العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 02:47 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي مسائل لغوية في مقدمات التفسير

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الموضوع مخصص لذكر المسائل اللغوية العامة المتعلقة بالتفسير مما يذكره المؤلفون في كتب معاني القرآن وغريب القرآن ومن المسائل اللغوية التي تضمنتها مقدمات المفسرين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 ذو الحجة 1431هـ/14-11-2010م, 12:49 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي مقدمة كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة

معنى القرآن
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (القرآن: اسم كتاب الله خاصة، ولا يسمّى به شيء من سائر الكتب غيره، وإنما سمّي قرآناً لأنه يجمع السور فيضمها، وتفسير ذلك في آية من القرآن؛ قال الله جلّ ثناؤه: {إنّ علينا جمعه وقرآنه} مجازه: تأليف بعضه إلى بعض؛ ثم قال: {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}, مجازه: فإذا ألّفنا منه شيئاً، فضممناه إليك فخذ به، واعمل به وضمّه إليك؛ وقال عمرو ابن كلثوم في هذا المعنى:

ذراعى حرّةٍ أدماء بكرٍ= هجان اللّون لم تقرأ جنينا
أي: لم تضمّ في رحمها ولداً قط، ويقال: للتى لم تحمل قط: ما قرأت سلىً قط.
وفي آية أخرى: {فإذا قرأت القرآن}, مجازه: إذا تلوت بعضه في إثر بعض، حتى يجتمع وينضمّ إلى بعض؛ ومعناه: يصير إلى معنى التأليف والجمع, وإنما سمّى القرآن فرقاناً؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين المسلم والكافر، وخرج تقديره على تقدير: رجل قنعان، والمعنى : أنه يرضى الخصمان والمختلفان في الأمر بحكمه بينهما, ويقنعان به).

معنى السورة
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (والسورة من القرآن: يهمزها بعضهم، وبعضهم لا يهمزها؛
- وإنما سمّيت سورة في لغة من لا يهمزها، لأنه يجعل مجازها مجاز منزلة إلى منزلة أخرى، كمجاز سورة البناء، قال النابغة الذبياني:
ألم تر أن الله أعطاك سورة= ترى كل ملكٍ دونها يتذبذب
أي: منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك، غير أن جمع سورة القرآن خالف جمع سورة البناء في لغة من همز سورة القرآن.
- وفي لغة من لم يهمزها؛ قالوا جميعاً في جمع سورة القرآن (سور) الواو مفتوحة, كما قال: لا يقرأن بالسور , فخرج جمعها مخرج جمع ظلمة والجميع ظلم ونحو ذلك، وقالوا جميعاً في جمع سورة البناء سور الواو ساكنة، فخرج جمعها مخرج جمع بسرة والجميع بسر
قال العجّاج:
فربّ ذي سرادقٍ محجور= سرت إليه في أعالي السور
الواو ساكنة، السرادق: الفسطاط وهو البلق؛ ومجاز سورة في لغة من همزها: مجاز قطعة من القرآن على حدة وفضلة منه, لأنه يجعلها من قولهم: أسأرت سؤراً منه، أي: أبقيت, وأفضلت منه فضلةً.

معنى الآية
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (والآية من القرآن: إنما سّميت آية لأنها كلام متصل إلى انقطاعه، وانقطاع معناه: قصة ثم قصة.


أسماء سور القرآن
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (ولسور القرآن أسماء:
- فمن ذلك أن {الحمد الله} تسمّى (أم الكتاب)، لأنه يبدأ بها في أول القرآن, وتعاد قراءتها, فيقرأ بها في كل ركعة قبل السورة؛ ولها اسم آخر يقال لها: فاتحة الكتاب؛ لأنه يفتتح بها في المصاحف, فتكتب قبل القرآن، ويفتتح بقراءتها في كل ركعة قبل قراءة ما يقرأ به من السور في كل ركعة.
- ومن ذلك اسم جامع لما بلغ عددهن مائة آية أو فويق ذلك أو دوينه فهو المئون، وقد فرغنا من ذلك في الرجز الذي بعد هذا.
- ومن ذلك اسم جامع للآيات وهو: المثاني، وقد فرغنا من ذلك في الرجز الذي بعد هذا.
- ومن ذلك اسم لقوله: {قل يا أيها الكافرون}, ولقوله: {قل هو الله أحد}, يقال لهما: (المقشقشتان)، ومعناه: المبرّئتان من الكفر, والشكّ, والنفاق, كما يقشقش الهناء الجرب فيبرئه.
- ومن ذلك اسم جامع لسبع سور من أول القرآن، يقال للبقرة (2)، وآل عمران (3)، والنساء (4)، والمائدة (5)، والأنعام (6)، والأعراف (7)، والأنفال (8): (السبع الطول)
قال سليمان:

نشدتكم بمنزل الفرقان=أم الكتاب السبع من مثاني
تنّين من آيٍ من القرآن= والسبع سبع الطول الدّواني

وقال في جمع أسمائها:

حلفت بالسبع اللواتى طوّلت= وبمئين بعدها قد امئيت
وبمثانٍ ثنّيت فكرّرت= وبالطواسيم التي قد ثلّثت
وبالحواميم اللواتي سبّعت= وبالمفصّل اللواتي فصّلت

وقال الشاعر فيما يدل على أن الحمد هي السبع المثاني:

الحمد لله الذي أعفاني
=
وكلّ خير صالح أعطاني
=
رب المثاني الآي والقرآن



أنواع مجاز القرآن
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قالوا: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وتصداق ذلك في آية من القرآن، وفي آية أخرى: {وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ بلسان قومه}, فلم يحتج السلف, ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوا عن معانيه؛ لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص, وفي القرآن مثل ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب، ومن الغريب، والمعاني.
ومن المحتمل من مجاز ما اختصر وفيه مضمر: قال: {وانطلق الملأ منهم أن أمشوا واصبروا}, فهذا مختصر فيه ضمير مجازه: {وانطلق الملأ منهم}, ثم اختصر إلى فعلهم وأضمر فيه: وتواصوا أن أمشوا, أو تنادوا أن أمشوا, أو نحو ذلك, وفي آية أخرى: {ماذا أراد الله بهذا مثلاً}, فهذا من قول الكفار، ثم اختصر إلى قول الله، وأضمر فيه: قل يا محمد: {يضلّ به كثيراً}, فهذا من كلام الله.
ومن مجاز ما حذف وفيه مضمر: قال: {وسل القرية التي كنّا فيها والعير التي أقبلنا فيها}, فهذا محذوف فيه ضمير مجازه: وسل أهل القرية، ومن في العير.
ومن مجاز ما كفّ عن خبره استغناءً عنه وفيه ضميرٌ: قال:{حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتمفادخلوها خالدين} , ثم كفّ عن خبره.
ومن مجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد الذي له جماع منه , ووقع معنى هذا الواحد على الجميع: قال: {يخرجكم طفلاً} في موضع: (أطفالا), وقال:{إنما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم}, فهذا وقع معناه على قوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}, وقال:{والملك على أرجائها}, في موضع: (والملائكة).
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الجميع على لفظ الواحد: قال:{والملائكة بعد ذلك ظهير}في موضع: ظهراء.
ومن مجاز ما جاء لفظه الجميع الذي له واحد منه، ووقع معنى هذا الجميع على الواحد: قال: {الذين قال لهم النّاس إن النّاس قد جمعوا لكم}, والناس جميع، وكان الذي قال رجلا واحداً {أنا رسول ربّك}, وقال: {إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدر}, والخالق الله وحده لا شريك له.
ومن مجاز ما جاء لفظه الجميع الذي له واحد منه , ووقع معنى هذا الجميع على الاثنين: قال: {فإن كان له إخوةٌ}, فالإخوة جميع , ووقع معناه على أخوين، وقال: {إنّما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم}, وقال: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} في موضع يديهما.
ومن مجاز ما جاء لا جماع له من لفظه فلفظ الواحد منه ولفظ الجميع سواء: قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك}, الفلك جميع وواحد، وقال: {ومن الشّياطين من يغوصون له}جميع وواحد، وقال: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} جميع وواحد.
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الجميع المشرك بالواحد الفرد على لفظ خبر الواحد: قال الله: {أن السّموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما}, جاء فعل السموات على تقدير لفظ الواحد لما أشركن بالأرض.
ومن مجاز ما جاء من لفظ الإثنين، ثم جاء لفظ خبرهما على لفظ خبر الجميع: قال:{ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين}
ومن مجاز ما ختر عن اثنين مشركين, أو عن أكثر من ذلك, فجعل لفظ الخبر لبعض دون بعض, وكفّ عن خبر الباقي: قال: {والذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله} .
ومن مجاز ما جعل في هذا الباب الخبر للأول منهما أو منهم: قال: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها}
ومن مجاز ما جعل في هذا الباب الخبر للآخر منهما أو منهم: قال: {ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً}
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان , والموات على لفظ خبر الناس: قال: {رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}, وقال: {قالتا أتينا طائعين}, وقال للأصنام: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}, وقال: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده}, وقال: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً} .
ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الغائب ومعناها للشاهد: قال: {آلم ذلك الكتاب}, مجازه: آلم هذا القرآن.
ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت, وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب: قال الله: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}, أي : بكم.
ومن مجاز ما جاء خبره عن غائب ثم خوطب الشاهد: قال: {ثمّ ذهب إلى أهله يتمطّى أولي لك فأولى}
ومن مجاز ما يزاد في الكلام من حروف الزوائد: قال الله:{إنّ الله لا يستحيى أن يضرب مثلاً مّا بعوضةً فما فوقها}, وقال: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين}, وقال: {وشجرةً تخرج من طور سيناء تنبت بالدّهن وصبغٍ للآكلين}, وقال: {وإذ قال ربّك للملائكة}, وقال: {ما منعك ألاّ تسجد}, مجاز هذا أجمع إلقاؤهن.
ومن مجاز المضمر فيه استغناءً عن إظهاره: قال: {بسم الله}, ففيه ضمير مجازه: هذا بسم الله. أو بسم الله أول كل شيء ونحو ذلك.
ومن مجاز المكرر للتوكيد: قال:{رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}, أعاد الرؤية, وقال:{أولى لك فأولى}, أعاد اللفظ. وقال: {فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذاً رجعتم تلك عشرةٌ كاملة}, وقال:{تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ} .
ومن مجاز المجمل استغناءً عن التكرير: قال: (....) (؟).
ومن مجاز المقدم والمؤخر: قال: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت}, أراد ربت واهتزت, وقال: {لم يكد يراها}, أي: لم يرها, ولم يكد.
ومن مجاز ما يحوّل خبره إلى شيء من سببه، ويترك خبره هو: قال: {فظلّت أعناقهم لها خاضعين}, حوّل الخبر إلى الكناية التي في آخر الأعناق.
ومن مجاز ما يحوّل فعل الفاعل إلى المفعول أو إلى غير المفعول: قال: {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة}, والعصبة هي التي تنوء بالمفاتح.
ومن مجاز ما وقع المعنى على المفعول وحوّل إلى الفاعل: قال: {كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع}, والمعنى: على الشاء المنعوق به, وحوّل على الراعى الذي ينعق بالشاء.
ومن مجاز المصدر الذي في موضع الاسم أو الصفة: قال: {ولكن البرّ من آمن بالله}, روج المعنى البارّ, وقال: { أنّ السّموات والأرض كانتا رتقاً}, والرتق: مصدر, وهو في موضع مرتوقتين، وقال:{أنا رسول ربّك}, أي: رسالة ربك.
ومجاز ما قرأته الأئمة بلغاتها, فجاء لفظه على وجهين أو أكثر: من ذلك قرأ أهل المدينة: {فبم تبشّرون}, فأضافوا بغير نون المضاف بلغتهم، وقال أبو عمرو: لا تضاف تبشّرون إلاّ بنون الكناية, كقولك تبشّرونني.
ومن مجاز ما جاءت له معانٍ غير واحد، مختلفة, فتأولته الأئمة بلغاتها, فجاءت معانيه على وجهين أو أكثر من ذلك: قال: {وغدوا على حردٍ قادرين}, ففسروه على ثلاثة أوجه؛ قال بعضهم: على قصدٍ، وقال بعضهم: على منع، وقال آخرون: على غضبٍ وحقد.
ومن مجاز ما جاء على لفظين وذلك لاختلاف قراآت الأئمة، فجاء تأويله شتى؛ فقرأ بعضهم: قوله: {إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبيّنوا أ ن تصيبوا قوماً بجهالة}, وقرأها آخرون: {فتثّبتوا}, وقرأ بعضهم قوله:{أإذا صللنا في الأرض}, وقرأها آخرون: {أإذا ضللنا في الأرض}, صللنا: أنتنا من صلّ اللحم يصل؛ وقرأ بعضهم: {وادّكر بعد أمّة}, وقرأها آخرون: {بعد أمه}: أي: نسيان, وقرأ بعضهم: {في لوحٍ محفوظٌ}, وقرأ آخرون {في لوحٍ محفوظٍ}: أي: الهواء.
ومن مجاز الأدوات اللواتي لهن معانٍ في مواضع شتى، فتجئ الأداة منهن في بعض تلك المواضع لبعض تلك المعاني: قال: {أن يضرب مثلاً مّا بعوضةً فما فوقها}, معناه: فما دونها، وقال: {والأرض بعد ذلك دحاها}, معناه مع ذلك، وقال: {لأصلّبنّكم في جذوع النّخل}, معناه: على جذوع النّخل، وقال:{إذا أكتالوا على النّاس يستوفون}, معناه: من الناس، وقال: {هذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين}, معناه: بل أنا خير.
ومن مجاز ما جاء على لفظين فأعملت فيه الأداة في موضع، وتركت منه في موضع: قال: {ويلٌ للمطفّفين الذين إذا أكتالوا على النّاس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}, معناه: وإذا كالوا لهم ,أو وزنوا لهم.
ومن مجاز ما جاء على ثلاثة ألفاظ , فأعملت فيه أداتان في موضعين , وتركتا منه في موضع: قال: {اهدنا الصّراط المستقيم}, وإلى الصراط , وللصراط.
ومن مجاز ما جاء فيه على لفظين , فأعلمت فيه أداة في موضع، وتركت منه في موضع: قال: {وإذا قرأت القرآن}, وقال: {اقرأ باسم ربّك}.
ومن مجاز ما فيه لغتان , فجاء بإحداهما: قال: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونه}, فالأنعام , يذكر ويؤنث، وقال: {كذّبت قوم نوحٍ المرسلين}, يقال: هذه قومك، وجاء قومك.
ومن مجاز ما أظهر من لفظ المؤنث, ثم جعل بدلاً من المذكر , فوصف بصفة المذكر بغير الهاء؛ كذلك، قال: {السّماء منفطرٌ به}, جعلت السماء بدلاً من السقف بمنزله تذكير سماء البيت.
ومن مجاز ما جاء من الكنايات في مواضع الأسماء بدلا منهن: قال: {إنّما صنعوا كيد ساحر}, فمعنى (ما) معنى الاسم، مجازه : إنّ صنيعهم كيد ساحرٍ.
ومن مجاز الاثنين المشتركين وهما من شتّى أو من غير شتّى، ثم خبّر عن شيءٍ لا يكون إلا في أحدهما دون الآخر, فجعل فيهما, أو لهما لمّا أشرك بينهما في الكلام: قال: {مرج البحرين يلتقيان}, {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}, وإنما يخرج اللؤلؤ من البحر دون الفرات العذب.
ومن مجاز ما جاء من مذاهب وجوه الإعراب: قال: {سورةٌ أنزلناها}, رفعٌ ونصب، وقال:{والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما}, رفعٌ ونصبٌ، وقال: {والزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدة}, رفع ونصب.
ومجاز المحتمل من وجوه الإعراب , كما قال: {إنّ هذان لساحران}
قال: وكل هذا جائز معروف قد يتكلمون به).


الاسم والمسمى
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (
بسم الله الرّحمن الرّحيم
{بسم الله}: إنما هو بالله؛ لأن اسم الشيء هو الشيء بعينه، قال لبيد:
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما= ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
{إنّ علينا جمعه وقرآنه}: أي: تأليفه؛ {فإذا قرأناه}: أي: إذا جمعناه؛ ومجازه مجاز قول عمرو بن كلثوم:
... = جان اللون لم تقرأ جنين
أي: لم تضمّ في رحمها، ويقال للتي لم تلد: ما قرأت سلًى قطّ.
نزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن {طه} بالنّبطيّة, فقد أكبر، وإن لم يعلم ما هو، فهو افتتاح كلام, وهو اسم للسورة, وشعار لها, وقد يوافق اللفظ اللفظ, ويقارن به, ومعناهما واحد, وأحدهما بالعربية, والآخر بالفارسية أو غيرها؛ فمن ذلك الإستبرق بالعربية: وهو الغليظ من الدّيباج، والفرند: وهو بالفارسية إستبره؛ وكوز, وهو بالعربية جوز؛ وأشباه هذا كثيير, ومن زعم أن {حجارةً من سجّيل} بالفارسية, فقد أعظم، من قال: إنه سنك, وكل، إنما السجيل: الشديد.
والقرآن: اسم كتاب الله، لا يسمّى به غيره من الكتب، وذلك لأنه جمع وضمّ السور؛ ومجازه من قوله: {إنّ علينا جمعه وقرآنه} [75: 18]، أي تأليف بعضه إلى بعض، {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}؛ وسمّى الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
ففي القرآن ما في الكلام العربيّ من الغريب والمعاني، ومن المحتمل من مجاز ما اختصر، ومجاز ما حذف، ومجاز ما كفّ عن خبره، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع ووقع معناه على الاثنين، ومجاز ما جاء لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد، ومجاز ما جاء الجميع في موضع الواحد إذا أشرك بينه وبين آخر مفرد، ومجاز ما خبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للواحد أو للجميع وكفّ عن خبر الآخر، ومجازما خبّر عن اثنين أو أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأول منهما، ومجاز ما خبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأخر منهما، ومجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان والموات على لفظ خبر الناس؛ والحيوان كل ما أكل من غير الناس وهي الدواب كلّها، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الغائب, ومعناه: مخاطبة الشاهد، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب، ومجاز ما يزاد من حروف الزوائد, ويقع مجاز الكلام على إلقائهن، ومجاز المضمر استغناءً عن إظهاره، ومجاز المكرر للتوكيد، ومجاز المجمل استغناءً عن كثرة التكرير، ومجاز المقدّم والمؤخّر، ومجاز ما يحوّل من خبره إلى خبر غيره بعد أن يكون من سببه، فيجعل خبره للذي من سببه ويترك هو, وكل هذا جائز قد تكلموا به). [مجاز القرآن: 1/1-19]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 ذو الحجة 1431هـ/14-11-2010م, 12:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي مقدمة كتاب تفسير غريب القرآن لابن قتيبة

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (نفتتح كتابنا هذا بذكر أسمائه الحسنى، وصفاته العلا، فنخبر بتأويلهما, واشتقاقهما، ونتبع ذلك ألفاظا كثر تردادها في الكتاب, لم نر بعض السّور أولى بها من بعض، ثم نبتدئ في تفسير غريب القرآن، دون تأويل مشكله: إذ كنا قد أفردنا للمشكل كتابا جامعا كافيا، بحمد اللّه.
وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا هذا: أن نختصر ونكمل، وأن نوضّح ونجمل، وأن لا نستشهد على اللفظ المبتذل، ولا نكثر الدّلالة على الحرف المستعمل، وأن لا نحشو كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد, فإنّا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث: لاحتجنا إلى أن نأتي بتفسير السلف - رحمة اللّه عليهم - بعينه، ولو أتينا بتلك الألفاظ كان كتابنا, كسائر الكتب التي ألفها نقلة الحديث، ولو تكلّفنا بعد اقتصاص اختلافهم، وتبيين معانيهم، وفتق جملهم بألفاظنا، وموضع الاختيار من ذلك الاختلاف، وإقامة الدلائل عليه، والإخبار عن العلة فيه -: لأسهبنا في القول، وأطلنا الكتاب، وقطعنا منه طمع المتحفّظ وباعدناه من بغية المتأدّب، وتكلّفنا من نقل الحديث، ما قد وقيناه وكفيناه.
وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالمين؛ لم نخرج فيه عن مذاهبهم، ولا تكلّفنا في شيء منه بآرائنا غير معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أولى الأقاويل في اللغة، وأشبهها بقصة الآية.
ونبذنا منكر التأويل، ومنحول التفسير, فقد نحل قوم ابن عباس، أنه قال في قول اللّه جل وعز: {إذا الشّمس كوّرت}: إنها غوّرت، من قول الناس بالفارسية: كوربكرد.
وقال آخر في قوله: {عيناً فيها تسمّى سلسبيلًا}: أراد سلني سبيلاً إليها يا محمد.
وقال الآخر في قوله:{ويل للمطففين}: إن الويل: واد في جهنم.
وقال الآخر في قوله: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}: إن الإبل: السحاب.
وقال الآخر في قوله: {ثمّ لتسئلنّ يومئذٍ عن النّعيم}: إن النعيم: الماء الحار في الشتاء.
وقال الآخر في قوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}: إن الزينة: المشط.
وقال آخر في قوله: {وأنّ المساجد لله}: إنها الآراب التي يسجد عليها المرء، وهي جبهته ويداه، وركبتاه وقدماه.
وقال الآخر في قوله: {أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى}: أن تجعل كلّ واحدة منهما ذكرا، يريد: أنهما يقومان مقام رجل، فإحداهما تذكّر الأخرى.
مع أشباه لهذا كثيرة، لا ندري: أمن جهة المفسرين لها وقع الغلط؟, أو من جهة النقلة؟
وباللّه نستعين، وإيّاه نسأل التوفيق للصواب.

اشتقاق اسماء اللّه وصفاته، وإظهار معانيها:-
1 - {الرحمن الرحيم}:صفتان مبنيتان من «الرحمة», قال أبو عبيدة: وتقديرهما: ندمان، ونديم.
2 - ومن صفاته: «السّلام»: قال: {السّلام المؤمن المهيمن} , ومنه سمي الرجل: عبد السلام، كما يقال: عبد اللّه.
ويرى أهل النظر - من أصحاب اللغة -: أن «السلام» بمعنى السلامة، كما يقال: الرّضاع والرّضاعة، واللّذاذ واللّذاذة، قال الشاعر:

تحيّي بالسلامة أمّ بكر = فهل لك -بعد قومك- من سلام؟
فسمى نفسه - جل ثناؤه - «سلاما»: لسلامته ممّا يلحق الخلق: من العيب والنقص، والفناء والموت.
قال اللّه جل وعز: {واللّه يدعوا إلى دار السّلام}, فالسلام: اللّه، وداره.: الجنة, يجوز أن يكون سماها «سلاما»:
= لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا: من مرض ووصب، وموت وهرم، وأشباه ذلك, فهي دار السلام, ومثله: {لهم دار السّلام عند ربّهم}.
ومنه يقال: السلام عليكم. يراد: اسم السلام عليكم, كما يقال: اسم اللّه عليكم.
وقد بيّن ذلك لبيد ، فقال:
إلى الحولثم اسم السلام عليكما = ومن يبك حولا كاملا، فقد اعتذر
ويجوز أن يكون معنى : «السلام عليكم»: السلامة لكم, وإلى هذا المعنى، يذهب من قال: «سلام اللّه عليكم، وأقرئ فلاناً سلام الله».
وقال: {وأمّا إن كان من أصحاب اليمين، فسلامٌ لك من أصحاب اليمين}، يريد: فسلامة لك منهم، أي: يخبرك عنهم بسلامة. وهو معنى قول المفسرين, ويسمّى الصواب من القول «سلاما»: لأنه سلم من العيب والإثم.
قال: {وإذا خاطبهم الجاهلون، قالوا سلاماً}, أي: سدادا من القول.
3 - ومن صفاته: «القيّوم» , و«القيّام», وقرئ بهما جميعا, وهما «فيعول» و«فيعال» من «قمت بالشيء»: إذا وليته, كأنه القيّم بكل شيء, ومثله في التقدير قولهم: ما فيها ديّور وديار.
4 - ومن صفاته: «سبّوح»: وهو حرف مبنى على «فعول»، من «سبّح اللّه»: إذا نزّهه , وبرّأه من كل عيب, ومنه قيل: سبحان اللّه، أي: تنزيهاً للّه، وتبرئة له من ذلك.
ومنه قوله: {يسبّح للّه ما في السّماوات، وما في الأرض}
وقال الأعشى:
... = أقول لمّا جاءنا فخره سبحان من علقمة الفاخر
أراد: التبرؤ من علقمة, وقد يكون تعجب بالتسبيح من فخره، كما يقول القائل إذا تعجب من شيء: سبحان اللّه, فكأنه قال: عجبا من علقمة الفاخر.
5 - ومن صفاته: «قدّوس»: وهو حرف مبنى على «فعول»، من «القدس» وهو: الطهارة, ومنه قيل: «الأرض المقدّسة»، يراد: المطهّرة بالتبريك, ومنه قوله حكاية عن الملائكة: {ونحن نسبّح بحمدك، ونقدّس لك}، أي: ننسبك إلى الطهارة, و«نقدّسك ونقدّس لك», و«نسبح لك ونسبحك» بمعنى واحد.
وحظيرة القدس -فيما قاله أهل النظر- هي: الجنة, لأنها موضع الطهارة من الأدناس التي تكون في الدنيا: من الغائط والبول والحيض، وأشباه ذلك.
6 - ومن صفاته: «الرّب»: والرب: المالك. يقال: هذا ربّ الدار، وربّ الضّيعة، وربّ الغلام. أي: مالكه، قال اللّه سبحانه: {ارجع إلى ربّك}, أي: إلى سيدك, ولا يقال لمخلوق: هذا الرب، معرّفاً بالألف واللام، كما يقال للّه.
إنما يقال: هذا ربّ كذا, فيعرّف بالإضافة؛ لأن اللّه مالك كل شيء, فإذا قيل: الربّ، دلّت الألف واللام على معنى العموم, وإذا قيل لمخلوق: ربّ كذا وربّ كذا، نسب إلى شيء خاص, لأنه لا يملك شيئاً غيره.
ألا ترى أنه قيل: «اللّه»، فألزم الألف واللام: ليدلّ بها على أنه إله كل شيء. وكان الأصل: «الالاه». فتركت الهمزة: لكثرة ما يجري ذكره -عز وجل- على الألسنة، وأدغمت لام المعرفة في اللام التي لقيتها، وفخّمت وأشبعت حتى طبّق اللسان بها الحنك: لفخامة ذكره تبارك وتعالى: وليفرق أيضا -عند الابتداء بذكره- بينه وبين اللّات والعزّى].
7 - ومن صفاته: «المؤمن»: وأصل الإيمان: التصديق, قال: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين}, أي: وما أنت بمصدّق ولو كنا صادقين, ويقال في الكلام: ما أومن بشيء مما تقول، أي: ما أصدق بذلك.
فإيمان العبد باللّه: تصديقه قولاً وعملاً وعقداً, وقد سمى اللّه الصلاة - في كتابه - إيماناً, فقال: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}, أي: صلاتكم إلى بيت المقدس, فالعبد مؤمن، أي: مصدّق محقّق. واللّه مؤمن، أي: مصدّق ما وعده ومحقّقه، أو قابل إيمانه.
وقد يكون «المؤمن» من «الأمان»، لاي لا يأمن إلا من أمنه اللّه, وقد ذكرت الإيمان ووجوهه، في كتاب «تأويل المشكل».
وهذه الصفة -من صفات اللّه جل وعزّ- لا تتصرّف تصرّف غيرها، لا يقال: أمن اللّه، كما يقال: تقدّس اللّه. ولا يقال: يؤمن اللّه، كما يقال: يتقدّس اللّه.
وكذلك يقال: «تعالى اللّه»: وهو تفاعل من «العلو», و«تبارك اللّه»: هو تفاعل من «البركة» , و«اللّه متعال», ولا يقال: متبارك, لم نسمعه.وإنما ننتهي في صفاته إلى حيث انتهى، فإن كان قد جاء من هذا شيء عن الرسول صلّى اللّه عليه , وعلى آله، أو عن الأئمة : جاز أن يطلق، كما أطلق غيره.
8 - ومن صفاته: «المهيمن»: وهو: الشهيد, قال اللّه: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه}, أي: شاهدا عليه, هكذا قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه, وروى عنه -من غير هذه الجهة- أنه قال: «أمينا عليه», وهذا أعجب إليّ، وإن كان التفسيران متقاربين؛ لأن أهل النظر -من أصحاب اللغة- يرون: أن «مهيمنًا» اسم مبنى من «آمن»، كما بني «بطير» , ومبيطر , و«بيطار» من «بطر» قال الطّرمّاح:
... = كبزغ البطير الثقف رهص الكوادن
وقال النابغة:
... = شكّ المبيطر إذ يشفي من العضد
وكان الأصل، «مؤيمن»، ثم قلبت الهمزة هاء: لقرب مخرجهما، كما تقلب في «أرقت الماء»، فيقال: هرقت الماء, وقالوا: ماء مهراق، والأصل: ماء مراق, وقالوا: «إبرية وهبرية، وأيهات وهيهات، وإيّاك وهياك», فأبدلوا من الهمز هاء, وأنشد الأخفش:
فهياك والأمر الذي إن توسعت = موارده ضاقت عليك مصادره
و«آمين»: اسم من أسماء اللّه, وقال قوم من المفسرين في قول المصلي بعد فراغه من قراءة أمّ الكتاب: {آمين}: أمين قصر من ذلك، كأنه قال: يا اللّه، وأضمر «استجب لي»؛ لأنه لا يجوز أن يظهر هذا في هذا الموضع من الصلاة، إذ كان كلاما, ثم تحذف ياء النداء.
تباعد مني فطحل إذ سألته = أمين، فزاد اللّه ما بيننا بعدا
ويفتحونها: لانفرادها، وانقطاعها يضمر فيها: من معنى النداء حتى صارت عندهم معنى «كذلك فعل اللّه», وقد أجازوا أيضاً, «آمين» مطوّلة الألف, وحكوها عن قوم فصحاء, وأصلها: «يا أمين» بمعنى: يا اللّه, ثم تحذف همزة «أمين» استخفافا ًلكثرة ما تجري هذه الكلمة على ألسنة الناس, ومخرجها مخرج «آزيد», يريد: يا زيد, و«آ راكب» يريد: يا راكب, وقد سمعنا من فصحاء العرب: «آ خبيث»، يريدون: يا خبيث.
وفي ذلك قول آخر، يقال: إنما مدت الألف فيها، ليطول بها الصوت,كما قالوا: أوه, مقصورة الألف، ثم قالوا: «آوه», ممدودة.
يريدون تطويل الصوت بالشكاية, وقالوا: «سقط على حاق رأسه»، أي: على حقّ رأسه, وكذلك «آمين»: أرادوا تطويل الصوت بالدعاء, وهذا أعجب إليّ.
وأما قول العباس بن عبد المطّلب، في مدح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سلم:
حتى احتوى بيتك المهيمن من = خندف، علياء تحتها النّطق
فإنه أراد: حتى احتويت - يا مهيمن - من خنف علياء، فأقام البيت مقامه: لأن بيته إذا حلّ بهذا المكان، فقد حل هو به, وهو كما يقال: بيته أعزّ بيت, وإنما يراد: صاحبه, قال النابغة:
وحلت بيوتي في يفاع ممنع = تخال به راعي الحمولة طائرا
ولم يكن بيته في جبل بهذه الصفة، إنما أراد: أني ممتنع على من أرادني، فكأني حللت في يفاع ممنّع.
9 - ومن صفاته: «الغفور»: وهو من قولك: «غفرت الشيء» إذا غطيته, كما يقال: «كفرته»: إذا غطّيته, ويقال: كذا أغفر من كذا، أي: أستر, و«غفر الخزّ والصوف»: ما علا فوق الثوب منها: كالزّئبر, سمي «غفرا»: لأنه ستر الثوب, ويقال لجنّة الرأس: «مغفر»: لأنها تستر الرأس, فكأن «الغفور»: الساتر لعبده برحمته، أو الساتر لذنوبه, ونحو منه قولهم: «تغمدني برحمتك»، أي: ألبسني إياها, ومنه قيل: «غمد السيف»، لأنه يغمد فيه، أي: يدخل.
10 - ومن صفاته: «الواسع»: وهو الغنيّ, والسعة: الغنى,قال اللّه:{لنفق ذو سعة من سعته}, أي: يعط من سعته.
11 - ومن صفاته: «البارئ»: ومعنى البارئ: الخالق, يقال: برأ اللّه الخلق يبرؤهم, و«البريّة»: الخلق.
وأكثر العرب والقراء: على ترك همزها، لكثرة ما جرت على الألسنة, وهي «فعيلة» بمعنى «مفعولة».
ومن الناس من يزعم: أنها مأخوذة من «بريت العود».
ومنهم من يزعم: أنها من «البرى»، وهو: التراب أي: خلق من التراب. وقالوا: لذلك لم يهمز, وقد بينت هذا في كتاب «القراءات»، وذكرت موضع الأخبار منه.
12 - ومثل البارئ: «الذّاريّ»: وهو: الخالق. يقال: ذرأ اللّه الخلق, وقال: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً}, أي: خلقنا, و«الذّرية» منه، لأنها خلق اللّه من الرجل.
وأكثر القراء والعرب: على ترك همزها، لكثرة ما يتكلم بها, ومنهم من يزعم: أنها من «ذروت» أو «ذريت».
13 - ومن صفاته ما جاء على «فعيل» بمعنى «فاعل»، نحو: «قدير» بمعنى «قادر»، و«بصير» بمعنى «باصر»، و«سميع» بمعنى «سامع»، و«حفيظ» بمعنى «حافظ» , و«بدىء» بمعنى «بادئ الخلق»، و«شهيد» بمعنى «شاهد»، و«عليم» بمعنى «عالم»، و«رقيب» بمعنى «راقب», وهو: الحافظ, و«كفيل» بمعنى «كافل»، و«خبير» بمعنى «خابر»، و«حكيم» بمعنى «حاكم»، و«مجيد» بمعنى «ماجد» وهو: الشريف.
14 - ومن صفاته ما جاء على «فعيل» بمعنى «مفعل»، نحو: «بصير» بمعنى «مبصر»، و«بديع الخلق» بمعنى «مبدع الخلق», كما قالوا: «سميع» بمعنى «مسمع», قال عمرو بن معديكرب:
... = أمن ريحانة الداعي السّميع.
و«عذاب أليم» أي: مؤلم، و«ضرب وجيع» أي: موجع.
ومنه: {إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ حسيباً} , أي: كافياً, من قولك: «أحسبني هذا الشيء»، أي: كافني. و«اللّه حسيبي وحسيبك» أي: كافينا، أي: يكون حكما بيننا كافيا. قال الشاعر:
ونقفي وليد الحيإن كان جائعا = ونحسبه إن كان ليس بجائع
أي: نعطيه ما يكفيه، حتى يقول: حسبي.
وقال بعض المفسرين في قوله: {إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ حسيباً}: أي: محاسباً, وهو -على هذا التأويل- في مذهب «جليس» , و«أكيل» , و«شريب» , و«نديم» , و«قعيد».
15 - ومن صفاته ما جاء على «فعيل», لا يكون منها غير لفظها، نحو: «قريب», و«جليل», و«حليم» ,و«عظيم», و«كبير», و«كريم» -وهو الصّفوح عن الذنوب-, و«وكيل», وهو الكفيل, قال: {واللّه على ما نقول وكيلٌ}, {وكفى باللّه وكيلًا}, {وتوكّل عليه}, أي: اجعله كافلك، واعتمد على كفالته لك, ووكيل الرجل في ماله هو الذي كفله له، وقام به.
16 - ومن صفاته: «الودود»: وفيه قولان، يقال: هو «فعول» بمعنى «مفعول»، كما يقال: رجل هيوب، أي: مهيب، يراد به: مودود.
ويقال: هو «فعول» بمعنى «فاعل», كقولك: غفور، بمعنى : غافر؛ أي: يودّ عباده الصالحين, وقد تأتى الصفة بالفعل للّه ولعبده، فيقال: «العبد شكور للّه» أي: يشكر نعمه, و«اللّه شكور للعبد» أي: يشكر له عمله, و«العبد توّاب إلى اللّه من الذنب»، و«اللّه توّاب عليه».
17 - و«كبرياء اللّه»: شرفه, وهو من «تكبّر»، إذا أعلا نفسه.
18 - و«جدّ اللّه»: عظمته, ومنه قوله: {تعالى جدّ ربّنا}, ومنه يقال في افتتاح الصلاة: «تبارك اسمك، وتعالى جدّك».
يقال: جدّ الرجل في صدور الناس وفي عيونهم، إذا عظم, ومنه قول أنس: «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران، جدّ فينا»، أي: عظم.
19 - و«مجد اللّه»: شرفه، وكرمه.
20 - و«جبروته»: تجبره، أي: تعظّمه.
21 - و«ملكوته»: ملكه, ويقال: دار ملكه, وزيدت التاء فيهما، كما زيدت في «رهبوت» و«رحموت», تقول العرب: «رهبوت خير من رحموت»، أي: أن ترهب خير من أن ترحم.
22 - و«فضل اللّه»: عطاؤه, وكذلك «منه» هو: عطاؤه, يقال: اللّه ذو منّ عظيم. ومنه قوله: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حسابٍ}, أي: أعط , أو أمسك, وقوله: {ولا تمنن تستكثر}, أي: لا تعط لتأخذ من المكافأة أكثر مما أعطيت.
23 - و«حمد اللّه»: الثناء عليه بصفاته الحسننى, و«شكره»: الثناء عليه بنعمه وإحسانه، تقول: «حمدت الرجل»: إذا أثنيت عليه بكرم, وحسب, وشجاعة: وأشباه ذلك، و«شكرت له»: إذا أثنيت عليه بمعروف أولاكه, وقد يوضع الحمد موضع الشكر, ولا يوضع الشكر موضع الحمد.
24 - و«أسماء اللّه الحسنى»: الرحمن، والرحيم، والغفور، والشكور، وأشباه ذلك.
25 - والإلحاد في أسمائه: الجور عن الحق, والعدول عنه، وذكر اللّات والعزّى، وأشباه ذلك.
26 - و«مثله الأعلى»: لا إله إلّا اللّه, ومعنى المثل - هاهنا - معنى الصفة، أي: هذه صفته, وهي أعلى من كل صفة: إذ كانت لا تكون إلّا له, ومثل هذا - مما المثل فيه بمعنى الصفة - قوله في صفة أصحاب رسوله: {ذلك مثلهم في التّوراة}, أي: صفتهم, وقوله: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون}, أي: صفتها, وقد بينت هذا في كتاب «المشكل».

باب تأويل حروف كثرت في الكتاب
1 - الجنّ: من «الاجتنان»، وهو الاستتار, يقال للدرع: جنّة، لأنها سترت, ويقال: أجنّة الليل، أي: جعله من سواده في جنة، وجنّ عليه الليل.
وإنما سموا جنّا: لاستتارهم عن أبصار الإنس.
وقال بعض المفسرين في قوله: {فسجدوا إلّا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه} , أي، من الملائكة., فسمهاهم جنّا: لاجتنانهم , واستتارهم عن الأبصار.
وقال الأعشى يذكر سليمان النبيّ، عليه السلام:
وسخّر من جنّ الملائكة تسعة = قياما لديه يعملون بلا أجر
2 - وسمي الإنس إنساً: لظهورهم، وإدراك البصر إياهم, وهو من قولك: آنست كذا، أي: أبصرته, قال اللّه جل ثناؤه: {إنّي آنست ناراً} , أي: أبصرت.
وقد روي عن ابن عباس، أنه قال: "إنما سمي إنسانا: لأنه عهد إليه, فنسى", وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة, واحتجوا في ذلك بتصغير إنسان، وذلك: أن العرب تصغره «أنيسيان»: بزيادة ياء، كأن مكبره «إنسيان» - إفعلان - من النّسيان، ثم تحذف الياء من مكبّره استخفافا: لكثرة ما يجري على اللسان، فإذا صغر رجعت الياء وردّ إلى أصله، لأنه لا يكثر مصغّرا كما يكثر مكبّرا.
والبصريون يجعلونه «فعلانا» على التفسير الأول, وقالوا: زيدت الياء في تصغيره، كما زيدت في تصغير ليلة، فقالوا: لييلة, وفي تصغير رجل، فقالوا: رويجل.
3 - وهما الثّقلان: يعني: الجن والإنس, سميا بذلك؛ لأنهما ثقل الأرض، إذ كانت تحملهم أحياء وأمواتاً,ومنه قول اللّه: {وأخرجت الأرض أثقالها},أي: موتاها.
وقالت الخنساء ترثي أخاها:
أبعد ابن عمرو من آل الشّريـ = ـد حلت به الأرض أثقالها
قالوا: حلّت من التحلية، لا من الحلّ الذي هو ضد العقد, أي: حلّت به موتاها؛ كأنها زينتهم به.
4 - (والملائكة): من الألوك, وهي الرسالة, وهي المأْلُكَة, والمأْلَكَة، ومنه قالت الشعراء: ألكنني, أي: أرسلنني, وبمعنى كن رسولي، واحدهم ملك - بترك الهمزة - ؛ لكثرة ما يجري في الكلام، والهمزة في الجمع مؤخرة؛ لأنهم رسل اللّه.
5 - و(إبليس): فيه قولان: قال أبو عبيدة: هو اسم أعجمي, ولذلك لا يصرف, وقال غيره: «إفعيل» من أبلس الرجل إذا يئس, قال اللّه جل ثناؤه: {أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون}, أي: يائسون, كذلك قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه, قال: ولما لعنه اللّه, وغضب عليه, أبلس من رحمته, أي: يئس منها, فسماه اللّه عز وجل إبليس,وكان اسمه عزازيل, قال: ولم يصرف؛ لأنه لا سميّ له, فاستثقل.
6 - و(الشّيطان): تقديره: فيعال, والنون من نفس الحرف, كأنه من شطن, أي: بعد, ومنه يقال "شطنت داره"؛ أي: بعدت, وقذفته نوى شطون, أي: بعيدة, وشياطين الجن: مردتهم, وكذلك شياطين الإنس: مردتهم أيضاً.
كأن المارد منهم يخرج عن جملتهم , ويبعد منهم, لتمرده, ومثله قولهم: شاطر وشطّار؛ لأنهم كانوا يبعدون عن منازلهم, فسمّي بذلك كلّ من فعل مثل فعلهم , وإن لم يعزب عن أهله, قال طرفة:
... في القوم الشّطر = ...
أي: البعداء.
والدليل على أن النون من شيطان من نفس الحرف: قول أمية بن أبي الصلت في وصف سليمان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم:
أيّما شاطن عصاه عكاه = ثم يلقى في السجن والأغلال
فجاء به على فاعل من شطن.
7 - وقوله: {يتوفّى الأنفس}: هو من استيفاء العدد, واستيفاء الشيء إذا استقصيته كله, يقال: توفيته واستوفيته.
كما يقال: تيقنت الخبر, واستيقنته، وتثبت في الأمر, واستثبته, وهذا هوالأصل, ثم قيل للموت: وفاة , وتوف, والعرب تسمى الدم نفسًا, لاتصال النفس به على مذهبهم في تسمية الشيء بما اتصل به, أو جاوره , أو كان سبباً له.
ويقولون: نفست المرأة: إذا خاضت؛ كأنها دميت, وقال أصحاب اللغة: وإنما سميّت المرأة نفساء؛ لسيلان الدم.
وقال إبراهيم: كل شيء ليست له نفس سائلة, فإنه لا ينجس الماء إذا سقط فيه, يريد كل شيء ليس له دم سائل, وتسمى العرب النفس نسمة, وأصل النسمة النفس, وروي في بعض الحديث: «تنكبوا الغبار, فإن منه تكون النسمة»: يراد: منه يكون النفس، والربو سمي نفساً, لأنه عن النفس يكون.
والعرب تقول: مات فلان حتف نفسه، وحتف أنفه إذا مات على فراشه، لأنه لا يزال يتنفس حتى يموت , فتخرج نفسه نفساً من أنفه وفمه.
8 - {ويوم ينفخ في الصّور}, قال أبو عبيدة: وهو جمع صورة، يقال: صورة، وصور، وصور.
قال: ومثله صورة البناء وسوره, وأنشد:
... = سرت إليه في أعالي السّور
قال:
... = وسور المجد أعاليه.
أي : ينفخ في صور الناس.
وقال غيره: الصّور القرن بلغة قوم من أهل اليمن، وأنشد:
نحن نطحناهم غداة الجمعين = بالضابحات غي غبار النّقعين
نطحاً شديداً لا كنطح الصّورين , وهذا أعجب إليّ من القول الأول،
لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه , وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر , فينفخ».
9 - و(اللّعن) في اللغة: فأصله الطّرد, ولعن اللّه إبليس: طرده حين قال: {اخرج منها مذؤماً}, ثم انتقل ذلك, فصار قولاً, قال الشماخ: - وذكر ماء -:
ذعرت به القطا ونفيت عنه = مقام الذئب كالرّجل اللعين
أراد مقام الذئب اللعين, أي : الطريد كالرجل, فكأن القائل: لعنه اللّه، أراد: طرده اللّه عنه، باعده اللّه منه، أسحقه اللّه، هذا أو نحوه.
10 - و(الشرك) في اللغة: مصدر شركته في الأمر أشركه، وفي الحديث: أن معاذا أجاز بين أهل المين الشّرك, يراد في المزارعة: أن يشترك فيها رجلان أو ثلاثة, فكان الشّرك باللّه هو أن يجعل له شريك , قال: {وما يؤمن أكثرهم باللّه إلّا وهم مشركون} .
قال أبو عبيدة: كانت تلبية أهل الجاهلية: لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه وما ملك, فأنزل اللّه هذه الآية.
11- و(الجحد) في اللغة: إنكارك بلسانك ما تستيقنه نفسك, قال اللّه جل ثناؤه: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}, وقال: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}, يريد: أنهم لا ينسبونك إلى الكذب في قراءة من قرأ: {يكذّبونك}بالتشديد, ومن قرأ{يكذبونك}بالتخفيف، أراد: لا يجدونك كذاًبا , ولكنهم بآيات اللّه يجحدون, أي: ينكرونها بألسنتهم , وهم مستيقنون أنك لم تكذب, ولم تأت بها إلّا عن اللّه تبارك اسمه.
12- و(الكفر) في اللغة: من قولك كفرت الشيء إذا غطّيته, يقال لليل كافر لأنه يستر بظلمته كل شيء, ومنه قول اللّه عز وجل: {كمثل غيثٍ أعجب الكفّار نباته}, يريد بالكفّار الزرّاع، سمّاهم كفّارا ؛ لأنهم إذا ألقوا البذر في الأرض كفروه, أي: غطوه, وستروه، فكأن الكافر ساتر للحق, وساتر لنعم اللّه عز وجل.
13 - و(الظلم) في اللغة: وضع الشيء غير موضعه, ومنه ظلم السّقاء , وهو شربه قبل الإدراك، لأنّه وضع الشّرب غير موضعه.
وظلم الجزور, وهو نحره لغير عيلة, ومنه يقال: من أشبه أباه فما ظلم, أي: ما وضع الشبه غير موضعه.
ومنه قول النابغة:
... = والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
والمظلومة: الأرض التي حفر فيها, ولم تكن موضع حفر, سميت بذلك؛ لأن الحفر وضع غير موضعه, فكأن الظالم هو الذي أزال الحق عن جهته, وأخذ ما ليس له، هذا وما أشبهه, ثم يتفرع من الظلم معان قد ذكرتها في كتاب «تأويل المشكل».
14 - و(الفسق) في اللغة: الخروج عن الشيء, ومنه قول اللّه جل وعز: {إلّا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه}, أي: خرج من طاعته, قال الفراء: ومنه يقال: فسقت الرّطبة: إذا خرجت من قشرها.
15 - و(النّفاق) في اللغة: مأخوذ من نافقاء اليربوع, وهو جحر من جحرته يخرج منه إذا أخذ عليه الحجر الذي دخل فيه, فيقال: قد نفق ونافق، شبّه بفعل اليربوع، لأنه يدخل من باب, ويخرج من باب, وكذلك المنافق يدخل في الإسلام باللفظ, ويخرج منه بالعقد, وقد ذكرت هذا في كتاب «غريب الحديث» بأكثر من هذا البيان, والنفاق لفظ إسلامي لم تكن العرب قبل الإسلام تعرفه.
16 - و(البهتان): من بهت الرجل إذا وجهته بالباطل.
17 - و(العدوان): من عدوت, وتعدّيت على الرجل, والعداء: الظلم.
18 - و(الخسران): النقصان, وكذلك الخسر، ويكون بمعنى الهلكة؛ قال اللّه تعالى: {وأولئك هم الخاسرون}, أي: الهالكون, وقال: {فما تزيدونني غير تخسيرٍ}, أي: هلكة، وقال في موضع آخر: {وما زادوهم غير تتبيبٍ}, أي: هلكة.
19 - و(الإفك): الكذب، لأنه كلام قلب عن الحق, وأصله: من أفكت الرجل إذا صرفته عن رأي كان عليه, ومنه قيل لمدائن قوم لوط: {المؤتفكات}؛ لانقلابها, ومنه قول اللّه جل وعز: {فأنّى تؤفكون}, أي: من أين تحرمون, وتصرفون عن الحق، قال الشاعر:
إن تك عن أحسن الصّنيعة مأ = فوكا ففي آخرين قد أفكوا
أي: إن تك عن أحسن الصنيعة معدولا.
20 - وكذلك (الفجور): هو الميل عن الحق إلى الباطل, ويقال للكذب أيضا: فجور، وهو الميل عن الصدق.
21 - و(الافتراء): الاختلاف، قال اللّه تعالى: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب}, أي: يختلقونه, ومنه قيل: افترى فلان على فلان، إذا قذفه بما ليس فيه، أو قذف أبويه.
22 - و(إقامة الصّلاة): إدامتها لأوقاتتها, والعرب تقول: قامت السوق, وأقمتها: إذا أدمتها, ولم أعطلها, قال الشاعر:
أقامت غزالة سوق الضّراب = لأهل العراقين حولا قميطا
ويقولون في خلاف ذلك: نامت السوق، إذا عطلت, أو كسدت.
23 - و(التزكية): من الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم , وعلى آله، أخذ الزكاة, قال: {يتلوا عليكم آياتنا ويزكّيكم}
وأصل الزّكاة: النّماء, والزيادة, ومنه قيل للصدقة عن المال: زكاة لأنها تثمره، ومنه يقال: زكا الزرع، وزكت النفقة، إذا بورك فيها.
24 - و(الحكمة): العلم, والعمل, لا يسمى الرجل حكيماً حتى يجمعهما.
25 - و(شعائر اللّه): واحدها شعيرة، وهو كل شيء جعل علماً من أعلام طاعته, ومنه إشعار البدن: إذا أهديت, وهو أن تطعن في سنامها، وتجللها وتقلّده؛ لأن ذلك من علامات إهدائها.
وقال قائل حين شجّ عمر: أشعر أمير المؤمنين, كأنه أعلم بعلامة من الجراح, ويرى أهل النظر أن أصله من الشّعار، وهو ما ولي الجسد من الثياب.
26 -و(حجّ البيت): مأخوذ من قولك: حججت فلانا؛ إذا عدت إليه مرة بعد مرة، قال الشاعر:
وأشهد من عوف حلولا كثيرة = يحجّون سبّ الزّبرقان المزعفرا
أي: يكثرون الاختلاف إليه لسؤده, وكان الرئيس يعتم بعمامة صفرا ً تكون علماً لرياست , ولا يكون ذلك لغيره, ونحوه قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس}: أي: يثوبون إليه، يعني: يعودون إليه في كل عام.
27 - و(السّلطان): الملك والقهر, فإذا لم يكن ملك وقهر , فهو بمعنى: حجة وبرهان، كقوله: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطانٍ مبينٍ} , وكقوله: {أم لكم سلطانٌ مبينٌ}
28 - و(القرآن): من قولك: ما قرأت الناقة سلى قطّ، أي: ما ضمّت في رحمها ولداً, وكذلك ما قرأت جنيناً, وأنشد أبو عبيدة:
... = هجان اللون لم تقرأ جنينًا
وقال في قوله: {إنّ علينا جمعه وقرآنه}، أي: تأليفه. قال: وإنما سمي قرآنًا لأنه جمع السور وضمها, ويكون القرآن مصدرا ً كالقراءة: يقال: قرأت قراءة حسنة, وقرآنًا حسناً, وقال الله: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً}, أي: قراءة الفجر، يعني: صلاة الفجر, قال الشاعر في عثمان بن عفان رضي اللّه عنه:
ضحوا بأشمط عنوان السّجود = به يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
أي: تسبيحاً, وقراءة.
29 - و(السّورة): تهمز, ولا تهمز: فمن همزها جعلها من أسأرت، يعني أفضلت, لأنها قطعة من القرآن.
ومن لم يهمزها جعلها من سورة البناء، أي: منزلة بعد منزلة، قال النابغة في النّعمان:
ألم تر أنّ اللّه أعطاك سورة = ترى كل ملك دونها يتذبذب
والسّورة في هذا البيت سورة المجد, وهي مستعارة من سورة البناء.
30 - و(الآية): جماعة الحروف, قال الشيباني: وهو من قولهم: خرج القوم بآيتهم، أي : بجماعتهم.
31 - و(السبع الطوال): آخرها براءة, كانوا يرون الأنفال, وبراءة سورة واحدة، لأنهما جميعا نزلتا في مغازي رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، ولذلك لم يفصلوا بينهما.
32 - و(السور التي تعرف بالمئين): هي ما ولى السّبع الطوال، سميت بمثئن؛ لأن كل سورة منها تزيد على مائة آية, أو تقاربها.
33 - و(المثاني): ما ولي المئين من السور التي هي دون المائدة, كأن المئين مباد, وهذه مثان, وقد تكون المثاني سور القرآن كلّها قصارها وطوالها, ويقال من ذلك قوله: {كتاباً متشابهاً مثاني}, ومنه قوله: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}: وإنما سمّي القرآن مثاني؛ لأن الأنباء والقصص تثنّى فيه.
ويقال المثاني في قوله: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}: آيات سورة الحمد, سمّاها مثاني؛ لأنها تثنّى في كل صلاة.
34 - و(المفصّل): ما يلي المثاني من قصار السور، سميّت مفصلاً, لقصرها, وكثرة الفصول فيها بسطر: بسم اللّه الرحمن الرحيم.
35 - وأما (آل حميم): فإنه يقال: إن حم: اسم من أسماء اللّه، أضيفت هذه السور إليه, كأنه قيل: سور اللّه؛ لشرفها, وفضلها, قال الكميت:
وجدنا لكم في آل حميم آية = تأولها منّا تقيّ ومعرب
وقد يجعل حم اسماً للسورة، ويدخله الإعراب, ولا يصرف, ومن قال هذا , قال في الجميع: الحواميم, كما يقال: طس والطواسين.
36 - وأما (التوراة): فإن الفرّاء يجعلها من ورى الزّند يرى: إذا خرجت ناره، وأوريته, يريد: أنها ضياء.
37 - و(الإنجيل): من نجلت الشيء: إذا أخرجته, وولد الرجل نجله, وإنجيل «إفعيل» من ذلك؛ كأن اللّه أظهر به عافياً من الحق دارساً.
38 - وقد سمى الله القرآن: (كتابا): فقال: {ذلك الكتاب لا ريب فيه}, وقال: {كتابٌ أنزلناه إليك}, والكتاب فعل الكاتب, تقول: كتب كتاباً, كما تقول: حجب حجاباً, وقام قياماً, وصام صياماً, وقد يسمّى الشيء بفعل الفاعل، يقال: هذا درهم ضرب الأمير، وإنما هو مضروب الأمير، وتقول: هؤلاء خلق اللّه, لجماعة الناس، وإنما هو مخلوقو اللّه.
39 - و(الزّبور): هو بمعنى مكتوب من زبر الكتاب, يزبره إذا كتبه، وهو فعول بمعنى مفعول، كما يقال: جلوب وركوب في معنى: مجلوب ومركوب, ومعنى: «كتب الكتاب»: أي: جمع حروفه, ومنه كتب الخرز، ومنه يقال: كتبت البغلة: إذا جمعت بين شفريها بحلقة.
40 - وأساطير الأوّلين: أخبارهم, وما سطّر منها, أي: كتب, ومنه قوله: {وما يسطرون}, أي: يكتبون, واحدها سطر, ثم أسطار، ثم أساطير - جمع الجمع- , مثل: قول, وأقوال, وأقاويل.
وأبو عبيدة يجعل واحدها: أسطورة, وإسطارة, ومعناها: التّرهات البسابس, و هو الذي لا نظام له, وليس بشيء صحيح). [تفسير غريب القرآن: 3-37]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 ذو الحجة 1431هـ/14-11-2010م, 12:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي مقدمة كتاب معاني القرآن للنحاس

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم, وبه نستعين

مقدمة
أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي المعروف بالنحاس قال: الحمد لله الذي من علينا بهدايته, واستنقذنا من الضلالة بشريعته, وأرشدنا إلى سبيل النجاة بنبيه صلى الله عليه وسلم, ووفقنا لانتهاج سبيله المرتضى, وعلمنا ما لم نكن نعلم من كتابه الذي جعله فرقًا بين الحق والباطل, أذل به الجاحدين عند عجزهم عن الإتيان بسورة مثله, وجعله الشفاء والحجة على خلقه بما بين فيه, فقال جل وعز: {بلسان عربي مبين}, وقال: {قرآنا عربيا غير ذي عوج}, وقال: {كتاب مصدق لسانا عربيا}, فدل على أن معانيه إنما وردت من اللغة العربية, وقال صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه)).
وروى سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذ الشعر هذا.
فقصدت في هذا الكتاب تفسير المعاني, والغريب, وأحكام القرآن, والناسخ والمنسوخ عن المتقدمين من الأئمة وأذكر من قول الجلة من العلماء باللغة, وأهل النظر ما حضرني, وأبين من تصريف الكلمة واشتقاقها إن علمت ذلك, وآتي من القراءات بما يحتاج إلى تفسير معناه, وما احتاج إليه المعنى من الإعراب, وبما احتج به العلماء في مسائل سأل عنها المجادلون, وأبين ما فيه حذف, أو اختصار, أو إطالة لإفهامه, وما كان فيه تقديًما, أو تأخيراً, وأشرح ذلك حتى يتبينه المتعلم, وينتفع به كما ينتفع العالم بتوفيق الله وتسديده, فأول ذلك تفسير سورة الفاتحة). [معاني القرآن: 1/41-43]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 ذو الحجة 1431هـ/14-11-2010م, 12:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي مقدمة كتاب تفسير المشكل لمكي بن أبي طالب

بسم الله الرحمن الرحيم

وما توفيقي إلا بالله
قال أبو محمد، مكي بن أبي طالب المقرئ، رضي الله عنه:-
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (الحمد لله ولي الحمد وأهله، والهادي الموفق له، والمنعم به، حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه، وصلى الله على محمد النبي، خير خلقه، وعلى آله وصحبه وسلم: هذا كتاب جمعت فيه تفسير المشكل من غريب القران على الإيجاز , والاختصار مع البيان، نفع الله به، وجعله لوجهه خالصاً.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 19]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 08:18 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

معنى السورة وسبب تسميتها:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (وإنما سمّيت سورةً لا تهمز، لأن مجازها من سور البناء أي منزلة ثم منزلة، ومن همزها جعلها قطعةً من القرآن، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمّى قرآنا. قال النّابغة:

ألم تر أن الله أعطاك سورةً=ترى كلّ ملك دونها يتذبذب
أي منزلة، وبعض العرب يهمز سورة، ويذهب إلى (أسأرت). نقول: هذه ليست من تلك). [مجاز القرآن: 1/20]

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): ( والسورة في اللغة: الرفعة والاعتلاء.
قال النابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة = يرى كل ملك دونها يتذبذب
أي منزلة ومرتبة عالية لا ينالها ملك.
وقال عدي:
نماني وأنماني إلى السور والعلا = أب كان أباء الدنية بارعا

ويقال ساوره أي واثبه، لأن كل واحد منهما يطلب أن يعلو الآخر، وسورة الغضب من ذلك، لأن الغضبان يريد أن يرتفع ويعلو.
قال أبو عبيدة: وقد تهمز السورة، قال: فمن همزها جعلها من أسأرت، أي أبقيت بقية وفضلة، قال: كأنها قطعة من القرآن على حدة.
قلت: بل يجوز أن تكون السؤرة بالهمز بمعنى السورة بغير همز، وإنما همزها من همز لمجاورة الواو الضمة، كما قيل: (السؤق) في (السوق)، فتكون السورة سميت بذلك لرفعتها وعلو شأنها، أو لأنها رفعة ومرتبة لمن أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم ) [جمال القراء :1/39-40]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 رجب 1432هـ/19-06-2011م, 01:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله). [غرائب القرآن وتفسيره: 61]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة