العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 88 إلى 99]

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين...}
إنما كانوا تكلّموا في قوم هاجروا إلى المدينة من مكة، ثم ضجروا منها واستوخموها فرجعوا سرّا إلى مكة، فقال بعض المسلمين: إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم، وقال بعض المسلمين: أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة؛ فجعلهم الله منافقين، فقال الله: {فما لكم مختلفين في المنافقين}، فذلك قوله
{فئتين}.
ثم قال تصديقا لنفاقهم {ودّوا لو تكفرون كما كفروا} فنصب {فئتين} بالفعل، تقول: مالك قائما، كما قال الله تبارك وتعالى: {فما للّذين كفروا قبلك مهطعين} فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة؛ يجوز في الكلام أن تقول: مالك الناظر في أمرنا، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما. وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة؛ كما تنصب كان وأظنّ؛ لأنهن نواقص في المعنى وإن ظننت أنهن تامّات، ومثل مال، ما بالك، وما شأنك.

والعمل في هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير.
ولا تقل: ما أمرك القائم، ولا ما خطبك القائم، قياسا عليهن؛ لأنهن قد كثرن، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل؛ ألا ترى أنهم قالوا: أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه في شيء من الكلام.
وقوله: {والله أركسهم بما كسبوا} يقول: ردّهم إلى الكفر، وهي في قراءة عبد الله وأبيّ {واللّه ركسهم}). [معاني القرآن: 1/280-281]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والله أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم فيه).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً}
قال: {فما لكم في المنافقين فئتين} فنصب على الحال كما تقول: "مالك قائما" أي: "مالك في حال القيام"). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أركسهم}: نكسهم). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.

{واللّه أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم في كفرهم.

وهي في قراءة عبد اللّه بن مسعود: «ركّسهم».

وهما لغتان: ركست الشيء وأركسته). [تفسير غريب القرآن: 133]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا }
هذا خطاب للمسلمين، وذلك أن قوما من المنافقين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد اجتوينا المدينة، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى البدو، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فقال قوم من المسلمين:
هم كفار هم كفار، وقال قوم: هم مسلمون حتى نعلم أنهم بدّلوا، فأمر اللّه بأن يتفق المسلمون على تكفير من احتال على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه فقال - عزّ وجلّ -: {فما لكم في المنافقين فئتين} أي: أيّ شيء لكم في الاختلاف في أمرهم {واللّه أركسهم بما كسبوا}
وتأويل {أركسهم} في اللغة: نكسهم وردّهم، يقال أركسه وركسه.

ومعنى {واللّه أركسهم بما كسبوا} أي: ردّهم إلى حكم الكفار.
وقوله:
{أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه} أي: أتقولون أن هؤلاء مهتدون واللّه قد أضلّهم.
{ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا إلى الحجة.

وقال النحويون في نصب {فئتين} إنها منصوبة على الحال.
وقال سيبويه: إذا قلت مالك قائما، فإنما معناه; لم قمت ونصب على تأويل أي شيء يستقر لك في هذه الحال.
قال غيره إن " قائما " ههنا منصوب على جهة فعل " مال " ويجيز مالك قائما، ومالك القائم يا هذا، ومالك القائم خطأ، لأن القائم معرفة فلا يجوز أن تقع حالا، و " ما " حرف من حروف الاستفهام لا تعمل عمل كان، ولو جاز مالك القائم يا هذا، جاز أن يقول ما عندك القائم، وما بك القائم، وبالإجماع أن ما عندك القائم خطأ، فمالك القائم مثله لا فرق في ذلك). [معاني القرآن: 2/87-88]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.
قال زيد بن ثابت: تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فقال بعضهم: اقتلهم، وقال بعضهم: اعف عنهم فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين}.
قال مجاهد: هم قوم أسلموا ثم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (ركسهم) بغير ألف يقال أركسهم وركسهم إذا ردهم والمعنى ردهم إلى حكم الكفار). [معاني القرآن: 2/152-153]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أتريدون أن تهدوا من أضل الله} أي: أنهم قد ضلوا {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا مستقيما). [معاني القرآن: 2/153-154]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{أَرْكَسَهُم} نكسهم وردهم في كفرهم، وفي قراءة عبد الله (ركسهم) وهي لغة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَرْكَسَهُم}: نكسهم). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا}
{فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه} أي: لا تتخذوا من هؤلاء الذين احتالوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فارقوه أولياء، أي: لا تقولوا إنهم مؤمنون {حتى يهاجروا في سبيل اللّه}، أي: حتى يرجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقوله:
{فإن تولّوا}أي: تولوا عن أن يهاجروا، ولزموا الإقامة على ما هم عليه {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا} ). [معاني القرآن: 2/88]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ...}
يقول: إذا واثق القوم النبي صلى الله عليه وسلم ألاّ يقاتلوه ولا يعينوا عليه، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم، فكان رأيه في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهم فلا يحلّ قتاله، فذلك قوله
{يصلون} معناه: يتصلون بهم.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم}، يقول: ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم، فذلك معنى قوله: {حصرت صدورهم} أي: ضاقت صدورهم.

وقد قرأ الحسن "حصرةً صدورهم".
والعرب تقول: أتاني ذهب عقله، يريدون قد ذهب عقله.
وسمع الكسائيّ بعضهم يقول: فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير، فإذا رأيت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة، إلا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) لأنها توكيد والجحد لا يؤكّد؛ ألا ترى أنك تقول: ما ذهبت، ولا يجوز ما قد ذهبت). [معاني القرآن: 1/281-282]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاقٌ}، يقول: فإذا كانوا من أولئك القوم الذين بينكم وبينهم ميثاق فلا تقتلوهم).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو جاءوكم حصرت صدورهم} من الضيق، وهي من الحصور، وقد قال الأعشى:

إذا اتصلت قالت أبكر بن وائلٍ... وبكرٌ سبتها والأنوف رواغم
أخذه من وصل، أي: انتسب.

{وألقوا إليكم السّلم} أي: المقادة، يقول: استسلموا). [مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}
قال: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم} أو {حصرت صدورهم} فـ(حصرةً) اسمٌ نصبته على الحال و{حصرت} "فعلت" وبها نقرأ). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حصرت صدورهم}: ضاقت. {السلم}: المقادة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا الّذين يصلون إلى قومٍ} أي: يتصلون بقوم.

{بينكم وبينهم ميثاقٌ} أي: عهد.

ويتصلون: ينتسبون، وقال الأعشى - وذكر امرأة سبيت:
إذا اتّصلت قالت: أبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم
أي: انتسبت.

وفي الحديث ((من اتصل فأعضّوه)) يريد: من ادّعى دعوى الجاهلية.
{حصرت صدورهم} أي: ضاقت.
والحصر: الضيق.
{ألقوا إليكم السّلم} أي: القادة، يريد: استسلموا لكم). [تفسير غريب القرآن:133-134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إلّا الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا} أي: فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق.
ويروى أن: هؤلاء اتصلوا ببني مدلج وكانوا صلحا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} معناه: ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم.
وقال النحويون إن
{حصرت صدورهم} معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، لأن حصرت لا يكون حالا إلا بقد.

وقال بعضهم {حصرت صدورهم} خبر بعد خبر، كأنه قال: {أو جاءوكم}، ثم أخبر فقال: {حصرت صدورهم أن يقاتلوكم}
وقوله جلّ وعزّ: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم} أي: ضيق صدورهم عن قتالكم إنما هو لقذف اللّه الرعب في صدورهم.

وقرأ بعضهم "حصرة صدورهم" على الحال). [معاني القرآن: 2/89]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال مجاهد: صاروا إلى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف.

وقال غيره: كان قوم يوادعون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا.
وقال أبو عبيدة: معنى يصلون ينتسبون.
وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين). [معاني القرآن: 2/154-155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي: أو يصلون إلى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم
قال الكسائي: "معنى حصرت" ضاقت.

قال مجاهد: وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم.

قال أبو العباس محمد بن يزيد: المعنى على الدعاء، أي: أحصر الله صدورهم

وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون خبرا بعد خبر، فالمعنى: {أو جاؤوكم} ثم خبر بعد فقال {حصرت صدورهم} كما قال جل وعز: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} وقيل المعنى: أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن (حصرة صدورهم).

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} و{حصرت صدورهم} فالمعنى على هذه القراءة (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم) أي: قوم حصرة صدورهم، أي: ضيقة). [معاني القرآن: 2/155-157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم} أي كفوا عن قتالكم وألقوا إليكم السلم أي الانقياد فما جعل الله لكم عليهم سبيلا قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في براءة).

[معاني القرآن: 2/157]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (يصلون) ينتسبون). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (حصرت صدورهم) أي: ضاقت، و(حَصِرَةْ صُدُورُهُمْ) أي: ضيقة صدورهم). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ} أي: يتصلون بهم، أي: ينتسبون.

و{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: ضاقت.
{السَّلَمَ} الاستسلام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{حَصِرَتْ}: ضاقت.
{السَّلمَ}: المقادة والطاعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم...} معناه: أن يأمنوا فيكم ويأمنوا في قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم في أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا). [معاني القرآن: 1/282]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} هؤلاء منافقون يعطون المسلمين الرضا ليأمنوهم، ويعطون قومهم الرضي ليأمنوهم). [تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} ستجدون من يظهر لكم الصلح ليأمنكم، وإذا سنحت فتنة كانوا مع أهلها عليكم.
وقوله:
{كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} أي: انتكسوا عن عهدهم الذي عقدوه.
وقوله:
{فإن لم يعتزلوكم} أي: فإن لم يعتزلوا قتالكم ولم يعاونوا عليكم.
{ويلقوا إليكم السّلم} أي: المقادة والاستسلام.
{ويكفّوا أيديهم} أي: عن الحرب.
{فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة، لا يفون بما يفارقونكم عليه من الهدنة والصلح). [معاني القرآن: 2/89-90]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} قال مجاهد: هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون إلى الكفار فيرتكسون في الأوثان). [معاني القرآن: 2/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم}

ومعنى {ثقفتموهم}: وجدتموهم واحد {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة). [معاني القرآن: 2/158]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ...}
مرفوع على قولك: فعليه تحرير رقبة.

والمؤمنة: المصلّية المدركة.، فإن لم يقل: رقبة مؤمنة، أجزأت الصغيرة التي لم تصلّ ولم تبلغ.
وقوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ} كان الرجل يسلم في قومه وهم كفّار فيكتم إسلامه، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام، وذلك إذا لم
يكن بين قومه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فإن كان عهد جرى مجرى المسلم). [معاني القرآن: 1/282-283]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطئاً}، هذا كلام تستثنى العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حالٍ إلاّ أن يقتله مخطئاً، فإن قتله خطئا فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن: {الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمم} واللّمم: ليس من الكبائر، وهو في التمثيل: إلا أن يلمّوا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ... على الأرض إلا ذيل مرطٍ مرحّل
المرحّل: برد في حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم:

وبلدةٍ ليس بها أنيس... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
يقول: إلاّ أن يكون بها. وقال أبو خراش الهذليّ:
أمسى سقام خلاءً لا أنيس به... إلا السّباع ومرّ الريح بالغرف
سقام: وادٍ لهذيل؛ الغرف: شجرٌ تعمل منه الغرابيل، وكان أبو عمرو الهذلي يرفع ذلك). [مجاز القرآن: 1/136-138]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ فمن لّم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً مّن اللّه وكان اللّه عليماً حكيماً}
قال: {فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةً}.

وقال: {فصيام شهرين} أي: فعليه ذلك.

وقال: {إلاّ أن يصّدّقوا}: فعليكم ذلك إلاّ أن يصّدّقوا). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا أن يصّدّقوا} أي: يتصدقوا عليهم بالدّية، فأدغمت التاء في الصاد).
[تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله
: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا فإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه وكان اللّه عليما حكيما} المعنى: ما كان لمؤمن ألبتّة.
و
{إلّا خطأ} استثناء ليس من الأول، المعنى: إلا أن يخطئ المؤمن فكفارة خطئه ما ذكر بعد.
وقال بعض أهل العلم:
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ} على معنى: أن دم المسلم إنما يصفح عن أن يؤخذ به القاتل في الخطأ فقد عفي له عن قتل الخطأ، إلا أن الله جل ثناؤه فرض في كتابه على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أولياء المقتول، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية الخطأ على العاقلة، وعلى القاتل أن يؤدّي في ذلك لقوله عزّ وجلّ: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه}.
ويحتمل أن يكون الصّيام بدلا من الرقبة وبدلا مما ينبغي أن يؤدّى في الدّية.
فإن قتل المؤمن خطأ رجلا مؤمنا من قوم كفرة فعليه تحرير رقبة، ولا مال للكفار الذين هم حرب، لأن الدية في الخطأ إنما جعلت - واللّه أعلم - ليحذر الناس حذرا شديدا من أن يخطئوا خطأ يؤدي إلى القتل، لتذهب الضغائن بينهم..
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} وإن كان من قوم بينهم وبين المسلمين عهد فتحرير رقبة وتسليم الدية إلى ذوي الميثاق لئلا تقع ضغينة بين أهل الميثاق والمؤمنين.
ونصب {توبة من اللّه} على جهة نصب فعلت ذلك حذار الشر.

المعنى: فعليه صيام شهرين وعليه دية إذا وجد توبة من اللّه، أي: فعل ذلك توبة من اللّه.

فأمّا قتل النفس فجزاؤه: كما قال اللّه - عزّ وجلّ - النّفس بالنّفس في الدنيا، وفي الآخرة جهنم). [معاني القرآن: 2/90-91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} فهذا استثناء ليس من الأول.
قال أبو إسحاق المعنى {ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا} ألبتة ثم قال {إلا خطأ} أي: لكن إن قتله خطأ ومن قال أن إلا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين:
إحداهما: أنه لا يعرف أن تكون إلا بمعنى حرف عاطف.

والجهة الأخرى: أن الخطأ لا يحصر لأنه ليس بشيء يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن إلا تأتي بمعنى لكن كثير وأنشد:
من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت
إلا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت
وكان سبب نزول هذه الآية: فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله).
[معاني القرآن: 2/158-160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} وإنما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل، والمعنى: إلا أن يتصدقوا عليكم بالدية.

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (إلا أن يتصدقوا).
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (إلا أن تصدقوا) والمعنى: إلا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد، ويجوز على هذه القراءة: إلا أن تصدقوا بحذف إحدى التاءين). [معاني القرآن: 2/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} معنى {عدو}: كمعنى أعداء
وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وإن كان مؤمنا وقومه كفار فلا تدفعوا إليهم الدية وعليكم عتق رقبة .
فمعنى هذا: إذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب.

وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال: كان الرجل يجيء يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت: {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} قال: وليس له دية، فمعنى هذا: أن يقتل في دار الحرب خاصة.
وقال قوم: وإن قتل في دار الإسلام فحكمه حكم المسلمين). [معاني القرآن: 2/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}
قال الزهري: الميثاق العهد، فالمعنى: إن كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا إليهم الدية لئلا توغروا صدورهم). [معاني القرآن: 2/162-163]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} أي: فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا توبة من الله، أي: فعل هذا ليتوبوا توبة).
[معاني القرآن: 2/163]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ:
{ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما} وهذا وعيد شديد في القتل حظر اللّه عزّ وجلّ به الدّماء). [معاني القرآن: 2/91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال: أمرني ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} فسألته فقال: ما نسخها شيء.

وروي عن زيد بن ثابت: نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم بعد التي في الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله جل وعز: {إلا من تاب}
وذهب قوم إلى: أن هذا على المجازاة إن جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة
، وهذا لا يحتاج أن يقال فيه إن جازاه، ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب فإن تاب فقد بين أمره لقوله عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب} فهذا لا يخرج عنه شيء). [معاني القرآن: 2/163-166]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا...}
(فتثبّتوا - قراءة عبد الله بن مسعود وأصحابه، وكذلك التي في الحجرات، ويقرأ أن: فتثبّتوا) وهما متقاربتان في المعنى، تقول للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين وتتثبت.
وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً} ذكروا أنه رجل سلّم على بعض سرايا المسلمين، فظنّوا أنه عائذ بالإسلام وليس بمسلم فقتل.

وقرأه العامة: السلم.
والسلم: الاستسلام والإعطاء بيده). [معاني القرآن: 1/283]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم مّن قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً}
قال: {إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} وقال بعضهم {فتثبّتوا} وكلّ صواب لأنك تقول "تبيّن حال القوم" و"تثبّت"، و"لا تقدم حتّى تتبيّن" و"حتّى تتثبّت"). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإسلام: هو الدخول في السّلم، أي: في الانقياد والمتابعة.

قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} أي: انقاد لكم وتابعكم.

والاستسلام مثله، يقال: سلّم فلان لأمرك واستسلم وأسلم، أي: دخل في السّلم.

كما تقول: أشتى الرجل: إذا دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع، وأقحط: دخل في القحط.

فمن الإسلام: متابعة وانقياد باللّسان دون القلب.

ومنه قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: أنقذنا من خوف السيف.

وكذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي: انقاد له وأقرّ به المؤمن والكافر.

ومن الإسلام: متابعة وانقياد باللسان والقلب، ومنه قوله حكاية عن إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي: انقدت لله بلساني وعقدي.
والوجه زيادة، كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، يريد: إلا هو، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}، أي: لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:

أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن:479-480] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والضرب: المسير، قال الله تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}). [تأويل مشكل القرآن: 497]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا}
و(فتثبّتوا) بالثاء والتاء.
ومعنى {ضربتم}: سرتم في الأرض وغزوتم.

وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا}.
قرئت السلام بالألف، وقرئت السّلم. فأما السلام: فيجوز أن يكون من التسليم، ويجوز أن يكون بمعنى: السّلم، وهو: الاستسلام، وإلقاء المقادة إلى إرادة المسلمين.

ويروى في التفسير: أن سبب هذا أن رجلا انحاز وأظهر الإسلام فقتله رجل من المسلمين وأخذ سلبه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن حق من ألقى السلم أن يتبين أمره.
ومن قرأ (فتثبتوا) فحقه أن يتثبّت في أمره، وأعلم الله - جلّ وعزّ – أن كل من أسلم ممن كان كافرا فبمنزلة الذي تعوذ بالإسلام، فقال عزّ وجلّ:
{كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم} أي: منّ عليكم بالإسلام، وبأن قبل ذلك منكم على ما أظهرتم ثم كرر الأمر بالتبيين فقال عزّ وجلّ: {فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا} ). [معاني القرآن: 2/91-92]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} وتقرأ (فتثبتوا).

قال أبو عبيد: وإحداهما قريبة من الأخرى.
وقال غيره: قد يتثبت ولا يتبين، فالاختيار: فتبينوا.
ومعنى {ضربتم}: سافرتم). [معاني القرآن: 2/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}
وقرأ ابن عباس
{لمن ألقى إليكم السلام} فمن قرأ (السلم) فمعناه: عنده الانقياد والاستسلام.

ومن قرأ (السلام) فتحتمل قراءته معنيين:
أحدهما: أن يكون بمعنى السلم.
والآخر: أن يكون من التسليم.
وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا براع فقال: السلام عليكم، فقالوا: إنما تعوذ، فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا}
قال ابن عباس:
يعني الغنيمة.

وروي عن أبي جعفر أنه قرأ (مؤمنا) بفتح الميم الثانية من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن). [معاني القرآن: 2/166-168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} قال سعيد بن جبير: أي كذلك كنتم تخفون إيمانكم {فمن الله عليكم} أي فمن الله عليكم بالغزو وإظهار الدين .
واختار أبو عبيد القاسم بن سلام: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}، وخالفه أهل النظر فقالوا: "السلم ههنا" أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز: {فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء}). [معاني القرآن: 2/168-169]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {عرض الحياة الدنيا} أي: متاع الحياة الدنيا).
[ياقوتة الصراط: 201]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر...}
يرفع
{غير} لتكون كالنعت للقاعدين؛ كما قال: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب} وكما قال {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} وقد ذكر أن {غير} نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب، إلا أنّ اقتران {غير} بالقاعدين يكاد يوجب الرفع؛ لأن الاستثناء ينبغي أن يكون بعد التمام، فتقول في الكلام: لا يستوي المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا، وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد} ولو قرئت خفضا لكان وجها: تجعل من صفة المؤمنين).
[معاني القرآن: 1/283-284]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غير أولى الضّرر}: مصدر، ويقال ضرير بين الضرر). [مجاز القرآن: 1/138]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاًّ وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً}
قال:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} مرفوعة لأنك جعلته من صفة القاعدين. وإن جررته فعلى "المؤمنين"، وإن شئت: نصبته إذا أخرجته من أول الكلام فجعلته استثناء وبها نقرأ. وبلغنا أنها أنزلت من بعد قوله: {لاّ يستوي القاعدون} ولم تنزل معها، وإنما هي استثناء عنى بها قوما لم يقدروا على الخروج ثم قال: {والمجاهدون} يعطفه على القاعدين لأن المعنى {لاّ يستوي القاعدون} {والمجاهدون}.

وقال: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} {درجاتٍ مّنه} يقول فعل ذلك درجات منه.
وقال: {أجراً عظيماً} لأنه قال: "فضّلهم" فقد أخبر أنه آجرهم فقال على ذلك المعنى كقولك: "أما واللّه لأضربنك إيجاعاً شديداً" لأنّ معناه: لأوجعنّك). [معاني القرآن: 1/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أولي الضرر}: الزمانة والعلة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({غير أولي الضّرر} أي: الزّمانة، يقال: ضرير بيّن الضّرر). [تفسير غريب القرآن: 134]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.
قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب:
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل:
{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي.

وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} شيئا بعد شيء، فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}
يريد: إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.

قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن:237-238]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
قرئت
{غير أولي الضّرر} بالرفع و {غير} بالنصب، فأما الرفع فمن جهتين:
إحداهما: أن يكون " غير " صفة للقاعدين، وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة، المعنى: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولى الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين.

ويجوز أن يكون: " غير " رفعا على جهة الاستثناء.
المعنى: لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلّا أولو الضرر، فإنهم يساوون المجاهدين، لأن الذي أقعدهم عن الجهاد الضرر، والضرر أن يكون ضريرا أو أعمى أو زمنا أو مريضا.
ويروى أن ابن أم مكتوم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:: أعل جهاد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(({انفروا خفافا وثقالا}، فإما أن تكون من الخفاف أو من الثقال)) فأنزل اللّه: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
وقوله جلّ وعزّ:
{فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى} أي: وعد الجنّة.
{وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
ويجوز أن يكون
{غير أولي الضرر}: نصبا على الاستثناء من {القاعدين المعنى: لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضرر.
على أصل الاستثناء النّصب.
ويجوز أن يكون :" غير " منصوبا على الحال، المعنى: لا يستوي القاعدون في حال صحتهم والمجاهدون.

كما تقول: جاءني زيد غير مريض، أي: جاءني زيد صحيحا.

ويجوز: جرّ " غير " على الصفة للمؤمنين، أي: لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء والمجاهدون.
أما الرفع والنصب فالقراءة بهما كثيرة.
والجرّ وجه جيد إلا أن أهل الأمصار لم يقرأوا به وإن كان وجها.
لأن القراءة سنة متبعة). [معاني القرآن: 2/92-93]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال ابن عباس: لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها). [معاني القرآن: 2/169]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {غير أولي الضرر} الضرر: الزمانة

وتقرأ
{غير} رفعا ونصبا، قال أبو إسحاق: ويجوز الخفض.
فمن رفع، فالمعنى: لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر، والمعنى: لا يستوي القاعدون الأصحاء.

ومن قرأ غير نصبا فهو
يحتمل معنيين:
أحدهما: الاستثناء ويكون المعنى إلا أولي الضرر فإنهم
يستوون مع المجاهدين.
والمعنى الآخر: أن يكون غير في موضع الحال، أي: لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لأنه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت: {غير أولي الضرر}، فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض، فالمعنى عنده: من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر، أي: من المؤمنين الأصحاء). [معاني القرآن: 2/170-171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وكلا وعد الله الحسنى} المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى

قال أهل التفسير: يعني بالحسنى الجنة). [معاني القرآن: 2/171-172]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وفضل الله المجاهدين على القاعدين} الذين ليس لهم ضرر {أجرا عظيما} درجات، منه وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة).
[معاني القرآن: 2/172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الضَّرَرِ}: العلة). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللّه غفورا رحيما}
{درجات} في موضع نصب بدلا من قوله..{ أجرا عظيما} وهو مفسّر للآخر.
المعنى: فضّل اللّه المجاهدين درجات ومغفرة ورحمة.

وجائز أن يكون: منصوبا على التوكيد لـ
{أجرا عظيما} لأن الأجر العظيم هو رفع الدرجات من اللّه جلّ وعزّ والمغفرة والرحمة، كما تقول لك على ألف درهم، لأن قولك على ألف درهم هو اعتراف فكأنك قلت أعرفها عرفا، وكأنه قيل: غفر اللّه لهم مغفرة، وأجرهم أجرا عظيما، لأن قوله {أجرا عظيما} فيه معنى غفر ورحم وفضّل.
ويجوز: الرفع في قوله
{درجات منه ومغفرة ورحمة}، ولو قيل: {درجات منه ومغفرة ورحمة}
كان جائز جائزا على إضمار تلك درجات منه ومغفرة كما قال جل ثناؤه:
{لم يلبثوا إلّا ساعة من نهار بلاغ} أي: ذلك بلاغ). [معاني القرآن: 2/93-94]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة...}
إن شئت: جعلت
{توفّاهم} في موضع نصب، ولم تضمر تاء مع التاء، فيكون مثل قوله: {إن البقر تشابه علينا}.

وإن شئت: جعلتها رفعا؛ تريد: إن الذين تتوفاهم الملائكة.
وكل موضع اجتمع فيه تاءان جاز فيه إضمار إحداهما؛ مثل قوله: {لعلكم تذكرون} ومثل قوله: {فإن تولّوا فقد أبلغتكم}). [معاني القرآن: 1/284]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً}
[و] قال: {أولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً} {إلاّ المستضعفين} لأنه استثناهم منهم كما تقول: "أولئك أصحابك إلاّ زيداً" و: "كلّهم أصحابك إلاّ زيداً". وهو خارج من أول الكلام). [معاني القرآن: 1/210]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} يعنى به: المشركون الذين تخلفوا عن الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فـ
{توفاهم}، إن شئت: كان لفظها ماضيا، على معنى: إن الذين توفتهم الملائكة، وذكّر الفعل لأنه فعل صحيح.

ويجوز أن يكون: على معنى الاستقبال، على معنى: أن الذين تتوفاهم الملائكة، وحذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين، وقد شرحنا ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.
وقوله:
{ظالمي أنفسهم}: نصب على الحال، المعنى: تتوفاهم في حال ظلمهم أنفسهم، والأصل: ظالمين أنفسهم إلا أن النون حذفت استخفافا.
والمعنى معنى ثبوتها، كما قال جلّ وعزّ
{هديا بالغ الكعبة}.
والمعنى معنى ثبوت التنوين، معنى بالغا الكعبة.
وقوله:
{قالوا فيم كنتم} هذه الواو للملائكة، أي: قال الملائكة للمشركين {فيم كنتم} أي: أكنتم في المشركين أم في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا سؤال توبيخ قد مر نظراؤه مما قد استقصينا شرحه.
وقوله:
{كنّا مستضعفين في الأرض}فأعلم اللّه أنهم كانوا مستضعفين عن الهجرة، فقالت لهم الملائكة: {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا * إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} ). [معاني القرآن: 2/94-95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر {إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}).
[معاني القرآن: 2/173-174] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر
{إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء...}
في موضع نصب على الاستثناء من {مأواهم جهنم}). [معاني القرآن: 1/284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان)
{المستضعفين} نصب على الاستثناء من قوله: {مأواهم جهنّم... إلّا المستضعفين}، أي: إلا من صدق أنّه مستضعف غير مستطيع حيلة ولا مهتد سبيلا، فأعلم الله أن هؤلاء راجون العفو، كما يرجو المؤمنون فقال: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}). [معاني القرآن: 2/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}، و{عسى} ترج وإذا أمر الله جل وعز أن يترجى شيء فهو واجب كذلك الظن به). [معاني القرآن: 2/173-174]


تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}
و {عسى} ترج، وما أمر اللّه به أن يرجى من رحمته فبمنزلة الواقع كذلك الظن بأرحم الراحمين.

وقوله:
{وكان اللّه عفوّا غفورا}.
تأويل {كان} في هذا الموضع قد اختلف فيه الناس
:
- فقال الحسن البصري: كان غفورا لعباده، عن عباده قبل أن يخلقهم.
- وقال النحويون البصريون: كأنّ القوم شاهدوا من الله رحمة فأعلموا أن ذلك ليس بحادث، وأنّ الله لم يزل كذلك.
- وقال قوم " من النحويين:.. " كان " و" فعل " من اللّه بمنزلة ما في الحال، فالمعنى - والله أعلم - والله عفو غفور.
والذي قاله الحسن وغيره أدخل في اللغة، وأشبه بكلام العرب.
- وأما القول الثالث، فمعناه: يؤول إلى ما قاله الحسن وسيبويه، إلا أن يكون الماضي بمعنى الحال يقل.
وصاحب هذا القول له من الحجة قولنا " غفر الله لفلان " بمعنى ليغفر اللّه له فلما كان في الحال دليل على الاستقبال وقع الماضي مؤديا عنها استخفافا، لأن اختلاف ألفاظ الأفعال إنما وقع لاختلاف الأوقات، فإذا أعلمت الأحوال والأوقات استغني بلفظ بعض الأفعال عن لفظ بعض، الدليل على ذلك: قوله جلّ وعزّ
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
وقوله:
{ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى اللّه متابا} معناه: من يتب ومن يجئ بالحسنة يعط عشر أمثالها). [معاني القرآن: 2/95-96]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 100 إلى 113]

{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يجد في الأرض مراغماً كثيراً...}
ومراغمة مصدران. فالمراغم: المضطرب والمذهب في الأرض). [معاني القرآن: 1/284]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة): المراغم والمهاجر واحد، تقول: راغمت وهاجرت قومي، وهي المذاهب، قال النابغة الجعديّ:
كطودٍ يلاذ بأركانه... عزيز المراغم والمهرب
(فقد وقع أجره على الله): ثوابه وجب). [مجاز القرآن: 1/138]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({مراغما}: سعة ومذهبا). [غريب القرآن وتفسيره: 123]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( (المراغم) و(المهاجر) واحد. تقول: راغمت وهاجرت [قومي]. وأصله: أن الرجل كان إذا أسلم خرج عن قومه مراغما لهم. أي مغاضبا، ومهاجرا. أي مقاطعا من الهجران. فقيل للمذهب: مراغم، وللمصير إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: هجرة - لأنها كانت بهجرة الرجل قومه.
قال الجعدي:
عزيز المراغم والمذهب). [تفسير غريب القرآن:134-135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورا رحيما (100)
معنى مراغم معنى مهاجر، المعنى يجد في الأرض مهاجرا، لأن المهاجر لقومه والمراغم بمنزلة واحدة، وإن اختلف اللفظان وقال الشاعر:
إلى بلد غير داني المحل... بعيد المراغم والمضطرب
وقيل المراغم ههنا المضطرب، وليس المراغم ههنا إلا المضطرب في حال هجرة، وإن كان مشتقا من الرغام، والرغام التراب وتأويل قولك راغمت فلانا أي هجرته وعاديته، ولم أبال رغم أنفه، أي وإن لصق أنفه بالتراب.
والرغام والرغائم ما يسيل من الأنف، والأنف يوصف بالرغم فيضرب مثلا لكل ذليل فيقال على رغم أنفه). [معاني القرآن: 2/96-97]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة} المراغم عند أهل اللغة والمهاجر واحد يقال راغمت فلانا إذا هجرته وعاديته كأنك لا تباليه وإن لصق أنفه بالرغام وهو التراب
وقيل إنما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغما وسمي مصيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مراغما يقول متحولا من أرض إلى أرض قال وسعة يقول في الرزق وقال قتادة من الضلالة إلى الهدى أي سعة من تضييق ما كان فيه من أنه لا يقدر على إظهار دينه
واللفظة تحتمل المعنيين لأنه لا خصوص فيها). [معاني القرآن: 2/174-176]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} قال سعيد بن جبير نزلت في رجل يقال له ضمرة من خزاعة كان مصابا ببصره فقال أخرجوني فلما صاروا به إلى التنعيم مات فنزلت هذه الآية فيه). [معاني القرآن: 2/176]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مراغما) أي: مضطربا، يقال: عبد مراغم من مواليه، أي: مضطرب).
[ياقوتة الصراط: 202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (والمراغم) والمهاجر سواء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُرَاغَماً}: منعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أن تقصروا من الصّلاة) أي تنقصوا منها). [مجاز القرآن: 1/138]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}
قال يعلى بن أمية سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت إنما كان هذا وقت الخوف وقد زال اليوم فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته ومعنى ضربتم في الأرض سافرتم كما قال {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} وفي معنى قوله جل وعز: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قولان: أحدهما أنه إباحة لا حتم كما قال {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} والقول الآخر أن هذا فرض المسافر كما روت عائشة فرضت الصلاة ركعتين فأقرت في السفر وزيد في صلاة الحضر ويكون مثل قوله: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} والطواف حتم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا) وليس فيه (إن خفتم) فالمعنى على قراءته كراهة أن يفتنكم الذين كفروا ثم حذف مثل {واسأل القرية} يقال قصر الصلاة وقصرها وأقصرها). [معاني القرآن: 2/176-178]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} عدو ههنا بمعنى أعداء).
[معاني القرآن: 2/179]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلتقم...}
وكلّ لام أمر إذا استؤنفت ولم يكن قبلها واو ولا فاء ولا ثمّ كسرت. فإذا كان معها شيء من هذه الحروف سكّنت. وقد تكسر مع الواو على الأصل. وإنما تخفيفها مع الواو كتخفيفهم (وهو) قال ذاك، (وهي) قالت ذاك. وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: ليقم زيد، ويجعلون اللام منصوبة في كل جهة؛ كما نصبت تميم لام كي إذا قالوا: جئت لآخذ حقّي.
وقوله: {طائفةٌ أخرى} ولم يقل: آخرون؛ ثم قال {لم يصلّوا} ولم يقل: فلتصل. ولو قيل: "فلتصل" كما قيل "أخرى" لجاز ذلك. وقال في موضع آخر: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} ولو قيل: اقتتلتا في الكلام كان صوابا. وكذلك قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم} ولم يقل: اختصما. وقال {فرقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة} وفي قراءة أبيّ "عليه الضلالة". فإذا ذكرت اسما مذكّرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده؛ كقول الله تعالى: {وإنا لجميع حاذرون}. وقوله: {أم يقولون نحن جميعٌ منتصر} وكذلك إذا كان الاسم مؤنّثا وهو لجمع جعلت فعله كفعل الواحدة الأنثى الطائفة والعصبة والرفقة. وإن شئت جمعته فذكّرته على المعنى. كلّ ذلك قد أتى في القرآن). [معاني القرآن: 1/285]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابا مهينا (102)
(وإذا كنت فيهم) هذه الهاء والميم يعودان على المؤمنين. أي وإذا كنت أيها النبي في المؤمنين في غزواتهم وخوفهم.
(فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا).
أي فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك.
(فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم).
جائز أن يكون - واللّه أعلم - ولتأخذ الجماعة حذرهم وأسلحتهم.
ويجوز أن يكون الذين هم وجاه العدو يأخذون أسلحتهم، لأن من في الصلاة غير مقاتل، وجائز أن تكون الجماعة أمرت بحمل السلاح وإن كان بعضها لا يقاتل لأنه أرهب للعدو وأحرى ألا يقدم على الحذرين المتيقظين المتاهبين للحرب في كل حال.
وقد اختلف الناس في صلاة الخوف فزعم مالك بن أنس أن أحب ما روي فيها إليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي وقامت خلفه طائفة من المؤمنين وطائفة وجاه العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وقام فأتمت الطائفة بركعة أخرى وسلّمت، وهو - صلى الله عليه وسلم - واقف، ثم انصرفت وقامت وجاه العدو، والنبي - صلى الله عليه وسلم – واقف في الصلاة، وأتت الطائفة التي كانت وجاه العدو، فصلّى بهم ركعة ثانية له، وهي الأولى لهذه الطائفة الأخرى - وجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاموا فصلوا ركعة ثانية وحدهم وهو - صلى الله عليه وسلم - قاعد، وقعدوا في الثانية فسلم وسلموا بتسليمه، فصلت كل طائفة منهم ركعتين، وصلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين.
وقال مالك: هذا أحب ما روي في صلاة الخوف إليّ.
وأمّا أسلحة فجمع سلاح مثل حمار وأحمرة. وسلاح اسم لجملة ما يدفع الناس به عن أنفسهم في الحروب مما يقاتل به خاصّة، لا يقال للدواب وما أشبهها سلاح.
فأمّا (وليأخذوا) فالقراءة على سكون اللام -.. (وليأخذوا)
و(وليأخذوا) هو الأصل بالكسر إلا أن الكسر استثقل فيحذف استخفافا.
وحكى الفراء أن لام الأمر قد فتحها بعض العرب في قولك ليجلس.
فقالوا لنجلس ففتحوا، وهذا خطأ،. لا يجوز فتح لام الأمر لئلا تشبه لام التوكيد.
وقد حكى بعض البصريين فتح لام الجر نحو قولك: المال لزيد.
تقول: المال لزيد وهذه الحكاية في الشذوذ كالأولى، لأن الإجماع والروايات الصحيحة كسر لام الجر ولام الأمر، ولا يلتفت إلى الشذوذ، خاصة إذا لم يروه النحويون القدماء الذين هم أصل الرواية، وجميع من ذكرنا من الذين رووا هذا الشاذ عندنا صادقون في الرواية، إلا أن الذي سمع منهم مخطئ.
وقوله: (ولا جناح عليكم) الجناح الإثم، وتأويله من جنحت إذا عدلت عن المكان أي أخذت جانبا عن القصد، فتأويل لا جناح عليكم أي لا تعدلون عن الحق إن وضعتم أسلحتكم.
(إن كان بكم أذى من مطر).
و (أذى) مقصورة، تقول أذى يأذى أذى، مثل فزع يفزع فزعا.
وموضع (أن تضعوا) نصب. أي لا إثم عليكم في أن تضعوا، فلما سقطت " في " عمل ما قبل (أن) فيها، ويجوز أن يكون موضعها جرا بمعنى في).
[معاني القرآن: 2/97-99]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون إنها ستجيء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة إليه وكرهنا الإطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى وإذا كنت فيهم وثم خوف). [معاني القرآن: 2/179-180]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم} والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم). [معاني القرآن: 2/180]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم}
وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف إلى حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الإمام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون). [معاني القرآن: 2/180-181]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} يجوز أن يكون هذا للجميع لأنه وإن كان الذين في الصلاة لا يحاربون فإنهم إذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لأن المصلي لا يحارب). [معاني القرآن: 2/181-182]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإذا اطمئننتم) من السفر أو الخوف.
(فأقيموا الصّلاة) أي أتمّوها.
(كتاباً موقوتاً) أي موقّتاً وقّته الله عليهم.
(تألمون) توجعون، قال أبو قيس بن الأسلت:
لا نألم الحرب ونجزى بها الـ... أعداء كيل الصّاع بالصّاع). [مجاز القرآن: 1/138-139]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({موقوتا}: مفروضا موجبا وقته وقتها الله عليهم). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا اطمأننتم} أي من السفر والخوف.
{فأقيموا الصّلاة} أي أتموها.
{إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي موقتا. يقال: وقّته اللّه عليهم ووقته، أي جعله لأوقات، ومنه: {وإذا الرّسل أقّتت} ووقتت أيضا، مخففة). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (103)
يعني به صلاة الخوف هذه.
(فاذكروا الله قياما وقعودا).
أي أذكروه بتوحيده وشكره وتسبيحه، وكل ما يمكن أن يتقرب به منه.
وقوله جلّ وعزّ: (فإذا اطمأننتم).
أي إذا سكنت قلوبكم، ويقال اطمأن الشيء إذا سكن وطأمنته وطمأنته إذا سكنته، وقد روي " اطبان " بالباء ولكن لا تقرأ بها لأن المصحف لا يخالف ألبتّة.
وقوله: (فأقيموا الصّلاة).
أي فأتموا، لأنهم جعل لهم في الخوف قصرها، وأمروا في الأمن بإتمامها.
وقوله: (إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)
أي مفروضا مؤقتا فرضه). [معاني القرآن: 2/99]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه). [معاني القرآن: 2/182]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا اطمأننتم} قال مجاهد فإذا صرتم في الأهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن إذا سكن فيكون المعنى فإذا سكن عنكم الخوف وصرتم إلى منازلكم فأقيموا الصلاة قال مجاهد أي فأتموها).
[معاني القرآن: 2/182-183]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه). [معاني القرآن: 2/183]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (على المؤمنين كتابا موقوتا) أي: فرضا مفروضا في أوقات معلومة).
[ياقوتة الصراط: 202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كِتَابًا مَّوْقُوتًا} أي فرضا موقتا، أي لها أوقات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مَّوْقُوتاً}: مفروضا). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وترجون من اللّه ما لا يرجون...}
قال بعض المفّسرين: معنى ترجون: تخافون. ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد. فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف، وكان الرجاء كذلك؛ كقوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيّام الله} هذه: للذين لا يخافون أيام الله، وكذلك قوله: {ما لكم لا ترجون للّه وقارا}: لا تخافون لله عظمة. وهي لغة حجازية. وقال الراجز:
لا ترتجي حين تلاقي الذائدا * أسبعة لاقت معا أم واحدا
وقال الهدليّ:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وخالفها في بيت نوب عوامل
ولا يجوز: رجوتك وأنت تريد: خفتك، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك). [معاني القرآن: 1/286]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليماً حكيماً}
قال: {إن تكونوا تألمون} أي. تيجعون. تقول: "ألم" "يألم" "ألما"). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({تألمون}: توجعون. الألم الوجع). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تهنوا} لا تضعفوا. {في ابتغاء القوم} أي في طلبهم). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليما حكيما (104)
هذا خطاب للمؤمنين، والقوم ههنا الكفار الذين هم حرب المؤمنين.
وتأويل: (لا تهنوا) في اللغة لا تضعفوا، يقال وهن الرجل يهن إذا ضعف فهو وهن. ومعنى (ابتغاء القوم): طلب القوم بالحرب.
وقوله: (إن تكونوا تألمون فإنّهم).
أي إن تكونوا توجعون فإنهم يجدون من الوجع بما ينالهم من الجراح والتعب كما تجدون، وأنتم مع ذلك (ترجون من الله ما لا يرجون).
أي أنتم ترجون النصر الذي وعدكم الله به، وإظهار دينكم على سائر أديان أهل الملل المخالفة لأهل الإسلام وترجون مع ذلك الجنة، وهم – أعني المشركين – لا يرجون الجنة لأنهم كانوا غير مقرين بالبعث فأنتم ترجون من الله ما لا يرجون.
قال بعض أهل التفسير: معنى " ترجون " ههنا تخافون، وأجمع أهل اللغة الموثوق بعلمهم: أن الرجاء ههنا على معنى الأمل لا على تصريح الخوف.
وقال بعضهم: الرجاء لا يكون بمعنى الخوف إلا مع الجحد.
قال الشاعر:
لا ترتجى حين تلاقي الذّائدا... أسبعة لاقت معا أم واحدا
معناه لا تخاف.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: (ما لكم لا ترجون للّه وقارا (13).
أي لا تخافون للّه عظمة ولا عظة.
وإنما اشتمل الرجاء على معنى الخوف لأن الرجاء أمل قد يخاف ألّا يتمّ). [معاني القرآن: 2/100]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا). [معاني القرآن: 2/184]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون} قال الضحاك أي تشكون وترجون من الله ما لا يرجون قال الضحاك أي في جراحاتكم يعني من الأجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون). [معاني القرآن: 2/184]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلاَ تَهِنُواْ} أي ولا تضعفوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يَأْلَمُونَ}: من الوجع). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} أي: علمك الله). [تأويل مشكل القرآن: 499]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه ولا تكن للخائنين خصيما (105)
أي بالحق الذي أعلمكه اللّه عزّ وجلّ.
وقوله: (ولا تكن للخائنين خصيما):
أي لا تكن مخاصما ولا دافعا عن خائن.
ويروى أن رجلا من الأنصار كان يقال له أبو طعمة أو طعمة سرق درعا وجعله في غرارة دقيق، وكان فيها خرق، فانتثر الدقيق من مكان سرقته إلى منزله فظنّ به أنه سارق الدرع وحيص في أمره، فمضى بالدرع إلى رجل من اليهود فأودعها إياه ثم صار إلى قومه فأعلمه أنه لما اتهم بالدرع اتبع أثرها فعلم أنها عند اليهودي، وأن اليهودي سارقها، فجاء قومه أي طعمة أو طعمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه أن يعذره عند الناس، وأعلموه أن اليهودي صاحب الدرع، وكان بعضهم قد علم أن أبا طعمة قد رمى اليهودي وهو بريء من الدرع، فهمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذره، فأوحى اللّه إليه وعرفه قصته أي طعمة وأعلمه أنه خائن، ونهاه أن يحتج له، وأمره بالاستغفار مما هم به، وأن يحكم بما أنزل اللّه في كتابه، فقال:
(ولا تجادل عن الّذين يختانون أنفسهم إنّ اللّه لا يحبّ من كان خوّانا أثيما (107)
يعني أبا طعمة ومن عاونه من قومه، وهم يعلمون أنه سارق.
ويروى أن أبا طعمة هذا هرب إلى مكة وارتد عن الإسلام، وأنه نقب حائطا بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله). [معاني القرآن: 2/101]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} قال مجاهد كان رجل من الأنصار يقال له ابن أبيرق واسمه طعمة سرق درعا فلما فطن به استودعها عند رجل من اليهود وادعى أن اليهودي أخذها فجاء قومه يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذره فأنزل الله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} إلى قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم}). [معاني القرآن: 2/185]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (والجدال في اللغة أشد الخصومة ويقال رجل أجدل إذا كان شديدا ويقال للصقر أجدل لأنه من أقوى الطير). [معاني القرآن: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يستخفون من النّاس ولا يستخفون من اللّه وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول وكان اللّه بما يعملون محيطا (108)
(إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول)
كل ما فكّر فيه أو خيض فيه بليل فقد بيّت.
يعني به هذا السارق، والذي بيّت من القوم أن قال: أرمي اليهودي بأنه سارق الدرع، وأحلف أني لم أسرقها، فتقبل يميني لأني على ديني، ولا تقبل يمين اليهودي. فهذا ما بيّت من القول واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/101-102]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} أي يحكمونه ليلا). [معاني القرآن: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدّنيا فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة أم مّن يكون عليهم وكيلاً}
قال: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم} فرد التنبيه مرتين كما قال: {ها أنتم هؤلاء تدعون} أراد التوكيد). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدّنيا فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109)
يعني به من احتج عن هذا السارق.
(فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة).
أي في اليوم الذي يؤخذ فيه بالحقائق، وأمر الدّنيا يقوم بالشهادات في الحقوق.
وجائز أن تكون الشهادة غير حقيقة، فكأنّه - واللّه أعلم - قيل لهم إن يقم الجدال في الدنيا والتغييب عن أمر هذا السارق، فيوم القيامة لا ينفع فيه جدال ولا شهادة.
ومعنى قوله " ها أنتم " ها للتنبيه، وأعيدت في أولاء. والمعنى – واللّه اعلم - ها أنتم الذين جادلتم، لأن " هؤلاء " و " هذا " يكونان في الإشارة للمخاطبين بمنزلة الذين، نحو قول الشاعر:
وهذا تحملين طليق
أي والذي تحملينه طليق.
وأصل المجادلة والجدال في اللغة شدة المخاصمة، والجدل شدة القتل، ورجل مجدول، أي كأنّه قد قتل، والأجدل الصقر، يقال له أجدل لأنه من أشد الطيور قوة). [معاني القرآن: 2/102]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} أي يوم تظهر الحقائق وإنما يحكم في الدنيا بما يظهر قال أبو جعفر قال أبو إسحاق المعنى ها أنتم الذين يذهب إلى أن هؤلاء بمعنى الذين). [معاني القرآن: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن التوبة مبذولة في كل ذنب دون الشرك فقال جلّ ثناؤه: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما (110)
أي يسأله المغفرة مع إقلاع، لأنه إذا كان مقيما على الإصرار فليس بتائب). [معاني القرآن: 2/102-103]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} أي استغفار غير عائد لأنه إذا عزم على العودة فليس بتائب). [معاني القرآن: 2/187]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يكسب إثما فإنّما يكسبه على نفسه وكان اللّه عليما حكيما (111)
ولا يؤخذ الإثم بالإثم). [معاني القرآن: 2/103]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه} أي عقابه يرجع عليه). [معاني القرآن: 2/187]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً...}
يقال: كيف قال "به" وقد ذكر الخطيئة والإثم؟. وذلك جائز أن يكنى عن الفعلين وأحدهما مؤنّث بالتذكير والتوحيد، ولو كثر لجاز الكناية عنه بالتوحيد؛ لأن الأفاعيل يقع عليها فعل واحد، فلذلك جاز. فإن شئت ضممت الخطيئة والإثم فجعلته كالواحد. وإن شئت جعلت الهاء للإثم خاصّة؛ كما قال {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها} فجعله للتجارة. وفي قراءة عبد الله (وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضّوا إليها) فجعله للتجارة في تقديمها وتأخيرها. ولو أتى بالتذكير فجعلا كالفعل الواحد لجاز. ولو ذكّر على نيّة اللهو لجاز. وقال {إن يكن غنيّاً أو فقيرا فاللّه أولى بهما} فثنّى. فلو أتى في الخطيئة واللهو والإثم والتجارة مثنى لجاز. وفي قراءة أبيّ (إن يكن غني أو فقير فالله أولى بهم) وفي قراءة عبد الله (إن يكن غنيّ أو فقير فالله أولى بهما) فأمّا قول أبيّ (بهم) فإنه كقوله: {وكم من ملكٍ في السموات لا تغني شفاعتهم} ذهب إلى الجمع، كذلك جاء في قراءة أبيّ، لأنه قد ذكرهم جميعا ثم وحّد الغنيّ والفقير وهما في مذهب الجمع؛ كما تقول: أصبح الناس صائما ومفطرا، فأدّى اثنان عن معنى الجمع).
[معاني القرآن: 1/286-287]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً) : وقع اللفظ على الإثم فذكّره، هذا في لغة من خبّر عن آخر الكلمتين). [مجاز القرآن: 1/139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً} أي يقذف بما جناه بريئا منه).
[تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا).
قيل (إثما) لأن اللّه قد سمّى بعض المعاصي خطايا، وسمى بعضها آثاما.
فأعلم الله جلّ وعزّ أن من كسب خطيئة، ويقع عليها اسم الإثم أو اسم الخطيئة، ثم رمى به من لم يعلمه وهو منه بريء..
(فقد احتمل بهتانا).
و" البهتان " الكذب الذي يتحير من عظمه وبيانه، يقال قد بهت فلان فلانا إذا كذب عليه، وقد بهت الرجل يبهت إذا تحيّر قال اللّه عزّ وجلّ: (فبهت الّذي كفر).
ويجوز أن يكون - والله أعلم - (ومن يكسب خطيئة أو إثما) أي من يقع عليه خطأ نحو قتل الخطأ الذي يقع فيه القوم ولا إثم فيه.
فيكون أن يرمي بذلك غيره فقد احتمل بهتانا). [معاني القرآن: 2/103]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا} قال سعيد بن جبير نزلت في ابن أبيرق لما رمى اليهودي بالدرع التي سرقها). [معاني القرآن: 2/187]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لهمّت طّائفةٌ...} يريد: لقد همت طائفة فأضمرت.
وقوله: {أن يضلّوك}: يخطّئوك في حكمك). [معاني القرآن: 1/287]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلّا أنفسهم وما يضرّونك من شيء وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيما (113)
هذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والطائفة هم طعمة هذا السارق، لأن بعضهم قد كان وقف على أنه سارق، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذره.
فالتأويل - واللّه أعلم - لولا فضل اللّه عليك ورحمته بما أوحى إليك.
وأعلمك أمر هذا السارق لهمّت طائفة أن يضلوك، والمعنى في همّت طائفة منهم أن يضلوك. أي، فبفضل اللّه ورحمته صرف اللّه عنك أن تعمل ما همّت به الطائفة.
وقال بعضهم معنى " أن يضلوك " أن يخطّئوك في حكمك.
وقوله جلّ وعزّ: (وما يضلّون إلّا أنفسهم).
أي لأنهم هم يعملون عمل الضالين.
واللّه يعصم نبيه - صلى الله عليه وسلم - من متابعتهم.
والإضلال راجع عليهم وواقع بهم.
وقوله: (وما يضرّونك من شيء).
أي مع عصمة اللّه إياك، ونصره دينه دين الحق.
وقوله: (وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة).
أي بين في كتابه ما فيه الحكمة التي لا يقع لك معها ضلال). [معاني القرآن: 2/103-104]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا} البهتان الكذب الذي يتحير من عظمه). [معاني القرآن: 2/188]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولولا فضل الله عليك ورحمته} أي بأنه أوحي إليك ما فعله ابن أبيرق لهمت طائفة منهم أن يضلوك أي يخطئوك في الحكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي لأنك معصوم). [معاني القرآن: 2/188]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} أي أنزل عليك الكتاب بالحكمة في أمر ابن أبيرق). [معاني القرآن: 2/188-189]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 114 إلى 134]

{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}

تفسير قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ...}
(من) في موضع خفض ونصب؛ الخفض: إلا فيمن أمر بصدقة. والنجوى هنا رجال؛ كما قال {وإذ هم نجوى} ومن جعل النجوى فعلا كما قال {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ} فـ (من) حينئذ في موضع رفع. وأمّا النصب فأن تجعل النجوى فعلا. فإذا استثنيت الشيء من خلافه كان الوجه النصب، كما قال الشاعر:
وقفت فيها أصيلاناً أسائلها * عيّت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأياً ما أبيّنها * والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
وقد يكون في موضع رفع وإن ردّت على خلافها؛ كما قال الشاعر:
وبلد ليس به أنيس * إلا اليعافير وإلاّ العيس). [معاني القرآن: 1/287-288]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ) فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس من نجواهم التي لا خير فيها. إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنّجوى: فعل، ومن: اسمٌ، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي... على وعلٍ في ذي القفارة عاقل
والمخافة: فعل، والوعل اسم؛ وفي آية أخرى: (ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله) فالبرّ ها هنا مصدر، و(من) في هذا الموضع اسم). [مجاز القرآن: 1/139-140]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}
[و] قال: {لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ} يقول: "إلاّ في نجوى من أمر بصدقةً"). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (لا خير في كثير من نجواهم إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما (114)
النجوي في الكلام ما تنفرد به الجماعة أو الاثنان سرا كان أو ظاهرا.
ومعنى نجوت الشيء في اللغة خلّصته وألقيته، يقال نجوت الجلد إذا ألقيته عن البعير وغيره.
قال الشاعر:
فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه... سيرضيكما منها سنام وغاربه
وقد نجوت فلانا إذا استنكهته.
قال الشاعر:
نجوت مجالدا فوجدت منه... كريح الكلب مات حديث عهد
ونجوت الوبر واستنجيته إذا خلصته.
قال الشاعر:
فتبازت فتبازخت لها... جلسة الأعسر يستنجي الوتر
وأصله كله من النجوة، وهو ما ارتفع من الأرض
قال الشاعر:
فمن بنجوته كمن بعقوته... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح
ويقال: ما أنجى فلان شيئا وما نجا شيئا منذ أيام، أي لم يدخل الغائط.
والمعنى واللّه أعلم: لا خير في كثير من نجواهم، أي مما يدبرونه بينهم من الكلام.
(إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس).
فيجوز أن يكون موضع " من " خفضا، المعنى إلا في نجوى من صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - استثناء ليس من الأول ويكون موضعها نصبا، ويكون على معنى لكن من أمر بصدقة أو معروف ففي نجواه خير. وأعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك إنما ينفع من ابتغى به ما عند اللّه فقال:
(ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما).
ومعنى (ابتغاء مرضات اللّه) طلب مرضاة اللّه.
ونصب (ابتغاء مرضات اللّه) لأنه مفعول له.
المعنى ومن يفعل ذلك لابتغاء مرضاة اللّه، وهو راجع إلى تأويل المصدر، كأنه قال: ومن يبتغ ابتغاء مرضاة اللّه). [معاني القرآن: 2/104-106]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {لا خير في كثير من نجواهم} النجوى كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا). [معاني القرآن: 2/189]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إلا من أمر بصدقة} يجوز أن يكون المعنى إلا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأول ويكون المعنى لكن من أمر بصدقة في نجواه خيرا). [معاني القرآن: 2/189]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مِنْ نجوَاهُم) النجوى الجماعة والنجوى: الكلام الخفي). [ياقوتة الصراط: 202]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم عاد الأمر إلى ذكر طعمة هذا ومن أشبهه فقال:
(ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا (115)
لأن طعمة هذا كان قد تبين لصه ما أوحى اللّه إلى نبيه في أمره، وأظهر من سرقته في الآية ما فيه بلاغ، فعادى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصار إلى مكة، وأقام مع المشركين.
ومعنى (نولّه ما تولّى) ندعة وما اختار لنفسه في الدنيا لأن اللّه جلّ وعزّ وعد بالعذاب في الآخرة، وأعلم تعالى أنه لا يغفر الشرك، وذكر قبل هذه الآية: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما (110).
وأعلم بعدها أن الشرك لا يجوز أن يغفره ما أقام المشرك عليه، فإن قال قائل فإنما قال: (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به) فإن سمّي رجل كافرا ولم يشرك مع اللّه غيره فهو خارج عن قوله: (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به)؟
فالجواب في هذا أن كل كافر مشرك باللّه لأن الكافر إذا كفر بنبي فقد زعم أن الآيات التي أتى بها ليست من عند اللّه، فيجعل ما لا يكون إلا لله لغير اللّه فيصير مشركا. فكل كافر مشرك.
فالمعنى أن الله لا يغفر كفر من كفر به وبنبيّ من أنبيائه لأن كفره بنبيه كفر به.
(ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالا بعيدا).
لأن جعله مع اللّه غيره من أبعد الضلال والعمى، وهذا أكثر ما جرى ههنا من أجل الذين عبدوا الأصنام.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ بعقب هذا:
(إن يدعون من دونه إلّا إناثا)
فأمّا (نولّه ما تولّى ونصله جهنّم).
ففيها أوجه، يجوز فيها نولهي - بإثبات الياء، ويجوز نولهو بإثبات الواو: ويجوز " نوله " بكسر الهاء، فأما " نوله " - بإسكان الهاء و " نصله جهنم "، فلا يجوز إسكان الهاء لأن الهاء حقها أن يكون معها - ياء، وأما حذف الياء فضعيف فيها، ولا يجوز حذف الياء ولا تبقى الكسرة التي تدل عليها). [معاني القرآن: 2/106-107]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يشاقق الرسول} أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب إلى المشركين فارتد فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إلى قوله: {فقد ضل ضلالا بعيدا}). [معاني القرآن: 2/190-191]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يشاقق الرسول} أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب إلى المشركين فارتد فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إلى قوله: {فقد ضل ضلالا بعيدا}). [معاني القرآن: 2/190-191] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً...}
يقول: اللات والعزّى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. وقد قرأ ابن عباس {إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً} جمع الوثن فضم الواو فهمزها، كما قال {وإذا الرّسل أقّتت}
وقد قرئت (إن يدعون من دونه إلا أنثا) جمع الإناث، فيكون مثل جمع الثمار والثمر {كلوا من ثمره}). [معاني القرآن: 1/288-289]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً) إلا الموات؛ حجراً أو مدراً أو ما أشبه ذلك.
(شيطاناً مريداً) أي متمرداً). [مجاز القرآن: 1/140]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن يدعون من دونه إلّا إناثاً} يعني اللات والعزّى ومناة.
{وإن يدعون إلّا شيطاناً مريداً} أي ماردا. مثل قدير وقادر، والمارد: العاتي). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا (117)
إن يدعون تقرأ إلا أنثا، وإلا أثنا - بتقديم الثاء، وتأخيرها. فمن قال أناث فهو جمع أنثى وإناث، ومن قال أنث فهو جمع إناث، لأن إناثا على وزن مثال، وإناث وأنث مثل مثال ومثل. ومن قال أثنا فإنه جمع وثن.
والأصل وثن، إلا أنّ الواو إذا انضمّت يجوز إبدالها همزة، كقوله تعالى: (وإذا الرّسل أقتت) الأصل وقّتت، ومثال وثن في الجمع مثل سقف.
وجائز - أن يكون اثن مثل أسد وأسد، وجائز أن يكون اثن أصلها اثن، فاتبعت الضمّة الضمّة.
وقوله جلّ وعزّ: (وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا).
يعني به إبليس لأنهم إذا أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه، ويدعون في معنى يعبدون، لأنهم إذا دعوا اللّه مخلصين فقد عبدوه.
وكذلك قوله: (وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم) أي اعبدوني.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: (إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي).
ومعنى (مريدا) أي خارج عن الطاعة متملص منها، ويقال " شجرة مرداء.
إذا تناثر ورقها، ومن ذلك يسمى من لم تنبت له لحية أمرد أي أملس موضع اللحية، وقد مرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة).
[معاني القرآن: 2/108]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن يدعون من دونه إلا إناثا} قال مجاهد يعني الأوثان وعن أبي مع كل صنم جنية وقال أهل اللغة إنما سميت إناثا لأنهم سموها اللات والعزى ومناة وهذا عندهم إناث وقال الحسن أي ما يعبدون إلا حجارة وخشبا
قال وكان لكل حي صنم يعبدونه فيقال أنثى بني فلان فأنزل الله هذا وهذا قول حسن في اللغة لأن هذه الأشياء يخبر عنها بالتأنيث يقال الحجارة يعجبنه ولا يقال يعجبونه وروي عن ابن عباس أنه قرأ (إن يدعون من دونه إلا أثنا) وهذا جمع الجمع كأنه جمع وثنا على وثان كما تقول مثال ومثل ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت كما قال جل وعز: {وإذا الرسل أقتت} من الوقت وقرئ (إن يدعون من دونه إلا أنثا) وهو جمع إناث). [معاني القرآن: 2/191-192]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله} فالمريد الخارج من الخير المتجرد منه وأمرد من هذا وقيل المريد الممتد في الشر من قولهم بيت ممرد أي مطول). [معاني القرآن: 2/193]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِلاَّ إِنَاثًا} يعني اللات وعزى ومناة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]

تفسير قوله تعالى: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {نصيباً مّفروضاً...} جعل الله له عليه السبيل؛ فهو كالمفروض). [معاني القرآن: 1/289]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نصيباً مفروضاً} أي حظا افترضته لنفسي منهم فأضلهم). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبا مفروضا (118)
قيل في مفروض إن معناه مؤقت، وجاء في بعض التفسير من كل ألف واحد للّه وسائرهم لإبليس.
ومعنى مفروض - واللّه أعلم - أي أفترضه على نفسي وأصل الفرض في اللغة القطع، والفرضة الثلمة تكون في النهر، يقال سقاها بالفراض وبالفرض، والفرض الحز الذي يكون في المسواك يشد فيه الخيط، والفرض في القوس الحز الذي يشدّ فيه الوتر، والفريضة في سائر ما افترض ما أمر الله به العباد فجعله أمرا حتما عليهم قاطعا، وكذلك قوله: (وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم) أي جعلتم لهنّ قطعة من المال وقد فرضت الرجل جعلت له قطعة من مال الفيء.
فأما قول الشاعر:
إذا أكلت سمكا وفرضا... ذهبت طولا وذهبت عرضا
فالفرض ههنا التمر، وإنما سمي التمر فرضا لأنه يؤخذ في فراض الصدقة). [معاني القرآن: 2/108-109]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ومعنى لعنه باعده من رحمته. ثم قال جل وعز: {وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} أي موقتا وهو من فرضت أي قطعت). [معاني القرآن: 2/193]

تفسير قوله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولأضلّنّهم...} وفي قراءة أبيّ "وأضلهم وأمنّيهم"). [معاني القرآن: 1/289]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فليبتّكنّ آذان الأنعام)، بتكه: قطعه). [مجاز القرآن: 1/140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فليبتكن آذان الأنعام}: يقطعونها بتكة قطعة). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فليبتّكنّ آذان الأنعام} أي يقطعونها ويشقّونها. يقال: بتكه، إذا فعل ذلك به.
{فليغيّرنّ خلق اللّه} يقال: دين اللّه. ويقال لا، يغيرون خلقه بالخصاء وقطع الآذان وفقء العيون. وأشباه ذلك). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والخلق: الدّين، كقوله تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، أي لدين الله.
وقال تعالى: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}، أي دينه: ويقال:
تغيير خلقه بالخصاء وبتك الآذان، وأشباه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 507]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليّا من دون اللّه فقد خسر خسرانا مبينا (119)
(ولأمنّينّهم).
أي أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون من الآخرة حظا.
كما قال: (وزيّن لهم الشيطان أعمالهم).
(ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام).
كأنه - واللّه أعلم - ولآمرنهم بتبتيك آذان الأنعام فليبتكن، أي يشققن، يقال بتكت الشيء أبتكه بتكا إذا قطعته، وبتكة وبتك، مثل قطعة وقطع، وهذا في البحيرة، كانت الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن فكان الخامس ذكرا شقوا أذن الناقة وامتنعوا من الانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا
مرعى، وإذا لقيها المعي لم يركبها. فهذا تأويل (فليبتّكنّ آذان الأنعام).
سوّل لهم إبليس أن في تركها لا ينتفع بها قربة إلى الله.
(ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه).
قيل إن معناه أن الله خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والأرض والحجارة سخرة للناس ينتفعون بها فعبدها المشركون، فغيروا خلق اللّه، أي دين اللّه، لأن الله فطر الخلق على الإسلام، خلقهم من بطن آدم كالذر، وأشهدهم أنه ربهم فآمنوا، فمن كفر فقد غير فطرة الله التي فطر الناس عليها.
فأمّا قوله: (لا تبديل لخلق الله)، فإنّ معناه ما خلقه الله هو الصحيح، لا يقدر أحد أن يبدل معنى صحة الدين.
وقال بعضهم: (فليغيّرنّ خلق اللّه) هو الخصاء لأن الذي يخصي الفحل قد غير خلق اللّه.
ومعنى (إن يدعون من دونه إلّا إناثا).
أي ما يعبدون إلا ما قد سموه باسم الإناث، يعني به المشركون، سمّوا الأصنام اللات والعزى ومناة، وما أشبهه، وقيل إن معنى قوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا) أي مواتا، والموات كلها يخبر عنها كما يخبر عن المؤنث، تقول من ذلك: هذه الأحجار تعجبني، ولا تقول يعجبونني، وكذلك الدراهم تنفعني). [معاني القرآن: 2/109-110]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولأضلنهم ولأمنينهم} أي ولأوهمنهم أن لهم حظا في المخالفة).
[معاني القرآن: 2/194]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} يقال بتك إذا قطع قال قتادة يعني البحيرة والبحيرة الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها
والتقدير في العربية ولآمرنهم بتبتيك آذان الأنعام). [معاني القرآن: 2/194-195]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} عن ابن عباس دين الله وعنه أيضا الخصاء وكذلك روي عن أنس وقال سعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم والضحاك وقتادة يعني دين الله وزاد مجاهد يعني الفطرة أي أنهم ولدوا على الإسلام وأمرهم الشيطان بتغييره
وروي عن عكرمة قولان: أحدهما أنه الخصاء والآخر أنه دين الله وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنها ترجع إلى الأفعال فأما قوله: {لا تبديل لخلق الله} وقال ههنا فليغيرن خلق الله فإن التبديل هو بطلان عين الشيء فهو ههنا مخالف للتغيير وقال محمد بن جرير أولاهما أنه دين الله وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي أي فليغيرن ما خلق الله من دينه). [معاني القرآن: 2/195-197]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (فليبتكن آذان الأنعام) أي: فليقطعن آذان الإبل). [ياقوتة الصراط: 203]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (فليغيرن خلق الله) قال: يعني: الإخصاء.
(قيلا) أي: قولا). [ياقوتة الصراط: 203]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} أي يقطعونها، ويشقونها.
{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} أي دين الله، وقيل: يغيرونه بالخصاء وقطع الآذان ونحوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَلَيُبَتِّكُنَّ}: يقطعن). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)}

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (محيصاً) (120)، حاص عنه: عدل عنه). [مجاز القرآن: 1/140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({محيصا}: معدلا حاص عن الطريق عدل عنه). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصا (121)
(ولا يجدون عنها محيصا).
أي لا يجدون عنها معدلا ولا ملجأ.
يقال حصت عن الرجل أحيص، ورووا جضت عنه أجيض بالجيم والضاد المعجمة، بمعنى حصت، ولا يجوز ذلك في القرآن، وإن كان المعنى واحدا والخط غير مخالف، لأن القرآن سنة لا تخالف فيه الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف وقراء الأمصار بما يجوز في النحو واللغة، وما فيه أفصح ممّا يجوز. فالاتباع فيه أولى.
يقال حصت أحوص حوصا وحياصا، إذا خطت، قال الأصمعي: يقال حص عين صقرك أي خط عينه، والحوص في العين ضيق مؤخرها.
والخوص بالخاء - معجمة - غؤورها). [معاني القرآن: 2/110-111]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا} المحيص في اللغة المعدل والملجأ يقال حصت وجضت وعدلت بمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مَحِيصاً}: معدلا). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن أصدق من الله قيلاً) أو (قولا) واحد). [مجاز القرآن: 1/140]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123)
اسم ليس مضمر، المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، وقد جرى ما يدل على إضمار الثواب، وهو قوله: (والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد اللّه حقّا).
أي إنما يدخل الجنة من آمن وعمل صالحا. ليس كما يتمنى أهل الكتاب، لأنهم كانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه.
وقالوا: (لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة)، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن دخول الجنة وثواب الله على الحسنات والسيئات ليس بالأماني ولكنه بالأعمال.
ثم ذكر بعض ذلك فقال عزّ وجلّ: (من يعمل سوءا يجز به).
أي لا ينفعه تمنيه.
(ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرا (124)
فأعلم الله أن عامل السوء لا ينفعه تمنيه، ولا يتولاه فتول ولا ينصره ناصر.
وقد احتج قوم من أصحاب الوعيد بقوله: (ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا).
فزعموا أن هذا يدل على أن من عمل السوء جزي به). [معاني القرآن: 2/111-112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار}).[معاني القرآن: 2/197]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من يعمل سوءا يجز به} روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فإنه لا تصيب أحدا منكم مصيبة إلا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من يعمل سوء يجز به يقول من يشرك به وهو السوء إلا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن من يعمل سوء يجز به قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هو أنه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة
ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق لـ «نكفر» لأن معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها). [معاني القرآن: 2/198-200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قول الله عز وجل: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}،{وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة. والنّقير: النّقرة في ظهرها.
ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.
وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا). [تأويل مشكل القرآن: 138] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقد أعلم اللّه عزّ وجلّ أنّه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، فعامل السوء - ما لم يكن كافرا - مرجو له العفو والرحمة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - شافع لأمته يشفع فيهم.
ومعنى: (ولا يظلمون نقيرا).
النقير النقطة في ظهر النواة، وهي منبت النخلة، والمعنى: ولا يظلمون مقدار ذلك). [معاني القرآن: 2/112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يظلمون نقيرا} المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التي تكون في النواة يقال إن النخلة تنبت منها). [معاني القرآن: 2/200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً...}
يقول القائل: ما هذه الخلّة؟ فذكر أنّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يضيف الضيفان ويطعم الطعام، فأصاب الناس سنة جدب فعزّ الطعام. فبعث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إلى خليل له بمصر كانت الميرة من عنده، فبعث غلمانه معهم الغرائر والإبل ليميره، فردّهم وقال: إبراهيم لا يريد هذا لنفسه، إنما يريده لغيره. قال: فرجع غلمانه، فمرّوا ببطحاء لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر؛ استحياء من أن يردّوها فارغة، فردّوا على إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر وامرأته نائمة، فوقع عليه النوم همّا، وانتبهت والناس على الباب يلتمسون الطعام. فقالت للخبّازين: افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا، ففتحوها فإذا أطيب طعام، فعجنوا واختبزوا. وانتبه إبراهيم صلى الله عليه وسلم فوجد ريح الطعام، فقال: من أين هذا؟ فقالت امرأة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: هذا من عند خليلك المصريّ. قال فقال إبراهيم: هذا من عند خليلي الله لا من عند خليلي المصريّ. قال: فذلك خلّته). [معاني القرآن: 1/289-290]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا (125)
وقوله: (واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا).
الخليل المحب الذي ليس في محبته خلل فجائز أن يكون إبراهيم سمى خليل الله بأنّه الذي أحبه الله واصطفاه محبة تامّة كاملة.
وقيل أيضا الخليل الفقير، فجائز أن يكون فقير اللّه، أي الذي لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله مخلصا في ذلك، قال الله عزّ وجلّ: (يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى اللّه).
ومثل أن إبراهيم الخليل الفقير إلى اللّه قول زهير يمدح هرم بن سنان:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة... يقول لا غائب مالي ولا حرم
وجاء في التفسير أن إبراهيم كان يضيف الضيفان ويطعم المساكين الطعام، وأصاب الناس جدب فبعث إلى خليل له كان بمصر يمتار منه.
فقال ذلك الخليل لنفسه: لو كان إبراهيم إنما يريد الميرة لنفسه لوجهت إليه بها، ولكنه يريدها للناس فرجع غلمان إبراهيم بغير ميرة، فاجتازوا ببطحاء ليّنة فأخذوا من رمل كان فيها وجعلوه في أوعيتهم استحياء من الناس أن يرجعوا بغير شيء، فلما رآهم عليه السلام، سألهم عن الخبر فأعلموه، فحملته عينه فنام مهموما، وانتبهت امرأته وقد بصرت بالأوعية مملوءة، فأمرت بأن يخرج منها ويخبز فأخرج منها طعام في غاية الحسن فاختبز، وانتبه إبراهيم وشئمّ رائحة الطعام، فقال: من أين هذا؟
فقالت امرأته من عد خليلك المصري.
فقال إبراهيم هذا من عند خليلي اللّه عزّ وجلّ.
فهذا ما روي في التفسير وهو من آيات الأنبياء عليهم السلام غير منكر. والذي فسرنا من الاشتقاق لا يخالف هذا.
والخلة الصداقة، والخلة الحاجة.
فأمّا معنى الحاجة فإنه الاختلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه.
وأمّا الخلة الصداقة فمعناها إنّه يسد كل محب خلل صاحبه في المودة وفي الحاجة إليه، والخلل كل فرجة تقع في شيء، والخلال الذي يتخلل به.
وإنما سمي خلالا لأنه، يتبع به الخلل بين الأسنان.
وقول الشاعر:
ونظرن من خلل الستور بأعين... مرضى مخالطها السّقام صحاح
فإن معناه نظرن من الفرج التي تقع في الستور.
وقوله القائل: " لك خلّة من خلال " تأويله أني أخلى لك من رأيي أو مما عندي عن خلة من خلال.
وتأويل أخلّي إنما هو أخلل، وجائز أن يكون أخلي من الخلوة، والخلوة والخلل يرجعان إلى معنى، والخل الطريق في الرمل معناه أنه انفرجت فيه فرجة فصارت طريقا.
والخل الذي يؤكل إنما سمي خلّا لأنه اختلّ منه طعم الحلاوة). [معاني القرآن: 2/112-114]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير:
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم
والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} أي محتاجا فقيرا إليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع إلى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فدل بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يختص أحدا بشيء من العلم دون غيره). [معاني القرآن: 2/200-202]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (خليلا): محبا). [ياقوتة الصراط: 203]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيء محيطا (126)
أي إن إبراهيم الذي اتخذه اللّه خليلا هو عبد اللّه، وهو له وكل ما في السّماوات والأرض). [معاني القرآن: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى...}
(معناه: قل الله يفتيكم فيهنّ وما يتلى). فموضع (ما) رفع كأنه قال: يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم. وإن شئت جعلت ما في موضع خفض: يفتيكم الله فيهنّ وما يتلى عليكم غيرهنّ.
وقوله: {والمستضعفين} في موضع خفض، على قوله: يفتيكم فيهنّ وفي المستضعفين. وقوله: {وأن تقوموا} (أن) موضع خفض على قوله: ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط). [معاني القرآن: 1/290]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه كان به عليما (127)
(ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم)
موضع " ما " رفع.
المعنى اللّه يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب.
أيضا يفتيكم فيهن. ويجوز أن يكون " ما " في موضع جر، وهو بعيد جدا، لأن الظاهر لا يعطف على المضمر، فلذلك اختير الرفع، ولأن معنى الرفع أيضا أبين، لأن ما يتلى في الكتاب هو الذي بين ما سألوا.
فالمعنى: (قل الله يفتيكم فيهن)، وكتابه يفتيكم فيهن.
وقوله: (وترغبون أن تنكحوهنّ).
المعنى وترغبون عن أن تنكحوهنّ.
وقوله: (والمستضعفين من الولدان).
يعني اليتامى، وموضع " المستضعفين " جر، عطف على قوله: (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) المعنى وفي المستضعفين من الولدان والذي يفتيهم من القرآن قوله عزّ وجلّ: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) والذي تلي عليهم في التزويج هو قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع).
فالمعنى قل الله يفتيكم فيهنّ، وهذه الأشياء التي في الكتاب يفتيكم فيهن.
وقوله: (وأن تقوموا لليتامى بالقسط)
" أن " في موضع جر: المعنى وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط). [معاني القرآن: 2/114-115]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب} وما في موضع رفع والمعنى قل الله يفتيكم فيهن والقرآن يفتيكم فيهن والذي يفتيكم من القرآن في النساء قوله عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}). [معاني القرآن: 2/202]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن} قالت عائشة رحمها الله هذا في اليتيمة تكون عند الرجل وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط
وفي بعض الروايات عنها هذا في اليتيمة لعلها تكون شريكته في المال ولا يريد أن ينكحها ولا يحب أن تتزوج غيره لئلا يأخذ مالها قال الله جل اسمه {وترغبون أن تنكحوهن} قال سعيد بن جبير ومجاهد ويرغب في نكاحها إذا كانت كثيرة المال ولأهل اللغة في هذا تقديران: أحدهما أن المعنى وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن
وحديث عائشة يقوي هذا القول والقول الآخر وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت في وإذا تدبرت قول سعيد بن جبير تبينت أنه قد جاء بالمعنيين). [معاني القرآن: 2/202-204]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والمستضعفين من الولدان} قال سعيد بن جبير كانوا لا يورثون الصغير فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} فعلى قول سعيد بن جبير أفتاهم في المستضعفين قوله: {يوصيكم الله في أولادكم}). [معاني القرآن: 2/204]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأن تقوموا لليتامى بالقسط} والقسط العدل وأفتاهم في اليتامى قوله جل وعز: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}). [معاني القرآن: 2/205]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {خافت من بعلها نشوزاً...}
والنشوز يكون من قبل المرأة والرجل. والنشوز هاهنا من الرجل لا من المرأة. ونشوزه أن تكون تحته المرأة الكبيرة فيريد أن يتزوج عليها شابّة فيؤثرها في القسمة والجماع. فينبغي له أن يقول للكبيرة: إني أريد أن أتزوّج عليك شابّة وأوثرها عليك، فإن هي رضيت صلح ذلك له، وإن لم ترض فلها من القسمة ما للشابّة.
وقوله: {وأحضرت الأنفس الشّحّ} إنما عنى به الرجل وامرأته الكبيرة. ضنّ الرجل بنصيبه من الشابة، وضنّت الكبيرة بنصيبها منه. ثم قال: وإن رضيت بالإمرة). [معاني القرآن: 1/290-291]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} أي عنها.
{فلا جناح عليهما أن يصلحا} أي يتصالحا. هذا في قسمة الأيام بينها وبين أزواجه، فترضى منه بأقل من حظها). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصّلح خير وأحضرت الأنفس الشّحّ وإن تحسنوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا (128)
النشوز من بعل المرأة أن يسيء عشرتها وأن يمنعها نفسه ونفقته واللّه عز وجلّ قال في النساء: (وعاشروهنّ بالمعروف)، وقال: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وقال: (ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا). فشدد الله في العدل في أمر النساء فلو لم يعلم عزّ وجلّ أن رضا المرأة من زوجها بالإقامة على منعها - في كثير من الأوقات - نفسه ومنعها بعض ما يحتاج إليه لما جاز الإمساك إلا على غاية العدل والمعروف، فجعل الله عزّ وجلّ الصلح جائزا بين الرجل وامرأته إذا رضيت منه بإيثار غيرها عليه.
فقال: " لا إثم عليهما في أن يتصالحا بينهما صلحا.
والصلح خير من الفرقة ".
وقوله: (وأحضرت الأنفس الشّحّ).
وهو أن المرأة تشح على مكانها من زوجها، والرجل يشح على المرة بنفسه إن كان غيرها أحب إليه منها.
وقوله: (وإن تحسنوا وتتّقوا).
أي إن تحسنوا إليهن، وتحملوا عشرتهن.
(فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا).
أي يخبر ذلك فيجازيكم عليه.
فإن قال قائل إنما قيل: (وإن امرأة خافت)، ولم يقل وإن نشز رجل على المرأة لأن الخائف للشيء ليس بمتيقن له؟
فالجواب في هذا إن خافت الإقامة منه على النشوز والإعراض، وليس أن تخاف الإقامة إلا وقد بدا منه شيء، فأما التفرقة بين (إن) الجزاء والفعل الماضي فجيد. ولكن " إن " وقعت التفرقة بين " إن " والفعل المستقبل فذلك قبيح.
إن قلت: إن امرأة تخاف - فهو قبيح، لأن " إن " لا يفصل بينها وبين ما يجزم، وذلك في الشعر جائز في (إن) وغيرها.
قال عدي بن زيد.
فمتى واغل ينبهم يحيّوه... وتعطف عليه كأس الساقي
فأما الماضي فـ "إن " غير عاملة في لفظه، و " إن " أمّ حروف الجزم.
فجاز أن تفرق بينها وبين الفعل، وامرأة ارتفعت بفعل مضمر يدل عليه ما بعد الاسم، المعنى إن خافت امرأة خافت فأمّا غير " إن " فالفصل يقبح فيه مع الماضي والمستقبل جميعا، لو قلت: " متى زيد جاءني أكرمته " كان قبيحا.
ولو قلت إن اللّه أمكنني فعلت كان حسنا جميلا). [معاني القرآن: 2/115-117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} النشوز من الزوج أن يسيء عشرتها ويمنعها نفسه ونفقته). [معاني القرآن: 2/205]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: (فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) وقرأ أكثر الكوفيين {أن يصلحا} وقرأ الجحدري وعثمان البتي (أن يصلحا) والمعنى يصطلحا ثم أدغم فأما تفسير الآية فروى سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحا على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وقالت عائشة هو الرجل تكون عنده المرأة لعله لا يكون له منها ولد ولا يحبها فيريد تخليتها فتصالحه فتقول لا تطلقني وأنت في حل من شأني وروى الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن هذه الآية نزلت في رافع بن خديج طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة فلما قاربت انقضاء العدة قالت له أنا أصالحك على بعض الأيام فراجعها ثم لم تصبره فطلقها أخرى ثم سألته ذلك فراجعها فنزلت الآية وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ابتغت سودة بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/205-207]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والصلح خير} والمعنى والصلح خير من الفرقة ثم حذف هذا لعلم السامع
وقيل في معنى الله أكبر الله أكبر من كل شيء). [معاني القرآن: 2/207-208]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأحضرت الأنفس الشح} قال عطاء يعني الشح في الأيام والنفقة ومعنى هذا أن المرأة تشح بالنفقة على ضرايرها وإيثارهن وقال سعيد بن جبير هذا في المرأة تشح بالمال والنفس). [معاني القرآن: 2/208]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلا تميلوا كلّ الميل...} إلى الشابة، فتهجروا الكبيرة كل الهجر {فتذروها كالمعلّقة} وهي في قراءة أبيّ (كالمسجونة) ). [معاني القرآن: 1/291]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فلا تميلوا كلّ الميل) أي لا تجوروا). [مجاز القرآن: 1/140]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم}
قال عبيدة في الحب والجماع). [معاني القرآن: 2/208-209]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلا تميلوا كل الميل} قال عبيدة يعني بالأنفس وقال مجاهد لا تتعمدوا الإساءة والمعنى اقسموا بينهن بالسوية وروي عن عائشة رحمها الله أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه بالعدل ثم يقول اللهم هذا ما أملك فلا تؤاخذني بما تملكه ولا أملكه). [معاني القرآن: 2/209]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فتذروها كالمعلقة} قال الحسن هي التي ليس لها زوج ولا هي مطلقة وقال قتادة كالمحبوسة وكالمسجونة). [معاني القرآن: 2/210]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وللّه ما في السّماوات وما في الأرض ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه غنيّاً حميداً}
قال: {ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه} أي بأن اتّقوا الله). [معاني القرآن: 1/211]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (وكيلا) أي: كفيلا كافيا). [ياقوتة الصراط: 203]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({مّن كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعاً بصيراً}
[وقال] {مّن كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة} فموضع {كان} جزم والجواب الفاء وارتفعت {يريد} لأنه ليس فيها حرف عطف. كما قال: {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ إليهم}، وقال: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها} فجزم لأن الأول في موضع جزم ولكنه فعل واجب فلا ينجزم، و{يريد} في موضع نصب بخبر {كان}. [و] قال: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} فجعل الاسم يلي {إن} لأنّها أشدّ حروف الجزاء تمكنا. وإنّما حسن هذا فيها إذا لم يكن لفظ ما وقعت عليه جزما نحو قوله:
* عاود هراة وإن معمورها خربا *). [معاني القرآن: 1/211-212]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير). [تأويل مشكل القرآن:295-296] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعا بصيرا (134)
كان مشركو العرب لا يؤمنون بالبعث، وكانوا مقرين بأن اللّه خالقهم.
فكان تقربهم إلى الله عزّ وجلّ إنما هو ليعطيهم من خير الدنيا، ويصرف عنهم شرها، فأعلم الله عزّ وجلّ أن خير الدنيا والآخرة عنده).
[معاني القرآن: 2/117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من كان يريد ثواب الدنيا} فعند الله ثواب الدنيا والآخرة روي أن أكثر المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة وإنما يتقربون إلى الله ليوسع عليهم في الدنيا ويدفع عنهم مكروهها فأنزل الله: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة}). [معاني القرآن: 2/210]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 135 إلى 152]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه...}
هذا في إقامة الشهادة على أنفسهم وعلى الوالدين والأقربين. ولا تنظروا في غنى الغني ولا فقر الفقير؛ فإن الله أولى بذلك.
(فلا تتّبعوا الهوى [أن تعدلوا]) فرارا من إقامة الشهادة. وقد يقال: لا تتبعوا الهوى لتعدلوا؛ كما تقول: لا تتبعنّ هواك لترضي ربك، أي إني أنهاك عن هذا كيما ترضي ربك. وقوله: {وإن تلووا} وتلوا، قد قرئتا جميعا. ونرى الذين قالوا (تلوا) أرادوا (تلؤوا) فيهمزون الواو لانضمامها، ثم يتركون الهمز فيتحوّل إعراب الهمز إلى اللام فتسقط الهمزة. إلا أن يكون المعنى فيها: وإن تلوا ذلك، يريد: تتولّوه {أو تعرضوا} عنه: أو تتركوه، فهو وجه). [معاني القرآن: 1/291]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإن تلووا أو تعرضوا): كلّ شيء لويته من حق أو غيره). [مجاز القرآن: 1/141]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّاً أو فقيراً فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً}
قال: {إن يكن غنيّاً أو فقيراً فاللّه أولى بهما} لأنّ {أو} ههنا في معنى الواو. أو يكون جمعهما في قوله: {بهما} لأنهما قد ذكرا نحو قوله عز وجل: {وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ مّنهما}. أو يكون أضمر {من} كأنه "إن يكن من تخاصم غنيّاً أو فقيراً" يريد "غنيين أو فقيرين" يجعل "من" في ذلك المعنى ويخرج {غنيّاً أو فقيراً} على لفظ "من".
وقال: {وإن تلووا أو تعرضوا} لأنها من "لوى" "يلوى". وقال بعضهم {وإن تلوا} فان كانت لغة فهو لاجتماع الواوين، ولا أراها إلاّ لحناً إلاّ على معنى "الولاية" وليس لـ"الولاية" معنى ههنا إلا في قوله "وإن تلوا عليهم" فطرح {عليهم} فهو جائز). [معاني القرآن: 1/212-213]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وان تلووا}: لويته حقه دفعته عنه). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن تلووا} من اللّيّ في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّا أو فقيرا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا (135)
القسط والإقساط العدل، يقال أقسط الرجل يقسط إقساطا إذا عدل وأتى بالقسط، ويقال قسط الرجل قسوطا إذا جار.
قال الله جلّ وعزّ: (وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين).
أي اعدلوا إن الله يحب العادلين.
وقال جلّ وعزّ: (وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبا).
أي الجائرون، يقال قسط البعير قسطا إذا يبست يده، ويد قسطاء أي يابسة، فكأن أقسط أقام الشيء على حقيقة التعديل، وكأنّ قسط بمعنى جار معناه يبّس الشيء، وأفسد جهته المستقيمة.
وقوله: (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)
المعنى قوموا بالعدل وأشهدوا للّه بالحق، وإن كان الحق على نفس الشاهد أو على والديه وأقر بيه.
(إن يكن غنيّا أو فقيرا فاللّه أولى بهما).
أي إن يكن المشهود له فقيرا فاللّه أولى به، وكذلك إن يكن المشهود عليه غنيا فاللّه أولى به، فالتأويل أقيموا الشهادة لله على أنفسكم وأقاربكم، ولا تميلوا في الشهادة رحمة للفقير، ولا تحيفوا لاحتفال غنى عنيّ عندكم.
وقوله: (فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا).
أي لا تتبعوا الهوى فتعدلوا.
(وإن تلووا أو تعرضوا).
قرأ عاصم وأبو عمرو بن العلاء وأهل المدينة " تلووا " بواوين، وقرأ يحيى ابن وثاب والأعمش وحمزة بواو واحدة " تلوا "، والأشبه على ما جاء في التفسير ومذهب أهل المدينة وأبي عمرو، لأنه جاء في التفسير أن " لوى الحاكم في قضيته " أعرض.
(فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا).
يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته به ومطلته، ويجوز أن يكون " وأن تلو " أصله تلووا فأبدلوا من الواو المضمومة - همزة فصارت تلووا - بإسكان اللام - ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام فصار تلوا كما قيل في أدور أدوّر ثم طرحت الهمزة فصارت آدر.
ويجوز أن يكون وإن تلوا من الولاية، وتعرضوا أي إن قمتم بالأمر أو أعرضتم عنه، فإن اللّه كان بما تعملون خبيرا.
وقوله: (فتذروها كالمعلّقة).
قيل كالمحبوسة لا أيّما ولا ذات بعل). [معاني القرآن: 2/117-119]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} القسط والإقساط العدل يقال أقسط يقسط إقساطا إذا عدل وقسط يقسط إذا جار). [معاني القرآن: 2/211]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما} المعنى إن يكن المشهود له غنيا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا وإن يكن المشهود عليه فقيرا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا عليه فإن قيل كيف يقوم بالشهادة على نفسه وهل يشهد على نفسه قيل يكون عليه حق لغيره فيقر له به فذلك قيامه بالشهادة على نفسه أدب الله عز وجل بهذا المؤمنين كما قال ابن عباس رحمه الله أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم). [معاني القرآن: 2/211-212]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} المعنى فلا تتبعوا الهوى لأن تعدلوا وأدوا ما عندكم من الشهادة فهذا قول أكثر أهل اللغة ويجوز أن يكون المعنى فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا لأنه إذا خالف الحق فكأنه كره العدل). [معاني القرآن: 2/213]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا} روى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال هو في الخصمين يتقدمان إلى القاضي فيكون ليه لأحدهما وإعراضه عن الآخر وقال مجاهد {وإن تلووا} أي تبدلوا أو تعرضوا تتركوا
فمذهب ابن عباس أن اللي من الحاكم ومذهب مجاهد أنه من الشاهد وكذلك قال الضحاك هو أن يلوي لسانه عن الحق في الشهادة أو يعرض فيكتمها وأصل لوى في اللغة مطل وأنشد سيبويه:
قد كنت داينت بها حسانا مخافة الإفلاس والليانا
وقرئ (وإن تلوا أو تعرضوا) وفيه قولان: أحدهما للكسائي قال والمعنى من الولاية وإن تلوا شيئا أو تدعوه وقال أبو إسحاق من قرأ (وإن تلوا) فالمعنى على قراءته وإن تلووا ثم همز الواو الأولى فصارت تلؤوا كما قال يقال أدؤر في جمع دار ثم ألقى حركة الهمزة على اللام وحذف الهمزة فصارت تلوا كما يقال آدر في جمع دار). [معاني القرآن: 2/213-215]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَإِن تَلْوُواْ} من اللَي في الشهادة، والميل إلى أحد الخصمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَلْوُواْ}: تعدلوا عن الحق). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (من يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيداً) (135) والكفر بملائكته: انهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً). [مجاز القرآن: 1/141]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزّل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدا (136)
قيل فيه قولان: - يا أيها الذين آمنوا أقيموا على الإيمان باللّه كما قال عزّ وجلّ (وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما)، أي وعد من أقام على الإيمان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين ذكروا في هذه القصة مغفرة وأجرا عظيما.
وقيل يعنى بهذا المنافقون الذين أظهروا التصديق وأسروا التكذيب.
فقيل: يا أيها الذين أظهروا الإيمان آمنوا باللّه ورسوله أي أبطنوا مثل ما أظهرتم.
والتأويل الأول أشبه واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/119]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله} في معنى هذا قولان: أحدهما اثبتوا على الإيمان كما يقال للقائم قف حتى أجيء
أي اثبت قائما.
والقول الآخر أنه خطاب للمنافقين فالمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله). [معاني القرآن: 2/215-216]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا...}
وهم الذين آمنوا بموسى ثم كفرا من بعده بعزير، ثم آمنوا بعزير وكفروا بعيسى. وآمنت اليهود بموسى وكفرت بعيسى.
ثم قال: {[ثمّ] ازدادوا كفراً} يعني اليهود: ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/292]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (إنّ الّذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفرا لم يكن اللّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (137)
قيل فيه غير قول: قال بعضهم يعنى به اليهود لأنّهم آمنوا بموسى ثم كفروا بعزير ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل جائز أن يكون محارب آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر.
وقيل جائز أن يكون منافق أظهر الإيمان وأبطن الكفر ثم آمن بعد ثم كفر وازداد كفرا بإقامته على الكفر.
فإن قال قائل: اللّه جلّ وعزّ لا يغفر كفر مرة واحدة فلم قيل ههنا فيمن آمن ثمّ كفر ثمّ آمن ثمّ كفر: (لم يكن اللّه ليغفر لهم) وما الفائدة في هذا؟ فالجواب في هذا - واللّه أعلم - أن اللّه عزّ وجلّ يغفر للكافر إذا آمن بعد كفره، فإن كفر بعد إيمانه لم يغفر اللّه له الكفر الأول، لأن اللّه جلّ وعزّ يقبل التوبة، فإذا كفر بعد إيمان قبله كفر فهو مطالب بجميع كفره.
ولا يجوز أن يكون إذا آمن بعد ذلك لا يغفر له، لأن اللّه جل ثناؤه يغفر لكل مؤمن بعد كفره.
والدليل على ذلك قوله جلّ وعزّ: (وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده ويعفو عن السّيّئات).
وهذا في القرآن كثير، وهو شبيه بالإجماع أيضا.
ومعنى: (ولا ليهديهم سبيلا)
أي لا يجعلهم بكفرهم مهتدين بل يضلهم، لأنه جلّ وعزّ يضل الفاسقين). [معاني القرآن: 2/119-120]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} قال مجاهد يعنى به المنافقون قال ومعنى ثم ازدادوا كفرا ماتوا على ذلك
وهذا القول ليس يبعد في اللغة لأنهم إذا ماتوا على الكفر فقد هلكوا فهم بمنزلة من ازداد وقال أبو العالية {إن الذين آمنوا ثم كفروا} اليهود والنصارى {ثم ازدادوا كفرا} بذنوب عملوها وقال قتادة {الذين آمنوا ثم كفروا} اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت يعني بالإنجيل ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم
وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت وكفرهم به تركهم إياه ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد عليه السلام). [معاني القرآن: 2/216-217]

تفسير قوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ: (بشّر المنافقين بأنّ لهم عذابا أليما (138)
معنى (أليم) موجع.
قال " بشر " أي اجعل في مكان بشارتهم " لهم العذاب " العرب تقول تحيتك الضرب، وعتابك السيف أي لك - بدلا من التحية... هذا.
قال الشاعر:
وخيل قد دلفت لها بخيل... تحية بينهم ضرب وجيع). [معاني القرآن: 2/120]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما} المعنى اجعل ما يقوم مقام البشارة العذاب وأنشد سيبويه:
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
أي الذي يقوم مقام التحية ضرب وجيع). [معاني القرآن: 2/218]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإنّ العزّة لله جميعاً) أي العزة جميعاً لله). [مجاز القرآن: 1/141]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ (الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة للّه جميعا (139)
(أيبتغون عندهم العزّة)
أي أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة.
والعزة المنعة وشدة الغلبة وهو مأخوذ من قولهم أرض عزاز.
قال الأصمعي: العزاز: النفل من الأرض والصّلب الحجارة، الذي يسرع منه جري الماء والسيل هذا لفظ الأصمعي.
فتأويل العزة الغلبة والشدة التي لا يتعلق بها إذلال.
قالت الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يتقى... إذ الناس إذ ذاك من عزّ بزّا
أي من قوى وغلب سلب.
ويقال: قد استعز على المريض إذا اشتد وجعه، وكذلك قول الناس:
يعزّ علي أن تفعل، أي يشتد، فأما قولهم قد عزّ الشيء إذا لم يوجد فتأويله قد اشتد وجوده أي صعب أن يوجد، والمآب، واحد).
[معاني القرآن: 2/120-121]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أيبتغون عندهم العزة} أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة أي المنعة قال الأصمعي يقال أرض عزاز بالفتح والكسر إذا كانت صلبة شديدة وقولهم يعز علي أي يشتد علي
ومنه قوله تعالى: {وعزني في الخطاب} أي قهرني لأنه أعز مني ومنه قولهم من عز بز أي من غلب استلب ومنه قوله فعزته يداه وكاهله).
[معاني القرآن: 2/218-219]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حتّى) يخوضوا في حديثٍ غيره) يأخذوا في حديث غيره). [مجاز القرآن: 1/141]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذا مثلهم إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعا (140)
أعلم الله عزّ وجلّ المؤمنين أن المنافقين يهزأون بكتاب اللّه، فأمروا ألا يقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره أي في حديت غير القرآن.
وقوله: (إنّكم إذا مثلهم).
أي إنكم إذا جالستموهم على الخوض في كتاب اللّه بالهزؤ فأنتم مثلهم). [معاني القرآن: 2/121]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم...}
جزم. ولو نصبت على تأويل الصرف؛ كقولك في الكلام: ألم نستحوذ عليكم وقد منعناكم، فيكون مثل قوله: {ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} وهي في قراءة أبيّ (ومنعناكم من المؤمنين) فإن شئت جعلت "ومنعناكم" في تأويل "وقد كنا منعناكم" وإن شئت جعلته مردودا على تأويل {ألم} كأنه قال: أما استحوذنا عليكم ومنعناكم. وفي قراءة أبيّ (ألم تنهيا عن تلكما الشّجرة وقيل لكما) ). [معاني القرآن: 1/292]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ألم نستحوذ عليكم): نغلب عليكم (استحوذ عليهم الشّيطان): غلب عليهم، قال العجاج:
يحوذهنّ وله حوذىّ... كما يحوذ الفئة الكمىّ
أي يغلب عليها، يحوذهن: مثل يحوزهن، أي يجمعهن). [مجاز القرآن: 1/141-142]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ألم نستحوذ عليكم}: نغلب عليكم). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نستحوذ عليكم} نغلب عليكم). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الفتح: أن يفتح المغلق...، والفتح: النّصر، كقوله: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ} وقوله: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، لأن النصر يفتح الله به أمرا مغلقا). [تأويل مشكل القرآن: 492]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتح من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)
(ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين)
هذا يقوله المنافقون إذا كان للكافرين نصيب قالوا: ألم نستحوذ عليكم، أي ألم نغلب عليكم بالموالاة لكم، ونمنعكم من المؤمنين بما كنا نعلمكم من أخبارهم.
ونستحوذ في اللغة: نستولي على الشيء، يقال حاذ الحمار آتنه إذا استولى عليها وجمعها، وكذلك حازها.
قال الشاعر:
يحوذهن وله حوذيّ
ورووه أيضا:
يحوزهن وله حوزيّ
قال النحويون: استحوذ خرج على أصله، فمن قال حاذ يحوذ لم يقل إلا استحاذ يستحيذ، ومن قال أحوذ فهو كما قال بعضهم أجودت وأطيبت بمعنى أجدت وأطبت، فأخرجه على الأصل قال: استحوذ.
وقوله: (ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا).
أي إن اللّه ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة، فلن يجعل للكافرين أبدا على المؤمنين سبيلا). [معاني القرآن: 2/122]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {قالوا ألم نستحوذ عليكم} يقال استحوذ عليه إذا استولى عليه فالمعنى قال المنافقون للكافرين ألم نغلب عليكم بموالاتنا إياكم {ونمنعكم من المؤمنين} أي أخبرناكم بأخبارهم لتحذروا ما يكون منهم).
[معاني القرآن: 2/219]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ذلك في الآخرة وقال ابن عباس ذاك يوم القيامة وقال السدي السبيل الحجة
وقيل إن المعنى أن الله ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة ليظهر دينهم على الدين كله). [معاني القرآن: 2/220-221]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و{نَسْتَحْوِذْ} نغلب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نَسْتَحْوِذْ}: نغلب). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس ولا يذكرون اللّه إلّا قليلا (142)
أي يخادعون النبي - صلى الله عليه وسلم - بإظهارهم له الإيمان وإبطانهم الكفر، فجعل الله عزّ وجلّ مخادعة النبي - صلى الله عليه وسلم - مخادعة له.
كما قال عزّ وجلّ: (إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه).
ومعنى قوله: (وهو خادعهم).
فيه غير قول: قال بعضهم: مخادعة اللّه إياهم جزاؤهم على المخادعة بالعذاب، وكذلك قوله: (ويمكرون ويمكر اللّه).
وقيل وهو خادعهم بأمره عزّ وجلّ بالقبول منهم ما أظهروا، فاللّه خادعهم بذلك). [معاني القرآن: 2/122-123]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} قال أهل اللغة سمي الثاني خداعا لأنه مجازاة للأول فسمي خداعا على الازدواج كما قال جل وعز: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وقال الحسن إذا كان يوم القيامة أعطي المؤمنون والمنافقون نورا فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين فيشفق المؤمنون فيقولون {ربنا أتمم لنا نورنا} فيمضي المؤمنون بنورهم فينادونهم {انظرونا نقتبس من نوركم} الآية قال الحسن فتلك خديعة الله إياهم
وهذا القول ليس بخارج من قول أهل اللغة لأنه قد سماه خداعا لأنه مجازاة لهم). [معاني القرآن: 2/221-222]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} قال الحسن إنما قل لأنه لغير الله وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما قل عمل مع تقى وكيف يقل ما يتقبل).
[معاني القرآن: 2/222]

تفسير قوله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} قال قتادة ولا يكونون مخلصين بالإيمان ولا مصرحين بالكفر
وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين إذا جاءت إلى هذه نطحتها وإذا جاءت إلى هذه نطحتها فلا نتبع هذه ولا هذه وأصل التذبذب في اللغة التحرك والاضطراب كما قال:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
فالمعنى أن المنافقين متحيرون في دينهم لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحة ليسوا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع المشركين على جهالة فهم حيارى بين ذلك
والنفاق مأخوذ من النافقاء وهو أحد جحور اليربوع إذا أخذت عليه المواضع خرج منه ولا يفطن إليه وكذلك المنافق يظهر الإسلام ويخرج منه سرا وفي الحديث للمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان). [معاني القرآن: 2/222-224]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مذبذبين) أي: مرددين بين ذلك). [ياقوتة الصراط: 203]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء): لا إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين).
[ياقوتة الصراط: 204]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا (144)
أي لا تجعلوهم بطانتكم وخاصّتكم.
(أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا).
أي حجة ظاهرة، والسلطان في اللغة الحجة، وإنما قيل للخليفة والأمير سلطان لأن معناه أنه ذو الحجة.
والعرب تؤنث السلطان وتذكره، فتقول: قضت عليك بهذا السلطان، وأمرتك به السلطان.
وزعم قوم من الرواة أن التأنيث فيه أكثر، ولم يختلف في التذكير.
وأحسب الذين (رووا) لم يضبطوا معنى الكثرة من القلة.
والتذكير (فيه) أكثر، فأمّا القرآن فلم يأت فيه ذكر السلطان إلا مذكرا، قال الله عزّ وجلّ: (لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن) وقال: (هلك عني سلطانيه)، وقال: (سلطانا مبينا).
فجميع ما في القرآن من ذكر السلطان مذكر، ولو كان التأنيث أكثر لكان في كتاب الله جلّ وعزّ.
فإن قال قائل إنما رووا أن السلطان بين الناس هو المؤنث قيل إنما السلطان معناه ذو السلطان. والسلطان الحجة. والاحتجاج والحجة معناهما واحد. فأما التأنيث فصحيح، إلا أنه أقل من التذكير، فمن قال: قضت به عليك السلطان أراد قضت عليك به الحجة، وقضت عليك حجة الوالي، ومن قال قضى به عليك السلطان ذهب إلى معنى صاحب السلطان.
وجائز أن يكون ذهب به إلى البرهان والاحتجاج، أي قضى به عليك البرهان). [معاني القرآن: 2/123-124]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا} قال قتادة السلطان الحجة وكذلك هو عند أهل اللغة). [معاني القرآن: 2/224]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {في الدّرك الأسفل من النّار...} يقال الدرك، والدرك، أي أسفل درج في النار).
[معاني القرآن: 1/292]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (في الدّرك الأسفل): جهنم أدراك أي منازل وأطباق، ويقال للحبل الذي قد عجز عن (بلوغ) الركية: أعطنى دركا أصل به). [مجاز القرآن: 1/142]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} فدلّ على أن المنافقين شرّ من كفر به، وأولاهم بمقته، وأبعدهم من الإنابة إليه، لأنه شرط عليهم في التوبة: الإصلاح والاعتصام، ولم يشرط ذلك على غيرهم.
ثم شرط الإخلاص، لأن النّفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب.
ثم قال: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون.
ثم قال: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} ولم يقل: وسوف يؤتيهم الله، بغضا لهم، وإعراضا عنهم، وحيدا بالكلام عن ذكرهم).
[تأويل مشكل القرآن: 7-8]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرا (145)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جهنم أدراك، أي منازل، فكل منزلة منها درك.
والقراءة: الدرك بفتح الراء. والدّرك بتسكين الراء، فأما أهل المدينة وأهل البصرة فيقرأونها..
(الدرك) بفتح الراء وأما أهل الكوفة والأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب، فيقرأون (الدرك).
وقد اختلف فيها عن عاصم، فرواها بعضهم عنه الدرك ورواها بعضهم الدرك - بالحركة والسكون جميعا – واللغتان حكاهما جميعا أهل اللغة، إلا أن الاختيار فتح الراء، لإجماع المدنيين والبصريين عليها وأن أحدا من المحدثين ما رواها إلا الدرك بفتح الراء.
فلذلك اخترنا الدرك.
وقوله عزّ وجلّ: (ولن تجد لهم نصيرا).
أي لا يمنعهم مانع من عذاب الله عزّ وجلّ ولا يشفع لهم شافع). [معاني القرآن: 2/124]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}
قال عبد الله بن مسعود يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم وفي بعض الحديث من نار ثم تطبق عليهم والإدراك في اللغة المنازل والطبقات). [معاني القرآن: 2/224-225]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و(الدرك): الطبق من أطباق جهنم، ويسكن - أيضا). [ياقوتة الصراط: 204]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فأولئك مع المؤمنين...} جاء في التفسير: (من المؤمنين) ). [معاني القرآن: 1/293]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} فدلّ على أن المنافقين شرّ من كفر به، وأولاهم بمقته، وأبعدهم من الإنابة إليه، لأنه شرط عليهم في التوبة: الإصلاح والاعتصام، ولم يشرط ذلك على غيرهم.
ثم شرط الإخلاص، لأن النّفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب.
ثم قال: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون.
ثم قال: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}ولم يقل: وسوف يؤتيهم الله، بغضا لهم، وإعراضا عنهم، وحيدا بالكلام عن ذكرهم).
[تأويل مشكل القرآن: 7-8] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : (إلّا الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما (146)
(وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما)
الخط حذفت منه الياء في هذا الموضع، وزعم النحويون أن الياء حذفت من الخط كما حذفت في اللفظ، لأن الياء سقطت من اللفظ لسكونها وسكون اللام في " اللّه " وكذلك قوله: (يوم يناد المناد) الياء من يناد حذفت في الخط لهذه العلة، وكذلك (سندع الزّبانية) و(يوم يدع الدّاع) فالواوات حذفت ههنا لالتقاء السّاكنين، فأما قول الله عزّ وجلّ: - (ذلك ما كنّا نبغ)، فهو كقوله (يناد المناد).
و(يدع الداع)، فهذه الياءات من نحو (نبغ) حذفت لأن الكسرة دلت على الياء فحذفت الياء لثقلها، وليس الوجه عند النحويين حذفها.
فأمّا المنادي والداعي فحذفت الياء منها كما حذفت قبل دخول الألف واللام، لأنك تقول: هذا داع وهذا مناد.
فأما (والليل إذا يسر). فحذفت الياء لأنها رأس آية، ورؤوس الآي الحذف جائز فيها كما يجوز في آخر الأبيات). [معاني القرآن: 2/125]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (واعتصموا بالله) أي: وامتنعوا بالله). [ياقوتة الصراط: 204]

تفسير قوله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما * لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} وقرأ زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق (إلا من ظلم) وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال: قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم
وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم فإنه يجهر به اعتداء وقال أبو إسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءا فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الأول وعلى الجوابين الأولين يكون استثناء ليس من الأول أيضا ومن قرأ (إلا من ظلم) ففيه أقوال: أحدها روي عن مجاهد أنه قال نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}
فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي منه ونحو ذلك وقال قطرب إلا من ظلم إنما يريد المكره لأنه مظلوم وذلك موضوع عنه وإن كفر قال ويجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله إلا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء إلا من ظلم على البدل). [معاني القرآن: 2/225-227]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم...}
وظلم. وقد يكون (من) في الوجهين نصبا على الاستثناء على الانقطاع من الأوّل. وإن شئت جعت (من) رفعا إذا قلت (ظلم) فيكون المعنى: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم. وهو الضيف إذا أراد النزول على رجل فمنعه فقد ظلمه، ورخّص له أن يذكره بما فعل؛ لأنه منعه حقّه. ويكون {لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول} كلاما تاما، ثم يقول: إلا الظالم فدعوه، فيكون مثل قول الله تبارك وتعالى: {لئلاّ يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا} فإن الظالم لا حجّة له، وكأنه قال إلا من ظلم فخلّوه. وهو مثل قوله: {فذكّر إنما أنت مذكّر} ثم استثنى فقال {إلا من تولّى وكفر} فالاستثناء من قوله: {إنما أنت مذكّر} وليست فيه أسماء. وليس الاستثناء من قوله: {لست عليهم بمصيطر} ومثله مّما يجوز أن يستثنى (الأسماء ليس قبلها) شيء ظاهر قولك: إني لأكره الخصومة والمراء، اللهم إلاّ رجلا يريد بذلك الله. فجاز استثناء الرجل ولم يذكر قبله شيء من الأسماء؛ لأن الخصومة والمراء لا يكونان إلا بين الآدمييّن). [معاني القرآن: 1/293-294]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا يحبّ الله الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم): (من) في هذا الموضع اسم من فعل).
[مجاز القرآن: 1/142]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم وكان اللّه سميعاً عليماً}
قال: {لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم} لأنه حين قال: {لاّ يحبّ اللّه} قد أخبر أنه لا يحل. ثم قال: {إلاّ من ظلم} فانه يحل له أن يجهر بالسوء لمن ظلمه. وقال بعضهم {ظلم} على قوله: {مّا يفعل اللّه بعذابكم} [فيكون] {إلاّ من ظلم} [على معنى] "إلاّ بعذاب من ظلم"). [معاني القرآن: 1/213]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلّا من ظلم} يقال: منع الضيافة).
[تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلّا من ظلم وكان اللّه سميعا عليما (148)
وإلّا من ظلم، يقرأ بهما جميعا.
فالمعنى أن المظلوم جائز أن يظهر بظلامته تشكيا، والظالم يجهر بالسوء من القول ظلما واعتداء، وموضع " من " نصب بالوجهين جميعا، لأنه استثناء ليس من الأول
المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لكن المظلوم يظهر بظلامته تشكيا، ولكن الظالم يجهر بذلك ظلما.
ويجوز أن يكون موضع " من " رفعا على معنى لا يحب اللّه أن يجهر بالسوء من القول إلّا من ظلم فيكون " من " بدلا من معنى أحد، المعنى: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا المظلوم.
وفيها وجه آخر لا أعلم النحويين ذكروه، وهو أن يكون " إلا من ظلم " على معنى لكن الظالم اجهروا له بالسوء من القول، وهذا بعد استثناء ليس من الأول. وهو وجه حسن، وموضعه نصب.
وقد روي أن هذا ورد في الضيف إذا أسيء إليه، فله أن يشكو لك.
وحقيقته ما قلناه. واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/125-126]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما * لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} وقرأ زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق (إلا من ظلم) وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال: قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم
وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم فإنه يجهر به اعتداء وقال أبو إسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءا فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الأول وعلى الجوابين الأولين يكون استثناء ليس من الأول أيضا ومن قرأ (إلا من ظلم) ففيه أقوال: أحدها روي عن مجاهد أنه قال نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}
فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي منه ونحو ذلك وقال قطرب إلا من ظلم إنما يريد المكره لأنه مظلوم وذلك موضوع عنه وإن كفر قال ويجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله إلا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء إلا من ظلم على البدل). [معاني القرآن: 2/225-227] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض} قال قتادة هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بموسى والتوراة والإنجيل وكفرت بعيسى والإنجيل وآمنت النصارى بعيسى والإنجيل وكفرت بمحمد والقرآن). [معاني القرآن: 2/228]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} قال قتادة اتخذوا اليهودية والنصرانية وابتدعوهما وتركوا دين الله الإسلام الذي لم يرسل نبي إلا به). [معاني القرآن: 2/228]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 153 إلى آخر السورة]

(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) )

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أرنا الله جهرةً) (152): علانية). [مجاز القرآن: 1/142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصّعق: الموت، قال تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}، وقال تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}. أي ميّتا، ثم ردّ الله إليه حياته.
وقال الله تعالى: {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}، أي الموت، يدلك على ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 501] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابا من السّماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا اللّه جهرة فأخذتهم الصّاعقة بظلمهم ثمّ اتّخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البيّنات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا (153)
وهذا حين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه).
أي فقد سألوا موسى بعد أن جاءهم بالآيات، فقالوا: (أرنا الله جهرة).
وقال أهل اللغة في (جهرة) قولين:
قال أبو عبيدة: قالوا جهرة أرنا اللّه؛ لأنهم إذا رأوا الله فالسر جهرة، فإنما جهرة صفة لقولهم.
وقال بعضهم: (أرنا اللّه جهرة)، إنما معناه أرنا رؤية بينة منكشفة ظاهرة؛ لأن من علم الله عزّ وجلّ فقد زاد علما، ولكن سألوه رؤية يدركونها بأبصارهم.
ودليل هذا القول قوله عز وجلّ: (وإذ قلتم يا موسى لن نومن لك حتى نرى الله جهرة). وهذا عندي هو القول البين إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 2/126-127]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة}
قال قتادة: أي عيانا
وقال أبو عبيدة: هو من صفة القول والمعنى فقالوا : جهرة أرنا الله والقول عند أهل النظر قول قتادة، والمعنى فقالوا: أرنا الله رؤية منكشفة؛ لأن من عرف الله فقد رآه علما). [معاني القرآن: 2/228-229]

تفسير قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (الّطور) (153): الجبل). [مجاز القرآن: 1/142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (و{الطور}: الجبل). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً} كل من أرسل إليه رسول فاستجاب له وأقرّ به فقد أخذ منه الميثاق). [تفسير غريب القرآن: 136]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم} الطور الجبل). [معاني القرآن: 2/229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا}
قال قتادة: كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس). [معاني القرآن: 2/229-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وقلنا لهم لا تعدوا في السبت} قال قتادة نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت ويقال عدا يعدو عدوا وعدوانا وعداء وعدوا إذا جاوز الحق ويقرأ (تعدوا) بمعنى تعتدوا). [معاني القرآن: 2/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فيما نقضهم ميثاقهم}
(ما) زائدة للتوكيد يؤدي عن معنى قولك حقا
وفي معناه ثلاثة أقوال:
أحدها أن قتادة قال: المعنى فبنقضهم ميثاقهم لعناهم فعلى قول قتادة حذف هذا لعلم السامع.
وقال الكسائي: هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم عطف على ذلك إلى قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم}
فزعم أنه فسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الأنبياء وسائر ما بين من أمورهم التي ظلموا فيها أنفسهم
وهذا خطأ وغلط؛ لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى عليه السلام بدهر طويل فليس الذين أخذتهم الصاعقة أخذتهم برميهم مريم بالبهتان، وقول قتادة أولاها بالصواب.
قال أبو جعفر: قال أبو إسحاق: المعنى فبما نقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم فنقضوا ذلك وكتموها). [معاني القرآن: 2/230-232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الطُّورَ}: الجبل). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قلوبنا غلفٌ...}
أي أوعية للعلم تعلمه وتعقله، فما لنا لا نفهم ما يأتي به (محمد صلى الله عليه وسلم) فقال الله تبارك وتعالى: {بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلاً}). [معاني القرآن: 1/294]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فبما نقضهم) (154): فبنقضهم.
(طبع الله على قلوبهم) (154) أي ختم). [مجاز القرآن: 1/142]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فبما نقضهم مّيثاقهم وكفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلاً}
قال: {فبما نقضهم مّيثاقهم} فـ{ما} زائدة كأنه قال "فبنقضهم"). [معاني القرآن: 1/213]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء بغير حقّ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلّا قليلا (155)
(فبما نقضهم ميثاقهم)
" ما " لغو في اللفظ، المعنى فبنقضهم ميثاقهم حقّا، فكما أن حقّا لتوكيد الأمر فكذلك " ما " دخلت للتوكيد.
وتأويل نقضهم ميثاقهم أن اللّه عزّ وجلّ أخذ عليهم الميثاق في أن يبينوا ما أنزل عليهم من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره.
قال اللّه عزّ وجل: (وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم).
والجالب للباء والعامل فيها قوله عزّ وجلّ: (حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم).
المعنى بنقضهم ميثاقهم، والأشياء التي ذكرت بعده.
وقوله " فبظلم " بدل من قوله: فبما نقضهم.
وقوله: (قلوبنا غلف) أي أوعية للعلم.
(بل طبع اللّه عليها بكفرهم).
وإن شئت أدغمت اللام في الطاء، وكذلك: (بل تؤثرون الحياة الدّنيا)
يدغم فتقول: بـ طبع، وبـ تؤثرن، جعل اللّه مجازاتهم على كفرهم أن طبع على قلوبهم.
وقوله: (وقولهم على مريم بهتانا عظيما).
البهتان الكذب الذي يحيّر من شذته وعظمه، وذلك أنّ اليهود – لعنها اللّه - رمت مريم، وهي صفوة الله على نساء العالمين، بأمر عظيم). [معاني القرآن: 2/127-128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم}
قال قتادة: غلف أي لا تفهم ومعنى بل طبع الله عليها ختمها مجازاة على كفرهم وهو تمثيل يقال طبع السيف يطبع طبعا إذا غطاه الصدأ). [معاني القرآن: 2/232-233]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (قلوبنا غلف) أي: عليها مانع من الفهم، وغلف: جمع
غلاف، ومعناه: قلوبنا أوعية للعلم، فما بالها لا تعي ما تقول أنت ؟). [ياقوتة الصراط: 204-205]

تفسير قوله تعالى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً}
{وبكفرهم وقولهم على مريم} {وقولهم إنّا قتلنا المسيح}كله على الأول). [معاني القرآن: 1/213]

تفسير قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما قتلوه وما صلبوه...}
الهاء ها هنا لعيسى صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {وما قتلوه يقيناً} الهاء ها هنا للعلم، كما تقول قتلته علما، وقتلته يقينا، للرأي والحديث والظنّ). [معاني القرآن: 1/294]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ما لهم به من علمٍ إلّا اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقيناً} يعني العلم، أي ما قتلوا به يقينا. تقول: قتلته يقينا وقتلته علما، للرأي والحديث). [تفسير غريب القرآن: 136-137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} يعني العلم، لم يتحقَّقوه ويستيقنوه.
وأصل ذلك أن القتل للشيء يكون عن قهر واستعلاء وغَلَبة.
يقول: فلم يكن علمهم بقتل المسيح علما أحيط به، إنما كان ظنًّا). [تأويل مشكل القرآن: 152-153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه ما لهم به من علم إلّا اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقينا (157)
(إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه).
أي باعترافهم بقتلهم إياه.
(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم).
فإنما عذّبوا أو يعذبون عذاب من قتل، أو كان شبّه لهم لأنهم قد أتوا الأمر على أنّه قتل نبي.
وجاء في التفسير أن عيسى لما أراد اللّه جل ثناؤه رفعه إليه وتطهيره منهم، قال لأصحابه؛ أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة، فقال رجل منهم أنا فألقى عليه شبهه فقتل.
ورفع الله عيسى إليه، وهذا كله غير ممتنع، لأنا لا نشك في أنه شبّه لهم.
وقوله: (وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه).
أي الذين اختلفوا في قتله شاكون، لأن بعضهم زعم أنّه إله، وما قتل.
وبعضهم ذكر إنّه قتل، وهم في ذلك شاكون.
(ما لهم به من علم إلّا اتّباع الظّنّ).
(اتّباع) منصوب بالاستثناء، وهو استثناء ليس من الأول.
المعنى ما لهم به من علم لكنهم يتبعون الظن.
وإن رفع جاز على أن يجعل عليهم اتباع الظن.
كما تقول العرب: تحيتك الضرب وعتابك السيف.
قال الشاعر:
وخيل قد دلفت لها بخيل=تحية بينهم ضرب وجيع
وقوله عزّ وجلّ: (وما قتلوه يقينا).
قال بعضهم: الهاء للعلم. المعنى وما قتلوا علمهم يقينا، كما تقول: أنا أقتل الشيء علما، تأويله إني أعلمه علما تامّا.
وقال بعضهم: (وما قتلوه) الهاء لعيسى كما قال: وما قتلوه وما صلبوه.
وكلا القولين جائز). [معاني القرآن: 2/128-129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم}
قال مجاهد: قتلوا رجلا توهموا أنه عيسى ورفع الله عيسى حيا
وقال قتادة: قال عيسى: أيكم يقذف عليه شبهي فيقتل ويدخل الجنة فقال رجل منهم أنا فقتل
وقال غيره: يعذبون على أنهم قتلوا نبيا؛ لأن تلك نياتهم). [معاني القرآن: 2/233-234]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه} لأن مقالتهم فيه مختلفة وهم في شك منه). [معاني القرآن: 2/234]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما قتلوه يقينا} المعنى عند أهل اللغة: وما قتلوا العلم يقينا كما يقول قتلته علما وقتلته يقينا إذا علمته علما تاما قال أبو عبيد ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط). [معاني القرآن: 2/234]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (وما قتلوه يقينا) قالوا: «يقينا» بدل من الهاء، كأنه فال: وما قتلوا اليقين يقينا، ويجوز: وما قتلوا الشك يقينا، ويجوز: وما قتلوا الشبيه يقينا). [ياقوتة الصراط: 205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} قيل: ما قتلوه بمعنى ما حققوا العلم به. {يَقِينًا} نعت لمصدر محذوف، تقديره: ما حققوه تحقيقا يقينا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]

تفسير قوله تعالى: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (بل رفعه اللّه إليه وكان اللّه عزيزا حكيما (158)
إدغام اللام في الراء هو الكلام وعليه القراءة، لأن اللام قريبة من مخرج الراء، والراء متمكنة، وفيها كالتكرير، فلذلك اختير الإدغام فيها، وإن لم تدغم لأنه من كلمتين جاز). [معاني القرآن: 2/129]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (وقوله: (بل رفعه الله إليه) هو رد لكل ما ادعته النصارى على المسيح - صلى الله عليه وسلم). [ياقوتة الصراط: 205-206]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن مّن أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته...}
معناه: من ليؤمنّن به قبل موته. فجاء التفسير بوجهين:
أحدهما أن تكون الهاء في موته لعيسى، يقول: يؤمنون إذا أنزل قبل موته، وتكون الملّة والدين واحدا.
ويقال: يؤمن كل يهوديّ بعيسى عند موته. وتحقيق ذلك في قراءة أبيّ (إلا ليؤمننّ به قبل موتهم) ). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته} يريد: ليس من أهل الكتاب في آخر الزمان عند نزوله - أحد إلا آمن به حتى تكون الملّة واحدة، ثم يموت عيسى بعد ذلك). [تفسير غريب القرآن: 137]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (159)
المعنى: وما مهم من أحد إلّا ليؤمننّ به، وكذلك قوله: (وإن منكم إلا واردها).
المعنى: ما منكم أحد إلا واردها، وكذلك (وما منّا إلّا له مقام معلوم)
المعنى: وما منا أحد إلا له مقام معلوم.
ومثله قول الشاعر:
لو قلت ما في قومها لم تيثم=يفضلها في حسب وميسم
المعنى: ما في قومها أحد يفضلها.
فالمعنى (ليؤمننّ به قبل موته)، فالهاء في " موته " راجعة على كافر في بعض الأقاويل، وقد قيل: ما من أحد إلا ليؤمننّ بعيسى ممن كفر به قبل موته؛ لأن الميت قبل موته يعاين عمله فيعلم صالحه من طالحه، وكل كافر إذا عاين آمن بكل نبي كفر به قبل موته.
وقالوا في الهاء في قوله: (ليؤمننّ به) أي بعيسى.
وقال بعضهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
والقولان واحد، لأن من كفر بنبي عاين قبل موته أنه كان على ضلال، وآمن حيث لا ينفعه الإيمان.
وقال بعضهم: (إلّا ليؤمننّ به) أي سيؤمن بعيسى إذا نزل لقتل المسيح الدجّال، وهذا بعيد في اللغة؛ لأنه قال: (وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته).
والذين يبقون إلى ذلك الوقت إنما هم شرذمة منهم، ولكنه يحتمل أنهم كلهم يقولون إن عيسى الذي ينزل لقتل الدجال. نحن نؤمن، فيجوز على هذا.
واللّه أعلم بحقيقته). [معاني القرآن: 2/129-130]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها أنه روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لينزلن ابن مريم حكما عدلا فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزير وليكسرن الصليب وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين)) ثم قال أبو هريرة: (واقرؤوا إن شئتم {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته}، قال أبو هريرة: (قبل موت عيسى) يعيدها ثلاث مرات.
وقال قتادة: قبل موته قبل موت عيسى.
ب-وقال ابن عباس: (قبل موته قبل موت الذي من أهل الكتاب). وقال بهذا القول الحسن وعكرمة وهذا القول رواه عن ابن عباس عكرمة.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن معنى قبل موته قبل موت عيسى صلى الله عليه وسلم.
ج- وقال غير هؤلاء: المعنى وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موته
وهذه الأقوال غير متناقضة؛ لأنه يتبين عند موته الحق فيؤمن حين لا ينفعه الإيمان.
قال محمد بن جرير: أولى هذه الأقوال بالصواب، والصحة قول من قال تأويل ذلك: إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وأن ذلك في خاص من أهل الكتاب ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التي كانت بعد عيسى وأن ذلك عند نزوله ولم يجر لمحمد في الآيات التي قبل ذلك ذكر فيجوز صرف الهاء التي في ليؤمنن به إلى أنها من ذكره وإنما ليؤمنن به في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود). [معاني القرآن: 2/235-237]

تفسير قوله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم}
يبين هذا قوله عز وجل: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 2/237-238]

تفسير قوله تعالى: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) )
تفسير قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة والمؤمنون بالله) (161): العرب تخرج من الرفع إلى النصب إذا كثر الكلام، ثم تعود بعد إلى الرفع. قالت خرنق:
لا يبعدن قومي الذين هم=سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معتركٍ=والطيّبون معاقد الأزر). [مجاز القرآن: 1/142-143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن
وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
تزوّد منَّا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:
أيَّ قلوصِ راكبِ تراها = طارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها
على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ (المقيمون الصلاة)). [تأويل مشكل القرآن: 50-52] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :(وقالوا في نصب (المقيمين) بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين.
وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين.
وكان الكسائي يرده إلى قوله: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أي: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله في موضع آخر: {يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي بالمؤمنين.
وقال بعضهم: هو نصب على المدح.
قال أبو عبيدة: هو نصب على تطاول الكلام بالنّسق، وأنشد للخرنق بنت هفّان:
لا يبعدن قومي الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معترك = والطيّبون معاقد الأزر
ومما يشبه هذه الحروف- ولم يذكروه- قوله في سورة البقرة: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}. والقرّاء جميعا على نصب الصابرين إلا عاصماً الجحدريَّ فإنه كان يرفع الحرفَ إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه، للعلّة التي تقدم ذكرها.
واعتل أصحاب النحو للحرف، فقال بعضهم: هو نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدّد غير متبع لأوّل الكلام، كذلك قال الفرّاء.
وقال بعضهم: أراد: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضّرّاء.
وهذا وجه حسن، لأنّ البأساء: الفقر، ومنه قول الله عز وجل: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.
والضّرّاء: البلاء في البدن، من الزَّمانة والعلَّة. فكأنه قال: وآتى المال على حبّه السائلين الطّوَّافين، والصابرين على الفقر والضرّ الذين لا يسألون ولا يَشْكُون، وجعل الموفين وسَطا بين المعطِين نسقًا على من آمن بالله). [تأويل مشكل القرآن: 53-54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة والمؤمنون باللّه واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما (162)
يعنى بالراسخين الثابتون في العلم من أهل الكتاب أنهم لعلمهم آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء عليهم السلام.
(والمقيمين الصّلاة).
نسق على " ما " المعنى يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة أي ويؤمنون بالنبيين المقيمين الصلاة.
وقال بعضهم: " المقيمين " عطف على الهاء والميم، المعنى: لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة يؤمنون بما أنزل إليك، وهذا عند النحويين رديء، أعني العطف على الهاء والميم لأنه لا يعطف بالظاهر المجرور على المضمر المجرور إلا في شعر.
وذهب بعضهم أن هذا وهم من الكاتب.
وقال بعضهم: في كتاب اللّه أشياء ستصلحها العرب بألسنتها، وهذا القول عند أهل اللغة بعيد جدا؛ لأن الذين جمعوا القرآن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أهل اللغة وهم القدوة وهم قريبو العهد بالإسلام فكيف يتركون في كتاب اللّه شيئا يصلحه غيرهم، وهم الذين أخذوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجمعوه، وهذا ساقط عمّن لا يعلم بعدهم وساقط عمن يعلم؛ لأنهم يقتدى بهم فهذا مما لا ينبغي أن ينسب إليهم رحمة الله عليهم.
والقرآن محكم لا لحن فيه، ولا تتكلم العرب بأجود منه في الإعراب، كما قال عزّ وجلّ (تنزيل من حكيم حميد)، وقال: (بلسان عربيّ مبين).
ولسيبويه والخليل وجميع النحويين في هذا باب يسمونه باب المدح قد بينوا فيه صحة هذا وجودته.
وقال النحويون: إذا قلت مررت بزيد الكريم.
وأنت تريد أن تخلص زيدا من غيره فالجر هو الكلام حتى يعرف زيد الكريم من زيد غير الكريم، وإذا أردت المدح والثناء فإن شئت نصبت، فقلت: مررت بزيد الكريم كأنك قلت: أذكر الكريم، وإن شئت قلت: بزيد الكريم على تقدير هو الكريم، وجاءني قومك المطعمين في المحل، والمغيثون في الشدائد، على معنى أذكر المطعمين، وهم المغيثون في الشدائد، وعلى هذا الآية؛ لأنه لما قال: (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) علم أنّهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة. فقال: (والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة)، على معنى، أذكر المقيمين الصلاة، وهم المؤتون الزكاة، وأنشدوا بيت الخزنق بنت بدر بن هفان:
لا يبعدن قومي الّذين همو=سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك=والطيبون معاقد الأزر
على معنى اذكر النازلين، رفعه ونصبه على المدح. وبعضهم يرفع النازلين وينصب الطيبين، وكله واحد جائز حسن. فعلى هذه الآية.
فأما من قال إنه: وهم فقد بيّنّا ما فيه كفاية. والذي ذكرناه من الاحتجاج في ذلك مذهب أصحابنا البصريين). [معاني القرآن: 2/130-132]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليكم وما أنزل من قبلك} الراسخ الثابت ومنهم يعني أهل الكتاب). [معاني القرآن: 2/238]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والمقيمين الصلاة} وفيه معنى المدح أي واذكروا المقيمين الصلاة) ). [معاني القرآن: 2/238]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ...}
كما أوحينا إلى كلهم). [معاني القرآن: 1/295]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة.
قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ}، وقال: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، فهذا إرسال جبريل بالقرآن). [تأويل مشكل القرآن: 489]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنّبيّين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيّوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا (163)
هذا جواب لهم حين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وقد جرى ذكر ذلك قبل هذه الآية.
وهو قوله: (يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابا من السّماء)
فأعلم اللّه نبيه أن شأنه في الوحي كشأن الأنبياء الذين سلفوا قبله، وهذا احتجاج عليهم، فقال: (إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنّبيّين من بعده) وسائر الأنبياء الذين ذكروا في هذه الآية.
وقوله: (وآتينا داوود زبورا).
القراءة فيه بفتح الزاي وضمها، وأكثر القراء على فتح الزاي.
وقد قرأت جماعة زبورا بضم الزاي، منهم الأعمش وحمزة، فمن قرأ زبورا، بفتح الزاي فمعناه كتابا، وهذا الوجه عند أهل اللغة؛ لأن الآثار كذا جاءت زبور داود، كما جاء توراة موسى وإنجيل عيسى.
ومن قرأ زبورا بضم الزاي فمعناه وآتيناه كتبا، جمع زبر وزبور ويقال زبرت الكتاب أزبره زبرا إذا كتبت، وزبرت أزبر زبرا، وأزبر إذا قرأت.
والزبر في اللغة إحكام العمل قي البئر خاصة، تقول: بئر مزبورة إذا كانت مطوية بالحجارة، والزبر إحكام الكتاب.
وقول الشاعر:
=هو جاء ليس للبها زبر
يصف ريحا، جعل هذا مثلا لها، كأنه قال ليس لشأنها قوة في الاستواء.
وقوله جلّ وعزّ: (آتوني زبر الحديد) واحدها زبرة، وهي قطع الحديد). [معاني القرآن: 2/132-133]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده}
هذا متصل بقوله: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء} فأعلم الله أن أمره كأمر النبيين الذين قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم). [معاني القرآن: 2/238-239]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وآتينا داود زبورا} ويقرأ (زبورا) بضم الزاي.
قال الكسائي: من قرأ (زبورا) فهو عنده واحد مثل التوراة والإنجيل.
وقال غيره: هو فعول بمعنى مفعول كما يقال: حلوب بمعنى محلوب.
يقال: زبرته فهو مزبور أي كتبته وزبور بمعنى مزبور ومن قرأ (زبورا) فهو عنده جمع زبر). [معاني القرآن: 2/239]

تفسير قوله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ورسلاً قد قصصناهم عليك...}
نصبه من جهتين. يكون من قولك: كما أوحينا إلى رسل من قبلك، فإذا ألقيت (إلى) والإرسال اتصلت بالفعل فكانت نصبا؛ كقوله: {يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذابا أليما} ويكون نصبا من (قصصناهم). ولو كان رفعا كان صوابا بما عاد من ذكرهم.
وفي قراءة أبيّ بالرفع (ورسلٌ قد قصصناهم عليك من قبل ورسلٌ لم نقصصهم عليك) ). [معاني القرآن: 1/295]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لّم نقصصهم عليك وكلّم اللّه موسى تكليماً}
[و] قال: {ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل} فانتصب؛ لأن الفعل قد سقط بشيء من سببه وما قبله منصوب بالفعل.
[و]{وكلّم اللّه موسى تكليماً} الكلام خلق من الله على غير الكلام منك وبغير ما يكون منك. خلقه الله ثم أوصله إلى موسى). [معاني القرآن: 1/213-214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: (ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلّم اللّه موسى تكليما (164)
" رسلا " منصوب من جهتين، أجودهما أن يكون منصوبا بفعل مضمر.
الذي ظهر يفسره، المعنى وقد قصصنا رسلا عليك قد قصصناهم، كما تقول رأيت زيدا وعمرا أكرمته، المعنى وأكرمت عمرا أكرمته.
وجائز أن يحمل (ورسلا) على معنى (إنا أوحينا إليك)؛ لأن معناه إنا أرسلنا إليك: موحين إليك، وأرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك.
وقوله عزّ وجلّ: (وكلّم اللّه موسى تكليما).
أخبر الله عز وجل بتخصيص نبي ممن ذكر، فأعلم عزّ وجلّ أن موسى كلمّ بغير وحي، وأكد ذلك بقوله تكليما، فهو كلام كما يعقل الكلام لا شك في ذلك). [معاني القرآن: 2/133]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكلم الله موسى تكليما}
مؤكد يدل على معنى الكلام المعروف؛ لأنك إذا قلت: كلمت فلانا جاز أن يكون أوصلت إليه كلامك، وإذا قلت: كلمته تكليما لم تكن إلا من الكلام الذي يعرف فأخبره الله بخصيصاء الأنبياء ثم أخبر بما خص به موسى صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/239-240]

تفسير قوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) )
تفسير قوله تعالى: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار قوله: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}. لأنه لما أنزل عليه: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}
قال المشركون: ما نشهد لك بهذا، فمن يشهد لك به؟ فترك ذكر قولهم وأنزل: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ}. يدلك على هذا أن (لكن) إنما تجيء بعد نفي لشيء فيوجب ذلك الشيء بها). [تأويل مشكل القرآن: 230-231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ -: (لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدا (166)
القراءة الرفع مع تخفيف " لكن "، والنصب جائز " لكنّ الله يشهد، إلا أنه لا يقرأ بما يجوز في العربية إلا أن يثبت به رواية عن الصحابة وقراء الأمصار.
ومعنى (لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك) يبين؛ لأن الشاهد هو المبين لما يشهد به. فاللّه جلّ وعزّ يبينه ويعلم مع إبانته أنه حق.
(والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدا)
معناه: وكفى الله شهيدا، والباء دخلت مؤكدة، المعنى اكتفوا باللّه في شهادته، ومعنى (أنزله بعلمه) أي أنزل القرآن الذي فيه علمه). [معاني القرآن: 2/134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} قال القتبي ولكن لا تكون إلا بعد نفي قال فهي محمولة على المعنى لأنهم لما كذبوا فقد نفوا فقال جل وعز: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك}
قال أبو جعفر: وهذا غلط؛ لأن «لكن» عند النحويين إذا كانت بعدها جملة وقعت بعد النفي والإيجاب وبعدها ههنا جملة وإنما يقول النحويون: لا تكون إلا بعد نفي إذا كان بعدها مفرد
وقوله: {أنزله بعلمه} أي أنزله وفيه علمه، كما تقول: جاء فلان بالسيف أي وهو معه وكما قال جل وعز: {تنبت بالدهن} ). [معاني القرآن: 2/240-241]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) )
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) )
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) )
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فآمنوا خيراً لّكم...}
(خير) منصوب باتصاله بالأمر؛ لأنه من صفة الأمر؛ وقد يستدلّ على ذلك؛ ألم تر الكناية عن الأمر تصلح قبل الخير، فتقول للرجل: اتق الله هو خير لك؛ أي الاتقاء خير لك، فإذا سقطت (هو) اتصل بما قبله وهو معرفة فنصب، وليس نصبه على إضمار (يكن)؛ لأن ذلك يأتي بقياس يبطل هذا؛ ألا ترى أنك تقول: اتق الله تكن محسنا، ولا يجوز أن تقول: اتق الله محسنا وأنت تضمر (تكن) ولا يصلح أن تقول: انصرنا أخانا (وأنت تريد تكن أخانا) ). [معاني القرآن: 1/295-296]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فآمنوا خيراً لكم) (169): نصبٌ على ضمير جواب (يكن خيراً لكم)، وكذلك كل أمر ونهى، وإذا كانت آية قبلها وأن تفعلوا، ألف (أن) مفتوحة فما بعدها رفع لأنه خبر (أن)، (وأن تصدّقوا خيرٌ لكم) (2/280).
وما مرّ بك من أسماء الأنبياء لم تحسن فيه الألف واللام فإنه لا ينصرف، وما كان في آخره (ى) فإنه لا ينون نحو عيسى وموسى). [مجاز القرآن: 1/143]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها النّاس قد جاءكم الرّسول بالحقّ من رّبّكم فآمنوا خيراً لّكم وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات والأرض وكان اللّه عليماً حكيماً}
[و] قال: {فآمنوا خيراً لّكم} فنصب {خيراً لكم} لأنه حين قال لهم {آمنوا} أمرهم بما هو خير لهم فكأنه قال: "اعملوا خيراً لكم" وكذلك {انتهوا خيراً لّكم} فهذا إنما يكون في الأمر والنهي خاصة ولا يكون في الخبر، لأنّ الأمر والنهي لا يضمر فيهما وكأنك أخرجته من شيء إلى شيء. وقال الشاعر:
ففواعديه سرحتي مالكٍ = أو الرّبا بينهما أسهلا
كما تقول: "واعديه خيراً لك" وقد سمعت نصب هذا في الخبر تقول العرب: "آتى البيت خيراً لي" و"أتركه خيراً لي" وهو على ما فسرت في الأمر والنهي). [معاني القرآن: 1/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها النّاس قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات والأرض وكان اللّه عليما حكيما (170)
(فآمنوا خيرا لكم).
اختلف أهل العربية في تفسير نصب " خير "، فقال الكسائي: انتصب لخروجه من الكلام، قال: وهذا تقوله العرب في الكلام التام نحو قولك لتقومنّ خيرا لك، فإذا كان الكلام ناقصا رفعوا فقالوا: إن تنته خير لك. وقال الفراء: انتصب هذا وقوله (خيرا لكم) لأنه متصل بالأمر وهو من صفته، ألا ترى أنك تقول انته هو خير لك فلما سقطت هو اتصل بما قبله، وهو معرفة فانتصب، ولم يقل هو ولا الكسائي من أي المنصوبات هو، ولا شرحوه بأكثر من هذا.
وقال الخليل وجميع البصريين: إنّ هذا محمول على معنا؛ لأنك إذا قلت: انته خيرا فأنت تدفعه عن أمر وتدخله في غيره، كأنك قلت: انته وائت خير لك وادخل فيما هو خير لك.
وأنشد الخليل وسيبويه قول عمر بن أبي ربيعة:
فواعديه سرحتي مالك=أو الرّبى بينهما أسهلا
كأنه قال إيتي مكانا أسهلا). [معاني القرآن: 2/135]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقولوا ثلاثةٌ...}
أي تقولوا: هم ثلاثة؛ كقوله تعالى: {سيقولون ثلاثةٌ رابعهم} فكل ما رأيته بعد القول مرفوعا ولا رافع معه ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم.
وقوله: {سبحانه أن يكون له ولدٌ} يصلح في (أن) من وعن، فإذا ألقيتا كانت (أن) في موضع نصب. وكان الكسائيّ يقول: هي في موضع خفض، في كثير من أشباهها.
{فأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم ويزيدهم مّن فضله وأمّا الّذين استنكفوا واستكبروا فيعذّبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم مّن دون اللّه وليّاً ولا نصيراً}). [معاني القرآن: 1/296]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا تغلوا في دينكم) (170) من الغلوّ والاعتداء، كل شيء زاد حتى يجاوز الحدّ من نبات أو عظم أو شباب، يقال في غلوائها وغلواء الشباب، قال الحارث بن خالد المخزومي:
خمصانةٌ قلقٌ موشّحها=رؤد الشباب غلابها عظم
(وكلمته ألقاها إلى مريم) (170) قوله كن، فكان). [مجاز القرآن: 1/143]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وروح منه) (171) أحياه الله فجعله روحاً.
(ولا تقولوا ثلاثةٌ) (171) أي لا تقولوا: هم ثلاثة). [مجاز القرآن: 1/144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لا تغلوا في دينكم}: الغلو مجاوزة الحد). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لا تغلوا في دينكم} أي لا تفرطوا فيه. يقال: دين اللّه بين المقصّر والغالي. وغلا في القول: إذا جاوز المقدار). [تفسير غريب القرآن: 137]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: عزّ وجلّ: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلّا الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنّما اللّه إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السّماوات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلا (171)
(سبحانه أن يكون له).
معنى سبحانه: تبرئته من أن يكون له ولد، وهذا قول أهل العربية.
وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن معنى " سبحان الله " تبرئة الله من السوء، وتفسير أهل العربية موافق لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله جلّ وعزّ: (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا)
الرفع لا غير، ورفعه بإضمار لا تقولوا آلهتنا ثلاثة.
(إنّما اللّه إله واحد)
أي ما هو إلا إله واحد.
وقوله: (إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته)
أي، فكيف يكون إلها وهو ابن مريم، وكيف يكون إلها وأمه قبله واللّه عزّ وجلّ القديم الذي لم يزل.
(لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلّا الحقّ).
الغلو مجاوز القدر في الظلم). [معاني القرآن: 2/135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ تَغْلُواْ} أي لا تفرطوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ تَغْلواْ}: لا تغلوا). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لن يستنكف المسيح) (171) لن يأنف ويستكبر ويتعظم). [مجاز القرآن: 1/144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لن يستنكف المسيح} أي لن يأنف). [تفسير غريب القرآن: 137]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا للّه ولا الملائكة المقرّبون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا (172)
أي ليس يستنكف الذي تزعمون أنه إله أن يكون عبدا للّه.
(ولا الملائكة المقربون)
والملائكة - واللّه أعلم - أكرم من النبيين، ألا ترى أن نوحا عليه السلام قال: (ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول إنّي ملك)، فقال عزّ وجلّ: (لن يستنكف المسيح) من العبودة للّه.
ومعنى يستنكف أي لن يأنف، وأصله في اللغة من نكفت الدّمع إذا نحيته بإصبعك من خدك.
قال الشاعر:
فبانوا فلولا ما تذكر منهم=من الخلف لم ينكف لعينيك مدمع
فتأويل لن يستنكف لن ينقبض، ولن يمتنع من عبودة اللّه). [معاني القرآن: 2/135-136]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون}
قال قتادة: لن يستنكف لن يحتشم والاستنكاف عند أهل اللغة الأنفة، وهو من نكف ينكف إذا نحى الدمعة عن خده بيده). [معاني القرآن: 2/241]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (لن يستنكف المسيح) أي: لن يأنف المسيح). [ياقوتة الصراط: 206]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَّن يَسْتَنكِفَ} أي لن يأنف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 65]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَسْتَنكِفَ}: يأنف). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يجدون...}
ردّت على ما بعد الفاء فرفعت، ولو جزمت على أن تردّ على موضع الفاء كان صوابا، كما قال {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم}). [معاني القرآن: 1/296]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم) (173) الألف مفتوحة وكذلك كل شيء في القرآن إذا كان تمام كلامه بالفاء، وإذا كان تخييراً فألف (إما) مكسورة كقوله: (إمّا أن تعذّب وإمّا أن تتّخذ) (18/83)، وإذا كان في موضع (إن) فكذلك الألف مكسورة؛ من ذلك (فإمّا ترينّ من البشر أحداً) (19/25) ). [مجاز القرآن: 1/144]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (برهانٌ) (174): بيان وحجة سواء). [مجاز القرآن: 1/144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({برهان من ربكم}: بيان وحجة). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها النّاس قد جاءكم برهان من ربّكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174)
(وأنزلنا إليكم نورا مبينا).
يعنى به - واللّه أعلم - القرآن؛ لأن النور هو الذي يبين الأشياء حتى ترى. ومثّل اللّه عزّ وجلّ ما يعلم بالقلب علما واضحا لما يرى بالعين رؤية منكشفة بينة.
والكلالة قد بيّناها أول السورة). [معاني القرآن: 2/136]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم}
قال مجاهد: حجة.
وقال سفيان: يعني بالبرهان النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/242]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأنزلنا إليكم نورا مبينا}
قال قتادة: هو القرآن وهو عند أهل اللغة تمثيل؛ لأن أصل النور هو الذي يبين الأشياء فمثل ما يعلم بالقلب بما يرى عيانا). [معاني القرآن: 2/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بُرْهَانٌ}: حجة). [العمدة في غريب القرآن: 116]

تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاستعارة: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} يعني جنّته، سمّاها رحمة؛ لأن دخولهم إيّاها كان برحمته.
ومثله قوله: { فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ} {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 145-146] (م)

تفسير قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن امرؤٌ هلك...}
(هلك) في موضع جزم. وكذلك قوله: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك} لو كان مكانهما يفعل كانتا جزما؛ كما قال الكميت:
فإن أنت تفعل فللفاعلين=أنت المجيزين تلك الغمارا
وأنشد بعضهم:
صعدة نابتة في حائرٍ=أينما الريح تميّلها تمل
إلا أن العرب تختار إذا أتى الفعل بعد الاسم في الجزاء أن يجعلوه (فعل) لأن الجزم لا يتبين في فعل، ويكرهون أن يعترض شيء بين الجازم وما جزم. وقوله: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} معناه: ألاّ تضلوا. ولذلك صلحت لا في موضع أن. هذه محنة لـ (أن) إذا صلحت في موضعها لئلا وكيلا صلحت لا). [معاني القرآن: 1/297]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ وله أختٌ فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لّم يكن لّها ولدٌ فإن كانتا اثنتين فلهما الثّلثان ممّا ترك وإن كانوا إخوةً رّجالاً ونساء فللذّكر مثل حظّ الأنثيين يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
قال: {إن امرؤٌ هلك} مثل {وإن امرأةٌ خافت} تفسيرهما سواء). [معاني القرآن: 1/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} أي لئلا تضلوا. وقد بينت هذا وما أشبهه في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه: أن تحذف (لا) من الكلام والمعنى إثباتها ...
ومنه قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}، أي: لئلا تضلوا. و{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}، أي: لئلا تزولا). [تأويل مشكل القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثّلثان ممّا ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذّكر مثل حظّ الأنثيين يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا واللّه بكلّ شيء عليم (176)
(إن امرؤ هلك ليس له ولد).
جاز مع " إن " تقديم الاسم قبل الفعل، لأن " إن " لا تعمل في الماضي.
ولأنها أمّ الجزاء. والنحويون يذهبون إلى أن معها فعلا مضمرا، الذي ظهر يفسره، والمعنى إن هلك امرؤ هلك.
وقوله: (يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا).
قيل: فيها قولان:
قال بعضهم: المعنى يبين اللّه لكم أن لا تضلوا فأضمرت لا.
وقال البصريون: إن " لا " لا تضمر، وإن المعنى: يبيّن الله لكم كراهة أن تضلوا، ولكن حذفت " كراهة "؛ لأن في الكلام دليلا عليها، وإنما جاز الحذف عندهم على أحد، قوله: (واسأل القرية) والمعنى واسأل أهل القرية، فحذف الأول جائز، ويبقى المضاف يدل على المحذوف، قالوا: فأما حذف " لا " وهي حرف جاء لمعنى النفي فلا يجوز، ولكن " لا " تدخل في الكلام مؤكدة، وهي لغو كقوله: (لئلّا يعلم أهل الكتاب ألّا يقدرون).
ومثله قول الشاعر:
وما ألوم البيض ألّا تسخرا=لما رأين الشمط القفندرا
المعنى وما ألوم البيض أن تسخر.
ومثل دخول " لا " توكيدا قوله عزّ وجلّ: (لا أقسم بيوم القيامة).
و (لا أقسم بهذا البلد).
فإن قال قائل: أفيجوز أن تقول لا أحلف عليك، تريد أحلف عليك؟.
قيل: " لا " لأن لا، إنما تلغى إذا مضى صدر الكلام على غير النفي، فإذا بنيت الكلام على النفي فقد نقضت الإيجاب، وإنما جاز أن تلغى " لا " في أول السورة؛ لأن القرآن كله كالسورة الواحدة، ألا ترى أن جواب الشيء قد يقع وبينهما سور كما قال جلّ وعزّ جوابا لقوله: (وقالوا يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر إنّك لمجنون (6).
فقال: (ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربّك بمجنون (2).
ومثله في القرآن كثير). [معاني القرآن: 2/137-138]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} الكلالة من لا والد له ولا ولد وقد شرحنا معناه في أول السورة
قال البراء بن عازب: (آخر آية نزلت {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة})). [معاني القرآن: 2/242-243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم}
قال الكسائي: المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا.
قال أبو عبيد: فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله إجابة)) فاستحسنه.
والمعنى عند أبي عبيد: لئلا يوافق من الله إجابة، وهذا القول عند البصريين خطأ لا يجيزون إضمار لا والمعنى عندهم يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ثم حذف كما قال تعالى: {واسأل القرية} وكذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي كراهة أن يوافق من الله إجابة.
وقول ثالث، أن المعنى يبين لكم الضلالة لأن معنى أن تفعلوا فعلكم كما تقول: يعجبني أن تقوم أي قيامك). [معاني القرآن: 2/243-244]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أن تضلوا) بمعنى: أن لا تضلوا). [ياقوتة الصراط: 206]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَن تَضِلُّواْ} لئلا تضلوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 65]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْكَلاَلَةِ}: من ليس بوالد ولا ولد). [العمدة في غريب القرآن: 116]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة