العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 09:29 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (133) إلى الآية (138) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (133) إلى الآية (138) ]

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:15 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين}
يعني تعالى ذكره بقوله: {وسارعوا} وبادروا وسابقوا إلى مغفرةٍ من ربّكم، يعني: إلى ما يستر عليكم ذنوبكم من رحمته، وما يغطّيها عليكم من عفوه عن عقوبتكم عليها {وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض} يعني سارعوا أيضًا إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، ذكر أنّ معنى ذلك وجنّةٌ عرضها كعرض السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، إذا ضمّ بعضها إلى بعضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض} قال: قال ابن عبّاسٍ: تقرن السّماوات السّبع والأرضون السّبع، كما تقرن الثّياب بعضها إلى بعضٍ، فذاك عرض الجنّة.
وإنّما قيل: {وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض} فوصف عرضها بالسّماوات والأرضين السبع، والمعنى ما وصفنا من وصف عرضها بعرض السّماوات والأرض، تشبيهًا به في السّعة والعظم، كما قيل: {ما خلقكم ولا بعثكم إلاّ كنفسٍ واحدةٍ} [لقمان] يعني إلاّ كبعث نفسٍ واحدةٍ، وكما قال الشّاعر:.
كأنّ عذيرهم بجنوب سلّى = نعامٌ قاق في بلدٍ قفار
أي عذير نعامٍ وكما قال الآخر:.
حسبت بغام راحلتي عناقًا = وما هي ويب غيرك بالعناق
يريد صوت عناقٍ.
وقد ذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل فقيل له: هذه الجنّة عرضها السّماوات والأرض، فأين النّار؟ فقال: هذا النّهار إذا جاء، أين اللّيل؟.
ذكر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغيره.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مسلم بن خالدٍ، عن ابن خثيمٍ، عن سعيد بن أبي راشدٍ، عن يعلى بن مرّة، قال: لقيت التّنوخيّ رسول هرقلٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحمص شيخًا كبيرًا قد فند، قال: قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بكتاب هرقلٍ، فناول الصّحيفة رجلاً عن يساره، قال: قلت من صاحبكم الّذي يقرأ؟ قالوا: معاوية، فإذا كتاب صاحبى: إنّك كتبت تدعوني إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين، فأين النّار؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وسبحان اللّه، فأين اللّيل إذا جاء النّهار؟.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ، أنّ ناسًا من اليهود سألوا عمر بن الخطّاب عن جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، أين النّار؟ قال: أرأيتم إذا جاء اللّيل أين يكون النّهار؟ فقالوا: اللّهمّ نزعت بمثله من التّوراة.
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ أنّ عمر أتاه ثلاثة نفرٍ من أهل نجران، فسألوه وعنده أصحابه، فقالوا: أرأيت قوله: {وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض} فأين النّار؟ فأحجم النّاس، فقال عمر: أرأيتم إذا جاء اللّيل، أين يكون النّهار؟ وإذا جاء النّهار أين يكون اللّيل؟ فقالوا: نزعت مثلها من التّوراة
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: أخبرنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن طارق بن شهابٍ، عن عمر، بنحوه في الثّلاثة الرّهط الّذين أتوا عمر، فسألوه عن جنّةٍ عرضها كعرض السّماوات والأرض، بمثل حديث قيس بن مسلمٍ.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، أخبرنا الأعمش، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ، قال: جاء رجلٌ من اليهود إلى عمر، فقال: تقولون: جنّةٌ عرضها السّماوات والأرض أين تكون النّار؟ فقال له عمر: أرأيت النّهار إذا جاء أين يكون اللّيل؟ أرأيت اللّيل إذا جاء، أين يكون النّهار؟ فقال: إنّه لمثلها في التّوراة، فقال له صاحبه: لم أخبرته؟ فقال له صاحبه: دعه إنّه بكلٍّ موقنٌ.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: أخبرنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا جعفر بن برقان، قال: حدّثنا يزيد بن الأصمّ، أنّ رجلاً من أهل الكتاب أتى ابن عبّاسٍ، فقال: تقولون جنّةٌ عرضها السّماوات والأرض، فأين النّار؟ فقال ابن عبّاسٍ: أرأيت اللّيل إذا جاء، أين يكون النّهار؟ وإذا جاء النّهار، أين يكون اللّيل؟
وأمّا قوله: {أعدّت للمتّقين} فإنّه يعني أنّ الجنّة الّتي عرضها كعرض السّماوات السبع والأرضين السّبع أعدّها اللّه للمتّقين، الّذين اتّقوا اللّه، فأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم، فلم يتعدّوا حدوده، ولم يقصّروا في واجب حقّه عليهم فيضيّعوه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين} أي ذلك لمن أطاعني وأطاع رسولي). [جامع البيان: 6/52-56]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين (133)
قوله تعالى: وسارعوا
- وبه عن سعيدٍ في قول اللّه تعالى: وسارعوا يقول: سارعوا بالأعمال الصّالحة.
قوله تعالى: إلى مغفرةٍ من ربّكم
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم قال: لذنوبكم.
قوله تعالى: وجنة
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ عن سعدان الجهنيّ، عن سعد بن مجاهدٍ الطّائيّ، عن أبي مدلّة، عن أبي هريرة قال: قلنا: يا رسول اللّه أخبرنا عن الجنّة ما بناؤها؟ قال: لبنةٌ من فضّةٍ ولبنةٌ من ذهبٍ، ملاطها المسك الأزفر، حصباؤها الياقوت واللّؤلؤ، ومزاجها الورس والزّعفران، من يدخلها يخلّد فلا يموت وينعّم، لا يبوس، لا يبلى شبابهم، ولا تحرق ثيابهم.
قوله تعالى: عرضها السماوات والأرض
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا وكيعٌ، ثنا سفيان عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن حميدٍ، عن كريبٍ قال: أرسلني ابن عبّاسٍ إلى رجلٍ من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآية جنة عرضها السماوات والأرض قال: فأخرج أسفار موسى فجعل ينظر قال: تلفق كما يلفق الثّوب، وأمّا طولها فلا يقدّر قدره إلا - وروي عن يزيد بن أبي مالكٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قول اللّه تعالى: وجنة عرضها السماوات والأرض يعني عرض سبع سمواتٍ وسبع أرضين لو لصق بعضهنّ إلى بعضٍ فالجنّة في عرضهنّ.
قوله تعالى: أعدت للمتّقين
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: أعدت للمتّقين يعني الّذين يتّقون الشّرك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: وجنّةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتّقين أي داراً لمن أطاعني وأطاع رسولي). [تفسير القرآن العظيم: 2/761-762]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، ثنا أبو مسلمٍ إبراهيم بن عبد اللّه، ثنا حجّاج بن نصيرٍ، ثنا أبو أميّة بن يعلى الثّقفيّ، قال: سمعت موسى بن عقبة، وتلا قول اللّه عزّ وجلّ: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم} [آل عمران: 133] فقال: حدّثني إسحاق بن يحيى بن طلحة القرشيّ عن عبادة بن الصّامت، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سرّه أن يشرف له البنيان، وترفع له الدّرجات، فليعف عمّن ظلمه، وليعط من حرّمه ويصل من قطعه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/323]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض} [آل عمران: 133].
- عن أبي هريرة قال: «جاء رجلٌ إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: أرأيت قوله: {وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض} [آل عمران: 133]؟ قال: فأين النّار؟ قال: " أرأيت اللّيل قد كان ثمّ ليس شيءٌ ". فأين النّهار؟ قال: " حيث شاء اللّه ". قال: " فكذلك النّار حيث شاء اللّه».
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/327]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا محمّد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقفيف حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا المخزوميّ حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ حدّثنا عبيد الله بن عبد الله الأصم حدّثنا يزيد بن الأصمّ عن أبي هريرة قال جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال يا محمّد أرأيت جنّةً عرضها السّماوات والأرض فأين النّار فقال نبيّ اللّه صلّى الله عليه وسلّم: "أرأيت هذا اللّيل قد كان ثمّ ليس شيءٌ أين جعل" قال اللّه أعلم قال: "فإنّ اللّه يفعل ما يشاء"). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/428]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن معمرٍ، ثنا مغيرة بن سلمة أبو هشامٍ، ثنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن الأصمّ، عن عمّه يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أرأيت قوله: {وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض} [آل عمران: 133]، فأين النّار؟ قال: «أرأيت اللّيل إذا لبس كلّ شيءٍ فأين النّهار؟» قال: حيث شاء اللّه، قال: «فكذلك النّار حيث شاء اللّه»). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/43]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 133.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح قال: قال المسلمون يا رسول الله بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا، كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح وكفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه، اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا، فسكت، فنزلت هذه الآيات {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} إلى قوله {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلا هؤلاء الآيات عليهم.
وأخرج ابن المنذر عن أنس بن مالك في قوله {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} قال: التكبيرة الأولى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وسارعوا} يقول: سارعوا بالأعمال الصالحة {إلى مغفرة من ربكم} قال: لذنوبكم {وجنة عرضها السماوات والأرض}
يعني عرض سبع سموات وسبع أرضين لو لصق بعضهم إلى بعض فالجنة في عرضهن
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس في الآية قال: تقرن السموات السبع والأرضون السبع كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض، فذاك عرض الجنة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كريب قال: أرسلني ابن عباس إلى رجل من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآية {وجنة عرضها السماوات والأرض} فأخرج أسفار موسى فجعل ينظر قال: سبع سموات وسبع أرضين تلفق كما تلفق الثياب بعضها إلى بعض هذا عرضها وأما طولها فلا يقدر قدره إلا الله.
وأخرج ابن جرير عن التنوخي رسول هرقل قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل وفيه: إنك كتبت تدعوني إلى {وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} فأين النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار.
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت قوله {وجنة عرضها السماوات والأرض} فأين النار قال: أرأيت الليل إذا لبس كل شيء فأين النهار قال: حيث شاء الله قال: فكذلك حيث شاء الله
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن طارق بن شهاب أن أناسا من إليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض فأين النار فقال عمر: إذا جاء الليل فأين النهار وإذا جاء النهار أين الليل فقالوا: لقد نزعت مثلها من التوراة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن يزيد بن الأصم أن رجلا من أهل الأديان قال لابن عباس: تقولون {وجنة عرضها السماوات والأرض} فأين النار فقال له ابن عباس: إذا جاء الليل فأين النهار وإذا جاء النهار فأين الليل، واخرج مسلم، وابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال: نعم، قال: بخ بخ،، لا والله
يا رسول الله لا بد أن أكون من أهلها قال: فإنك من أهلها، فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل). [الدر المنثور: 4/5-7]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال الحسن في قول الله: {الكاظمين الغيظ عن الأرقى والعافين عن [الناس]}، إذا جهلوا عليهم). [الجامع في علوم القرآن: 2/54]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن رجل من أهل الشام يقال عبد الجليل عن عم له عن أبي هريرة في قوله تعالى والكاظمين الغيظ أن النبي قال من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا). [تفسير عبد الرزاق: 1/132]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى والعافين عن
[تفسير عبد الرزاق: 1/132]
الناس قال ذكر النبي شدة رجل وقوته فقال ألا أخبركم بأشد منه رجل شتمه أخوه فغلب نفسه وشيطان صاحبه ثم قال أيعجز أحدكم منه أن يكون مثل أبي فلان كان إذا أصبح قال اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك). [تفسير عبد الرزاق: 1/133]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال سمعت الحسن قرأ هذه الآية الذين ينفقون في السراء والضراء إلى المحسنين ثم قرأ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم إلى أجر العملين قال إن هذين النعتين نعت رجل واحد). [تفسير عبد الرزاق: 1/133]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن منصور عن أبي سلمة أن النبي قال ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا). [تفسير عبد الرزاق: 1/133]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء} أعدّت الجنّة الّتي عرضها السّماوات والأرض للمتّقين، وهم المنفقون أموالهم في سبيل اللّه، إمّا في صرفه على محتاجٍ، وإمّا في تقوية مضعفٍ على النّهوض للجهاد في سبيل اللّه.
وأمّا قوله: {في السّرّاء} فإنّه يعني: في حال السّرور بكثرة المال، ورخاء العيش،
والسّرّاء: مصدرٌ من قولهم سرّني هذا الأمر مسرّةً وسرورًا؛
والضّرّاء: مصدرٌ من قولهم: قد ضرّ فلانٌ فهو يضرّ إذا أصابه الضّرّ، وذلك إذا أصابه الضّيق والجهد في عيشه.
- كما: حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {الّذين ينفقون في السّرّاء} والضّرّاء يقول: في العسر واليسر،
فأخبر جلّ ثناؤه أنّ الجنّة الّتي وصف صفتها لمن اتّقاه وأنفق ماله في حال الرّخاء والسّعة وفي حال الضّيق والشّدّة في سبيله
وقوله: {والكاظمين الغيظ} يعني: والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، يقال منه: كظم فلانٌ غيظه: إذا تجرّعه فحفظ نفسه من أنّ تمضي ما هي قادرةٌ على إمضائه باستمفانها ممّن غاظها وانتصارها ممّن ظلمها.
وأصل ذلك من كظم القربة، يقال منه: كظمت القربة: إذا ملأتها ماءً، وفلانٌ كظيمٌ ومكظومٌ إذا كان ممتلئًا غمًّا وحزنًا، ومنه قول اللّه عزّ وجلّ، {وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيمٌ} يعني فهو ممتلئًا من الحزن، ومنه قيل لمجاري المياه الكظائم لامتلائها بالماء، ومنه قيل: أخذت بكظمه يعني بمجاري نفسه
والغيظ: مصدرٌ من قول القائل: غاظني فلانٌ فهو يغيظني غيظًا، وذلك إذا أحفظه وأغضبه.
وأمّا قوله: {والعافين عن النّاس} فإنّه يعني: والصّافحين عن النّاس عقوبة ذنوبهم إليهم، وهم على الانتقام منهم قادرون، فتاركوها لهم.
وأمّا قوله {واللّه يحبّ المحسنين} فإنّه يعني: فإنّ اللّه يحبّ من عمل بهذه الأمور الّتي وصف أنّه أعدّ للعاملين بها الجنّة الّتي عرضها السّماوات والأرض، والعاملون بها هم المحسنون، وإحسانهم هو عملهم بها.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء} الآية الى: {والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين} أي وذلك الإحسان، وأنا أحبّ من عمل به.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين} قومٌ أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرّخاء، فمن استطاع أن يغلب الشّرّ بالخير فليفعل، ولا قوّة إلاّ باللّه فنعمت واللّه يا ابن آدم الجرعة تجترعها من صبرٍ وأنت مغيظٌ وأنت مظلومٌ.
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، قال: حدّثنا محرزٌ أبو رجاءٍ عن الحسن، قال: يقال يوم القيامة: ليقم من كان له على اللّه أجرٌ، فما يقوم إلاّ إنسانٌ عفا، ثمّ قرأ هذه الآية: {والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا داود بن قيسٍ، عن زيد بن أسلم، عن رجلٍ من أهل الشّام يقال له عبد الجليل، عن عمٍّ له، عن أبي هريرة في قوله: {والكاظمين الغيظ} أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه ملأه اللّه أمنًا وإيمانًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والكاظمين الغيظ} إلى الآية: {واللّه يحبّ المحسنين}، فالكاظمين الغيظ كقوله: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حرامًا فيغفرون ويعفون، يلتمسون بذلك وجه اللّه {والعافين عن النّاس} كقوله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة} إلى: {ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم} يقول: لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النّفقة شيئًا واعفوا واصفحوا). [جامع البيان: 6/56-59]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين (134)
قوله تعالى: الّذين ينفقون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: ثمّ نعتهم اللّه فقال: الّذين ينفقون يعني ينفقون الأموال في طاعة اللّه.
قوله تعالى: في السّرّاء
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: الّذين ينفقون في السّرّاء يقول في السّرّاء والضّرّاء، يقول في العسر.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: في السّرّاء يعني: في الرّخاء. وروي عن قتادة، ومقاتلٍ نحو قول ابن عبّاسٍ.
قوله تعالى: والضّرّاء
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: الضراء يعني: في الشّدّة.
وروي عن قتادة أنّه قال: في العسر والجهد
وروي عن مقاتل بن حيّان أنّه قال: في العسر.
قوله تعالى: والكاظمين الغيظ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: والكاظمين الغيظ قال: كاظمون على الغيظ كقوله: وإذا ما غضبوا هم يغفرون يغضبون في الأمر لو وقعوا فيه كان حراماً فيغفرون ويعفون، يلتمسون بذلك وجه اللّه.
قوله تعالى: والعافين عن الناس
[الوجه الأول]
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: والعافين عن الناس كقوله: ولا يأتل أولوا الفضل منكم يقول: لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النّفقة، واعفوا واصفحوا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو هارون الخرّاز، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع عن أبي العالية في قول اللّه: والعافين عن النّاس قال: عن المملوكين.
وروي عن مكحولٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: واللّه يحبّ المحسنين
- قرأت على محمّد بن عليٍّ أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير ابن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان والعافين عن النّاس ومن فعل ذلك وهو محسنٌ واللّه يحبّ المحسنين بلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال عند ذلك: إنّ هؤلاء في أمّتي قليلٌ إلا من عصمه اللّه، وقد كانوا كثيراً في الأمم الّتي مضت.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: واللّه يحبّ المحسنين أي فذلك الإحسان، وأنا أحبّ من عمل به). [تفسير القرآن العظيم: 2/762-763]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 134
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {الذين ينفقون في السراء والضراء} يقول: في العسر واليسر {والكاظمين الغيظ} يقول: كاظمون على الغيظ كقوله (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) (الشورى الآية 37) يغضبون في الأمر لو وقعوا فيه كان حراما فيغفرون ويعفون يلتمسون وجه الله بذلك {والعافين عن الناس} كقوله (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة) (النورالآية 22) الآية، يقول: لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة واعفوا واصفحوا.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والإبتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله والكاظمين الغيظ ما الكاظمون قال: الحابسون الغيظ قال عبد المطلب بن هاشم: فخشيت قومي واحتسبت قتالهم * والقوم من خوف قتالهم كظم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {والعافين عن الناس} قال: عن المملوكين.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله {والعافين عن الناس} قال: يغيظون في الأمر فيغفرون ويعفون عن الناس ومن فعل ذلك فهو محسن {والله يحب المحسنين} بلغني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال عند ذلك: هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصمه الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي هريرة في قوله {والكاظمين الغيظ} أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا.
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظم عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر، مثله.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب.
وأخرج البيهقي عن عامر بن سعد أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مر بناس يتحادون مهراسا فقال: أتحسبون الشدة في حمل الحجارة إنما الشدة أن يمتلى ء الرجل غيظا ثم يغلبه.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: يقال يوم القيامة ليقم من كان له على الله أجر فما يقوم إلا إنسان عفا.
وأخرج الحاكم عن أبي بن كعب: أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ويعط من حرمه ويصل من قطعه.
وأخرج البيهقي عن علي بن الحسين أن جارية جعلت تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت: إن الله يقول {والكاظمين الغيظ} قال: قد كظمت غيظي قالت {والعافين عن الناس} قال: قد عفا الله عنك قالت {والله يحب المحسنين} قال: اذهبي فأنت حرة.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وجبت محبة الله على من أغضب فحلم.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن عبسة أن رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما الإيمان فقال: الصبر والسماحة وخلق حسن.
وأخرج البيهقي عن كعب بن مالك أن رجلا من بني سلمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الإسلام فقال: حسن الخلق، ثم راجعه الرجل فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسن الخلق، حتى بلغ خمس مرات.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وضعفه، عن جابر قال: قالوا: يا رسول الله ما الشؤم قال: سوء الخلق.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وضعفه عن عائشة مرفوعا قال: الشؤم سوء الخلق.
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد.
وأخرج البيهقي عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الخلق السوء يفسد الإيمان كما يفسد الصبر الطعام قال أنس: وكان يقال: إن المؤمن أحسن شيء خلقا.
وأخرج ابن عدي والطبراني والبيهقي وضعفه عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الصبر العسل.
وأخرج البيهقي وضعفه عن طريق سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه والزمام بيد الملك والملك يجره إلى الخير والخير يجره إلى الجنة، وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه والزمام بيد الشيطان والشيطان يجره إلى الشر والشر يجره إلى النار.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله ما حسن الله خلق رجل ولا خلقه فتطعمه النار.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سعادة ابن آدم حسن الخلق ومن شقوته سوء الخلق.
وأخرج الخرائطي والبيهقي عن ابن عمرو قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء يقول: اللهم إني أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر.
وأخرج أحمد والبيهقي بسند جيد عن عائشة قالت: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم كما حسنت خلقي فأحسن خلقي.
وأخرج الخرائطي والبيهقي عن أبي مسعود البدري قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم حسنت خلقي فأحسن خلقي.
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق.
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كرم المرء دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم وصححاه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من كان هينا قريبا حرمه الله على النار.
وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال مرني ولا تكثر فلعلي أعقله فقال: لا تغضب، فأعاد عليه فقال: لا تغضب.
وأخرج الحاكم والبيهقي عن جارية بن قدامة قال: قلت: يا رسول الله قل لي قولا ينفعني وأقلل لعلي أعقله قال: لا تغضب.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبعدني عن غضب الله قال: لا تغضب.
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلى مغيربان الشمس حفظها من حفظها ونسيها من نسيها وأخبر ما هو كائن إلى يوم القيامة حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا.
ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألم تروا إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فليلزق بالأرض، ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الفيء، وشر الرجال من كان بطيء الفيء سريع الغضب، فإذا كان الرجل سريع الغضب سريع الفيء فإنها بها وإذا كان بطيء الغضب بطيء الفيء فإنها بها، ألا وإن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب وشر التجار من كان سيء القضاء سيء الطلب، فإذا كان الرجل حسن القضاء سيء الطلب فإنها بها وإذا كان الرجل سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها، ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يقول بالحق إذا علمه، ألا إن لكل غادر لواء بقدر غدرته يوم القيامة، ألا وإن أكبر الغدر غدر أمير العامة، ألا وإن أفضل الجهاد من قال كلمة الحق عند سلطان جائر، فلما كان عند مغرب الشمس قال: ألا إن ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كمثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى.
وأخرج الحكيم في نوادر الأصول والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بوصية قصيرة فألزمها قال: لا تغضب يا معاوية بن حيدة إن الغضب ليفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل.
وأخرج الحكيم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغضب ميسم من نار جهنم يضعه الله على نياط أحدهم، ألا ترى أنه إذا غضب احمرت عيناه واربد وجهه وانتفخت أوداجه.
وأخرج البيهقي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه فمن حس من ذلك شيئا فإن كان قائما فليقعد وإن كان قاعدا فليضطجع.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ كظمها رجل أو جرعة صبر عند مصيبة، وما قطرة أحب إلى الله من قطرة دمع من خشية الله أو قطرة دم في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: ثلاث كلهن حق: ما من أحد يظلم مظلمة فيغض عنها إلا زاده الله بها عزا وما من أحد يفتح باب مسألة ليزداد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة وما من أحد يفتح باب عطية أو صلة إلا زاده الله بها كثرة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمرو قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول: إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والبزار، وابن حبان والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الدرداء أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير وقال: ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله يبغض الفاحش البذيء وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة.
وأخرج الترمذي وصححه، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الزهد عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الأجوفان: الفم والفرج.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن حبان والحاكم وصححه عن عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات القائم الليل الصائم النهار.
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة.
وأخرج الطبراني والخرئطي عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرفات المنازل وانه لضعيف العبادة وانه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم.
وأخرج أحمد والطبراني والخرائطي عن ابن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته
وأخرج ابن أبي الدنيا في الصمت عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن الصمت وحسن الخلق.
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن العلاء بن الشخير أن رجلا
أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل قال: حسن الخلق، ثم أتاه عن يمينه فقال: أي العمل أفضل قال: حسن الخلق ثم أتاه عن شماله فقال: أي العمل أفضل قال: حسن الخلق ثم أتاه من بعده - يعني من خلفه - فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل فالتفت إليه رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك لا تفقه حسن الخلق أفضل، لا تغضب إن استطعت.
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه
وأخرج الترمذي وحسنه والخرائطي في مكارم الأخلاق، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا.
وأخرج الطبراني عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن الخلق خلق الله الأعظم.
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام: يا خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مع الأبرار فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي وأن أسقيه من حظيرة قدسي وأن أدنيه من جواري.
وأخرج أحمد، وابن حبان عن ابن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة قالوا: نعم يا رسول الله قال: أحسنكم خلقا.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبويعلى والطبراني بسند جيد عن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما قال: بلى يا رسول الله قال: عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلها.
وأخرج أبو الشيخ بن حيان في الثواب بسند رواه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر ألا أدلك على أفضل العبادة وأخفها على البدن وأثقلها في الميزان وأهونها على اللسان قلت: بلى فداك أبي وأمي قال: عليك بطول الصمت وحسن الخلق فإنك لست بعامل بمثلها.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا أبا الدرداء ألا أنبئك بأمرين خفيفة مؤنتهما عظيم أجرهما لم تلق الله عز وجل بمثلهما طول الصمت وحسن الخلق.
وأخرج البزار، وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخياركم قالوا: بلى يا رسول الله قال: أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا.
وأخرج الطبراني، وابن حبان عن أسامة بن شريك قالوا: يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله ؟ قال: أحسنهم خلقا.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أسامة بن شريك قال: قالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي الانسان قال: خلق حسن.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني بسند جيد، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا.
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن عمرو أن معاذ بن جبل أراد سفرا فقال: يا نبي الله أوصني قال: اعبد الله ولا تشرك به شيئا قال: يا نبي الله زدني قال: إذا أسات فأحسن، قال: يا نبي الله زدني قال: استقم ولتحسن خلقك.
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححاه والخرائطي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأخلاق من الله فمن أراد به خيرا منحه خلقا حسنا ومن أراد به سوءا منحه خلقا سيئا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن حبان والطبراني عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقا الثرثارون المتشدقون المتفيقهون.
وأخرج البزار والطبراني والخرائطي عن أنس قال: قالت أم حبيبة: يا رسول الله المرأة يكون لها زوجان ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها لأيهما تكون للأول أو للآخر قال: تخير فتختار أحسنهما خلقا كان معها في الدنيا يكون زوجها في الجنة يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة
وأخرج الطبراني في الصغير عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من شيء إلا له توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه.
وأخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.
وأخرج الخرائطي عن جرير بن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ قد حسن الله خلقك فحسن خلقك.
وأخرج الخرائطي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خياركم أحاسنكم أخلاقا.
وأخرج الخرائطي عن عائشة قالت: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: لو كان حسن الخلق رجلا يمشي في الناس لكان رجلا صالحا.
وأخرج الخرائطي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من لم تكن فيه أو واحدة منهن فلا يعتدن بشيء من عمله، تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل أو حلم يكف به السفيه أو خلق يعيش به في الناس.
وأخرج الخرائطي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليمن حسن الخلق.
وأخرج الخرائطي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سعادة ابن آدم حسن الخلق.
وأخرج القضاعي في مسند الشهاب عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحسن الحسن الخلق الحسن.
وأخرج الخرائطي عن الفضيل بن عياض قال: إذا خالطت الناس فخالط الحسن الخلق فانه لا يدعو إلا إلى خير.
وأخرج أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الدنيا والآخرة وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة قالت: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الرفق يمن والخرق شؤم وإذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم باب الرفق، إن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه وإن الخرق لم يكن في شيء قط إلا شانه وإن
الحياء من الإيمان وإن الإيمان في الجنة، ولو كان الحياء رجلا كان رجلا صالحا وإن الفحش من الفجور وإن الفجور في النار ولو كان الفحش رجلا يمشي في الناس لكان رجلا سوءا.
وأخرج أحمد في الزهد عن أم الدرداء قالت: بات أبو الدرداء ليلة يصلي فجعل يبكي ويقول: اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي، حتى إذا أصبح فقلت: يا أبا الدرداء أما كان دعاؤك منذ اليلة إلا في حسن الخلق فقال: يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة ويسوء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم
وأخرج تمام في فوائده، وابن عساكر عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: خيار أمتي خمسمائة والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون وكلما مات بدل أدخل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه وأدخل في الأربعين مكانهم فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون فقالوا: يا رسول الله دلنا على أعمال هؤلاء فقال: هؤلاء يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويواسون مما آتاهم الله، قال: وتصديق ذلك في كتاب الله {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.
وأخرج ابن لال والديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي قصورا مستوية على الجنة فقلت: يا جبريل لمن هذا فقال {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}). [الدر المنثور: 4/7-29]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال سمعت الحسن قرأ هذه الآية الذين ينفقون في السراء والضراء إلى المحسنين ثم قرأ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم إلى أجر العملين قال إن هذين النعتين نعت رجل واحد). [تفسير عبد الرزاق: 1/133] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بكى عدو الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/133]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا إتيان الذنب عمدا إصرارا حتى يتوب وتلاها قتادة
[تفسير عبد الرزاق: 1/133]
قال قدما قدما في معاصي الله لا تنهاهم مخافة الله حتى جاءهم أمر الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/134]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلّا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن منصور، عن مجاهدٍ - في قوله: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم} -، قال: ذنبين فعلوا، فاحشةً ذنبٌ، وظلموا أنفسهم ذنب.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، قالا: قال عبد اللّه: إنّ في كتاب اللّه لآيتين ما أذنب عبدٌ ذنبًا فقرأهما، فاستغفر اللّه عزّ وجلّ، إلّا غفر له: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلّا الله}، وقوله: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1090-1091]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن عليّ بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم الفزاريّ، قال: سمعت عليًّا، يقول: إنّي كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا نفعني اللّه منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدّثني رجلٌ من أصحابه استحلفته. فإذا حلف لي صدّقته، وإنّه حدّثني أبو بكرٍ، وصدق أبو بكرٍ، قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ما من رجلٍ يذنب ذنبًا ثمّ يقوم فيتطهّر، ثمّ يصلّي ثمّ يستغفر اللّه إلاّ غفر له، ثمّ قرأ هذه الآية {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه} إلى آخر الآية.
هذا حديثٌ قد رواه شعبة، وغير واحدٍ عن عثمان بن المغيرة، فرفعوه، ورواه مسعرٌ، وسفيان، عن عثمان بن المغيرة، فلم يرفعاه، ولا نعرف لأسماء بن الحكم حديثًا إلاّ هذا). [سنن الترمذي: 5/78]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} قال: لم يقيموا عليه). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 78]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله عز وجل: {لم يصروا على ما فعلوا} قال: لم يصمتوا على ما فعلوا). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 103]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله، فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلّا الله}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن عليّ بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم الفزاريّ، قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: إنّي كنت رجلًا إذا سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثًا ينفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، فإذا حدّثني رجلٌ من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدّقته، حدّثني أبو بكرٍ، وصدق أبو بكرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجلٍ يذنب ذنبًا ثمّ يقوم فيتطهّر فيحسن الطّهور، ثمّ يستغفر الله تبارك وتعالى إلّا غفر له» ثمّ قرأ هذه الآية {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم} [آل عمران: 135] إلى آخر الآية "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/51]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً} أنّ الجنّة الّتي وصف صفتها أعدّت للمتّقين، المنفقين الذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء، والّذين إذا فعلوا فاحشةً، وجميع هذه النّعوت من صفة المتّقين الّذين قال تعالى ذكره: {وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين}.
- كما: حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابتٍ البنانيّ، قال: سمعت الحسن، قرأ هذه الآية: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين}، ثمّ قرأ: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم} إلى {أجر العاملين} فقال: إنّ هذين النّعتين لنعت رجلٍ واحدٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم} قال: هذان ذنبان: الفاحشة ذنبٌ، وظلموا أنفسهم ذنب.
وأمّا الفاحشة فهي صفةٌ لمتروكٍ، ومعنى الكلام: والّذين إذا فعلوا فعلةً فاحشةً، ومعنى الفاحشة: الفعلة القبيحة الخارجة عمّا أذن اللّه عزّ وجلّ فيه.
وأصل الفحش القبح والخروج عن الحدّ والمقدار في كلّ شيءٍ ولذلك، ومنه قيل للطّويل المفرط الطّول: إنّه لفاحش الطّول، يراد به: قبيح الطّول، خارجٌ عن المقدار المستحسن؛ ومنه قيل للكلام به القبيح غير القصد: كلامٌ فاحشٌ، وقيل للمتكلّم به: أفحش في كلامه: إذا نطق بفحشٍ،
وقيل: إنّ الفاحشة في هذا الموضع معنيّ بها الزّنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا العبّاس بن عبد العظيم، قال: حدّثنا حبّان، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن ثابتٍ، عن جابرٍ: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً} قال: زنى القوم وربّ الكعبة.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً} أمّا الفاحشة: فالزّنا
وقوله: {أو ظلموا أنفسهم} يعني به: فعلوا بأنفسهم غير الّذي كان ينبغي لهم أن يفعلوا بها. والّذي فعلوا من ذلك ركوبهم من معصية اللّه ما أوجبوا لها به عقوبته.
- كما: حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قوله: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم} قال: الظّلم من الفاحشة، والفاحشة من الظّلم
وقوله: {ذكروا اللّه} يعني بذلك ذكروا وعيد اللّه على ما أتوا من معصيتهم إيّاه {فاستغفروا لذنوبهم} يقول: فسألوا ربّهم أن يستر عليهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة عليها {ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه} يقول: وهل يغفر الذّنوب: أي يعفو عن راكبها فيسترها عليه إلاّ اللّه؟ {ولم يصرّوا على ما فعلوا} يقول: ولم يقيموا على ذنوبهم الّتي أتوها، ومعصيتهم الّتي ركبوها {وهم يعلمون} يقول: لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها، وهم يعلمون أنّ اللّه قد تقدّم بالنّهي عنها، وأوعد عليها العقوبة، من ركبها.
وذكر أنّ هذه الآية أنزلت خصوصًا بتخفيفها ويسرها أمّتنا ممّا كانت بنو إسرائيل ممتحنةً به من عظيم البلاء في ذنوبها.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاء بن أبى رباحٍ: أنّهم قالوا: يا نبيّ اللّه، بنو إسرائيل أكرم على اللّه منّا، كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفّارة ذنبه مكتوبةً في عتبة بابه: اجدع أذنك، اجدع أنفك، افعل فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين} إلى قوله: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم}، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا أخبركم بخيرٍ من ذلك؟ فقرأ هؤلاء الآيات.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني عمر بن خليفة العبديّ، قال: حدّثنا عليّ بن زيد بن جدعان، قال: قال ابن مسعودٍ: كانت بنو إسرائيل إذا أذنبوا، أصبح مكتوبًا على بابه الذّنب وكفّارته، فأعطينا خيرًا من ذلك هذه الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان، عن ثابتٍ البنانيّ، قال: لمّا نزلت: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه} بكى إبليس فزعًا من هذه الآية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابتٍ البنانيّ، قال: بلغني أنّ إبليس حين نزلت هذه الآية: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم} بكى.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت عثمان، مولى آل أبي عقيلٍ الثّقفيّ، قال: سمعت عليّ بن ربيعة، يحدّث عن رجلٍ من فزارة يقال له أسماء أو ابن أسماء، عن عليٍّ، قال: كنت إذا سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا نفعني اللّه بما شاء أن ينفعني، فحدّثني أبو بكرٍ وصدق أبو بكرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: ما من عبدٍ قال شعبة: وأحسبه قال مسلمٍ يذنب ذنبًا ثمّ يتوضّأ ثمّ يصلّي ركعتين، ثمّ يستغفر اللّه لذلك الذّنب الا غفرله وقال شعبة: وقرأ إحدى هاتين الآيتين: {من يعمل سوءًا يجز به}، {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا الفضل بن إسحاق، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن مسعرٍ وسفيان، عن عثمان بن المغيرة الثّقفيّ، عن عليّ بن ربيعة الوالبيّ، عن أسماء بن الحكم الفزاريّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: كنت إذا سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا نفعني اللّه بما شاء منه، وإذا حدّثني عنه غيره، استحلفته، فإذا حلف لي صدّقته، وحدّثني أبو بكرٍ وصدق أبو بكرٍ أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من رجلٍ يذنب ذنبًا ثمّ يتوضّأ، ثمّ يصلّي، قال أحدهما: ركعتين وقال الآخر: ثمّ يصلّي ويستغفر اللّه إلاّ غفر له.
- حدّثنا الزّبير بن بكّارٍ، قال: حدّثني سعد بن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ، عن أخيه، عن جدّه عن عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال: ما حدّثني أحدٌ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ سألته أن يقسم لي باللّه لهو سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ أبا بكرٍ، فإنّه كان لا يكذب، قال عليّ رضي اللّه عنه: فحدّثني أبو بكرٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من عبدٍ يذنب ذنبًا ثمّ يقوم عند ذكر ذنبه فيتوضّأ ثمّ يصلّي ركعتين، ويستغفر اللّه من ذنبه ذلك إلاّ غفر اللّه له.
وأمّا قوله {ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم} فإنّه كما بيّنّا تأويله، وبنحو ذلك كان أهل التّأويل يقولون.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً} أي إن أتوا فاحشةً {أو ظلموا أنفسهم} بمعصيةٍ ذكروا نهي اللّه عنها، وما حرّم اللّه عنها، فاستغفروا لها، وعرفوا أنّه لا يغفر الذّنوب إلا هو
وأمّا قوله: {ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه} فإنّ اسم اللّه مرفوعٌ، ولا جحد قبله، وإنّما يرفع ما بعد إلاّ بإتباعه ما قبله إذا كان نكرةً ومعه جحدٌ كقول القائل: ما في الدّار أحدٌ إلاّ أخوك؛ فأمّا إذا قيل: قام القوم إلاّ أباك، فإنّ وجه الكلام في الأب النّصب. ومن بصلته في قوله: {ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه} معرفةٌ فإنّ ذلك إنّما جاء رفعًا؛ لأنّ معنى الكلام: وهل يغفر الذّنوب أحدٌ؟ أو ما يغفر الذّنوب أحدٌ إلاّ اللّه، فرفع ما بعد إلاّ من اللّه على تأويل الكلام، لا على لفظه.
وأمّا قوله: {ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويل الإصرار ومعنى الكلمة؛ فقال بعضهم: معنى ذلك: لم يثبتوا على ما أتوا من الذّنوب، ولم يقيموا عليه، ولكنّهم تابوا واستغفروا، كما وصفهم اللّه به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} فإيّاكم والإصرار، فإنّما هلك المصرّون الماضون قدمًا، لا ينهاهم مخافة اللّه عن حرامٍ حرّمه اللّه عليهم، ولا يتوبون من ذنبٍ أصابوه، حتّى أتاهم الموت وهم على ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} قال: قدمًا قدمًا في معاصي اللّه، لا ينهاهم مخافة اللّه حتّى جاءهم أمر اللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {لم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} أي لم يقيموا على معصيتي، كفعل من أشرك بي فيما عملوا به من كفرٍ بي
وقال آخرون: معنى ذلك: لم يواقعوا الذّنب إذا همّوا به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {ولم يصرّوا على ما فعلوا} قال: إتيان العبد ذنبًا إصرارًا حتّى يتوب.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {ولم يصرّوا على ما فعلوا} قالوا: لم يواقعوا
وقال آخرون: معنى الإصرار السّكوت على الذّنب، وترك الاستغفار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} أمّا يصرّوا: فيسكتوا ولا يستغفروا
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندنا قول من قال: الإصرار الإقامة على الذّنب عامدًا، وترك التّوبة منه.
ولا معنى لقول من قال: الإصرار على الذّنب: هو مواقعته؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ مدح بترك الإصرار على الذّنب مواقع الذّنب، فقال: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} ولو كان المواقع الذّنب مصرًّا بمواقعته إيّاه، لم يكن للاستغفار وجهٌ مفهومٌ؛ لأنّ الاستغفار من الذّنب إنّما هو التّوبة منه والنّدم، ولا يعرف للاستغفار من ذنبٍ لم يواقعه صاحبه وجهٌ.
وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرّةً
- حدّثني بذلك الحسين بن يزيد السّبيعيّ، قال: حدّثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن عثمان بن واقدٍ، عن أبي نصيرة، عن مولًى لأبي بكرٍ، عن أبي بكرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
فلو كان مواقع الذّنب مصرًّا، لم يكن لقوله ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرّةً معنًى، لأنّ مواقعة الذّنب، إذا كانت هي الإصرار، فلا يزيل الاسم الّذي لزمه معنى غيره كما لا يزيل عن الزّاني اسم زانٍ، وعن القاتل اسم قاتلٍ توبته منه، ولا معنى غيرها، وقد أبان هذا الخبر أنّ المستغفر من ذنبه غير مصرٍّ عليه، فمعلومٌ بذلك أنّ الإصرار غير المواقعة وأنّه المقام عليه على ما قلنا قبل.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قولهم: {وهم يعلمون} فقال بعضهم: معناه: وهم يعلمون أنّهم قد أذنبوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أما {وهم يعلمون} فيعلمون أنّهم قد أذنبوا، ثمّ أقاموا فلم يستغفروا
وقال آخرون: معنى ذلك: وهم يعلمون أنّ الّذي أتوا معصية اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وهم يعلمون} قال: يعلمون ما حرّمت عليهم من عبادة غيري
قال أبو جعفرٍ: وقد تقدّم بياننا أولى ذلك بالصّواب). [جامع البيان: 6/60-69]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلّا اللّه ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون (135)
قوله تعالى: والّذين إذا فعلوا فاحشةً
- وبه قال محمّد بن إسحاق: والّذين إذا فعلوا فاحشةً أي أتوا فاحشةً.
قوله تعالى: فاحشةً
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة الدّمشقيّ، ثنا محمّد بن بكّارٍ، ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ أن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال:
أرأيتم الزّاني، والسّارق، وشارب الخمر ما تقولون فيهم؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: هي فواحش وفيهنّ عقوبةٌ.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم أمّا الفاحشة فالزّنا.
وروي عن جابر بن زيدٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا مقاتل بن محمّدٍ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان عن منصورٍ عن إبراهيم والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم قال: الفاحشة: الظّلم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا الحكم بن موسى، ثنا الوليد، عن عمر بن محمد، عن زيد ابن أسلم في قوله: والّذين إذا فعلوا فاحشةً قالوا: أمرنا بها قال: طوافهم بالبيت عراةً.
قوله تعالى: أو ظلموا أنفسهم
- حدّثنا أبي، ثنا مقاتل بن حيّان، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ عن إبراهيم أو ظلموا أنفسهم قال: الظّلم: الفاحشة.
- قرأت على محمّد بن الفضل، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم:
أصابوا ذنوباً.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم أي بمعصيةٍ.
قوله تعالى: ذكروا اللّه
- قرأت على محمّد بن الفضل، أنبأ محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ذكروا اللّه قال: ذكروا اللّه عند تلك الذّنوب والفاحشة.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، قال: محمّد بن إسحاق:
ذكروا اللّه قال: ذكروا نهي اللّه عنها وما حرّم عليهم منها.
قوله تعالى: فاستغفروا لذنوبهم
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، حدّثني عثمان ابن المغيرة قال: سمعت عليّ بن ربيعة الأسديّ يحدّث عن أسماء أو ابن أسماء الفزاريّ قال: سمعت عليًّا يقول: كنت إذا سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثاً نفعني اللّه منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدّثني أحدٌ من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، قال عليٌّ: وحدّثني أبو بكرٍ وصدق أبو بكرٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من عبدٍ يذنب ذنبًا ثمّ يتوضّأ ويصلّي ركعتين ويستغفر اللّه إلا غفر له ثمّ تلا هذه الآية: والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم.
- حدّثنا أبي ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا عبد الصّمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل يقول: قول العبد أستغفر اللّه قال: تفسيرها أقلني.
قوله تعالى: ومن يغفر الذّنوب إلا اللّه
- قرأت على محمّد بن الفضل، أنبأ محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: فاستغفروا لذنوبهم يقول اللّه عزّ وجلّ لنبيّه: ومن يغفر الذّنوب إلا الله.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا زنيجٌ ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق: فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلا اللّه قال: فاستغفروا لها وعرفوا أنّه لا يغفر الذّنوب إلا هو.
قوله تعالى: ولم يصرّوا على ما فعلوا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن عثمان بن ابن واقدٍ، عن أبي نصيرة عن مولًى لأبي بكرٍ الصّدّيق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لم يصرّ من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة.
[الوجه الثاني]
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون قال: لم يمضوا على المعصية.
وروي عن مقاتلٍ قال: لم يقيموا على تلك الذّنوب.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ عن الحسن ولم يصرّوا على ما فعلوا قال: إتيان الذّنب عمدًا إصرار حتّى يتوب.
قال معمرٌ وقال قتادة: فقال: قدما في معاصي اللّه لا تنهاهم مخافة اللّه حتّى جاءهم أمر اللّه
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ولم يصرّوا على ما فعلوا فيسكتوا ولا يستغفروا.
وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ: قال: يغمضوا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، قال محمّد بن إسحاق: ولم يصرّوا على ما فعلوا أي لم يقيموا على معصيتي، كفعل من أشرك بي فيما عملوا به من كفر بي.
قوله تعالى: على ما فعلوا
- قرأت على محمّدٍ، ثنا محمّدٌ ثنا محمّدٌ عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: ولم يصرّوا على ما فعلوا ولم يقيموا على تلك الذّنوب وهم يعرفون ذنوبهم.
قوله تعالى: وهم يعلمون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن محمّدٍ بن يحيى الضّعيف، ثنا عليّ بن الحسن، ثنا الحسين بن واقدٍ قال: سمعت عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ يقول: في قوله:
ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون إن تابوا، تاب اللّه عليهم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون أنّه يغفر لمن استغفر ويتوب على من تاب:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: وأمّا قوله: وهم يعلمون فيعلمون أنّهم قد أذنبوا ثمّ أقاموا ولم يستغفروا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: وهم يعلمون ما حرّمت عليهم من عبادة غيري). [تفسير القرآن العظيم: 2/764-767]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال
[تفسير مجاهد: 135]
نا ورقاء عن أبي عمارة في قوله ولم يصروا على ما فعلوا يقول لم يمضوا على ما فعلوا من الإثم وهم يعلمون يقول هم يعلمون أنه يتوب على من تاب إليه ويغفر لمن استغفره). [تفسير مجاهد: 136]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولم يصروا على ما فعلوا أي لم يمضوا على ما فعلوا من الإثم وهم يعلمون يقول هم يعلمون أنه يتوب على من تاب إليه ويغفر لمن استغفره). [تفسير مجاهد: 136]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 135 - 136
أخرج ابن جرير عن الحسن أنه قرأ (الذين ينفقون في السراء والضراء) (آل عمران الآية 134) الآية، ثم قرأ {والذين إذا فعلوا فاحشة} الآية فقال: إن هذين النعتين لنعت رجل واحد
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: هذان ذنبان، فعلوا فاحشة ذنب وظلموا أنفسهم ذنب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن جابر بن زيد في قوله {والذين إذا فعلوا فاحشة} قال: زنا القوم ورب الكعبة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فعلوا فاحشة} قال: الزنا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه ذكر عنده بنو إسرائيل وما فضلهم الله به فقال: كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفة بابه وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه تستغفرون الله فيغفر لكم، والذي نفسي بيده لقد أعطانا الله آية لهي أحب إلي من الدنيا وما فيها {والذين إذا فعلوا فاحشة} الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي الدنيا، وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له {والذين إذا فعلوا فاحشة} الآية، وقوله (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) (النساء الآية 110) الآية.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ثابت البناني قال: بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى {والذين إذا فعلوا فاحشة} الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال: بلغني أنه لما نزل قوله {ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا} صاح إبليس بجنوده وحثا على رأسه التراب ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر، فقالوا: ما لك يا سيدنا قال: آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحدا من بني آدم ذنب قالوا: وما هي فأخبرهم قالوا: نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون إلا أنهم على الحق فرضي منهم ذلك.
وأخرج الطيالسي وأحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وابن حبان والدار قطني والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيذكر ذنبه فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله} إلى آخر الآية.
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أذنب عبد ذنبا ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له.
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء يتكلم به ابن آدم فإنه مكتوب عليه فإذا أخطأ خطيئة وأحب أن يتوب إلى الله فليأت بقعة رفيعة فليمدد يديه إلى الله ثم ليقل: إني أتوب إليك فيها لا أرجع إليها أبدا فإنه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك
وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا استغفروا.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أربعة في حديقة قدس في الجنة: المعتصم بلا إله إلا اله لا يشك فيها ومن إذا عمل حسنة سرته وحمد الله عليها ومن إذا عمل سيئة ساءته واستغفر الله منها ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن رجلا أذنب ذنبا فقال: رب إني أذنبت ذنبا فاغفره فقال الله: عبدي عمل ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره فقال الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به أشهدكم أني غفرت لعبدي فليعمل ما شاء.
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم.
وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: يا رب - وعزتك - لا أزال أغوي بني آدم ما كانت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله: وعزتي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
وأخرج أبو يعلى عن أبي بكر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار فأكثروا منهما فإن إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون أنهم مهتدون.
وأخرج البزار والبيهقي في الشعب عن أنس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أذنبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أذنبت فاستغفر ربك قال: فإني أستغفر ثم أعود فأذنب، فقال: إذا أذنبت فاستغفر ربك ثم عاد فقال في الرابعة: استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور.
وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر الجهني أن رجلا قال: يا رسول الله أحدنا يذنب قال: يكتب عليه قال: ثم يستغفر منه ويتوب قال: يغفر له ويتاب عليه قال: فيعود ويذنب قال: يكتب عليه قال: ثم يستغفر منه ويتوب قال: يغفر له ويتاب عليه قال: فيعود ويذنب قال: يكتب عليه قال: ثم يستغفر منه ويتوب قال: يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولم يصروا على ما فعلوا} قال: لم يقيموا على ذنب وهم يعلمون أنه يغفر لمن استغفر ويتوب على من تاب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: إياكم والإصرار فإنما هلك المصرون الماضون قدما لا ينهاهم مخافة الله عن حرام حرمه الله عليهم ولا يتوبون من ذنب أصابوه حتى أتاهم الموت وهم على ذلك.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم ويل لأقماع القول - يعني الآذان - ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون.
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوبة والبيهقي عن ابن عباس قال: كل ذنب أصر عليه العبد كبر وليس بكبير ما تاب منه العبد.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: إتيان الذنب عمدا إصرار حتى يتوب.
وأخرج البيهقي عن الأوزاعي قال: الإصرار أن يعمل الرجل الذنب فيحتقره.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {ولم يصروا على ما فعلوا} فينكبوا ولا يستغفروا وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا ثم أقاموا ولم يستغفروا.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة). [الدر المنثور: 4/29-36]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم وجنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}
يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك الّذين ذكر أنّه أعدّ لهم الجنّة الّتي عرضها السّماوات والأرض من المتّقين، ووصفهم به، ثمّ قال: هؤلاء الّذين هذه صفتهم {جزاؤهم} يعني ثوابهم من أعمالهم الّتي وصفهم تعالى ذكره أنّهم عملوها، {مغفرةٌ من ربّهم} يقول: عفوٌ لهم من اللّه عن عقوبتهم على ما سلف من ذنوبهم، ولهم على ما أطاعوا اللّه فيه من أعمالهم مع محو السيى من اعملهم بالحسن منها جنّاتٌ، وهي البساتين {تجري من تحتها الأنهار} يقول: تجري خلال أشجارها الأنهار، وفي أسافلها جزاءً لهم على صالح أعمالهم، {خالدين فيها} يعني دائمي المقام في هذه الجنّات الّتي وصفها، {ونعم أجر العاملين} يعني ونعم جزاء العاملين للّه الجنّات الّتي وصفها.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم وجنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} أي ثواب المطيعين). [جامع البيان: 6/69-70]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم وجنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)
قوله تعالى: أولئك
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: أولئك يعني الّذين فعلوا ما ذكر اللّه في هذه الآية.
قوله تعالى: جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة، ثنا ثابتٌ يعني ابن يزيد، ثنا عاصمٌ، عن أبي عثمان أنّه كان إذا تتلى هذه الآية: والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم إلى قوله: جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم قال: نعم ما جازاك على الذّنب.
- حدّثنا أبي، ثنا صالح بن عبيد اللّه الهاشميّ، ثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران في قول اللّه تعالى: أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم قال: وجبت لهم المغفرة.
قوله تعالى: وجنّات تجري من تحتها الأنهار
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم وجنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار قال: جعل جزاؤهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار.
قوله تعالى: ونعم أجر العاملين
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: ونعم أجر العاملين قال: أجر العاملين بطاعة اللّه الجنّة.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق ونعم أجر العاملين أي ثواب المطيعين). [تفسير القرآن العظيم: 2/767-768]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {ونعم أجر العاملين} بطاعة الله الجنة). [الدر المنثور: 4/36]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {قد خلت من قبلكم سننٌ} قال: تداول من الكفّار والمسلمين والخير والشّرّ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 78]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين}
يعني بقوله تعالى ذكره: {قد خلت من قبلكم سننٌ} مضت وسلفت منّي فيمن كان قبلكم يا معشر أصحاب محمّدٍ وأهل الإيمان به، من نحو قوم عادٍ وثمود، وقوم هودٍ، وقوم لوطٍ وغيرهم من سلاّف الأمم قبلكم سننٌ، يعني مثلا وسيرٍا تها فيهم وفي من كذّبوا به من أنبيائهم الّذين أرسلوا إليهم، بإمهالي أهل التّكذيب بهم، واستدراجي إيّاهم، حتّى بلغ الكتاب فيهم أجلى الّذي أجّلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم، ثمّ أحللت بهم عقوبتي، ونزلت بساحتهم نقمتي، فتركتهم لمن بعدهم أمثالاً وعبرًا {فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين}
يقول: فسيروا أيّها الظّانّون أنّ إدالتي من أدلت من أهل الشّرك يوم أحدٍ على محمّدٍ وأصحابه لغير استدراجٍ منّي لمن أشرك بي، وكفر برسولي، وخالف أمري في ديار الأمم الّذين كانوا قبلكم، ممّن كان على مثل الّذي عليه هؤلاء المكذّبون برسولي، والجاحدون وحدانيّتي، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي، وما الّذي آل إليه غب خلافهم أمري، وإنكارهم وحدانيّتي، فتعلموا عند ذلك أنّ إدالتي من أدلت من المشركين على نبيّي محمّدٍ وأصحابه بأحدٍ، إنّما هي استدراجٌ وإمهالٌ منى، ليبلغ الكتاب أجله الّذي أجّلت لهم، ثمّ إمّا أن يئول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الّذين سلفوا قبلهم من تعجيل العقوبة عليهم، أو ينيبوا إلى طاعتي واتّباع رسولي.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن، في قوله: {قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} فقال: ألم يسيروا في الأرض، فينظروا كيف عذّب اللّه قوم نوحٍ، وقوم لوطٍ، وقوم صالحٍ، والأمم الّتي عذّب اللّه عزّ وجلّ؟.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قد خلت من قبلكم سننٌ} يقول: في الكفّار والمؤمنين، والخير والشّرّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قد خلت من قبلكم سننٌ} في المؤمنين والكفّار.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: استقبل ذكر المصيبة الّتي نزلت بهم - يعني بالمسلمين يوم أحدٍ - والبلاء الّذي أصابهم، والتّمحيص لما كان فيهم، واتّخاذه الشّهداء منهم، فقال تعزيةً لهم، وتعريفًا لهم فيما صنعوا وما هو صانعٌ بهم: {قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} أي قد مضت منّي وقائع نقمةً في أهل التّكذيب لرسلي والشّرك بي: عادٍ وثمود وقوم لوطٍ وأصحاب مدين، فسيروا في الأرض تروا مثلاتٍ قد مضت منى فيهم، ولمن كان على مثل ما هم عليه من ذلك منّي، وإن أمليت لهم: أي لئلاّ يظنّوا أنّ نقمتي انقطعت عن عدوّهم وعدّوي للدّولة الّتي أدلتها عليكم بها؛ لأبتليكم بذلك، لأعلم ما عندكم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة} المكذّبين يقول: متّعهم في الدّنيا قليلاً، ثمّ صيّرهم إلى النّار.
وأمّا السّنن، فإنّها جمع سنّةٍ، والسّنّة، هي المثال المتّبع، والإمام المؤتمّ به، يقال منه: سنّ فلانٌ فينا سنّةً حسنةً، وسنّ سنّةً سيّئةً: إذا عمل عملاً اتّبع عليه من خيرٍ اوشرٍّ، ومنه قول لبيد بن ربيعة:.
من معشرٍ سنّت لهم آباؤهم = ولكلّ قومٍ سنّةٌ وإمامها
وقول سليمان بن قتّة:.
وإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشمٍ = تآسوا فسنّوا للكرام التّآسيا
وقال ابن زيدٍ في ذلك ما:.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {قد خلت من قبلكم سننٌ} قال: أمثالٌ). [جامع البيان: 6/70-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين (137)
قوله تعالى: قد خلت
- حدّثنا أبو بكر بن موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: قد خلت يعني مضت
قوله تعالى: من قبلكم سننٌ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: قد خلت من قبلكم سننٌ من الكفّار والمؤمنين في الخير والشّرّ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: قد خلت من قبلكم سننٌ أي قد مضت منّي وقائع نقمةٍ، في أهل التّكذيب لرسلي، والشّرك عادٌ، وثمود، وقوم لوطٍ، وأصحاب مدين، نثروا مثلاتٍ قد مضت فيهم.
قوله تعالى: فسيروا في الأرض
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فسيروا في الأرض قال: ألم تسيروا في الأرض.
قوله تعالى: فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين
- وبه سألت الحسن عن قوله: فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين قال:
فينظروا كيف عذّب اللّه قوم نوحٍ، وقوم لوطٍ، وقوم صالحٍ، والأمم الّتي عذّب اللّه.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان عن قتادة فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين قال: عاقبة الأوّلين والأمم قبلكم قال: كان سوء عاقبتهم متّعهم اللّه قليلا، ثمّ صاروا إلى النّار.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد يعني ابن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين قال: بئس واللّه كان عاقبة المكذّبين دمّر اللّه عليهم، وأهلكهم، ثمّ صيّرهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/768-769]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قد خلت من قبلكم سنن يعني المؤمنين والكافرين في الخير والشر). [تفسير مجاهد: 136]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 137.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {قد خلت} يعني مضت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {قد خلت من قبلكم سنن} يعني تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} قال: عاقبة الأولين والأمم قبلكم كان سوء عاقبتهم متعهم الله قليلا ثم صاروا إلى النار). [الدر المنثور: 4/37]

تفسير قوله تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن البيان عن الشعبي في قوله تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين قال بيان من العمى وهدى من الضلالة وموعظة من الجهل). [تفسير عبد الرزاق: 1/134]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن بيانٍ عن الشّعبيّ في قول اللّه: {هذا بيانٌ للنّاس وهدى وموعظة للمتقين} قال: بيان من العما وهدًى من الضّلالة وموعظةٌ من الجهل [الآية: 138]). [تفسير الثوري: 80]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن بيان، عن عامرٍ الشّعبي - في قوله عزّ وجلّ: {هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين} -، قال: بيانٌ من العمى، وهدى من الضّلالة، وموعظةٌ من الجهل). [سنن سعيد بن منصور: 3/1093]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين}
اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي أشير إليه بهذا، فقال بعضهم: عنى بقوله هذا القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن، في قوله: {هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين} قال: هذا القرآن.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هذا بيانٌ للنّاس} وهو هذا القرآن جعله اللّه بيانًا للنّاس عامّةً، وهدًى وموعظةً للمتّقين خصوصًا.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال في قوله: {هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين} قال كان تبيانه للناس عامة {وهدًى وموعظةٌ} للمتقين خاصّةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، في قوله: {هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين} خاصّةً
وقال آخرون.إنّما أشير بقوله هذا إلى قوله: {قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} ثمّ قال: هذا الّذي عرّفتكم يا معشر أصحاب محمّدٍ بيانٌ للنّاس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، بذلك.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصّواب قول من قال: قوله هذا إشارةٌ إلى ما تقدّم هذه الآية من تذكير اللّه جلّ ثناؤه المؤمنين، وتعريفهم حدوده، وحضّهم على لزوم طاعته، والصّبر على جهاد أعدائه وأعدائهم، لأنّ قوله هذا إشارةٌ إلى حاضرٍ، إمّا مرئي، وإمّا مسموعٌ وهو في هذا الموضع إلى حاضرٍ مسموعٍ من الآيات المتقدّمة. فمعنى الكلام: هذا الّذي أوضحت لكم وعرّفتكموه، بيانٌ للنّاس؛ يعني بالبيان الشّرح والتّفسير.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {هذا بيانٌ للنّاس} أي هذا تفسيرٌ للنّاس إن قبلوه.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، والمثنّى، قالا: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ: {هذا بيانٌ للنّاس} قال: من العمى.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ عن بيان عن الشّعبيّ، مثله.
وأمّا قوله: {وهدًى وموعظةٌ} فإنّه يعني بالهدى الدّلالة على سبيل الحقّ ومنهج الدّين، وبالموعظة التّذكرة للصّواب والرّشاد.
- كما: حدّثنا أحمد بن حازمٍ، والمثنّى، قالا: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ: {وهدًى} قال: من الضّلالة {وموعظةٌ} من الجهل.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن بيانٍ عن الشّعبيّ مثله.
- ناقص
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {للمتّقين} أي لمن أطاعني وعرف أمري). [جامع البيان: 6/73-76]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين (138)
قوله تعالى: هذا بيان للناس
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ الثّوريّ ، عن بيانٍ عن الشّعبيّ، قوله: هذا بيانٌ للنّاس قال: بيانٌ من العمى.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس عن يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: هذا بيانٌ للنّاس وهو هذا القرآن جعله اللّه بياناً للنّاس عامّةً.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، قال: قال محمّد بن إسحاق: هذا بيانٌ للنّاس أي هذا تفسيرٌ للنّاس إن قبلوه.
قوله تعالى: وهدى
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ الثّوريّ، عن بيانٍ عن الشّعبيّ هذا بيانٌ للنّاس وهدًى قال: هدًى من الضّلالة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وهدًى قال: هو القرآن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله:
هدًى قال: نورٌ.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ وهدًى يعني تبيانٌ.
قوله تعالى: وموعظةٌ
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ الثّوريّ، عن بيانٍ عن الشّعبيّ قوله: وموعظةٌ قال: موعظةٌ من الجهل.
قوله تعالى: للمتّقين
- حدّثنا سهل بن عثمان، ثنا المحاربيّ، عن محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ وموعظةً للمتّقين الّذين من بعدهم إلى يوم القيامة.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جفر، عن الرّبيع عن أبي العالية وموعظةً للمتّقين قال: موعظةٌ للمتّقين خاصّةً. وروي عن قتادة نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق:
وموعظةٌ للمتّقين قال: لمن أطاعني وعرف أمري.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، ثنا سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن وموعظةٌ للمتّقين يعدهم فيتّقوا نعمة اللّه ويحذونها. وروي عن عطيّة والسّدّيّ قالا: لأمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/769-770]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 138.
أخرج ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف عن سعيد بن جبير قال: أول ما نزل من آل عمران {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} ثم أنزل بقيتها يوم أحد.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله {هذا بيان للناس} قال: هذا القرآن
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {هذا بيان} الآية.
قال: هو هذا القرآن جعله الله بيانا للناس عامة {وهدى وموعظة للمتقين} خصوصا.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الشعبي في الآية قال {بيان} من العمى {وهدى} من الضلالة {وموعظة} من الجهل). [الدر المنثور: 4/37-38]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 10:06 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض} يريد سعتها، ولم يرد العرض الذي هو خلاف الطول. والعرب تقول: بلاد عريضة، أي واسعة «وفي الأرض العريضة مذهب».
وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم للمنهزمين يوم أحد: ((لقد ذهبتم بها عريضة)).
وقال الشاعر:

كأنّ بلاد اللّه - وهي عريضة على الخائف المطلوب كفّة حابل
وأصل هذا: من العرض الذي هو خلاف الطول. وإذا عرض الشيء اتسع، وإذا لم يعرض ضاق ودقّ). [تفسير غريب القرآن:111-112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين}
{وجنّة عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين} أي: لمن اتّقى المحارم، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّ بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم يزدحم عليه الناس؛ كما تزدحم الإبل وردت خمصا. ظماء). [معاني القرآن: 1/468-469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}
روي عن أنس بن مالك انه قال: يعني التكبيرة الأولى.
ثم قال تعالى: {وجنة عرضها السموات والأرض} في هذا قولان:
أحدهما: أنه العرض بعينه.
وروى طارق بن شهاب أن اليهود قالت لعمر بن الخطاب: تقولون جنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم إذا جاء النهار فأين يكون الليل وإذا جاء الليل فأين يكون النهار، قالوا: لقد نزعت ما في التوراة.
والقول الآخر: أن العرض ههنا السعة وذلك معروف في اللغة
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمنهزمين يوم أحد: ((لقد ذهبتم فيها عريضة)) يعني: واسعة وأنشد أهل اللغة:
كأن بلاد الله وهي عريضة = على الخائف المطلوب كفة حابل). [معاني القرآن: 1/475-477]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} أي: سعتها، ولم يرد العرض الذي هو ضد الطول، تقول العرب: هذه بلاد عريضة: أي واسعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والكاظمين الغيظ}: الصابرين.
وأصل الكظم والصبر: حس الغيظ).
[تفسير غريب القرآن: 112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين} أي: أعدت للذين جرى ذكرهم وللذين يكظمون الغيظ، ويروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ما من جرعة يتجرعها الإنسان أعظم أجرا من جرعة غيظ في اللّه)).
يقال كظمت الغيظ أكظمه كظما إذا أمسكت على ما في نفسي منه.
ويقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه، وكظم البعير والناقة كظوما إذا لم يجتر.
قال الراعي:
فأفضن بعد كظومهن بجرة... من ذي الأباطح أذرعين حقيلا.
والكظامة: سير يشد به الوتر على سية القوس العربية، والكظمية.
والكظائم حفائر تحفر من بئر إلى بئر ليجري الماء من بعضها إلى بعض وكاظمة موضع بالبادية). [معاني القرآن: 1/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}
الكظم في اللغة: أن يحبس الغيظ.
ويقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه
ويقال للممتلئ حزنا وغما كظيم ومكظوم كما قال تعالى: {إذ نادى وهو مكظوم}). [معاني القرآن: 1/477-478]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَالْكَاظِمِينَ} أي: الحابسين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه...}
يقال [ما قبل إلا] معرفة، وإنما يرفع ما بعد إلا بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد؛ كقولك: ما عندي أحد إلا أبوك، فإن معنى قوله: {ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه} ما يغفر الذنوب أحد إلا الله، فجعل على المعنى. وهو في القرآن في غير موضع). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولم يصرّوا على ما فعلوا} أي: لم يقيموا عليه). [تفسير غريب القرآن: 112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلّا اللّه ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون}
{ومن يغفر الذّنوب إلّا اللّه} الرفع محمول على المعنى، والمعنى وأي أحد يغفر الذنوب؛ ما يغفرها إلا اللّه.
{ولم يصرّوا على ما فعلوا} الإصرار: الإقامة على الشيء). [معاني القرآن: 1/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني فإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر رضي الله عنه وصدق أبو بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يذنب ذنبا وينام ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله إلا غفر له)) ثم تلا الآية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}
وقال مجاهد: معنى{ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} ولم يمضوا.
والإصرار في اللغة: اعتقاد الشيء ومنه قيل صرة ومنه قيل للبرد صر كأنه البرد الذي يصل إلى القلب ومنه قيل للذي لم يحج صرورة وصارورة كأنه يحبس ما يجب أن ينفقه
وقال معبد بن صبيحة: صليت خلف عثمان وعلي إلى جنبي فأقبل علينا فقال صليت على غير وضوء ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ثم ذهب فتوضأ وصلى
وروي عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أصر من استغفر الله ولو عاد في اليوم سبعين مرة))
وقال عبد الله بن عبيد بن عمير {وهم يعلمون} أي: وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم). [معاني القرآن: 1/478-480]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلَمْ يُصِرُّواْ} أي: يقيموا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 52]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}
[لا يوجد]
تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قد خلت}: قد مضت، {سننٌ} أي: أعلامٌ). [مجاز القرآن: 1/103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين}
معنى {قد خلت}: قد مضت، ومعنى {سنن}: أهل سنن، أي: أهل طرائق.
والسّنّة الطّريقة، وقول الناس: فلان على السّنّة معناه على الطريقة، ولم يحتاجوا " أن يقولوا على السّنّة المستقيمة لأنّ في الكلام دليلا على ذلك، وهذا كقولنا " مؤمن " معناه مصدق وفي الكلام دليل على أنه مؤمن بأمور الله - عزّ وجلّ - التي أمر بالإيمان بها، والمعنى إنكم إذا سرتم في أسفاركم عرفتم أخبار قوم اهلكوا بتكذيبهم). [معاني القرآن: 1/469-470]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}
قال أبو عبيدة: السنن الأعلام والمعنى على هذا أنكم إذا سافرتم رأيتم آثار قوم هلكوا فلعلكم تتعظون). [معاني القرآن: 1/480]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}
قال الشعبي: هذا بيان من العمى وهدى من الضلال وموعظة من الجهل). [معاني القرآن: 1/480]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 09:11 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
[لا يوجد]


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ) : (والسراء الخير. والضراء الشدة). [الغريب المصنف: 2/550]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ({وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} الحابسين لا يظهرون جزاءه. الكظامة، المصنع وهو منه). [مجالس ثعلب: 586]


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال في قوله: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال: يعلمون أنهم أتوا مالا ينبغي). [مجالس ثعلب: 163]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (حدثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة قال: قال هِشَام بنُ القاسم: أخذ خالد بنُ عبد اللّه المُغِيرَةَ فقتله وصَلَبَه بوَاسِط عند مَنْظَرة العاشر، فقال الشاعر:



طـال التًجـاوُرُ مــن بَـيـانٍ واقـفًـاومن المُغِيرة عند جِذْع العَاشِرِ
يـا ليتـه قـد شـال جِذْعـا نخْـلَـةٍبأبي حنيفة وابن قَيْس الناصر

وبيان هذا هو بيان التبان وكان يقول: إلي أشار الله إذ يقول: {هَذَا بَيَان للناس}. وهو أوّل من قال بخَلْق القرآن). [عيون الأخبار: 5/148]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 07:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 07:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 07:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 07:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين (133) الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس واللّه يحبّ المحسنين (134)
قرأ نافع وابن عامر: «سارعوا» بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام، وقرأ باقي السبعة بالواو، قال أبو علي: كلا الأمرين شائع مستقيم، فمن قرأ بالواو فلأنه عطف الجملة على الجملة، ومن ترك الواو فلأن الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بذلك عن العطف بالواو، وأمال الكسائي الألف من قوله سارعوا ومن قوله يسارعون في الخيرات [المؤمنون: 61] ونسارع لهم في الخيرات [المؤمنون: 56] في كل ذلك، قال أبو علي: والإمالة هنا حسنة لوقوع الراء المكسورة بعدها، والمسارعة المبادرة وهي مفاعلة، إذ الناس كأن كل واحد يسرع ليصل قبل غيره، فبينهم في ذلك مفاعلة، ألا ترى إلى قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات [المائدة: 48] وقوله إلى مغفرةٍ معناه: سارعوا بالتقوى والطاعة والتقرب إلى ربكم إلى حال يغفر الله لكم فيها، أي يستر ذنوبكم بعفوه عنها وإزالة حكمها، ويدخلكم جنة، قال أنس بن مالك ومكحول في تفسير سارعوا إلى مغفرةٍ، معناه: إلى تكبيرة الإحرام مع الإمام.
قال الفقيه القاضي: هذا مثال حسن يحتذى عليه في كل طاعة، وقوله تعالى: عرضها السّماوات والأرض تقديره: كعرض السماوات والأرض، وهذا كقوله تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلّا كنفسٍ واحدةٍ [لقمان: 28] أي كخلق نفس واحدة وبعثها، فجاء هذا الاقتضاب المفهوم الفصيح، ومنه قول الشاعر: [ذو الخرق الطهوي]: [الوافر]:
حسبت بغام راحلتي عناقا = وما هي ويب غيرك بالعناق
ومنه قول الآخر:
كأنّ غديرهم بجنوب سلي = نعام فاق في بلد قفار
التقدير صوت عناق وغدير نعام.
وأما معنى قوله تعالى: عرضها السّماوات والأرض فاختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: تقرن السماوات والأرضون بعضها إلى بعض كما يبسط الثوب، فذلك عرض الجنة ولا يعلم طولها إلا الله، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن بين المصراعين من أبواب الجنة مسيرة أربعين سنة، وسيأتي عليها يوم يزدحم الناس فيها كما تزدحم الإبل إذا وردت خمصا ظماء وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: أن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام لا يقطعها فهذا كله يقوي قول ابن عباس وهو قول الجمهور، إن الجنة أكبر من هذه المخلوقات المذكورة وهي ممتدة عن السماء حيث شاء الله تعالى، وذلك لا ينكر، فإن في حديث النبي عليه السلام: ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة في فلاة من الأرض، فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدا من السماوات والأرض، وقدرة الله تعالى أعظم من ذلك كله، وروى يعلى بن أبي مرة قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، شيخا كبيرا قد فند فقال قدمت على النبي عليه السلام، بكتاب هرقل، فناول الصحيفة رجلا عن يساره فقلت: من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية، فإذا كتاب هرقل: إنك كتبت إليّ تدعوني إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين، فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار؟ وروى قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: جاء رجلان من اليهود من نجران إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال أحدهما: تقولون جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، أين تكون النار؟ فقال عمر رضي الله عنه أرأيت النهار إذا جاء أين يكون الليل؟ والليل إذا جاء أين يكون النهار؟ فقال اليهودي: إنه لمثلها في التوراة فقال له صاحبه: لم أخبرته؟ دعه إنه بكل موقن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذه الآثار كلها هي في طريق واحد، من أن قدرة الله تتسع لهذا كله،
وخص العرض بالذكر لأنه يدل متى ذكر على الطول، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض، بل قد يكون الطويل يسير العرض كالخيط ونحوه، ومن ذلك قول العرب بلاد عريضة، وفلاة عريضة، وقال قوم: قوله تعالى: عرضها السّماوات والأرض معناه: كعرض السماوات والأرض، كما هي طباقا، لا بأن تقرن كبسط الثياب، فالجنة في السماء، وعرضها كعرضها وعرض ما وراءها من الأرضين إلى السابعة، وهذه الدلالة على العظم أغنت عن ذكر الطول، وقال قوم: الكلام جار على مقطع العرب من الاستعارة، فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى، حسنت العبارة عنها بعرضها السماوات والأرض، كما تقول لرجل: هذا بحر، ولشخص كبير من الحيوان: هذا جبل، ولم تقصد الآية تحديد العرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وجلب مكي هذا القول غير ملخص، وأدخل حجة عليه قول العرب: أرض عريضة وليس قولهم، أرض عريضة، مثل قوله: عرضها السّماوات والأرض إلا في دلالة ذكر العرض على الطول فقط، وكذلك فعل النقاش وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفارين يوم أحد: لقد ذهبتم فيها عريضة، وقال ابن فورك: الجنة في السماء، ويزاد فيها يوم القيامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا متعلق لمنذر بن سعيد وغيره ممن قال: إن الجنة لم تخلق بعد، وكذلك النار، وهو قول ضعيف، وجمهور العلماء على أنهما قد خلقتا، وهو ظاهر كتاب الله تعالى في قوله، أعدّت للمتّقين وأعدّت للكافرين [آل عمران: 131] وغير ذلك، وهو نص في الأحاديث كحديث الإسراء وغيره، مما يقتضي أن ثم جنة قد خلقت، وأما من يقول: يزاد فيهما فلا ترد عليه الأحاديث، لكنه يحتاج إلى سند يقطع العذر، وأعدّت معناه: يسرت وانتظروا بها). [المحرر الوجيز: 2/353-357]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم وصف تعالى المتقين الذين أعدت لهم الجنة بقوله: الّذين ينفقون الآية، وظاهر هذه الآية أنها مدح بفعل المندوب إليه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: في السّرّاء والضّرّاء، معناه: في العسر واليسر.
قال القاضي: إذ الأغلب أن مع اليسر النشاط وسرور النفس، ومع العسر الكراهية وضر النفس، وكظم الغيظ رده في الجوف إذا كاد أن يخرج من كثرته، فضبطه ومنعه كظم له، والكظام: السير الذي يشد به فم الزق والقربة، وكظم البعير جرته: إذا ردها في جوفه، وقد يقال لحبسه الجرة قبل أن يرسلها إلى فيه، كظم، حكاه الزجّاج، فقال: كظم البعير والناقة إذا لم يجترا ومنه قول الراعي: [الكامل]
فأفضن بعد كظومهنّ بجرّة = من ذي الأباطح أذرعين حقيلا
والغيظ: أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسر بعض الناس الغيظ بالغضب وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغيظ فعل النفس لا يظهر على الجوارح، والغضب حال لها معه ظهور في الجوارح وفعل ما ولا بد، ولهذا جاز إسناد الغضب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يسند إليه تعالى غيظ، وخلط ابن فورك في هذه اللفظة، ووردت في كظم الغيظ وملك النفس عند الغضب أحاديث، وذلك من أعظم العبادة وجهاد النفس، ومنه قول عليه السلام: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، ومنه قول النبي عليه السلام: ما من جرعة يتجرعها العبد خير له وأعظم أجرا من جرعة غيظ في الله، وروى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال: من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه، ملأه الله أمنا وإيمانا، والعفو عن الناس من أجل ضروب فعل الخير، وهذا حيث يجوز للإنسان ألا يعفو، وحيث يتجه حقه، وقال أبو العالية: والعافين عن النّاس، يريد المماليك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا حسن على جهة المثال، إذ هم الخدمة، فهم مذنبون كثيرا، والقدرة عليهم متيسرة، وإنفاذ العقوبة سهل، فلذلك مثل هذا المفسر به، وذكر تعالى بعد ذلك أنه يحبّ المحسنين، فعم هذه الوجوه وسواها من البر، وهذا يدلك على أن الآية في المندوب إليه، ألا ترى إلى سؤال جبريل عليه السلام، فقال: ما الإيمان؟ ثم قال ما الإسلام؟ فذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم المفروضات، ثم قال له: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، الحديث). [المحرر الوجيز: 2/357-359]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلاّ اللّه ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم وجنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)
ذكر الله تعالى في هذه الآية صنفا دون الصنف الأول، فألحقهم بهم برحمته ومنه، فهؤلاء هم التوابون، وروي في سبب هاتين الآيتين: أن الصحابة قالوا: يا رسول الله، كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا حين كان المذنب منهم يصبح وعقوبته مكتوبة على باب داره، فأنزل الله هذه الآية توسعة ورحمة وعوضا من ذلك الفعل ببني إسرائيل، ويروى أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية، وروى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ويصلي ركعتين ويستغفر إلا غفر له، وقوله والّذين عطف جملة ناس على جملة أخرى، وليس الّذين بنعت كرر معه واو العطف، لأن تلك الطبقة الأولى تنزه عن الوقوع في الفواحش، و «الفاحشة» هنا صفة لمحذوف أقيمت الصفة مقامه، التقدير: فعلوا فعلة فاحشة، وهو لفظ يعم جميع المعاصي، وقد كثر اختصاصه بالزنا، حتى فسر السدي هذه الآية بالزنا، وقال جابر بن عبد الله لما قرأها: زنى القوم ورب الكعبة، وقال إبراهيم النخعي: الفاحشة من الظلم، والظلم من الفاحشة وقال قوم: الفاحشة في هذه الآية إشارة إلى الكبائر، وظلم النفس إشارة إلى الصغائر، وذكروا اللّه معناه: بالخوف من عقابه والحياء منه، إذ هو المنعم المتطول ومن هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رحم الله صهيبا لو لم يخف الله لم يعصه، و «استغفروا» معناه: طلبوا الغفران، واللام معناها: لأجل «ذنوبهم»، ثم اعترض أثناء الكلام قوله تعالى: ومن يغفر الذّنوب إلّا اللّه، اعتراضا موقفا للنفس، داعيا إلى الله، مرجيا في عفوه، إذا رجع إليه، وجاء اسم اللّه مرفوعا بعد الاستثناء والكلام موجب، حملا على المعنى، إذ هو بمعنى وما يغفر الذنوب إلا الله، وقوله تعالى: ولم يصرّوا الإصرار معناه: اعتزام الدوام على الأمر، وترك الإقلاع عنه، ومنه صر الدنانير: أي الربط عليها، ومنه قول أبي السمال قعنب العدوي: «علم الله أنها مني صرى».
يريد: عزيمة. فالإصرار اعتزام البقاء على الذنب، ومنه قول النبي عليه السلام: لا توبة مع إصرار، وقال أيضا: ما أصر من استغفر، واختلفت عبارة المفسرين في الإصرار، فقال قتادة: هو الذي يمضي قدما في الذنب لا تنهاه مخافة الله. وقال الحسن: إتيان العبد الذنب هو الإصرار حتى يتوب، وقال مجاهد:
لم يصرّوا معناه: لم يمضوا وقال السدي: «الإصرار» هو ترك الاستغفار، والسكوت عنه مع الذنب، وقوله تعالى: وهم يعلمون قال السدي: معناه وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا، وقال ابن إسحاق: معناه، وهم يعلمون بما حرمت عليهم، وقال آخرون: معناه، وهم يعلمون أن باب التوبة مفتوح لهم وقيل:
المعنى، وهم يعلمون أني أعاقب على الإصرار). [المحرر الوجيز: 2/359-360]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم شرك تعالى الطائفتين المذكورتين في قوله أولئك جزاؤهم الآية، وهذه تؤذن بأن الله تعالى أوجب على نفسه بهذا الخبر الصادق قبول توبة التائب، وليس يجب عليه تعالى من جهة العقل شيء، بل هو بحكم الملك لا معقب لأمره، وقوله: ونعم أجر العاملين بمنزلة قوله: ونعم الأجر، لأن نعم وبئس تطلب الأجناس المعرفة أو ما أضيف إليها وليست هذه الآية بمنزلة قوله تعالى: ساء مثلًا القوم [الأعراف: 177] لأن المثل هنا أضيف إلى معهود لا إلى جنس، فلذلك قدره أبو علي: ساء المثل مثل القوم، ويحتمل أن يكون مثل القوم مرتفعا «بساء» ولا يضمر شيء). [المحرر الوجيز: 2/361]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين (137) هذا بيانٌ للنّاس وهدىً وموعظةٌ للمتّقين (138) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (139) إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله
الخطاب بقوله تعالى: قد خلت للمؤمنين، والمعنى: لا يذهب بكم إن ظهر الكفار المكذبون عليكم بأحد «فإن العاقبة للمتقين» وقديما أدال الله المكذبين على المؤمنين، ولكن انظروا كيف هلك المكذبون بعد ذلك، فكذلك تكون عاقبة هؤلاء، وقال النقاش: الخطاب ب قد خلت للكفار.
قال الفقيه القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك قلق، وخلت معناه: مضت وسلفت، قال الزجّاج: التقدير أهل سنن، و «السنن»: الطرائق من السير والشرائع والملك والفتن ونحو ذلك، وسنة الإنسان: الشيء الذي يعمله ويواليه، ومن ذلك قول خلد الهذلي، لأبي ذؤيب:
فلا تجزعن من سنّة أنت سرتها = فأوّل راض سنّة من يسيرها
وقال سليمان بن قتة:
وإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشم = تأسّوا فسنّوا للكرام التأسّيا
وقال لبيد:
من معشر سنّت لهم آباؤهم = ولكلّ قوم سنّة وإمامها
وقال ابن زيد: قد خلت من قبلكم سننٌ معناه: أمثال.
قال الفقيه الإمام: هذا تفسير لا يخص اللفظة، وقال تعالى: فسيروا وهذا الأمر قد يدرك بالإخبار دون السير لأن الإخبار إنما يكون ممن سار وعاين، إذ هو مما يدرك بحاسة البصر وعن ذلك ينتقل خبره، فأحالهم الله تعالى على الوجه الأكمل، وقوله: فانظروا، هو عند الجمهور من نظر العين، وقال قوم: هو بالفكر). [المحرر الوجيز: 2/361-362]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: هذا بيانٌ للنّاس قال الحسن: الإشارة إلى القرآن، وقال قتادة في تفسير الآية: هو هذا القرآن جعله الله بيانا للناس عامة وهدى وموعظة للمتقين خاصة، وقال بمثله ابن جريج والربيع.
قال القاضي: كونه بيانا للناس ظاهر، وهو في ذاته أيضا هدى منصوب وموعظة، لكن من عمي بالكفر وضل وقسا قلبه لا يحسن أن يضاف إليه القرآن، وتحسن إضافته إلى «المتقين» الذين فيهم نفع وإياهم هدى، وقال ابن إسحاق والطبري وجماعة: الإشارة ب هذا إلى قوله تعالى: قد خلت من قبلكم سننٌ الآية، قال ابن إسحاق: المعنى هذا تفسير للناس إن قبلوه، قال الشعبي: المعنى، هذا بيان للناس من العمى). [المحرر الوجيز: 2/362-363]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 07:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 07:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات، فقال: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين} أي: كما أعدّت النّار للكافرين. وقد قيل: إنّ معنى قوله: {عرضها السّماوات والأرض} تنبيهًا على اتّساع طولها، كما قال في صفة فرش الجنّة: {بطائنها من إستبرقٍ} [الرّحمن:54] أي: فما ظنّك بالظّهائر؟ وقيل: بل عرضها كطولها؛ لأنّها قبّةٌ تحت العرش، والشّيء المقبّب والمستدير عرضه كطوله. وقد دلّ على ذلك ما ثبت في الصّحيح: "إذا سألتم اللّه الجنّة فاسألوه الفردوس، فإنّه أعلى الجنّة وأوسط الجنّة ومنه تفجّر أنهار الجنّة، وسقفها عرش الرّحمن".
وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحديد: {سابقوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها كعرض السّماء والأرض} الآية [رقم21].
وقد روّينا في مسند الإمام أحمد: أنّ هرقل كتب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّك دعوتني إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، فأين النّار؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "سبحان الله! فأين اللّيل إذا جاء النّهار؟ ".
وقد رواه ابن جريرٍ فقال: حدّثني يونس، أنبأنا ابن وهب، أخبرني مسلم بن خالدٍ، عن أبي خثيم، عن سعيد بن أبي راشدٍ، عن يعلى بن مرّة قال: لقيت التّنوخي رسول هرقل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحمص، شيخًا كبيرًا فسد، قال: قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بكتاب هرقل، فناول الصّحيفة رجلا عن يساره. قال: قلت: من صاحبكم الّذي يقرأ؟ قالوا: معاوية. فإذا كتاب صاحبي: "إنّك كتبت تدعوني إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين، فأين النّار؟ قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سبحان اللّه! فأين اللّيل إذا جاء النّهار؟ ".
وقال الأعمش، وسفيان الثّوريّ، وشعبة، عن قيس بن مسلمٍ عن طارق بن شهابٍ، أنّ ناسًا من اليهود سألوا عمر بن الخطّاب عن جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، فأين النّار؟ فقال عمر [رضي اللّه عنه] أرأيتم إذا جاء اللّيل أين النّهار؟ وإذا جاء النّهار أين اللّيل؟ فقالوا: لقد نزعت مثلها من التّوراة.
رواه ابن جريرٍ من الثّلاثة الطّرق ثمّ قال: حدّثنا أحمد بن حازمٍ، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا جعفر بن برقان، أنبأنا يزيد بن الأصمّ: أنّ رجلًا من أهل الكتاب قال: يقولون: {جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض} فأين النّار؟ فقال ابن عبّاسٍ: أين يكون اللّيل إذا جاء النّهار، وأين يكون النّهار إذا جاء اللّيل؟.
وقد روي هذا مرفوعًا، فقال البزّار: حدّثنا محمّد بن معمر، حدّثنا المغيرة بن سلمة أبو هشامٍ، حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن الأصمّ، عن عمّه يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أرأيت قوله تعالى: {جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض} فأين النّار؟ قال: "أرأيت اللّيل إذا جاء لبس كلّ شيءٍ، فأين النّهار؟ " قال: حيث شاء اللّه. قال: "وكذلك النّار تكون حيث شاء اللّه عزّ وجلّ".
وهذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون المعنى في ذلك: أنّه لا يلزم من عدم مشاهدتنا اللّيل إذا جاء النّهار ألّا يكون في مكانٍ، وإن كنّا لا نعلمه، وكذلك النّار تكون حيث يشاء اللّه عزّ وجلّ، وهذا أظهر كما تقدّم في حديث أبي هريرة، عن البزّار.
الثّاني: أن يكون المعنى: أنّ النّهار إذا تغشّى وجه العالم من هذا الجانب، فإنّ اللّيل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنّة في أعلى علّيّين فوق السّماوات تحت العرش، وعرضها كما قال اللّه، عزّ وجلّ: {كعرض السّماء والأرض} [الحديد:21] والنّار في أسفل سافلين. فلا تنافي بين كونها كعرض السّماوات والأرض، وبين وجود النار، والله أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/117-118]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر تعالى صفة أهل الجنّة، فقال: {الّذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء} أي: في الشّدّة والرّخاء، والمنشط والمكره، والصّحّة والمرض، وفي جميع الأحوال، كما قال: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرًّا وعلانيةً} [البقرة:274]. والمعنى: أنّهم لا يشغلهم أمر عن طاعة اللّه تعالى والإنفاق في مراضيه، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البرّ.
وقوله: {والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس} أي: إذا ثار بهم الغيظ كظموه، بمعنى: كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمّن أساء إليهم وقد ورد في بعض الآثار: "يقول اللّه تعالى: ابن آدم، اذكرني إذا غضبت، أذكرك إذا غضبت، فلا أهلكك فيمن أهلك" رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقد قال أبو يعلى في مسنده: حدّثنا أبو موسى الزّمن، حدّثنا عيسى بن شعيب الضّرير أبو الفضل، حدّثنا الرّبيع بن سليمان الجيزي عن أبي عمرو بن أنس بن مالكٍ، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "من كفّ غضبه كفّ الله عنه عذابه، ومن خزن لسانه ستر الله عورته، ومن اعتذر إلى الله قبل عذره" [و] هذا حديثٌ غريبٌ، وفي إسناده نظرٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا مالكٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "ليس الشّديد بالصّرعة، ولكنّ الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب". وقد رواه الشّيخان من حديث مالكٍ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن الحارث بن سويد، عن عبد اللّه، هو ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أيّكم مال وارثه أحبّ إليه من ماله؟ " قال: قالوا: يا رسول اللّه، ما منّا أحدٌ إلّا ماله أحبّ إليه من مال وارثه. قال: "اعلموا أنّه ليس منكم أحدٌ إلا مال وارثه أحبّ إليه من ماله مالك من مالك إلّا ما قدّمت، ومال وارثك ما أخّرت". قال: وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تعدّون فيكم الصّرعة؟ " قلنا: الّذي لا تصرعه الرّجال، قال: قال "لا ولكن الّذي يملك نفسه عند الغضب". قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تعدّون فيكم الرّقوب؟ " قال: قلنا: الّذي لا ولد له. قال: "لا ولكنّ الرّقوب الّذي لم يقدّم من ولده شيئًا".
أخرج البخاريّ الفصل الأوّل منه وأخرج مسلمٌ أصل هذا الحديث من رواية الأعمش، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، سمعت عروة بن عبد اللّه الجعفيّ يحدّث عن أبي حصبة، أو ابن حصبة، عن رجلٍ شهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب فقال: "تدرون ما الرّقوب؟ " قالوا الّذي لا ولد له. قال: "الرّقوب كلّ الرّقوب الّذي له ولدٌ فمات، ولم يقدّم منهم شيئًا". قال: "تدرون ما الصّعلوك؟ " قالوا: الّذي ليس له مالٌ. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "الصّعلوك كلّ الصّعلوك الّذي له مالٌ، فمات ولم يقدّم منه شيئًا". قال: ثمّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما الصّرعة؟ " قالوا: الصّريع. قال: فقال صلّى اللّه عليه وسلّم الصّرعة كلّ الصّرعة الّذي يغضب فيشتدّ غضبه، ويحمرّ وجهه، ويقشعرّ شعره، فيصرع غضبه".
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نمير، حدّثنا هشامٌ -هو ابن عروة-عن أبيه، عن الأحنف بن قيسٍ، عن عمٍّ له يقال له: جارية بن قدامة السّعديّ؛ أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، قل لي قولًا ينفعني وأقلل عليّ، لعلّي أعيه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تغضب". فأعاد عليه حتّى أعاد عليه مرارًا، كلّ ذلك يقول: "لا تغضب".
وكذا رواه عن أبي معاوية، عن هشامٍ، به. ورواه [أيضًا] عن يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن هشامٍ، به؛ أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، قل لي قولًا وأقلل عليّ لعلّي أعقله. قال: "لا تغضب".
الحديث انفرد به أحمد.
حديثٌ آخر: قال أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن حميد بن عبد الرّحمن، عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، أوصني. قال: "لا تغضب". قال الرّجل: ففكّرت حين قال صلّى اللّه عليه وسلّم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشّرّ كلّه.
انفرد به أحمد.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا داود بن أبي هند عن بن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود، عن أبي ذرّ قال: كان يسقي على حوضٍ له، فجاء قومٌ قالوا أيّكم يورد على أبي ذرٍّ ويحتسب شعراتٍ من رأسه فقال رجلٌ: أنا. فجاء الرّجل فأورد عليه الحوض فدقّه، وكان أبو ذرٍّ قائمًا فجلس، ثمّ اضطجع، فقيل له: يا أبا ذرٍّ، لم جلست ثمّ اضطجعت؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لنا: "إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع".
ورواه أبو داود، عن أحمد بن حنبلٍ بإسناده، إلّا أنّه وقع في روايته: عن أبي حرب، عن أبي ذرٍّ، والصّحيح: ابن أبي حربٍ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ، كما رواه عبد اللّه بن أحمد، عن أبيه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا إبراهيم بن خالدٍ: حدّثنا أبو وائلٍ الصّنعاني قال: كنّا جلوسًا عند عروة بن محمّدٍ إذ دخل عليه رجلٌ، فكلّمه بكلامٍ أغضبه، فلمّا أن غضب قام، ثمّ عاد إلينا وقد توضّأ فقال: حدّثني أبي، عن جدّي عطيّة -هو ابن سعدٍ السّعديّ، وقد كانت له صحبةٌ-قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إنّ الغضب من الشّيطان، وإنّ الشّيطان خلق من النّار وإنّما تطفأ النّار بالماء، فإذا أغضب أحدكم فليتوضّأ".
وهكذا رواه أبو داود من حديث إبراهيم بن خالدٍ الصنعاني، عن أبي وائلٍ القاصّ المرادي الصّنعاني: قال أبو داود: أراه عبد اللّه بن بحير .
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا نوح بن جعونة السّلمي، عن مقاتل بن حيّان، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أنظر معسرًا أو وضع له وقاه الله من فيح جهنّم، ألا إنّ عمل الجنّة حزنٌ بربوةٍ -ثلاثًا-ألا إنّ عمل النّار سهلٌ بسهوة. والسّعيد من وقي الفتن، وما من جرعةٍ أحبّ إلى الله [عزّ وجلّ] من جرعة غيظٍ يكظمها عبدٌ، ما كظمها عبدٌ لله إلّا ملأ جوفه إيمانًا".
انفرد به أحمد، إسناده حسنٌ ليس فيه مجروحٌ، ومتنه حسنٌ.
حديثٌ آخر في معناه: قال أبو داود: حدّثنا عقبة بن مكرم، حدّثنا عبد الرّحمن -يعني ابن مهدي-عن بشرٍ -يعني ابن منصورٍ-عن محمّد بن عجلان، عن سويد بن وهب، عن رجلٍ من أبناء أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفذه ملأه الله أمنًا وإيمانًا، ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه -قال بشر: أحسبه قال: "تواضعًا"-كساه الله حلّة الكرامة، ومن زوّج لله كساه الله تاج الملك".
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا سعيدٌ، حدّثني أبو مرحوم، عن سهل بن معاذ بن أنسٍ، عن أبيه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق، حتّى يخيره من أيّ الحور شاء".
ورواه أبو داود والتّرمذيّ، وابن ماجه، من حديث سعيد بن أبي أيّوب، به. وقال الترمذي: حسن غريب.
حديثٌ آخر: قال: عبد الرّزّاق: أخبرنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن رجلٍ من أهل الشّام -يقال له: عبد الجليل-عن عمٍّ له، عن أبي هريرة في قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ} أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من كظم غيظًا، وهو يقدر على إنفاذه ملأه اللّه أمنًا وإيمانًا". رواه ابن جريرٍ.
حديثٌ آخر: قال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن محمّد بن زيادٍ، أخبرنا يحيى بن أبي طالبٍ، أخبرنا عليّ بن عاصمٍ، أخبرني يونس بن عبيدٍ عن الحسن، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تجرّع عبدٌ من جرعةٍ أفضل أجرًا من جرعة غيظٍ كظمها ابتغاء وجه اللّه".
وكذا رواه ابن ماجه عن بشر بن عمر، عن حمّاد بن سلمة، عن يونس بن عبيد، به.
فقوله: {والكاظمين الغيظ} أي: لا يعملون غضبهم في النّاس، بل يكفّون عنهم شرّهم، ويحتسبون ذلك عند اللّه عزّ وجلّ.
ثمّ قال [تعالى] {والعافين عن النّاس} أي: مع كفّ الشّرّ يعفون عمّن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحدٍ، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: {واللّه يحبّ المحسنين} فهذا من مقامات الإحسان.
وفي الحديث: "ثلاثٌ أقسم عليهنّ: ما نقص مالٌ من صدقةٍ، وما زاد اللّه عبدًا بعفوٍ إلّا عزا، ومن تواضع للّه رفعه اللّه ".
وروى الحاكم في مستدركه من حديث موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة القرشي، عن عبادة بن الصّامت، عن أبيّ بن كعبٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من سرّه أن يشرف له البنيان، وترفع له الدّرجات فليعف عمّن ظلمه، ويعط من حرمه، ويصل من قطعه".
ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه وقد أورده ابن مردويه من حديث عليٍّ، وكعب بن عجرة، وأبي هريرة، وأمّ سلمة، بنحو ذلك. وروي عن طريق الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يقول: أين العافون عن النّاس؟ هلمّوا إلى ربّكم، وخذوا أجوركم، وحقّ على كلّ امرئٍ مسلمٍ إذا عفا أن يدخل الجنّة"). [تفسير القرآن العظيم: 2/119-122]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم} أي: إذا صدر منهم ذنبٌ أتبعوه بالتّوبة والاستغفار.
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا همّام بن يحيى، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، عن عبد الرّحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ رجلًا أذنب ذنبًا، فقال: ربّ إنّي أذنبت ذنبًا فاغفره. فقال اللّه [عزّ وجلّ] عبدي عمل ذنبًا، فعلم أنّ له ربًّا يغفر الذّنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثمّ عمل ذنبا آخر فقال: رب، إني عملت ذنبا فاغفره. فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أنّ له ربا يغفر الذّنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي. ثمّ عمل ذنبًا آخر فقال: ربّ، إنّي عملت ذنبًا فاغفره لي. فقال عزّ وجلّ: علم عبدي أنّ له ربا يغفر الذّنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي ثمّ عمل ذنبًا آخر فقال: ربّ، إنّي عملت ذنبًا فاغفره فقال عزّ وجلّ: عبدي علم أنّ له ربا يغفر الذّنب ويأخذ به، أشهدكم أنّي قد غفرت لعبدي، فليعمل ما شاء".
أخرجه في الصّحيح من حديث إسحاق بن أبي طلحة، بنحوه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو النّضر وأبو عامرٍ قالا حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا سعدٌ الطّائيّ، حدّثنا أبو المدلّة -مولى أمّ المؤمنين-سمع أبا هريرة، قلنا: يا رسول اللّه، إذا رأيناك رقّت قلوبنا، وكنّا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدّنيا وشممنا النّساء والأولاد، فقال لو أنّكم تكونون على كلّ حالٍ، على الحال الّتي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة بأكفّهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء اللّه بقومٍ يذنبون كي يغفر لهم". قلنا: يا رسول اللّه، حدّثنا عن الجنّة ما بناؤها؟ قال:"لبنة ذهبٍ، ولبنة فضّةٍ، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللّؤلؤ والياقوت، وترابها الزّعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، ثلاثةٌ لا تردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصّائم حتّى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السّماء، ويقول الرّبّ: وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حينٍ".
ورواه الترمذي، وابن ماجة، من وجه آخر من سعدٍ، به.
ويتأكّد الوضوء وصلاة ركعتين عند التّوبة، لما رواه الإمام أحمد بن حنبلٍ:
حدّثنا وكيع، حدّثنا مسعر، وسفيان -هو الثّوريّ- عن عثمان بن المغيرة الثّقفيّ، عن عليّ بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم الفزاريّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: كنت إذا سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا نفعني اللّه بما شاء منه، وإذا حدّثني عنه [غيري استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإنّ أبا بكرٍ رضي اللّه عنه حدثني] وصدق أبو بكرٍ -أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من رجلٍ يذنب ذنبًا فيتوضّأ فيحسن -الوضوء -قال مسعر: فيصلّي. وقال سفيان: ثمّ يصلّي ركعتين -فيستغفر الله عزّ وجلّ إلّا غفر له".
كذا رواه عليّ بن المديني، والحميدي وأبو بكر بن أبي شيبة، وأهل السّنن، وابن حبّان في صحيحه والبزّار والدارقطني، من طرقٍ، عن عثمان بن المغيرة، به. وقال التّرمذيّ: هو حديثٌ حسنٌ وقد ذكرنا طرقه والكلام عليه مستقصًى في مسند أبي بكرٍ الصّدّيق، [رضي اللّه عنه] وبالجملة فهو حديثٌ حسنٌ، وهو من رواية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ [رضي اللّه عنه] عن خليفة النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنهما وممّا يشهد لصحّة هذا الحديث ما رواه مسلمٌ في صحيحه، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما منكم من أحدٍ يتوضّأ فيبلغ -أو: فيسبغ -الوضوء، ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء".
وفي الصّحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه، أنّه توضّأ لهم وضوء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدّم من ذنبه".
فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمّة الأربعة الخلفاء الرّاشدين، عن سيّد الأوّلين والآخرين ورسول ربّ العالمين، كما دلّ عليه الكتاب المبين من أنّ الاستغفار من الذّنب ينفع العاصين.
وقد قال عبد الرّزّاق: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابتٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: بلغني أنّ إبليس حين نزلت: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم} الآية، بكى.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا محرز بن عون، حدّثنا عثمان بن مطر، حدّثنا عبد الغفور، عن أبي نضيرة عن أبي رجاءٍ، عن أبي بكرٍ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "عليكم بلا إله إلّا الله والاستغفار، فأكثروا منهما، فإنّ إبليس قال: أهلكت النّاس بالذّنوب، وأهلكوني بلا إله إلّا الله والاستغفار، فلمّا رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنّهم مهتدون".
عثمان بن مطرٍ وشيخه ضعيفان.
وروى الإمام أحمد في مسنده، من طريق عمرو بن أبي عمرٍو وأبي الهيثم العتواريّ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "قال إبليس: يا ربّ، وعزّتك لا أزال أغوي [عبادك] ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله: وعزّتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني".
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا عمر بن أبي خليفة، سمعت أبا بدر يحدّث عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، أذنبت ذنبًا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا أذنبت فاستغفر ربّك". [قال: فإنّي أستغفر، ثمّ أعود فأذنب. قال فإذا أذنبت فعد فاستغفر ربّك] " فقالها في الرّابعة فقال: "استغفر ربّك حتّى يكون الشّيطان هو المحسور".
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقوله: {ومن يغفر الذّنوب إلا اللّه} أي: لا يغفرها أحدٌ سواه، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا محمّد بن مصعب، حدّثنا سلّام بن مسكينٍ، والمبارك، عن الحسن، عن الأسود بن سريع؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بأسيرٍ فقال: اللهم إنّي أتوب إليك ولا أتوب إلى محمّدٍ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "عرف الحقّ لأهله".
وقوله: {ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} أي: تابوا من ذنوبهم، ورجعوا إلى اللّه عن قريبٍ، ولم يستمرّوا على المعصية ويصرّوا عليها غير مقلعين عنها، ولو تكرّر منهم الذّنب تابوا عنه، كما قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ، رحمه الله، في مسنده:
حدّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل وغيره قالوا: حدّثنا أبو يحيى عبد الحميد الحمّانيّ، عن عثمان بن واقدٍ عن أبي نصيرة، عن مولًى لأبي بكرٍ، عن أبي بكرٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرّةً".
ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، والبزّار في مسنده، من حديث عثمان بن واقدٍ -وقد وثّقه يحيى بن معينٍ-به وشيخه أبو نصيرة الواسطيّ واسمه مسلم بن عبيدٍ، وثّقه الإمام أحمد وابن حبّان وقول عليّ بن المدينيّ والتّرمذيّ: ليس إسناد هذا الحديث بذاك، فالظّاهر إنّما [هو] لأجل جهالة مولى أبي بكرٍ، ولكنّ جهالة مثله لا تضرّ؛ لأنّه تابعيٌّ كبيرٌ، ويكفيه نسبته إلى [أبي بكرٍ] الصّدّيق، فهو حديث حسن والله أعلم.
وقوله: {وهم يعلمون} قال مجاهدٌ وعبد اللّه بن عبيد بن عمير: {وهم يعلمون} أنّ من تاب تاب اللّه عليه.
وهذا كقوله تعالى: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده} [التّوبة:104] وكقوله {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء:110] ونظائر هذا كثيرةٌ جدًّا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد أخبرنا جريرٌ، حدّثنا حبّان -هو ابن زيدٍ الشّرعبيّ-عن عبد اللّه بن عمرو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال-وهو على المنبر-: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويلٌ لأقماع القول، ويلٌ للمصرّين الّذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون".
تفرّد به أحمد، رحمه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/122-126]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى -بعد وصفهم بما وصفهم به-: {أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم وجنّاتٌ} أي: جزاؤهم على هذه الصّفات مغفرةٌ من اللّه وجنّاتٌ {تجري من تحتها الأنهار} أي: من أنواع المشروبات {خالدين فيها} أي: ماكثين فيها {ونعم أجر العاملين} يمدح تعالى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/126]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين (137) هذا بيانٌ للنّاس وهدًى وموعظةٌ للمتّقين (138) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (139) إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيّام نداولها بين النّاس وليعلم اللّه الّذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء واللّه لا يحبّ الظّالمين (140) وليمحّص اللّه الّذين آمنوا ويمحق الكافرين (141) أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين (142) ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (143)}
يقول تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين الّذين أصيبوا يوم أحد، وقتل منهم سبعون: {قد خلت من قبلكم سننٌ} أي: قد جرى نحو هذا على الأمم الّذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثمّ كانت العاقبة لهم والدّائرة على الكافرين؛ ولهذا قال: {فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/126]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {هذا بيانٌ للنّاس} يعني: القرآن فيه بيانٌ للأمور على جليّتها، وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم {وهدًى وموعظةٌ} يعني: القرآن فيه خبر ما قبلكم و {هدًى} لقلوبكم و {موعظةٌ} أي: زاجرٌ [عن المحارم والمآثم] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/126]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة