العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النور

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 09:15 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي تفسير سورة النور [ من الآية (6) إلى الآية (10) ]

تفسير سورة النور [ من الآية (6) إلى الآية (10) ]

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}




رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 جمادى الأولى 1434هـ/28-03-2013م, 02:44 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في النور: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون}؛
وقال في أثرها: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين (6) والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين (7) ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين (8) والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كانت من الصادقين}
قال: فإذا حلفا فرق بينهما ولم يجلد واحد منهما، وإن لم تحلف رجمت، وإن لم يحلف زوجها بعد أن يقذفها جلد الحد). [الجامع في علوم القرآن: 3/78] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال كنا نختلف بالكوفة فمنا من يقول يفرق بينهما قال قلت لابن عمر أيفرق بين المتلاعنين فقال فرق النبي بين أخوي بني العجلان وقال إن أحدكما لكاذب فهل منكما تائب فلم يتعرف واحد منهما ففرق بينهما). [تفسير عبد الرزاق: 2/54]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أيوب عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي لما فرق بينهما قال الرجل للنبي صداقي قال النبي إن كنت صداقا فلها مهرها بما استحللت منها وإن كنت كاذبا فهو أوجب له). [تفسير عبد الرزاق: 2/54]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال:
«أمرني أمير مرة أن ألاعن بين رجل وامرأته قال أيوب فقلت له كيف لاعنت بينهما قال كما في كتاب الله»). [تفسير عبد الرزاق: 2/54]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله عزّ وجلّ: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين} [النور: 6]
- حدّثنا إسحاق، حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثني الزّهريّ، عن سهل بن سعدٍ، أنّ عويمرًا، أتى عاصم بن عديٍّ وكان سيّد بني عجلان، فقال: كيف تقولون في رجلٍ وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ سل لي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فأتى عاصمٌ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه فكره رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم المسائل، فسأله عويمرٌ، فقال: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كره المسائل وعابها، قال عويمرٌ: واللّه لا أنتهي حتّى أسأل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فجاء عويمرٌ، فقال: يا رسول اللّه رجلٌ وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «قد أنزل اللّه القرآن فيك وفي صاحبتك» ، فأمرهما رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالملاعنة بما سمّى اللّه في كتابه فلاعنها، ثمّ قال: يا رسول اللّه، إن حبستها فقد ظلمتها فطلّقها، فكانت سنّةً لمن كان بعدهما في المتلاعنين، ثمّ قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «انظروا فإن جاءت به أسحم، أدعج العينين، عظيم الأليتين، خدلّج السّاقين، فلا أحسب عويمرًا إلّا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنّه وحرةٌ، فلا أحسب عويمرًا إلّا قد كذب عليها» ، فجاءت به على النّعت الّذي نعت به رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم من تصديق عويمرٍ، فكان بعد ينسب إلى أمّه). [صحيح البخاري: 6/100]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله عزّ وجلّ والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الآية)
ذكر فيه حديث سهل بن سعدٍ مطوّلًا وفي الباب الّذي بعده مختصرًا وسيأتي شرحه في كتاب اللّعان وقوله في أوّل الباب
- حدّثنا إسحاق حدّثنا محمّد بن يوسف هو الفريابيّ وهو شيخ البخاريّ لكن ربّما أدخل بينهما واسطةٌ وإسحاق المذكور وقع غير منسوبٍ ولم ينسبه الكلاباذيّ أيضًا وعندي أنّه إسحاق بن منصورٍ وقد بيّنت ذلك في المقدمة). [فتح الباري: 8/449]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله عزّ وجلّ: {والّذين يرمون أزواجهم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين} (النّور: 6)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {والّذين يرمون} الآية ... أي، يقذفونهم بالزّنا ولم يكن لهم شهداء على صحة ما قالوا إلاّ أنفسهم، بالرّفع على أنه بدل من الشّهداء. قوله: (أربع شهادات) قرأ حمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم: أربع، بالرّفع والمعنى: فشهادة أحدهم الّتي تدرأ العذاب أربع شهادات، والباقون بالنّصب لأنّه في حكم المصدر والعامل فيه المصدر الّذي هو (فشهادة أحدهم) وهي مبتدأ محذوف الخبر تقديره: فواجب شهادة أحدهم أربع شهادات.
- حدّثنا إسحاق حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ حدّثنا الأوزاعيّ قال حدّثني الزّهريّ عن سهل بن سعدٍ أنّ عويمراً أتى عاصم بن عديّ وكان سيّد بني عجلان فقال كيف تقولون في رجلٍ وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأتى عاصمٌ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله فكرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فسأله عويمرٌ فقال إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسائل وعابها قال عويمرٌ والله لا انتهى حتّى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذالك فجاء عويمرٌ فقال يا رسول الله رجلٌ وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّم بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه فلاعنها ثمّ قال يا رسول الله إن حبستها فقد ظلمتها فطلّقها فكانت سنّة لمن كان بعدهما في المتلاعنين ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينبن عظيم الأليتين خدلّج السّاقين فلا أحسب عويمراً إلاّ قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنّه وحرةٌ فلا أحسب عويمراً إلاّ قد كذب عليها فجاءت به على النّعت الّذي نعت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمرٍ فكان بعد ينسب إلى أمّه..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة تؤخذ من ظاهر الحديث.
ذكر رجاله وهم سبعة: الأول: إسحاق ذكر غير منسوب، وقال بعضهم: وعندي أنه ابن منصور. قلت: لا حاجة إلى قوله: وعندي، لأن ابن الغساني قال: إنّه منصور. الثّاني: محمّد بن يوسف أبو عبد الله الفريابيّ وهو من مشايخ البخاريّ وروى عنه بالواسطة. الثّالث: عبد الرّحمن بن عمرو الأوزاعيّ. الرّابع: محمّد بن مسلم الزّهريّ. الخامس: سهل بن سعد بن مالك السّاعديّ الأنصاريّ رضي الله عنه، وهؤلاء مرواة الحديث. السّادس: عويمر مصغر عامر بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلاني، كذا ذكره صاحب (التّوضيح) ، وقال الذّهبيّ: عويمر بن أبيض وقيل ابن أشقر العجلاني الأنصاريّ صاحب قصّة اللّعان، وقيل: هو ابن الحارث. السّابع: عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان ابن حارثة العجلاني وهو أخو معن بن عدي ووالد أبي البداح بن عاصم، وعاش عاصم عشرين ومائة سنة ومات في سنة خمس وأربعين، وذكر موسى بن عقبة أنه وأخاه من شهداء بدر، ومعن قتل باليمامة رضي الله عنهما.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاريّ أيضا في الطّلاق عن إسماعيل بن عبد الله، وفي التّفسير عن عبد الله بن يوسف، وفي الاعتصام عن آدم، وفي الأحكام وفي المحاربين عن عليّ بن عبد الله، وفي التّفسير أيضا عن أبي الرّبيع الزهراني، وفي الطّلاق أيضا عن يحيى. وأخرجه مسلم في اللّعان عن يحيى وغيره. وأخرجه أبو داود في الطّلاق عن القعنبي وغيره. وأخرجه النّسائيّ فيه عن محمّد بن مسلمة. وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي مروان محمّد بن عثمان.
ذكر معانيه قوله: (أيقتله؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، أي: أيقتل الرجل؟ قوله: (سل) أصله: اسأل، فنقلت حركة الهمزة إلى السّين بعد حذفها للتّخفيف واستغنى عن همزة الوصل فحذفت فصار: سل، على وزن: قل. قوله: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسائل) إنّما كره لأن سؤال عاصم فيه عن قضيّة لم تقع بعد ولم يحتج إليها، وفيها إشاعة على المسلمين والمسلمات وتسليط اليهود والمنافقين في الكلام في عرض المسلمين، وفي رواية مسلم: فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتّى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر، فقال: يا عاصم {ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة الّتي سألته عنها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتّى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتّى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط النّاس، فقال: يا رسول الله} أرأيت ... إلى آخره. قوله: (فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة) ، أي: ملاعنة الرجل امرأته، وسميت بذلك لقول الزّوج: وعليّ لعنة الله إن كنت من الكاذبين، واختير لفظ: اللّعن، على لفظ: الغضب، وإن كانا موجودين في الآية الكريمة، وفي صورة اللّعان لأن لفظ اللّعن متقدم في الآية، ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانبها لأنّه قادر على الابتداء باللّعان دونها، ولأنّه قد ينفكّ لعانه عن لعانها ولا ينعكس، وقيل: سمي لعاناً من اللّعن وهو الطّرد والإبعاد، لأن كلاًّ منهما يبعد عن صاحبه ويحرم النّكاح بينهما على التّأبيد، بخلاف المطلّق وغيره، وكانت قصّة اللّعان في شعبان سنة تسع من الهجرة، وممّن نقله القاضي عن الطّبريّ.
واختلف العلماء في سبب نزول آية اللّعان: هل هو بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أميّة؟ فقال بعضهم: بسبب عويمر العجلاني. واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك، وقال جمهور العلماء: سبب نزولها قصّة هلال، قال: وكان أول رجل لاعن في الإسلام، وجمع الدّاوديّ بينهما باحتمال كونهما في وقت فنزل القرآن فيهما، أو يكون أحدهما وهما. وقال الماورديّ: النّقل فيهما مشتبه مختلف، وقال ابن الصّباغ: قصّة هلال تبين أن الآية نزلت فيه أولا، وأما قوله عليه الصّلاة والسّلام، لعويمر: إن الله أنزل فيك وفي صاحبتك، فمعناه ما نزل في قصّة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع النّاس، وقال النّوويّ: لعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما، وسبق هلال باللّعان فيصدق أنّها نزلت في ذا وذاك. قلت: هذا مثل جواب الدّاوديّ بالوجه الأول وهو الأوجه فإن قلت: جاء في حديث أنس بن مالك: هلال بن أميّة، وفي حديث ابن عبّاس: لاعن بين العجلاني وامرأته، وفي حديث عبد الله بن مسعود: وكان رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاعن امرأته. قلت: لا اختلاف في ذلك لأن العجلاني هو عويمر، وكذا في قول ابن مسعود: وكان رجلا.
قوله: (فتلاعنا) فيه حذف والتّقدير: أنه سأل وقذف امرأته وأنكبرت الزّنا وأصر كل واحد منهما على كلامه ثمّ تلاعنا، والفاء فيه فاء الفصيحة. قوله (إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها) ، يفهم من ذلك أن بمجرّد اللّعان لا تحصل الفرقة على ما نذكره في استنباط الأحكام. قوله: (فكانت) ، أي: الملاعنة كانت سنة بالوجه المذكور لمن يأتي بعدهما من المتلاعنين. قوله: (فإن جاءت به) أي: بالولد، (أسحم) بالحاء المهملة: وهو شديد السواد. قوله: (أدعج العينين) ، الدعج في العين شدّة سوادها، وفي حديث ابن عبّاس الآتي: أكحل العينين. قوله: (عظيم الأليتين) ، بفتح الهمزة: يقال: رجل ألي وامرأة عجزاء، وفي حديث ابن عبّاس: سابغ الأليتين. قوله: (خدلج السّاقين) ، الخدلج، بفتح الخاء المعجمة وفتح الدّال المهملة وفتح اللّام المشدّدة وبالجيم: العظيم، وساق خدلجة مملوءة. قوله: (أحيمر) ، تصغير أحمر، وقال ابن التّين: الأحمر الشّديد الشقرة. قوله: (وحرة) ، بفتح الواو وبالحاء المهملة والرّاء: وهي دويبة حمراء تلزق بالأرض كالعظاءة. قوله: (فكان بعد) ، أي: بعد أن جاء الولد (ينسب إلى أمه) .
ذكر استنباط الأحكام: وهو على وجوه. الأول: فيه الاستعداد للوقائع قبل وقوعها ليعلم أحكامها. الثّاني: فيه الرّجوع إلى من له الأمر. الثّالث: فيه أداء الأحكام على الظّاهر، والله يتولّى السرائر. الرّابع: فيه كراهة المسائل الّتي لا يحتاج إليها لا سيما ما كان فيه هتك سيرة مسلم أو مسلمة أو إشاعة فاحشة على مسلم أو مسلمة. الخامس: فيه أن العالم يقصد في منزله للسؤال ولا ينتظر به عند تصادفه في المسجد أو الطّريق. السّادس: اختلف العلماء فيمن قتل رجلا وزعم أنه وجده قد زنا بامرأته، فقال جمهورهم: لا يقتل بل يلزمه القصاص إلاّ أن تقوم بذلك بيّنة أو تعترف به ورثة القتيل، والبيّنة أربعة من عدول الرّجال يشهدون على نفس الزّنا ويكون القتيل محصنا، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقا فلا شيء عليه، وقال بعض الشّافعيّة: يجب على كل من قتل زانيا محصنا القصاص. السّابع: فيه مشروعيّة اللّعان وهو مقتبس من قوله تعالى: {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} (النّور: 7) . وقال أصحابنا: اللّعان شهادة مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن والغضب، وأنه في جانب الزّوج قائم مقام حد القذف، وفي جانبها قائم مقام حد الزّنا، وقال الشّافعي: اللّعان إنّما كان بلفظ الشّهادة مقرونة بالغضب أو اللّعن، فكل من كان من أهل الشّهادة واليمين كان من أهل اللّعان، ومن لا فلا، عندنا وكل من كان من أهل اليمين فهو من أهل اللّعان عنده، سواء كان من أهل الشّهادة أو لم يكن، ومن لم يكن من أهل الشّهادة ولا من أهل اليمين لا يكون من أهل اللّعان بالإجماع. الثّامن: أن اللّعان يكون بحضرة الإمام أو القاضي وبمجمع من النّاس، وهو أحد أنواع تغليظ اللّعان، وقال النّوويّ: يغلظ اللّعان بالزّمان والمكان والمجمع، فأما الزّمان فبعد العصر، والمكان في أشرف موضع في ذلك البلد، والمجمع طائفة من النّاس وأقلهم أربعة، وهل هذه التغليظات واجبة أم مستحبّة؟ فيه خلاف عندنا، الأصح الاستحباب.
التّاسع: فيه أن بمجرّد اللّعان لا تقع الفرقة بل تقع بحكم الحاكم عند أبي حنيفة. كقوله صلى الله عليه وسلم: (فطلقها) ولما في حديث ابن عمر أخرجه مسلم، ثمّ فرق بينهما، وبه قال الثّوريّ وأحمد، وفي مذهب مالك: أربعة أقوال. أحدها: أن الفرقة لا تقع إلّا بالتعانهما جميعًا. والثّاني: وهو ظاهر قول مالك في (الموطّأ) : أنّها تقع بلعان الزّوج وهو رواية إصبغ. والثّالث: قول سحنون: يتم بلعان الزّوج مع نكول المرأة. والرّابع: قول ابن القاسم: يتم بالتعان الزّوج إن التعنت، فحاصل مذهب مالك أنّها تقع بينهما بغير حكم حاكم ولا تطليق. وبه قال اللّيث والأوزاعيّ وأبو عبيد وزفر بن هزيل، وعند الشّافعي: تقع بالتعان الزّوج، واتفق أبو حنيفة والثّوري والأوزاعيّ واللّيث والشّافعيّ ومالك وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور: أن اللّعان حكمه وسنته الفرقة بين المتلاعنين، إمّا باللّعان وإمّا بتفريق الحاكم، على ما ذكرنا من مذاهبهم، وهو مذهب أهل المدينة ومكّة وكوفة والشّام ومصر، وقال عثمان البتي وطائفة من أهل البصرة: إذا تلاعنا لم ينقص اللّعان شيئا من العصمة حتّى يطلق الزّوج، قال: وأحب إليّ أن يطلق، وقال الإشبيلي: هذا قول لم يتقدمه أحد إليه. قلت: حكى ابن جرير هذا القول أيضا عن أبي الشعثاء جابر بن زيد، ثمّ اختلفوا أن الفرقة بين المتلاعنين فسخ أو تطليقة؟ فعند أبي حنيفة وإبراهيم النّخعيّ وسعيد بن المسيب: هي طلقة واحدة، وقال مالك والشّافعيّ: هي فسخ. العاشر: فيه أنّهما لا يجتمعان أصلا لقوله: (فكانت سنة لمن كان بعدهما) . الحادي عشر: فيه الاعتبار بالشبه لأنّه صلى الله عليه وسلم، اعتبر الشّبه ولكن لم يحكم به لأجل ما هو أقوى من الشّبه، فلذلك قال في ولد وليدة زمعة لما رأى الشّبه بعينه احتجبي منه يا سودة، وقضى بالولد للفراش لأنّه أقوى من الشّبه، وحكم بالشبه في حكم القافة إذ لم يكن هناك شيء أقوى من الشّبه. الثّاني عشر: فيه إثبات التّوارث بينها وبين ولدها، يفهم ذلك من قوله: فكان بعد ينسب إلى أمه. وجاء في حديث يأتي أصرح منه، وهو قوله: ثمّ جرت السّنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها، وهذا إجماع فيما بينه وبين الأم، وكذا بينه وبين أصحاب الفروض من جهة أمه، وبه قال الزّهريّ ومالك وأبو ثور، وقال أحمد: إذا انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة، وقال أبو حنيفة: إذا انفردت أخذت الجميع لكن الثّلث فرضا والباقي ردا على قاعدته في إثبات الرّد. الثّالث عشر: فيه أن شرط اللّعان أن يكون بين الزّوجين لأن الله خصّه بالأزواج بقوله: {والّذين يرمون أزواجهم} (النّور: 6) فعلى هذا إذا تزوج امرأة نكاحا فاسدا ثمّ قذفها لم يلاعنها لعدم الزّوجيّة، وقال الشّافعي: يلاعنها إذا كان القذف ينفي الولد وكذا لو طلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثًا ثمّ قذفها بالزّنا لا يجب اللّعان، ولو طلقها طلاقا رجعيًا ثمّ قذفها يجب اللّعان، ولو قذفها بزنا كان قبل الزّوجيّة فعليه اللّعان عندنا لعموم الآية، خلافًا للشّافعيّ، ولو قذف امرأته بعد موتها لم يلاعن عندنا، وعند الشّافعي يلاعن على قبرها. الرّابع عشر: فيه سقوط الحد عن الرجل وذلك لأجل أيمانه سقط الحد. الخامس عشر: فيه أن شرط وجوب اللّعان عدم إقامة البيّنة لقوله تعالى: {ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء} حتّى لو أقامهم الزّوج عليها بالزّنا لا يجب اللّعان ويقام عليها الحد. السّادس عشر: فيه إشارة إلى أن شرط وجوب اللّعان إنكار المرأة وجود الزّنا، حتّى لو أقرّت بذلك لا يجب اللّعان ويلزمها حد الزّنا الجلد إن كانت غير محصنة، والرّجم إذا كانت محصنة، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/73-76]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله عزّ وجلّ: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين}
(باب قوله عز وجل {والذين يرمون أزواجهم}) يقذفون أزواجهم بالزنا ({ولم يكن لهم شهداء}) يشهدون على صحة ما قالوا ({إلا أنفسهم فشهادة}) فالواجب شهادة ({أحدهم أربع شهادات بالله}) بنصب أربع على المصدر وحفص وحمزة الكسائي برفعها خبر المبتدأ وهو قوله فشهادة ({إنه لمن الصادقين}) [النور: 6] فيما رماها به من الزنا. قال ابن كثير: وهذه الآية فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته وعسر عليه إقامة البيّنة وثبت التبويب لأبي ذر وقال بعد قوله شهداء الآية وأسقط باقيها.
- حدّثنا إسحاق، حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابي، حدّثنا الأوزاعيّ قال: حدّثني الزّهريّ عن سهل بن سعدٍ أنّ عويمرًا أتى عاصم بن عديٍّ وكان سيّد بني عجلان فقال: كيف تقولون في رجلٍ وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ سل لي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن ذلك، فأتى عاصمٌ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال يا رسول اللّه فكره رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- المسائل، فسأله عويمرٌ فقال إنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كره المسائل وعابها قال عويمرٌ: واللّه لا أنتهي حتّى أسأل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن ذلك فجاء عويمرٌ فقال: يا رسول اللّه، رجلٌ وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «قد أنزل اللّه القرآن فيك وفي صاحبتك» فأمرهما رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بالملاعنة بما سمّى اللّه في كتابه فلاعنها ثمّ قال: يا رسول اللّه، إن حبستها فقد ظلمتها فطلّقها، فكانت سنّةً لمن كان بعدهما في المتلاعنين، ثمّ قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلّج السّاقين فلا أحسب عويمرًا إلاّ قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنّه وحرةٌ فلا أحسب عويمرًا إلاّ قد كذب عليها» فجاءت به على النّعت الّذي نعت به رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- من تصديق عويمرٍ فكان بعد ينسب إلى أمّه.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي وهو من مشايخ المؤلّف روى عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري -رضي الله عنه- (أن عويمرًا) بضم العين المهملة وفتح الواو تصغير عامر بن الحارث بن زيد بن الجد بفتح الجيم وتشديد الدال ابن عجلان وفي رواية القعنبي عن مالك عويمر بن أشقر وكذا أخرجه أبو داود وأبو عوانة وفي الاستيعاب عويمر بن أبيض قال الحافظ ابن حجر: فلعل أباه كان يلقب أشقر وأبيض وفي الصحابة عويمر بن أشقر آخر وهو مازني أخرج له ابن ماجة (أتى عاصم بن عدي) العجلاني (وكان سيد بني عجلان) بفتح العين وسكون الجيم وهو ابن عم والد عويمر ولأبي ذر بني العجلان (فقال) له: (كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي أيقتل الرجل (فتقتلونه) قصاصًا لقوله تعالى: {النفس بالنفس}.
وفي قصة العجلاني من حديث ابن عمر المروي في مسلم فقال: أرأيت إن وجد مع امرأته رجلًا فإن تكلم به تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك. وفي حديث ابن مسعود عنده أيضًا إن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ. وفي رواية عن ابن عباس لما نزلت {والذين يرمون المحصنات} [النور: 4] الآية. قال عاصم بن عدي: إن دخل رجل منا بيته فرأى رجلًا على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وذهب وإن قتله قتل به، وإن قال وجدت فلانًا معها ضرب وإن سكت سكت على غيظ.
(أم كيف يصنع؟) أم تحتمل أن تكون متصلة يعني إذا رأى الرجل هذا المنكر الشنيع والأمر الفظيع وثارت عليه الحمية أيقتله فتقتلونه أم يصبر على ذلك، ويحتمل أن تكون منقطعة فسأل أولًا عن القتل مع القصاص ثم أضرب عنه إلى سؤاله لأن أم المنقطعة متضمنة لبل والهمزة قبل تضرب الكلام السابق والهمزة تستأنف كلامًا آخر، والمعنى كيف يصنع أيصبر على العار أو يحدث الله له أمرًا آخر فلذا قال: (سل لي) يا عاصم (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن ذلك فأتى عاصم النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله) حذف المقول لدلالة السابق عليه أي كيف تقول في رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع (فكره رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة والإشاعة على المسلمين والمسلمات وتسليط العدوّ في الدين بالخوض في أعراضهم، وزاد في اللعان والطلاق من طريق مالك عن ابن شهاب وعابها حتى كبر عاصم ما سمع من رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فلما رجع عاصم إلى أهله (فسأله عويمر) فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- (فقال) عاصم: لم تأتني بخبر (إن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- كره المسائل وعابها) ثبت لفظ وعابها هنا وسقط من الأولى (قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله-صلّى اللّه عليه وسلّم- عن ذلك فجاء عويمر) إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- (فقال: يا رسول الله؟ رجل وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): (قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك) هي زوجته خولة بنت قيس فيما ذكره مقاتل، وذكر ابن الكلبي أنها بنت عاصم المذكور واسمها خولة والمشهور أنها بنت قيس.
وأخرج ابن مردويه من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عاصم بن عدي لما نزلت {والذين يرمون المحصنات} قال: يا رسول الله أين لأحدنا أربعة شهداء فابتلي به في بنت أخيه. وفي سنده مع إرساله ضعيف. وأخرج ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان قال: لما سأل عاصم عن ذلك ابتلي به في أهل بيته فأتاه ابن عمه تحته ابنة عمه رماها بابن عمه المرأة والزوج والخليل ثلاثتهم بنو عم عاصم. وعند ابن مردويه من مرسل ابن أبي ليلى أن الرجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك ابن سحماء وهو يشهد لصحة هذه الرواية لأنه ابن عم عويمر لأنه شريك بن عبدة مغيث بن الجد بن العجلان.
وفي مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم فقال الزوج لعاصم: يا ابن عم أقسم بالله لقد رأيت شريك ابن سحماء يلي بطنها لأنها لحبلى وما قربتها منذ أربعة أشهر.
وفي حديث عبد الله بن أبي جعفر عند الدارقطني لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته فأنكر حملها الذي في بطنها وقال: هو لابن سحماء، وإذا جاء الخبر من طرق متعددة فإن بعضها يعضد بعضًا، وظاهر السياق يقتضي أنه كان تقدّم من عويمر إشارة إلى خصوص ما وقع له مع امرأته، والظاهر أن في هذا السياق اختصارًا ويوضحه ما في حديث ابن عمر في قصة العجلاني بعد قوله: إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فسكت عنه النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فدلّ على أنه لم يذكر امرأته إلا بعد أن انصرف ثم عاد.
(فأمرها رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- بالملاعنة) بضم الميم قال في المغرب لعنه لعنًا ولاعنه ملاعنة ولعانًا وتلاعنوا لعن بعضهم بعضًا وهو لغة الطرد والإبعاد وشرعًا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد قال النووي إنما سمي لعانًا لأن كلاًّ من الزوجين يبعد عن صاحبه (بما سمى الله في كتابه) في هذه الآية بأن يقول الزوج أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ويشير إليها في الحضور ويميزها في الغيبة ويأتي بدل ضمائر الغائب بضمائر المتكلم فيقول لعنة الله عليّ إن كنت الخ وإن كان ولد ينفيه ذكره في الكلمات الخمس لينتفي عنه فيقول إن الولد الذي ولدته أو هذا الولد من زنا ليس مني.
(فلاعنها) أي لاعن عويمر زوجته خولة بعد أن قذفها وأتت عند النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وسألها فأنكرت وأصرّا في السنة الأخيرة من زمانه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان بأنها في شعبان سنة تسع، وعند الدارقطني من حديث عبد الله بن جعفر أنها كانت منصرف النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- من تبوك ورجح بعضهم أنها كانت في شعبان سنة عشر لا سنة تسع. وفي حديث ابن مسعود عند مسلم أنها كانت ليلة جمعة.
(ثم قال) عويمر (يا رسول الله إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها) زاد في باب من أجاز طلاق الثلاث من طريق مالك عن ابن شهاب ثلاثًا وتمسك به من قال لا تقع الفرقة بين المتلاعنين إلا بإيقاع الزوج وهو قول عثمان الليثي واحتج بأن الفرقة لم تذكر في القرآن وأن ظاهر الأحاديث أن الزوج هو الذي طلق ابتداء.
وقال الشافعي وسحنون من المالكية: تقع بعد فراغ الزوج من اللعان لأن التعان المرأة إنما شرع لدفع الحدّ عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك في حقه نفي النسب ولحاق الولد وزوال الفراش.
وقال مالك بعد فراغ المرأة وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى.
وقال أبو حنيفة لا تقع حتى يوقعها الحاكم لظاهر ما وقع في أحاديث اللعان وتكون فرقة طلاق. وعن أحمد روايتان وقول النووي في شرح مسلم كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها هو كلام مستقل وقوله فطلقها أي ثم عقب ذلك لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثًا فقال له النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- "لا سبيل لك عليها" أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقًا تعقبه في الفتح بأنه يوهم أن قوله لا سبيل لك عليها وقع منه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عقب قول الملاعن هي طالق ثلاثًا، وأنه موجود كذلك في حديث سهل بن سعد الذي شرحه وليس كذلك فإن قوله لا سبيل لك عليها لم يقع في حديث سهل وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قوله: الله يعلم أن أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها وقال الخطابي لفظ فطلقها يدل على وقوع الفرقة باللعان ولولا ذلك لصارت في حكم المطلقات وأجمعوا على أنها ليست في حكمهن فلا يكون له مراجعتها إن كان الطلاق رجعيًا ولا يحل له أن يخطبها إن كان بائنًا وإنما اللعان فرقة فسخ.
(فكانت) أي الفرقة بينهما (سنّة لمن كان بعدهما في المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة.
وقال ابن عبد البر أبدى له بعض أصحابنا فائدة وهو أن لا يجتمع ملعون مع غير ملعون لأن أحدهما ملعون في الجملة بخلاف ما إذا تزوّجت المرأة غير اللاعن فإنه لا يتحقق، وعورض بأنه لو كان كذلك لامتنّع عليهما معًا التزويج لأنه يتحقق أن أحدهما ملعون ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افتراقًا في الجملة وفي رواية الباب الآتي من طريق فليح عن الزهري فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملًا فأنكر حملها.
(ثم قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: انظروا فإن جاءت به) أي بالولد لدلالة السياق عليه (أسحم) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الحاء المهملتين آخره ميم أي أسود (أدعج العينين) بالعين المهملة والجيم أي شديد سواد الحدقة (عظيم الأليتين) بفتح الهمزة أي العجز (خدلج الساقين) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة واللام المشددة آخره جيم أي عظيمهما (فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر) بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وكسر الميم مصغر أحمر وقول صاحب التنقيح أن الصواب صرف أحيمر وهو الأبيض تعقبه في المصابيح فقال: عدم الصرف كما في المتن هو الصواب وما ادعى هو أنه عين الصواب هو عين الخطأ (كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وهي من أنواع الوزغ وشبهه بها لحمرتها وقصرها (فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عديها فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-)
ولغير أبي ذر نعت به رسول الله (-صلّى اللّه عليه وسلّم- من تصديق عويمر) وفي باب التلاعن في المسجد من طريق ابن جريج عن الزهري فجاءت به على المكروه من ذلك (فكان) أي الولد (بعد ينسب إلى أمه) فاعتبر الشبه من غير حكم به لأجل ما هو أقوى من الشبه وهو الفراش كما فعل في وليدة زمعة وإنما يحكم بالشبه وهو حكم القافة إذا استوت العلائق كسيدين وطئا في طهر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والتفسير والاعتصام والأحكام والمحاربين والتفسير أيضًا ومسلم في اللعان وأبو داود في الطلاق وكذا النسائي وابن ماجه). [إرشاد الساري: 7/251-253]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين}
قوله: (فطلقها) وفي رواية ثلاثاً، وتمسك به من قال: لا تقع الفرقة بين المتلاعنين إلا بإيقاع الزوج، وهو قول عثمان الليثي. وقال الشافعي وسحنون من المالكية تقع بعد فراع الزوج من اللعان لأن لعان المرأة شرع لدفع الحدّ عنها بخلاف الرجل، فإنه يزيد في حقه نفي النسب وإلحاق الولد، وزوال الفراش. وقال مالك بعد فراغ المرأة اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/60]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سئلت عن المتلاعنين في إمارة مصعب بن الزّبير أيفرّق بينهما فما دريت ما أقول، فقمت من مكاني إلى منزل عبد الله بن عمر، فاستأذنت عليه، فقيل لي إنّه قائلٌ فسمع كلامي فقال لي: ابن جبيرٍ؟ ادخل، ما جاء بك إلاّ حاجةٌ، قال: فدخلت فإذا هو مفترشٌ بردعة رحلٍ له، فقلت: يا أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان أيفرّق بينهما؟ فقال: سبحان الله نعم، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ابن فلانٍ، أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أرأيت لو أنّ أحدنا رأى امرأته على فاحشةٍ كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمرٍ عظيمٍ، وإن سكت سكت على أمرٍ عظيمٍ، قال: فسكت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يجبه، فلمّا كان بعد ذلك أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل اللّه هذه الآيات في سورة النّور {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم} حتّى ختم الآيات قال: فدعا الرّجل فتلاهنّ عليه ووعظه، وذكّره وأخبره: أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها، ثمّ ثنّى بالمرأة ووعظها وذكّرها، وأخبرها: أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما صدق، فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين، ثمّ فرّق بينهما.
وفي الباب عن سهل بن سعدٍ,.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/183]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، قال: حدّثنا هشام بن حسّان قال: حدّثني عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ هلال بن أميّة، قذف امرأته عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بشريك ابن السّحماء فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: البيّنة وإلاّ حدٌّ في ظهرك، قال: فقال هلالٌ: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته أيلتمس البيّنة؟ فجعل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: البيّنة وإلاّ فحدٌّ في ظهرك، قال: فقال هلالٌ: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادقٌ، ولينزلنّ في أمري ما يبرّئ ظهري من الحدّ، فنزل {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم}، فقرأ حتّى بلغ، {والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين} قال: فانصرف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أميّة فشهد والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ ثمّ قامت فشهدت، فلمّا كانت عند الخامسة {أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين} قالوا لها: إنّها موجبةٌ، فقال ابن عبّاسٍ: فتلكّأت ونكست حتّى ظنّنا أن سترجع، فقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج السّاقين فهو لشريك ابن السّحماء، فجاءت به كذلك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لولا ما مضى من كتاب الله عزّ وجلّ لكان لنا ولها شأنٌ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وهكذا روى عبّاد بن منصورٍ، هذا الحديث عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ورواه أيّوب، عن عكرمة مرسلاً، ولم يذكر فيه عن ابن عبّاسٍ). [سنن الترمذي: 5/184-185]

قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم}
- أخبرنا سوّار بن عبد الله بن سوّارٍ، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا عبد الملك بن أبي سليمان، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، قال: أتيت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرّحمن، المتلاعنين يفرّق بينهما؟، فقال: سبحان الله، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلانٌ، فقال: يا رسول الله، الرّجل يرى امرأته على الفاحشة، فإن تكلّم تكلّم بأمرٍ عظيمٍ، وإن سكت سكت عن أمرٍ عظيمٍ؟، فسكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاءه بعد ذلك، فقال: يا رسول الله، الأمر الّذي سألتك عنه ابتليت به؟، قال: " فإنّ الله قال: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ بالله} [النور: 6]، حتّى قرأ الآيات كلّها، فذكّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: والّذي بعثك بالحقّ، إنّه للحقّ، ثمّ دعا المرأة فذكّرها الله, وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: والّذي بعثك بالحقّ، ما كان هذا، فقال للرّجل: " تشهد {أربع شهاداتٍ بالله إنّه لمن الصّادقين والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين}، ثمّ شهدت المرأة أربع شهاداتٍ بالله إنّه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين، ثمّ فرّق بينهما.
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جريرٌ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سألنا ابن عمر: أيفرّق بين المتلاعنين؟، قال: سبحان الله، نعم، أتى رجلٌ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أرأيت أحدنا يرى امرأته على فاحشةٍ، كيف يصنع؟، فسكت عنه فلم يجبه، ثمّ أتاه فقال: إنّي قد ابتليت به يا رسول الله، فأنزل الله هذه الآيات من سورة النّور، ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّجل، فشهد أربع شهاداتٍ بالله إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهاداتٍ بالله إنّه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين، ثمّ فرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما). [السنن الكبرى للنسائي: 10/196-197]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين (6) والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين}.
يقول تعالى ذكره: {والّذين يرمون} من الرّجال {أزواجهم} بالفاحشة، فيقذفونهنّ بالزّنا، {ولم يكن لهم شهداء} يشهدون لهم بصحّة ما رموهنّ به من الفاحشة، {فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة: (أربع شهاداتٍ) نصبًا، ولنصبهم ذلك وجهان؛
أحدهما: أن تكون الشّهادة في قوله: {فشهادة أحدهم} مرفوعةً بمضمرٍ قبلها، وتكون (الأربع) منصوبًا بمعنى الشّهادة، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: فعلى أحدهم أن يشهد أربع شهاداتٍ باللّه. والوجه الثّاني: أن تكون الشّهادة مرفوعةً بقوله: {إنّه لمن الصّادقين} و(الأربع) منصوبةٌ بوقوع الشّهادة عليها، كما يقال: شهادتي ألف مرّةٍ إنّك لرجل سوءٍ، وذلك أنّ العرب ترفع الأيمان بأجوبتها، فتقول: حلفٌ صادقٌ لأقومنّ، وشهادة عمرٍو ليقعدنّ.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {أربع شهاداتٍ} برفع (الأربع)، ويجعلونها للشّهادة مرافعةً، وكأنّهم وجّهوا تأويل الكلام: فالّذي يلزم من الشّهادة أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأ: (فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين) بنصب أربعٍ، بوقوع (الشّهادة) عليها، و(الشّهادة) مرفوعةٌ حينئذٍ على ما وصفت من الوجهين قبل، وأحبّ وجهيهما إليّ أن تكون به مرفوعةً بالجواب، وذلك قوله: {إنّه لمن الصّادقين} وذلك أنّ معنى الكلام: والّذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، تقوم مقام الشّهداء الأربعة في دفع الحدّ عنه. فترك ذكر تقوم مقام الشّهداء الأربعة، اكتفاءً بمعرفة السّامعين بما ذكر من الكلام، فصار مرافع (الشّهادة) ما وصفت.
ويعني بقوله: {فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه} فحلف أحدهم أربع أيمانٍ باللّه، من قول القائل: أشهد باللّه إنّه لمن الصّادقين فيما رمى زوجته به من الفاحشة.
{والخامسة} يقول: والشّهادة الخامسة {أنّ لعنة اللّه عليه} يقول: إنّ لعنة اللّه له واجبةٌ، وعليه حالّةٌ إن كان فيما رماها به من الفاحشة من الكاذبين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك جاءت الآثار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقالت به جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر الرّواية بذلك؛
وذكر السّبب الّذي فيه أنزلت هذه الآية:
حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن عكرمة، قال: لمّا نزلت {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً} قال سعد بن عبادة: اللّه إن أنا رأيت لكاع متفخّذها رجلٌ، فقلت بما رأيت، إنّ في ظهري لثمانين إلى ما أجمع أربعةً؟ قد ذهب فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار، ألا تسمعون إلى ما يقول سيّدكم؟، قالوا: يا رسول اللّه، لا تلمه وذكروا من غيرته فما تزوّج امرأةً قطّ إلاّ بكرًا، ولا طلّق امرأةً قطّ فرجع فيها أحدٌ منّا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فإنّ اللّه يأبى إلاّ ذاك، فقال: لا واللّه، لا يجعل في ظهري ثمانين أبدًا، لقد نظرت حتّى أيقنت، ولقد استسمعت حتّى استشفيت قال: فأنزل اللّه القرآن باللّعّان، فقيل له: احلف فحلف قال: قفوه عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ. فقال: لا يدخله اللّه النّار بهذا أبدًا، كما درأ عنه جلد ثمانين، لقد نظرت حتّى أيقنت، ولقد استسمعت حتّى استشفيت فحلف، ثمّ قيل لها: احلفي فحلفت، ثمّ قال: قفوها عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ. فقيل لها: إنّها موجبةٌ، فتلكّأت ساعةً، ثمّ قالت: لا أخزي قومي، فحلفت. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها، وإن جاءت به كذا وكذا فهو للّذي قيل فيه ما قيل. قال: فجاءت به غلامًا كأنّه جملٌ أورق، فكان بعد أميرًا بمصر، لا يعرف نسبه، أو لا يدرى من أبوه.
- حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: أخبرنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا عبّادٌ، قال: سمعت عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا وأولئك هم الفاسقون} قال سعد بن عبادة: لهكذا أنزلت يا رسول اللّه؟ لو أتيت لكاع قد تفخّذها رجلٌ، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء؟ فواللّه ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتّى يفرغ من حاجته فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار، أما تسمعون إلى ما يقول سيّدكم؟ قالوا: لا تلمه، فإنّه رجلٌ غيورٌ، ما تزوّج فينا قطّ إلاّ عذراء، ولا طلّق امرأةً له فاجترأ رجلٌ منّا أن يتزوّجها قال سعدٌ: يا رسول اللّه، بأبي وأمّي، واللّه إنّي لأعرف أنّها من اللّه، وأنّها حقٌّ، ولكن عجبت لو وجدت لكاع قد تفخّذها رجلٌ لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء واللّه لا آتي بأربعة شهداء حتّى يفرغ من حاجته فواللّه ما لبثوا إلاّ يسيرًا حتّى جاء هلال بن أميّة من حديقةٍ له، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فأمسك حتّى أصبح. فلمّا أصبح غدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو جالسٌ مع أصحابه، فقال: يا رسول اللّه إنّي جئت أهلي عشاءً، فوجدت رجلاً مع أهلي، رأيت بعينيّ وسمعت بأذنيّ. فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أتاه به، وثقل عليه جدًّا، حتّى عرف ذلك في وجهه، فقال هلالٌ: واللّه يا رسول اللّه، إنّي لأرى الكراهة في وجهك ممّا أتيتك به، واللّه يعلم أنّي صادقٌ، وما قلت إلاّ حقًّا، فإنّي لأرجو أن يجعل اللّه فرجًا. قال: واجتمعت الأنصار، فقالوا: ابتلينا بما قال سعدٌ، أيجلد هلال بن أميّة، وتبطل شهادته في المسلمين؟ فهمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضربه، فإنّه لكذلك يريد أن يأمر بضربه، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ مع أصحابه، إذ نزل عليه الوحي، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أنّ الوحي قد نزل، حتّى فرغ، فأنزل اللّه: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم}. إلى: {أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أبشر يا هلال، فإنّ اللّه قد جعل فرجًا فقال: قد كنت أرجو ذلك من اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أرسلوا إليها فجاءت، فلمّا اجتمعا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قيل لها، فكذّبت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ فقال هلالٌ: يا رسول اللّه، بأبي وأمّي، لقد صدقت وما قلت إلاّ حقًّا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لاعنوا بينهما قيل لهلالٍ: يا هلال اشهد فشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، فقيل له عند الخامسة: يا هلال اتّق اللّه، فإنّ عذاب اللّه أشدّ من عذاب النّاس، إنّها الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فقال هلالٌ: واللّه لا يعذّبني اللّه عليها، كما لم يجلدني عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فشهد الخامسة: {أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين} ثمّ قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، فقيل لها عند الخامسة: اتّقي اللّه، فإنّ عذاب اللّه أشدّ من عذاب النّاس، وإنّ هذه الموجبة، الّتي توجب عليك العذاب. فتلكّأت ساعةً، ثمّ قالت: واللّه لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: {أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} ففرّق بينهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقضى أنّ الولد لها، ولا يدعى لأبٍ، ولا يرمى ولدها.
- حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمّدٍ، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا قذف هلال بن أميّة امرأته، قيل له: واللّه ليجلدنّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمانين جلدةً قال: اللّه أعدل من ذلك أن يضربني ضربةً وقد علم أنّي قد رأيت حتّى استيقنت، وسمعت حتّى استثبتّ، لا واللّه لا يضربني أبدًا فنزلت آية الملاعنة، فدعا بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين نزلت الآية، فقال: اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ فقال هلالٌ: واللّه إنّي لصادقٌ. فقال له: احلف باللّه الّذي لا إله إلاّ هو: إنّي لصادقٌ يقول ذلك أربع مرّاتٍ فإن كنت كاذبًا فعليّ لعنة اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قفوه عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ فحلف. ثمّ قالت أربعًا: واللّه الّذي لا إله إلاّ هو إنّه لمن الكاذبين، فإن كان صادقًا فعليها غضب اللّه. وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قفوها عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ فتردّدت، وهمّت بالاعتراف، ثمّ قالت: لا أفضح قومي.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو هشامٍ الرّفاعيّ قالا: حدّثنا عبدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: كنّا ليلة الجمعة في المسجد، فدخل رجلٌ، فقال: لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فقتله، قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه آية اللّعان. ثمّ جاء الرّجل بعد، فقذف امرأته، فلاعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهما، فقال: عسى أن تجيء به أسود جعدًا. فجاءت به أسود جعدًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سألت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرّحمن، أيفرّق بين المتلاعنين؟ فقال: نعم، سبحان اللّه إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلانٌ، أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله، فقال: أرأيت لو أنّ أحدنا رأى صاحبته على فاحشةٍ، كيف يصنع؟ فلم يجبه في ذلك شيئًا. قال: فأتاه بعد ذلك، فقال: إنّ الّذي سألت عنه قد ابتليت به. فأنزل اللّه هذه الآية في سورة النّور، فدعا الرّجل، فوعظه وذكّره، وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة؛ قال: والّذي بعثك بالحقّ، لقد رأيت، وما كذبت عليها قال: ودعا المرأة فوعظها، وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: والّذي بعثك بالحقّ، إنّه لكاذبٌ، وما رأى شيئًا قال: فبدأ الرّجل، فشهد أربع شهاداتٍ باللّه: إنّه لمن الصّادقين، والخامسة: أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين؛ ثمّ إنّ المرأة شهدت أربع شهاداتٍ باللّه أنّه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين. وفرّق بينهما.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن عامرٍ، قال: لمّا أنزل: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً} قال عاصم بن عديٍّ: إن أنا رأيت فتكلّمت جلدت ثمانين، وإن أنا سكتّ سكتّ على الغيظ قال: فكأنّ ذلك شقّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: فأنزلت هذه الآية: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم} قال: فما لبثوا إلاّ جمعةً، حتّى كان بين رجلٍ من قومه وبين امرأته، فلاعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهما.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم} الآية، والخامسة: أن يقال له: إنّ عليك لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين. وإن أقرّت المرأة بقوله رجمت، وإن أنكرت شهدت أربع شهاداتٍ باللّه: إنّه لمن الكاذبين، والخامسة أن يقال لها: غضب اللّه عليك إن كان من الصّادقين فيدرأ عنها العذاب، ويفرّق بينهما، فلا يجتمعان أبدًا، ويلحق الولد بأمّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {والّذين يرمون أزواجهم} قال: هلال بن أميّة، والّذي رميت به شريك بن سحماء، والّذي استفتى عاصم بن عديٍّ.
- قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني الزّهريّ، عن الملاعنة، والسّنّة، فيها، عن حديث، سهل بن سعدٍ: أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فأنزل اللّه في شأنه ما ذكر من أمر المتلاعنين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد قضى اللّه فيك وفي امرأتك فتلاعنا وأنا شاهدٌ. ثمّ فارقها عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانت السّنّة بعدها أن يفرّق بين المتلاعنين. وكانت حاملةً، فأنكره، فكان ابنها يدعى إلى أمّه، ثمّ جرت السّنّة أنّ ابنها يرثها وترث ما فرض اللّه لها.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين يرمون أزواجهم}. إلى قوله: {إن كان من الكاذبين} قال: إذا شهد الرّجل خمس شهاداتٍ، فقد برئ كلّ واحدٍ من الآخر، وعدّتها إن كانت حاملاً أن تضع حملها، ولا يجلد واحدٌ منهما؛ وإن لم تحلف أقيم عليها الحدّ والرّجم). [جامع البيان: 17/176-186]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين (6)
قوله تعالى: والّذين يرمون أزواجهم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: والّذين يرمون أزواجهم قال: هو الرّجل يرمي امرأته بالزّنا قوله: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم يًعنى ليس للرّجل شهادةٌ غيره أنّ امرأته قد زنت، فيرفع ذلك إلى الحكّام، قوله: فشهادة أحدهم يًعنى الزّوج، قوله: أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين قال: يقوم الزّوج بعد الصّلاة في المسجد، فيحلف أربع شهاداتٍ باللّه، ويقول: أشهد باللّه الّذي لا إله إلّا هو أنّ فلانة يعنى امرأته زانيةٌ لمن الصّادقين.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا عبّاد بن منصورٍ، ثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء إلى آخر الآية، فقال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت؟ فلو وجدت لكاع متفخّذها رجلٌ لم يكن لي أن أحرّكه، ولا أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء، فو الله لا آتي بأربعة شهداء حتّى يقضي حاجته، فقال رسول صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيّدكم فقالوا: يا رسول اللّه لا تلمه، فإنّه رجل غيورٌ، واللّه ما تزوّج فينا قطّ إلا عذراء، ولا طلّق امرأةً قطّ فاجترأ رجلٌ منّا أن يتزوّجها من شدّة غيرته، فقال سعدٌ: واللّه إنّي لأعلم يا رسول اللّه أنّها لحقٌّ، وأنّها من عند اللّه، ولكن عجبت، فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كذلك، إذ جاء هلال بن أميّة الواقفيّ، وهو أحد الّذين تاب اللّه عليهم، فقال: يا رسول اللّه إنّي جئت البارحة عشاءً من حائطٍ لي كنت فيه، فرأيت عند أهلي رجلا، ورأيته بعينيّ وسمعته بأذنيّ، فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما جاء به، فقيل: أيجلد هلالٌ وتبطل شهادته في المسلمين فقال هلالٌ: يا رسول اللّه. واللّه إنّي لأرى في وجهك أنّك تكره ما جئت به، وإنّي لأرجو أن يجعل اللّه فرجًا، قال: فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كذلك إذ نزل عليه الوحي، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي تربّد لذلك جسده ووجهه، وأمسك عنه أصحابه، فلم يكلّمه أحدٌ منهم، فلمّا رفع الوحي، قال: أبشر يا هلال، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ادعوها، فدعيت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ فقال هلالٌ: يا رسول اللّه، ما قلت إلا حقًّا، ولقد صدقت، فقالت هي عند ذلك: كذب، قال: فقيل لهلالٍ اشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّك لمن الصّادقين، وقيل له عند الخامسة، يا هلال اتّق اللّه، فإنّ عذاب اللّه أشدّ من عذاب النّاس، وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب، فقال: واللّه لا يعذّبني اللّه عليها أبدًا كما لم يجلدني عليها، فشهد الخامسة أن لعنت اللّه عليه إن كان من الكاذبين، فقيل له، اشهدي أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، وقيل لها عند الخامسة: يا هذه اتّقي اللّه فإنّ عذاب اللّه أشدّ من عذاب الناس، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكّأت ساعةً، ثمّ قالت: واللّه لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين، قال: وقضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن لا ترمى، ولا يرمى ولدها، ومن رماها ورمى ولدها جلد الحدّ، وليس لها عليه قوتٌ ولا سكنى، من أجل أنّهما يتفرّقان بغير طلاقٍ ولا متوفًّى عنها، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أبصروها فإن جاءت به أثيبج أصيهب أرسح حمش السّاقين، فهو لهلال ابن أميّة، وإنّ جاءت به خدلّج السّاقين سابغ الإليتين أورق جعدًا جماليًّا، فهو لصاحبه، قال: فجاءت به أورق جعدًا جماليًّا خدلّج السّاقين سابغ الأليتين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لولا الأيمان لكان لي ولها أمرٌ، قال عبّادٌ: فسمعت عكرمة يقول: لقد رأيته أمير مصرٍ من الأمصار لا يدري من أبوه). [تفسير القرآن العظيم: 8/2532-2534]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ د ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنّ هلال بن أمية قذف امرأته عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البيّنة أو حدٌّ في ظهرك»، قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: البينة، وإلا حدٌّ في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ، إني لصادقٌ، ولينزلنّ الله ما يبرئ ظهري من الحدّ، فنزل جبريل عليه السلام، وأنزل عليه {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ بالله إنّه لمن الصّادقين (6) والخامسة أنّ لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين (7) ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ بالله إنّه لمن الكاذبين (8) والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين} [النور: 6 - 9] فانصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما، فجاء هلالٌ فشهد، والنبيّ يقول: إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبةٌ، قال ابن عباسٍ: فتلكّأت ونكصت، حتّى ظننّا أنّها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلّج السّاقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا ما مضى من كتاب الله عز وجل لكان لي ولها شأنٌ». أخرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي.
وسيرد في كتاب «اللعان» من حرف اللام - أحاديث في سبب نزول هذه الآيات عن ابن عباسٍ وغيره.
[شرح الغريب]
(قذف) القذف: رمي الإنسان بالزنا، أو ما كان في معناه.
(موجبة) الموجبة: هي التي توجب لصاحبها الجنة أو النار.
(فتلكأت) التلكؤ: التوقف والتباطؤ في الأمر.
(نكصت) النكوص: الرجوع إلى وراء.
(سابغ) الأليتين: ضخمها، تامهما.
(أكحل العينين) الكحل في العين: هو سواد في الأجفان خلقة.
(خدلج الساقين) أي: ممتلئهما.
(لكان لي ولها شأن) أراد بقوله: «لكان لي ولها شأن» يعني: لولا ما حكم الله تعالى من آيات الملاعنة وأنه أسقط عنها الحد. لأقمت عليها الحد حيث جاءت بالولد شبيهاً بالذي رميت به). [جامع الأصول: 2/247-250]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {والّذين يرمون أزواجهم} [النور: 6].
- عن حذيفة قال: «قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - لأبي بكرٍ: " لو رأيت مع أمّ رومان رجلًا ما كنت فاعلًا به؟ "، قال: كنت واللّه فاعلًا به شرًّا. قال: " فأنت يا عمر؟ "، قال: كنت واللّه قاتله، كنت أقول: لعن اللّه الأعجز فإنّه خبيثٌ، قال: فنزلت {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم} [النور: 6]».
رواه البزّار، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/74]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا إسحاق بن الضّيف، ثنا النّضر بن شميلٍ، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن يثيعٍ، عن حذيفة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي بكرٍ: «لو رأيت مع أمّ رومان رجلًا، ما كنت فاعلًا به؟» قال: كنت واللّه فاعلًا به شرًّا، قال: «فأنت يا عمر؟» قال: كنت واللّه قاتله، كنت أقول: لعن اللّه الأعجز فإنّه خبيثٌ، قال: فنزلت: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} [النور: 6].
قال البزّار: لا نعلم أحدًا أسنده إلا النّضر بن شميلٍ، عن يونس.
- حدّثنا عبد اللّه بن إسحاق العطّار، ثنا أبو عاصمٍ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيعٍ - ولم يقل عن حذيفة - عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:....، بنحوه). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/60-61]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين * ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عاصم بن عدي قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} قلت: يا رسول الله إلى أن يأتي الرجل بأربعة شهداء قد خرج الرجل فلم ألبث إلا أياما فإذا ابن عم لي معه امرأته ومعها ابن وهي تقول: منك، وهو يقول: ليس مني، فنزلت آية اللعان قال عاصم: فانا أول من تكلم وأول من ابتلى به). [الدر المنثور: 10/634-635]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وعبد الرزاق والطيالسي، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} الآية قال سعد بن عبادة وهو سيد الانصار: أهكذا أنزلت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم فقالوا: يا رسول الله لا تلمه فانه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد: يا رسول الله إني لأعلم انها حق وانها من الله ولكني تعجبت إني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى أتي بأربعة شهداء - فوالله - لا آتي بهم حتى يقضي حاجته قال: فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فجاء من أرضه عشاء فدخل على امرأته فوجد عندها رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنيه فلم يهجه حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد به واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية وأبطل شهادته في المسلمين فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا فقال: يا رسول الله إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به والله يعلم اين لصادق وان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد جلده فامسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم} فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقال: ابشر يا هلال قد جعل الله لك فرجا ومخرجا فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها فجاءت فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت: كذب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعنوا بينهما فقيل لهلال اشهد، فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين فلما كان في الخامسة قيل لهلال: فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وان هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل لها اشهدي، فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين، فلما كانت في الخامسة قيل لها: اتقي الله فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وان هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة فقالت: والله لا أفضح قومي فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها أن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أنه لا يدعى لاب ولا يرمي ولدها من أجل الشهادات الخمس وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليس لها قوت ولا سكنى ولا عدة من أجل أنها تفرقا من غير طلاق ولا متوفي عنها). [الدر المنثور: 10/635-637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري والترمذي، وابن ماجة عن ابن عباس: ان هلال بن أمية قذف امرأته عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: البينة أوحد في ظهرك، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرى ء ظهري من الحد فنزل جبريل فأنزل الله عليه {والذين يرمون أزواجهم} حتى بلغ {إن كان من الصادقين} فانصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال يشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله يعلم ان أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة، فتلكأت ونكصت حتى ظننا انها ترجع ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أبصروها فان جاءت به أكحل العينين سابغ الاليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن). [الدر المنثور: 10/637-638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فرمى امرأته برجل، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يردده حتى أنزل الله {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} حتى فرغ من الآيتين فأرسل اليهما فدعاهما فقال: ان الله قد أنزل فيكما، فدعا الرجل فقرأ عليه، فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه فقال له: كل شيء أهون عليك من لعنة الله، ثم أرسله فقال: لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ثم دعا بها فقرأ عليها، فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبينن ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها وقال: ويحك كل شيء أهون عليك من غضب الله ثم أرسلت فقالت: غضب الله عليها ان كان من الصادقين). [الدر المنثور: 10/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ان امرأتي زنت، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه منكس في الأرض ثم رفع رأسه فقال: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فائت بها، فجاءت فقال: قم فاشهد أربع شهادات فقام فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، فقال له: ويلك أو ويحك انها موجبة، فشهد الخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين، ثم قامت امرأته فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين، ثم قال ويلك أو ويحك انها موجبة، فشهدت الخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين، ثم قال له: اذهب فلا سبيل لك عليها فقال: يا رسول الله مالي، قال: لا مال لك ان كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وان كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها). [الدر المنثور: 10/638-639]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وعبد بن الحميد والترمذي وصححه والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال: سألت عن المتلاعنين أيفرق بينهما فقال: سبحان الله نعم، ان أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان قال: يا رسول الله أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فان تكلم تكلم بأمر عظيم وان سكت سكت على مثل ذلك فسكت فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: ان الذين سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله هذه الآية في سورة النور {والذين يرمون أزواجهم} حتى بلغ {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} فبدأ بالرجل فوعظه وذكره وأخبره ان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال: والذي بعثك بالحق ما كذبتك، ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها وأخبرها ان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت: والذي بعثك بالحق أنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين). [الدر المنثور: 10/639-640]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن ماجة، وابن حبان، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عمر قال: كنا جلوسا عشية الجمعة في المسجد فجاء رجل من الأنصار فقال: أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه وان تكلم جلدتموه وان سكت سكت على غيظ والله لئن أصبحت صالحا لا سألن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: يا رسول الله أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه وان تكلم جلدتموه وان سكت سكت على غيظ، اللهم احكم، فنزلت آية اللعان فكان ذلك الرجل أول من ابتلى به). [الدر المنثور: 10/640]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع: فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سألنه فاتاه فوجده قد أنزل عليه، فدعا بهما فلاعن بينهما قال عويمر: أن انطلق بها يا رسول الله لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبصروها فان جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الاليتين فلا أراه إلا قد صدق، وان جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا، فجاءت به على النعت المكروه). [الدر المنثور: 10/640-641]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أنس قال: لاول لعان كان في الإسلام ان شريك بن سحماء رماه هلال بن أمية بامرأته فرفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة شهود والا فحد في ظهرك، فقال: يا رسول الله ان الله ليعلم إني لصادق ولينزلن الله ما يبرى ء ظهري من الجلد، فأنزل الله آية اللعان {والذين يرمون أزواجهم} إلى آخر الآية فدعاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اشهد بالله انك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، فشهد بذلك أربع شهادات بالله ثم قال له في الخامسة: لعنة الله عليك أن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا، ففعل، ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قومي فاشهدي بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا، فشهدت بذلك أربع شهادات ثم قال لها في الخامسة وغضب الله عليك ان كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا، قال: فلما كان في الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا انها ستعترف، ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على القول ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال: انظروا فان جاءت به جعدا أخمش الساقين فهو لشريك بن سحماء وان جاءت به أبيض سبطا قصير العينين فهو لهلال بن أمية فجاءت به آدم جعدا أخمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن). [الدر المنثور: 10/641-643]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي، وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا من الأنصار من بني زريق قذف امرأته فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فرد ذلك عليه أربع مرات، فأنزل الله آية الملاعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين السائل قد نزل من الله أمر عظيم فأبى الرجل إلا أن يلاعنها وأبت إلا تدرأ عن نفسها العذاب، فتلاعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اما تجيء به أصفر أخمش مفتول العظام فهو للملاعن واما تجيء به اسود كالجمل الاورق فهو لغيره فجاءت به أسود كالجمل الاورق فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله لعصبة أمه وقال: لولا الآيات التي مضت لكان فيه كذا وكذا). [الدر المنثور: 10/643]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به قال: كنت - والله - فاعلا به شرا قال: فأنت يا عمر قال: كنت - والله - قاتله فنزلت {والذين يرمون أزواجهم} قلت: رجال إسناده ثقات إلا أن البزار كان يحدث من حفظه فيخطئ.
وقد أخرجه ابن مردويه والديلمي من هذا الطريق وزاد بعد قوله كنت قاتله قال: فأنت يا سهيل بن بيضاء قال: كنت أقول لعن الله الأبعد فهو خبيث ولعن الله البعدى فهي خبيثة ولعن الله أو الثلاثة أخبر بهذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تأولت القرآن يا ابن بيضاء {والذين يرمون أزواجهم} وهذا أصح من قول البزار فنزلت). [الدر المنثور: 10/643-644]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن زيد بن نفيع أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أرأيت لو وجدت مع أهلك رجلا كيف كنت صانعا قال: إذا لقتلته، ثم قال لعمر،، فقال مثل ذلك، فتتابع القوم على قول أبي بكر وعمر، ثم قال لسهيل بن البيضاء،، قال: كنت أقول لعنك الله فأنت خبيثة ولعنك الله فأنت خبيث ولعن الله أول الثلاثة منا يخرج هذا الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تأولت القرآن يا ابن البيضاء لو قتله به ولو قذفه جلد ولو قذفها لاعنها). [الدر المنثور: 10/644]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {والذين يرمون أزواجهم} قال: هو الرجل يرمي زوجته بالزنا {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} يعني ليس للرجل شهداء غيره ان امرأته قد زنت فرفع ذلك إلى الحكام فشهادة أحدهم - يعني الزوج - يقوم بعد الصلاة في المسجد فيحلف أربع شهادات بالله يقول: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أن فلانة - يعني امرأته - زانية، والخامسة ان لعنة الله عليه - يعني على نفسه - ان كان من الكاذبين في قوله، ويدرأ يدفع الحكام عن المرأة العذاب - يعني الحد - ان تشهد أربع شهادات بالله أنه - يعني زوجها - لمن الكاذبين، فتقوم المرأة مقام زوجها فتقول أربع مرات أشهد بالله الذي لا إله إلا هو إني لست بزانية وان زوجي لمن الكاذبين، والخامسة ان غضب الله عليها - يعني على نفسها - ان كان زوجها من الصادقين). [الدر المنثور: 10/644-645]

تفسير قوله تعالى: (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين}
- حدّثني سليمان بن داود أبو الرّبيع، حدّثنا فليحٌ، عن الزّهريّ، عن سهل بن سعدٍ: أنّ رجلًا أتى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أرأيت رجلًا رأى مع امرأته رجلًا أيقتله، فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل اللّه فيهما ما ذكر في القرآن من التّلاعن، فقال له رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «قد قضي فيك وفي امرأتك» ، قال: فتلاعنا وأنا شاهدٌ عند رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ففارقها فكانت سنّةً أن يفرّق بين المتلاعنين، وكانت حاملًا فأنكر حملها، وكان ابنها يدعى إليها، ثمّ جرت السّنّة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض اللّه لها). [صحيح البخاري: 6/100]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} (النّور: 7)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {والخامسة} ... الآية. قوله: (والخامسة) أي: الشّهادة الخامسة، وهي بعد أربع شهادات كما هي معروفة في موضعها، وقرئ: أن لعنة الله و: أن غضب الله، على تخفيف: أن، ورفع ما بعدها. وقرئ: أن غضب الله، بكسر الضّاد وعلى فعل الغضب، وقرئ بنصب الخامستين على معنى: ويشهد الخامسة.
- حدّثني سليمان بن داود أبو الرّبيع حدثنا فليحٌ عن الزّهريّ عن سهل بن سعدٍ أنّ رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلاً رأي مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فأنزل الله فيهما ما ذكر في القرآن من التّلاعن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضي فيك وفي امرأتك قال فتلاعنا وأنا شاهدٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففارقها فكانت سنّةً أن يفرّق بين المتلاعنين وكانت حاملاً فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها ثمّ جرت السّنّة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة تؤخذ من قوله: (فأنزل الله فيها) . وفليح، بضم الفاء وفتح اللّام: ابن سليمان أبو يحيى الخزاعيّ وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح.
والحديث روي عن سهل بطريقين: أحدهما: عن إسحاق عن محمّد بن يوسف، وقد مر. والآخر: عن سليمان بن داود وقد مر الكلام فيه في الباب الّذي قبله، ولنذكر ما لم يذكر فيه.
فقوله: (أن رجلا) هو: عويمر العجلاني. قوله: (قد قضي فيك وفي امرأتك) القضاء فيهما هو بآية اللّعان الّتي نزلت. قوله: (فتلاعنا) ، فيه حذف كما ذكرناه في الحديث الماضي تقديره: قذف امرأته وأنكرت هي الزّنا وأصر كل واحد منهما على قوله ثمّ تلاعنا. قوله: (ففارقها) ، وفي رواية: فطلقها ثلاثًا، قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ففارقها عند النّبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: لاعن ثمّ لاعنت ثمّ فرق بينهما، وفي رواية قال: لا سبيل لك عليها. قوله: (فكانت) ، أي: الملاعنة (سنة التّفريق بينهما) وكلمة: أن، مصدريّة وقد تأوّله ابن نافع المالكي على أن معناه استحباب ظهور الطّلاق بعد اللّعان. وقال النّوويّ: قال الجمهور: معناه حصول الفرقة بنفس اللّعان، قلنا: معنى الجواب عن هذا فيما مضى أنه لا بد من حكم الحاكم لقوله صلى الله عليه وسلم لعويمر بعد اللّعان: فطلقها. قوله: (وكانت حاملا فأنكر) أي: الرجل أنكر (حملها) فيه دليل على جواز الملاعنة بالحمل، وإليه ذهب ابن أبي ليلى ومالك وأبو عبيدة وأبو يوسف في رواية، فافهم. قالوا: من نفى حمل امرأته لا عن بينهما القاضي، وألحق الولد بأمّه. وقال الثّوريّ وأبو حنيفة وأبو يوسف في المشهور عنه ومحمّد وأحمد في رواية، وابن الماجشون من أصحاب مالك وزفرين الهذيل: لا تلاعن بالحمل، وسواء عند أبي حنيفة وزفر ولدت بعد النّفي لتمام ستّة أشهر أو قبلها، وعند أبي يوسف ومحمّد وأحمد: إن ولدت لأقل من ستّة أشهر منذ نفاه وجب عليه اللّعان لأنّه حينئذٍ يتيقّن بوجوده عند النّفي ولأكثر منها احتمل أن يكون حمل حادث، وبه قال مالك، إلاّ أنه يشترط عدم وطئها بعد النّفي، وأجابوا عن الحديث: أن اللّعان فيه كان بالقذف لا بالحمل ولأنّه يجوز أن يكون حملا لأن ما يظهر من المرأة ممّا يتوهّم به أنّها حامل ليس يعلم أنه حمل على حقيقته إنّما هو توهم، فنفي المتوهم لا يوجب اللّعان. قوله: (ثمّ جرت السّنة)
إلى آخره، قد مر حاصله في الباب الّذي قبله، وقد أجمع العلماء على جريان التورات بينه وبين أصحاب الفروض من جهة أمه وهم: إخوته وأخواته من أمه وجداته من أمه، ثمّ إذا دفع إلى أمه فرضها أو إلى أصحاب الفروض ويبقى شيء فهو لموالي أمه إن كان عليها ولاء، وإن لم يكن يكون لبيت المال عند من لا يرى بالرّدّ ولا بتوريث ذوي الأرحام، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/76-77]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين} [النور: 7]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({والخامسة}) أي والشهادة الخامسة ({أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين}) [النور: 7] فيما رمى به زوجته من الزنا وهذا لعان الرجل وحكمه سقوط حد القذف وحصول الفرقة بينهما بنفسه فرقة فسخ في مذهبنا لقوله عليه السلام المروي في البيهقي وغيره: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- بتفريق الحاكم فرقة طلاق ونفي الولد إن تعرض له فيه وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثني سليمان بن داود أبو الرّبيع، حدّثنا فليحٌ عن الزّهريّ، عن سهل بن سعدٍ أنّ رجلًا أتى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: يا رسول اللّه أرأيت رجلًا رأى مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل اللّه فيهما ما ذكر في القرآن من التّلاعن فقال له رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «قد قضي فيك وفي امرأتك» قال: فتلاعنا وأنا شاهدٌ عند رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ففارقها فكانت سنّةً أن يفرّق بين المتلاعنين، وكانت حاملًا فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها ثمّ جرت السّنّة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض اللّه لها.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (سليمان بن داود) العتكي (أبو الربيع) الزهراني المقرئ البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان الخزاعي وفليح لقبه واسمه عبد الملك (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (أن رجلًا) هو عويمر العجلاني (أتى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (رأى مع امرأته رجلًا) استعمل الكناية ومقصوده معية خاصة وأنه كان وحده عند الرؤية (أيقتله) لأجل ما وقع مما لا يقدر على الصبر عليه غالبًا من الغيرة التي طبع عليها البشر (فتقتلونه) قصاصًا (أم كيف يفعل؟) أي أم يصبر على ما به من المضض فأم متصلة ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الإضراب أي بل هنا حكم آخر (فأنزل الله) تعالى (فيهما) في عويمر وخولة زوجته (ما ذكر في القرآن من التلاعن فقال له رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): (قد قضي) بضم القاف وكسر الضاد المعجمة وفي نسخة قد قضى الله (فيك وفي امرأتك) بآية اللعان (قال) سهل (فتلاعنا) بعد أن قذفها وأنكرت لما سألها رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- (وأنا شاهد) حاضر (عند رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- ففارقها) فرقة مؤبدة (فكانت) أي الملاعنة (سنة أن يفرق) أي في التفريق (بين المتلاعنين) فأن مصدرية (وكانت حاملًا فأنكر) عويمر (حملها) زاد في رواية العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عند أبي داود فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- لعاصم بن عدي: أمسك المرأة عندك حتى تلد (وكان ابنها) الذي وضعته بعد الملاعنة (يدعى إليها) لأنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ألحقه بها لأنه متحقق منها فلو أكذب الزوج نفسه ثبت النسب ولزمه الحد ولم ترتفع الحرمة المؤبدة (ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها) ولدها الذي نفاه زوجها بالملاعنة (وترث) هي (منه ما فرض الله لها) والظاهر أن هذا من قول سهل حيث قال فتلاعنا الخ.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فأنزل الله فيهما). [إرشاد الساري: 7/253-254]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين (6) والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين}.
يقول تعالى ذكره: {والّذين يرمون} من الرّجال {أزواجهم} بالفاحشة، فيقذفونهنّ بالزّنا، {ولم يكن لهم شهداء} يشهدون لهم بصحّة ما رموهنّ به من الفاحشة، {فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة: (أربع شهاداتٍ) نصبًا، ولنصبهم ذلك وجهان؛
أحدهما: أن تكون الشّهادة في قوله: {فشهادة أحدهم} مرفوعةً بمضمرٍ قبلها، وتكون (الأربع) منصوبًا بمعنى الشّهادة، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: فعلى أحدهم أن يشهد أربع شهاداتٍ باللّه. والوجه الثّاني: أن تكون الشّهادة مرفوعةً بقوله: {إنّه لمن الصّادقين} و(الأربع) منصوبةٌ بوقوع الشّهادة عليها، كما يقال: شهادتي ألف مرّةٍ إنّك لرجل سوءٍ، وذلك أنّ العرب ترفع الأيمان بأجوبتها، فتقول: حلفٌ صادقٌ لأقومنّ، وشهادة عمرٍو ليقعدنّ.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {أربع شهاداتٍ} برفع (الأربع)، ويجعلونها للشّهادة مرافعةً، وكأنّهم وجّهوا تأويل الكلام: فالّذي يلزم من الشّهادة أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأ: (فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين) بنصب أربعٍ، بوقوع (الشّهادة) عليها، و(الشّهادة) مرفوعةٌ حينئذٍ على ما وصفت من الوجهين قبل، وأحبّ وجهيهما إليّ أن تكون به مرفوعةً بالجواب، وذلك قوله: {إنّه لمن الصّادقين} وذلك أنّ معنى الكلام: والّذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، تقوم مقام الشّهداء الأربعة في دفع الحدّ عنه. فترك ذكر تقوم مقام الشّهداء الأربعة، اكتفاءً بمعرفة السّامعين بما ذكر من الكلام، فصار مرافع (الشّهادة) ما وصفت.
ويعني بقوله: {فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه} فحلف أحدهم أربع أيمانٍ باللّه، من قول القائل: أشهد باللّه إنّه لمن الصّادقين فيما رمى زوجته به من الفاحشة.
{والخامسة} يقول: والشّهادة الخامسة {أنّ لعنة اللّه عليه} يقول: إنّ لعنة اللّه له واجبةٌ، وعليه حالّةٌ إن كان فيما رماها به من الفاحشة من الكاذبين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك جاءت الآثار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقالت به جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر الرّواية بذلك؛
وذكر السّبب الّذي فيه أنزلت هذه الآية:
حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن عكرمة، قال: لمّا نزلت {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً} قال سعد بن عبادة: اللّه إن أنا رأيت لكاع متفخّذها رجلٌ، فقلت بما رأيت، إنّ في ظهري لثمانين إلى ما أجمع أربعةً؟ قد ذهب فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار، ألا تسمعون إلى ما يقول سيّدكم؟، قالوا: يا رسول اللّه، لا تلمه وذكروا من غيرته فما تزوّج امرأةً قطّ إلاّ بكرًا، ولا طلّق امرأةً قطّ فرجع فيها أحدٌ منّا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فإنّ اللّه يأبى إلاّ ذاك، فقال: لا واللّه، لا يجعل في ظهري ثمانين أبدًا، لقد نظرت حتّى أيقنت، ولقد استسمعت حتّى استشفيت قال: فأنزل اللّه القرآن باللّعّان، فقيل له: احلف فحلف قال: قفوه عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ. فقال: لا يدخله اللّه النّار بهذا أبدًا، كما درأ عنه جلد ثمانين، لقد نظرت حتّى أيقنت، ولقد استسمعت حتّى استشفيت فحلف، ثمّ قيل لها: احلفي فحلفت، ثمّ قال: قفوها عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ. فقيل لها: إنّها موجبةٌ، فتلكّأت ساعةً، ثمّ قالت: لا أخزي قومي، فحلفت. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها، وإن جاءت به كذا وكذا فهو للّذي قيل فيه ما قيل. قال: فجاءت به غلامًا كأنّه جملٌ أورق، فكان بعد أميرًا بمصر، لا يعرف نسبه، أو لا يدرى من أبوه.
- حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: أخبرنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا عبّادٌ، قال: سمعت عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا وأولئك هم الفاسقون} قال سعد بن عبادة: لهكذا أنزلت يا رسول اللّه؟ لو أتيت لكاع قد تفخّذها رجلٌ، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء؟ فواللّه ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتّى يفرغ من حاجته فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار، أما تسمعون إلى ما يقول سيّدكم؟ قالوا: لا تلمه، فإنّه رجلٌ غيورٌ، ما تزوّج فينا قطّ إلاّ عذراء، ولا طلّق امرأةً له فاجترأ رجلٌ منّا أن يتزوّجها قال سعدٌ: يا رسول اللّه، بأبي وأمّي، واللّه إنّي لأعرف أنّها من اللّه، وأنّها حقٌّ، ولكن عجبت لو وجدت لكاع قد تفخّذها رجلٌ لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء واللّه لا آتي بأربعة شهداء حتّى يفرغ من حاجته فواللّه ما لبثوا إلاّ يسيرًا حتّى جاء هلال بن أميّة من حديقةٍ له، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فأمسك حتّى أصبح. فلمّا أصبح غدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو جالسٌ مع أصحابه، فقال: يا رسول اللّه إنّي جئت أهلي عشاءً، فوجدت رجلاً مع أهلي، رأيت بعينيّ وسمعت بأذنيّ. فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أتاه به، وثقل عليه جدًّا، حتّى عرف ذلك في وجهه، فقال هلالٌ: واللّه يا رسول اللّه، إنّي لأرى الكراهة في وجهك ممّا أتيتك به، واللّه يعلم أنّي صادقٌ، وما قلت إلاّ حقًّا، فإنّي لأرجو أن يجعل اللّه فرجًا. قال: واجتمعت الأنصار، فقالوا: ابتلينا بما قال سعدٌ، أيجلد هلال بن أميّة، وتبطل شهادته في المسلمين؟ فهمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضربه، فإنّه لكذلك يريد أن يأمر بضربه، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ مع أصحابه، إذ نزل عليه الوحي، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أنّ الوحي قد نزل، حتّى فرغ، فأنزل اللّه: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم}. إلى: {أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أبشر يا هلال، فإنّ اللّه قد جعل فرجًا فقال: قد كنت أرجو ذلك من اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أرسلوا إليها فجاءت، فلمّا اجتمعا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قيل لها، فكذّبت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ فقال هلالٌ: يا رسول اللّه، بأبي وأمّي، لقد صدقت وما قلت إلاّ حقًّا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لاعنوا بينهما قيل لهلالٍ: يا هلال اشهد فشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، فقيل له عند الخامسة: يا هلال اتّق اللّه، فإنّ عذاب اللّه أشدّ من عذاب النّاس، إنّها الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فقال هلالٌ: واللّه لا يعذّبني اللّه عليها، كما لم يجلدني عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فشهد الخامسة: {أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين} ثمّ قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، فقيل لها عند الخامسة: اتّقي اللّه، فإنّ عذاب اللّه أشدّ من عذاب النّاس، وإنّ هذه الموجبة، الّتي توجب عليك العذاب. فتلكّأت ساعةً، ثمّ قالت: واللّه لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: {أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} ففرّق بينهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقضى أنّ الولد لها، ولا يدعى لأبٍ، ولا يرمى ولدها.
- حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمّدٍ، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا قذف هلال بن أميّة امرأته، قيل له: واللّه ليجلدنّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمانين جلدةً قال: اللّه أعدل من ذلك أن يضربني ضربةً وقد علم أنّي قد رأيت حتّى استيقنت، وسمعت حتّى استثبتّ، لا واللّه لا يضربني أبدًا فنزلت آية الملاعنة، فدعا بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين نزلت الآية، فقال: اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ فقال هلالٌ: واللّه إنّي لصادقٌ. فقال له: احلف باللّه الّذي لا إله إلاّ هو: إنّي لصادقٌ يقول ذلك أربع مرّاتٍ فإن كنت كاذبًا فعليّ لعنة اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قفوه عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ فحلف. ثمّ قالت أربعًا: واللّه الّذي لا إله إلاّ هو إنّه لمن الكاذبين، فإن كان صادقًا فعليها غضب اللّه. وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قفوها عند الخامسة، فإنّها موجبةٌ فتردّدت، وهمّت بالاعتراف، ثمّ قالت: لا أفضح قومي.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو هشامٍ الرّفاعيّ قالا: حدّثنا عبدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: كنّا ليلة الجمعة في المسجد، فدخل رجلٌ، فقال: لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فقتله، قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه آية اللّعان. ثمّ جاء الرّجل بعد، فقذف امرأته، فلاعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهما، فقال: عسى أن تجيء به أسود جعدًا. فجاءت به أسود جعدًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سألت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرّحمن، أيفرّق بين المتلاعنين؟ فقال: نعم، سبحان اللّه إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلانٌ، أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله، فقال: أرأيت لو أنّ أحدنا رأى صاحبته على فاحشةٍ، كيف يصنع؟ فلم يجبه في ذلك شيئًا. قال: فأتاه بعد ذلك، فقال: إنّ الّذي سألت عنه قد ابتليت به. فأنزل اللّه هذه الآية في سورة النّور، فدعا الرّجل، فوعظه وذكّره، وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة؛ قال: والّذي بعثك بالحقّ، لقد رأيت، وما كذبت عليها قال: ودعا المرأة فوعظها، وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: والّذي بعثك بالحقّ، إنّه لكاذبٌ، وما رأى شيئًا قال: فبدأ الرّجل، فشهد أربع شهاداتٍ باللّه: إنّه لمن الصّادقين، والخامسة: أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين؛ ثمّ إنّ المرأة شهدت أربع شهاداتٍ باللّه أنّه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين. وفرّق بينهما.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن عامرٍ، قال: لمّا أنزل: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً} قال عاصم بن عديٍّ: إن أنا رأيت فتكلّمت جلدت ثمانين، وإن أنا سكتّ سكتّ على الغيظ قال: فكأنّ ذلك شقّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: فأنزلت هذه الآية: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم} قال: فما لبثوا إلاّ جمعةً، حتّى كان بين رجلٍ من قومه وبين امرأته، فلاعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهما.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم} الآية، والخامسة: أن يقال له: إنّ عليك لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين. وإن أقرّت المرأة بقوله رجمت، وإن أنكرت شهدت أربع شهاداتٍ باللّه: إنّه لمن الكاذبين، والخامسة أن يقال لها: غضب اللّه عليك إن كان من الصّادقين فيدرأ عنها العذاب، ويفرّق بينهما، فلا يجتمعان أبدًا، ويلحق الولد بأمّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {والّذين يرمون أزواجهم} قال: هلال بن أميّة، والّذي رميت به شريك بن سحماء، والّذي استفتى عاصم بن عديٍّ.
- قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني الزّهريّ، عن الملاعنة، والسّنّة، فيها، عن حديث، سهل بن سعدٍ: أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فأنزل اللّه في شأنه ما ذكر من أمر المتلاعنين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد قضى اللّه فيك وفي امرأتك فتلاعنا وأنا شاهدٌ. ثمّ فارقها عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانت السّنّة بعدها أن يفرّق بين المتلاعنين. وكانت حاملةً، فأنكره، فكان ابنها يدعى إلى أمّه، ثمّ جرت السّنّة أنّ ابنها يرثها وترث ما فرض اللّه لها.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين يرمون أزواجهم}. إلى قوله: {إن كان من الكاذبين} قال: إذا شهد الرّجل خمس شهاداتٍ، فقد برئ كلّ واحدٍ من الآخر، وعدّتها إن كانت حاملاً أن تضع حملها، ولا يجلد واحدٌ منهما؛ وإن لم تحلف أقيم عليها الحدّ والرّجم). [جامع البيان: 17/176-186] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين (7)
قوله تعالى: والخامسة أن لعنت اللّه عليه
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا يونس بن محمّدٍ، ثنا صالحٌ وهو ابن عمر، ثنا عاصم بن كليبٍ، عن أبيه حدّثني ابن عبّاسٍ قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فرمى امرأته برجلٍ، فكره ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يزل يردّده حتّى أنزل عليه والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فقرأ حتّى فرغ من الآيتين فأرسل إليهما، فدعاهما فقال: إنّ الله جل وعز قد أنزل فيكما، فدعى الرّجل فقرأ عليه فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصّادقين، ثمّ أمر به فأمسك على فيه فوعظه فقال له، كلّ شيءٍ أهون عليك من لعنة اللّه، ثمّ أرسله فقال: لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ دعي بها فقرأ عليها فشهدت أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، ثمّ أمر بها فأمسك على فيها فوعظها وقال: ويحك كلّ شيءٍ أهون من غضب اللّه، ثمّ أرسلها فقالت: غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين. قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أما واللّه لأقضينّ بينكما قضاءً فصلا، قال: فولدت فما رأيت مولودًا بالمدينة أكثر غاشيةً منه، فقال: إن جاءت به لكذا وكذا فهو لكذا وكذا فهو كذا، فجاءت به يشبه الّذي قذفت به.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: والخامسة أنّ لعنت الله عليه يعني على نفسه.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمد بن علي ابن الحسن، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله والخامسة أن لعنت اللّه عليه إن كان من الكاذبين فابتلي عاصم بن عديٍّ بذلك في يوم الجمعة الأخرى، أن نزل ذلك بأهل بيته فأتاه ابن عمّه أخي أبيه تحته ابنة، عمّه، أخي أبيه فرماها بابن عمّه والزّوج والمرأة والخليل كلّهم بنو عمّ عاصمٍ أخي أبيه، فقال زوجها: هلال بن أميّة من بنى واقفٍ لعاصمٍ، يا ابن عمّ أقسم باللّه لقد رأيت شريك بن سمحاء على بطنها، وإنها لحبلى، وما قربتها منذ أربعة أشهرٍ، فقال عاصمٌ: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، هذا واللّه سؤالي، عن هذا الأمر بين النّاس، فابتليت به، ثمّ أقبل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول الله قد أوشكت أن أبليت بسؤالي إنّ هذه الآية في شأن الّذين يرمون أزواجهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: وما ذاك يا عاصم؟ فقال: أتاني ابن عمّي أخي أبي تحته بنت عمّي أخي أبي، فزعم أنّه وجد على بطنها ابن عمّي أخي أبي، فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الزّوج والخليل والمرأة، فاجتمعوا عنده، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لزوجها هلال بن أميّة: ويحك ما تقول في ابن عمّك بحليلتك؟ إنّك تقذفها ببهتانٍ. فقال الزّوج: أقسم لك يا رسول اللّه لقد رأيته معها على بطنها، وإنها لحبلى، وما قربتها منذ أربعة أشهر، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للمرأة، ويحك ما يقول زوجك؟ قالت: أحلف باللّه إنّه لكاذبٌ، وما رأى منّي شيئًا يريبه، ولكنّه غيران، ولقد أبصرني معه في البيت وهو ابن عمّه، ولم يكن مستنكرًا أن يدخل إلينا، فيسمر عندنا والنهار حتّى يذهب عامّة اللّيل، ويصيب من طعامنا، ولم ينه، عن شيءٍ من ذلك قطّ، ولم ينهني عنه حتّى قذفني بالزّنا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للخليل: ويحك ما يقول ابن عمّك؟ قال: أقسم ما رأى ما يقوله وإنّه لمن الكاذبين، ما رأى عليّ ريبةً ولا فاحشةً، وإن كنت لأدخل بيته ليلا ونهارًا ما ينهاني واحدٌ منهما، عن ذلك قطّ، ولا رأيته له على وجهه وأنا رجلٌ أعزب وليس لي شيءٌ، وكنت أدخل بيوت بني عمّي، فأصيب عندهم الغداء والعشاء، وما أريد بأسًا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للمرأة والزّوج: قومًا فاحلفا باللّه قيامًا عند المنبر في دبر صلاة العصر، فحلف زوجها هلال بن أميّة، فقال: أشهد باللّه أنّ فلانة زانيةٌ وأنّي لمن الصّادقين، ثمّ قال: أشهد باللّه أنّ فلانة زانيةٌ، ولقد رأيت شريكًا على بطنها، وإنّي لمن الصّادقين، ثمّ قال: أشهد الثّالثة باللّه أنّ فلانة زانيةٌ، وإنّها لحبلى من غيري، وإنّي لمن الصّادقين، ثمّ حلف الرّابعة باللّه الّذي لا إله إلا هو أنّ فلانة زانيةٌ، وما قربتها منذ أربعة أشهرٍ، وإنّها لحبلى من غيري، وإنّي لمن الصّادقين، ثمّ قال: في الخامسة: لعنة اللّه على هلال بن أميّة يعنى نفسه إن كان من الكاذبين.
- حدّثني محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: والخامسة أن لعنت اللّه عليه إن كان من الكاذبين قال: وجبت.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: والخامسة أن لعنت اللّه عليه يًعنى على نفسه إن كان من الكاذبين). [تفسير القرآن العظيم: 8/2534-2536]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} قال: فان هي اعترفت رجمت وان هي أبت يدرأ عنها العذاب قال: عذاب الدنيا {أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (8) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}، ثم يفرق بينهما وتعتد عدة المطلقة). [الدر المنثور: 10/645]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب قال: لا يجتمع المتلاعنان أبدا.
وأخرج عبد الرزاق عن علي، وابن مسعود، مثله). [الدر المنثور: 10/645]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي قال: اللعان أعظم من الرجم). [الدر المنثور: 10/646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال: وجبت اللعنة على أكذبهما). [الدر المنثور: 10/646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار، عن جابر قال: ما نزلت آية التلاعن إلا لكثرة السؤال). [الدر المنثور: 10/646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية قال سعد بن عبادة: إني لو رأيت أهلي ومعها رجل انتظر حتى أتي بأربعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: والذي بعثك بالحق لو رأيته لعاجلته بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار اسمعوا ما يقول سيدكم ان سعدا لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني). [الدر المنثور: 10/646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ماجة، وابن حبان والحاكم، وابن مردويه عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة أيما امرأة أدخلت على قوم ما ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين). [الدر المنثور: 10/646]

تفسير قوله تعالى: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين} [النور: 8]
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن هشام بن حسّان، حدّثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ هلال بن أميّة، قذف امرأته عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشريك ابن سحماء، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «البيّنة أو حدٌّ في ظهرك» ، فقال: يا رسول اللّه، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البيّنة، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «البيّنة وإلّا حدٌّ في ظهرك» فقال هلالٌ: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادقٌ، فلينزلنّ اللّه ما يبرّئ ظهري من الحدّ، فنزل جبريل وأنزل عليه: {والّذين يرمون أزواجهم} [النور: 6] فقرأ حتّى بلغ: {إن كان من الصّادقين} [النور: 9] فانصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل إليها، فجاء هلالٌ فشهد، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ» ثمّ قامت فشهدت، فلمّا كانت عند الخامسة وقّفوها، وقالوا: إنّها موجبةٌ، قال ابن عبّاسٍ: فتلكّأت ونكصت، حتّى ظننّا أنّها ترجع، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلّج السّاقين، فهو لشريك ابن سحماء» ، فجاءت به كذلك، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لولا ما مضى من كتاب اللّه لكان لي ولها شأنٌ»). [صحيح البخاري: 6/100-101]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ويدرأ عنها العذاب الآية)
ذكر فيه حديث ابن عبّاسٍ في قصّة المتلاعنين من رواية عكرمة عنه وقد ذكره في اللّعان من رواية القاسم بن محمّدٍ عنه وبينهما في سياقه اختلافٌ سأبيّنه هناك وأقتصر هنا على بيان الرّاجح من الاختلاف في سبب نزول آيات اللّعان دون أحكامه فأذكرها في بابها إن شاء اللّه تعالى وقوله
- عن هشام بن حسان حدثنا عكرمة هكذا قال بن عديٍّ عنه وقال عبد الأعلى ومخلد بن حسينٍ عن هشام بن حسّان عن محمّد بن سيرين عن أنسٍ فمنهم من أعلّ حديث بن عبّاسٍ بهذا ومنهم من حمله على أنّ لهشامٍ فيه شيخين وهذا هو المعتمد فإنّ البخاريّ أخرج طريق عكرمة ومسلمًا أخرج طريق بن سيرين ويرجّح هذا الحمل اختلاف السّياقين كما سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى قوله البيّنة أو حد في ظهرك قال بن مالكٍ ضبطوا البيّنة بالنّصب على تقدير عاملٍ أي أحضر البيّنة وقال غيره روي بالرّفع والتّقدير إمّا البيّنة وإمّا حدٌّ وقوله في الرّواية المشهورة أوحد في ظهرك قال بن مالكٍ حذف منه فاء الجواب وفعل الشّرط بعد إلّا والتّقدير وإلّا تحضرها فجزاؤك حدٌّ في ظهرك قال وحذف مثل هذا لم يذكر النّحاة أنّه يجوز إلّا في الشّعر لكن يردّ عليهم وروده في هذا الحديث الصّحيح قوله فقال هلالٌ والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادقٌ ولينزلنّ اللّه ما يبرّئ ظهري من الحدّ فنزل جبريل وأنزل عليه والّذين يرمون أزواجهم كذا في هذه الرّواية أنّ آيات اللّعان نزلت في قصّة هلال بن أميّة وفي حديث سعدٍ الماضي أنّها نزلت في عويمرٍ ولفظه فجاء عويمرٌ فقال يا رسول اللّه رجلٌ وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أنزل اللّه فيك وفي صاحبتك فأمرهما بالملاعنة وقد اختلف الأئمّة في هذا الموضع فمنهم من رجّح أنّها نزلت في شأن عويمرٍ ومنهم من رجّح أنّها نزلت في شأن هلالٍ ومنهم من جمع بينهما بأنّ أوّل من وقع له ذلك هلالٌ وصادف مجيء عويمرٍ أيضًا فنزلت في شأنهما معًا في وقتٍ واحدٍ وقد جنح النّوويّ إلى هذا وسبقه الخطيب فقال لعلهما اتّفق كونهما جاآ في وقتٍ واحدٍ ويؤيّد التّعدّد أنّ القائل في قصّة هلالٍ سعد بن عبادة كما أخرجه أبو داود والطّبريّ من طريق عبّاد بن منصور عن عكرمة عن بن عبّاسٍ مثل رواية هشام بن حسّان بزيادةٍ في أوّله لمّا نزلت والّذين يرمون أزواجهم الآية قال سعد بن عبادة لو رأيت لكاعًا قد تفخّذها رجلٌ لم يكن لي أن أهيجه حتّى آتي بأربعة شهداء ما كنت لآتي بهم حتّى يفرغ من حاجته قال فما لبثوا إلّا يسيرًا حتّى جاء هلال بن أميّة الحديث وعند الطّبريّ من طريق أيّوب عن عكرمة مرسلًا فيه نحوه وزاد فلم يلبثوا أن جاء بن عمٍّ له فرمى امرأته الحديث والقائل في قصّة عويمرٍ عاصم بن عديٍّ كما في حديث سهل بن سعدٍ في الباب الّذي قبله وأخرج الطّبريّ من طريق الشّعبيّ مرسلًا قال لما نزلت والّذين يرمون أزواجهم الآية قال عاصم بن عديٍّ إن أنا رأيت فتكلّمت جلدت وإن سكتّ سكتّ على غيظٍ الحديث ولا مانع أن تتعدّد القصص ويتّحد النّزول وروى البزّار من طريق زيد بن تبيعٍ عن حذيفة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي بكرٍ لو رأيت مع أمّ رومان رجلًا ما كنت فاعلًا به قال كنت فاعلًا به شرًّا قال فأنت يا عمر قال كنت أقول لعن اللّه الأبعد قال فنزلت ويحتمل أنّ النّزول سبق بسبب هلالٍ فلمّا جاء عويمرٌ ولم يكن علم بما وقع لهلالٍ أعلمه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالحكم ولهذا قال في قصّة هلالٍ فنزل جبريل وفي قصّة عويمرٍ قد أنزل اللّه فيك فيؤول قوله قد أنزل اللّه فيك أي وفيمن كان مثلك وبهذا أجاب بن الصّبّاغ في الشّامل قال نزلت الآية في هلالٍ وأمّا قوله لعويمرٍ قد نزل فيك وفي صاحبتك فمعناه ما نزل في قصّة هلالٍ ويؤيّده أنّ في حديث أنسٍ عند أبي يعلى قال أوّل لعانٍ كان في الإسلام أنّ شريك بن سحماء قذفه هلال بن أميّة بامرأته الحديث وجنح القرطبيّ إلى تجويز نزول الآية مرّتين قال وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرّواة الحفّاظ وقد أنكر جماعةٌ ذكر هلالٍ فيمن لاعن قال القرطبيّ أنكره أبو عبد اللّه بن أبي صفرة أخو المهلّب وقال هو خطأٌ والصّحيح أنّه عويمرٌ وسبقه إلى نحو ذلك الطّبريّ وقال بن العربيّ قال النّاس هو وهمٌ من هشام بن حسان وعليه دار حديث بن عبّاسٍ وأنسٍ بذلك وقال عياضٌ في المشارق كذا جاء من رواية هشام بن حسّان ولم يقله غيره وإنّما القصّة لعويمرٍ العجلانيّ قال ولكن وقع في المدوّنة في حديث العجلانيّ ذكر شريكٍ وقال النّوويّ في مبهماته اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوالٍ عويمرٌ العجلانيّ وهلال بن أميّة وعاصم بن عديٍّ ثمّ نقل عن الواحديّ أنّ أظهر هذه الأقوال أنّه عويمرٌ وكلام الجميع متعقّبٌ أمّا قول بن أبي صفرة فدعوى مجرّدةٌ وكيف يجزم بخطأ حديثٍ ثابتٍ في الصّحيحين مع إمكان الجمع وما نسبه إلى الطّبريّ لم أره في كلامه وأما قول بن العربيّ إنّ ذكر هلالٍ دار على هشام بن حسّان وكذا جزم عياضٌ بأنّه لم يقله غيره فمردودٌ لأنّ هشام بن حسّان لم ينفرد به فقد وافقه عبّاد بن منصورٍ كما قدّمته وكذا جرير بن حازمٍ عن أيّوب أخرجه الطّبريّ وبن مردويه موصولًا قال لمّا قذف هلال بن أميّة امرأته
وأمّا قول النّوويّ تبعًا للواحديّ وجنوحه إلى التّرجيح فمرجوحٌ لأنّ الجمع مع إمكانه أولى من التّرجيح ثمّ قوله وقيل عاصم بن عديٍّ فيه نظرٌ لأنّه ليس لعاصمٍ فيه قصّة أنّه الّذي لاعن امرأته وإنّما الّذي وقع من عاصمٍ نظير الّذي وقع من سعد بن عبادة ولما روى بن عبد البرّ في التّمهيد طريق جرير بن حازمٍ تعقّبه بأن قال قد رواه القاسم بن محمّد عن بن عبّاسٍ كما رواه النّاس وهو يوهم أنّ القاسم سمّى الملاعن عويمرًا والّذي في الصّحيح فأتاه رجلٌ من قومه أي من قوم عاصمٍ والنّسائيّ من هذا الوجه لاعن بين العجلاني وامرأته والعجلاني هو عويمر). [فتح الباري: 8/449-452]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين} (النّور: 8)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ويدرأ عنها العذاب} أي: ويدفع عن الزّوجة الحد بأن تشهد أربع شهادات باللّه وإنّه أي: أن الزّوج.
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ حدّثنا ابن أبي عديّ عن هشام بن حسّان حدّثنا عكرمة عن ابن عبّاسٍ أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم البيّنة أو حدٌّ في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البيّنة فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول البيّنة وإلاّ حدٌّ في ظهرك فقال هلالٌ والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادقٌ فلينزلنّ الله ما يبرّي ظهري من الحدّ فنزل جبريل وأنزل عليه والّذين يرمون أزواجهم فقرأ حتّى بلغ إن كان من الصّادقين فانصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها فجاء هلالٌ فشهد والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ فهل منكما تائبٌ ثمّ قامت فشهدت فلمّا كانت عند الخامسة وقّفوها وقالوا إنّها موجبةٌ. قال ابن عبّاسٍ فتلكّأت ونكصت حتّى ظننّا أنّها ترجع ثمّ قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج السّاقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذالك فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأنٌ.
(انظر الحديث 2671 وطرفه) .
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من الآية وهي: {والّذين يرمون} (النّور: 6) وابن عدي محمّد، واسم أبي عدي إبراهيم البصريّ. والحديث بعينه إسنادًا ومتناً قد مر في كتاب الشّهادة في: باب إذا ادّعى أو قذف فله أن يلتمس البيّنة، ولكن إلى قوله: أوحد في ظهرك، فذكر حديث اللّعان، ولنذكر هنا تفسير بعض شيء لبعد المسافة، ولنذكر أيضا بعض معاني ما زاد على ما هنالك.
فقوله: (أن هلال بن أميّة) ، بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف: الواقفي، بكسر القاف وبالفاء: الأنصاريّ، وهو أحد الثّلاثة الّذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وتيب عليهم. قوله: (بشريك ابن سحماء) ، وهو إسم أمه، وأما أبوه فهو عبدة ضد الحرّة العجلاني وهو ابن عاصم بن عدي، وامرأته وامرأة هلال خولة بنت عاصم. قوله: (البيّنة) ، بالنّصب والرّفع، أما النصب فعلى تقدير: أحضر البيّنة، وأما الرّفع فعلى تقدير: إمّا البيّنة وإمّا حد، وقيل: التّقدير. وإن لم يحضر البيّنة فجزاؤك حد في ظهرك، ومثل هذا الحذف لم يذكره النّحاة إلاّ في ضرورة الشّعر، ويرد عليهم ما روي في هذا الحديث الصّحيح. قوله: (ما يبرئ) ، بضم الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة وتشديد الرّاء المكسورة وهي في محل النصب على المفعولية. قوله: (فشهد) ، أي: بالشهادات اللعانية. أي: لاعن الزّوج. قوله: (وشهدت) ، أي: المرأة أربع شهادات. قوله: (عند الخامسة) ، أي: المرة الخامسة. قوله: (إنّها موجبة) أي: للعذاب الأليم إن كانت كاذبة. قوله: (فتلكأت) ، على وزن: تفعلت، يقال: تلكأ الرجل عن الأمر أي تبطأ عنه وتوقف، ومادته: لام وكاف وهمزة. قوله: (ونكصت) ، من النكوص وهو الإحجام عن الشّيء. قوله: (فمضت) ، أي: في تمام اللّعان. قوله: (أكحل العينين) هو أن يعلو جفون العين سواد مثل الكحل من غير اكتحال. قوله: (سابغ الأليتين) السابغ التّام الضخم. قوله: (خدلج السّاقين) أي: عظيمهما، وقد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (شأن) ، يريد به الرّجم أي: لولا أن الشّرع أسقط الرّجم عنها لحكمت بمقتضى المشابهة ولرجمتها، وبقيّة الكلام من الأحكام والسّؤال والجواب قد مضت عن قريب، والله أعلم). [عمدة القاري: 19/77-78]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين} [النور: 8]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ويدرأ عنها}) أي عن المقذوفة ({العذاب}) أي الحد ({أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين}) [النور: 8] فيما رماني به وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا ابن أبي عديٍّ عن هشام بن حسّان، حدّثنا عكرمة عن ابن عبّاسٍ، أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته عند النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بشريك بن سحماء فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «البيّنة أو حدٌّ في ظهرك» فقال: يا رسول اللّه، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البيّنة؟ فجعل النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «البيّنة وإلاّ حدٌّ في ظهرك» فقال هلالٌ: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادقٌ، فلينزلنّ اللّه ما يبرّئ ظهري من الحدّ. فنزل جبريل وأنزل عليه {والّذين يرمون أزواجهم} فقرأ حتّى بلغ {إن كان من الصّادقين}، فانصرف النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأرسل إليها. فجاء هلالٌ فشهد. والنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ»؟ ثمّ قامت فشهدت، فلمّا كانت عند الخامسة وقّفوها وقالوا: إنّها موجبةٌ. قال ابن عبّاسٍ: فتلكّأت ونكصت حتّى ظننّا أنّها ترجع، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم. فمضت. فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج السّاقين فهو لشريك ابن سحماء» فجاءت به كذلك فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «لولا ما مضى من كتاب اللّه لكان لي ولها شأنٌ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن هشام بن حسان) منصرف وغير منصرف الأزدي القردوسي بضم القاف وسكون الراء وضم الدال البصري أنه قال: (حدّثنا عكرمة) بن عبد الله البربري مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن هلال بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية الواقفي بكسر القاف والفاء الأنصاري أحد الثلاثة المتخلفين عن غزوة تبوك وتيب عليهم (قذف امرأته) خولة بنت عاصم كما رواه ابن منده وكانت حاملًا (عند النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- بشريك ابن سحماء) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين ممدودًا اسم أمه. وفي تفسير مقاتل أنها كانت حبشية وقيل يمانية واسم أبيه عبدة بن معتب أو مغيث ولا يمتنع أن يتهم شريك ابن سحماء بهذه المرأة وامرأة عويمر معًا، وأما قول ابن الصباغ في الشامل أن المزني ذكر في المختصر أن العجلاني قذف زوجته بشريك ابن سحماء وهو سهو في النقل، وإنما القاذف لشريك هلال بن أمية فلعله لم يعرف مستند المزني في ذلك، وقد سبق في الباب الذي قبله مستند ذلك فليلتفت إليه والجمع ممكن فيتعين المصير إليه وهو أولى من التغليظ على ما لا يخفى.
(فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: البيّنة) بالنصب بتقدير أحضر البينة (أو حدّ) بالرفع أي أتحضر البينة أو يقع حد (في ظهرك) أي على ظهرك كقوله لأصلبنكم في جذوع النخل (فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق) حال كونه (يلتمس البينة) أي يطلبها (فجعل النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: البينة وإلا حدّ في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله) بفتح اللام وضم التحتية وسكون النون (ما يبرئ ظهري من الحدّ) في موضع نصب بقوله فلينزلن الله (فنزل جبريل) عليه السلام (وأنزل عليه) -صلّى اللّه عليه وسلّم- ({والذين يرمون أزواجهم}) فقرأ حتى بلغ ({إن كان من الصادقين}) أي فيما رماها الزوج به (فانصرف النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأرسل إليها) أي إلى خولة بنت عاصم زوج هلال فحضرت بين يديه (فجاء هلال فشهد) أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في الرمي (والنبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب).
قال القاضي عياض، وتبعه النووي في قوله أحدكما رد على من قال من النحاة إن لفظ أحد لا يستعمل إلا في النفي وعلى من قال منهم لا يستعمل إلا في الوصف وأنه لا يوضع في موضع واحد ولا يقع موقعه وقد أجازه المبرد وجاء في هذا الحديث في غير وصف ولا نفي بمعنى واحد اهـ.
وتعقب الفاكهاني ذلك فقال: هذا من أعجب ما وقع للقاضي عياض مع براعته وحذقه فإن الذي قاله النحاة إنما هو في أحد التي للعموم نحو ما في الدار من أحد وما جاءني من أحد وأما أحد بمعنى واحد فلا خلاف في استعمالها في الإثبات نحو قل هو الله أحد ونحوه فشهادة أحدهم ونحو أحدكما كاذب.
(فهل منكما تائب)؟ عرض لهما بالتوبة بلفظ الاستفهام لإبهام الكاذب منهما فلذلك لم يقل لهما توبا ولا لأحدهما بعينه تب ولا قال ليتب الكاذب منكما وزاد جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عند الطبري والحاكم والبيهقي فقال هلال: الله إني لصادق (ثم قامت) أي زوجته (فشهدت) أي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به (فلما كانت عند) المرّة (الخامسة وقفوها) بتشديد القاف ولأبي ذر وقفوها بتخفيفها (وقالوا: إنها موجبة) للعذاب الأليم إن كنت كاذبة.
(قال ابن عباس) بالسند السابق: (فتلكأت) بهمزة مفتوحة بعد الكاف المشددة بوزن تفعلت أي تباطأت عن ذلك (ونكصت) أي أحجمت (حتى ظننا أنها ترجع) عن مقالتها في تكذيب الزوج ودعوى البراءة عما رماها به (ثم قالت: لا أفضح) بفتح الهمزة والمعجمة (قومي سائر اليوم) أي جميع الأيام أيام الدهر أو فيما بقي من الأيام بالأعراض عن اللعان والرجوع إلى تصديق الزوج وأريد باليوم الجنس ولذلك أجراه مجرى العام (فمضت) أي في تمام اللعان (فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: أبصروها) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر المهملة (فإن جاءت به) أي الولد (أكحل العينين) أي شديد سواد جفونهما خلقة من غير اكتحال (سابغ الأليتين) أي غليظهما (خدلج الساقين) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وبعد اللام المشددة جيم عظيمهما (فهو لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك، فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: لولا ما مضى من كتاب الله) في آية اللعان (لكان لي ولها شأن) في إقامة الحدّ عليها وفي ذكر الشأن وتنكيره تهويل عظيم لما كان يفعل بها أي لفعلت بها لتضاعف ذنبها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين.
قال الكرماني، فإن قلت: الحديث الأول يدل على أن عويمرًا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه والثاني أن هلالًا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه. وأجاب بأن النووي قال: اختلفوا في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر أم بسبب هلال؟ والأكثرون أنها نزلت في هلال، وأما قوله عليه الصلاة والسلام لعويمر: إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فقالوا معناه الإشارة إلى ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعًا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما وسبق هلال باللعان. اهـ.
قال في الفتح: ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال سعد بن عبادة كما أخرجه أبو داود والطبري والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي كما في حديث سهل السابق ولا مانع أن تتعدّد القصص ويتحد النزول وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين وأنكر جماعة ذكر هلال فيمن لاعن والصحيح ثبوت ذلك وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين بمجرد دعوى لا دليل عليها. وقول النووي في تهذيبه اختلفوا في الذي وجد مع امرأته رجلًا وتلاعنا على ثلاثة أقوال: هلال بن أمية، أو عاصم بن عدي، أو عويمر العجلاني؟ قال الواحدي: أظهر هذه الأقوال أنه عويمر لكثرة الأحاديث، واتفقوا على أن الموجود زانيًا شريك ابن سحماء تعقبوه بأن قصتي ملاعنة عويمر وهلال ثبتتا فكيف يختلف فيهما، وإنما المختلف فيه سبب نزول الآية في أيهما، وقد سبق تقريره وبأن عاصمًا لم يلاعن قط وإنما سأل لعويمر العجلاني عن ذلك وبأن قوله: واتفقوا على أن الموجود زانيًا شريك ممنوع إذ لم يوجد زانيًا وإنما هم اعتقدوا ذلك ولم يثبت ذلك في حقه في ظاهر الحكم فصواب العبارة أن يقال واتفقوا على أن المرمي به شريك ابن سحماء.
وهذا الحديث قد مرّ في باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البيّنة من كتاب الشهادات). [إرشاد الساري: 7/254-256]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين (8) والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين}.
يعني جلّ ذكره بقوله: {ويدرأ عنها العذاب} ويدفع عنها الحدّ.
واختلف أهل العلم في العذاب الّذي عناه اللّه في هذا الموضع أنّه يدرؤه عنها شهاداتها الأربع، فقال بعضهم بنحو الّذي قلنا في ذلك، من أنّ الحدّ جلد مائةٍ إن كانت بكرًا، أو الرّجم إن كانت ثيّبًا قد أحصنت.
وقال آخرون: بل ذلك الحبس، وقالوا: الّذي يجب عليها إن هي لم تشهد الشّهادات الأربع بعد شهادات الزّوج الأربع والتعانه: الحبس دون الحدّ.
وإنّما قلنا: الواجب عليها إذا هي امتنعت من الالتعان بعد التعان الزّوج الحدّ الّذي وصفنا، قياسًا على إجماع الجميع على أنّ الحدّ إذا زال عن الزّوج بالشّهادات الأربع على تصديقه فيما رماها به، أنّ الحدّ عليها واجبٌ، فجعل اللّه أيمانه الأربع والتعانه في الخامسة مخرجًا له من الحدّ الّذي يجب لها برمية إيّاها، كما جعل الشّهداء الأربعة مخرجًا له منه في ذلك وزائلاً به عنه الحدّ؛ فكذلك الواجب أن يكون بزوال الحدّ عنه بذلك واجبًا عليها حدّها، كما كان بزواله عنه بالشّهود واجبًا عليها، لا فرق بين ذلك. وقد استقصينا العلل في ذلك في باب اللّعان من كتابنا المسمّى (لطيف القول في شرائع الإسلام)، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه} يقول: ويدفع عنها العذاب أن تحلف باللّه أربع أيمانٍ: أنّ زوجها الّذي رماها بما رماها به من الفاحشة، لمن الكاذبين فيما رماها من الزّنا). [جامع البيان: 17/187-188]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين (8)
قوله تعالى: ويدرؤا عنها العذاب.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله تعالى: ويدرؤا عنها العذاب يًعنى يدفع.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن، ثنا محمد ابن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيان، قوله: ويدرؤا عنها العذاب يقول: يحجر عليها العذاب.
قوله تعالى: عنها.
- حدّثني أبو زرعة، ثنا يحيى ابن لهيعة، حدّثني عطاء، عن سعيد ابن جبيرٍ قوله: عنها العذاب يًعنى يدفع الحكّام، عن المرأة قوله: العذاب يًعنى الحدّ، بعد أن تشهد أربع شهاداتٍ بالله يعني زوجها إنه لمن الكاذبين.
قوله: العذاب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ويدرؤا عنها العذاب أي عذاب الدّنيا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: إنّ تشهد أربع شهاداتٍ باللّه يًعنى: فتقوم المرأة مقام زوجها فتقول أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه الّذي لا إله إلا هو إنّي لست بزانيةٍ، وإنّ زوجي لمن الكاذبين.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن علي، ثنا محمد ابن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قال: ثمّ قامت المرأة حين قام زوجها، فقالت: أشهد باللّه الّذي لا إله إلا هو إنّ زوجي لمن الكاذبين، وإنّ الحبل منه، ثمّ شهدت الثّانية باللّه الّذي لا إله إلا هو إنّ زوجي لمن الكاذبين، وما أنا بزانيةٍ، وما رأى عليّ من ريبةٍ، ثمّ شهدت الثّالثة باللّه الّذي لا إله إلا هو إنّ زوجي لمن الكاذبين، ثمّ شهدت الرّابعة باللّه الّذي لا إله إلا هو إنّ زوجي لمن الكاذبين.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: إنّه لمن الكاذبين يًعنى زوجها). [تفسير القرآن العظيم: 8/2536-2537]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} قال: فان هي اعترفت رجمت وان هي أبت يدرأ عنها العذاب قال: عذاب الدنيا {أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (8) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}، ثم يفرق بينهما وتعتد عدة المطلقة). [الدر المنثور: 10/645] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} [النور: 9]
- حدّثنا مقدّم بن محمّد بن يحيى، حدّثنا عمّي القاسم بن يحيى، عن عبيد اللّه، وقد سمع منه، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما: «أنّ رجلًا رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فأمر بهما رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فتلاعنا، كما قال اللّه، ثمّ قضى بالولد للمرأة، وفرّق بين المتلاعنين»). [صحيح البخاري: 6/101]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين)
- حدثنا مقدم هو بوزن محمّد وهو بن محمّد بن يحيى بن عطاء بن مقدّمٍ الهلاليّ المقدّميّ الواسطيّ وليس له في البخاريّ سوى هذا الحديث وآخر في التّوحيد وكلاهما في المتابعات قوله حدّثني عمّي القاسم بن يحيى هو ثقة وهو بن عمّ أبي بكر بن عليٍّ المقدّميّ والد محمّدٍ شيخ البخاريّ أيضًا وليس للقاسم عند البخاريّ سوى الحديثين المذكورين قوله عن عبيد اللّه وقد سمع منه هو كلام البخاريّ وأشار بذلك إلى حديثٍ غير هذا صرّح فيه القاسم بن يحيى بسماعه من عبد الله بن عمرو أما هذا الحديث فقد رواه الطّبرانيّ عن أبي بكر بن صدقة عن يقدم بن محمّدٍ بهذا الإسناد معنعنًا قوله أنّ رجلًا رمى امرأته فانتفى من ولدها سيأتي البحث فيه مفصّلًا في كتاب اللّعان إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/451]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين} (النّور: 9)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {والخامسة} أي: الشّهادة الخامسة، والكلام فيه قد مر في قوله: {والخامسة أن لعنة الله} (النّور: 7) .
- حدّثنا مقدّم بن محمّد بن يحيى حدثنا عمّي القاسم بن يحيى عن عبيد الله وقد سمع منه عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رجلاً رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله ثمّ قضي بالولد للمرأة وفرّق بين المتلاعنين..
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: (فتلاعنا) ، كما قال الله ومقدم، بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدّال المفتوحة وبالميم: ابن محمّد بن يحيى الهلالي الواسطيّ، وليس له في البخاريّ إلاّ هذا وآخر في التّوحيد، يروي عن عمه القاسم بن يحيى وهو ثقة وليس له عند البخاريّ سوى الحديثين المذكورين، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والحديث من أفراده.
قوله: (وقد سمع منه) من كلام البخاريّ. قوله: (أن رجلا) ، هو العجلاني، وفيه من زيادة الأحكام: نفي الولد، وقد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (وفرق بين المتلاعنين) احتج به أبو حنيفة أن بمجرّد اللّعان لا يحصل التّفريق ولا بد من حكم حاكم وهو حجّة على من يقول: تحصل الفرقة بمجرّد اللّعان). [عمدة القاري: 19/78-79]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} [النور: 9]
(باب قوله) عز وجل ({والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}) [النور: 9] فيما رماها به وخصها بالغضب لأن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور وهي تعلم صدقه فيما رماها به فلذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
- حدّثنا مقدّم بن محمّد بن يحيى، حدّثنا عمّي القاسم بن يحيى عن عبيد اللّه، وقد سمع منه عن نافعٍ عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ رجلًا رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فأمر بهما رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فتلاعنا كما قال اللّه، ثمّ قضى بالولد للمرأة وفرّق بين المتلاعنين. [الحديث 4748 - أطرافه في: 5306، 5313، 5314، 5315، 6748].
وبه قال: (حدّثنا مقدم بن محمد بن يحيى) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة الهلالي الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عمي القاسم بن يحيى عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال البخاري (وقد سمع) القاسم (منه) أي من عبيد الله (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلًا) هو عويمر العجلاني (رمى امرأته) بالزنا (فانتفى من ولدها في زمن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأمر بهما رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فتلاعنا كما قال الله) تعالى في كتابه ({والذين} -إلى قوله- {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} ثم قضى)، -صلّى اللّه عليه وسلّم-: (بالولد للمرأة) واستدلّ به على مشروعية اللعان لنفي الولد بمجرّد اللعان ولو لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان وفيه نظر لأنه لو استلحقه لحقه وإنما يؤثر اللعان بالرجل دفع حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة ثم يرتفع عنها الحد بالتعانها. وقال الشافعي إن نفى الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخره بغير عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه.
(وفرّق) عليه الصلاة والسلام (بين المتلاعنين) تمسك به الحنفية أن بمجرد اللعان لا يحصل التفريق ولا بدّ من حكم حاكم وحمله الجمهور على أن المراد الإفتاء والخبر عن حكم الشرع بدليل قوله في الرواية الأخرى لا سبيل لك عليها وفرق بتشديد الراء يقال في الأجسام وبالتخفيف في المعاني.
وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في اللعان وغيره بعون الله وقوّته). [إرشاد الساري: 7/256]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، قال: حدّثنا هشام بن حسّان قال: حدّثني عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ هلال بن أميّة، قذف امرأته عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بشريك ابن السّحماء فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: البيّنة وإلاّ حدٌّ في ظهرك، قال: فقال هلالٌ: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته أيلتمس البيّنة؟ فجعل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: البيّنة وإلاّ فحدٌّ في ظهرك، قال: فقال هلالٌ: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادقٌ، ولينزلنّ في أمري ما يبرّئ ظهري من الحدّ، فنزل {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم}، فقرأ حتّى بلغ، {والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين} قال: فانصرف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أميّة فشهد والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ ثمّ قامت فشهدت، فلمّا كانت عند الخامسة {أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين} قالوا لها: إنّها موجبةٌ، فقال ابن عبّاسٍ: فتلكّأت ونكست حتّى ظنّنا أن سترجع، فقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج السّاقين فهو لشريك ابن السّحماء، فجاءت به كذلك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لولا ما مضى من كتاب الله عزّ وجلّ لكان لنا ولها شأنٌ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وهكذا روى عبّاد بن منصورٍ، هذا الحديث عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ورواه أيّوب، عن عكرمة مرسلاً، ولم يذكر فيه عن ابن عبّاسٍ). [سنن الترمذي: 5/184-185] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {والخامسة أنّ غضب اللّه عليها} الآية، يقول: والشّهادة الخامسة: أنّ غضب اللّه عليها إن كان زوجها فيما رماها به من الزّنا من الصّادقين.
ورفع قوله: {والخامسة} في كلتا الآيتين، بـ (أنّ) الّتي تليها). [جامع البيان: 17/188]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين (9)
قوله: والخامسة أنّ غضب اللّه عليها.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا عباد منصورٍ، ثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل لها يعنى المرأة عند الخامسة: يا هذه اتّق اللّه، فإنّ عذاب اللّه أشدّ من عذاب النّاس، وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب، فتلكّأت ساعةً ثمّ قالت: واللّه لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا أحمد بن عبد الله ابن يونس، ثنا أبو بكرٍ، عن عاصم بن كليبٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا دفعت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المرأة الّتي فجرت، وقال زوجها: إنّها فجرت بفلانٍ، قال: اشهد، فشهد أربع شهاداتٍ إنّها فجرت، فلمّا كانت الخامسة، قال: النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لرجلٍ: قم فضع يديك على فيه، فإنّ كلّ شيءٍ أهون من لعنة اللّه، ثمّ قال: للمرأة: قومي، فقامت فشهدت أربع شهاداتٍ، فلمّا كانت في الخامسة قال: النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للرّجل: قم فضع يدك على فيها، فإنّ كلّ شيءٍ أهون من غضب اللّه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه سيقضي بينكما.
- حدّثني محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين قال: وجبت.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ والخامسة أنّ غضب اللّه عليها يًعنى على نفسها.
قوله تعالى: إن كان من الصّادقين.
- به، عن سعيد بن جبيرٍ إن كان من الصّادقين يًعنى: إن كان زوجها في قوله لمن الصّادقين.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمد بن علي ابن الحسن، ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قوله: والخامسة أنّ غضب اللّه عليها يعنى: نفسها إن كان هلالٌ من الصّادقين، ففرّق بينهما، فذلك قوله: ويدرؤا عنها العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 8/2537-2538]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} قال: فان هي اعترفت رجمت وان هي أبت يدرأ عنها العذاب قال: عذاب الدنيا {أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (8) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}، ثم يفرق بينهما وتعتد عدة المطلقة). [الدر المنثور: 10/645] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته وأنّ اللّه توّابٌ حكيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولولا فضل اللّه عليكم أيّها النّاس ورحمته بكم، وأنّه عوّادٌ على خلقه بلطفه وطوله، حكيمٌ في تدبيره إيّاهم، وسياسته لهم؛ لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم، وفضح أهل الذّنوب منكم بذنوبهم، ولكنّه ستر عليكم ذنوبكم، وترك فضيحتكم بها عاجلاً، رحمةً منه بكم، وتفضّلاً عليكم، فاشكروا نعمه، وانتهوا عن التّقدّم عمّا عنه نهاكم من معاصيه.
وترك الجواب في ذلك، اكتفاءً بمعرفة السّامع المراد منه). [جامع البيان: 17/188-189]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته وأنّ اللّه توّابٌ حكيمٌ (10)
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قال: كلّ ما في القرآن ولولا فهو فهلا، إلا حرفين في يونس فقوله: فلولا كانت قريةٌ آمنت يقول: فما كانت قريةٌ آمنت، وقوله: فلولا انه كان من المسبحين يقول: فما كان من القرون من قبلكم.
قوله تعالى: فضل اللّه عليكم ورحمته.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ سليمان بن حيّان، عن حجّاجٍ، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، وحجّاجٌ، عن القاسم، عن مجاهدٍ قالا: فضل اللّه: الدّين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو معاوية، عن حجّاجٍ، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ قال: فضل الله: القرآن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فضل اللّه الإسلام، وروى، عن قتادة مثل ذلك.
قوله: ورحمته.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ورحمته يًعنى ونعمه لأظهر على المذنب يعنى الكاذب منهما قوله: وأنّ اللّه توّابٌ يعنى: على من تاب، وقوله: حكيم يعني حكم الملاعنة). [تفسير القرآن العظيم: 8/2538-2539]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 06:13 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين يرمون أزواجهم...}
بالزنى نزلت في عاصم بن عدي لمّا أنزل الله الأربعة الشهود، قال: يا رسول الله إن دخل أحدنا فرأى على بطنها رجلاً (يعني امرأته) احتاج أن يخرج فيأتي بأربعة شهداء إلى ذلك ما قد قضى حاجته وخرج. وإن قتلته قتلت به. وإن قلت: فعل بها جلدت الحدّ. فابتلي بها. فدخل على امرأته وعلى بطنها رجل، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما. وذلك أنها كذّبته فينبغي أن يبتدئ الرجل فيشهد فيقول: والله الذي لا إله إلا هو إنّي صادق فيما رميتها به من الزنى، وفي الخامسة، وإنّ عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى: ثم تقول المرأة فتفعل مثل ذلك، ثم تقوم في الخامسة فتقول: إنّ عليها غضب الله إن كان من الصّادقين فيما رماها به من الزنى. ثم يفرّق بينهما فلا يجتمعان أبداً.
وأمّا رفع قوله: {فشهادة أحدهم} فإنه من جهتين. إحداهما: فعليه أن يشهد فهي مضمرة، كما أضمرت ما يرفع {فصيام ثلاثة} وأشباهه، وإن شئت جعلت رفعه بالأربع الشهادات: فشهادته أربع شهادات كأنك قلت والذي يوجب من الشهادة أربع، كما تقول: من أسلم فصلاته خمس. وكان الأعمش ويحيى يرفعان الشهادة والأربع، وسائر القراء يرفعون الشهادة وينصبون الأربع؛ لأنهم يضمرون للشهادة ما يرفعها، ويوقعونها على الأربع. ولنصب الأربع وجه آخر. وذلك أن يجعل {باللّه إنّه لمن الصّادقين} رافعة للشهادة
كما تقول: فشهادتي أن لا إله إلا الله، وشهادتي إن الله لواحد. وكلّ يمين فهي ترفع بجوابها، العرب تقول: حلفٌ صادقٌ لأقومنّ، وشهادة عبد الله لتقومنّ. وذلك أن الشهادة كالقول. فأنت تراه حسناً أن تقول: قولي لأقومنّ وقولي إنك لقائم.
و (الخامسة) في الآيتين مرفوعتان بما بعدهما من أنّ وأنّ. ولو نصبتهما على وقوع الفعل كان صواباً: كأنك قلت: وليشهد الخامسة بأنّ لعنة الله عليه. وكذلك فعلها يكون نصب الخامسة فإضمار تشهد الخامسة بأن غضب الله عليها). [معاني القرآن: 2/247-246]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه إنّه لمن الصّادقين}
معناه والذين يرمون أزواجهم بالزنا.
وقوله: {فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه}.
ويقرأ أربع شهادات باللّه بالنصب، فمن قرأ أربع بالرفع فعلى خبر الابتداء، المعنى فشهادة أحدهم التي تدرأ حدّ القاذف أربع،
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باللّه}.
ومن نصب أربعا فالمعنى فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات.
وعلى معنى فالذي يدرأ عنها العذاب أن يشهد أحدهم أربع شهادات (والخامسة أن لعنة الله عليه).
ويجوز والخامسة أن لعنة اللّه عليه، وكذلك والخامسة أن غضب اللّه عليها، والخامسة جميعا، فمن قال: والخامسة فعلى معنى ويشهد الخامسة.
فإذا قذف القاذف امرأته، فشهادته أن يقول: أشهد باللّه إني لمن الصادقين فيما قذفتها به، أو يقول: أحلف باللّه إني لمن الصادقين فيما قذفتها به، أربع مرات،
ويقول في الخامسة لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين.
وكذلك تقول المرأة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما قذفني به، أربع مرات، وتقول في الخامسة: وعليّ غضب الله إن كان من الصادقين.
وهذا هو اللّعان، فإذا تلاعنا فرق بينهما، واعتدّت عدّة المطلّقة من وقتها ذلك.
فإذا فعلا ذلك لم يتزوجها أبدا في قول أكثر الفقهاء من أهل الحجاز وبعض الكوفيين يتابعهم، وهو أبو يوسف، والقياس ما عليه أهل الحجاز، لأن القاذف قذفها بالزّنا،
فهو لا ينبغي له أن يتزوّج بزانية، وليس يظهر لهذا توبة، واللّعان لا يكون إلا بحاكم من حكام المسلمين). [معاني القرآن: 4/33-32]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين يرمون أزواجهم}
في هذا قولان:
أحدهما أن المعنى والذين يقولون لأزواجهم يا زواني أو يقول لها رأيتك تزنين وهذا قول أهل الكوفة
والقول الآخر أنه يقول لها رأيتك تزنين لا غير وهذا قول أهل المدينة
قال أبو جعفر والقول الأول أولى لأن الرمي في قوله: {والذين يرمون المحصنات} هو أن يقول لها يا زانية أو رأيتك تزنين فيجب أن يكون هذا مثله). [معاني القرآن: 4/504]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}
روى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كان رجل معنا جالسا ليلة جمعة فقال إن أحدنا وجد مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه وإن تكلم حددتموه وإن سكت سكت على غيظ اللهم احكم فأنزلت والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم إلى آخر الآية
وقال سهل بن سعد جاء عويمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وسط الناس فسأله وذكر الحديث وقال في آخره فطلقها ثلاثا
وقال عبد الله بن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين}
وتقرأ والخامسة بمعنى ويشهد الشهادة الخامسة
والمعنى أنه لعنة الله عليه وأنشد سيبويه:
في فتية كسيوف الهند قد علموا.......أن هالك كل من يحفى وينتعل

). [معاني القرآن: 4/506-505]



تفسير قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين {6} والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين {7} ويدرأ عنها} [النور: 6-8] عن المرأة.
{العذاب} [النور: 8] الحدّ، الرّجم إن كان دخل بها أو أحصنت قبله، أو الجلد إن لم تكن محصنةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/430]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" ويدرأ عنها العذاب " مجازه، عنها الحد والرجم). [مجاز القرآن: 2/63]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ويدرأ عنها العذاب}: يدفع عنها. والعذاب ها هنا الحد والرجم). [غريب القرآن وتفسيره: 269]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويدرؤا عنها العذاب} أي يدفعه عنها. والعذاب: الرّجم). [تفسير غريب القرآن: 301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويدرأ عنها العذاب}
معنى يدرأ يدفع
وفي معنى العذاب ههنا قولان:
أحدهما أنه الحبس
والآخر أنه الحد). [معاني القرآن: 4/506]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَيَدْرَأُ}: أي يدفع عنها العذاب، أي الحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 167]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {العَذَابِ}: الحـد). [العمدة في غريب القرآن: 218]

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين {8} والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين {9}} [النور: 8-9] يعني زوجها في قذفه إيّاها.
وذلك إذا ارتفعا إلى الإمام.
وإن لم يرتفعا إلى الإمام فهي امرأته.
وإن ارتفعا إلى الإمام وثبت على قذفها، قال أربع مرّاتٍ عند الإمام: أشهد باللّه إنّي لصادقٌ، أشهد باللّه إنّي لصادقٌ، أشهد باللّه إنّي لصادقٌ، أشهد باللّه إنّي لصادقٌ.
ثمّ يقول الخامسة: لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين.
وتقول هي أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه إنّه لكاذبٌ يعني زوجها، أشهد باللّه إنّه لكاذبٌ، أشهد باللّه إنّه لكاذبٌ، أشهد باللّه إنّه لكاذبٌ.
ثمّ تقول الخامسة: غضب اللّه عليّ إن كان من الصّادقين.
قال يحيى: ذكره حمّادٌ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ.
ثمّ يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبدًا.
- نا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن المغيرة، عن إبراهيم أنّ عمر بن الخطّاب قال: إذا لاعن الرّجل امرأته ثمّ فرّق بينهما، لم يجتمعا أبدًا.
فإن أكذب نفسه قبل أن يفرغا من الملاعنة جلد حدّ القاذف ثمانين، وهي امرأته.
ذكره حمّادٌ، عن الحجّاج بن أرطاة، عن عطاءٍ.
وإن كان لاعنها في إنكار ولدها، ألحق الولد بها وهي عصبته وعصبتها بعدها.
وإن أكذب نفسه وقد بقي من الملاعنة شيءٌ جلد حدّ القذف وهي امرأته والولد له.
وإن أكذب نفسه بعد اللّعان، جلد ولا سبيل له عليها.
قال بعضهم: ويلحق الولد به.
أبو بكر بن عيّاشٍ، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: إذا لاعن الرّجل امرأته ثمّ أكذب نفسه، جلد وردّ إليه ولده.
ولا يلاعن الرّجل امرأته الأمة، ولا اليهوديّة، ولا النّصرانيّة.
وإن أنكر الرّجل ولده من اليهوديّة أو النّصرانيّة لزمه الولد، وإن أنكر ولده من الأمة، بعد ما أقرّ به مرّةً واحدةً، لزمه الولد.
وإذا قذف الرّجل امرأته الحرّة قبل أن يدخل بها، ثمّ ارتفعا إلى السّلطان، تلاعنا.
وإذا طلّق الرّجل امرأته الحرّة واحدةً أو اثنتين ثمّ قذفها، تلاعنا ما كانت في العدّة إن ارتفعا إلى السّلطان). [تفسير القرآن العظيم: 1/430-431]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} [النور: 10] سعيدٌ عن قتادة في قوله: {قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا} [يونس: 58] قال: فضل اللّه الإسلام، ورحمته القرآن.
وقال السّدّيّ: {ولولا فضل اللّه} [النور: 10] يعني: ولولا منّ اللّه عليكم ورحمته، يعني ونعمته أي لأهلك الكاذب من المتلاعنين.
{وأنّ اللّه توّابٌ حكيمٌ} [النور: 10] توّابٌ على من تاب من ذنبه، حكيمٌ في أمره). [تفسير القرآن العظيم: 1/431-432]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته...}

متروك الجواب؛ لأنه معلوم المعنى. وكذلك كلّ ما كان معلوم الجواب فإن العرب تكتفى بترك جوابه؛ ألا ترى أن الرجل يشتم صاحبه فيقول المشتوم: أما والله لولا أبوك، فيعلم أنه يريد لشتمتك، فمثل هذا يترك جوابه. وقد قال بعد ذلك فبيّن جوابه فقال {لمسّكم فيما أفضتم فيه عذابٌ عظيمٌ} {وما زكى منكم من أحدٍ} فذلك يبيّن لك المتروك).
[معاني القرآن: 2/247]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته وأنّ اللّه توّاب حكيم}
ههنا جواب لولا متروك، والمعنى - واللّه أعلم - ولولا فضل الله عليكم لنال الكاذب لما ذكرنا عذاب عظيم، ويدل عليه:{ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته في الدّنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم} ). [معاني القرآن: 4/33]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم}
في الكلام حذف
والمعنى ولولا فضل الله عليكم ورحمته لنال الكاذب منكم عذاب عظيم). [معاني القرآن: 4/507]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 06:18 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب آخر من أبواب إن
تقول أشهد إنه لمنطلقٌ فأشهد بمنزلة قوله والله إنه لذاهب وإن غير عاملة فيها أشهد لأن هذه اللام لا تلحق أبداً إلا في الابتداء ألا ترى أنك تقول أشهد لعبد الله خيرٌ من زيد كأنك قلت والله لعبد الله خيرٌ من زيد فصارت إن مبتدأة حين ذكرت اللام هنا كما كان عبد الله مبتدأ حين أدخلت فيه اللام فإذا ذكرت اللام ههنا لم تكن إلا مكسورةً كما أن
عبد الله لا يجوز هنا إلا مبتدأ ولو جاز أن تقول أشهد أنك لذاهبٌ لقلت أشهد بلذاك فهذه اللام لا تكون إلا في الابتداء وتكون أشهد بمنزلة والله.
ونظير ذلك قول الله عز وجل: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} وقال عز وجل: {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} لأن هذا توكيد كأنه قال يحلف بالله إنه لمن الصادقين). [الكتاب: 3/146-147] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقولهم فيمن رمى الناس بالسهام، أو البنادق، أو حذفهم، أو قذفهم بالحجارة: إنه يذكرهم ويغتابهم؛ لما جرى على ألسنة الناس من قولهم: رميت فلانا بالفاحشة، وقذفته وقذفت أباه.
وقال الله عز وجل: {والذين يرمون المحصنات} {والذين يرمون أزواجهم}.
وقال لبيد:

فرميت القوم رشقا صائبا.......ليس بالعصل ولا بالمقثعل
وانتضلنا وابن سلمى قاعد.......كعتيق الطير يغضي ويجل

ويريد أنهم تخاصموا وتسابوا واحتجوا.

وكقولهم فيمن رأي أنه قطع أعضاءه: إنه يسافر ويتغرب من عشيرته وولده في البلاد؛ من قول الله في قوم سبأ: {ومزقناهم كل ممزق}. وقال أيضا: {وقطعناهم في الأرض أمما} ). [تعبير الرؤيا: 41-42]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأما قول الله عز وجل: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} فإن أنفسهم بدل من شهداء لأن لهم الخبر.
ولو نصبت أنفسهم ورفعت شهداء لصلح، ولم يكن أجود الوجوه؛ لأن شهداء نكرة، ولكن لو نصبت الشهداء ورفعت أنفسهم كان جيداً. وقد بينت هذا في باب كان.
ومما يستوي فيه الأمران قول الله عز وجل: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} فـ أن قالوا مرفوع إذا نصبت الجواب، وهو منصوب إذا رفعت الجواب؛ لأنهما معرفتان، والأحسن أن ترفع ما بعد إلا لأنه موجب والوجه الآخر حسن جميل.
فأما قوله جل ذكره: {ما كان حجتهم إلا أن قالوا} فالوجه نصب حجتهم لأنه ذكر الفعل.
والوجه الآخر أعني رفع حجتهم جيد، لأن الحجة هي القول في المعنى). [المقتضب: 4/406-407]

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) }

تفسير قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) }

قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: درأت عنه الحد وغيره أدرأه درءًا إذا أخرته عنه). [كتاب الهمز: 13] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (


جديرون أن لا يحبسوا مجتديهم.......للحمٍ وأن لا يدرؤا قدح رادف

الرادف الذي يجيء بعد ما قسم الجزور، ويدرؤن: يدفعون يقال درأته أدرؤه درءًا). [شرح المفضليات: 477]

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما قوله عز وجل: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} وآخر قولهم أن لا إله إلا الله فعلى قوله أنه الحمد لله ولا إله إلا الله ولا تكون أن التي تنصب الفعل لأن تلك لا يبتدأ بعدها الأسماء ولا تكون أي لأن أي إنما تجيء بعد كلام مستغنٍ ولا تكون في موضع المبني على المبتدأ.
ومثل ذلك: {وناديناه أن يا إبراهيم (104) قد صدقت الرؤيا} كأنه قال جل وعز ناديناه أنك قد صدقت الرؤيا يا إبراهيم.
وقال الخليل تكون أيضاً على أي وإذا قلت أرسل إليه أن ما أنت وذا فهي على أي وإن أدخلت الباء على أنك وأنه فكأنه يقول أرسل إليه بأنك ما أنت وذا جاز.
ويدلك على ذلك أن العرب قد تكلم به في ذا الموضع مثقلاً.
ومن قال: {والخامسة أن غضب الله عليها} فكأنه قال أنه غضب الله عليها لا تخففها في الكلام أبداً وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد
الثقيلة مضمراً فيها الاسم فلو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون في الشعر إذا اضطروا بكأن إذا خففوا يريدون معنى كأن ولم يريدوا الإضمار وذلك قوله:
كأن وريديه رشاء خلب). [الكتاب: 3/163-164] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 ذو القعدة 1439هـ/3-08-2018م, 11:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 ذو القعدة 1439هـ/3-08-2018م, 11:33 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 ذو القعدة 1439هـ/3-08-2018م, 11:36 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم}
لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات تناول ظاهرها الأزواج وغيرها، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة؟ والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني، وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة، هذا
[المحرر الوجيز: 6/343]
نحو معناها، ثم جاء بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك بن السحماء البلوي، فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف فنزلت هذه الآية، عند ذلك فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وتلاعنا فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت وقيل: إنها موجبة، فقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم ولجت، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وولدت غلاما كأنه جمل أورق، ثم كان -بعد ذلك- الغلام أميرا بمصر وهو لا يعرف لنفسه أبا. وجاء أيضا عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن، والمشهور أن نازلة هلال قبل وأنها سبب الآية، وقيل: نازلة عويمر قبل، وهو الذي وسط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن عدي.
و "الأزواج" في هذا الحكم يعم المسلمات والكافرات والإماء، فكلهن يلاعنهن الزوج للانتفاء من الحمل، وتختص الحرة بدفع حد القذف عن نفسها.
[المحرر الوجيز: 6/344]
وقرأ الجمهور: "أربع شهادات" بالنصب، وهو كانتصاب المصدر، والعامل في ذلك قوله: "فشهادة"، ورفع "الشهادة" على خبر ابتداء تقديره: فالحكم أو فالواجب، أو على الابتداء بتقدير: فعليهم أن يشهدوا، أو بتقدير حذف الخبر وتقديره في آخر الآية: كافية أو واجبة.
وقوله تعالى: "بالله" من صلة "شهادات"، ويجوز أن يكون من صلة "فشهادة".
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: "أربع شهادات" بالرفع، وذلك على خبر قوله تعالى: "فشهادة"، قال أبو حاتم: لا وجه للرفع لأن الشهادة ليست بأربع شهادات، و"بالله" -على هذه القراءة- من صلة "شهادات"، ولا يجوز أن يكون من صلة "فشهادة" لأنك كنت تفصل بين الصلة والموصول بالخبر الذي هو " أربع شهادات ".
وقوله تعالى: {إنه لمن الصادقين} في قول من نصب أربع شهادات يجوز أن تكون من صلة "شهادة"، وهي جملة في موضع نصب لأن "الشهادة" أوقعتها موقع المفعول به، ومن رفع أربع شهادات فقوله: {إنه لمن الصادقين} من صلة "شهادات" لعلة الفصل المتقدمة في قوله: "بالله"). [المحرر الوجيز: 6/345]

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ حفص عن عاصم: "والخامسة" بالنصب في الثانية، وقرأها بالنصب فيهما طلحة بن مصرف، وأبو عبد الرحمن، والحسن، والأعمش، وقرأ الجمهور فيهما: "والخامسة" بالرفع، فأما من نصب فإن كان من قراءته نصب قوله تعالى: "أربع شهدات" فإنه عطف "الخامسة" على ذلك لأنها من الشهادات، وإن كان يقرأ: "أربع شهادات" بالرفع فإنه جعل نصب قوله: "والخامسة" على فعل يدل عليه متقدم الكلام، تقديره: وتشهد الخامسة، وأما من رفع قوله: "والخامسة" فإن كان يقرأ: "أربع شهادات" بالرفع فقوله: "والخامسة" عطف على ذلك، وإن كان يقرأ "أربع شهادات" بالنصب فإنه حمل قوله: "والخامسة" على المعنى؛ لأن معنى قوله: {فشهادة أحدهم أربع شهادات}: عليهم أربع شهادات والخامسة، واستشهد أبو علي لهذا بحمل الشاعر:
ومشجج أما سواء ..... البيت
[المحرر الوجيز: 6/345]
على قوله:
... ... ... ... ... .... إلا رواكد جمرهن هباء
لأن المعنى: ثم رواكد. ولا خلاف في السبع في رفع قوله تعالى: "والخامسة" في الأولى، وإنما خلاف السبع في الثانية فقط، فنصبه حمل على قوله: {أن تشهد أربع}، "والخامسة" على القطع والحمل على المعنى.
[المحرر الوجيز: 6/346]
وقرأ نافع: "أن لعنة الله"، و"أن غضب الله"، وقرأ الأعرج، والحسن، وقتادة، وأبو رجاء، وعيسى: "أن لعنة الله"، و"أن غضب الله"، وهذا على إضمار الأمر، وهي المخففة كما هي في قول الشاعر:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقرأ باقي السبعة: "أن لعنة الله" و"أن غضب الله" بتشديد النون فيهما ونصب اللعنة والغضب، ورجح الأخفش القراءة بتثقيل النون لأن الخفيفة إنما يراد بها التثقيل ويضمر معها الأمر والشأن، وما لا يحتاج معه إلى إضمار أولى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لا سيما وأن الخفيفة -على قراءة نافع - في قوله تعالى: "أن غضب الله" قد وليها
[المحرر الوجيز: 6/347]
الفعل، قال أبو علي: وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل إلا أن يفصل بينها وبينه بشيء نحو قوله تعالى: {علم أن سيكون}، وقوله تعالى: {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا}، وأما قوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فذلك لقلة تمكن "ليس" في الأفعال، وأما قوله تعالى: {أن بورك من في النار} فـ "بورك" على معنى الدعاء فلم يجز دخول الفاصل لئلا يفسد المعنى). [المحرر الوجيز: 6/348]

تفسير قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "العذاب المدرأ" في قول العلماء: الحد، وحكى الطبري عن آخرين أنه الحبس، وهذا قول أصحاب الرأي، وأنه لا حد عليها إن لم تلاعن، وليس يوجبه عليها قول الزوج). [المحرر الوجيز: 6/348]

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر الحديث الوقفة في الخامسة حين تلكأت ثم مرت في لعانها أنها كانت تحد لقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: فعذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة.
وجعلت اللعنة للرجل الكاذب لأنه مفتر مباهت بالقول فأبعد باللعنة، وجعل الغضب الذي هو أشد على المرأة التي باشرت المعصية بالفعل ثم كذبت وباهتت بالقول، فهذا معنى هذه الألفاظ، والله أعلم.
ولا بد أن نذكر في تفسير هذه الآية ما يتعلق بها من مسائل اللعان إذ لا يستغنى عنها في معرفة حكمه وحيث يجب، أجمع مالك وأصحابه على وجوب اللعان بادعاء رؤية زنى لا وطء من الزوج، وكذلك مشهور المذهب، وقول مالك إن اللعان
[المحرر الوجيز: 6/348]
يجب بنفي حمل يدعى قبله استبراء، وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة: لا ينفى الولد بالاستبراء لأن الحيض يأتي على الحمل، وقاله أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة، وقال: لا ينفى الولد إلا بخمس سنين.
واختلف المذهب في أن يقذف الرجل أو ينفي حملا ولا يعلل ذلك لا برؤية ولا باستبراء، فجل رواة مالك على أن ذلك لا يوجب لعانا، بل يحد الزوج، قاله ابن القاسم، وروي عنه أيضا أنه قال: يلاعن ولا يسأل عن شيء.
واختلف -بعد هذا القول باللعان بالاستبراء- في قدر الاستبراء، فقال مالك، والمغيرة -في أحد قوليه-: يجزي في ذلك حيضة، وقال أيضا مالك: لا ينفيه إلا ثلاث حيض.
وأما موضع اللعان ففي المسجد وعند الحاكم، والمستحب أن يكون في المسجد بحضرة الحاكم، وكذلك يستحب [أن يكون] بعد العصر تغليظا بالوقت، وكل وقت مجز.
ومن قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا، هو لرفع الحد، وهي لدرء العذاب، وإن كانت صغيرة لا تحمل لاعن هو لدفع الحد، ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شيء، وقال ابن الماجشون: لا حد على قاذف من لم يبلغ، قال اللخمي: فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل.
والمستحب من ألفاظ اللعان أن يمشي مع ترتيب القرآن ولفظه، فيقول الزوج:
[المحرر الوجيز: 6/349]
أشهد بالله لرأيت هذه المرأة تزني، وإني في ذلك لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، وقال أصبغ: لا بد أن يقول: "كالمرود في المكحلة"، وقيل: لا يلزمه ذلك، وكذلك يقول أشهب: لا بد أن يقول: بالله الذي لا إله إلا هو، وأما في لعان نفي الحمل فقيل: يقول الرجل ما هذا الولد مني ولزنت، وقال ابن القاسم في الموازنة: لا يقول "وزنت" من حيث يمكن أن تغضب، ثم تقول: غضب الله علي إن كان من الصادقين، فإن منع جهلهما من ترتيب هذه الألفاظ وأتيا بما في معناها أجزأ ذلك.
وحكى اللخمي عن محمد بن أبي صفرة أنه قال: اللعان لا يرفع العصمة لقول عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، قال: "فأحدث طلاقا"، ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة، ولا يحتاج معها إلى تفريق حاكم، وابن أبي صفرة هذا ليس بعدد يزاحم به الجمهور. ومذهب الشافعي أن الفرقة حاصلة إثر لعان الزوج وحده، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تفريق إلا بحكم السلطان بعد تمام لعانهما، فإن مات أحدهما بعد تمام لعانهما وقبل حكم القاضي ورثه الآخر، ومذهب "المدونة" أن اللعان حكم تفريقه حكم الطلاق، ويعطى لغير المدخول بها نفس الصداق، وفي مختصر ابن الجلاب: لا شيء لها، وهذا على أن تفريق اللعان فسخ، وقال ابن القصار: تفريق اللعان عندنا فسخ.
وتحريم اللعان أبدي بإجماع فيما أحفظ من مذهب مالك رحمه الله، ومن فقهاء الكوفة وغيرهم من لا يراه متأبدا، وإن أكذب نفسه بعد اللعان لم ينتفع بذلك، وروي عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه إن أكذب نفسه بعد اللعان كان خاطبا من الخطاب. وإن تقدمت المرأة في اللعان فقال ابن القاسم: لا تعيد، وقال أشهب: تعيد). [المحرر الوجيز: 6/350]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والجواب في قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} الآية. محذوف، تقديره:
[المحرر الوجيز: 6/350]
لكشف الزناة بأيسر من هذا، أو لأخذهم بعقاب من عنده، أو نحو هذا من المعاني التي أوجب تقديرها إبهام الجواب). [المحرر الوجيز: 6/351]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 04:32 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 04:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين (6) والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين (7) ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين (8) والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين (9) ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته وأنّ اللّه توّابٌ حكيمٌ (10)}
هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرجٍ، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسّر عليه إقامة البيّنة، أن يلاعنها، كما أمر اللّه عزّ وجلّ وهو أن يحضرها إلى الإمام، فيدّعي عليها بما رماها به، فيحلّفه الحاكم أربع شهاداتٍ باللّه في مقابلة أربعة شهداء، {إنّه لمن الصّادقين} أي: فيما رماها به من الزّنى، {والخامسة أنّ لعنت اللّه عليه إن كان من الكاذبين} فإذا قال ذلك، بانت منه بنفس هذا اللّعان عند الشّافعيّ وطائفةٍ كثيرةٍ من العلماء، وحرمت عليه أبدًا، ويعطيها مهرها، ويتوجّه عليها حدّ الزّنى، ولا يدرأ عنها العذاب إلّا أن تلاعن، فتشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، أي: فيما رماها به، {والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} ولهذا قال: {ويدرأ عنها العذاب} يعني: الحدّ، {أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} فخصّها بالغضب، كما أن الغالب أن الرجل لا افضيحة أهله ورميها بالزّنى إلّا وهو صادقٌ معذورٌ، وهي تعلم صدقه فيما رماها به. ولهذا كانت الخامسة في حقّها أنّ غضب اللّه عليها. والمغضوب عليه هو الّذي يعلم الحقّ ثمّ يحيد عنه.
ثمّ ذكر تعالى لطفه بخلقه، ورأفته بهم، وشرعه لهم الفرج والمخرج من شدّة ما يكون فيه من الضّيق، فقال: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} أي: لحرجتم ولشقّ عليكم كثيرٌ من أموركم، {وأنّ اللّه توّابٌ} [أي]: على عباده -وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلّظة- {حكيمٌ} فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه.
وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية، وذكر سبب نزولها، وفيمن نزلت فيه من الصّحابة، فقال الإمام أحمد:
حدّثنا يزيد، أخبرنا عبّاد بن منصورٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لـمّا نزلت: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا}، قال سعد بن عبادة -وهو سيّد الأنصار -: هكذا أنزلت يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم": يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيّدكم؟ " قالوا: يا رسول اللّه، لا تلمه فإنّه رجلٌ غيورٌ، واللّه ما تزوّج امرأةً قطّ [إلّا بكرًا، وما طلّق امرأةً له قطّ] فاجترأ رجلٌ منّا أن يتزوّجها، من شدّة غيرته. فقال سعدٌ: واللّه -يا رسول اللّه -إنّي لأعلم أنّها حقٌّ وأنّها من اللّه، ولكنّي قد تعجبت أنّي لو وجدت لكاعًا قد تفخّذها رجلٌ، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء، فواللّه لا آتي بهم حتّى يقضي حاجته. قال: فما لبثوا إلّا يسيرًا حتّى جاء هلال بن أميّة -وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم -فجاء من أرضه عشاءً، فوجد عند أهله رجلًا فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يهيّجه حتّى أصبح، فغدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّي جئت أهلي عشاءً، فوجدت عندها رجلًا فرأيت بعيني، وسمعت بأذني. فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما جاء به، واشتدّ عليه، واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة، الآن يضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هلال بن أميّة، ويبطل شهادته في المسلمين. فقال هلال: واللّه إنّي لأرجو أن يجعل اللّه لي منها مخرجًا. وقال هلال: يا رسول اللّه، إنّي قد أرى ما اشتدّ عليك ممّا جئت به، واللّه يعلم إنّي لصادقٌ. فواللّه إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يريد أن يأمر بضربه، إذ أنزل اللّه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الوحي -وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك، في تربّد وجهه. يعني: فأمسكوا عنه حتّى فرغ من الوحي -فنزلت: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم} الآية، فسرّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "أبشر يا هلال، قد جعل اللّه لك فرجًا ومخرجًا". فقال هلالٌ: قد كنت أرجو ذلك من ربّي، عزّ وجلّ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أرسلوا إليها".
فأرسلوا إليها، فجاءت، فتلاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليهما، وذكّرهما وأخبرهما أنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدّنيا. فقال هلالٌ: واللّه -يا رسول اللّه -لقد صدقت عليها. فقالت: كذب. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لاعنوا بينهما". فقيل لهلالٍ: اشهد. فشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، فلمّا كان في الخامسة قيل له: يا هلال، اتّق اللّه، فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فقال: واللّه لا يعذّبني اللّه عليها، كما لم يجلدني عليها. فشهد في الخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ قيل [لها: اشهدي أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، فلمّا كانت الخامسة قيل] لها: اتّقي اللّه، فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب. فتلكّأت ساعةً، ثمّ قالت: واللّه لا أفضح قومي فشهدت في الخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين. ففرّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهما، وقضى ألّا يدعى ولدها لأبٍ ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ، وقضى ألّا [بيت لها عليه ولا] قوت لها، من أجل أنّهما يتفرّقان من غير طلاقٍ، ولا متوفى عنها. وقال: "إن جاءت به أصيهب أريسح حمش السّاقين فهو لهلالٍ، وإن جاءت به أورق جعدًا جماليًّا خدلّج السّاقين سابغ الأليتين، فهو الّذي رميت به" فجاءت به أورق جعدًا جماليًّا خدلّج السّاقين سابغ الأليتين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأنٌ".
قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميرًا على مصر، وكان يدعى لأمّه ولا يدعى لأبٍ.
ورواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ، عن يزيد بن هارون، به نحوه مختصرًا.
ولهذا الحديث شواهد كثيرةٌ في الصّحاح وغيرها من وجوهٍ كثيرةٍ. فمنها ما قال البخاريّ: حدّثني محمّد بن بشّار، حدّثنا ابن أبي عديّ، عن هشام بن حسّان، حدّثني عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بشريك بن سحماء، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " البيّنة أو حدّ في ظهرك" فقال: يا رسول اللّه، إذا أري أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البيّنة؟ فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "البيّنة وإلّا حدٌّ في ظهرك". فقال هلالٌ: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادقٌ، ولينزلنّ اللّه ما يبرئ ظهري من الحدّ. فنزل جبريل، وأنزل عليه: {والّذين يرمون أزواجهم}، فقرأ حتّى بلغ: {إن كان من الصّادقين} فانصرف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسل إليهما، فجاء هلالٌ فشهد، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اللّه يشهد أنّ أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ"؟ ثمّ قامت فشهدت، فلمّا كانت عند الخامسة وقّفوها وقالوا: إنّها موجبة. قال ابن عبّاسٍ: فتلكّأت ونكصت حتّى ظننّا أنّها ترجع، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم. فمضت، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلّج السّاقين، فهو لشريك بن سحماء". فجاءت به كذلك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن".
انفرد به البخاريّ من هذا الوجه وقد رواه من غير وجهٍ، عن ابن عبّاسٍ وغيره.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الزّياديّ حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا صالحٌ -وهو ابن عمر -حدّثنا عاصمٌ -يعني: ابن كليب -، عن أبيه، حدّثني ابن عبّاسٍ قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه، فرمى امرأته برجلٍ، فكره ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يزل يردّده حتّى أنزل اللّه: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء [إلا أنفسهم]} [فقرأ] حتّى فرغ من الآيتين، فأرسل إليهما فدعاهما، فقال: "إنّ اللّه، عزّ وجلّ، قد أنزل فيكما". فدعا الرّجل فقرأ عليه، فشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين. ثمّ أمر به فأمسك على فيه فوعظه، فقال له:"كلّ شيءٍ أهون عليه من لعنة اللّه". ثمّ أرسله فقال: {لعنت اللّه عليه إن كان من الكاذبين} ثمّ دعاها بها، فقرأ عليها، فشهدت أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، ثمّ أمر بها فأمسك على فيها فوعظها، وقال: "ويحك. كلّ شيءٍ أهون من غضب اللّه". ثمّ أرسلها، فقالت: {غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما واللّه لأقضينّ بينكما قضاءً فصلًا". قال: فولدت، فما رأيت مولودًا بالمدينة أكثر غاشيةً منه، فقال: "إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا، وإن جاءت به لكذا وكذا فهو لكذا". فجاءت به يشبه الّذي قذفت به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين أيفرّق بينهما -في إمارة ابن الزّبير؟ فما دريت ما أقول، فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلت: أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان أيفرّق بينهما؟ فقال: سبحان اللّه، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلانٍ فقال: يا رسول اللّه، أرأيت الرّجل يرى امرأته على فاحشةٍ فإن تكلّم تكلّم بأمرٍ عظيمٍ، وإن سكت سكت على مثل ذلك. فسكت فلم يجبه، فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآيات في سورة النّور: {والّذين يرمون أزواجهم} حتّى بلغ: {أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين}. فبدأ بالرّجل فوعظه وذكّره، وأخبره إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: والّذي بعثك بالحقّ ما كذبتك. ثمّ ثنّى بالمرأة فوعظها وذكّرها، وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذبٌ. قال: فبدأ بالرّجل، فشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين، ثمّ فرّق بينهما.
رواه النّسائيّ في التّفسير، من حديث عبد الملك بن أبي سليمان، به وأخرجاه في الصّحيحين من حديث سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن حمّادٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: كنّا جلوسًا عشيّة الجمعة في المسجد، فقال رجلٌ من الأنصار: أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلًا فقتله قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت عن غيظٍ؟ واللّه لئن أصبحت صالحًا لأسألنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: فسأله. فقال: يا رسول اللّه، إنّ أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظٍ؟ اللّهمّ احكم. قال: فأنزل آية اللّعان، فكان ذلك الرّجل أوّل من ابتلي به.
انفرد بإخراجه مسلمٌ، فرواه من طرق، عن سليمان بن مهران الأعمش، به.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو كاملٍ: حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، حدّثنا ابن شهابٍ، عن سهل بن سعدٍ، قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عديّ فقال: سل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أرأيت رجلًا وجد رجلًا مع امرأته فقتله، أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصمٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فعاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسائل. قال: فلقيه عويمر فقال: ما صنعت؟ قال: ما صنعت! إنّك لم تأتني بخيرٍ؛ سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعاب المسائل فقال عويمر: واللّه لآتينّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلأسألنه. فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما. قال: فدعا بهما فلاعن بينهما. قال عويمر: لئن انطلقت بها يا رسول اللّه لقد كذبت عليها. قال: ففارقها قبل أن يأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصارت سنّة المتلاعنين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أبصروها، فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين، فلا أراه إلّا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنّه وحرة فلا أراه إلّا كاذبًا". فجاءت به على النّعت المكروه.
أخرجاه في الصّحيحين وبقيّة الجماعة إلّا التّرمذيّ، من طرقٍ، عن الزّهريّ، به.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا إسحاق بن الضّيف، حدّثنا النّضر بن شميل، حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي بكرٍ: "لو رأيت مع أمّ رومان رجلًا ما كنت فاعلًا به؟ قال: كنت واللّه فاعلًا به شرًّا. قال:"فأنت يا عمر؟ ". قال: كنت واللّه فاعلًا كنت أقول: لعن اللّه الأعجز، وإنّه خبيثٌ. قال: فنزلت: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}
ثمّ قال: لا نعلم أحدًا أسنده إلّا النّضر بن شميل، عن يونس بن أبي إسحاق، ثمّ رواه من حديث الثّوريّ عن [أبي] أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع مرسلًا فاللّه أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا مسلم بن أبي مسلمٌ الجرمي، حدّثنا مخلّد بن الحسين، عن هشامٍ، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: لأوّل لعانٍ كان في الإسلام أنّ شريك بن سحماء قذفه هلال بن أميّة بامرأته، فرفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:"أربعة شهودٍ وإلّا فحدٌّ في ظهرك"، فقال: يا رسول اللّه، إنّ اللّه يعلم إنّي لصادقٌ، ولينزلنّ اللّه عليك ما يبرّئ به ظهري من الجلد. فأنزل اللّه آية اللّعان: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} إلى آخر الآية. قال: فدعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "اشهد باللّه إنّك لمن الصّادقين فيما رميتها به من الزّنى" فشهد بذلك أربع شهاداتٍ، ثمّ قال له في الخامسة: "ولعنة اللّه عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنى"، ففعل. ثمّ دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قومي فاشهدي باللّه إنّه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزّنى". فشهدت بذلك أربع شهاداتٍ، ثمّ قال لها في الخامسة: "وغضب اللّه عليك إن كان من الصّادقين فيما رماك به من الزّنى"، فقالت: فلمّا كانت الرّابعة أو الخامسة سكتت سكتةً، حتّى ظنّوا أنّها ستعترف، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم. فمضت على القول، ففرّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهما، وقال: "انظروه، فإن جاءت به جعدًا حمش السّاقين، فهو لشريك بن سحماء، وإن جاءت به أبيض سبطا فضيء العينين فهو لهلال بن أميّة". فجاءت به آدم جعدًا حمش السّاقين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لولا ما نزل فيهما من كتاب اللّه، لكان لي ولها شأن"). [تفسير ابن كثير: 6/ 14-19]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة