النحويين يمنعون أن ينوى بها تقديم أو تأخير لأنها لا تصرف وأن يكون يدعو بمعنى يقول حسن والخبر محذوف،
أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه له). [معاني القرآن: 4/386-384]

تفسير قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه} [الحج: 13] يعني الوثن، ينفق عليه وهو كلٌّ عليه، وهو يتولّاه.
يقول اللّه: {لبئس المولى} [الحج: 13] لبئس الوليّ.
{ولبئس العشير} [الحج: 13] لبئس الصّاحب، يريد بذلك الوثن.
تفسير مجاهدٍ وقتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(ثم قال: {يدعو لمن ضرّه...}

فجاء التفسير: يدعو من ضرّه أقرب من نفعه. وقد حالت اللام بينهما. وكذلك هي في قراءة عبد الله {يدعو من ضرّه} ولم نجد العرب تقول ضربت لأخاك ولا رأيت لزيداً أفضل منك. وقد اجتمعت القراء على ذلك. فنرى أن جواز ذلك لأن (من) حرف لا يتبيّن فيه الأعراب، فأجيز ب: فاستجيز الاعتراض باللام دون الاسم؛ إذ لم يتبيّن فيه الإعراب.
وذكر عن العرب أنهم قالوا: عندي لما غيره خير منه، فحالوا باللام دون الرافع. وموقع اللام كان ينبغي أن يكون في (ضرّه) وفي قولك: عندي ما لغيره خيرٌ منه. فهذا وجه القراءة للاتّباع.
وقد يكون قوله: {ذلك هو الضّلال البعيد يدعو} فتجعل (يدعو) من صلة (الضلال البعيد) وتضمر في (يدعو) الهاء، ثم تستأنف الكلام باللام، فتقول {لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى} كقولك في مذهب الجزاء لما فعلت لهو خير لك. وهو وجه قويّ في العربيّة.
ووجه آخر لم يقرأ به. وذلك أن تكسر اللام في (لمن) وتريد يدعو إلى من ضرّه أقرب من نفعه، فتكون اللام بمنزلة إلى، كما قال {الحمد للّه الذي هدانا لهذا} وإلى هذا وأنت قائل في الكلام: دعوت إلى فلانٍ ودعوت لفلانٍ بمعنى واحدٍ. ولولا كراهية خلاف الآثار والاجتماع لكان وجهاً جيّدا من القراءة. ويكون قوله (يدعو) التي بعد (البعيد) مكرورة على وقوله: {يدعو من دون الله} يدعو مكرّرة، كما تقول: يدعو يدعو دائبا، فهذا قوّه لمن نضب اللام ولم يوقع (يدعو) على (من) والضّلال البعيد الطويل). [معاني القرآن: 2/218-217]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يدعو لمن ضرّه أقرب من نّفعه لبئس المولى ولبئس العشير}
وقال: {يدعو لمن ضرّه أقرب من نّفعه} فـ{يدعو} بمنزلة "يقول". و{من} رفع واضمر الخبر كأنه: يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه إلهه. يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إلهه).
[معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لبئس المولى ولبئس العشير}{المولى} ابن العم {والعشير} والخليط من المعاشرة. والعشير أيضا الزوج).
[غريب القرآن وتفسيره: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لبئس المولى} أي الوليّ.
{ولبئس العشير} أي الصاحب والخليل). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير}
فقال: ولا يضره، وقال ضره أقرب من نفعه، معناه الضرر بعبادته أقرب من النفع.
فإن قال قائل: كيف يقال: أقرب من نفعه ولا نفع من قبله ألبتّة؟
فالعرب تقول لما لا يكون: هذا بعيد، والدليل على ذلك قوله تعالى: {أإذا متنا وكنّا ترابا ذلك رجع بعيد}.
وقد اختلف الناس في تفسير هذه اللام، وفي (يدعو) بأي شيء هي معلّقة ونحن نفسر جميع ما قالوه وما أغفلوه مما هو بيّن من جميع ما قالوا إن شاء اللّه.
قال البصريون والكوفيون: اللام معناها التأخير، المعنى يدعو من لضرّه أقرب من نفعه ولم يشبعوا الشرح، ولا قالوا من أين جاز أن تكون اللام في غير موضعها.
وشرح ذلك أن اللام لليمين والتوكيد فحقها أن تكون في أول الكلام فقدمت لتجعل في حقها، وإن كان أصلها أن تكون في " لضرّه " كما أن لام " إن " حقها أن تكون في الابتداء، فلما لم يجز أن تلي " إنّ " جعلت في الخبر في مثل قولك: إنّ زيدا لقائم، ولا يجوز " إنّ لزيدا قائم "، فإذا أمكن أن يكون ذلك في الاسم كان ذلك أجود الكلام، تقول إن في ذلك لآية، فهذا قول.
وقالوا أيضا. أن يدعو معها هاء مضمرة، وأن (ذلك) في موضع رفع و (يدعو) في موضع الحال.
المعنى، ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، المعنى في حال دعائه إيّاه، ويكون {لمن ضرّه أقرب من نفعه} مستأنفا مرفوعا بالابتداء وخبره {لبئس المولى ولبئس العشير}.
وفيه وجه آخر ثالث، يكون يدعو في معنى يقول، يكون من في موضع رفع وخبره محذوف، ويكون المعنى: يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو مولاي،
ومثله يدعو في معنى يقول في قول عنترة.
يدعون عنتر والرماح كأنّها=أشطان بئر في لبان الأدهم
ويجوز أن يكون " يدعو " في معنى " يسمّي "
كما قال ابن أحمر:
أهوى لها مشقصا جشرا فشبرقها=وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
ووجه هذا القول الذي قبله.
وفيها وجه رابع وهو الذي أغفله الناس، أن " ذلك " في موضع نصب بوقوع يدعو عليه، ويكون " ذلك " في تأويل الذي، ويكون المعنى الذي هو الضلال البعيد يدعو،
ويكون {لمن ضرّه أقرب من نفعه} مستأنفا، وهذا مثل قوله: {وما تلك بيمينك} على معنى وما التي بيمينك يا موسى.
ومثله قول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارة=نجوت وهذا تحملين طليق).
[معاني القرآن: 3/417-415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لبئس المولى }
أي الولي كما قال الشاعر:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه = مولى المخافة خلفها وأمامها
ولبئس العشير أي الصاحب والخليل
قال مجاهد يعني الوثن). [معاني القرآن: 4/387-386]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المَوْلَـى}: ابن العـم.
{العَشِيـرُ}: الخليـط). [العمدة في غريب القرآن: 212-211]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من كان يظنّ أن لن ينصره اللّه في الدّنيا والآخرة فليمدد بسببٍ إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ} [الحج: 15] يعني المنافق، أي إنّه يائسٌ من أن ينصر اللّه محمّدًا، لا يصدّق بما وعد اللّه رسوله من نصره في الدّنيا والآخرة.
ونصره في الآخرة الحجّة.
قال: {فليمدد بسببٍ} [الحج: 15] بحبلٍ {إلى السّماء} [الحج: 15] سماء البيت، يعني سقف البيت، أي فليعلّق حبلًا من سقف البيت فليختنق حتّى يموت.
يعني بقوله: فـ {ليقطع} [الحج: 15] فليختنق.
وذلك كيده.
قال: {فلينظر هل يذهبنّ} [الحج: 15] ذلك غيظه: أي إنّ ذلك لا يذهب غيظه.
وقال مجاهدٌ: {أن لن ينصره اللّه} [الحج: 15] أن لن يرزقه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {من كان يظنّ أن لّن ينصره اللّه...}

جزاء جوابه في قوله: {فليمدد بسببٍ} والهاء في (قوله) {ينصره اللّه} للنبيّ صلّى الله عليه وسلم. أي من كان منكم يظنّ أن الله لن ينصر محمداً بالغلبة حتى يظهر دين الله فليجعل في سماء بيته حبلاً ثم ليختنق به فذلك قوله: {ثمّ ليقطع} اختناقاً وفي قراءة عبد الله (ثم ليقطه) يعني السّبب وهو الحبل: يقول {فلينظر هل يذهبنّ كيده} إذا فعل ذلك غيظه.
و{ما يغيظ} في موضع نصب). [معاني القرآن: 2/218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من كان يظنّ أن لّن ينصره اللّه} ) مجازه أن لن يرزقه الله وأن لن يعطيه الله، قال وقف علينا سائل من بني بكر على حلقة في المسجد الجامع فقال: من ينصرني نصره الله أي من يعطيني أعطاه الله ويقال نصر المطر أرض كذا، أي جادها وأحياها، قال وبيت الراعي:
وانصري أرض عامر
أي: تعمدي،
وقال الراعي:
أبوك الذي أجدى عليّ بنصره=فانصت عني بعده كّل قائل
أي بعطيته وقال:
وإنك لا تعطي امرءًا فوق حظه= ولا تملك الشقّ الذي الغيث ناصره).
[مجاز القرآن: 2/47-46]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فليمدد بسببٍ إلى السّماء} أي بحبل). [مجاز القرآن: 2/47]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {من كان يظنّ أن لّن ينصره اللّه في الدّنيا والآخرة فليمدد بسببٍ إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ}
وقال: {هل يذهبنّ كيده ما يغيظ} فحذف الهاء من {يغيظ} لأنها صلة الذي لأنه إذا صار جميعاً اسما واحدا كان الحذف أخف). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من كان يظن أن لن ينصره الله}: أي يرزقه الله. يقال:
من ينصرني نصره الله ؟ أي من يرزقني رزقه الله. ويقال نصرت السماء أرض كذا وكذا أي أحيتها.وقال بعض المفسرين: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا، من النصر.
{فليمدد بسبب}: أي بحبل.
{إلى السماء}: إلى سقف البيت، فليختنق فينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ). [غريب القرآن وتفسيره: 260-259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {من كان يظنّ أن لن ينصره اللّه} أي لن يرزقه اللّه. وهو قول أبي عبيدة، يقال: مطر ناصر، وأرض منصورة أي: ممطورة. وقال المفسرون: من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا.
{فليمدد بسببٍ إلى السّماء} أي بحبل إلى سقف البيت.
{ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده} أي حيلته غيظة ليجهد جهده، وقد ذكرت ذلك في تأويل المشكل بأكثر من هذا التفسير). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}.
كان قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين، يستبطئون ما وعد الله ورسوله من النصر. وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون ألا يتم له أمره،
فقال تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ}، يعني محمدا عليه السلام على مذاهب العرب في الإضمار لغير مذكور، وهو يسمعني أعده النصر والإظهار والتمكين،
وإن كان يستعجل به قبل الوقت الذي قضيت أن يكون ذلك فيه، فليمدد بسببٍ أي بحبل إلى السّماء، يعني سقف البيت، وكلّ شيء علاك وأظلّك فهو سماء،
والسحاب: سماء، يقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}،
وقال سلامة بن جندل يذكر قتل كسرى النعمان:
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه = نحور الفيول بعد بيت مسردق
يعني: سقفه، وذلك أنّه أدخله بيتا فيه فيلة فتوطّأته حتى قتلته.
وقوله: ثمّ ليقطع. قال المفسرون أي: ليختنق {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} هل يذهب ذلك ما في قلبه؟ وهذا كرجل وعدته شيئا مرة بعد مرة، ووكّدت على نفسك الوعد،
وهو يراجعك في ذلك، ولا تسكن نفسه إلى قولك، فتقول له: إن كنت لا تثق بما أقوله، فاذهب فاختنق. تريد: اجهد جهدك.
هذا معنى قول المفسرين.
وفيه وجه آخر على طريق الإمكان، وهو أن تكون السماء هاهنا: السماء بعينها لا السقف، كأنه قال: فليمدد بسبب إليها أي بحبل، وليرتق فيه، ثم ليقطع حتى يخرّ فيهلك،
أي: ليفعل هذا إن بلغه جهده، فلينظر هل ينفعه. ومثله قوله لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم- حين سأله المشركون أن يأتيهم بآية ولم يشأ الله أن يأتيهم بها، فشقّ ذلك عليه-
{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
يريد: اجهد إن بلغ هذا جهدك.
وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن كردم: أنّ رجلا سأل أبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، عن رجل قتل مؤمنا متعمدا، هل له توبة؟ فكلهم قال: هل يستطيع أن يحييه؟
هل يستطيع أن يبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء؟.
يريدون: أنه لا توبة له، كما أن هذا لا يكون.
وقال أبو عبيدة: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} أي: يرزقه الله. وذهب إلى قول العرب. أرض منصورة، أي ممطورة، وقد نصرت الأرض: أي مطرت.
كأنه يريد: من كان قانطا من رزق الله ورحمته فليفعل ذلك، فلينظر هل يذهب كيده، أي حيلته غيظه لتأخر الرزق عنه؟). [تأويل مشكل القرآن: 358-360]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {من كان يظنّ أن لن ينصره اللّه في الدّنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ}
هذه الهاء لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا - صلى الله عليه وسلم - حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظا،
وهو تفسير قوله: {فليمدد بسبب إلى السّماء} السبب الحبل، والسماء السقف، أي فليشدد حبلا في سقفه.
{ثمّ ليقطع} أي ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا.
{هل يذهبنّ كيده ما يغيظ} أي هل يذهبن كيده غيظه.
وقرئت ثم ليقطع، وثم ليقطع، بكسر اللام وجزمها). [معاني القرآن: 3/417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة }
قال أبو جعفر هذه الآية مشكلة وفيها قولان:
أ- روى سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال من كان يظن أن لن ينصره الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فليمدد بسبب أي بحبل إلى السماء أي سقف بيته ثم ليقطع أي ليختنق
قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل التفسير منهم الضحاك
ومعناه من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا عليه السلام ويظهر دينه على الدين كله فليجهد جهده فلينظر هل ينفعه ذلك شيئا
ب- والقول الآخر أن طلحة بن عمرو قال سمعت عطاء يقول في قوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله أن لن يرزقه الله فليمدد بسبب إلى السماء} أي إلى سماء بيته فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق
وروى ابن أبي نجيج عن مجاهد من كان يظن أن لن ينصره الله قال أي أن لن يرزقه الله
قال أبو جعفر وهذا القول أيضا معروف في اللغة وهو قول أبي عبيدة
وحكى أهل اللغة أنه يقال أرض منصورة أي ممطورة
وروى عن ابن عباس من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا أي يرزقه في الدنيا
وقال غيره الأولى أن تكون الهاء تعود على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله جل وعز ذكر قوما يعبدونه على حرف ثم أتبع ذلك هذه الاية في قوم يظنون أن الله لا يوسع على محمد وأمته ولا يرزقهم في الاخرة من سني عطاياه فليمدد بحبل إلى سماء فوقه إما سقف بيته أو غيره إذا اغتاط لاستعجال ذلك
قال أبو جعفر وقد ذكرنا القول في قوله عز وجل: {إن الذين امنوا والذين هادوا} في سورة البقرة). [معاني القرآن: 4/389-387]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ}: قيل: أن لن يرزقه الله. وقيل: أن لن ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم. {فليمدد بسبب إلى السماء}:
أي بحبل إلى سقف البيت.
{ثُمَّ لِيَقْطَعْ}: أي ليختنق. {فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ }: أي ليجهد جهده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ}: يرزقـه.
{إِلى السَّمَـاءِ}: سقف البيـت). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكذلك أنزلناه} [الحج: 16] القرآن.
{آياتٍ بيّناتٍ} [الحج: 16] الحلال والحرام.
{وأنّ اللّه يهدي من يريد} [الحج: 16] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/358]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} [الحج: 17] اليهود.
{والصّابئين} [الحج: 17] هم قومٌ يعبدون الملائكة ويقرءون الزّبور.
{والنّصارى} [الحج: 17] تنصّروا.
وإنّما سمّوا نصارى لأنّهم كانوا بقريةٍ يقال لها ناصرة.
{والمجوس} [الحج: 17] قال قتادة: وهم عبدة الشّمس، والقمر، والنّيران.
{والّذين أشركوا} [الحج: 17] عبدة الأوثان.
{إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة} [الحج: 17] فيما اختلفوا فيه من الدّنيا، فيدخل المؤمن الجنّة، ويدخل جميع هؤلاء النّار على ما أعدّ لكلّ قومٍ.
وقد ذكرنا ذلك في هذه الآية في سورة الحجر: {لها سبعة أبوابٍ لكلّ بابٍ منهم جزءٌ مقسومٌ} [الحجر: 44] قوله: {إنّ اللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ} [الحج: 17] شاهدٌ على كلّ شيءٍ وشاهدٌ كلّ شيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/358]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا...}

إلى قوله: {والّذين أشركوا} ثم قال {إنّ اللّه} فجعل في خبرهم (إنّ) وفي أوّل الكلام (إنّ) وأنت لا تقول في الكلام: إن أخاك إنّه ذاهب، فجاز ذلك لأن المعنى كالجزاء، أي من كان مؤمنا أو على شيء من هذه الأديان ففصل بينهم وحسابهم على الله. وربما قالت العرب: إنّ أخاك إن الدّين عليه لكثير، فيجعلون (إنّ) في خبره إذا كان إنما يرفع باسم مضاف إلى ذكره؛ كقول الشّاعر:
إنّ الخليفة إن الله سربله=سربال ملك به ترجى الخواتيم
ومن قال هذا لم يقل: إنك إنك قائم، ولا يقول: إنّ أباك إنه قائم لأن الاسمين قد اختلفا فحسن رفض الأول، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ فحسن للاختلاف قبح للاتّفاق).
[معاني القرآن: 2/218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ الذّين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة}
مجازه: الله يفصل بينهم، وإن من حروف الزوائد ؛ والمجوس من العجم {والذين أشركوا} من العرب، وقال آخرون: قد تبدأ العرب بالشيء ثم تحول الخبر إلى غيره إذا كان من سببه
كقول الشاعر:
فمن يك سائلاًعني فإني=وجروة لا ترود ولا تعار
بدأ بنفسه ثم خبر عن فرسه وقال الأعشى:
وإن إمراءً أهدى إليك ودونه= من الأرض مؤماة وبيداء سملق
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته=وأن تعلمي أن المعان موقّف
بدأ بالمهدي ثم حول الخبر إلى الناقة: " يصهر به " يذاب به،
قال الشاعر:
شّك السّفافيد الشّواء المصطهر
ومنه قولهم: صهارة الألية
وقال ابن أحمر:
تروي لقىً ألقى في صفصفٍ=نصهره الشمس فما ينصهر
تروى: تصير له روايةٌ لفراخها كما يروى رواية القوم عليهم وهو البعير والحمار). [مجاز القرآن: 2/48-47]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن
وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
تزوّد منَّا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:
أيَّ قلوصِ راكبِ تراها = طارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها
على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ (المقيمون الصلاة)،
وقرأ {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رسومُ الدّار قفراً كأنّها = كتابٌ مَحَاهُ البَاهليُّ بنُ أَصْمَعَا
وقرأ بعضهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إنّ اللّه على كلّ شيء شهيد}
يفصل اللّه بين هذه الفرق الخمس وبين المؤمنين). [معاني القرآن: 3/417]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّموات ومن في الأرض} [الحج: 18] يعني أنّ جميع أهل السّماء يسبّحون له وبعض أهل الأرض، يعني الّذين يسجدون له.
وكان الحسن لا يعدّ السّجود إلا من المسلمين، ولا يعدّ ذلك من المشركين.
وقال مجاهدٌ: يسجد المؤمن طايعًا، ويسجد الكافر كارهًا.
قال: {والشّمس والقمر والنّجوم} [الحج: 18] كلّها.
{والجبال والشّجر} [الحج: 18] كلّها.
{والدّوابّ} [الحج: 18] ثمّ رجع إلى صفة الإنسان فاستثنى فيه فقال: {وكثيرٌ من النّاس} [الحج: 18] يعني المؤمنين.
[تفسير القرآن العظيم: 1/358]
{وكثيرٌ حقّ عليه العذاب} [الحج: 18] يعني من لم يؤمن.
وقال {ومن يهن اللّه} [الحج: 18] فيدخله النّار.
{فما له من مكرمٍ} [الحج: 18] يدخله الجنّة.
{إنّ اللّه يفعل ما يشاء} [الحج: 18] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/359]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات...}

يريد: أهل السموات {ومن في الأرض} يعني كلّ خلقٍ من الجبال ومن الجنّ وأشباه ذلك {والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثيرٌ مّن النّاس} من أهل الطاعة
{وكثيرٌ حقّ عليه العذاب} يدلّ على أنه: وكثير أبى السّجود، لأنه لا يحقّ عليه العذاب إلاّ بترك السجود والطاعة. فترفعه بما عاد من ذكره في قوله: {حقّ عليه} فتكون {حقّ عليه} بمنزلة أبى. ولو نصبت: وكثيرا حقّ العذاب كان وجهاً بمنزلة قوله: {فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهم الضلالة} ينصب إذا كان في الحرف واو وعاد ذكره بفعل قد وقع عليه.
ويكون فيه الرفع لعودة ذكره كما قال الله {والشّعراء يتّبعهم الغاوون} وكما قال {وأمّا ثمود فهديناهم}.
وقوله: {ومن يهن اللّه فما له من مّكرمٍ} يقول: ومن يشقه الله فما له من مسعدٍ. وقد تقرأ {فما له من مكرم} يريد: من إكرام). [معاني القرآن: 2/219]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات ومن في الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب ومن يهن اللّه فما له من مكرم إنّ اللّه يفعل ما يشاء }
والسجود ههنا الخضوع للّه عزّ وجلّ، وهى طاعة ممن خلق الله من الحيوان والموات.
والدليل على أنه سجود طاعة قوله: {وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب}.
هذا أجود الوجوه أن يكون تسجد مطيعة، للّه عزّ وجلّ.
كما قال اللّه تعالى: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}، وكما قال: {وإنّ منها} يعني الحجارة {لما هبط من خشية اللّه}، فالخشية لا تكون إلّا لما أعطاه اللّه مما يختبر به خشيته.
وقال قوم: السجود من هذه الأشياء التي هي موات ومن الحيوان الذي لا يعقل إنما هو أثر الصنعة فيها والخضوع الذي يدل على أنها مخلوقة، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر:
بجيش يضل البلق في حجراته=ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر
أي قد خشعت من وطء الحوافر عليها، وذلك القول الذي قالوه لأن السجود الذي هو طاعة عندهم إنما يكون ممن يعقل، والذي يكسر هذا ما وصف اللّه عزّ وجلّ من أن من الحجارة لما يهبط من خشية اللّه، والخشية والخوف ما عقلناه إلا للآدميين، وقد أعلمنا اللّه - عزّ وجلّ - أن من الحجارة ما يخشاه، وأعلمنا أنه سخر مع داود الجبال والطير تسبح معه، فلو كان تسبيح الجبال والطير أثر الصنعة: ما قيل سخرنا ولا قيل مع داود الجبال لأن أثر الصنعة يتبين مع داود وغيره، فهو سجود طاعة لا محالة، وكذلك التسبيح في الجبال والطير، ولكنا لا نعلم تسبيحها إلا أن يجيئنا في الحديث كيف تسبيح ذلك.
وقال اللّه عزّ وجلّ - {وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} ). [معاني القرآن: 3/419-418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض}
قيل السجود ههنا الطاعة والانقياد
ومعنى قوله تعالى: {وكثير حق عليه العذاب} وكثير أبى). [معاني القرآن: 4/389]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ومن يهن الله فما له من مكرم }
قال الفراء وقد يقرأ فما له من مكرم أي إكرام). [معاني القرآن: 4/390-389]

تفسير قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم} [الحج: 19] سعيدٌ عن قتادة قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيّكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن خيرٌ منكم.
وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلّها ونبيّنا خاتم النّبيّين، ونحن أولى باللّه منكم.
فأفلج اللّه أهل الإسلام فقال: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثيابٌ من نارٍ} [الحج: 19] إلى آخر الآية.
وقال: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ} [الحج: 23] إلى آخر الآية.
قال يحيى: وكذلك حدّثني أبو حفصٍ، عن عمرٍو، عن الحسن.
وقوله: {خصمان اختصموا} [الحج: 19] أهل الكتاب خصمٌ والمؤمنون خصمٌ، اختصموا يعني جماعتهم.
وقال بعضهم: كلّ مؤمنٍ وكافرٍ إلى يوم القيامة قد اختصموا في اللّه وإن لم يلتقوا في الدّنيا قطّ لاختلاف الملّتين.
أمّا المؤمن فوحّد اللّه، فأخبره اللّه بثوابه وأمّا الكافر فألحد في اللّه، فعبد غيره، فأخبره اللّه بثوابه.
وقال بعضهم: نزلت في ثلاثةٍ من المؤمنين وثلاثةٍ من المشركين الّذين تبارزوا يوم بدرٍ.
فأمّا الثّلاثة من المؤمنين: فعبيدة بن الحارث، وحمزة، وعليٌّ.
وأمّا الثّلاثة من المشركين: فعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة.
قوله: {فالّذين كفروا قطّعت لهم ثيابٌ من نارٍ} [الحج: 19] وقال في آيةٍ أخرى: {سرابيلهم} [إبراهيم: 50] أي: قمصهم {من قطرانٍ} [إبراهيم: 50].
قال الحسن: القطران الّذي يطلى به الإبل.
وقال مجاهدٌ: من صفرٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/359]
قال الحسن: وهي من نارٍ.
وقوله: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم} [الحج: 19] وهو الحارّ الشّديد الحرّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم...}

فريقين أهل دينين. فأحد الخصمين المسلمون، والآخر اليهود النصارى.
وقوله: {اختصموا في ربّهم} في دين ربّهم. فقال اليهود والنصارى للمسلمين: ديننا خير من دينكم؛ لأنّا سبقناكم. فقال المسلمون: بل ديننا خير من دينكم. لأنّا آمنّا بنبيّنا والقرآن، وآمنّا بأنبيائكم وكتبكم، وكفرتم بنبّينا وكتابنا. فعلاهم المسلمون بالحجّة وأنزل الله هذه الآية.
وقوله: {اختصموا} ولم يقل: اختصما لأنهما جمعان ليسا برجلين، ولو قيل: اختصما كان صواباً. ومثله {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} يذهب إلى الجمع. ولو قيل اقتتلتا لجاز، يذهب إلى الطائفتين). [معاني القرآن: 2/220-219]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثيابٌ مّن نّار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم}
وقال: {هذان خصمان اختصموا} لأنهما كانا حيين. و"الخصم" يكون واحدا وجماعة). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يصبّ من فوق رؤسهم الحميم} أي الماء الحار). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم}
{فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار}.
والمؤمنون يدخلون الجنة وهو
قوله: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار}.
وخبر (إنّ) الأولى جملة الكلام مع إنّ الثانية. وقد زعم قوم أن قولك: إنّ زيدا إنه قائم رديء وأنّ هذه الآية إنما صلحت في الذي.
ولا فرق بين الذي وغيره في باب (إنّ).
إن قلت إن زيدا إنه قائم كان جيدا
ومثله قول الشاعر:
إن الخليفة إنّ اللّه سربله
وليس بين البصريين خلاف في أن " (إنّ) تدخل على كل ابتداء وخبر.
تقول إنّ زيدا هو قائم وإنّ زيدا إنّه قائم). [معاني القرآن: 3/418-417]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم}
الخصمان المؤمنون والكافرون - جاء في التفسير أن اليهود قالوا للمسلمين ديننا أقدم من دينكم وكتابنا أقدم من كتابكم، فأجابهم المسلمون بأنّا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وآمنا باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وأنتم كفرتم ببعض الرسل فظهرت حجة المسلمين على الكافرين.
وقيل اختصموا وقد قال خصمان لأنهما جمعان.
{فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار}.
وجاء في التفسير أن الثياب التي من نار هي نحاس قد أذيب). [معاني القرآن: 3/419]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ.: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود}
يغلى به ما في بطونهم حتى يخرج من أدبارهم، فهذا لأحد الخصمين.
وقال في الخصم الذين هم مؤمنون:
{إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} ). [معاني القرآن: 3/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {هذان خصمان اختصموا في ربهم }
قد ذكرنا فيمن نزلت هذه القصة في أول هذه السورة
ثم قال جل وعز: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار }
قيل هذا لأحد الخصمين وهي الفرقة الكافرة). [معاني القرآن: 4/390]

تفسير قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {يصهر به} [الحج: 20] يحرق به.
وقال الحسن: يقطع به.
وقال مجاهدٌ: يذاب به.
وقال الكلبيّ: ينضح به.
{ما في بطونهم والجلود} [الحج: 20] يعني وتحرق به الجلود.
وهو الّذي قال الحسن: تقطع به). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يصهر به ما في بطونهم...}

يذاب به. تقول: صهرت الشحم بالنار). [معاني القرآن: 2/220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يصهر به ما في بطونهم}: يذاب. الصهر: الإحراق. صهرته بالنار أي أنضجته). [غريب القرآن وتفسيره: 260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يصهر به ما في بطونهم} أي يذاب. يقال: صهرت النار الشّحمة. والصّهارة: ما أذيب من الألية). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ.: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود }
يغلى به ما في بطونهم حتى يخرج من أدبارهم، فهذا لأحد الخصمين.
وقال في الخصم الذين هم مؤمنون:
{إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير}). [معاني القرآن: 3/419] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يصهر به ما في بطونهم }
قال مجاهد أي يذاب
قال أبو جعفر وحكى أهل اللغة صهرت الشحم أي أذبته والصهارة ما أذيب من الألية). [معاني القرآن: 4/390]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُصْهَرُ بِهِ ما في بطونهم}: أي يذاب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُصْهَـرُ}: يـذاب). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولهم مقامع من حديدٍ} [الحج: 21] يعني من نارٍ، يقمع رأسه بالمقمعة، فيحترق رأسه، فيصبّ في الحميم حتّى يبلغ جوفه.
حمّاد بن سلمة، عن الأزرق بن قيسٍ أنا أبا العوّام سادن بيت المقدس قرأ هذه الآية: {عليها تسعة عشر} [المدثر: 30] فقال للقوم: ما تقولون تسعة عشر ملكًا أو تسعة عشر ألف ملكٍ؟ فقالوا: اللّه أعلم، فقال: هم تسعة عشر ملكًا، بيد كلّ ملكٍ مرزبّةٌ من حديدٍ لها شعبتان، فيضرب بها الضّربة فتهوي بها سبعون ألفًا، أي من أهل النّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولهم مّقامع من حديدٍ...}

ذكر أنهم يطمعون (في الخروج) من النار حتى إذا همّوا بذلك ضربت الخزنة رءوسهم بالمقامع فتخسف رءوسهم فيصبّ في أدمغتهم الحميم فيصهر شحوم بطونهم، فذلك قوله في إبراهيم {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} ممّا يذوب من بطونهم وجلودهم.
وقوله: {يتجرعه ولا يكاد يسيغه} يكره عليه). [معاني القرآن: 2/220]

تفسير قوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها} [الحج: 22] قال: الحسن: ترفعهم بلهبها، فإذا كانوا في أعلاها قمعتهم الملائكة بمقامع من حديدٍ من نارٍ، فيهوون فيها سبعين خريفًا.
قال: {وذوقوا عذاب الحريق} [الحج: 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [الحج: 23] يحيى، عن صاحبٍ له، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: ليس من أهل الجنّة أحدٌ إلا وفي يده ثلاثة أسورةٍ: سوارٌ من ذهبٍ، وسوارٌ من فضّةٍ، وسوارٌ من لؤلؤٍ.
وهو قوله: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [الحج: 23] أم
[تفسير القرآن العظيم: 1/360]
{وحلّوا أساور من فضّةٍ} [الإنسان: 21] قال: وحدّثني ابن لهيعة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو أنّ رجلا من أهل الجنّة بدا إسواره لغلب على ضوء الشّمس».
قوله: {ولباسهم فيها حريرٌ} [الحج: 23] وقال في آيةٍ أخرى: {ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندسٍ وإستبرقٍ} [الكهف: 31] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/361]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولؤلؤاً...}

قرأ أهل المدينة هذه والتي في الملائكة {ولؤلؤاً} بالألف وقرأ الأعمش كلتيهما بالخفض. ورأيتها في مصاحف عبد الله والتي في الحج خاصّة (ولؤلأ) {ولا تهجّأه} وذلك أن مصاحفه
قد أجرى الهمز فيها بالألف في كل حال إن كان ما قبلها مكسوراً أو مفتوحاً أو غير ذلك. والتى في الملائكة كتبت في مصاحفنا (ولؤلؤ) بغير ألفٍ والتي في الحج (ولؤلؤا) بالألف فخفضهما ونصبهما جائز. ونصب التي في الحج أمكن - لمكان الألف - من التي في الملائكة). [معاني القرآن: 2/220]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولباسهم فيها حريرٌ} مجازه لبوسهم،
قال أبو كبير الهدلي:
ومعى لبوسٌ للبئيس كأنه=روقٌ بجبهة ذي نعاج مجفل
أي مسرع، ذو نعاج يعني الثور.
{سواء العاكف فيه} أي المقيم فيه " والباد ": الذي لا يقيم فيه. {ومن يرد فيه بإلحادٍ} مجازه ومن يرد فيه إلحاداً والباء من حروف الزوائد وهو الزيغ والجور والعدل عن الحق ،
وفي آية أخرى {من طور سيناء تنبت بالدّهن} مجازه تنبت الدهن والعرب قد تفعل ذلك قال الشاعر
بوادٍ يمانٍ ينبت الشّتّ صدره=وأسفله بالمرخ والشّهبان
المعنى: وأسفله نبت المرخ قال:
حوءبةٌ تنقض بالضّلوع
أي تنقض الضلوع والحوءبة الدلو العظيم، يقال إنه لحوب البطن أي عظيمة قال الأعشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا= ملء المراجل والصريح الأجردا
أي ضمنت رزق عيالنا أرماحنا والباء من حروف الزوائد.
{وإذ بوّأنا لإبراهيم} مجازه من قوله:
ليتني كنت قبله قد بوّأت مضجعا
ويقال للرجل: هل تبوّأت بعدنا أي هل تزوجت). [مجاز القرآن: 2/49-48]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):({إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيهاحرير}
و(لولؤ) يقرأان جميعا، فمن قرأ (ولؤلؤا) فعلى معنى يحلون فيها أساور من ذهب ويحلون لؤلؤا، ومن قرأ ولؤلؤ أراد ومن لؤلؤ.
وجائز أن يكون أساور من ذهب ولؤلؤ، فيكون ذلك فيها خلطا من الصنفين ويقرأ (يحلون فيها) على معنى قولك حلي يحلى إذا صار ذا حلي). [معاني القرآن: 3/419]

تفسير قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهدوا إلى الطّيّب من القول} [الحج: 24] وهو: لا إله إلا اللّه في تفسير الكلبيّ.
وتفسير الحسن: الإيمان في الدّنيا باللّه.
وهو واحدٌ.
قوله: {وهدوا} [الحج: 24] يعني في الدّنيا.
{إلى صراط الحميد} [الحج: 24] وهو اللّه، وهو كقوله: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الشورى: 52] أي إلى الجنّة: {صراط اللّه} [الشورى: 53] طريق اللّه الّذي هدى له عباده المؤمنين إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/361]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 25 إلى 33]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين كفروا} [الحج: 25] تفسير السّدّيّ.
{ويصدّون عن سبيل اللّه} [الحج: 25] يعني الهدى، يعني المشركين.
{والمسجد الحرام} [الحج: 25] أي: ويصدّون عن المسجد الحرام.
وقال السّدّيّ: {ويصدّون عن سبيل اللّه} [الحج: 25] يعني: ويمنعون النّاس عن دين اللّه الإسلام.
قال: {والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس} [الحج: 25] قبلةً ونسكًا.
قوله: {سواءً العاكف فيه} [الحج: 25] السّاكن فيه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/361]
{والباد} [الحج: 25] يعني أهل مكّة، هم في بيوتها شرّعٌ سواءٌ.
تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: أمّا العاكف فيه فأهل مكّة، وأمّا الباد فمن ينتابه من سائر النّاس.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {العاكف فيه} [الحج: 25] السّاكن فيه {والباد} [الحج: 25] الجانب يعني من يعتقبه، أي الّذي ينتابه من النّاس للحجّ والعمرة، سواءٌ في حرمه ومناسكه وحقوقه.
قوله: {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ} [الحج: 25] أي بشركٍ.
{نذقه من عذابٍ أليمٍ} [الحج: 25] حدّثنا سعيدٌ عن قتادة قال: من لجأ إلى حرم اللّه ليعبد فيه غير اللّه عذّبه اللّه.
وفي تفسير الكلبيّ: الإلحاد، الميل عن عبادة اللّه إلى الشّرك.
نا المعلّى بن هلالٍ، عن ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، قال: {ومن يرد فيه بإلحادٍ} [الحج: 25] يعبد غير اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/362]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه...}

ردّ يفعلون على فعلوا لأن معناهما كالواحد الذي وغير الذي. ولو قيل: إن الذين كفروا وصدّوا لم يكن فيها ما يسأل عنه. وردّك يفعلون على فعلوا لأنك أردت إن الذين كفروا يصّدون بكفرهم. وإدخالك الواو كقول {وليرضوه وليقترفوا} أضمرت فعلاً في الواو مع الصدّ كما أضمرته ها هنا. وإن شئت قلت: الصدّ منهم كالدائم فاختير لهم يفعلون كأنك قلت: إن الذين كفروا ومن شأنهم الصد. ومثله {إنّ الّذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيّين} وفي قراءة عبد الله {وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط} وقال {الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم}
مثل ذلك.
ومثله في الأحزاب في قراءة عبد الله (الذين بلّغوا رسالات الله ويخشونه) فلا بأس أن تردّ فعل على يفعل كما قال {وقاتلوا الذين يأمرون}، وأن تردّ يفعل على فعل،
كما قال {إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله}.
وقوله: {سواء العاكف فيه والباد} فالعاكف من كان من أهل مكّة. والباد من نزع إليه بحجّ أو عمرة. وقد اجتمع القراء على رفع (سواء) ها هنا. وأما قوله في الشريعة:
{سواء محياهم ومماتهم} فقد نصبها الأعمش وحده، ورفعها سائر القراء. فمن نصب أوقع عليه {جعلناه} ومن رفع جعل الفعل واقعاً على الهاء واللام التي في الناس،
ثم استأنف فقال: {سواءٌ العاكف فيه والباد} ومن شأن العرب أن يستأنفوا بسواء إذا جاءت بعد حرف قد تمّ به الكلام فيقولون: مررت برجل سواءٌ عنده الخير والشرّ.
والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفع لأن (سواء) في مذهب واحد، كأنك قلت: مررت على رجل واحدٌ عنده الخير والشرّ. ومن خفض أراد: معتدلٍ عنده الخير والشرّ .
ولا يقولون: مررت على رجل معتدلٌ عنده الخير والشر لأن (معتدل) فعل مصرّح، وسواء في مذهب مصدر. فإخراجهم إيّاه إلى الفعل كإخراجهم مررت برجل حسبك من رجل إلى الفعل.
وقوله: {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ} دخلت الباء في (إلحاد) لأن تأويله: ومن يرد بأن يلحد فيه بظلم. ودخول الباء في (أن) أسهل منه في الإلحاد وما أشبهه؛ لأن (أن) تضمر الخوافض معها كثيراً، وتكون كالشرط فاحتملت دخول الخافض وخروجه؛ لأن الإعراب لا يتبيّن فيها، وقلّ في المصادر؛ لتبيّن الرفع والخفض فيها. أنشدني أبو الجرّاح:

فلمّا رجت بالشّرب هزّ لها العصا=شحيح له عند الإزاء نهيم
(... نهيم من الصّوت).
وقال امرؤ القيس:
ألا هل أتاها والحوادث جمّة=بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
فأدخل الباء على (أنّ) وهي في موضع رفع؛ كما أدخلها على (إلحاد بظلم) وهو في موضع نصب. وقد أدخلوها على (ما) إذا أرادوا بها المصدر، يعني الباء. وقال قيس بن زهيرٍ:
ألم يأتيك والأنباء تنمي=بما لاقت لبون بني زياد
وهو في (ما) أقل منه في (أن) لأنّ (أن) أقل شبهاً بالأسماء من (ما). وسمعت أعرابيّاً من ربيعة وسألته عن شيء فقال: أرجو بذاك. يريد: أرجو ذاك. وقد قرأ بعض القراء (ومن ترد فيه بإلحادٍ) من الورود، كأنه أراد: من ورده أو تورّده. ولست أشتهيها، لأنّ (وردت) يطلب الاسم، ألاّ ترى أنك تقول: وردنا مكّة ولا تقول: وردنا في مكّة. وهو جائز تريد النزول.
وقد تجوز في لغة الطائيّين لأنهم يقولون: رغبت فيك، يريدون: رغبت بك. وأنشدني بعضهم في بنت له:
وأرغب فيها عن لقيطٍ ورهطه=ولكنني عن سنبسٍ لست أرغب
(يعني بنته) ). [معاني القرآن: 2/223-220]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نّذقه من عذابٍ أليمٍ}
وقال: {ومن يرد فيه بإلحادٍ} معناه: ومن يرد إلحاداً. وزاد الباء كما تزاد في قوله: {تنبت بالدّهن}
وقال الشاعر:
أليس أميري في الأمور بأنتما = بما لستما أهل الخيانة والغدر).
[معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( و{العاكف}: المقيم.
و(البادي): الذي لا يقيم.
(الإلحاد): الزيغ والعدول عن الحق). [غريب القرآن وتفسيره: 260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سواءً العاكف فيه والباد} المقيم فيه والبادي، وهو الطارئ من البدو، سواء فيه: ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه.
{ومن يرد فيه بإلحادٍ} أي من يرد فيه إلحادا. وهو الظلم والميل عن الحق. فزيدت الباء، كما قال: {تنبت بالدّهن}، وكما قال الآخر:
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
أي لا يقرأن السّور.
وقال الآخر:
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج). [تفسير غريب القرآن: 292-291]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والباء تزاد في الكلام، والمعنى إلقاؤها.
كقوله سبحانه: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}.
وقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي اسم ربك.
و{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي يشربها.
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} أي هزّي جذع.
وقال: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} أي أيكم المفتون.

وقال الأعشى:
ضَمِنَتْ برزق عيالنا أرماحُنا
وقال الآخر:
نضربُ بالسَّيفِ ونرجو بالفرج
وقال امرؤ القيس:
هصرتُ بغُصْن ذِي شماريخَ ميَّال
أي: غصنا.
وقال أمية بن أبي الصّلت:
إذ يَسُفُّون بالدقيق وكانوا = قبلُ لا يأكلون شيئاً فَطِيرا
وقال: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}.
وقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 250-248] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
لفظ (يصدّون) لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي، لأن معنى الذين كفروا الذين هم كافرون، فكأنّه قال إنّ الكافرين والصّادّين.
وخبر (إنّ) فيه قولان أحدهما أن يكون محذوفا فيكون المعنى إنّ الذين هذه صفتهم هلكوا وجائز أن يكون - وهو الوجه - الخبر {نذقه من عذاب أليم}.
فيكون المعنى إنّ الكافرين والملحدين في المسجد الحرام نذقهم من عذاب أليم.
وقوله تعالى،: {سواء العاكف فيه والباد}.
القراءة الرفع في (سواء)، ورفعه من جهتين:
إحداهما أن يكون وقف التمام هو (الذي جعلناه للناس)، كما قال: {إن أول بيت وضع للنّاس}.
ويكون سواء العاكف فيه والباد - على الابتداء والخبر، ويجوز أن يكون على جعلناه سواء العاكف فيه، فيرتفع (سواء) على الابتداء، ويكون الخبر ههنا (العاكف فيه)، أعني خبر
{سواء العاكف} ويكون خبر {جعلناه} الجملة.
وتفسير قوله: {سواء العاكف فيه والباد} أنه يستوي في سكنى مكة المقيم بها والنارح إليها من أي بلد كان، وقيل سواء في تفضيله وإقامة المناسك العاكف. المقيم بالحرم والنارح إليه.
وقوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}.
قيل الإلحاد فيه الشرك باللّه، وقيل كل ظالم فيه ملحد.
وجاء عن عمر أن احتكار الطعام بمكة إلحاد.
وقال أهل اللغة إن معنى الباء الطرح.
المعنى ومن يرد فيه إلحادا بظلم.
وأنشدوا قول الشاعر:
هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة=سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
المعنى عندهم لا يقرأن السّور، وأنشدوا:
بواد يمان ينبت الشّثّ فرعه=وأسفله بالمرخ والشّبهان
أي وينبت أسفله المرخ والشبهان.
والذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة، المعنى عندهم ومن إرادته فيه بأن يلحد بظلم وهو مثل قوله:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما=تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
المعنى أريد، وإرادتي لهذا.
ومعنى الإلحاد في اللغة العدول عن القصد). [معاني القرآن: 3/421-420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله }
خبر إن محذوف، والمعنى إن الذين كفروا هلكوا كما قال إن محلا وإن مرتحلا
ثم قال جل وعز: {والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد }
وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ سواء بالنصب العاكف فيه والبادي بالخفض
والمعنى الذي جعلناه للناس العاكف والبادي
قال مجاهد العاكف النازل والبادي الجائي
وقال الحسن وعطاء العاكف من كان من أهل مكة والبادي من كان من غير أهلها
قال مجاهد أي هما في تعظمهما وحرمتهما سواء
وقال عطاء أي ليس أحد أحق به من أحد
وتأول عمر بن عبد العزيز الآية على أنه لا يكرى بيوت مكة
وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان ينهي أن تغلق دور مكة في زمن الحج وأن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوه فارغا وظاهر القرآن يدل على أن المراد المسجد،
كما قال جل وعز: {وهم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام} لأنهم كانوا يمنعون منه ويدعون أنهم أربابه إنما ذكر المسجد ولم يذكر دور الناس ومنازلهم،
وقيل هما في إقامة المناسك سواء
وقيل ليس لأحدهما فضل على صاحبه
ثم قال جل وعز: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }
روى مرة عن عبد الله بن مسعود قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ولو هم بقتل رجل بمكة وهو ب عدن أبين لعذبه الله جل وعز،
ثم قرأ: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
وروى هشيم عن الحجاج عن عطاء {ومن يرد فيه بإلحاد} قال من عبد غير الله جل وعز
وقال مجاهد من عمل بسيئة
وقال حبيب بن أبي ثابت هم المحتكرو الطعام بمكة
وأبين ما قيل فيه أن معنى بإلحاد بظلم لكل معصية لأن الآية عامة
قال أبو جعفر أصل الإلحاد في اللغة الميل عن القصد ومنه سمي اللحد ولو كان مستويا لقيل ضريح ومنه قوله سبحانه: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} يقال لحد وألحد بمعنى واحد هذا قول أهل اللغة إلا الأحمر فإنه حكى أنه يقال ألحد إذا جادل ولحد إذا عدل ومال
قال سعيد بن مسعدة الباء زائدة والمعنى ومن يرد فيه إلحاد بظلم
وهذا عند أبي العباس خطأ لأنه لا يزاد شيء لغير معنى
والقول عنده أن يريد ما يدل على الإرادة فالمعنى ومن إرادته بأن يلحد بظلم كما قال الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما = تمثل لي ليلى بكل سبيل
وحكى الفراء عن بعض القراء ومن يرد فيه بإلحاد من الورود
وهذا بعيد لأنه إنما يقال وردته ولا يكاد يقال وردت فيه). [معاني القرآن: 4/395-391]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الإِلْحـَادُ}: الزيـغ.
{العَاكِفُ}: المقيـم.
{البَـادي}: الذي لا يقيم). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحج: 26]
- قال: وحدّثنا يحيى بن سلامٍ قال: حدّثني أشعث، عن عبد اللّه بن مسلمٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عبّاسٍ قال: كان موضع البيت ربوةً بيضاء حولها
[تفسير القرآن العظيم: 1/362]
حجارةٌ مرسومةٌ حولها حرجةٌ من سمرٍ نابتٍ، وهو قوله عزّ وجلّ: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحج: 26]، يقول: أعلمناه.
قوله: {أن لا تشرك بي شيئًا وطهّر بيتي} [الحج: 26] من الأوثان، يعني لا تذر حوله وثنًا يعبد من دون اللّه.
تفسير السّدّيّ.
نا سعيدٌ عن قتادة قال: أي من عبادة الأوثان، والشّرك، وقول الزّور والمعاصي.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن علقمة بن أمّ علقمة مولاة عائشة، عن أمّه، عن عائشة قالت: كسوة البيت على الأمراء ولكن طيّبوا البيت فإنّ ذلك من تطهيره.
قوله: {للطّائفين} [الحج: 26]
نا المعلّى بن هلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ قال: الطّائفون الّذين يطوفون بالبيت، والرّكّع السّجود الّذين يصلّون إليه.
سعيدٌ عن قتادة قال: يعني أهل الطّواف.
قوله: {والقائمين} [الحج: 26] نا سعيدٌ عن قتادة قال: القائمون أهل مكّة.
{والرّكّع السّجود} [الحج: 26] أهل الصّلاة يصلّون إليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/363]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإذ بوّأنا لإبراهيم...}

ولم يقل: بوّأنا إبراهيم. ولو كان بمنزلة قوله: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} فإن شئت أنزلت {بوّأنا} بمنزلة جعلنا. وكذلك سمعت في التفسير. وإن شئت كان بمنزلة قوله: {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض} معناه: ردفكم. وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 2/223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} أي جعلنا له بيتا). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود}
جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم، والمبوأ المنزل، فالمعنى أن اللّه أعلم إبراهيم مكان البيت فبنى البيت على أسه القديم، وكان البيت في أيام الطوفان رفع إلى السماء حين غرّق اللّه الأرض وما عليها فشرّف بيته بأن أخرجه عن جملة ما غرق.
ويروى أن البيت كان من ياقوتة حمراء.
وقوله: {وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين}
قيل: المعنى طهره من الشرك.
والقائمون ههنا المصلّون). [معاني القرآن: 3/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت }
يقال لم جيء ههنا باللام وقد قال في موضع آخر ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق
فالفرق بينهما أن أهل التفسير قالوا المعنى جعلنا لإبراهيم مكان البيت مبوأ أي منزلا
قال أبو جعفر ويبين لك معناه حديث حدثناه أبو عبيد القاضي عن الزعفراني قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب،
قال سمعت كعب الأحبار يقول كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين سنة ومنه دحيت الأرض
قال سعيد حدثنا علي بن أبي طالب أن إبراهيم نبي الله صلى الله عليه وسلم أقبل من أرمينية ومعه السكينة تدله على البيت حتى تبوأ البيت تبوأ كما تتبوأ العنكبوت بيتا فكان يحمل الحجر من الحجارة الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا قال فقلت لسعيد يا أبا محمد إن الله جل وعز يقول: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}
قال إنما كان هذا بعد ذلك ثم قال جل وعز: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين }
روى هشيم عن عبد الملك قال القائمون المصلون قال قتادة والركع السجود أهل الصلاة). [معاني القرآن: 4/397-395]

تفسير قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأذّن في النّاس بالحجّ} [الحج: 27]
نا سعيدٌ عن قتادة قال: نبّئونا عن عكرمة بن خالدٍ
[تفسير القرآن العظيم: 1/363]
المخزوميّ أنّ إبراهيم نادى: يا أيّها النّاس، إنّ للّه بيتًا فحجّوه، فأسمع ما بين الخافقين أو المشرقين، وأقبل النّاس: لبّيك اللّهمّ لبّيك.
قال يحيى: بلغني أنّه أجابه يومئذٍ من كان حاجًّا إلى يوم القيامة.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوأمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قام إبراهيم النّبيّ عند البيت فأذّن في النّاس بالحجّ، فسمعه أهل المشرق وأهل المغرب.
- نا حمّادٌ، عن حمّاد بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّ إبراهيم وإسماعيل بنيا البيت، فلمّا أقبل أذّن في النّاس بالحجّ، فجعل لا يمرّ بأحدٍ إلا قال: يا أيّها النّاس قد بني لكم بيتٌ فحجّوه.
فجعل لا يسمعه حجرٌ ولا شجرٌ إلا أجابه: لبّيك اللّهمّ لبّيك لبّيك.
- نا حمّادٌ، عن أبي عاصمٍ الغنويّ، عن أبي الطّفيل قال: قال لي ابن عبّاسٍ: هل تدري كيف كانت التّلبية؟ قلت: وكيف كانت؟ قال: إنّ إبراهيم لمّا أمر أن يؤذّن في النّاس بالحجّ خفضت الجبال رءوسها ورفعت له القرى، فأذّن في النّاس بالحجّ.
قوله: {يأتوك رجالا} [الحج: 27] نا سعيدٌ عن قتادة قال: مشاةً.
ابن لهيعة، عن موسى بن حبيبٍ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ قال: حجّ إبراهيم وإسماعيل ماشيين.
قوله: {وعلى كلّ ضامرٍ} [الحج: 27] نا سعيدٌ عن قتادة قال: أي لا تبلغه المطيّ حتّى تضمر.
[تفسير القرآن العظيم: 1/364]
قوله: {يأتين من كلّ فجٍّ عميقٍ} [الحج: 27] يعني بعيدٍ.
نا سعيدٌ عن قتادة قال: عمق ما بين تهامة والعراق ويؤتى من أبعد من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/365]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ يأتين...}

{يأتين} فعل النوق وقد قرئت (يأتون) يذهب إلى الركبان. ولو قال: وعلى كل ضامرٍ تأتي تجعله فعلاً موحّداً لأن (كلّ) أضيفت إلى واحدة، وقليل في كلام العرب أن يقولوا:
مررت على كل رجل قائمين وهو صواب. وأشدّ منه في الجواز قوله: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} وإنما جاز الجمع في أحد، وفي كلّ رجل لأن تأويلهما قد يكون في النية موحّداً وجمعاً. فإذا كان (أحداً) وكل متفرقة من اثنين لم يجز إلاّ توحيد فعلهما من ذلك أن تقول: كلّ رجل منكما قائم. وخطأ أن تقول قائمون أو قائمان لأن المعنى قد ردّه إلى الواحد. وكذلك ما منكما أحد قائمون أو قائمان، خطأ لتلك العلة). [معاني القرآن: 2/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ} قوم يفتحون أول الحج وقوم يكسرونه وواحد الرجال راجل بمنزلة صاحب والجميع صحاب وتاجر والجميع تجار والقائم والجميع قيام، يأتوك مشاةً وعلى كل ضامر أي ركباناً {يأتين من كلّ فجٍّ عميقٍ} أي بعيد قال:يقطعن بعد النازح العميق
" فجّ " أي مسلك وناحية). [مجاز القرآن: 2/49]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {رجالا}: مشاة، واحدهم راجل مقل قائم وقيام. ويقال للراجل أيضا رجل. يقولون: علي المشي إلى البيت حافيا رجلا.
{عميق}: بعيد). [غريب القرآن وتفسيره: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يأتوك رجالًا} أي رجّالة، جمع راجل، مثل له صاحب وصحاب.
{وعلى كلّ ضامرٍ} أي ركبانا على ضمر من طول السفر.
{من كلّ فجٍّ عميقٍ} أي بعيد غامض). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق}
روي أن أذان إبراهيم بالحج أن وقف في المقام فقال: أيها الناس أجيبوا يا عباد اللّه أطيعوا الله يا عباد الله اتقوا اللّه، فوقرت في قلب كل مؤمن ومؤمنة وأسمع ما بين السماء والأرض وأجابه من في الأصلاب ممن كتب له الحج، فكل من حج فهو ممن أجاب إبراهيم، ويروى أنّ أذانه بالحج كان يا أيها الناس كتب عليكم الحج.
وقوله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر}.
(رجالا) جمع راجل مثل صاحب وصحاب، وقائم وقيام.
{وعلى كل ضامر يأتين}، أي يأتوك رجالا وركبانا.
وقال يأتين على معنى الإبل
المعنى وعلى كل بعيد ضامر يأتي من كل فج عميق.
وعميق بعيد.
قال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
الأعماق الأقعار، ومن هذا قيل: هذه بئر " عميقة "، أي بعيدة القرار). [معاني القرآن: 3/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال عز وجل: {وأذن في الناس بالحج }
وقرأ الحسن وآذن في الناس بالحج مخففة ممدودة
يقال آذنته بالصلاة وبكذا أي أعلمته وأذنت على التكثير
وقرأ ابن أبي إسحاق بالحج بكسر الحاء في جميع القرآن
قال مجاهد فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم يا رب كيف أقول قال قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم فوقرت في قلب كل مؤمن فأجابوا بـ لبيك اللهم لبيك أي فأجاب من يحج
ثم قال جل وعز: {يأتوك رجالا}
قال ابن عباس أي رجالة
وقرأ مجاهد يأتوك رجالا
وروى عن عكرمة يأتوك رجالا
قال أبو جعفر يقال في جمع راجل خمسة أوجه راجل ورجال مثل راكب وركاب وهذا الذي روي عن عكرمة وراجل ورجال مثل قائم وقيام
ويقال راجل ورجله ورجل ورجاله فهذه خمسة والذي روي عن مجاهد غير معروف والأشبه به أن يكون غير منون مثل كسالى وسكارى ولو نون لكان على فعال وفعال في الجميع قليل). [معاني القرآن: 4/398-397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}
وقرأ أصحاب عبد الله (يأتون من كل فج عميق)
قال عطاء ومجاهد والضحاك من كل طريق بعيد
قال أبو جعفر العمق في اللغة البعد ومنه بئر عميقة أي بعيدة القعر ومنه وقاتم الأعماق خاوي المخترق). [معاني القرآن: 4/399]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يأتوك رجالا} أي: رجالة، يقال: راجل ورجال، مثل: صائم وصيام، وقائم وقيام). [ياقوتة الصراط: 369]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رِجَالاً}: مشـاة.
{عَميقٍ}: بعيد). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 28] أخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: الأجر في الآخرة والتّجارة في الدّنيا.
قال يحيى: وذلك أنّهم كانوا يتبايعون في الموسم، وكانت لهم في ذلك منفعةٌ.
قال يحيى: وقد قال قتادة في آيةٍ أخرى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} [البقرة: 198] يعني في مواسم الحجّ.
قوله: {ويذكروا اسم اللّه في أيّامٍ معلوماتٍ} [الحج: 28] نا أشعث، عن حفص بن أبي وحشيّة عن....
عن ابن عبّاسٍ قال: وهي عشر ذي الحجّة آخرها يوم النّحر.
قوله: {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 28] يسمّي إذا نحر أو ذبح.
والأضحى ثلاثة أيّامٍ: يوم النّحر ويومان بعده.
ويوم النّحر أفضلها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/365]
قوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} [الحج: 28] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: الضّعيف الفقير.
وقال قتادة: الفقير الّذي به زمانةٌ.
إبراهيم بن محمّدٍ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه قال: أطعم البائس الفقير ثلثًا، وأطعم القانع والمعترّ ثلثًا، وأطعم أهلي ثلثًا.
- نا حمّادٌ، عن الحجّاج بن أرطاة أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ بعث بهديٍ مع علقمة وأمره أن يأكل هو وأصحابه ثلثًا، وأن يبعث إلى أهل عتبة بن مسعودٍ ثلثًا وأن يطعم المساكين ثلثًا.
نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب قال: ليس لصاحب البدنة منها إلا ربعها.
يحيى قال: وبلغني عن الحسن قال: لا يطعم من الأضحية أقلّ من الرّبع.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان يطعم من بدنه....
يأكل لا يرى بذلك بأسًا.
يقول: {فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 28] وأطعموا منها وكلوا منها، هما سواءٌ لا يرى بأسًا أن يطعم منها قبل أن يأكل.
- ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ناعمٍ مولى أمّ سلمة أنّه حضر عليًّا بالكوفة يوم أضحى، فخطب ثمّ نزل، فاتّبعته، فدعا بتيسٍ فذبحه، فذكر اسم اللّه ثمّ قال: عن عليٍّ وعن آل عليٍّ، ثمّ لم يبرح حتّى قسّم لحمه ففضل منه شيءٌ فبعثه إلى أهله.
[تفسير القرآن العظيم: 1/366]
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: هي مقدّمةٌ مؤخّرةٌ {فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 28] وأطعموا منها وكلوا، لا بأس أن يطعم منها قبل أن يأكل وإن شاء لم يأكل منها.
- قال: ونا عثمان، عن عائشة ابنة سعد بن مالكٍ أنّ أباها كان يأكل من بدنته قبل أن يطعم.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر من كلّ بدنةٍ ببضعةٍ فجعلت في قدرٍ فطبخت فأكل هو وعليٌّ من لحمها، وحسوا من مرقتها). [تفسير القرآن العظيم: 1/367]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {من بهيمة الأنعام} خرجت مخرج " يخرجكم طفلاً " والبهائم: الأنعام والدواب).
[مجاز القرآن: 2/50]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ليشهدوا منافع لهم} يقال: التجارة.
{ويذكروا اسم اللّه في أيّامٍ معلوماتٍ} يوم التّروية، ويوم عرفة، ويوم النحر. ويقال: أيام العشر كلها). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقالوا في نصب (المقيمين) بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين.
وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين، وكان الكسائي يرده إلى قوله:{يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أي: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله في موضع آخر: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي بالمؤمنين.
وقال بعضهم: هو نصب على المدح. قال أبو عبيدة: هو نصب على تطاول الكلام بالنّسق، وأنشد للخرنق بنت هفّان:

لا يبعدن قومي الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معترك = والطيّبون معاقد الأزر
ومما يشبه هذه الحروف- ولم يذكروه- قوله في سورة البقرة: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}. والقرّاء جميعا على نصب الصابرين إلا عاصماً الجحدريَّ فإنه كان يرفع الحرفَ إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه، للعلّة التي تقدم ذكرها.
واعتل أصحاب النحو للحرف، فقال بعضهم: هو نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدّد غير متبع لأوّل الكلام، كذلك قال الفرّاء.
وقال بعضهم: أراد: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضّرّاء.
وهذا وجه حسن، لأنّ البأساء: الفقر، ومنه قول الله عز وجل: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.
والضّرّاء: البلاء في البدن، من الزَّمانة والعلَّة. فكأنه قال: وآتى المال على حبّه السائلين الطّوَّافين، والصابرين على الفقر والضرّ الذين لا يسألون ولا يَشْكُون، وجعل الموفين وسَطا بين المعطِين نسقًا على من آمن بالله). [تأويل مشكل القرآن: 53-54] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله تعالى:{ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}أي ليشهدوا ما ندبهم اللّه إليه مما فيه النفع لهم في آخرتهم.
{ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
يعنى به يوم النحر والأيّام التي بعده ينحر فيها لأن الذكر ههنا يدل – على التسمية على ما ينحر لقوله {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
وقوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}.
(البائس: الذي قد ناله بؤس، والبؤس شدة الفقر، يقال: قد بؤس، وبأس إذا صار ذا بؤس.
وقوله (فكلوا منها) ليس بأمر لازم، من شاء أكل من أضحيته ومن شاء لم يأكل، وإنما هو إباحة كما قال: {وإذا حللتم فاصطادوا}.
فإنما قال فاصطادوا، لأنه كان قد حظر عليهم الصيد وهم محرمون.
فأباحهم الصيد.
وكذلك هذا الأمر ههنا إباحة بعد حظرهم على أنفسهم أكل الأضاحي، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا لم يستحلوا أن يأكلوا من نساكهم شيئا،
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك جائز). [معاني القرآن: 3/423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ليشهدوا منافع لهم}
روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال الأسواق
وروى سفيان عن جابر عن أبي جعفر ليشهدوا منافع لهم قال المغفرة
وقال عطاء ما يرضى الله من أمر الدنيا والآخرة
قال أبو جعفر قول جابر في هذا أحسن أي وأذن في الناس بالحج ليأتوا لعمل الحج الذي دعوا له وهو سبب للمغفرة وليس يأتون من كل فج عميق ولا وأذن فيهم ليتجروا هذا بعيد جدا). [معاني القرآن: 4/400-399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات}
في الأيام المعلومات اختلاف ولا نعلم في المعدودات اختلافا
روى ابن ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده اذبح في أيها شئت وأفضلها وأولها
وهذا المعروف من قول ابن عمر وهو قول أهل المدينة
وروى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الأيام المعلومات العشر يوم النحر منها
والأيام المعدودات أيام التشريق إلى آخر النفر
وقال بهذا القول عطاء ومجاهد وإبراهيم والضحاك وهو قول أهل الكوفة). [معاني القرآن: 4/401-400]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}
قال عطاء ومجاهد إن شئت فكل وإن شئت فلا تأكل
قال أبو جعفر وهذا عند أهل اللغة على الإباحة كما قال سبحانه: {وإذا حللتم فاصطادوا}
فإن قيل الإباحة لا تكون إلا بعد حظر فكيف يكون ههنا إباحة ولبس في الكلام حظر
فالجواب أنهم كانوا في الجاهلية يحظرون أكل لحوم الضحايا فأعلمهم الله جل وعز أن ذلك مباح لهم
قال مجاهد البائس الذي إذا سألك مد يده
قال أبو جعفر البائس في اللغة الذي به البؤس وهو شدة الفقر). [معاني القرآن: 4/402-401]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] نا سعيدٌ عن قتادة قال: حلق الرّءوس.
قال: وحدّثنا حمّادٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن عطاءٍ قال: التّفث: حلق الشّعر وقطع الأظفار.
حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ قال: التّفث: حلق الرّءوس ورمي الجمار، وقصّ الشّارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظفار.
نا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: التّفث ذا الشّعث وذا التّقشّف.
[تفسير القرآن العظيم: 1/367]
وفي تفسير عمرٍو عن الحسن {تفثهم} [الحج: 29] تقشّف الإحرام برميهم الجمار يوم النّحر.
فقد حلّ لهم كلّ شيءٍ غير النّساء.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول: من رمى الجمار يوم النّحر فقد حلّ له كلّ شيءٍ إلا النّساء والطّيب.
قوله: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] نا سعيدٌ عن قتادة قال: أيّامٌ عظّمها اللّه تحلق فيها الأشعار، ويوفّى فيها بالنّذر وتذبح فيها الذّبائح.
قال: وأخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: نذر الحجّ والهدي، وما نذر الإنسان على نفسه من شيءٍ يكون في الحجّ.
قوله: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]
نا سعيدٌ عن قتادة قال: أعتقه اللّه من الجبابرة.
كم من جبّارٍ مترفٍ قد صار إليه يريد أن يهدمه فحال اللّه بينه وبينه.
نا حمّادٌ، عن حميدٍ، عن الحسن بن مسلمٍ قال: قلت لمجاهدٍ لم سمّي البيت العتيق؟ قال: لم يرد البيت أحدٌ بسوءٍ إلا هلك.
ونا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن قال: البيت العتيق أوّل بيتٍ وضع للنّاس.
نا سعيدٌ عن قتادة في قوله في هذه الآية: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] قال: هو الطّواف الواجب.
قال: حدّثني شريكٌ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ قال: لا بأس أن يطوف
[تفسير القرآن العظيم: 1/368]
الطّواف الواجب باللّيل.
وحدّثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبيرٍ قال: هو طواف يوم النّحر.
قال سفيان: وهو قول مجاهدٍ.
- وحدّثني مندل بن عليٍّ وغيره، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر أصحابه فأفاضوا نهارًا يوم النّحر وأفاض هو ليلًا مكان نساءٍ كنّ معه.
قال: وحدّثني أفلح بن حميدٍ عن أبيه قال: كنّا مع أبي أيّوب الأنصاريّ في ركبٍ من الأنصار في الحجّ فما أفاض منّا أحدٌ حتّى كان النّفر الآخر.
- نا حمّادٌ عن أبي جمرة قال: قال لي ابن عبّاسٍ: أتقرأ سورة الحجّ؟ قلت: نعم.
قال فإنّ آخر المناسك الطّواف بالبيت.
ثمّ قرأ: {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]
- نا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال اللّه: {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] فآخر المناسك الطّواف). [تفسير القرآن العظيم: 1/369]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثمّ ليقضوا تفثهم...}

(اللام ساكنة) {وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا} اللامات سواكن. سكّنهن أهل المدينة وعاصم والأعمش، وكسرهن أبو عبد الرحمن السلمي والحسن في الواو وغير الواو.
وتسكينهم إيّاها تخفيف كما تقول: وهو قال ذلك، وهي قالت ذاك، تسكّن الهاء إذا وصلت بالواو. وكذلك ما كان من لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها. وقد كسر بعضهم {ثمّ ليقضوا} وذلك لأنّ الوقوف على (ثمّ) يحسن ولا يحسن في الفاء ولا الواو: وهو وجه، إلاّ أن أكثر القراءة على تسكين اللام في ثمّ:
وأمّا التّفث فنحر البدن وغيرها من البقر والغنم وحلق الرأس، وتقليم الأظافر وأشباهه). [معاني القرآن: 2/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ ليقضوا تفثهم} وهو الأخذ من الشارب وقص الأظفار ونتف الأبط والاستحداد وحلق العانة). [مجاز القرآن: 2/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تفثهم}: قالوا التفث الأخذ من الشارب والأظفار والاستحداد، وقال بعضهم المناسك). [غريب القرآن وتفسيره: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ ليقضوا تفثهم} والتّفث: الأخذ من الشارب والأظفار، ونتف الإبطين، وحلق العانة.
{بالبيت العتيق} سمي بذلك لأنه عتيق من التّجبّر، فلا يتكبر عنده جبار). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق}
قرئت (ثمّ ليقضوا) بكسر اللام، وكذلك قرأ أبو عمرو، والقراءة بالتسكين مع - ثم كثيرة..
والتفث في التفسير جاء، وأهل اللغة لا يعرفون إلا من التفسير، قالوا التفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر،
كأنّه الخروج من الإحرام إلى الإحلال.
قوله: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق}.
قيل في العتيق أقوال، قال الحسن هو البيت القديم، ودليل الحسن على ذلك قوله: {إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا}.
وقيل إن البيت العتيق الذي عتق من الغرق أيام الطوفان، ودليل هذا القول: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت}، فهذا دليل أن البيت رفع وبقي مكانه.
وأكثر ما جاء في التفسير أنه اعتق من الجبابرة، فلم يغلب عليه جبار.
وقيل إنه سمّي العتيق لأنه لم يدعه أحد من الناس.
وقيل إنما سمي العتيق لأنه لم يقصده جبار إلا أهلكه اللّه، يقال أعتقت المملوك فهو معتق وعتيق.
وكل ما مرّ في تفسير العتيق فجائز حسن - واللّه أعلم بحقيقة ذلك - وهذه الآية تدل على أن الطواف يوم النحر فرض). [معاني القرآن: 3/424-423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم ليقضوا تفثهم}
حدثنا أحمد بن محمد بن منصور الحاسب قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار
وكذلك هو عند جميع أهل التفسير أي الخروج من الإحرام إلى الحل لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير). [معاني القرآن: 4/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وليوفوا نذورهم}
قال مجاهد الحج والهدي وكل ما يلزم الإنسان من أمر الحج
قال أبو جعفر الذي قاله مجاهد معروف يقال لكل ما وجب على الإنسان نذر
فالمعنى وليوفوا ما وجب عليهم من أمر الحج). [معاني القرآن: 4/403-402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال سبحانه: {وليطوفوا بالبيت العتيق}
قال مجاهد والضحاك هو الطواف الواجب يوم النحر
وروى روح بن عبادة عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما سمي البيت العتيق لأن الله جل وعز أعتقه من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار قط
ورواه أبو داود الطيالسي عن صالح عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة غير مرفوع
وقال الحسن سمي العتيق لقدمه وحجته قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} ). [معاني القرآن: 4/404-403]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تفثهم}: قضاء حوائجهم من الحلق، والتنظيف، وأخذ الشعر، ورفع الوسخ). [ياقوتة الصراط: 369]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثم لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}: الأخذ من الشارب والأظفار، ونتف الإبط وحلق العانة وقيل: رمي الجمار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَفَثَهم}: المنـاسك). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه} [الحج: 30] تفسير مجاهدٍ الحرمات: مكّة، والحجّ، والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/369]
قوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} [الحج: 30] في سورة المائدة من: {الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب} [المائدة: 3].
وقد فسّرنا ذلك كلّه في سورة المائدة.
قال: {غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ} [المائدة: 1] وقد فسّرت ذلك في المائدة.
قوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} [الحج: 30] اجتنبوا الأوثان فإنّها رجسٌ.
قوله: {واجتنبوا قول الزّور} [الحج: 30] يعني اجتنبوا الأوثان فإنّها رجسٌ، وقول الزّور: الكذب على اللّه يعني الشّرك.
حدّثني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: الكذب). [تفسير القرآن العظيم: 1/370]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم...}

في سورة المائدة. من المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 2/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الزّور} الكذب). [مجاز القرآن: 2/50]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ لّه عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وقال: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} وكلها رجسٌ، والمعنى: فاجتنبوا الرجس الذي يكون منها أي: عبادتها). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يعظّم حرمات اللّه} يعني رمي الجمار، والوقوف بجمع وأشباه ذلك. وهي شعائر اللّه.
{وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم} يعني في سورة المائدة من الميتة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خير له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وحرمات اللّه الحجّ والعمرة وسائر المناسك، وكل ما فرض الله فهو من حرمات اللّه، والحرمة ما وجب القيام به وحرم تركه والتفريط فيه.
وموضع (ذلك) رفع، المعنى الأمر ذلك.
وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم}.
" ما " في موضع نصب أي إلا ما يتلى عليكم من الميتة والدم والمنخنقة والموقوذة وسائر ما تلي تحريمه.
وقوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}. " من " ههنا لتخليص جنس من أجناس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
وقوله: {واجتنبوا قول الزّور}.
الزور الكذب، وقيل إنه ههنا الشرك باللّه، وقيل أيضا شهادة الزور.
وهذا كله جائز.
والآية تدل - واللّه أعلم - على أنهم نهوا أن يحرموا ما حرم أصحاب الأوثان نحو قولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا}، ونحو نحرهم البحيرة والسائبة، فأعلمهم اللّه أنّ الأنعام محللة إلّا ما حرّم اللّه منها، ونهاهم الله عن قول الزور أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ليفتروا على اللّه كذبا). [معاني القرآن: 3/425-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}
قال مجاهد الحج والعمرة
وقال عطاء المعاصي
قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شيء واحد إلا أن حرمات الله جل وعز ما فرضه وأمر به ونهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنه الذي يحرم تركه). [معاني القرآن: 4/404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم}
قيل الصيد للمحرم
وروى معمر عن قتادة قال الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه
وقال غيره هو ما يتلى في سورة المائدة من قوله جل وعز: {حرمت عليكم الميتة الدم ولحم الخنزير} إلى قوله: {وما أكل السبع إلا ما ذكيتم}
قال أبو جعفر وقول قتادة جامع لهذا لأن هذه المحرمات أصناف الميتة). [معاني القرآن: 4/405-404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}
الرجس النتن ومن ههنا لبيان الجنس أي الذي هو وثن). [معاني القرآن: 4/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {واجتنبوا قول الزور}
قال عبد الله بن مسعود عدل الله عز وجل شهادة الزور بالشرك ثم تلا هذه الآية
وقال مجاهد الزور الكذب
وقيل الشرك، والمعاني متقاربة وكل كذب زور وأعظم ذلك الشرك
والذي يوجب حقيقة المعنى لا تحرموا ما كان أهل الأوثان يحرمونه من قولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} ومن تحريم السائبة وما أشبه ذلك من الزور كما قال تعالى: {افتراء على الله} ). [معاني القرآن: 4/406-405]

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {حنفاء للّه} [الحج: 31] مخلصين للّه.
وقال بعضهم: حجّاجًا، أي: للّه مخلصين.
{غير مشركين به} [الحج: 31] قوله: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} [الحج: 31] في البعد من اللّه.
{فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح} [الحج: 31] يعني تذهب به الرّيح.
{في مكانٍ} [الحج: 31] يعني تذهب به الرّيح.
تفسير السّدّيّ.
{سحيقٍ} [الحج: 31] قال مجاهدٌ: بعيدٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/370]
وقال الحسن: شبّه اللّه أعمال المشركين بالشّيء يخرّ من السّماء فتخطفه الطّير، فلا يصل إلى الأرض.
أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ، يعني بعيدٍ فيذهب فلا يوجد له أصلٌ، ولا يرى له أثرٌ.
يعني أنّه ليس لأعمال المشركين عند اللّه قرارٌ لهم به عنده خيرٌ في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/371]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فتخطفه الطّير...}

ممّا ردّ من يفعل على فعل. ولو نصبتها فقلت: فتخطفه الطير كان وجهاً. والعرب قد تجيب بكأنّما. وذلك أنها في مذهب يخيّل إليّ وأظنّ فكأنها مردودة على تأويل (أنّ) ألا ترى أنك تقول: يخيّل إليّ أن تذهب فأذهب معك. وإن شئت جعلت في (كأنّما) تأويل جحد؛ كأنك قلت: كأنك عربيّ فتكرم، والتأويل: لست بعربيّ فتكرم). [معاني القرآن: 2/225]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سحيقٍ} والسحيق البعيد وهو من قولهم أبعده الله وأسحقه وسحقته الريح، ومنه نخلة سحوقٌ أي طويلة ويقال: بعد وسحقٌ وقال ابن قيس الرقيات:
كانت لنا جارةً فأزعجها=قاذورةٌ يسحق النّوى قدما
وقالوا: يسحق، والقاذورة: المتقذر الذي لا يخالط الناس لا تراه إلا معتزلاً من الناس، والنوى: من السفر). [مجاز القرآن: 2/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (السحيق): البعيد). [غريب القرآن وتفسيره: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} هذا مثل ضربه اللّه لمن أشرك به، في هلاكه وبعده من الهدى.
(السحيق) البعيد. ومنه يقال: بعدا وسحقا، وأسحقه اللّه). [تفسير غريب القرآن: 293]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق}
{حنفاء للّه} منصوب على الحال، وتأويله مسلمين لا يميلون إلى دين غير الإسلام.
وقوله: {غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير}.
ويقرأ فتخطفه الطير وفتخطّفه. وقرأ الحسن فتخطّفه بكسر التاء والخاء والطاء.
فمن قرأ فتخطفه بالتخفيف فهو من خطف يخطف، والخطف الأخذ بسرعة، ومن قرأ فتخطّفه - بكسر الطاء والتشديد - فالأصل فتختطفه فأدغم التاء في الطاء وألقى حركة التاء على الخاء ففتحها، ومن قال بكسر الخاء والطاء، كسر الخاء لسكونها وسكون الطاء، ومن كسر التاء والخاء والطاء - وهي قراءة الحسن - فهو على أن الأصل تختطفه.
وهذا مثل ضربه الله للكافر في بعده عن الحق - فأعلم اللّه أن بعد من أشرك به من الحق كبعد من خرّ من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح في مكان سحيق -
أي: بعيد ). [معاني القرآن: 3/425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {حنفاء لله غير مشركين به} قال مجاهد أي متبعين ثم قال جل وعز: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير} أي: هو في البعد من الحق كذي
يقال خطفه يخطفه واختطفه يختطفه إذا أخذه بسرعة). [معاني القرآن: 4/407-406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال مجاهد أي بعيد). [معاني القرآن: 4/407]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والسحيق): البعيد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّحِيقُ}: البعـيد). [العمدة في غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} [الحج: 32] يعني من إخلاص القلوب.
تفسير السّدّيّ.
وتفسير مجاهدٍ: استعظام البدن واستحسانها واستسمانها.
- قال: وحدّثني الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزريّ، عن طارق بن أحمد قال: كنت عند ابن عمر إذ جاءه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرّحمن أيّ الشّعائر أعظم؟ قال: أو في شكٍّ أنت منه؟ هذا أعظم الشّعائر، يعني البيت.
وتفسير الحسن: شعائر اللّه، دين اللّه كلّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/371]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإنّها من تقوى القلوب...}

يريد: فإن الفعلة؛ كما قال {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} ومن بعده جائز. ولو قيل: فإنه من تقوى القلوب كان جائزاً). [معاني القرآن: 2/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب}
شعائر اللّه المعالم التي ندب إليها وأمر بالقيام بها، واحدتها شعيرة.
فالصفا والمروة من شعائر اللّه، " الذي يعنى به هنا البدن). [معاني القرآن: 3/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك ومن يعظم شعائر الله}
قال مجاهد عن ابن عباس هو تسمين البدن وتعظيمها وتحسينها
وقال غيره شعائر الله رمي الجمار وما أشبه ذلك من مناسك الحج
قال أبو جعفر وهذا لا يمتنع وهو مذهب مالك بن أنس أن المنفعة بعرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر وفي المشعر الحرام إلى أن تطلع الشمس وفي رمي الجمار إلى انقضاء أيام منى وهذه كلها شعائر والمنفعة فيها إلى وقت معلوم ثم محلها كلها إلى البيت العتيق فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر بالبيت العتيق فقد حل، وواحد الشعائر شعيرة لأنها أشعرت أي جعلت فيها علامة تدل على أنها هدي
ثم قال تعالى: {فإنها من تقوى القلوب} أي فإن الفعلة). [معاني القرآن: 4/408-407]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} [الحج: 33]
- حدّثني يحيى، قال: حدّثني المعلّى، عن محمّد بن عبيد اللّه، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الأجل المسمّى إلى أن تقلّد وتشعر.
هي البدن ينتفع بظهورها ويستعان بها.
{ثمّ محلّها} [الحج: 33] إذا قلّدت وأشعرت.
{إلى البيت العتيق} [الحج: 33] وقال السّدّيّ: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} [الحج: 33] يقول: إلى أن تقلّد فإذا قلّدت لم تركب لها ظهورٌ، ولم يشرب لها لبنٌ.
نا حمّادٌ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: هي البدن ينتفع بها حتّى تقلّد.
[تفسير القرآن العظيم: 1/371]
- نا هشامٌ وهمّامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً فقال: " اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها ويلك أو ويحك ".
- نا خداشٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أنس بن مالكٍ: " أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً قد جهده المشي....
اركبها.
قال: إنّها بدنةٌ.
قال: اركبها وإن كانت ".
نا المعلّى، عن حميدٍ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
- نا نصر بن طريفٍ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل على بدنه الرّجل العقب.
- نا ابن لهيعة، عن أبي الزّبير قال: سئل جابر بن عبد اللّه عن ركوب البدنة فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «اركبها بالمعروف حتّى تجد ظهرًا».
حدّثني حمّادٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: البدنة، إن احتاج سائقها فإنّه يركبها غير فادحٍ، ويشرب من فضل ريّ فصيلها.
- حدّثنا هشامٌ وهمّامٌ، عن قتادة، عن أبي حسّانٍ الأعرج، عن ابن عبّاسٍ قال: دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببدنةٍ عند صلاة الظّهر، ثمّ دعا بنعلٍ فقلّدها، ثمّ أشعرها في جانب سنامها الأيمن، ثمّ سلت عنها الدّم، ثمّ صلّى صلاة الظّهر، ثمّ ركب راحلته حتّى إذا استوت به البيداء أهلّ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/372]
- وحدّثنا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان إذا أشعر بدنته أشعرها من جانب السّنام الأيسر إلا القلوصين الصّعبين فإنّه كان يطعنهما بالحربة هذا من الأيمن وهذا من الأيسر يقرنهما، فيطعن بالحربة هذا هكذا وهذا هكذا ويستقبل بهما القبلة ويقول: بسم اللّه واللّه أكبر إذا أشعرهما.
- نا عثمان، عن عائشة ابنة سعد بن مالكٍ أنّ أباها كان يقلّد نعلًا.
- نا حمّادٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر قال: كلّ هديٍ لا يوقف به بعرفة فهو أضحيةٌ.
- نا حمّادٌ، عن الحجّاج بن أرطأة، عن عطاءٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقف بالبدن بعرفة.
قوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33]
نا حمّادٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن عطاءٍ قال: كلّ هديٍ دخل الحرم ثمّ عطف فقد بلغ محلّه إلا هدي المتعة فإنّه لا بدّ له من أن يهريق دمًا يوم النّحر.
نا الرّبيع بن صبيحٍ، عن عطاءٍ قال: كلّ هديٍ قدم مكّة فإنّه ينحره حيث شاء من مكّة إلا هدي المتعة فإن نحره كان عليه الهدي يوم النّحر، وإن قدم في عشر ذي الحجّة فليس له أن ينحره دون يوم النّحر إلا أن يخاف أن يعطب فينحره وقد أجزأ عنه، إلا هدي المتعة وهدي المحصر بالحجّ.
- نا عبد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: إذا أعطبت البدنة فإن شاء أبدلها وإن شاء لم يبدلها إلا نذرًا أو جزاء صيدٍ.
وعطبت بدنةٌ لابن عمر فأكل منها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/373]
- نا حمّادٌ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت: إذا عطب الهدي فكلوه ولا تدعوه للكلاب والسّباع.
فإن كان واجبًا فاهدوا مكانه هديًا آخر، وإن كان تطوّعًا فإن شئتم فاهدوا، وإن شئتم فلا تهدوا.
- نا حمّادٌ، عن أبي التّيّاح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث بالبدن مع رجلٍ وأمره فيها بأمرٍ.
فلمّا قفّى رجع فقال: يا رسول اللّه ما أصنع بما أزحف عليّ منها؟ قال: انحرها واصبغ نعالها في دمائها ثمّ اضرب به صفحتها اليمنى، ربّما قال حمّادٌ: اليمنى وربّما لم يقل، ولا تأكل منها أنت ولا أهل رفقتك وحل بينها وبين النّاس يأكلونها.
قال يحيى: وهذا في التّطوّع.
- وكذلك حدّثني ابن أبي ذئبٍ، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: في البدنة التّطوّع إذا أصيبت ينحرها، ويجعل أخفافها في دمها، ولا يأكل منها.
- حدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ أنّ عمر بن الخطّاب قال: إذا أكلت من التّطوّع فأبدل). [تفسير القرآن العظيم: 1/374]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مّسمًّى...}

يعني البدن. يقول: لكم أن تنتفعوا بألبانها وركوبها إلى أن تسمّى أو تشعر فذلك الأجل المسمّي.
وقوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} ما كان من هدىٍ للعمرة أو للنذر فإذا بلغ البيت نحر. وما كان للحجّ نحر بمنى. جعل ذلك بمنى لتطهر مكّة.
وقوله: {العتيق} أٌعتق من الجبابرة. ... حدثني حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: العتيق: أعتق من الجبابرة. ويقال: من الغرق زمن نوح). [معاني القرآن: 2/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق }
يعنى أن لكم في البدن - قبل أن تعلموها، وتسموها هديا إلى بيتي - منافع.
فإذا أشعرتموها - والإشعار أن يشق في السنام حتى يدمى ويعلق عليها نعلا ليعلم أنها بدنة، فأكثر النّاس لا يرى الانتفاع بها إذا جعلت بدنة، لا بلبنها ولا بوبرها ولا بظهرها، يقول لا يعطى لبنها ووبرها وظهرها أحدا لأنها بدنة فلا ينتفع بها غير أهل اللّه إلاّ عند الضرورة المخوف معها الموت.
وبعضهم يقول: إنّ له أن ينتفع بها فيركبها المعيي وينتفع بمنافعها إلى وقت محلها - مكان نحرها -.
والحجة في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجل يسوق بدنة فأمره - صلى الله عليه وسلم - بركوبها، فقال: إنها بدنة فأمره الثانية وأمره الثالثة، وقال له في الثالثة: اركبها ويحك، فهذا - يجوز أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه مضطرا في ركوبها من شدة الإعياء، وجائز على ظاهر الحديث أن يكون ركوبها جائزا.
ومن أجاز ركوبها والانتفاع بها يقول: ليس له أن يهزلها وينضيها لأنها بدنة). [معاني القرآن: 3/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى}
قال أبو جعفر في هذا قولان غير قول مالك
أحدهما أن عروة قال في البدن المقلدة يركبها ويشرب من ألبانها
والثاني قال مجاهد هي البدن من قبل أن تقلد ينتفع بركوبها وأوبارها وألبانها وإذا صارت هديا لم يكن له أن يركبها إلا من ضرورة
قال أبو جعفر وقول مجاهد عند قوم أولى لأن الأجل المسمى عنده أن تجعل هديا وتقلد والأجل المسمى ليس موجودا في قول عروة
وقد احتج من قال بقول عروة بقول النبي صلى الله عليه وسلم اركبها ويلك
واحتج عليه بأنه لم يقل له وهل يحرم ركوب البدن
ولعل ذلك من ضرورة ويبين هذا حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا). [معاني القرآن: 4/409-408]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 34 إلى 48]

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولكلّ أمّةٍ} [الحج: 34] يعني: ولكلّ قومٍ.
تفسير السّدّيّ.
{جعلنا منسكًا} [الحج: 34] نا سعيدٌ عن قتادة قال: أي حجًّا وذبحًا.
قوله: {ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 34] وقد فسّرناه في الآية الأولى.
[تفسير القرآن العظيم: 1/374]
قوله: {فإلهكم إلهٌ واحدٌ فله أسلموا} [الحج: 34] يقوله للمشركين.
قوله: {وبشّر المخبتين} [الحج: 34] يعني بالجنّة.
تفسير الحسن: أنّ المخبتين الخاشعين الخائفين.
والخشوع المخافة الثّابتة في القلب.
وبعضكم يقول: {وبشّر المخبتين} [الحج: 34] يعني المطمئنّين بالإيمان.
قال: {فتخبت له قلوبهم} [الحج: 54] فتطمئنّ إليه قلوبهم.
وقال: {الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه} [الرعد: 28] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/375]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ:{ولكلّ أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشّر المخبتين}

وتقرأ منسكا، والمنسك في هذا الموضع يدل على معنى النحر فكأنه قال جعلنا لكل أمّة أن تتقرب بأن تذبح الذبائح للّه، ويدل على ذلك قوله تعالى {ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} المعنى ليذكروا اسم الله على نحر ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
وقال بعضهم: المنسك الموضع الذي يجب تعهده، وذلك جائز.
ومن قال منسك فمعناه مكان نسك مثل مخلس مكان خلوس.
ومن قال منسك فهو بمعنى المصدر نحو النّسك والنّسوك.
وقوله: {فإلهكم إله واحد} أي لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم إلا اللّه وحده.
وقوله: {وبشّر المخبتين}.
قيل المخبتون المتواضعون، وقيل المخبتون المطمئنون بالإيمان بالله عزّ وجلّ، وقيل المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وكل ذلك جائز.
واشتقاقه من الخبت من الأرض وهي المكان المنخفض منها، فكل مخبت متواضع). [معاني القرآن: 3/427-426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولكل أمة جعلنا منسكا}
روى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال مذبحا
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول عيدا
قال أبو إسحاق المنسك موضع الذبح والمنسك المصدر). [معاني القرآن: 4/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وبشر المخبتين}
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال المخبتون المطمئنون بأمر الله جل وعز
وقال عمرو بن أوس المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا
قال أبو جعفر وأصل هذا من الخبت وهو ما اطمأن من الأرض). [معاني القرآن: 4/410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{الْمُخْبِتِينَ}: الخاشعين وقيل: الخائفين، وقيل: المطمئنين إلى الله. وقيل: المتواضعين. وقيل: هم الذين لا يظلمون الناس، وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقد فسرهم الله عز وجل بعد الآية بقوله: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ...} إلى قوله: {يُنفِقُونَ} ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} [الحج: 35] يعني خافت قلوبهم.
{والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة} [الحج: 35] المفروضة، الصّلوات الخمس يحافظون على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها.
{وممّا رزقناهم ينفقون} [الحج: 35] يعني الزّكاة المفروضة). [تفسير القرآن العظيم: 1/375]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والمقيمي الصّلاة...}

خفضت (الصلاة) لمّا حذفت النون وهي في قراءة عبد الله (والمقيمين الصلاة) ولو نصبت (الصلاة) وقد حذفت النون كان صواباً.
أنشدني بعضهم:

أسيّد ذو خريّطةٍ نهاراً =من المتلقّطي قرد القمام

(وقرد) وإنما جاز النصب مع حذف النون لأن العرب لا تقول في الواحد إلاّ بالنصب. فيقولون: هو الآخذ حقّه فينصبون الحقّ، لا يقولون إلاّ ذلك والنون مفقودة، فبنوا الاثنين والجميع على الواحد، فنصبوا بحذف النون. والوجه في الاثنين والجمع الخفض؛ لأن نونهما قد تظهر إذا شئت، وتحذف إذا شئت، وهي في الواحد لا تظهر. فذلك نصبوا. ولو خفض في الواحد لجاز ذلك. ولم أسمعه إلا في قولهم: هو الضارب الرجل، فإنهم يخفضون الرجل وينصبونه فمن خفضه شبهّه بمذهب قولهم: مررت بالحسن الوجه فإذا أضافوه إلى مكنّى قالوا: أنت الضاربه وأنتما الضارباه، وأنتم الضاربوه. والهاء في القضاء عليها خفض في الواحد والاثنين والجمع. ولو نويت بها النصب كان وجهاً، وذلك أنّ المكنّى لا يتبيّن فيه الإعراب. فاغتنموا الإضافة لأنها تتّصل بالمخفوض أشدّ ممّا تتصل بالمنصوب، فأخذوا بأقوى الوجهين في الاتّصال.
وكان ينبغي لمن نصب أن يقول: هو الضارب إيّاه، ولم أسمع ذلك). [معاني القرآن: 2/226-225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: لّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون}
{والمقيمي الصّلاة}.
القراءة الخفض وإسقاط التنوين، والخفض على الإضافة، ويجوز: والمقيمين الصّلاة، إلا أنه بخلاف المصحف.
ويجوز أيضا على بعد والمقيمي الصّلاة، على حذف النون ونصب الصلاة لطول الاسم،
وأنشد سيبويه:
الحافظو عورة العشيرة لا= يأتيهم من ورائهم نطف
وزعم أنه شاذّ). [معاني القرآن: 3/427]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( وأصله في اللغة: المكان المطمئن المنخفض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه لكم فيها خيرٌ} [الحج: 36] يعني أجرٌ في نحرها والصّدقة منها تتقرّبون بها إلى اللّه.
تفسير السّدّيّ: {لكم فيها} [الحج: 36] يعني في البدن أجرٌ.
نا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم قال: {لكم فيها خيرٌ} [الحج: 36] قال: البدنة.
إن احتاج ركب وإن احتاج إلى اللّبن شرب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/375]
قوله: فاذكروا اسم اللّه عليها صوافٍ نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن قال: مخلصين للّه.
قال يحيى: مقرأها على هذا التّفسير غير مثقّلةٍ صوافٍ.
نا المعلّى، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ قال: معقّلةً قيامًا.
- حدّثنا أشعث، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، عن ابن عبّاسٍ قال: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ} [الحج: 36] قال: قائمةً.
حدّثنا المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: معقّلةً خالصةً للّه.
- عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان يجلّلها القباطيّ إذا راح إلى منًى فإذا أراد أن ينحرها استقبل بها القبلة قال بسم اللّه واللّه أكبر، وينزع عنها جلالها لكي لا يختضب بالدّم، ويتصدّق بجلالها، ويلي نحرها بنفسه.
هذا الحديث حديث عثمان عن نافعٍ عن ابن عمر هو بعد حديث عثمان عن عائشة ابنة سعدٍ.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان ينحرها وهي قائمةٌ يصفّ بين أيديها بالقيود.
وكان يتلو هذه الآية: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ} [الحج: 36] قال يحيى: هي على هذا التّفسير غير خفيفةٍ: {صوافّ} [الحج: 36]
[تفسير القرآن العظيم: 1/376]
نا سعيدٌ عن قتادة قال: مصفوفةٌ بالحبال، معقولةٌ يدها اليمنى وهي قائمةٌ على ثلاثٍ.
كذلك ينحرها من نحرها في دار المنحر بمنًى.
وهي في قراءة ابن مسعودٍ: صوافن.
قال يحيى: هي مثل قوله: {الصّافنات الجياد} [ص: 31] الفرس إذا صفن رفع إحدى رجليه فقام على طرف الحافر.
- نا أشعث، عن جعفر بن أبي وحشيّة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: رأيت ابن عمر ينحر بدنته وقد ثنّى يدها وهي على ثلاثٍ.
وقال سعيد بن جبيرٍ هو قول اللّه: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ} [الحج: 36]
نا أشعث عن عمرو بن دينارٍ قال: رأيت عبد اللّه بن الزّبير على برذونٍ أشعر أوجرها الحربة وهي قائمةٌ.
- نا حمّادٌ عن عمرو بن دينارٍ قال: رأيت ابن عمر ينحر البدن وهي باركةٌ ورجلٌ يعينه.
- نا عثمان، عن عائشة ابنة سعد بن مالكٍ أنّ أباها كان ينحر البدن وهي مباركةٌ.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحر من بدنه بيده ثلاثًا وستّين، ثمّ أعطى عليًّا الحربة فنحر ما بقي.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان يجلّلها القباطيّ إذا راح إلى منًى،
[تفسير القرآن العظيم: 1/377]
فإذا أراد أن ينحرها استقبل بها القبلة ويقول: بسم اللّه واللّه أكبر، وينزع عنها جلالها لكي لا تختضب بالدّم.
وكان يستحبّ أن يلي إشعارها.
وكان إذا فرغ من نحرها تصدّق بجلالها، ويلي نحرها بنفسه.
قوله: {فإذا وجبت جنوبها} [الحج: 36]
نا المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: إذا نحرت فسقطت جنوبها على الأرض من قيامٍ أو بروكٍ.
{فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 36]
حدّثني أفلح بن حميدٍ، عن القاسم بن محمّدٍ أنّه كان إذا أراد أن ينحرها يصفّ بين يديها وهي قائمةٌ، ويمسك رجلٌ بخطامها ورجلٌ بذنبها، ثمّ يطعنها بالحربة ثمّ يجبذانها حتّى يصرعاها.
وكان يكره أن تعرقب.
قوله: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ} [الحج: 36]
حدّثنا سعيدٌ عن قتادة قال: القانع الفقير المتعفّف القاعد في بيته لا يسأل، والمعترّ الّذي يعتريك يسألك في كفّه.
ولكلٍّ عليك حقٌّ.
نا حمّادٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ قال: القانع السّائل، والمعترّ الّذي يتعرّض لك ولا يسألك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/378]
نا الحسن بن دينارٍ عن الحسن قال: المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: القانع السّائل الّذي يقنع بما أعطي، والمعترّ القاعد في بيته لم يشعر به اعتراه.
وقد فسّرناه في إطعامهما في الآية الأولى في البائس الفقير.
قوله: {كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون} [الحج: 36] الأنعام.
{لعلّكم تشكرون} [الحج: 36] لكي تشكروا). [تفسير القرآن العظيم: 1/379]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {صوافّ...}:

معقولة وهي في قراءة عبد الله (صوافن) وهي القائمات. قرأ الحسن (صوافي) يقول: خوالص لله.
وقوله: {القانع والمعترّ} القانع: الذي يسألك (فما أعطيته من شيء) قبله. والمعترّ: ساكت يتعرّض لك عند الذبيحة، ولا يسألك). [معاني القرآن: 2/226]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاذكروا اسم الله عليها صوافّ} أي مصطفة وتصف بين أيديها وهو من المضاعف، وبعضهم يجعلها من باب الياء
فيقول صواف يتركون الياء من الكتاب كما يقول: هذا قاض، وواحدتها صافية لله). [مجاز القرآن: 2/50]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإذا وجبت جنوبها} أي سقطت، ومنها وجوب الشمس إذا سقطت لتغيب،
وقال أوس بن حجر:
ألم تكسف الشمس والبدر والك= واكب للجبل الواجب
أي الواقع: " وأطعموا القانع والمعترّ " مجازه السائل الذي قنع إليكم تقدير فعله: ذهب يذهب ومعناه سأل وخضع ومصدره القنوع،
قال الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني=مفاقره أعّف من القنوع
أي من الفقر والمسألة والخضوع. والمعتر الذي يعتريك يأتيك لتعطيه تقول: اعترني وعرني واعتريته واعتقيته إذا ألممت به قال حسان:
لعمرك ما المعتّر يأتي بلادنا= لنمنعه بالضايع المتهضّم
وقال لبيد في القنوع:
وإعطائي المولى على حين فقره=إذا قال أبصر خلّتي وقنوعي
وأما القانع في معنى الراضي فإنه من قنعت به قناعة وقناعا وقناعا وقنعا، تقديره علمت، يقال من القنوع: قنع يقنع قنوعاً، والقانع قنع يقنع قناعة وقنعاناً وقنعاً وهو القانع الراضي). [مجاز القرآن: 2/52-51]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والبدن جعلناها لكم مّن شعائر اللّه لكم فيها خيرٌ فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون}
وقال: {صوافّ} وواحدتها: "الصافّة"). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {صواف}: مصطفة والواحدة صافة. وقرأ بعضهم {صوافي} واحدها صافية أي خالصة لله.[غريب القرآن وتفسيره: 261]
{وجبت جنوبها}: أي سقطت. ومنه وجبت الشمس ووجب القلب.
{القانع والمعتر}: {القانع} السائل الخاضع، ويقال قنع الرجل قنوعا إذا فعل ذلك، والقانع الراضي، يقال قنعت قناعة.
{والمعتر} الذي يأتيك فتعطيه). [غريب القرآن وتفسيره: 262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {صوافّ} أي قد صفّت أيديها. وذلك إذا قرنت أيديها عند الذبح.
{فإذا وجبت جنوبها} أي سقطت. ومنه يقال: وجبت الشمس: إذا غابت.
{القانع} السائل. يقال: قنع يقنع قنوعا، ومن الرّضا قنع يقنع قناعة.
{المعترّ} الذي يعتريك: أي يلمّ بك لتعطيه ولا يسأل. يقال: اعترّني وعرّني، وعراني واعتراني). [تفسير غريب القرآن: 293]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه لكم فيها خير فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون}
النصب أحسن لأن قبله فعلا، المعنى وجعلنا البدن، فنصب بفعل مضمر الذي ظهر يفسره.
وإن شئت رفعت على الاستئناف.
والبدن بتسكين الدال وضمها. بدنة وبدن، وبدن مثل قوله ثمرة وثمر وثمر.
وإنما سميت بدنة لأنها تبدن، أي تسمن.
وقوله: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ}.
{صوافّ} منصوبة على الحال، ولكنها لا تنون لأنها لا تنصرف، أي قد صفّت قوائمها، أي فاذكروا اسم الله عليها في حال نحرها.
والبعير ينحر قائما، وهذه الآية تدل على ذلك، وتقرأ صوافن، والصافن الذي يقوم على ثلاث، فالبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فهو صافن، والجمع صوافن يا هذا، وقرئت صوافي بالياء وبالفتح بغير تنوين وتفسيره خوالص - أي خالصة لله عزّ وجلّ، لا تشركوا في التسمية على نحرها أحدا.
وقوله: {فإذا وجبت جنوبها}.
أي إذا سقطت إلى الأرض.
{فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ}.
بتشديد الراء، ويجوز والمعتري بالماء، ويقال: وجب الحائط يجب وجبة إذا سقط، ووجب القلب يجب وجبا ووجيبا إذا تحرك من فزع، ووجب البيع يجب وجوبا وجبة، والمستقبل في ذلك كله يجب.
وقيل في القانع الذي يقنع بما تعطيه، وقيل الذي يقنع باليسير.
وقيل وهو مذهب أهل اللغة السائل، يقال قنع الرجل قنوعا إذا سأل، فهو قانع،
وأنشدوا للشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني=مفاقره أعفّ من القنوع
أي أعفّ من السؤال، وقنع قناعة إذا رضي فهو قنع، والمعتر: الذي يعتريك فيطلب ما عندك، سألك إذ سئلت عن السؤال وكذلك المعتري). [معاني القرآن: 3/429-427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله}
وقرأ ابن أبي إسحاق والبدن والمعنى واحد
قال مجاهد قيل لها بدن للبدانة
قال أبو جعفر البدانة السمن يقال بدن إذا سمن وبدن إذا أسن فقيل لها بدن لأنه تسمن). [معاني القرآن: 4/411-410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لكم فيها خير}
قال إبراهيم يركب إذا احتاج ويشرب من اللبن
وقيل خير في الآخرة وذا أولى لأنه لو كان للدنيا كان ألا يجعلها بدنة خيرا له). [معاني القرآن: 4/411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاذكروا اسم الله عليها صواف}
وقرأ عبد الله بن مسعود صوافن
وقرأ الحسن وزيد بن أسلم والأعرج صوافي
روى نافع عن ابن عمر فاذكروا اسم الله عليها صواف قال قياما مصفوفة
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس فاذكروا اسم الله عليها قال بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك
قال وصوافن قائمة على ثلاث
قال قتادة معقولة اليد اليمنى
قال الحسن وزيد بن أسلم صوافي أي خالصة لله من الشرك
قال أبو جعفر صواف جمع صافة وصافة مصفوفة ومصطفة بمعنى واحد
وصوافن جمع صافنة يقال للقائم صافن ويستعمل لما قام على ثلاث
وصوافي جمع صاف وهو الخالص أي لا تذكروا عليها غير اسم الله جل وعز حتى تكون التسمية خالصة الله جل وعز). [معاني القرآن: 4/413-411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فإذا وجبت جنوبها}
قال مجاهد أي خرت إلى الأرض). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر}
قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا وهو الصحيح في اللغة أن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن
قالوا القانع الذي يسأل
والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل
وقال مالك بن أنس أحسن ما سمعت أن القانع هو الفقير وأن المعتر هو الزائر
وقال أبو جعفر يقال قنع الرجل يقنع قنوعا فهو قانع إذا سأل وأنشد أهل اللغة:
لمال المرء يصلحه فيغني = مفاقرة أعف من القنوع
وروي عن أبي رجاء أنه قرأ وأطعموا القنع
ومعنى هذا مخالف للأول يقال قنع الرجل إذا رضي فهو قنع
وروى عن الحسن أنه قرأ والمعتري معناه كمعنى المعتر يقال اعتره واعتراه وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه). [معاني القرآن: 4/414-413]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فإذا وجبت} أي: سقطت بعد النحر). [ياقوتة الصراط: 370]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {القانع} الذي يسأل: وترده اللقمة والتمرة). [ياقوتة الصراط: 370]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {والمعتر}: الذي لا يسأل، فيبدأ بالصدقة). [ياقوتة الصراط: 370]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَوَافَّ}: أي قد صفت أيديها، وذلك إذا قرنت أيديها عند النحر.
{وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}: أي سقطت، ومنه قيل: وجبت الشمس، إذا غابت.
و{الْقَانِعَ}: السائل، و{الْمُعْتَرَّ}: الذي يلم بك لتعطيه ولا يسأل
وقيل: القانع: الذي يسأل، وفيه اختلاف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَوَافَّ}: مصطـفّة.
{وَجَبَتْ}: سَقَطت.
{القَانِعَ}: الراضـي.
{المُعْتَرَّ}: الذي يأتيك فتعطيه). [العمدة في غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها} [الحج: 37] يقول: لا يصعد إلى اللّه لحومها ولا دماؤها.
وقد كان المشركون يذبحون لآلهتهم ثمّ ينضحون دماءها حول البيت.
قوله: {ولكن يناله التّقوى منكم} [الحج: 37] يصعد إليه التّقوى منكم.
يعني من آمن.
{كذلك سخّرها لكم} [الحج: 37] الأنعام.
{لتكبّروا اللّه على ما هداكم} [الحج: 37].
وقال في الآية الأولى {ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 34] إذا ذبحوا.
فالسّنّة إذا ذبح أو نحر أن يقول: بسم اللّه، واللّه أكبر.
- حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يضحّي بكبشين أملحين، أقرنين، يذبحهما بيده، ويطأ على صفحتيهما، ويسمّي ويكبّر.
سعيدٌ، عن قتادة أنّ الحسن كان إذا ذبح الأضحية قال: بسم اللّه واللّه أكبر اللّهمّ منك ولك.
- الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: أهدي للنّبيّ عليه السّلام كبشان أملحان، أقرنان فضحّى بهما، فذبحهما بيده، فوضع رجله
[تفسير القرآن العظيم: 1/379]
اليمنى على كتف الكبش اليمنى ثمّ قال: «بسم اللّه واللّه أكبر، اللّهمّ منك ولك عنّي وعن أمّتي».
قوله: {وبشّر المحسنين} [الحج: 37] بالجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لن ينال اللّه لحومها...}

اجتمعوا على الياء. ولو قيل (تنال) كان صواباً. ومعنى ذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروها نضحوا الدماء حول البيت. فلمّا حجّ المسلمون أرادوا مثل ذلك
فأنزل الله عز وجل: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم}: الإخلاص إليه). [معاني القرآن: 2/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها} كانوا في الجاهلية: إذا نحروا البدن نضحوا دماءها حول الكعبة، فأراد المسلمون أن يصنعوا ذلك، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها} ). [تفسير غريب القرآن: 293]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم كذلك سخّرها لكم لتكبّروا اللّه على ما هداكم وبشّر المحسنين}
وقرئت: {لن تنال اللّه لحومها} بالتاء، فمن قرأ بالياء فلجمع اللحوم.
ومن قرأ بالتاء فلجماعة اللحوم - وكانوا إذا ذبحوا لطخوا البيت بالدم، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ الّذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به.
{ولكن يناله التقوى منكم}.
وتناله - التقوى منكم - بالياء والتاء - فمن أنث فللفظ التقوى، ومن ذكر
فلأن معنى التقوى والتقى واحد). [معاني القرآن: 3/429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها}
يروى عن ابن عباس أنهم كانوا في الجاهلية ينضحون بدماء البدن ما حول البيت فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله جل وعز هذه الآية
قال إبراهيم في قوله: {ولكن يناله التقوى منكم} قال التقوى ما أريد به وجه الله عز وجل). [معاني القرآن: 4/414-415]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا}: كان المشركون ينضحون الدم حول الكعبة دم البدن، فنهي المسلمون عن ذلك).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا} [الحج: 38] تفسير الحسن يدافع عنهم فيعصمهم من الشّيطان في دينهم.
سعيدٌ عن قتادة قال: واللّه ما ضيّع اللّه رجلًا بشيءٍ حفظ له دينه.
قوله: {إنّ اللّه لا يحبّ كلّ خوّانٍ كفورٍ} [الحج: 38]
أبو الأشهب عن الحسن في قوله: {إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلومًا جهولا {72} ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الأحزاب: 72-73] قال: هما اللّذان ظلماها، هما اللّذان خاناها: المنافق والمشرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ اللّه يدافع...}

و(يدفع) وأكثر القراء على (يدافع) وبه أقرأ. وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمي (يدافع)، (ولولا دفاع الله) وكلّ صواب). [معاني القرآن: 2/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا إنّ اللّه لا يحبّ كلّ خوّان كفور}
ويدفع عن الذين آمنوا.
هذا يدل على النصر من عنده، أي فإذا دفعتم، أي فإذا فعلتم هذا، وخالفتم الجاهلية فيما تفعلونه في نحرهم.
وإشراكهم بالله، فإنّ اللّه يدفع عن حزبه.
وقوله: {كلّ خوّان كفور}.
(خوّان) فعّال من الخيانة، أي من ذكر اسم غير الله وتقرّب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوّان كفور.
والبدن قيل إنها الإبل خاصّة، وقيل إنها الإبل والبقر، ولا أعلم أحدا قال: إن الشاء داخلة فيها، فأمّا من قال إنها الإبل والبقر فهم أكبر فقهاء الأمصار، ولكن الاستعمال في السّياقة إلى البيت الإبل فلذلك قال من قال إنها - الإبل). [معاني القرآن: 3/429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}
وعدهم جل وعز النصر ثم أخبرهم أنه لا يحب من ذكر غير اسمه على الذبيحة فقال إن الله لا يحب كل خوان كفور
و{خوان} فعال من الخيانة). [معاني القرآن: 4/415]

تفسير قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا} [الحج: 39] وهي قراءة أبيّ بن كعبٍ: أذن للّذين يقاتلون في سبيل اللّه بأنّهم ظلموا، ظلمهم المشركون وأخرجوهم من ديارهم، يعني من مكّة في تفسير مجاهدٍ.
خرجوا من مكّة إلى المدينة مهاجرين وكانوا يمنعون من الخروج إلى المدينة، فأدركهم المشركون فأذن للمؤمنين بقتالهم فقاتلوهم.
قال يحيى: وكان من كان يومئذٍ بمكّة من المسلمين قد وضع اللّه عنهم القتال فهو قوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا} [الحج: 39].
وهذا تفسير قتادة.
قال قتادة: أذن لهم بالقتال بعد ما أخرجهم المشركون وشرّدوا حتّى لحق طوائف منهم بالحبشة). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:
{أذن للّذين يقاتلون...}

{يقاتلون} ومعناه: أذن الله للذين يقاتلون أن يقاتلوا هذا إذ أنزلت {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقرئت {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} والمعنى إذن لهم أن يقاتلوا وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 2/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقدير}
ويقرأ (أذن للّذين يقاتلون)، ويقرأ (أذن للّذين يقاتلون) ويقاتلون.
والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا.
ويروى أنّها أول آية نزلت في القتال.
{بأنّهم ظلموا} أي أذن لهم أن يقاتلوا بسبب ما ظلموا
وقوله: {وإنّ اللّه على نصرهم لقدير}.
وعدهم الله النصر، ولا يجوز أن يقرأ و " أنّ " اللّه - بفتح أنّ، ولا بين أهل اللغة خلاف في أن هذا لا يجوز لأن " أنّ " إذا كانت معها اللام لم تفتح أبدا). [معاني القرآن: 3/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}
في الكلام حذف والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا
وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه قرأ أذن بفتح الهمزة يقاتلون بكسر التاء وقال هي أول آية نزلت في القتال لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة).
[معاني القرآن: 4/416]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلا أن يقولوا ربّنا اللّه} [الحج: 40] قال قتادة: لمّا قال المسلمون: لا إله إلا اللّه، أنكرها المشركون وضاقها إبليس وجنوده.
وقال الحسن: ما سفكوا لهم من دمٍ، ولا أخذوا لهم من مالٍ، ولا قطعوا لهم من رحمٍ وإنّما أخرجوهم لأنّهم قالوا: ربّنا اللّه كقوله: {وما نقموا منهم إلا أن
[تفسير القرآن العظيم: 1/380]
يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} [البروج: 8] قوله: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} [الحج: 40] يدفع عن المؤمنين بدينهم ويدفع عن الكافرين بالمؤمنين.
وقال قتادة: يبتلى المؤمن بالكافر، ويعافى الكافر بالمؤمن.
قال: {لهدّمت صوامع} [الحج: 40] قال مجاهدٌ: صوامع للرّهبان.
وقال قتادة: الصّوامع للصّابئين.
{وبيعٌ} [الحج: 40] للنّصارى، يعني كنائس النّصارى.
{وصلواتٌ} [الحج: 40] الصّلوات لليهود يعني كنائسهم.
{ومساجد} [الحج: 40] فيها مساجد المسلمين.
قوله: {يذكر فيها اسم اللّه كثيرًا} [الحج: 40] يعني المساجد.
قوله: {ولينصرنّ اللّه من ينصره} [الحج: 40] يعني من ينصر دينه.
النّصر في الدّنيا والحجّة في الآخرة.
{إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحج: 40] في نقمته). [تفسير القرآن العظيم: 1/381]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ...}

يقول لم يخرجوا إلاّ بقولهم: لا إله إلا الله. فإن شئت جعلت قوله: {لاّ أن يقولوا ربّنا اللّه} في موضع خفضٍ تردّه على الباء في (بغير حقٍّ) وإن شئت جعلت (أن) مستثناةً؛ كما قال {إلاّ ابتغاء وجه ربّه الأعلى}.
وقوله: {لّهدّمت صوامع وبيعٌ} وهي مصلّى النصارى والصوامع للرهبان وأما الصلوات فهي كنائس اليهود والمساجد (مساجد الإسلام) ومعنى التهديم أن الله قال قبل ذلك {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} يدفع بأمره وأتباعه عن دين كل نبيّ؛ إلى أن بعث الله محمّد صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/227]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلاّ أن يقولوا ربّنا الله} مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك:
إلا أنهم يقولون الحق). [مجاز القرآن: 2/52]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ} مجازها مصليات). [مجاز القرآن: 2/52]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلاّ أن يقولوا ربّنا اللّه ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لّهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً ولينصرنّ اللّه من ينصره إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ}
وقال: {لّهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد} فالصّلوات لا تهدم ولكن حمله على فعل آخر كأنه قال "وتركت صلواتٌ" وقال بعضهم: "إنّما يعني مواضع الصلوات" وقال رجل من رواة الحسن {صلوتٌ} وقال: "هي كنائس اليهود تدعى بالعبرانية "صلوثا" فهذا معنى الصلوات فيما فسروا".
وقال: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} لأنّ {بعضهم} بدل من {الناس} ). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد}: قالوا الصلوات في هذا الموضع مصلى الراهب). [غريب القرآن وتفسيره: 262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لهدّمت صوامع} للصّابئين.
{وبيعٌ} للنّصاري.
{وصلواتٌ} يريد بيوت صلوات، يعني كنائس اليهود.
{ومساجد} للمسلمين. هذا قول قتادة وقال: الأديان ستة: خمسة للشيطان، وواحد للرحمن، فالصابئون: قوم يعبدون الملائكة، ويصلون للقبلة ويقرأون الزّبور. والمجوس: يعبدون الشمس والقمر، والذين أشركوا: يعبدون الأوثان. واليهود، والنصارى). [تفسير غريب القرآن: 294-293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} فالصلوات لا تهدّم، وإنما أراد بيوت الصلوات.
قال المفسرون: الصوامع للصّابئين، والبيع للنّصارى، والصلوات: كنائس اليهود، والمساجد للمسلمين). [تأويل مشكل القرآن: 210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلّا أن يقولوا ربّنا اللّه ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيرا ولينصرنّ اللّه من ينصره إنّ اللّه لقويّ عزيز }
(الذين) في موضع جر، المعنى " أذن للذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا اللّه "
" أن " في موضع جر، المعنى أخرجوا بلا حقّ، إلّا بقولهم ربّنا اللّه أي لم يخرجوا إلا بأن وحدوا اللّه، فأخرجتهم عبدة الأوثان لتوحيدهم.
وقوله.: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع}.
المعنى: ولولا أن دفع اللّه بعض الناس ببعض لهدّمت صوامع.
وتقرأ (لهدمت) وهي صوامع الرهبان.
{وبيع وصلوات ومساجد}.
والبيع بيع النصارى، والصّلوات كنائس اليهود، وهي بالعبرانية صلوتا،
وقرئت صلاة ومساجد، وقيل إنها موضع صلوات الصّابئين.
وتأويل هذا: لولا أن الله - عزّ وجل - دفع بعض الناس ببعض لهدّم في شريعة كلّ نبيّ المكان الّذي كان يصلّي فيه، فكان لولا الدفع لهدم في زمن موسى عليه السلام الكنائس التي كان يصلي فيها في شريعته، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد - صلى الله عليه وسلم - المساجد.
وقوله.: {ولينصرنّ اللّه من ينصره} أي من أقام شريعة من شرائعه، نصر على إقامة ذلك، إلا أنّه لا يقام في شريعة نبيّ إلّا ما أتي به ذلك النبي وينتهى عما نهى عنه).
[معاني القرآن: 3/431-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق}
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن خرج معه من مكة
ثم قال جل وعز: {إلا أن يقولوا ربنا الله}
هذا عند سيبويه استثناء ليس من الأول
وقال غيره المعنى إلا بأن يقولوا ربنا الله على البدل). [معاني القرآن: 4/417-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا}
حدثنا سعيد بن موسى بـ «قرقيسياء» قال حدثنا مخلد بن مالك عن محمد بن سلمة عن خصيف قال
أما الصوامع فصوامع الرهبان
وأما البيع فكنائس النصارى
وأما الصلوات فكنائس اليهود
وأما المساجد فمساجد المسلمين
قال أبو جعفر والمعنى على هذا لولا أن الله جل وعز يدفع بعض الناس ببعض لهدم في وقت كل نبي المصليات التي يصلي فيها
وقيل يذكر فيها اسم الله كثيرا راجع إلى المساجد خاصة هذا قول قتادة
فأما قوله: {وصلوات} والصلوات لا تهدم ففيه ثلاثة أقوال :
قال الحسن هدمها تركها
قال الأخفش هو على إضمار أي وتركت صلوات
وقال أبو حاتم هو إن شاء الله بمعنى موضع صلوات
وروي عن عاصم الجحدري أنه قرأ وصلوب بالباء المعجمة من تحت
وروي عنه أنه قرأ وصلوت بضم الصاد والتاء معجمة بنقطتين وقال هي للنصارى
وروي عن الضحاك أنه قرأ وصلوث بالثأء معجمة ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها
إلا أن الحسن قال وصلوات هم كنائس اليهود وهي بالعبرانية صلوثا). [معاني القرآن: 4/419-417]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَوَامِعُ}: للصابئين. {وبِيَعٌ}: للنصارى، {وصَلَوَاتٌ}: أي: بيوت صلوات
يعني كنائس اليهود، {ومَسَاجِدُ}: للمسلمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَلَـوَات}: مصلى الراهب). [العمدة في غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين إن مكّنّاهم في الأرض} [الحج: 41] يعني أصحاب النّبيّ.
{أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف} [الحج: 41] بعبادة اللّه.
{ونهوا عن المنكر} [الحج: 41] عن عبادة الأوثان.
{وللّه عاقبة الأمور} [الحج: 41] إليه تصير الأمور كقوله: {إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} [مريم: 40] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/381]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(وكقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: مكنّا لهم.

والعرب تقول: عددتك مائة، أي عددت لك، وأستغفر الله ذنبي.
قال الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لستُ محصيَهُ = ربَّ العبادِ إليهِ الوجهُ والعملُ
وشبعت خبزا ولحما، وشربت ورويت ماء ولبنا وتعرّضت معروفك، ونزلتك ونأيتك، وبتّ القوم، وغاليت السلعة، وثويت البصرة وسرقتك مالا، وسعيت القوم، واستجبتك.
قال الشاعر:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النَّدى = فلم يستجبْهُ عند ذاكَ مجيبُ
وقوله جل وعزّ: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}. أي: مسؤولا عنه.
قال أبو عبيدة: يقال: (لتسألنّ عهدي) أي عن عهدي). [تأويل مشكل القرآن: 229-230]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللّه عاقبة الأمور}
(الذين) في موضع نصب على تفسير من، المعنى ولينصرن اللّه من ينصره ثم بين صفة ناصريه فقال:
{الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}.
فصفة حزب اللّه الذين يوحدونه، إقامة الصلاة، وإيتاء الزّكاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهما واجبان كوجوب الصلاة والزكاة أعني الأمر بالمعروف والّنهي عن المنكر).
[معاني القرآن: 3/431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة}
قال الحسن هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وقال ابن أبي نجيح هم الولاة
قال أبو جعفر الذين بدل من من والمعنى ولينصرن الله الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة). [معاني القرآن: 4/420-419]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كذّبت قبلهم قوم نوحٍ وعادٌ} قوم، يذكّر ويؤنّث).[مجاز القرآن: 2/52]

تفسير قوله تعالى: {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)}

تفسير قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن يكذّبوك فقد كذّبت قبلهم قوم نوحٍ وعادٌ وثمود {42} وقوم إبراهيم وقوم لوطٍ {43} وأصحاب مدين} [الحج: 42-44] يعني الّذين بعث اللّه إليهم شعيبًا.
قال: {وكذّب موسى} [الحج: 44] كذّبه فرعون.
[تفسير القرآن العظيم: 1/381]
{فأمليت للكافرين} [الحج: 44] يعني جميع هؤلاء ثمّ لم أهلكهم عند تكذيبهم رسلهم حتّى جاء الوقت الّذي أردت أن أهلكهم فيه.
{ثمّ أخذتهم} [الحج: 44] بالعذاب حين جاء الوقت.
{فكيف كان نكير} [الحج: 44] يعني عقابي، أي كان شديدًا.
يحذّر بذلك المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/382]

تفسير قوله تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فكأيّن من قريةٍ} [الحج: 45] يعني كم من قريةٍ.
{أهلكناها} [الحج: 45] يعني أهلكها.
{فهي خاويةٌ} [الحج: 45] فالقرية خاويةٌ.
قال قتادة: ليس فيها أحدٌ، قد هلك أهلها.
{على عروشها} [الحج: 45] يعني على بنيانها.
وبعضهم يقول: العروش السّقوف، فصار أعلاها أسفلها.
{وبئرٍ معطّلةٍ} [الحج: 45] قد باد أهلها فعطّلت.
{وقصرٍ مشيدٍ} [الحج: 45] مبنًى معطّلٌ.
وقال الكلبيّ: المشيّد الحصين). [تفسير القرآن العظيم: 1/382]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ مّعطّلةٍ وقصرٍ مّشيدٍ...}

البئر والقصر يخفضان على العطف على العروش وإذا نظرت في معناها وجدتها ليست تحسن فيها (على) لأن العروش أعالي البيوت، والبئر في الأرض وكذلك القصر، لأن القرية لم تخو على القصر. ولكنه أتبع بعضه بعضاً، كما قال {وحورٍ عينٍ كأمثال اللؤلؤ} ولو خفضت البئر والقصر - إذا نويت أنهما ليسا من القرية - بمن كأنك قلت: كم من قرية أهلكت، وكم من بئر ومن قصرٍ. والأول أحبّ إليّ). [معاني القرآن: 2/228]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فكأيّن من قريةٍ} الياء من فكأيّن مثقلة وهي قراءة الستة ويخففها آخرون
قال ذو الرمة:
وكائن تخطّت ناقتي من مفازة=وهلباجةٍ لا يطلع الهمّ رامك
أي يطلب ومعناها وكم من قرية). [مجاز القرآن: 2/53-52]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقصر مشيدٍ} مجازه مجاز مفعول من " شدت نشيد " أي زينته بالشيد وهو الجص والجيار والملاط الجيار الصاروج وهو الكلس وقال عدي بن زيد العبادي:
شاده مرمراً وجلّله كلسا فللطير في ذراه وكور
وهو الكلس وقال:
كحيّة الماء بين الطّيّ والشّيد). [مجاز القرآن: 2/53]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فكأيّن مّن قريةٍ أهلكناها وهي ظالمةٌ فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ مّعطّلةٍ وقصرٍ مّشيدٍ}
وقال: {وبئرٍ مّعطّلةٍ وقصرٍ مّشيدٍ} حمله على {كأيّن} والمشيد هو المفعول من "شدته" فـ"أنا أشيده" مثل "عنته" فـ"أنا أعينه" فـ"هو معين"). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قصر مشيد}: مزين، والشيد الجص). [غريب القرآن وتفسيره: 262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقصرٍ مشيدٍ} يقال: هو المبني بالشّيد. وهو الجصّ.
والمشيد: المطوّل. ويقال: المشيد المشيّد سواء في معنى المطول، وقال عدي بن زيد:
شاده مرمرا وجلّله كلـ =ـسا فللطير في ذراه وكور).
[تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (... وليس جهلُهم بما في هذه الآية من لطيف المعنى بأعجب من هذا جهلهم بمعنى قوله: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} حتى أبدأوا في التعجّب منه وأعادوا، حتى ضربه بعض المجّان لبارد شعره مثلا.
وهل شيء أبلغ في العبرة والعظة من هذه الآية؟ لأنه أراد: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم الله بالعتوّ، وأبادهم بالمعصية، فيروا من تلك الآثار بيوتا خاوية قد سقطت على عروشها، وبئراً كانت لشرب أهلها قد عطّل رشاؤها، وغار معينُها، وقصراً بناه ملكه بالشِّيدِ قد خلا من السَّكَنِ، وتداعى بالخراب، فيتَّعِظوا بذلك، ويخافوا من عقوبةِ الله وبأسه، مثل الذي نزل بهم.
ونحوه قوله: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}
ولم يزل الصالحون يعتبرون بمثل هذا، ويذكرونه في خطبهم ومقاماتهم: فكان سليمان صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذا مرَّ بخرابٍ قال: يا خَرِبَ الخَرِبين أين أهلُكَ الأوّلون؟.
وقال: أبو بكر رضي الله عنه، في بعض خُطَبهِ: أين بانو المدائنِ ومحصّنوها بالحوائط؟ أين مشيّدو القصورِ، وعامروها؟! أين جاعلو العَجَبَ فيها لمن بعدهم؟! تلك منازلهم خالية، وهذه منازلهم في القبور خاوية، هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟.
وهذا الأسود بن يعفر يقول:

ماذا أؤمّل بعد آل محرّق = تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسّدير وبارق = والقصر ذي الشّرفات من سنداد
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم = ماء الفرات يجيء من أطواد
أرض تخيّرها لطيب مقيظها = كعب بن مامة وابن أم دؤاد
جرت الرياح على محلّ ديارهم = فكأنهم كانوا على ميعاد
فأرَى النعيم وكلَّ ما يُلهى به = يوماً يصير إلى بِلَىً ونفادِ
وهذه الشّعراء تبكي الديار، وتصف الآثار، وإنما تسمعهم يذكرون دمنا وأوتادا، وأثافيّ ورمادا، فكيف لم يعجبوا من تذكّرهم أهل الديار بمثل هذه الآثار، وعجبوا من ذكر الله، سبحانه أحسن ما يذكر منها وأولاه بالصّفة، وأبلغه في الموعظة؟ ). [تأويل مشكل القرآن:10- 11]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطّلة وقصر مشيد}
ويقرأ أهلكتها، المعنى فكيف كان نكير أي ثم أخذتهم فأبلغت أبلغ الإنكار.
فأهلكت قرى كثيرة، لأن معنى {فكأيّن من قرية} معنى فكم من قرية، ومعنى كم من قرية عدد كثير من القرى.
ويجوز كائن بتشديد الياء، ويجوز كائن من قرية، وهو عند البصريين في معنى العدد الكبير، نقول: وكائن من رجل جاءني معناه العدد الكثير من الرجال.
{فهي خاوية على عروشها}
والعروش السقوف، فالمعنى أنها قد خربت وخلت فصارت على سقوفها كما قال في موضع آخر: {فجعلنا عاليها سافلها}، يقال خوت الدار والمدينة خواء، ممدود، فهي خاوية، وخويت المرأة وخوي الإنسان إذا خلا من الطعام خوى، مقصور فهو خو.
وقوله: {وبئر معطّلة وقصر مشيد}.
أكثر ما جاء في مشيد من التفسير مجصّص، والشيد الجصّ والكلس أيضا شيد، وقيل مشيد محصّن مرتفع، والمشيد إذا قيل مجصّص فهو مرتفع في قدره وإن لم يرتفع في سمكه، وأصل الشيد الجصّ والنورة، وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مشيد). [معاني القرآن: 3/432-431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فكأين قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها }
قال أهل التفسير المعنى فكم وهي عند النحويين أي دخلت عليها كاف التشبيه فصار التقدير كالعدد الكثير والمعنى معنى كم
وقوله جل وعز: {فهي خاوية على عروشها}
وروي معمر عن قتادة قال خالية ليس فيها أحد
قال أبو جعفر يقال خوت الدار تخوي خواء إذا خلت وخوى الرجل يخوي خوى إذا جاع والعروش السقوف). [معاني القرآن: 4/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وبئر معطلة }
قال الضحاك أي لا أهل لها
وقصر مشيد قال عكرمة أي مجصص
قال ابن أبي نجيح أي بالقصة وهي الجص
وروي علي بن الحكم عن الضحاك وقصر مشيد قال طويل
والقول الأول أولى لأنه يقال شاده يشيده إذا بناه بالشيد وهو الجص كما قال عدي بن زيد:
شاده مرمرا وجلله كلسا = فللطين في ذاره وكور
فأما إذا طوله ورفعه فإنما يقال فيه شيده وأشاده ومنه أشاد فلان بذكر فلان). [معاني القرآن: 4/420-422]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وقَصْرٍ مَّشِيدٍ}: المبني بالشيد وهو الجص، والمشيد: المطول). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَشِيـد}: مجصّـص). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أفلم يسيروا في الأرض} [الحج: 46] يعني المشركين.
{فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها} [الحج: 46] أي لو ساروا فتفكّروا ما نزل بإخوانهم من الكفّار فيتوبون لو كانت {لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها} [الحج: 46] قال: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحج: 46] إنّما أتوا من قبل قلوبهم، ولو أنّ رجلًا كان أعمى بعد أن يكون مؤمنًا لم يضرّه شيئًا وكان قلبه بصيرًا.
وقال قتادة: إنّما هذه الأبصار الّتي الرّءوس جعلها اللّه منفعةً وبلغةً، وأمّا البصر النّافع فهو في القلب.
قال: وذكر لنا أنّها نزلت في عبد اللّه بن زيدٍ.
حمّادٌ، عن أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ قال: لكلّ عينٍ، يعني لكلّ نفسٍ أربع أعينٍ:
[تفسير القرآن العظيم: 1/382]
عينان في رأسه لدنياه وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضرّه عماه شيئًا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه شيئًا.
قال اللّه: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحج: 46] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإنّها لا تعمى الأبصار...}

الهاء (هاء عماد) توفّى (بها) إنّ. يجوز مكانها (إنّه) وكذلك هي قراءة عبد الله {فإنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور} والقلب لا يكون إلا في الصدر، وهو توكيد ممّا تزيده العرب على المعنى المعلوم؛ كما قيل {فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ} والثلاثة والسّبعة معلوم أنهما عشرة. ومثل ذلك نظرة إليك بعيني. ومثله قول الله {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} وفي قراءة عبد الله (إنّ هذا أخي له تسعٌ وتسعٌ وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ أٌنثى) فهذا أيضاً من التوكيد وإن قال قائل.
{كيف انصرف من العذاب} إلى أن قال: {وإنّ يوماً عند ربّك} فالجواب في ذلك أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا فأنزل الله على نبيّه {ولن يخلف الله وعده} أي في أن ينزل بهم العذاب في الدنيا. فقوله: {وإنّ يوماً عند ربّك} من عذابهم أيضاً. فهو متّفق: أنهم يعذّبون في الدنيا والآخرة أشدّ). [معاني القرآن: 2/229-228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. كما تقول: نفسي التي بين جنبيّ). [تأويل مشكل القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور}
{ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور}.
القلب لا يكون إلا في الصدر - ولكن جرى على التوكيد كما قال عز وجل {يقولون بأفواههم}، وكما قال: {ولا طائر يطير بجناحيه}.
وكما قرأ بعضهم: {له تسع وتسعون نعجة}.
فالتوكيد جار في الكلام مبالغ في الإفهام). [معاني القرآن: 3/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}
وفي قراءة عبد الله {فإنه لا تعمى} والمعنى واحد
قال أبو جعفر التذكير على الخبر والتأنيث على القصة
قال قتادة البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب). [معاني القرآن: 4/422]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} [الحج: 47] وذلك منهم استهزاءٌ وتكذيبٌ بأنّه لا يكون.
{ولن يخلف اللّه وعده} [الحج: 47] تفسير الحسن يعني: هلاكهم بالسّاعة قبل عذاب الآخرة.
{وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} [الحج: 47] يومٌ من أيّام الآخرة كألف سنةٍ من أيّام الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنةٍ مّمّا تعدّون...}.

ويقال يوم من أيّام عذابهم في الآخرة كألف سنة ممّا تعدون في الدنيا). [معاني القرآن: 2/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنةٍ مّمّا تعدّون} [معاني القرآن: 3/10]
وقال: {وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنةٍ مّمّا تعدّون} يقول: "هو في الثقل ومما يخاف منه كألف سنة"). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإنّ يوما عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون}
قيل إن يوما من أيام عذابهم كألف سنة، ويدل على ذلك الحديث الذي يروى أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم.
وجاء في حديث آخر تفسير هذا القول بخمسمائة عام.
فهذا يدل على أنّ اليوم من أيام القيامة ألف سنة، والذي تدل عليه الآية - واللّه أعلم - أنهم استعجلوا فأعلم اللّه عز وجلّ أنه لا يفوته شيء وأن يوما عنده وألف سنة في قدرته واحد، وأن الاستعجال في ميعادهم لا فرق فيه بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة إلّا أنّ اللّه - جل ثناؤه - تفضل بالإمهال، وغفر بالتوبة، فالتأخير الفرق بينه وبين التقديم تفضل الله عزّ وجل بالنظرة). [معاني القرآن: 3/433]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم - عزّ وجل - أنّه قد أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير عقوبة منه ليزدادوا إثما فقال بعد قوله: {ويستعجلونك بالعذاب}، وبعد تمام الآية {وكأيّن من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثمّ أخذتها وإليّ المصير}.
المعنى ثم أخذتها بالعذاب، واستغني عن ذكر العذاب لتقدم ذكره في قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} ). [معاني القرآن: 3/433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كألف سنة مما تعدون
وروى شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من أيام الآخرة كألف سنة مما تعدون
قال ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم القيامة
قال أبو جعفر والقول الثاني حسن جدا لأنه عليه يتصل بالكلام الأول لأنهم استعجلوا بالعذاب فقال ولن يخلف الله وعده أي في عذابهم وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدون في الدنيا فصار المعنى إن الله لن يخلف وعده في عذابهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أشد
قال أبو جعفر وفي معناه قول آخر بين وهو أنهم استعجلوا بالعذاب فأعلمهم الله جل وعز أنه لا يفوته شيء وإن يوما عنده وألف سنة واحد إذ كان ذلك غير فائته).
[معاني القرآن:4/ 424-422]

تفسير قوله تعالى: {وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكأيّن من قريةٍ أمليت لها} [الحج: 48] إلى الوقت الّذي أخذتها فيه.
{وهي ظالمةٌ} [الحج: 48] مشركةٌ يعني أهلها.
{ثمّ أخذتها} [الحج: 48] يعني بالعذاب.
{وإليّ المصير} [الحج: 48] في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(ثم أعلم - عزّ وجل - أنّه قد أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير عقوبة منه ليزدادوا إثما فقال بعد قوله: {ويستعجلونك بالعذاب}،

وبعد تمام الآية {وكأيّن من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثمّ أخذتها وإليّ المصير}.
المعنى ثم أخذتها بالعذاب، واستغني عن ذكر العذاب لتقدم ذكره في قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} ). [معاني القرآن: 3/433] (م)


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 49 إلى آخر السورة]

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)}

تفسير قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل يا أيّها النّاس إنّما أنا لكم نذيرٌ مبينٌ {49} فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} [الحج: 49-50] لذنوبهم.
{ورزقٌ كريمٌ} [الحج: 50] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(الكريم: الشريف الفاضل...، والكريم: الكثير الكرم، قال الله تعالى: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}

أي: كثير). [تأويل مشكل القرآن: 494] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين سعوا في آياتنا معاجزين} [الحج: 51] يظنّون أنّهم يعجزونا فيسبقوننا في الأرض حتّى لا نقدر عليهم فنعذّبهم.
هذا تفسير الحسن.
وفي تفسير مجاهدٍ: {معاجزين} [الحج: 51] مبطئين أي عن الإيمان.
{أولئك أصحاب الجحيم} [الحج: 51] والجحيم اسمٌ من أسماء جهنّم). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {معاجزين...}

قراءة العوامّ {معاجزين} ومعنى معاجزين معاندين ودخول (في) كما تقول: سعيت في أمرك وأنت تريد: أردت بك خيراً أو شراً.
وقرأ مجاهد وعبد الله بن الزبير (معجّزين) يقول: مثبّطين). [معاني القرآن: 2/229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (معجزين): مثبطين وقالوا مبطئين.[غريب القرآن وتفسيره: 262]
{معاجزين}: معاندين مشاقين.
{معجزين}: من فائتين {فليس بمعجز في الأرض} منه). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {معاجزين} مسابقين). [تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ}، أي جدّوا في ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 510]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم}
أي ظانّين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون، وأنّه لا جنّة ولا نار.
وقيل في التفسير معاجزين معاندين، وليس بخارج من القول الأول.
وقرئت معجّزين، وتأويلها أنهم كانوا يعجّزون من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثبّطونهم عنه). [معاني القرآن: 3/433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين}
قال عبد الله بن الزبير إنما هي معجزين أي مثبطين عن الإيمان
قال ابن عباس معاجزين أي مشاقين
قال الفراء معاندين
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى: {معاجزين} قال كذبوا بآيات الله عز وجل وظنوا أنهم يعجزون الله ولن يعجزوه
قال أبو جعفر وهذا قول بين، والمعنى عليه والذين سعوا في آياتنا ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم لا يقرون ببعث ولا بجنة ولا نار أولئك أصحاب الجحيم). [معاني القرآن: 4/425-424]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُعَاجِزِينَ}: مسابقين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُعَجِّـزِين}: مثبطين.
{مُعْجِزِيـنَ}: فائتيـن.
{مُعَاجِزيـنَ}: معاندين). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} [الحج: 52] نفسه، يعني: إذا قرأ، في تفسير قتادة.
وقال مجاهدٌ: إذا قال.
وقال الكلبيّ: إذا حدّث نفسه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/383]
- حمّادٌ، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا في المسجد الحرام يصلّي وهو يقرأ سورة النّجم، فلمّا أتى على هذه الآيات: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: إنّهنّ من الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ ترتجى.
فأعجب ذلك المشركين.
فقرأ السّورة حتّى ختمها.
فسجد وسجد المؤمنون والمشركون إلا أبا أحيحة أخذ كفًّا من ترابٍ فسجد عليه.
وبلغ ذلك من كان بالجيش من أصحاب النّبيّ، فشقّ على النّبيّ عليه السّلام ما جاء على لسانه، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ {52} ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم} [الحج: 52-53] يعني المشركين.
- سعيدٌ، عن قتادة قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند المقام إذ نعس، فألقى الشّيطان على لسانه كلمةً فتكلّم بها، فتعلّقها المشركون عليه وإنّه قرأ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: فإنّ شفاعتها هي المرتجى وإنّها لمع الغرانيق العلى.
فحفظها المشركون وأخبرهم الشّيطان أنّ نبيّ اللّه قد قرأها.
قالت ألسنتهم لها؟ فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية.
وفي تفسير الكلبيّ أنّ النّبيّ عليه السّلام كان يصلّي عند البيت والمشركون جلوسٌ فقرأ: {والنّجم} [النجم: 1]، فحدّث نفسه حتّى إذا بلغ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] ألقى الشّيطان على لسانه: فإنّها مع الغرانيق العلى وإنّ شفاعتها هي المرتجى.
فلمّا انصرف قالوا: قد ذكر محمّدٌ آلهتنا.
فقال النّبيّ: واللّه ما كذلك نزلت عليّ.
فنزل عليه جبريل فأخبره النّبيّ فقال: واللّه ما هكذا علّمتك وما جئت بها هكذا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/384]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رّسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ...}

فالرسول النبي المرسل، والنبي: المحدّث الذي لم يرسل.
وقوله: {إلاّ إذا تمنّى} التمنّي: التلاوة، وحديث النفس أيضاً). [معاني القرآن: 2/229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إذا تمنى}: أي قرأ.
{ألقى الشيطان في أمنيته}: في قراءته). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إلّا إذا تمنّى} أي تلا القرآن.
{ألقى الشّيطان في أمنيّته} في تلاوته). [تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليم حكيم}
معنى {إذا تمنّى} إذا تلا، ألقى الشيطان في تلاوته، فذلك محنة من اللّه، - عزّ وجلّ - وله أن يمتحن بما شاء، فألقى الشيطان على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا من صفة الأصنام فافتتن بذلك أهل الشقاق والنفاق ومن في قلبه مرض فقال اللّه عر وجل:
{ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنة للّذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم}
ثم أعلم أنهم ظالمون، وأنهم في شقاق دائم، والشقاق غاية العداوة فقال -: {وإنّ الظّالمين لفي شقاق بعيد}.
ثم أعلم أن هؤلاء لا يتوبون فقال: (ولا يزال الّذين كفروا في مرية منه) أي في شك منه.
{حتّى تأتيهم السّاعة بغتة} أي مفاجأة.
{أو يأتيهم عذاب يوم عقيم}.
أصل العقم، العقم في الولادة، يقال: هذه امرأة عقيم، كما قال اللّه - عز وجل -: {قالت عجوز عقيم}.
وكذلك رجل عقيم إذا كان لا يولد
قال الشاعر:

عقم النّساء فلن يلدن شبيهه=إن النّساء بمثله عقم
والريح العقيم التي لا تأتي بسحاب يمطر، وإنما تأتي بالعذاب، واليوم العقيم هو الّذي لا يأتي فيه خير، فيوم القيامة عقيم على الكفار كما قال اللّه - عزّ وجلّ - {على الكافرين غير يسير}.وليس هو على المؤمنين الذين أدخلوا في رحمة اللّه كذلك.
وأنشد بعض أهل اللغة في قوله تمنى في معنى تلا قول الشاعر:
تمنّى كتاب الله أوّل ليله=وآخره لاقى حمام المقادر
أي تلا كتاب اللّه مترسلا فيه كما تلا داود الزبور مترسّلا فيه). [معاني القرآن: 3/435-433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل عز: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}
قال بن أبي نجيح تمنى أي قال
وقال أهل اللغة تمنى أي تلا والمعنى واحد
ثم قال جل وعز: {فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته}
روى الليث عن يونس عن الزهري قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة والنجم إذا هوى، فلما بلغ إلى قوله تعالى:
{أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} سها فقال فإن شفاعتهم ترتجى فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه فقال إن ذلك من الشيطان،
فأنزل الله جل وعز: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} إلى آخر الآية
قال قتادة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فأغفى ونعس فقال أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فإنها ترتجى وإنها الغرانيق العلى فوقرت في قلوب المشركين فسجدوا معه أجمعون وأنزل الله جل وعز: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 4/427-425]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَمَنَّى}: تلا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إذا تَمَنَّـى}: قرأ.
{فيِ أُمْنِيَتِـهِ}: في قراءتـه). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} [الحج: 52] نفسه، يعني: إذا قرأ، في تفسير قتادة.
وقال مجاهدٌ: إذا قال.
وقال الكلبيّ: إذا حدّث نفسه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/383]
- حمّادٌ، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا في المسجد الحرام يصلّي وهو يقرأ سورة النّجم، فلمّا أتى على هذه الآيات: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: إنّهنّ من الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ ترتجى.
فأعجب ذلك المشركين.
فقرأ السّورة حتّى ختمها.
فسجد وسجد المؤمنون والمشركون إلا أبا أحيحة أخذ كفًّا من ترابٍ فسجد عليه.
وبلغ ذلك من كان بالجيش من أصحاب النّبيّ، فشقّ على النّبيّ عليه السّلام ما جاء على لسانه، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ {52} ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم} [الحج: 52-53] يعني المشركين.
- سعيدٌ، عن قتادة قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند المقام إذ نعس، فألقى الشّيطان على لسانه كلمةً فتكلّم بها، فتعلّقها المشركون عليه وإنّه قرأ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: فإنّ شفاعتها هي المرتجى وإنّها لمع الغرانيق العلى.
فحفظها المشركون وأخبرهم الشّيطان أنّ نبيّ اللّه قد قرأها.
قالت ألسنتهم لها؟ فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية.
وفي تفسير الكلبيّ أنّ النّبيّ عليه السّلام كان يصلّي عند البيت والمشركون جلوسٌ فقرأ: {والنّجم} [النجم: 1]، فحدّث نفسه حتّى إذا بلغ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] ألقى الشّيطان على لسانه: فإنّها مع الغرانيق العلى وإنّ شفاعتها هي المرتجى.
فلمّا انصرف قالوا: قد ذكر محمّدٌ آلهتنا.
فقال النّبيّ: واللّه ما كذلك نزلت عليّ.
فنزل عليه جبريل فأخبره النّبيّ فقال: واللّه ما هكذا علّمتك وما جئت بها هكذا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/384] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإنّ الظّالمين} [الحج: 53] يعني المشركين.
{لفي شقاقٍ بعيدٍ} [الحج: 53] يعني لفي فراقٍ بعيدٍ إلى يوم القيامة.
يعني بذلك فراقهم الحقّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
( وقوله جل وعز: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض}

فتنة أي اختبار وامتحانا والله جل وعز يمتحن بما يشاء
وقوله جل وعز: {وإن الظالمين لفي شقاق بعيد} الشقاق أشد العداوة). [معاني القرآن: 4/427]

تفسير قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وليعلم الّذين أوتوا العلم} [الحج: 54] يعني المؤمنين.
{أنّه الحقّ من ربّك فيؤمنوا به} [الحج: 54] يعني القرآن فيصدّقوا به.
{فتخبت له قلوبهم} [الحج: 54] فتطمئنّ به قلوبهم في تفسير الكلبيّ.
وقال الحسن: فتخشع له قلوبهم.
قوله: {وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الحج: 54] إلى طريقٍ مستقيمٍ إلى الجنّة.
سعيدٌ عن قتادة قال: قاتل اللّه قومًا يزعمون أنّ المؤمن يكون ضالًّا، ويكون فاسقًا ويكون خاسرًا.
قال اللّه تبارك وتعالى: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} [البقرة: 257].
وقال: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} [التغابن: 11] وقال: {وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الحج: 54] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {فتخبت له قلوبهم} أي تخضع وتذلّ). [تفسير غريب القرآن: 294]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَتُخْبِتَ}: أي تخضع، وتذل، وتخاف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه} [الحج: 55] في شكٍّ منه، من القرآن.
{حتّى تأتيهم السّاعة بغتةً} [الحج: 55] يعني فجأةً.
{أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ} [الحج: 55] تفسير الحسن يعني الّذين تقوم عليهم السّاعة، الدّائنين بدين أبي جهلٍ وأصحابه.
وقوله {عذاب يومٍ عقيمٍ} [الحج: 55] يوم بدرٍ قبل قيام السّاعة.
قوله: {يومٍ عقيمٍ} [الحج: 55] لا غدًا له، أي يهلكون فيه، يومٌ يهلكون فيه.
وقال الحسن: العقيم، الشّديد). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {عذاب يومٍ عقيمٍ} كأنه عقم عن أن يكون فيه خير أو فرج للكافرين). [تفسير غريب القرآن: 294]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يتوبون ولا يزالون في شك فقال جل وعز: {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه}
أي: في شك {حتى تأتيهم الساعة بغتة} أي فجأة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم}
قيل هو يوم القيامة
وأهل التفسير على أنه يوم بدر قال ذلك سعيد بن جبير وقتادة
وقال قتادة وبلغني عن أبي بن كعب أنه قال أربع آيات نزلت في يوم بدر
{عذاب يوم عقيم} يوم بدر
واللزام القتال في يوم بدر
و يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر
ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يوم بدر
قال أبو جعفر أصل العقم في اللغة الامتناع ومنه قولهم امرأة عقيم رجل عقيم إذا منعا الولد
وريح عقيم لا يأتي بسحاب فيه مطر أي فيه العذاب
ويوم عقيم لا خير فيه لقوم
فيوم القيامة ويوم بدر قد عقم فيهما الخير والفرح عن الكفار). [معاني القرآن: 4/427-428]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَوْمٍ عَقِيمٍ}: أي كأنه عقم عن أن يكون فيه خير للكافرين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 162]

تفسير قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الملك يومئذٍ للّه} [الحج: 56] يوم القيامة.
{يحكم بينهم} [الحج: 56] بين المؤمنين والكافرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في جنّات النّعيم {56} والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا فأولئك لهم عذابٌ مهينٌ {57}} [الحج: 56-57] من الهوان). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين هاجروا في سبيل اللّه ثمّ قتلوا} [الحج: 58] في سبيل اللّه بعد الهجرة.
{أو ماتوا} [الحج: 58] على فرشهم بعد الهجرة.
{ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا} [الحج: 58] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :
( {وإن الله لهو خير الرازقين} قال أبو العباس: يقال: إن كل إنسانا إذا كان يرزق إنسان رزقا قد سماه له، ثم غضب عليه قطع ذلك الرزق، والله - عز وجل - إذا غضب على عبده لم يقطع رزقه ما دام حيا). [ياقوتة الصراط: 371]


تفسير قوله تعالى: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وإنّ اللّه لهو خير الرّازقين {58} ليدخلنّهم مدخلا يرضونه} [الحج: 58-59] في الجنّة.
{وإنّ اللّه لعليمٌ حليمٌ} [الحج: 59] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ليدخلنّهم مدخلاً} الميم مضمومة لأنها من " أدخلت " والخاء مفتوحة وإذا كان من دخلت فالميم والخاء مفتوحتان).

[مجاز القرآن: 2/53]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه} [الحج: 60] يعني بذلك مشركي العرب أنّهم عوقبوا، فقتلهم اللّه بجحودهم النّبيّ وظلمهم إيّاه وأصحابه، وبغيهم عليهم.
قال: {لينصرنّه اللّه إنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ} [الحج: 60] النّصر في الدّنيا: الظّهور على المشركين، والحجّة عليهم في الآخرة كقوله: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه إنّ اللّه لعفوّ غفور}

(ذلك) في موضع رفع، المعنى الأمر ذلك، أي الأمر، قصصنا لحيكم.
قوله: {ومن عاقب بمثل ما عوقب به}.
الأول لم يكن عقوبة، وإنما العقوبة الجزاء، ولكنه سمّي عقوبة لأن الفعل الذي هو عقوبة كان جزاء فسمّي الأول الذي جوزي عليه عقوبة لاستواء الفعلين في جنس المكروه.
كما قال عزّ وجلّ: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها}.
فالأول سيئة والمجازاة عليها حسنة من حسنات المجازي عليها إلا أنها سمّيت سيئة بأنها وقعت إساءة بالمفعول به، لأنه فعل به ما يسوءه.
وكذلك قوله {مستهزئون* اللّه يستهزئ بهم}، جعل مجازاتهم باستهزائهم مسمّى بلفظ فعلهم لأنه جزاء فعلهم). [معاني القرآن: 3/435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به}
والأول ليس بعقوبة فسمي الأول باسم الثاني لأنهما من جنس واحد على الازدواج كما يسمى الثاني باسم الأول). [معاني القرآن: 4/429]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك بأنّ اللّه يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل} [الحج: 61] هو آخذٌ كلّ واحدٍ منهما من صاحبه). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ {61} ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ} [الحج: 61-62] والحقّ اسمٌ من أسماء اللّه.
قوله: {وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62] قال الحسن: الأوثان.
وقال قتادة: إبليس.
قوله: {وأنّ اللّه هو العليّ الكبير} [الحج: 62] لا شيء أكبر منه). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةً} [الحج: 63] يعني نباتها، ليس يعني من ليلتها ولكن إذا أنبتت.
[تفسير القرآن العظيم: 1/386]
{إنّ اللّه لطيفٌ} [الحج: 63] بخلقه فيما رزقهم.
{خبيرٌ} [الحج: 63] بأعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فتصبح الأرض مخضرّةً...}

رفعت (فتصبح) لأنّ المعنى في {ألم تر} معناه خبر كأنك قلت في الكلام: اعلم أنّ الله ينزل من السّماء ماء فتصبح الأرض.
وهو مثل قول الشاعر:
ألم تسأل الربع القديم فينطق =فهل تخبرنك اليوم بيداءٌ سملق
أي قد سألته فنطق. ولوجعلته استفهاماً وجعلت الفاء شرطاً لنصبت: كما قال الآخر:
ألم تسأل فتخبرك الديارا =عن الحيّ المضلّل حيث سارا
والجزم في هذا البيت جائز كما قال:
فقلت له صوّب ولا تجهدنّه =فيذرك من أخرى العطاة فتزلق
فجعل الجواب بالفاء كالمنسوق على ما قبله). [معاني القرآن: 2/230-229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة إنّ اللّه لطيف خبير}
وقرئت مخضرة.
ذكر الله جل ثناؤه - ما يدل على توحيده من إيلاج الليل في النّهار والنهار في الليل، وذكر إنزاله الماء ينبت وذكر تسخير الفلك في البحر وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فدل أنه الواحد الّذي خلق الخلق وأتى بما لا يمكن البشر أن يأتوا بمثله). [معاني القرآن: 3/436-435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}
قال سيبويه سألت الخليل عن قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} فقال هذا واجب وهو تنبيه
والمعنى انتبه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا
وقال الفراء هو خبر
ويقرأ فتصبح الأرض مخضرة أي ذات خضر كما يقول مبقلة ومسبعة أي ذات بقل وسباع). [معاني القرآن: 4/430-429]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {له ما في السّموات وما في الأرض وإنّ اللّه لهو الغنيّ الحميد} [الحج: 64] {الغنيّ} [الحج: 64] عن خلقه {الحميد} [الحج: 64] المستحمد إلى خلقه، استوجب عليهم أن يحمدوه). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه سخّر لكم ما في الأرض} [الحج: 65] خلق لكم ما في الأرض كقوله: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة: 29] {والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السّماء أن تقع على الأرض} [الحج: 65] يعني لئلا تقع على الأرض.
{إلا بإذنه إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ} [الحج: 65] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر أنّ اللّه سخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}

(الفلك) بالنصب نسق - على " ما " المعنى وسخر لكم الفلك.
ويكون (تجري) حالا، أي وسخر لكم الفلك في حال جريها.
ويقرأ: {والفلك تجري في البحر بأمره}، فيكون الفلك مرفوعا بالابتداء، وتجري هو الخبر، والمعنى معنى التسخير لأن جريها بأمره هو التسخير.
وقوله: {ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه}.
على معنى كراهة أن تقع على الأرض، وموضع " أن " نصب بيمسك.
وهي مفعول. المعنى لكراهة أن تقع). [معاني القرآن: 3/437-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه}
والمعنى كراهية أن تقع). [معاني القرآن: 4/430]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي أحياكم} [الحج: 66] من النّطف.
{ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [الحج: 66] يعني البعث وهو كقوله: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [البقرة: 28] قوله: {إنّ الإنسان لكفورٌ} [الحج: 66] يعني الكافر). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]

تفسير قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)}

يققال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لكلّ أمّةٍ جعلنا منسكًا} [الحج: 67] حجًّا وذبحًا في تفسير قتادة.
قوله: {هم ناسكوه} [الحج: 67] قال مجاهدٌ: هراقة الدّماء.
قال يحيى: يعني النّسك.
قوله: {فلا ينازعنّك في الأمر} [الحج: 67] أي لا يحوّلنّك المشركون عن هذا
[تفسير القرآن العظيم: 1/387]
الدّين الّذي أنت عليه.
يقوله للنّبيّ.
{وادع إلى ربّك} [الحج: 67] أي إلى الإخلاص له.
- عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلا اللّه فإذا قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على اللّه».
قوله: {إنّك لعلى هدًى مستقيمٍ} [الحج: 67] يعني على دينٍ مستقيمٍ، الإسلام تستقيم به حتّى يهجم بك على الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {منسكاً...}

و{منسكاً} قد قرئ بهما جميعاً. والمنسك لأهل الحجاز والمنسك لبني أسد، والمنسك في كلام العرب: والموضع الذي تعتاده وتألفه ويقال: إن لفلان منسكا يعتاده في خير كان أو غيره. والمناسك بذلك سميت - والله أعلم - لترداد الناس عليها بالحجّ والعمرة). [معاني القرآن: 2/230]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جعلنا منسكاً} أي عيدا). [تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لكلّ أمّة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدى مستقيم}
ومنسكا، وقد تقدم الشرح في هذا.
وقوله: {فلا ينازعنّك في الأمر}
أي لا يجادلنّك فيه، ومعناه لا تنازعهم، والدليل عنى أن المعنى لا يجادلنّك ولا تجادلنّهم قوله: {وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون}.
هذا قبل القتال.
فإن قال قائل: فهم قد جادلوه فلم قيل {فلا ينازعنّك في الأمر} وهم قد نازعوه؟
فالمعنى أنه نهي له - صلى الله عليه وسلم - عن منازعتهم كما يقول: لا يخاصمنّك فلان في هذا أبدا، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا من اثنين لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين، فإذا قلت لا يجادلنك فلان فهو بمنزلة لا تجادلنّه، ولا يجوز هذا في قوله: لا يضربنّك فلان، وأنت تريد لا تضربه.
ولكن لو قلت لا يضاربنّك فلان لكان كقولك لا تضاربنّ فلانا.
ويقرأ: {فلا ينزعنّك في الأمر}: معناه لا يغلبنّك في المنازعة فيه، يقال: نازعني فلان فنزعته وعازّني فعززته، أنزعه وأغلبه، المعنى فلا يغلبنّك في الأمر). [معاني القرآن: 3/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلا ينازعنك في الأمر}
أي فلا يجادلنك ودل على هذا وان جادلوك ويقال قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك فالجواب أي المعنى فلا تنازعهم
ولا يجوز هذا إلا فيما لا يكون إلا من اثنين نحو المنازعة والمخاصمة وما أشبهها ولو قلت لا يضربنك تريد لا تضربهم لم يجز
ويقرأ فلا ينزعنك في الأمر قرأ به أبو مجلز أي فلا يغلبنك
وحكى أهل اللغة نازعني فنزعته). [معاني القرآن: 4/431-430]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَنسَكًا}: أي عيداً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 162]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)}

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون {68} اللّه يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون {69}} [الحج: 68-69] يقوله للمشركين يعني ما اختلف فيه المؤمنون والكافرون فيكون حكمه فيهم أن يدخل المؤمنين الجنّة ويدخل الكافرين النّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تعلم أنّ اللّه يعلم ما في السّماء والأرض} [الحج: 70] أي قد علمت أنّ اللّه يعلم ما في السّموات والأرض.
{إنّ ذلك في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} [الحج: 70]
- نعيم بن يحيى، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ قال: أوّل ما خلق اللّه القلم فقال: اكتب.
قال: ربّ ما أكتب؟ قال: ما هو كائنٌ.
قال: فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
فأعمال العباد تعرض كلّ يوم اثنين وخميسٍ فيجدونه على ما في الكتاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لم ينزّل به سلطانًا} [الحج: 71] حجّةً بعبادتهم.
{وما ليس لهم به علمٌ} [الحج: 71] أنّ الأوثان خلقت مع اللّه شيئًا ولا رزقت معه شيئًا.
{وما للظّالمين} [الحج: 71] للمشركين.
{من نصيرٍ} [الحج: 71] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {ما لم ينزّل به سلطاناً} أي برهانا ولا حجّة). [تفسير غريب القرآن: 294]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم ذكر جهل المشركين في عبادتهم الأصنام فقال عزّ وجل:
{ويعبدون من دون اللّه ما لم ينزّل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظّالمين من نصير}أي ما لم ينزل به حجة وما ليس لهم به علم.
ثم ضرب لهم مثل ما يعبدون، وأنه لا ينفع ولا يضر.
وأما القراءة: (فتصبح الأرض مخضرّة) لا غير قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة}
فقال هذا واجب ومعناه التنبيه كأنّه قال: أتسمع؟
أنزل الله من السماء ماء، فكان كذا وكذا، وقال غيره مثل قوله.
قال مجاز هذا الكلام مجاز الخبر كأنه قال: الله ينزل من السماء ماء، فتصبح الأرض مخضرة.
وأنشدوا:
ألم تسأل الرّبع القواء فينطق= وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق؟
قال الخليل: المعنى فهو مما ينطق، وأما من قرأ مخضرة فهو على معنى ذات مخضرة مثل مبقلة ذات بقل، ومشبعة ذات شبع، ولا يجوز مخضرّة - بفتح الميم وتشديد الراء - لأن مفعلّة ليس في الكلام ولا معنى له). [معاني القرآن: 3/436]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ} [الحج: 72] القرآن.
{تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا} [الحج: 72] يكادون يقعون بهم بأنبيائهم فيقتلونهم في تفسير الحسن.
وهو كقوله: {وهمّت كلّ أمّةٍ برسولهم ليأخذوه} [غافر: 5] وقال مجاهدٌ: يعني كفّار قريشٍ.
قوله: {قل أفأنبّئكم بشرٍّ من ذلكم} [الحج: 72] يعني بشرٍّ من قتل أنبيائهم.
{النّار} [الحج: 72] في تفسير الحسن هي شرٌّ ممّا صنعوا بأنبيائهم، من قتلهم أنبياءهم أنّهم يخلدون في النّار أبدًا.
قال: {وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير} [الحج: 72] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا...}

يعني مشركي أهل مكّة، كانوا إذا سمعوا الرجل من المسلمين يتلو القرآن كادوا يبطشون به.
وقوله: {النّار وعدها اللّه} ترفعها لأنها معرفة فسّرت الشرّ وهو نكرة. كما تقول: مررت برجلين أبوك وأخوك. ولو نصبتها بما عاد من ذكرها ونويت بها الاتّصال بما قبلها كان وجهاً. ولو خفضتها على الباء {فأنبئكم بشرّ من ذلكم بالنار} كان صواباً. والوجه الرفع). [معاني القرآن: 2/230]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يكادون يسطون} أي يفرطون عليه ومنه السطوة). [مجاز القرآن: 2/54]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بشرّ مّن ذلكم النّار} مرفوعة على القطع من شركة الباء ولكنه مستأنف خبر عنه ولم تعمل الباء فيه وقال:
وبلد بآله مؤزّر= إذا استقلوا من مناخٍ شمّروا
وإن بدت أعلام أرض كبّروا
مؤزر مرفوع على ذلك القطع). [مجاز القرآن: 2/54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذلكم النّار وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير}
وقال: {بشرٍّ مّن ذلكم النّار} رفع على التفسير أي: هي النار. ولو جر على البدل كان جيدا). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يكادون يسطون}: من السطوة وهي الإفراط). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا} أي يتناولونهم بالمكروه من الشتم والضرب). [تفسير غريب القرآن: 295]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير}
أي يكادون يبطشون بسطوة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والذين يتلون عليهم القرآن.
وقوله: {قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار وعدها اللّه}.
القراءة بالرفع وهي أثبت في النحو من الجر والنصب والخفض.
والنّصب جائز، فأمّا من رفع فعلى معنى هو النّار، وهي النّار، كأنّهم قالوا: ما هذا الذي هو شرّ؟ فقيل النّار. ومن قال النّار بالجر، فعلى البدل من شرّ، ومن قال النّار بالنصب، فهو على معنى أعني النّار، وعلى معنى أنبئكم بشرّ من ذلكم كأنّه قال أعرفكم شرّا من ذلكم النّار). [معاني القرآن: 3/438-437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا}
قال محمد بن كعب أي يقعون بهم
وقال الضحاك أي يأخذونهم أخذا باليد
وحكى أهل اللغة سطا به يسطو إذا بطش به كان ذلك بضرب أو بشتم). [معاني القرآن: 4/431]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَسْطُونَ}: يتناولونهم بالمكروه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 162]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَسْطُـونَ}: من السطوة). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له} [الحج: 73] يعني المشركين.
{إنّ الّذين تدعون من دون اللّه} [الحج: 73] يعني الأوثان.
{لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئًا لا يستنقذوه منه} [الحج: 73] يعني أنّ الذّباب يقع على تلك الأوثان فتنقر أعينها ووجوهها، فيسلبها ما أخذ من وجوهها وأعينها.
وسمعت بعضهم يقول: إنّهم كانوا يطلونها بخلوقٍ.
قال اللّه تبارك وتعالى: {ضعف الطّالب والمطلوب} [الحج: 73] والطّالب هو الوثن والمطلوب الذّباب). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {الطّالب والمطلوب...}

الطالب الآلهة والمطلوب الذباب. وفيه معنى المثل). [معاني القرآن: 2/230]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئاً لاّ يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب}
وقال: {ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له} فإن قيل: "فأين المثل" قلت: ليس ههنا مثل لأنه تبارك وتعالى قال: "ضرب لي مثلٌ فجعل مثلاً عندهم لي فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه مثلي في قولهم واتخاذهم الآلهة وأنهم لن يقدروا على خلق ذباب ولو اجتمعوا له وهم أضعف لو سلبهم الذباب شيئاً فاجتمعوا جميعاً ليستنقذوه منه لم يقدروا على ذلك. فكيف تضرب هذه الآلهة مثلا لربها وهو رب كل شيء الواحد الذي ليس كمثله شيء وهو مع كل شيء، وأقرب من كل شيء وليس له شبه ولا مثل ولا كفء وهو العلي العظيم الواحد الرب الذي لم يزل ولا يزال"). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، ولم يأت بالمثل، لأن في الكلام معناه، كأنه قال: يا أيها الناس، مثلكم مثل من عبد آلهة اجتمعت لأن تخلق ذبابا لم تقدر عليه، وسلبها الذباب شيئا فلم تستنقذه منه). [تأويل مشكل القرآن: 83] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب}
لأنهم عبدوا من دون اللّه ما لا يسمع ولا يبصر وما لم ينزّل به حجة.
فأعلمهم اللّه عزّ وجل الجواب فيما جعلوه للّه مثلا، وجعلوه له نيرا، فقال: {إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له}.
يعنى الأصنام، وكل من دعي من دون اللّه إلها لا إله إلا اللّه وحده.
وقوله: {وإن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه}.
أعلم اللّه - جلّ ثناؤه - أنه الخالق، ودل على وحدانيته بجميع ما خلق ثم أعلم أن الذين عبدوا من دونه لا يقدرون على خلق واحد قليل ضعيف من خلقه، ولا على استنقاذ تافه حقير منه). [معاني القرآن: 3/438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له}
قال الأخفش إن قيل فأين المثل
فالجواب أنه ليس ثم مثل والمعنى إن الله جل وعز قال ضربوا لي مثلا على قولهم
وقال القتبي يا أيها الناس مثلكم مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وسلبها الذباب شيئا فلم تستطع أن تستنقذه منه
فذهب إلى أن في الكلام ما دل على المثل من قوله: {لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} إلى آخر الآية
ومذهب الأخفش أن الكفار ضربوا لله جل وعز مثلا أي جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره كما يعبد هو جل وعز كما قال أين شركائي
والذباب عند أهل اللغة واحد وجمعه أذبة وذبان
وقوله جل وعز: {ضعف الطالب والمطلوب}
الطالب الآلهة والمطلوب الذباب). [معاني القرآن: 4/433-431]


تفسير قوله تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ما قدروا اللّه حقّ قدره} [الحج: 74] ما عظّموا اللّه حقّ عظمته أن عبدوا الأوثان من دونه الّتي إن سلبها الذّباب الضّعيف لم تستطع أن تمتنع منه.
{إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحج: 74] فبقوّته وعزّته ذلّ من دونه). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:{ما قدروا اللّه حقّ قدره...}

أي ما عظّموا الله حقّ تعظيمه. وهو كما تقول في الكلام: ما عرفت لفلان قدره أي عظمته وقصّر به صاحبه). [معاني القرآن: 2/230]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ما قدرو اللّه حقّ قدره} مجازه ما عرفوا الله حق معرفته، ولا وصفوفه مبلغ صفته). [مجاز القرآن: 2/54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال: {ما قدروا اللّه حقّ قدره إنّ اللّه لقويّ عزيز}
أي ما عظموه حقّ عظمته، ثم أعلم بعد ذكره ضعف قوة المعبودين قوّته فقال: {إنّ اللّه لقويّ عزيز}.
وقوله {ضعف الطّالب والمطلوب}
يجوز ضعف، وضعف الطالب والمطلوب، أي فهم يضعفون عن أن يخلقوا ذبابا، وعن أن يستنقذوا من الذباب شيئا ضعف الذباب). [معاني القرآن: 3/439-438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ما قدروا الله حق قدره} أي ما عظموه حق عظمته
ولما خبر بضعف ما يعبدون أخبر بقوته فقال جل وعز إن الله قوي عزيز). [معاني القرآن: 4/433]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {اللّه يصطفي} [الحج: 75] يختار). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {اللّه يصطفي من الملائكة رسلاً...}

اصطفى منهم جبريل وميكائيل وملك الموت وأشباههم. ويصطفي من الناس الأنبياء). [معاني القرآن: 2/230]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -: {اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن النّاس إنّ اللّه سميع بصير}
اصطفى اللّه من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت واصطفى من الناس النبيين والمرسلين صلى الله عليهم وسلم أجمعين). [معاني القرآن: 3/439]

تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {من الملائكة رسلا ومن النّاس إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ {75} يعلم ما بين أيديهم} [الحج: 75-76] من أمر الآخرة.
{وما خلفهم} [الحج: 76] من أمر الدّنيا إذا كانوا في الآخرة.
{وإلى اللّه ترجع الأمور} [الحج: 76] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/390]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] يعني الصّلاة المكتوبة.
{واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير} [الحج: 77] في وجهتكم.
{لعلّكم تفلحون} [الحج: 77] لكي تفلحوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/390]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا...}

كان الناس يسجدون بلا ركوع، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع قبل السجود). [معاني القرآن: 2/231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون}أي اقصدوا بركوعكم وسجودكم الله وحده.
{وافعلوا الخير}.
والخير كل ما أمر اللّه به.
وقوله: {لعلّكم تفلحون}
هذا ليس بشك، ولكن معناه لترجوا أن تكونوا على فلاح، كما قال لموسى وهارون: {اذهبا إلى فرعون إنّه طغى * فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى}.
أي اذهبا على رجائكما كما كما يرجو النبي ممن يبعث إليه، واللّه عز وجلّ من وراء العلم بما يؤول إليه أمر فرعون إلا أن الحجة لا تقوم إلا بعد الإبانة). [معاني القرآن: 3/439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الناس اركعوا واسجدوا}
فلا يكون ركوع إلا بسجود ثم قال تعالى: {واعبدوا ربكم} أي أخلصوا عبادتكم لله وحده ثم قال جل وعز: {وافعلوا الخير} أي كل ما أمر الله به
ثم قال جل وعز: {لعلكم تفلحون} أي لتكونوا على رجاء من الفلاح). [معاني القرآن: 4/434-433]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده} [الحج: 78] وهي مثل قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} [آل عمران: 102].
وهما منسوختان نسختهما الآية الّتي في التّغابن: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} [التغابن: 16] قوله: {هو اجتباكم} [الحج: 78] اصطفاكم، ويقال: اختاركم لدينه.
وهو واحدٌ.
{وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} [الحج: 78] من ضيقٍ.
- ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة، عن أبي تميمٍ الجيشانيّ، عن سعيد بن المسيّب أنّه سمع حذيفة بن اليمان يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لقد أعطاني ربّي بأنّي أوّل الأنبياء دخولا الجنّة، وطيّب لي ولأمّتي الغنيمة، وأحلّ لنا كثيرًا ممّا شدّد به على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدّين من حرجٍ».
- ابن لهيعة، عن زيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن شهابٍ، عن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ، عن أبيه قال: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} [الحج: 78] يعني من ضيقٍ.
جعل اللّه الكفّارات مخرجًا من ذلك.
- همّامٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خير دينكم أيسره».
قال قتادة: إنّ كتاب اللّه قد جاءكم بذاك وربّ الكعبة: {يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]
[تفسير القرآن العظيم: 1/390]
- أبو أميّة، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّدٍ بيده ما اجتمع أمران في الإسلام إلا كان أحبّهما إلى اللّه أيسرهما».
- بحرٌ السّقّاء، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة قالت: ما عرض لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمران قطّ إلا أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثمًا.
وكان أبعد النّاس من الإثم.
قوله: {ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين} [الحج: 78] اللّه سمّاكم المسلمين.
{من قبل} [الحج: 78] هذا أي من قبل هذا القرآن في الكتب كلّها الأولى، وفي الذّكر.
{وفي هذا} [الحج: 78] القرآن.
قوله: {ليكون الرّسول شهيدًا عليكم} [الحج: 78] بأنّه قد بلّغ.
{ليكون الرّسول شهيدًا عليكم} [الحج: 78] على الأمم بأنّ الرّسل قد بلّغت قومها.
سعيدٌ، عن قتادة أنّ كعبًا قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى أعطى هذه الأمّة ثلاثًا لم يعطهنّ قبلهم إلا نبيًّا مرسلًا: كان يبعث النّبيّ فيقول: أنت شاهدي على أمّتك، وإنّ اللّه جعلكم شهداء على النّاس.
ويبعث النّبيّ فيقول: ادعني استجب لك وقال: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60].
ويبعث النّبيّ فيقول: ليس عليك في الدّين من حرجٍ وقال: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} [الحج: 78] قوله: {فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} [الحج: 78] هما فريضتان واجبتان.
أمّا الصّلاة فالصّلوات الخمس يقيمونها على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها وسجودها.
وأمّا الزّكاة فقد فسّرناها في أحاديث الزّكاة على ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها.
قوله: {واعتصموا باللّه} [الحج: 78] بدين اللّه، فهو اعتصامكم باللّه في تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ: بتوحيد اللّه.
وهو واحدٌ.
قوله: {هو مولاكم} [الحج: 78] وليّكم.
{فنعم المولى ونعم النّصير} [الحج: 78] وعدهم النّصر على أعدائه المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/391]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {في الدّين من حرجٍ...}
من ضيق.
وقوله: {مّلّة أبيكم} نصبتها على: وسّع عليكم كملّة أبيكم إبراهيم؛ لأن قوله: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} يقول: وسّعه وسمّحه كملّة إبراهيم، فإذا ألقيت الكاف نصبت، وقد تنصب {ملّة إبراهيم} على الأمر بها؛ لأن أول الكلام أمر كأنّه قال: اركعوا والزموا ملّة إبراهيم.
وقوله: {من قبل وفي هذا} يعني القرآن). [معاني القرآن: 2/231]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فنعم المولى} أي الرب). [مجاز القرآن: 2/54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ مّلّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرّسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على النّاس فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النّصير}
وقال: {مّلّة أبيكم إبراهيم} نصب على الأمر). [معاني القرآن: 3/12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وما جعل عليكم في الدين من حرج}: من ضيق). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هو اجتباكم} أي اختاركم.
{وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} أي ضيق.
{هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا} يعني القرآن.
{ليكون الرّسول شهيداً عليكم} أي قد بلغكم.
{وتكونوا شهداء على النّاس} بأن الرسل قد بلغتهم.
{فنعم المولى} أي الولي.
{ونعم النّصير} أي الناصر. مثل قدير وقادر، وسميع وسامع). [تفسير غريب القرآن: 295]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما الضيق بعينه فقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق.
و{يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} وحَرِجًا. ومنه الحرجة وهي: الشجر الملتفّ). [تأويل مشكل القرآن: 484] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرّسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على النّاس فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النّصير}
قيل إنه بمنزلة قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} وأن نسخها قوله: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم}.
وقوله: {هو اجتباكم} معناه: اختاركم.
وقوله: {وما جعل عليكم في الدّين من حرج} أي من ضيق، جعل الله على من لم يستطع الشيء الذي يثقل في وقت، ما هو أخف منه، فجعل للصائم الإفطار في السفر،
وبقصر الصلاة للمصلّي إذا لم يطق القيام أن يصلّي قاعدا، وإن لم يطق القعود أن يومئ إيماء، وجعل للرجل أن يتزوج أربعا، وجعل له جميع ما ملكته يمينه.
فوسّع اللّه - عزّ وجلّ - على خلقه.
وقوله: {ملّة أبيكم إبراهيم} معناه اتبعوا ملّة أبيكم إبراهيم.
وجائز أن يكون منصوبا بقوله: اعبدوا ربكم وافعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم.
وقوله: {هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا}." هو " راجعة إلى اللّه - عر وجل - المعنى: اللّه سمّاكم المسلمين من قبل أن ينزّل القرآن، وفي هذا القرآن سمّاكم المسلمين.
وجائز أن يكون إبراهيم عليه السلام سمّاكم المسلمين من قبل، وفي هذا، أي حكم إبراهيم أن كل من آمن بمحمد موحّدا للّه فقد سمّاه إبراهيم مسلما.
وقوله: {وتكونوا شهداء على النّاس} يروى أن الله سبحانه أعطى هذه الأمة ثلاثة أشياء لم يعطها إلا الأنبياء.
جعلت شهيدة على سائر الأمم، والشهادة لكل نبيّ على أمّته.
وأن يقال للنبي عليه السلام: اذهب ولا حرج عليك، وقال اللّه لهذه الأمّة: {وما جعل عليكم في الدّين من حرج}، وأنه قال لكل نبيّ سل تعطه،
وقال لهذه الأمّة: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} ). [معاني القرآن: 3/440-439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجاهدوا في الله حق جهاده}
قيل هذا منسوخ وهو مثل قوله: {اتقوا الله حق تقاته} نسخه {فاتقوا الله ما استطعتم}
ثم قال جل وعز: {هو اجتباكم أي اختاركم ثم قال وما جعل عليكم في الدين من حرج}
قال أبو هريرة الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم
روى يونس عن الزهري قال سأل عبد الملك بن مروان علي ابن عبد الله ابن عباس عن قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} فقال هو الضيق جعل لكفارات الأيمان مخرجا سمعت ابن عباس يقول ذلك قال أبو جعفر أصل الحرج في اللغة أشد الضيق وقد قيل إن المعنى أنه جعل للمسافر الإفطار وقصر الصلاة ولمن لم يقدر أن يصلي قائما الصلاة قاعدا وإن لم يقدر أومأ فلم يضيق جل وعز
وروى معمر عن قتادة قال أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم يعطها إلا نبي
أ-كأن يقال للنبي اذهب فلا حرج عليك وقيل لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج
ب-والنبي صلى الله عليه وسلم شهيد على أمته وقيل لهذه الأمة {وتكونوا شهداء على الناس}
ج- ويقال للنبي صلى الله عليه وسلم سل تعطه وقيل لهذه الأمة وقال ربكم ادعوني استجب لكم
وقال كعب الأحبار نحو هذا
وقال عكرمة أحل النساء مثنى وثلاث ورباع
وروى عن ابن عباس جعل التوبة مقبولة
وقوله جل وعز: {ملة أبيكم إبراهيم}
أي وسع عليكم كما وسع عليه صلى الله عليه وسلم وقيل افعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم
ثم قال تعالى: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول الله جل وعز: {سماكم}
قال مجاهد من قبل أي في الكتب والذكر
قال أبو جعفر وفي هذا يعني القرآن
ثم قال جل وعز: {ليكون الرسول شهيدا عليكم}
قال سفيان أي بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن الرسل قد بلغتهم
وقوله جل وعز: {فنعم المولى} أي الولي {ونعم النصير} أي الناصر كما يقول قدير وقادر ورحيم وراحم). [معاني القرآن: 4/437-434]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ حَرَجٍ}: ضيق). [العمدة في غريب القرآن: 214]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة