العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:46 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (49) إلى الآية (51) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (49) إلى الآية (51) ]

{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:03 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وأبرئ الأكمه والأبرص قال الأكمه الأعمى). [تفسير عبد الرزاق: 1/121]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم قال أنبئكم بما تأكلون من المائدة وما
[تفسير عبد الرزاق: 1/121]
تدخرون منها قال وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا فادخروا وخانوا فجعلوا خنازير حين ادخروا فذلك قوله تعالى فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحد من العلمين
قال معمر ذكره قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر). [تفسير عبد الرزاق: 1/122]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا إسماعيل بن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ - في قوله عزّ وجلّ: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} -، قال: كان عيسى ابن مريم يقول للغلام في الكتّاب: إنّ أهلك قد خبّأوا لك كذا وكذا، فذلك قوله: {وما تدّخرون} ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1043]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {وأبرئ الأكمه} قال: الأكمه الّذي يبصر بالنّهار ولا يبصر بالليل فهو يتكمه). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 75]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} قال: ما أكلتم البارحة من طعامٍ، وما خبأتم، عيسى يقوله). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 75]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن اللّه وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن اللّه وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآيةً لّكم إن كنتم مّؤمنين}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ورسولا} ونجعله رسولا إلى بني إسرائيل، فترك ذكر ونجعله، لدلالة الكلام عليه، كما قال الشّاعر:
ورأيت زوجك في الوغى = متقلّدًا سيفًا ورمحا
وقوله: {أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم} بمعنى: ونجعله رسولاً إلى بني إسرائيل بأنّه نبيٌّ وبشيرٌ ونذيرٌى؛ وحجّتي عن صدقي في ذلك أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم، يعني بعلامةٍ من ربّكم تحقّق قولي وتصدّق خبري، أنّي رسولٌ من ربّكم إليكم.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم} أي تحقّق بها نبوّتي، وأنّي رسولٌ منه إليكم). [جامع البيان: 5/418]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن اللّه}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم، ثمّ بيّن عن الآية ما هي، فقال: {أنّي أخلق لكم} فتأويل الكلام: ورسولاً إلى بني إسرائيل بأنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم بأن أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير.
والطّير جمع طائرٍ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل الحجاز: (كهيئة الطّائر فأنفخ فيه فيكون طائرًا)، على التّوحيد.
وقرأه آخرون: {كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيرًا} على الجماع كليهما.
وأعجب القراءات إليّ في ذلك قراءة من قرأ: {كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيرًا} على الجماع فيهما جميعًا؛ لأنّ ذلك كان من صفة عيسى أنّه يفعل ذلك بإذن اللّه، وأنّه موافقٌ لخطّ المصحف، واتّباع خطّ المصحف مع صحّة المعنى واستفاضة القراءة به أعجب إليّ من خلاف المصحف.
وكان خلق عيسى: ما كان يخلق من الطّير.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق أنّ عيسى، صلوات اللّه عليه، جلس يومًا مع غلمانٍ من الكتّاب، فأخذ طينًا، ثمّ قال: أجعل لكم من هذا الطّين طائرًا؟ قالوا: وتستطيع ذلك؟ قال: نعم بإذن ربّي، ثمّ هيّأه حتّى إذا جعله في هيئة الطّائر نفخ فيه، ثمّ قال: كن طائرًا بإذن اللّه فخرج يطير بين كفّيه، فخرج الغلمان بذلك من أمره فذكروه لمعلّمهم، فأفشوه في النّاس، وترعرع. فهمّت به بنو إسرائيل، فلمّا خافت أمّه عليه حملته على حميرٍ لها ثمّ خرجت به هاربةً
وذكر أنّه لمّا أراد أن يخلق الطّير من الطّين سألهم: أيّ الطّير أشدّ خلقًا؟ فقيل له الخفّاش.
- كما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قوله: {أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير} قال: أيّ الطّير أشدّ خلقًا؟ قالوا: الخفّاش إنّما هو لحمٌ، قال ففعل
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {فأنفخ فيه} وقد قيل: {أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير}؟
قيل: لأنّ معنى الكلام: فأنفخ في الطّير، ولو كان ذلك: فأنفخ فيها، كان صحيحًا جائزًا كما قال في المائدة: {فأنفخ فيه} يريد: فأنفخ في الهيئة.
وقد ذكر أنّ ذلك في إحدى القراءتين: فأنفخها بغير في، وقد تفعل العرب مثل ذلك فتقول: ربّ ليلةٍ قد بتّها وبتّ فيها، قال الشّاعر:
ما شقّ جيبٌ ولا قامتك نائحةٌ = ولا بكتك جيادٌ عند أسلاب.
بمعنى: ولا قامت عليك، وكما قال الآخر:
إحدى بني عيّذ اللّه استمرّ بها = حلو العصارة حتّى ينفخ الصّور). [جامع البيان: 5/418-420]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأبرئ الأكمه والأبرص}
يعني بقوله: {وأبرئ} وأشفي، يقال منه: أبرأ اللّه المريض: إذا شفاه منه، فهو يبرئه إبراءً، وبرأ المريض فهو يبرأ برءًا، وقد يقال أيضًا: برئ المريض فهو يبرأ، لغتان معروفتان.
واختلف أهل التّأويل في معنى الأكمه، فقال بعضهم: هو الّذي لا يبصر باللّيل، ويبصر بالنّهار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {وأبرئ الأكمه} قال: الأكمه: الّذي يبصر بالنّهار، ولا يبصر باللّيل، فهو يتكمّه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
وقال آخرون: هو الأعمى الّذي ولدته أمّه كذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كنّا نحدّث أنّ الأكمه الّذي ولد وهو أعمى مضموم العينين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، في قوله: {وأبرئ الأكمه والأبرص} قال: كنّا نحدّث أنّ الأكمه الّذي ولد وهو أعمى مضموم العينين.
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشرٌ،بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: الأكمه: الّذي يولد وهو أعمى
وقال آخرون: بل هو الأعمى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وأبرئ الأكمه} هو الأعمى.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: الأعمى.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وأبرئ الأكمه} قال: الأكمه: الأعمى.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وأبرئ الأكمه} قال: الأعمى.
وقال آخرون: هو الأعمش.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {وأبرئ الأكمه} قال: الأعمش
والمعروف عند العرب من معنى الكمه: العمى، يقال منه: كمهت عينه، فهي تكمه كمهًا، وأكمهتها أنا: إذا أعميتها كما قال سويد بن أبي كاهلٍ:
كمهت عيناه حتّى ابيضّتا = فهو يلحى نفسه لمّا نزع
ومنه قول رؤبة:
هرّجت فارتدّ ارتداد الأكمه = في غائلات الحائر المتهته
وإنّما أخبر اللّه عزّ وجلّ عن عيسى صلوات اللّه عليه، أنّه يقول ذلك لبني إسرائيل، احتجاجًا منه بهذه العبر والآيات عليهم في نبوّته، وذلك أنّ الكمه والبرص لا علاج لهما، فيقدر على إبرائه ذو طبٍّ بعلاجٍ، فكان ذلك من أدلّته على صدق قيله: إنّه للّه رسولٌ؛ لأنّه من المعجزات مع سائر الآيات الّتي أعطاه اللّه إيّاها دلالةٌ على نبوّته
فأمّا ما قال عكرمة، من أنّ الكمه العمش، وما قاله مجاهدٌ: من أنّه سوء البصر باللّيل، فلا معنى لهما؛ لأنّ اللّه لا يحتجّ على خلقه بحجّةٍ تكون لهم السّبيل إلى معارضته فيها، ولو كان ممّا احتجّ به عيسى على بني إسرائيل في نبوّته أنّه يبرئ الأعمش، أو الّذي يبصر بالنّهار ولا يبصر باللّيل لقدروا على معارضته بأن يقولوا: وما في هذا لك من الحجّة، وفينا خلقٌ ممّا يعالج ذلك وليسوا للّه أنبياء ولا رسلاً؟ ففي ذلك دلالةٌ بيّنةٌ على صحّة ما قلنا من أنّ الأكمه: هو الأعمى الّذي لا يبصر شيئًا لا ليلاً ولا نهارًا، وهو بما قال قتادة: من أنّه المولود كذلك أشبه؛ لأنّ علاج مثل ذلك لا يدّعيه أحدٌ من البشر، إلاّ من أعطاه اللّه مثل الّذي أعطى عيسى، وكذلك علاج الأبرص). [جامع البيان: 5/420-424]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأحيي الموتى بإذن اللّه وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم}
وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء اللّه، يدعو لهم، فيستجيب له.
- كما: حدّثني محمّد بن سهل بن عسكرٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: لمّا صار عيسى ابن اثنتي عشرة سنةً أوحى اللّه إلى أمّه وهي بأرض مصر، وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر أن اطلعي به إلى الشّام، ففعلت الّذي أمرت به فلم تزل بالشّام حتّى كان ابن ثلاثين سنةً، وكانت نبوّته ثلاث سنين، ثمّ رفعه اللّه إليه قال: وزعم وهبٌ أنّه ربّما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفًا، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق منهم ذلك أتاه عيسى يمشي إليه، وإنّما كان يداويهم بالدّعاء إلى اللّه.
وأمّا قوله: {وأنبّئكم بما تأكلون} فإنّه يعني: وأخبركم بما تأكلونه ممّا لم أعاينه وأشاهده معكم في وقت أكلكموه {وما تدّخرون} يعني بذلك: وما ترفعونه فتخبّئونه ولا تأكلونه، يعلمهم أنّ من حجّته أيضًا على نبوّته مع المعجزات الّتي أعلمهم أنّه يأتي بها حجّةً على نبوّته وصدقه في خبره أنّ اللّه أرسله إليهم: من خلق الطّير من الطّين، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن اللّه، الّتي لا يطيقها أحدٌ من البشر، إلاّ من أعطاه اللّه ذلك، علمًا له على صدقه، وآيةً له على حقيقة قوله من أنبيائه ورسله، ومن أحبّ من خلقه إنباءه عن الغيب الّذي لا سبيل لأحدٍ من البشر الّذين سبيلهم سبيله عليه.
فإن قال قائلٌ: وما كان في قوله لهم: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} من الحجّة له على صدقه، وقد رأينا المتنجّمة والمتكهّنة تخبر بذلك كثيرًا فتصيب؟
قيل: إنّ المتنجّم والمتكهّن معلومٌ منهما عند من يخبرنه بذلك أنّهما ينبئان به عن استخراجٍ له ببعض الأسباب المؤدية إلى علمه، ولم يكن ذلك كذلك من عيسى صلوات اللّه عليه ومن سائر أنبياء اللّه ورسله، وإنّما كان عيسى يخبر به عن غير استخراجٍ ولا طلبٍ لمعرفته باحتيالٍ، ولكن ابتداءً بإعلام اللّه إيّاه من غير أصلٍ تقدّم ذلك؛ احتذاه، أو بنى عليه أو فزع إليه، كما يفزع المتنجّم إلى حسابه، والمتكهّن إلى رئيه، فذلك هو الفصل بين علم الأنبياء بالغيوب وإخبارهم عنها، وبين علم سائر المتكذّبة على اللّه، أو المدّعية علم ذلك.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لمّا بلغ عيسى تسع سنين أو عشرًا أو نحو ذلك، أدخلته أمّه الكتّاب فيما يزعمون، فكان عند رجلٍ من المكتبين يعلّمه كما يعلّم الغلمان، فلا يذهب يعلّمه شيئًا ممّا يعلّمه الغلمان إلاّ بدره إلى علمه قبل أن يعلّمه إيّاه، فيقول: ألا تعجبون لابن هذه الأرملة؟ ما أذهب أعلّمه شيئًا إلاّ وجدته أعلم به منّي.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: لمّا كبر عيسى أسلمته أمّه يتعلّم التّوراة، فكان يلعب مع الغلمان غلمان القرية الّتي كان فيها، فيحدّث الغلمان بما يصنع آباؤهم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} قال: كان عيسى ابن مريم إذ كان في الكتّاب يخبرهم بما يأكلون في بيوتهم وما يدّخرون.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} قال: إنّ عيسى ابن مريم كان يقول للغلام في الكتّاب: يا فلان، إنّ أهلك قد خبّئوا لك كذا وكذا من الطّعام فتطعمني منه؟
فهكذا فعل الأنبياء وحججها إنّما تأتي بما أتت به من الحجيج بما قد يوصل إليه ببعض الحيل، على غير الوجه الّذي يأتي به غيرها، بل من الوجه الّذي يعلم الخلق أنّه لا يوصل إليه من ذلك الوجه بحيلةٍ إلاّ من قبل اللّه.
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: {وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} قال: بما أكلتم البارحة، وما خبّأتم منه؛ عيسى ابن مريم يقوله
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاء بن أبي رباحٍ يعني قوله: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} قال: الطّعام والشّيء يدّخرونه في بيوتهم غيبًا علّمه اللّه إيّاه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} قال: ما تأكلون: ما أكلتم البارحة من طعامٍ، وما خبّأتم منه.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: كان - يعني عيسى ابن مريم - يحدّث الغلمان وهو معهم في الكتّاب بما يصنع آباؤهم، وبما يرفعون لهم، وبما يأكلون ويقول للغلام: انطلق فقد رفع لك أهلك كذا وكذا، وهم يأكلون كذا وكذا، فينطلق الصّبيّ فيبكي على أهله حتّى يعطوه ذلك الشّيء، فيقولون له: من أخبرك بهذا؟ فيقول: عيسى، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} فحبسوا صبيانهم عنه، وقالوا: لا تلعبوا مع هذا السّاحر، فجمعوهم في بيتٍ، فجاء عيسى يطلبهم، فقالوا: ليس هم هاهنا، فقال: ما في هذا البيت؟ فقالوا: خنازير، قال عيسى: كذلك يكونون، ففتحوا عنهم فإذا هم خنازير، فذلك قوله: {على لسان داود وعيسى ابن مريم}.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {وما تدّخرون في بيوتكم} قال: ما تخبّئون مخافة الّذي يمسك أن لا يخلفه شيءٌ.
وقال آخرون: إنّما عنى بقوله: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} ما تأكلون من المائدة الّتي تنزل عليكم، وما تدّخرون منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} فكان القوم لمّا سألوا المائدة، فكانت جرابًا ينزل عليه أينما كانوا ثمرًا من ثمار الجنّة، فأمر القوم أن لا يخونوا فيه، ولا يخبّئوا، ولا يدّخروا لغدٍ، بلاءٌ ابتلاهم اللّه به، فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئًا أنبأهم به عيسى ابن مريم، فقال: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون} قال: أنبّئكم بما تأكلون من المائدة، وما تدّخرون منها، قال: فكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدّخروا، فادّخروا وخانوا، فجعلوا خنازير حين ادّخروا وخانوا، فذلك قوله: {فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين}
قال ابن يحيى: قال عبد الرّزّاق: قال معمرٌ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّار بن ياسرٍ ذلك.
وأصل يدّخرون من الفعل يفتعلون، من قول القائل: ذخرت الشّيء بالذّال، فأنا أذخره، ثمّ قيل: يدّخر كما قيل: يدّكر، من ذكرت الشّيء، يراد به يذتخر، فلمّا اجتمعت الذّال والتّاء وهما متقاربتا المخرج، ثقل إظهارهما على اللّسان، فأدغمت إحداهما في الأخرى وصيّرتا دالاً مشددّةً صيّروها عدلاً بين الذّال والتّاء، ومن العرب من يغلّب الذّال على التّاء فيدغم التّاء في الذّال، فيقول: وما تدّخرون وهو مدّخرٌ لك، وهو مذّكر واللّغة الّتي بها القراءة الأولى، وذلك إدغام الذّال في التّاء، وإبدالهما دالاً مشدّدةً لا يجوز القراءة بغيرها لتظاهر النّقل من القرّاء بها، وهو اللّغة الجودى، كما قال زهيرٌ:
إنّ الكريم الّذي يعطيك نائله = عفوًا ويظلم أحيانًا فيظّلم
يروى بالظّاء، يريد: فيفتعل من الظّلم، ويروى بالطّاء أيضًا). [جامع البيان: 5/424-430]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ في خلقي من الطّين الطّير بإذن اللّه، وفي إبرائي الأكمه والأبرص، وإحيائي الموتى، وإنبائي إيّاكم بما تأكلون، وما تدّخرون في بيوتكم، ابتداءً من غير حسابٍ وتنجيمٍ، ولا كهانةٍ وعرافةٍ لعبرةً لكم، ومتفكّرًا تتفكّرون في ذلك، فتعتبرون به أنّي محقٌّ في قولي لكم: إنّي رسولٌ من ربّكم إليكم، وتعلمون به أنّي فيما أدعوكم إليه من أمر اللّه ونهيه صادقٌ، إن كنتم مؤمنين، يعني: إن كنتم مصدّقين حجج اللّه وآياته، مقرّين بتوحيده ونبيّه موسى، والتّوراة الّتي جاءكم بها). [جامع البيان: 5/430]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ورسولًا إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن اللّه وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن اللّه وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين (49)
قوله تعالى: ورسولا إلى بني إسرائيل
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق ورسولا إلى بني إسرائيل أي رسول منه إليكم.
قوله تعالى: أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم
- حدّثنا محمّدٌ، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق أي يحقّ بها نبوّتي.
قوله تعالى: أنّي أخلق لكم مّن الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن اللّه
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريج في قوله: أنّي أخلق لكم مّن الطّين كهيئة الطّير قالوا: أى طير أشدّ خلقًا ليخلق عليه.
قوله تعالى: فأنفخ فيه
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قال: ثمّ جعل اللّه على يديه يعني: عيسى أمورًا تدلّ به على قدرته في بعثه، بعث من يريد أن يبعث بعد الموت، وخلقه ما يشاء أن يخلق من شيءٍ، يرى أو لا يرى فجعله ينفخ في الطّين فيكون طيرًا بإذن اللّه.
قوله تعالى: وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وأبرئ الأكمه والأبرص قال: الأكمه:
الّذي يولد وهو أعمى. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن والضّحّاك، والسّدّيّ وقتادة نحو ذلك.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم يعني الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، حدّثني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: الأكمه الأعمى والممسوح العين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا يعقوب بن عبيد النّهرتيريّ، أنبأ أبو عاصمٍ، أنبأ عيسى يعني ابن ميمون بن داية، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: الأكمه: الّذي يتكمّه باللّيل، الّذي يبصر بالنّهار ولا يبصر باللّيل.
والوجه الثّالث:
- حدّثني أبي، ثنا نصر بن عليٍّ، أنبأ حفص بن عمر، عن الحكم ابن أبان، عن عكرمة وأبرئ الأكمه قال: الأعمش.
قوله تعالى: وأنبئكم بما تأكلون
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وأنبّئكم بما تأكلون بما أكلتم البارحة من الطّعام، وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة وأنبّئكم بما تأكلون قال: أنبّئكم بما تأكلون من المائدة. قال: معمرٌ ذكره قتادة عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّار بن ياسر.
قوله تعالى: وما تدّخرون في بيوتكم
[الوجه الأول]
- وبه عن قتادة وما تدّخرون في بيوتكم قال: وما تدّخرون منها يعني:
من المائدة. قال: وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدّخروا، فجعلوا خنازير حين ادّخروا وخانوا، فذلك قوله تعالى: فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين قال معمرٌ: ذكره قتادة عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّار بن ياسر.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وما تدّخرون في بيوتكم قال: ما خبّأتم منه، عيسى يقوله. قال: أبو محمّدٍ، وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا أبو سلمة ثنا، أبو عوانة، عن إسماعيل بن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: أنّ عيسى كان يقول للغلام في الكتاب: إنّ أهلك قد خبّأوا لك من الطّعام كذا وكذا، فهل تطعمني منه، فهو قوله: وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم.
قوله تعالى: إنّ
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: إنّ بكسر الألف فلم يكن.
قوله تعالى: إنّ في ذلك
- وبه عن أبي مالكٍ قوله: ذلك يعني: هذا
قوله تعالى: لآيةً لكم
- حدّثنا محمّدٌ، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق إنّ في ذلك لآيةً لكم أي رسول من اللّه إليكم إن كنتم مؤمنين.
قوله: مؤمنين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ إن كنتم مؤمنين يعني:
مصدّقين). [تفسير القرآن العظيم: 2/654-657]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون يعني ما خبأتم منه عيسى يقوله). [تفسير مجاهد: 127]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال
[تفسير مجاهد: 127]
نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل). [تفسير مجاهد: 128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 49.
أخرج ابن جرير عن ابن إسحاق أن عيسى جلس يوما مع غلمان من الكتاب فأخذ طينا ثم قال: أجعل لكم من هذا الطين طائرا قالوا: أو تستطيع ذلك قال: نعم، بإذن ربي، ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ثم قال: كن طائرا بإذن الله فخرج يطير من بين كفيه وخرج الغلمان بذلك من أمره فذكروه لمعلمهم فأفشوه في الناس.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج، أن عيسى قال: أي الطير أشد خلقا قال: الخفاش إنما هو لحم ففعل.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: إنما خلق عيسى طيرا واحدا، وهو الخفاش
قوله تعالى: {وأبرئ الأكمه والأبرص}.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس {الأكمه} الذي يولد وهو أعمى.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس قال {الأكمه} الأعمى الممسوح العين.
وأخرج أبو عبيد والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال {الأكمه} الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن عكرمة قال: {الأكمه} الأعمش.
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال: كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزمنى والعميان والمجانين وغيرهم: اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك وأنت جبار من في السماء وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك أنت ملك من في السماء وملك من في الأرض لا ملك فيهما غيرك قدرتك في السماء كقدرتك في الأرض وسلطانك في الأرض كسلطانك في السماء أسألك باسمك الكريم ووجهك المنير وملكك القديم إنك على كل شيء قدير، قال وهب: هذا للفزع والمجنون يقرأ عليه ويكتب له ويسقى ماؤه إن شاء الله تعالى.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن وهب قال: لما صار عيسى ابن اثنتي عشرة سنة أوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر - وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر - أن اطلعي به إلى الشام ففعلت فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين ثم رفعه الله إليه، وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفا، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ومن لم يطق ذلك منهم أتاه فمشى إليه وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله تعالى، قوله تعالى: {وأحيي الموتى بإذن الله}.
أخرج البيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن طلحة عن رجل، أن عيسى بن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الركعة الأولى (تبارك الذي بيده الملك) (الملك الآية 1) وفي الثانية (تنزيل السجدة) (السجدة الآية 2) فإذا فرغ مدح الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديم يا حي يا دائم يا فرد يا وتر يا أحد يا صمد، قال البيهقي: ليس هذا بالقوي، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن أبي بشر عن أبي الهذيل بلفظه وزاد في آخره: وكانت إذا أصابته شدة دعا بسبعة أسماء أخرى: يا حي يا قيوم يا الله يا رحمن يا ذا الجلال والاكرام يا نور السموات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم يا رب.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن معاوية بن قرة قال: سألت بنو إسرائيل عيسى فقالوا: إن سام بن نوح دفن ههنا قريبا فادع الله أن يبعثه لنا، فهتف فخرج أشمط، قالوا: إنه قد مات وهو شاب فما هذا البياض قال: ظننت أنها الصيحة ففزعت.
وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: كانت إليهود يجتمعون إلى عيسى ويستهزئون به ويقولون له: يا عيسى ما أكل فلان البارحة وما ادخر في بيته لغد، فيخبرهم فيسخرون منه حتى إذا طال به وبهم وكان عيسى عليه السلام ليس له قرار ولا موضع يعرف إنما هو سائح في الأرض فمر ذات يوم بامرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فسألها، فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، فصلى عيسى ركعتين ثم نادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي فتحرك القبر ثم نادى الثانية فانصدع القبر ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب فقالت أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا يا روح الله سل ربي أن يردني إلى الأخرة وأن يهون علي كرب الموت، فدعا ربه فقبضها إليه فاستوت عليها الأرض، فبلغ ذلك إليهود فازدادوا عليه غضبا وكان ملك منهم في ناحية في مدينة يقال لها نصيبين جبارا عاتيا وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهل تلك المدينة إلى
المراجعة فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحواريون فقال لأصحابه: ألا رجل منكم ينطلق إلى المدينة فينادي فيها فيقول: إن عيسى عبد الله ورسوله، فقام رجل من الحواريين يقال له يعقوب فقال: أنا يا روح الله، قال: فاذهب فأنت أول من يتبرأ مني فقام آخر يقال له توصار وقال له: أنا معه قال: وأنت معه ومشيا فقام شمعون فقال: يا روح الله أكون ثالثهم فائذن لي أن أنال منك إن اضطررت إلى ذلك قال: نعم، فانطلقوا حتى إذا كانوا قريبا من المدينة قال لهما شمعون: ادخلا المدينة فبلغا ما أمرتما وأنا مقيم مكاني فإن ابتليتما أقبلت لكما، فانطلقا حتى دخلا المدينة وقد تحدث الناس بأمر عيسى وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه، فنادى أحدهما وهو الأول: ألا إن عيسى عبد الله ورسوله فوثبوا إليهما من القائل أن عيسى عبد الله ورسوله فتبرأ الذي نادى فقال: ما قلت شيئا فقال الآخر: قد قلت وأنا أقول: إن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا به يا معشر بني إسرائيل خيرا لكم فانطلقوا به إلى ملكهم وكان جبارا طاغيا فقال له: ويلك ما تقول قال: أقول: إن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، قال: كذبت، فقذفوا عيسى وأمه بالبهتان ثم قال له: تبرأ ويلك من عيسى وقل فيه مقالتنا، قال: لا أفعل، قال: إن لم تفعل قطعت يديك ورجليك وسمرت عينيك، فقال: افعل بنا ما أنت فاعل، ففعل به ذلك فألقاه على مزبلة في وسط مدينتهم، ثم أن الملك هم أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع الناس فقال لهم: ما بال هذا المسكين قالوا: يزعم أن عيسى عبد الله ورسوله فقال شمعون: إأيها الملك أتأذن لي فأدنو منه فأسأله قال: نعم، قال له شمعون: أيها المبتلى ما تقول قال: أقول أن عيسى عبد الله ورسوله، قال: فما آية تعرفه قال {وتبرئ الأكمه والأبرص} والسقيم، قال: هذا يفعله الأطباء فهل غيره قال: نعم يخبركم بما تأكلون وما تدخرون قال: هذا تفعله الكهنة فهل غير هذا قال: نعم {تخلق من الطين كهيئة الطير} قال: هذا قد تفعله السحرة يكون أخذه منهم، فجعل الملك يتعجب منه وسؤاله، قال: هل غير هذا قال: نعم، {يحيي الموتى}، قال: أيها الملك إنه ذكر أمرا عظيما وما أظن خلقا يقدر على ذلك إلا بإذن الله
ولا يقضي الله ذلك على يد ساحر كذاب فإن لم يكن عيسى رسولا فلا يقدر على ذلك وما فعل الله ذلك لأحد إلا لإبراهيم حين سأل ربه (أرني كيف تحيي الموتى) (البقرة الآية 260) ومن مثل إبراهيم خليل الرحمن.
وأخرج ابن جرير عن ابن السدي، وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما بعث الله عيسى عليه السلام وأمره بالدعوة لقيه بنو إسرائيل فأخرجوه فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض فنزلوا في قرية على رجل فأضافهم وأحسن إليهم وكان لتلك المدينة ملك جبار فجاء ذلك الرجل يوما حزينا فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها: ما شأن زوجك أراه حزينا قالت: إن لنا ملكا يجعل على كل رجل منا يوما يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر فإن لم يفعل عاقبه، وإنه قد بلغت نوبته اليوم وليس عندنا سعة قالت: قولي له فلا يهتم فاني آمر ابني فيدعو له فيكفى ذلك، قالت مريم لعيسى في ذلك، فقال عيسى: يا أماه إني إن فعلت كان في ذلك شر قالت: لا تبال فانه قد أحسن إلينا وأكرمنا، قال عيسى: قولي له املأ قدورك وخوابيك ماء، فملأهن فدعا الله تعالى فتحول ما في القدور لحما ومرقا وخبزا وما في الخوابي خمرا لم ير الناس مثله قط، فلما جاء الملك أكل منه فلما شرب الخمر قال: من أين لك هذا الخمر قال: هو من أرض كذا وكذا، قال الملك: فإن خمري أوتى به من تلك الأرض فليس هو مثل هذا قال: هو من أرض أخرى، فلما خلط على الملك اشتد عليه فقال: إني أخبرك،، عندي غلام لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه وإنه دعا الله تعالى فجعل الماء خمرا فقال له الملك: وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام وكان أحب الخلق إليه فقال: إن رجلا دعا الله تعالى فجعل الماء خمرا ليستجابن له حتى يحيي ابني، فدعا عيسى فكلمه وسأله أن يدعو الله أن يحيي ابنه فقال عيسى: لا تفعل فإنه إن عاش كان شرا قال الملك: لست أبالي أراه فلا أبالي ما كان قال عيسى عليه السلام: فإني إن أحييته تتركوني أنا وأمي نذهب حيث نشاء فقال الملك: نعم، فدعا الله فعاش الغلام، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا: أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه، فاقتتلوا
وذهب عيسى وأمه وصحبهما يهودي وكان مع اليهودي رغيفان ومع عيسى رغيف، فقال له عيسى: تشاركني فقال اليهودي: نعم، فلما رأى أنه ليس مع عيسى عليه السلام إلا رغيف ندم فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف، فيأكل لقمة فيقول له عيسى: ما تصنع فيقول له: لا شيء،، حتى فرغ من الرغيف، فلما أصبحا قال له عيسى: هلم بطعامك فجاء برغيف فقال له عيسى: أين الرغيف الآخر قال: ما كان معي إلا واحد، فسكت عنه وانطلقوا فمروا براعي غنم فنادى عيسى: يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك، قال: نعم، فأعطاه شاة فذبحها وشواها ثم قال لليهودي: كل ولا تكسر عظما، فأكلا فلما شبعوا قذف عيسى العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه وقال: قومي بإذن الله، فقامت الشاة تثغوا فقال: يا صاحب الغنم خذ شاتك فقال له الراعي: من أنت قال: أنا عيسى ابن مريم قال: أنت الساحر وفر منه، قال عيسى لليهودي: بالذي أحيا هذه الشاة بعد ما أكلناها كم كان معك من الأرغفة أو - كم رغيف كان معك - فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد، فمر بصاحب بقر فقال: يا صاحب البقر أجزرنا من بقرك هذه عجلا، فأعطاه فذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر فقال له عيسى: كل ولا تكسر عظما، فلما فرغوا قذف العظام في الجلد ثم ضربه بعصاه وقال: قم بإذن الله تعالى فقام له خوار فقال: يا صاحب البقر خذ عجلك، قال: من أنت قال: أنا عيسى قال: أنت عيسى الساحر ثم فر منه، قال عيسى لليهودي: بالذي أحيا هذه الشاة بعد ما أكلناها والعجل بعدما أكلناه كم رغيفا كان معك فحلف بذلك ما كان معه إلا رغيف واحد، فانطلقا حتى نزلا قرية فنزل اليهودي في أعلاها وعيسى في أسفلها وأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى وقال: أنا اليوم أحيي الموتى، وكان ملك تلك القرية مريضا شديد المرض، فانطلق اليهودي ينادي: من يبغي طبيبا فأخبر بالملك وبوجعه فقال: أدخلوني عليه فأنا أبرئه وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه فقيل له: إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك قال: أدخلوني عليه فأدخل عليه فأخذ الرجل برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات فجعل يضربه وهو ميت ويقول: قم بإذن الله تعالى.
فأخذوه ليصلبوه فبلغ عيسى فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة فقال: أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم أتتركون لي صاحبي فقالوا: نعم، فأحيا عيسى الملك فقام، وأنزل اليهودي فقال: يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة والله لا أفارقك أبدا، قال عيسى أنشدك بالذي أحيا الشاة والعجل بعد ما أكلناهما وأحيا هذا بعد ما مات وأنزلك من الجذع بعد رفعك عليه لتصلب، كم رغيفا كان معك فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد، فانطلقا فمرا بثلاث لبنات فدعا الله عيسى فصيرهن من ذهب قال: يا يهودي لبنة لي ولبنة لك ولبنة لمن أكل الرغيف، قال: أنا أكلت الرغيف.
وأخرج ابن عساكر عن ليث قال: صحب رجل عيسى بن مريم فانطلقا فانتهيا إلى شاطئ نهر فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة فأكلا الرغيفين وبقي رغيف، فقام عيسى إلى النهر يشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف، فقال للرجل: من أكل الرغيف قال: لا أدري فانطلق معه فرأى ظبية معها خشفان فدعا أحدهما فأتاه فذبحه وشواه وأكلا ثم قال للخشف: قم بإذن الله فقام فقال للرجل: أسألك بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف قال: لا أدري ثم انتهيا إلى البحر فأخذ عيسى بيد الرجل فمشى على الماء ثم قال: أنشدك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف قال: لا أدري، ثم انتهيا إلى مفازة وأخذ عيسى ترابا وطينا فقال: كن ذهبا بإذن الله، فصار ذهبا فقسمه ثلاثة أثلاث فقال: ثلث لك وثلث لي وثلث لمن أخذ الرغيف، قال: أنا أخذته، قال: فكله لك وفارقه عيسى فانتهى إليه رجلان فأرادا أن يأخذاه ويقتلاه قال: هو بيننا أثلاثا فابعثوا أحدكم إلى القرية يشتري لنا طعاما، فبعثوا أحدهم فقال الذي بعث: لأي شيء أقاسم هؤلاء المال ولكن أضع في الطعام سما فأقتلهما، وقال ذانك: لأي شيء نعطي هذا ثلث المال ولكن إذا رجع قتلناه، فلما رجع إليهم قتلوه وأكلا الطعام فماتا، فبقي ذلك المال في المفازة وأولئك الثلاثة قتلى عنده.
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الحذاء قال: كان عيسى بن مريم إذا سرح رسله يحيون الموتى يقول لهم: قولوا كذا قولوا كذا فإذا وجدتم قشعريرة ودمعة فادعوا عند ذلك.
وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت قال: انطلق عيسى عليه الصلاة والسلام يزور أخا له فاستقبله إنسان فقال: إن أخاك قد مات، فرجع فسمع بنات أخيه برجوعه عنهن فأتينه فقلن يا رسول الله رجوعك عنا أشد علينا من موت أبينا قال: فانطلقن فأرينني قبره فانطلقن حتى أرينه قبره قال: فصوت به فخرج وهو أشيب فقال: ألست فلانا، قال: بلى، قال: فما الذي أرى بك قال: سمعت صوتك فحسبته الصيحة
أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون} قال: بما أكلتم الراحة من طعام وما خبأتم منه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان عيسى يقول للغلام في الكتاب: إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا، فذلك قوله {وما تدخرون}.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان عيسى بن مريم وهو غلام يلعب مع الصبيان فكان يقول لأحدهم: تريد أن أخبرك بما خبأت لك أمك فيقول: نعم، فيقول: خبأت لك كذا وكذا، فيذهب الغلام منهم إلى أمه فيقول لها: أطعميني ما خبأت لي قالت: وأي شيء خبأت لك فيقول: كذا وكذا، فتقول: من أخبرك فيقول: عيسى بن مريم فقالوا: والله لئن تركتم هؤلاء الصبيان مع عيسى ليفسدنهم، فجمعوهم في بيت وأغلقوا عليهم فخرج عيسى يتلمسهم فلم يجدهم حتى سمع ضوضاءهم في بيت فسأل عنهم فقالوا: يا هؤلاء كأن هؤلاء الصبيان قالوا: لا، إنما هؤلاء قردة وخنازير قال: اللهم اجعلهم قردة وخنازير، فكانوا كذلك.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر قال {وأنبئكم بما تأكلون} من المائدة {وما تدخرون} منها وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا وخافوا فجعلوا قردة وخنازير.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود {وما تدخرون} مثقلة بالإدغام). [الدر المنثور: 3/578-591]

تفسير قوله تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآيةٍ من ربّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون (50) إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيمٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وبأنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم، وجئتكم مصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة، ولذلك نصب مصدّقًا على الحال من جئتكم، والّذي يدلّ على أنّه نصب على قوله وجئتكم دون العطف على قوله: {وجيهًا}، قوله: {لما بين يديّ من التّوراة} ولو كان عطفًا على قوله: {وجيهًا}، لكان الكلام: ومصدّقًا لما بين يديه من التّوراة، وليحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم.
وإنّما قيل: {ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة} لأنّ عيسى صلوات اللّه عليه كان مؤمنًا بالتّوراة مقرًّا بها، وأنّها من عند اللّه، وكذلك الأنبياء كلّهم يصدّقون بكلّ ما كان قبلهم من كتب اللّه ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة اللّه بينهم في ذلك، مع أنّ عيسى كان فيما بلغنا عاملاً بالتّوراة، لم يخالف شيئًا من أحكامها إلاّ ما خفّف اللّه عن أهلها في الإنجيل ممّا كان مشدّدًا عليهم فيها.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: إنّ عيسى كان على شريعة موسى صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس، فقال لبني إسرائيل: إنّي لم أدعكم إلى خلاف حرفٍ ممّا في التّوراة إلاّ لأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم، وأضع عنكم من الآصار.
- حدّثني بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم} كان الّذي جاء به عيسى ألين ممّا جاء به موسى، وكان قد حرّم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثّروب، وأشياء من الطّير والحيتان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم} قال: كان الّذي جاء به عيسى ألين من الّذي جاء به موسى، قال: وكان حرّم عليهم فيما جاء به موسى من التّوراة لحوم الإبل والثّروب فأحلّها لهم على لسان عيسى، وحرّمت عليهم الشّحوم، وأحلّت لهم فيما جاء به عيسى، وفي أشياء من السّمك، وفي أشياء من الطّير ممّا لا صيصية له، وفي أشياء حرّمها عليهم، وشدّدها عليهم، فجاءهم عيسى بالتّخفيف منه في الإنجيل، فكان الّذي جاء به عيسى ألين من الّذي جاء به موسى، صلوات اللّه عليه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم} قال: لحوم الإبل والشّحوم لمّا بعث عيسى أحلّها لهم، وبعث إلى اليهود فاختلفوا وتفرّقوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة} أي لما سبقني منها، {ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم} أي أخبركم أنّه كان حرامًا عليكم، فتركتموه، ثمّ أحلّه لكم تخفيفًا عنكم، فتصيبون يسره وتخرجون من تباعته.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن: {ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم} قال: كان حرّم عليهم أشياء، فجاءهم عيسى ليحلّ لهم الّذي حرّم عليهم، يبتغي بذلك شكرهم). [جامع البيان: 5/430-433]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجئتكم بآيةٍ من ربّكم}
يعني بذلك: وجئتكم بحجّةٍ وعبرةٍ من ربّكم تعلمون بها حقيقة ما أقول لكم.
- كما: حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وجئتكم بآيةٍ من ربّكم} قال: ما بيّن لهم عيسى من الأشياء كلّها، وما أعطاه ربّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وجئتكم بآيةٍ من ربّكم} ما بيّن لهم عيسى من الأشياء كلّها
ويعني بقوله: {من ربّكم} من عند ربّكم). [جامع البيان: 5/433]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاتّقوا اللّه وأطيعون (50) إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مّستقيمٌ}
يعني بذلك: وجئتكم بآيةٍ من ربّكم، تعلمون بها يقينًا صدقي فيما أقول، فاتّقوا اللّه يا معشر بني إسرائيل فيما أمركم به ونهاكم عنه في كتابه الّذي أنزله على موسى فأوفوا بعهده الّذي عاهدتموه فيه، وأطيعون فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما أرسلني به إليكم، ربّي وربّكم فاعبدوه، فإنّه بذلك أرسلني إليكم، وبإحلال بعض ما كان محرّمًا عليكم في كتابكم، وذلك هو الطّريق القويم، والهدى المتين الّذي لا اعوجاج فيه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فاتّقوا اللّه وأطيعون (50) إنّ اللّه ربّي وربّكم} تبرّيًا من الّذي يقولون فيه، يعني ما يقول فيه النّصارى واحتجاجًا لربّه عليهم، فاعبدوه و{هذا صراطٌ مستقيمٌ} أي الّذي هذا قد حملتكم عليه وجئتكم به). [جامع البيان: 5/433-435] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآيةٍ من ربّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون (50)
قوله تعالى: ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة أي لما سبقني منها.
قوله: ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن: ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم قال: كان حرّم عليهم أشياء، فجاءهم عيسى ليحلّ لهم الّذي حرّم عليهم، يبتغي بذلك شكرهم [3557] حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم قال: كان الّذي جاء به عيسى ألين ممّا جاء به موسى. قال: كان حرّم عليهم فيما جاء به موسى من التّوراة: لحوم الإبل، والثّروب ، فأحلّها لهم على لسان عيسى، وحرّمت عليهم أشياء من الطّير مالا صيصة له، في الإنجيل، فكان الّذي جاء به عيسى ألين ممّا جاءهم به موسى.
قوله تعالى: وجئتكم بآيةٍ من ربّكم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وجئتكم بآيةٍ من ربّكم قال: ما بيّن لهم عيسى من الأشياء وما أعطاه ربّه.
قوله: فاتّقوا اللّه وأطيعون
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه ثنا، ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبير فاتقوا الله يعني المؤمنين يحذّرهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/657-658]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وجئتكم بآية من ربكم قال يعني ما بين لهم عيسى من الأشياء). [تفسير مجاهد: 128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 50 - 51.
أخرج ابن جرير عن وهب، أن عيسى كان على شريعة موسى عليهما السلام وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس وقال لبني إسرائيل: إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} وأضع عنكم من الآصار.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} قال: كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب فأحلهما لهم على لسان عيسى وحرمت عليهم الشحوم فأحلت لهم فيما جاء به عيسى وفي أشياء من السمك وفي أشياء من الطير ما لا صيصية له (الصيصية في اللغة شوكة الديك وأراد بها هنا مخلب الطير) وفي أشياء أخر حرمها عليهم وشدد عليهم فيها، فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة، مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وجئتكم بآية من ربكم} قال: ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها وما أعطاه ربه). [الدر المنثور: 3/591-592]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاتّقوا اللّه وأطيعون (50) إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مّستقيمٌ}
يعني بذلك: وجئتكم بآيةٍ من ربّكم، تعلمون بها يقينًا صدقي فيما أقول، فاتّقوا اللّه يا معشر بني إسرائيل فيما أمركم به ونهاكم عنه في كتابه الّذي أنزله على موسى فأوفوا بعهده الّذي عاهدتموه فيه، وأطيعون فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما أرسلني به إليكم، ربّي وربّكم فاعبدوه، فإنّه بذلك أرسلني إليكم، وبإحلال بعض ما كان محرّمًا عليكم في كتابكم، وذلك هو الطّريق القويم، والهدى المتين الّذي لا اعوجاج فيه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فاتّقوا اللّه وأطيعون (50) إنّ اللّه ربّي وربّكم} تبرّيًا من الّذي يقولون فيه، يعني ما يقول فيه النّصارى واحتجاجًا لربّه عليهم، فاعبدوه و{هذا صراطٌ مستقيمٌ} أي الّذي هذا قد حملتكم عليه وجئتكم به
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه} بكسر ألف إنّ على ابتداء الخبر.
وقرأه بعضهم: أنّ اللّه ربّي وربّكم بفتح ألف أنّ بتأويل: وجئتكم بآيةٍ من ربّكم أنّ اللّه ربّي وربّكم، على ردّ أنّ على الآية، والإبدال منها.
والصّواب من القراءة عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك كسر ألف إنّ على الابتداء، لإجماع الحجّة من القرّاء على صحّة ذلك، وما اجتمعت عليه فحجّةٌ، وما انفرد به المنفرد عنها فرأي، ولا يعترض بالرّأي على الحجّة.
وهذه الآية، وإن كان ظاهرها خبرًا، ففيه الحجّة البالغة من اللّه لرسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على الوفد الّذين حاجّوه من أهل نجران بإخبار اللّه عزّ وجلّ عن أنّ عيسى كان بريئًا ممّا نسبه إليه من نسبه، غير الّذي وصف به نفسه، من أنّه للّه عبدٌ كسائر عبيده من أهل الأرض إلاّ ما كان اللّه جلّ ثناؤه خصّه به من النّبوّة والحجج الّتي آتاه دليلاً على صدقه، كما آتى سائر المرسلين غيره من الأعلام والأدلّة على صدقهم، وحجّة على نبوّته). [جامع البيان: 5/433-435]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيمٌ (51) فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون (52)
قوله تعالى: إنّ اللّه ربّي وربّكم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد ابن إسحاق: وجئتكم بآيةٍ مّن رّبّكم فاتّقوا الله وأطيعون إنّ اللّه ربّي وربّكم تبرّئًا ممّا يقولون فيه، واحتجاجًا لربّه عليهم.
قوله تعالى: فاعبدوه
- وبه عن ابن إسحاق قال محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد ابن جبير، عن ابن عباس قوله فاعبدوا أي: وحّدوا.
قوله تعالى: هذا صراطٌ مستقيمٌ
- وبه قال محمّد بن إسحاق هذا صراطٌ مستقيمٌ أي: هذا الهدى قد حملتكم عليه وجئتكم به). [تفسير القرآن العظيم: 2/658-660]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كهيئة الطّير فأنفخ فيه...}, يذهب إلى الطين، وفي المائدة {فتنفخ فيها}ذهب إلى الهيئة، فأنث لتأنيثها، وفي إحدى القراءتين (فأنفخها), وفي قراءة عبد الله: (فأنفخها) بغير في، وهو مما تقوله العرب: ربّ ليلة قد بتّ فيها وبتّها.

ويقال في الفعل أيضاً:
= ولقد أبيت على الطوى وأظلهّ =
تلقى الصفات, وإن اختلفت في الأسماء والأفاعيل, وقال الشاعر:
إذا قالت حذام فأنصتوها = فإن القول ما قالت حذام
وقال الله تبارك وتعالى وهو أصدق قيلا: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}, يريد: كالوا لهم، وقال الشاعر:
ما شقّ جيب ولا قامتك نائحة = ولا بكتك جياد عند أسلاب
وقوله: {وما تدّخرون} , هي تفتعلون من ذخرت، وتقرأ (وما تدخرون) خفيفة على تفعلون، وبعض العرب يقول: تدّخرون , فيجعل الدال, والذال يعتقبان في تفتعلون من ذخرت، وظلمت تقول: مظّلم ومطّلم، ومذّكر ومدّكر، وسمعت بعض بني أسد يقول: قد اتّغر، وهذه اللغة كثيرة فيهم خاصّة. وغيرهم: قد اثّغر.
فأمّا الذين يقولون: يدّخر, ويدّكر, ومدّكر؛ فإنهم وجدوا التاء إذا سكنت, واستقبلتها ذال, دخلت التاء في الذال , فصارت ذالاً، فكرهوا أن تصير التاء ذالاً, فلا يعرف الافتعال من ذلك، فنظروا إلى حرف يكون عدلاً بينهما في المقاربة، فجعلوه مكان التاء, ومكان الذال.
وأمّا الذين غلّبوا الذال: فأمضوا القياس، ولم يلتفتوا إلى أنه حرف واحد، فأدغموا تاء الافتعال عند الذال, والتاء, والطاء.
ولا تنكرنّ اختيارهم الحرف بين الحرفين؛ فقد قالوا: ازدجر, ومعناها: ازتجر، فجعلوا الدال عدلاً بين التاء والزاي,
ولقد قال بعضهم: مزجّر، فغلّب الزاي كما غلّب التاء, وسمعت بعض بني عقيل يقول: عليك بأبوال الظباء, فاصّعطها ؛ فإنها شفاء للطحل، فغلب الصاد على التاء، وتاء الافتعال تصير مع الصاد , والضاد طاء، كذلك الفصيح من الكلام , كما قال الله عز وجل: {فمن اضطرّ في مخمصةٍ}, ومعناها: افتعل من الضرر, وقال الله تبارك وتعالى: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها} , فجعلوا التاء طاء في الافتعال). [معاني القرآن: 1/216]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (الأكمه): الذي يولد من أمه أعمى، قال رؤبة:
وكيد مطّالٍ وخصمٍ مندهٍ= هرّجت فارتدّ ارتداد الأكمه
هرّجته حتى هرج، مثل: هرج الحرّ). [مجاز القرآن: 1/93-94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأكمه}: الذي يولد وهو أعمى).[غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({الأكمه}: الذي يولد أعمى, والجمع كمه). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللّه وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن اللّه وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}, ونصب {ورسولا إلى بني إسرائيل} على وجهين:
أحدهما: ويجعله رسولاًإلى بني إسرائيل،
2- والاختيار عندي - واللّه أعلم -: ويكلم الناس رسولاً إلى بني إسرائيل, والدليل على ذلك: أنّه قال: {أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم}, فالمعنى - واللّه أعلم - ويكلمهم رسولاً بأني قد جئتكم بآية من ربكم، ولو قرئت إني قد جئتكم - بالكسر - كان صواباً, المعنى: إني قد جئتكم بآية من ربكم , أي: بعلامة تثبت رسالتي.

وقوله جلّ وعزّ: {أنّي أخلق لكم من الطّين}, يصلح أن يكون خفضاً, ورفعاً, فالخفض على البدل من (آية) , المعنى: جئتكم بأنّي أخلق لكم من الطّين،
وجائز أن يكون: {إنّي أخلق لكم من الطّين}, يخبرهم بهذه الآية : ما هي؟, أي: أقول لكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطير.

يقال: إنّه صنع؛ كهيئة الخفاش , ونفخ فيه , فصار طيراص,
وجاز أن يكون" فأنفخ فيه للفظ الطين، وقال في موضع آخر: {فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني}, للفظ الهيئة.

{وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن اللّه}: {الأكمه} :الذي يولد أعمى.
قال الراجز:
= هرجت فارتد ارتداد الأكمه
وقوله عزّ وجلّ: {وأنبّئكم بما تأكلون}, أي: أخبركم بمأكولكم، فجائز أن تكون (ما) ههنا في موضع الذي.
والمعنى: أنبئكم بالذي تأكلونه, وتدخرونه، ويجوز أن يكون " ما ", وما وقع بعدها بمنزلة المصدر.
المعنى: أنبئكم بأكلكم, وادخاركم, والأول أجود.
ومعنى تدخرون: جاء في التفسير ما تأكلون في غدوكم, وتدخرون بالدال والذال.
وقال بعض النحويين: إنما اختير تدخرون ؛ لأن التاء تدغم في الذال نحو تذكرون، فكرهوا تذخرون؛ لأنه لا يشبه ذلك، فطلبوا حرفاً بين التاء والذال, فكان ذلك الحرف الدال
وهذا يحتاج صاحبه إلى أن يعرف الحروف المجهورة والمهموسة: وهي فيما زعم الخليل ضربان: فالمهجورة حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه، والمهموس حرف أضعف الاعتماد عليه في موضعه , وجرى معه النفس.
وإنما قيل {تدّخرون} , وأصله: تذخرون، أي: يفتعلون من الذخر؛ لأن الذال حرف مجهور لا يمكن النفس أن يجري معه لشدة اعتماده في مكانه, والتاء مهموسة، فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور يشبه الذال في جهرها, وهو الدال.
فصار تذدخرون, ثم أدغمت الذال في الدال، وهذا أصل الإدغام أن تدغم الأول في الثاني، وتذخرون جائز - فأما ما قال في الملبس فليس تذخرون ملبسا بشيء). [معاني القرآن: 1/413-414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله}
{الأكمه }, قال مجاهد: هو الذي يبصر في النهار, ولا يبصر في الليل ,فهو يتكمه.
قال الكسائي: يقال: كمه يكمه كمها, وقال الضحاك: هو الأعمى.
قال أبو عبيدة: هو الذي يولد أعمى, وأنشد لرؤبة:
= هرجت فارتد ارتداد الأكمه
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}
يجوز أن يكون معنى: الكل, وأنشد للبيد:
تراك أمكنه إذا لم أرضها = أو يرتبط بعض النفوس حمامها
وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة ؛ لأن البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل .
وقال أبو العباس: معنى أو يرتبط بعض النفوس, أو يرتبط نفسي كما يقول بعضنا يعرفه, أي: أنا أعرفه، ومعنى الآية على بعضها: لأن عيسى إنما أحل لهم أشياء مما حرمها عليهم موسى من أكل الشحوم , وغيرها , ولم يحل لهم القتال, ولا السرقة , ولا الفاحشة منها .
والدليل على هذا: أنه روي عن قتادة أنه قال: جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى صلى الله عليهما؛ لأن موسى جاءهم بتحريم الإبل, وأشياء من الشحوم, فجاءهم عيسى بتحليل بعضها). [معاني القرآن: 1/402-404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و{الأكمه}: الذي يولد أعمى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأكْمَهَ}: الذي يولد أعمى). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومصدّقاً...}, نصبت (مصدّقا) على فعل (جئت)، كأنه قال: وجئتكم مصدّقا لما بين يديّ من التوراة، وليس نصبه بتابع لقوله (وجيهاً) ؛ لأنه لو كان كذلك لكان (ومصدّقا لما بين يديه).
وقوله: {ولأحلّ لكم} الواو فيها بمنزلة قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين}). [معاني القرآن: 1/216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم}, بعض يكون شيئاً من الشيء، ويكون كلّ الشيء، قال لبيد بن ربيعة:
تراك أمكنةٍ إذا لم أرضها= أو يعتلق بعض النفوس حمامها
فلا يكون الحمام ينزل ببعض النفوس، فيذهب البعض، ولكنه يأتي على الجميع). [مجاز القرآن: 1/94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومصدّقاً لّما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآيةٍ مّن رّبّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون}, قال تعالى: {ومصدّقاً لّما بين يديّ} على قوله: {وجئتكم}, {مصدّقاً لّما بين يديّ}, {رسولاً}؛لأنه قال: {قد جئتكم بآيةٍ مّن رّبّكم}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{ومصدّقا لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآية من ربّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون}, نصب {مصدّقاً} على الحال، المعنى: وجئتكم مصدقاً لما بين يدي , أي: للكتاب الذي أنزل قبلي فهو أمري أن تتبعوني.
{ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآية من ربّكم}, أي: لم احل لكم شيئا بغير برهان، فهو حق عليكم اتباعي؛ لأني أنبئكم ببرهان، وتحليل طيبات كانت حرمت عليكم.
(فاتّقوا اللّه وأطيعون) أي: اتبعوني.
قال أبو عبيدة: معنى: {ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم}, قال معناه: كل الذي حرم عليكم، وهذا مستحيل في اللغة, وفي التفسير, وما عليه العمل, فأمّا استحالته في اللغة ؛ فإن البعض والجزء لا يكون الكل , وأنشد في ذلك أبو عبيدة بيتاص غلط في معناه , وهو قول لبيد:
تراك منزلة إذا لم أرضها= أو يعتلق بعض النفوس حمامها
قال: المعنى " أو يعتلق كل النفوس حمامها" , وهذا كلام تستعمله الناس، يقول القائل: بعضنا يعرفك يريد أنا أعرفك، فهذا إنما هو تبعيض صحيح, وإنما جاءهم عيسى بتحليل ما كان حراماً عليهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}, وهي نحو الشحوم وما يتبعها في التحريم، فأما أن يكون أحل لهم القتل, والسرقة, والزنا فمحال). [معاني القرآن: 1/415]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مّستقيمٌ}, قال: {إنّ اللّه ربّي وربّكم} , فـ{إنّ} على الابتداء,
وقال بعضهم {أنّ}, فنصب على {وجئتكم بأنّ اللّه ربّي وربّكم}, هذا معناه).
[معاني القرآن: 1/171-172]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى:{إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}
{هذا صراط مستقيم}، أي: هذا طريق الدين مستوياً). [معاني القرآن: 1/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فاعبدوه هذا صراط مستقيم}, أي: هذا طريق واضح). [معاني القرآن: 1/404]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:33 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) }
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (والأكمَهُ: الأعمى، ويقال للذاهب العَقْلِ: إنَّه لأكمهُ). [كتاب الجيم: 3/150]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال غيره: الأكمه من الأضداد. يقال: أكمه

للذي تلده أمه أعمى. قال الله عز وجل: {وأبرئ الأكمه والأبرص}، فقال أبو عبيدة: الأكمه: الذي يولد أعمى، وأنشد لرؤبة:


هرجت فارتد ارتداد الأكمهفي غائـلات الحائـر المتهتـه

وقال ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الأكمه: الذي يبصر بالنهار، ولا يبصر بالليل.
وحدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا حفص بن عمر العدني، قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: {وأبرئ الأكمه}، قال: الأعمش.
ويقال إن قتادة بن دعامة كان أكمه، ولدته أمه أعمى، ويقال: الأكمه: الأعمى وإن ولد بصيرا فحدث به العمى، وقد كمه الرجل إذا عمي، قال الشاعر:


كمهت عينـاه حتـى ابيضتـافهو يلحى نفسه لما نزع).

[كتاب الأضداد: 377-378]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (

كمهت عيناه حتى ابيضتافهو يلحى نفسـه لمـا نـزع

الأكمه: الذي يولد أعمى، يلحى يلوم ولحيته ولحوته من قشر لحاء العود وكذا رواها التوزي ويروى كمهت عينيه أي عمتهما). [شرح المفضليات: 405]

تفسير قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:09 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:09 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:09 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:09 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: ورسولًا حال معطوفة على ويعلّمه إذ التقدير، ومعلما الكتاب، فهذا كله عطف بالمعنى على قوله وجيهاً [آل عمران: 45]، ويحتمل أن يكون التقدير، ويجعله رسولا، وكانت رسالة عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، مبينا حكم التوراة ونادبا إلى العمل بها ومحللا أشياء مما حرم فيها، كالثروب ولحوم الإبل وأشياء من الحيتان والطير، ومن أول القول لمريم إلى قوله إسرائيل خطاب لمريم، ومن قوله، أنّي قد جئتكم إلى قوله مستقيمٌ يحتمل أن يكون خطابا لمريم على معنى يكون من قوله لبني إسرائيل، كيت وكيت، ويكون في آخر الكلام متروك يدل عليه الظاهر تقديره، فجاء عيسى بني إسرائيل رسولا فقال لهم ما تقدم ذكره فلما أحس ويحتمل أن يكون المتروك مقدرا في صدر الكلام بعد قوله، إلى بني إسرائيل فيكون تقديره، فجاء عيسى كما بشر الله رسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم، ويكون قوله: أنّي قد جئتكم ليس بخطاب لمريم، والأول أظهر، وقرأ جمهور الناس «أني قد جئتكم» بفتح الألف، تقديره بأني وقرئ في الشاذ، «إني قد جئتكم»، وجمهور الناس قرؤوا بآية على الإفراد وفي مصحف ابن مسعود «بآيات» وكذلك في قوله بعد هذا وجئتكم بآيات من ربكم واختلف القراء في فتح الألف وكسرها من قوله: أنّي أخلق، فقرأ نافع وجماعة من العلماء، «إني» بكسر الألف، وقرأ باقي السبعة وجماعة من العلماء، «أني» بفتح الألف، فوجه قراءة نافع، إما القطع والاستئناف وإما أنه فسر الآية بقوله، «إني» كما فسر المثل في قوله كمثل آدم بقوله، خلقه من تراب إلى غير ذلك من الأمثلة ووجه قراءة الباقين البدل من آية، كأنه قال: «وجئتكم بأني أخلق»، وقيل: هي بدل من أنّي الأولى، وهذا كله يتقارب في المعنى وأخلق معناه، أقدر وأهيئ بيدي، ومن ذلك قول الشاعر [زهير بن أبي سلمى]: [الكامل]:
ولأنت تفري ما خلقت وبع = ض القوم يخلق ثمّ لا يفري
وقوله لكم تقييد لقوله، أخلق لأنه يدل دلالة ما، على أنه لم يرد الإيجاد من العدم، ويصرح
بذلك قوله بإذن اللّه وحقيقة الخلق في الأجرام، ويستعمل في المعاني، ومنه قوله تعالى: وتخلقون إفكاً [العنكبوت: 17] ومنه قول الشاعر: [مجزوء الكامل مرفّل]
من كان يخلق ما يقو = ل فحيلتي فيه قليله
وجمهور الناس قرأ «كهيئة» على وزن فعلة بفتح الفاء وهو مصدر من قولك، هاء الشيء يهاء هيئا وهيئة، إذا ترتب واستقر على حال ما، وهو الذي تعديه فتقول: هيأت، وقرأ الزهري «كهيّئة الطير»، بكسر الهاء وياء مفتوحة مشددة، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، «كهيئة الطائر فأنفخ فيه فيكون طائرا» على الإفراد في الموضعين، فالأول اسم الجنس والثاني مفرد، أي يكون طائرا من الطيور، وقرأ نافع وحده، «كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طائرا» بالإفراد في الأخير، وهكذا قرأ في المائدة الباقون «كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا» بالجمع فيهما، وكذلك في سورة المائدة، ومعاني هذه القراءات بينة، والطّير اسم جمع وليس من أبنية الجموع، وإنما البناء في جمع طائر أطيار، وجمع الجمع طيور، وحكاه أبو علي عن أبي الحسن، وقوله فأنفخ فيه ذكر الضمير هنا لأنه يحتمل أن يعود على الطين المهيأ، ويحتمل أن يريد فانفخ في المذكور، وأنث الضمير في سورة المائدة في قوله، فتنفخ فيها [المائدة: 110] لأنه يحتمل أن يعود على الهيئة أو على تأنيث لفظ الجماعة في قوله الطّير وكون عيسى عليه السلام خالقا بيده ونافخا بفيه إنما هو ليبين تلبسه بالمعجزة، وأنها جاءت من قبله، وأما الإيجاد من العدم وخلق الحياة في ذلك الطين فمن الله تعالى وحده لا شريك له.
وقوله بإذن اللّه، معناه بعلم منه تعالى أني أفعل ذلك وتمكين منه لي، وحقيقة الإذن في الشيء هي العلم بأنه يفعل والتمكين من ذلك، فإن اقترن بذلك قول فذلك أمكن في الإذن وأبلغ، ويخرج من حد الإذن إلى حد الأمر ولكن تجده أبدا في قسم الإباحة، وتأمل قوله تعالى: فهزموهم بإذن اللّه [البقرة: 251]، وقول النبي عليه السلام، وإذنها صماتها، وروي في قصص هذه الآية، أن عيسى عليه السلام كان يقول لبني إسرائيل: أي الطير أشد خلقة وأصعب أن يحكى؟ فيقولون: الخفاش، لأنه طائر لا ريش له، فكان يصنع من الطين خفافيش ثم ينفخ فيها فتطير، وكل ذلك بحضرة الناس ومعاينتهم، فكانوا يقولون: هذا ساحر.
قوله تعالى: ... وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن اللّه وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين (49)
وأبرئ، معناه أزيل المرض يقال برأ المريض وأبرأه غيره، ويقال: برئ المريض أيضا كما يقال في الذنب والدين.
واختلف المفسرون في الأكمه فقال مجاهد: الأكمه هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل، وقال ابن عباس والحسن والسدي: الأكمه الأعمى على الإطلاق، وقال عكرمة: الأكمه الأعمش، وحكى النقاش قولا: أن الأكمه هو الأبكم الذي لا يفهم ولا يفهم، الميت الفؤاد، وقال ابن
عباس أيضا وقتادة: الأكمه الذي يولد أعمى مضموم العين.
قال القاضي: وقد كان عيسى عليه السلام يبرئ بدعائه ومسح يده كل علة، ولكن الاحتجاج على بني إسرائيل في معنى النبوة لا يقوم إلا بالإبراء من العلل التي لا يبرئ منها طبيب بوجه، فليس يتخلص من هذه الأقوال في الأكمه إلا القول الأخير، إذ الأكمه في اللغة هو الأعمى، وكمهت العين عميت، ولولا ضبط اللغة لكان القول الذي حكى النقاش حسنا في معنى قيام الحجة به، والأبرص معروف، وهو داء لا يبرأ منه إذا تمكن، وروي في إحيائه الموتى، أنه كان يضرب بعصاه الميت أو القبر أو الجمجمة، فيحيي الإنسان ويكلمه، وروي أنه أحيى سام بن نوح عليه السلام، وروي أن الذي كان يحييه كانت تدوم حياته، وروي أنه كان يعود لموته سريعا، وفي قصص الإحياء أحاديث كثيرة لا يوقف على صحتها، وإحياء الموتى هي آيته المعجزة المعرضة للتحدي، وهي بالمعنى متحدى بها وإن كان لم ينص على التحدي بها، وآيات عيسى عليه السلام إنما تجري فيما يعارض الطب لأن علم الطب كان شرف الناس في ذلك الزمان وشغلهم وحينئذ أثيرت فيه العجائب، فلما جاء عيسى عليه السلام بغرائب لا تقتضيها الأمزجة وأصول الطب، وذلك إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص علمت الأطباء أن هذه القوة من عند الله، وهذا كأمر السحرة مع موسى، والفصحاء مع محمد عليه السلام.
ووقع في التواريخ المترجمة عن الأطباء أن جالينوس، كان في زمن عيسى عليه السلام وأنه رحل إليه من رومية إلى الشام ليلقاه فمات في طريقه ذلك.
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: وأنبّئكم الآية، فقال السدي وسعيد بن جبير وابن إسحاق ومجاهد وعطاء: كان عيسى من لدن طفولته وهو في الكتّاب يخبر الصبيان بما يفعل آباؤهم في منازلهم وبما يؤكل من الطعام ويدخر حتى قال بنو إسرائيل لأبنائهم لا تخالطوا هذا الساحر، وكذلك إلى أن نبئ، فكان يقول لكل من سأله عن هذا المعنى، أكلت البارحة كذا، وادخرت كذا، قال ابن إسحاق:
وكان معلمه يريد أن يعلمه الشيء فيسبقه إليه عيسى فيتعجب معلمه من ذلك ويذكره للناس، وقال قتادة، معنى الآية إنما هو في نزول المائدة عليهم. وذلك أنها لما أنزلت أخذ عليهم عهدا أن يأكلوا ولا يخبئ أحد شيئا ولا يدخره ويحمله إلى بيته فخانوا وجعلوا يخبئون من ثمار الجنة وطعامها الذي كان ينزل على المائدة فكان عيسى عليه السلام يخبر كل أحد عما أكل وعما ادخر في بيته من ذلك وعوقبوا على ذلك، وما في قوله بما تأكلون يحتمل أن تكون بمعنى الذي وتحتمل المصدرية وكذلك وما تدّخرون، وقرأ الجمهور، «تدّخرون» بدال مشددة وخاء مكسورة، وهو تفتعلون من ذخرت أصله، «تذخرون» استثقل النطق بالذال والتاء، لتقاربهما في المخرج فأبدلت التاء دالا وأدغمت الذال في الدال، كما صنع في مدكر، ومطلع، بمعنى مضطلع وغير ذلك نحو قول الشاعر: [زهير] [البسيط]
إن الكريم الذي يعطيك نائله = عفوا ويظلم أحيانا فيطّلم
بالطاء غير منقوطة، وقرأ الزهري ومجاهد وأيوب السختياني وأبو السمال «تدخرون» - بدال ساكنة وخاء مفتوحة، وقوله: إنّ في ذلك إشارة إلى ما ذكر من الإحياء والإبراء والإنباء، وفي مصحف ابن مسعود «لآيات» على الجمع، وقوله إن كنتم مؤمنين، توقيف والمعنى، لآيات نافعة هادية إن آمنتم وأبصرتم وإلا فليست بنافعة ولا هادية، فأما كونها آيات فعلى كل حال آمنوا أو كفروا، هذا كله على أن المخاطبة لمن لم يؤمن- بعد- وهو ظاهر حاله مع بني إسرائيل، وإن كان خطابه لمؤمنين، أو كما كانوا مؤمنين بموسى، فمعنى الآية التشبيت وهز النفس كما تقول لإنسان تقيم نفسه إلى شيء: ما أنت يا فلان يلزمك أن تفعل كذا وكذا إن كنت من الرجال). [المحرر الوجيز: 2/226231]

تفسير قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ومصدّقاً لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآيةٍ من ربّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون (50) إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيمٌ (51)
قوله: مصدّقاً حال معطوفة على قوله: أنّي قد جئتكم بآيةٍ [آل عمران: 49]، لأن قوله بآيةٍ في موضع الحال، وكان عيسى عليه السلام مصدقا للتوراة متبعا عاملا بما فيها، قال وهب بن منبه: كان يسبت ويستقبل بيت المقدس، وقال قتادة في تفسير قوله: ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم، كان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى، وقال ابن جريج، أحل لكم لحوم الإبل والشحوم، قال الربيع: وأشياء من السمك، وما لا صيصية له من الطير، وكان في التوراة محرمات تركها شرع عيسى على حالها، فلفظة «البعض» على هذا متمكنة، وقال أبو عبيدة: «البعض» في هذه الآية بمعنى الكل، وخطأه الناس في هذه المقالة وأنشد أبو عبيدة شاهدا على قوله بيت لبيد: [الكامل]
ترّاك أمكنة إذا لم يرضها = أو يخترم بعض النفوس حمامها
وليست في البيت له حجة لأن لبيدا أراد نفسه فهو تبعيض صحيح، وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى: حرّم عليكم إشارة إلى ما حرمه الأحبار بعد موسى وشرعوه، فكأن عيسى رد أحكام التوراة إلى حقائقها التي نزلت من عند الله تعالى، وقال عكرمة: «حرم عليكم» بفتح الحاء والراء المشددة، وإسناد الفعل إلى الله تعالى أو إلى موسى عليه السلام، وقرأ الجمهور وجئتكم بآيةٍ وفي مصحف عبد الله بن مسعود، «وجئتكم بآيات» من ربكم، وقوله تعالى: فاتّقوا اللّه وأطيعون تحذير ودعاء إلى الله تعالى). [المحرر الوجيز: 2/231-232]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس إنّ اللّه ربّي وربّكم بكسر الألف على استئناف الخبر، وقرأه قوم «أن الله ربي وربكم» بفتح الألف قال الطبري: «إن» بدل من «آية»، في قوله جئتكم بآيةٍ، وفي هذا ضعف وإنما التقدير أطيعون، لأن الله ربي وربكم، أو يكون المعنى، لأن الله ربي وربكم فاعبدوه، وقوله هذا صراطٌ مستقيمٌ إشارة إلى قوله: إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه، وهو لأن ألفاظه جمعت الإيمان والطاعات، والصراط، الطريق، والمستقيم، الذي لا اعوجاج فيه). [المحرر الوجيز: 2/232]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:10 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:10 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ورسولا إلى بني إسرائيل} أي: [و] يجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، قائلًا لهم: {أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن اللّه} وكذلك كان يفعل: يصوّر من الطّين شكل طيرٍ، ثمّ ينفخ فيه، فيطير عيانًا بإذن اللّه، عزّ وجلّ، الّذي جعل هذا معجزةً يدلّ على أنّ اللّه أرسله.
{وأبرئ الأكمه} قيل: هو الّذي يبصر نهارًا ولا يبصر ليلًا. وقيل بالعكس. وقيل: هو الأعشى. وقيل: الأعمش. وقيل: هو الّذي يولد أعمى. وهو أشبه؛ لأنّه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي {والأبرص} معروف.
{وأحيي الموتى بإذن اللّه} قال كثيرٌ من العلماء: بعث اللّه كلّ نبيٍّ من الأنبياء بمعجزةٍ تناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى، عليه السّلام، السّحر وتعظيم السّحرة. فبعثه اللّه بمعجزةٍ بهرت الأبصار وحيّرت كلّ سحّارٍ، فلمّا استيقنوا أنّها من عند العظيم الجبّار انقادوا للإسلام، وصاروا من الأبرار. وأمّا عيسى، عليه السّلام، فبعث في زمن الأطبّاء وأصحاب علم الطّبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحدٍ إليه، إلّا أن يكون مؤيّدًا من الّذي شرع الشّريعة. فمن أين للطّبيب قدرةٌ على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه، والأبرص، وبعث من هو في قبره رهينٌ إلى يوم التّناد؟ وكذلك محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه [اللّه] في زمن الفصحاء والبلغاء ونحارير الشّعراء، فأتاهم بكتابٍ من اللّه، عزّ وجلّ، لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سورٍ من مثله، أو بسورةٍ من مثله لم يستطيعوا أبدًا، ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا، وما ذاك إلّا لأنّ كلام الرّبّ لا يشبهه كلام الخلق أبدًا.
وقوله: {وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم} أي: أخبركم بما أكل أحدكم الآن، وما هو مدّخرٌ [له] في بيته لغده {إنّ في ذلك} أي: في ذلك كلّه {لآيةً لكم} أي: على صدقي فيما جئتكم به. {إن كنتم مؤمنين} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/44-45]

تفسير قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة} أي: مقرّرٌ لهم ومثبّت {ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم} فيه دلالةٌ على أنّ عيسى، عليه السّلام، نسخ بعض شريعة التّوراة، وهو الصّحيح من القولين، ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئًا، وإنّما أحلّ لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه فأخطؤوا، فكشف لهم عن المغطّى في ذلك، كما قال في الآية الأخرى: {ولأبيّن لكم بعض الّذي تختلفون فيه} [الزّخرف: 63] واللّه أعلم.
ثمّ قال: {وجئتكم بآيةٍ من ربّكم} أي: بحجّةٍ ودلالةٍ على صدقي فيما أقوله لكم. {فاتّقوا اللّه وأطيعون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/45]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه} أي: أنا وأنتم سواءٌ في العبوديّة له والخضوع والاستكانة إليه {هذا صراطٌ مستقيمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/45]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة