العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة ص

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 06:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة ص [ من الآية (1) إلى الآية (8) ]

تفسير سورة ص
[ من الآية (1) إلى الآية (8) ]


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 06:50 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ص قال يقول ص كما تقول تلق كذا). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت: 220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله: {ص والقرآن ذي الذكر} قال: ذي الشرف [الآية: 1]). [تفسير الثوري: 256]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في معنى قول اللّه عزّ وجلّ: {ص} فقال بعضهم: هو من المصاداة، من صاديت فلانًا، وهو أمرٌ من ذلك، كأنّ معناه عندهم: صاد بعملك القرآن: أي عارضه به، ومن قال هذا تأويله، فإنّه يقرؤه بكسر الدّالّ، لأنّه أمرٌ، وكذلك روي عن الحسن.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: قال الحسن {صاد} قال: حادث القرآن.
- وحدّثت عن عليّ بن عاصمٍ، عن عمرو بن عبيدٍ، عن الحسن، في قوله: {صاد} قال: عارض القرآن بعملك.
- حدّثت عن عبد الوهّاب، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: {ص والقرآن} قال: عارض القرآن قال عبد الوهّاب: يقول اعرضه على عملك، فانظر أين عملك من القرآن.
- حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن أنّه كان يقرأ: {ص والقرآن} بخفض الدّالّ، وكان يجعلها من المصاداة، يقول: عارض القرآن.
وقال آخرون: هي حرف هجاءً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا {ص} فمن الحروف.
وقال آخرون: هو قسمٌ أقسم اللّه به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ص} قال: قسمٌ أقسمه اللّه، وهو من أسماء اللّه.
وقال آخرون: هو اسمٌ من أسماء القرآن أقسم اللّه به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ص} قال: هو اسمٌ من أسماء القرآن أقسم اللّه به.
وقال آخرون: معنى ذلك: صدق اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن المسيّب بن شريكٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ص} قال: صدق اللّه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامّة قرّاء الأمصار خلا عبد اللّه بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر بسكون الدّال، فأمّا عبد اللّه بن أبي إسحاق فإنّه كان يكسرها لاجتماع السّاكنين، ويجعل ذلك بمنزلة الأداة، كقول العرب: تركته حاث باث، وخاز باز يخفضان من أجل أنّ الّذي يلي آخر الحروف ألفٌ فيخفضون مع الألف، وينصبون مع غيرها، فيقولون حيث بيث، ولأجعلنّك في حيص بيص: إذا ضيّق عليه. وأمّا عيسى بن عمر فكان يوفّق بين جميع ما كان قبل آخر الحروف منه ألفٌ، وما كان قبل آخره ياءٌ أو واوٌ فيفتح جميع ذلك وينصبه، فيقول: (صاد)، و(قاف)، و(نون)، و(ياسين)، فيجعل ذلك مثل الأداة كقولهم: ليت، وأين وما أشبه ذلك.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا السّكون في كلّ ذلك، لأنّ ذلك القراءة الّتي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفيضةً فيهم، وأنّها حروف هجاءٍ لأسماء المسمّيات، فيعربن إعراب الأسماء والأدوات والأصوات، فيسلك به مسالكهنّ، فتأويلها إذ كانت كذلك تأويل نظائرها الّتي قد تقدّم بياننا لها قبل فيما مضى.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: {ص} في معناها كقولك: وجب واللّه، نزل واللّه، وحقّ واللّه، وهي جوابٌ لقوله: {والقرآن} كما تقول: حقًّا واللّه، نزل واللّه.
وقوله: {والقرآن ذي الذّكر} وهذا قسمٌ أقسمه اللّه تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال: {والقرآن ذي الذّكر}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ذي الذّكر} فقال بعضهم: معناه: ذي الشّرف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو أحمد، عن قيسٍ، عن أبي حصينٍ، عن سعيدٍ {ص والقرآن ذي الذّكر} قال: ذي الشّرف.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، وابن بشّارٍ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، عن مسعرٍ، عن أبي حصينٍ {ذي الذّكر} ذي الشّرف.
- قال: حدّثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، أو غيره {ذي الذّكر} ذي الشّرف.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {والقرآن ذي الذّكر} قال: ذي الشّرف.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ {ص والقرآن ذي الذّكر} ذي الشّرف.
وقال بعضهم: بل معناه: ذي التّذكير، ذكّركم اللّه به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن المسيّب بن شريكٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك {ذي الذّكر} قال: فيه ذكركم، قال: ونظيرتها: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ذي الذّكر} أي ما ذكر فيه.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معناه: ذي التّذكير لكم، لأنّ اللّه أتبع ذلك قوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} فكان معلومًا بذلك أنّه إنّما أخبر عن القرآن أنّه أنزله ذكرًا لعباده ذكّرهم به، وأنّ الكفّار من الإيمان به في عزّةٍ وشقاقٍ.
واختلف في الّذي وقع عليه اسم القسم، فقال بعضهم؛ وقع القسم على قوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {بل الّذين كفروا في عزّةٍ} قال: هاهنا وقع القسم.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: بل دليلٌ على تكذيبهم، فاكتفى ببل من جواب القسم، وكأنّه قيل: ص، ما الأمر كما قلتم، بل أنتم في عزّةٍ وشقاقٍ.
وكان بعض نحويّي الكوفة يقول: زعموا أنّ موضع القسم في قوله: {إن كلٌّ إلاّ كذّب الرّسل} وقال بعض نحويّي الكوفة: قد زعم قومٌ أنّ جواب {والقرآن} قوله: {إنّ ذلك لحقٌ تخاصم أهل النّار}، قال: وذلك كلامٌ قد تأخّر عن قوله: {والقرآن} تأخّرًا شديدًا، وجرت بينهما قصصٌ مختلفةٌ، فلا نجد ذلك مستقيمًا في العربيّة، واللّه أعلم.
قال: ويقال: إنّ قوله: {والقرآن} يمينٌ، اعترض كلامٌ دون موقع جوابها، فصار جوابها للمعترض ولليمين، فكأنّه أراد: والقرآن ذي الذّكر، لكم أهلكنا، فلمّا اعترض قوله {بل الّذين كفروا في عزّةٍ} صارت كم جوابًا للعزّة واليمين، قال: ومثله قوله: {والشّمس وضحاها} اعترض دون الجواب قوله: {ونفسٍ وما سوّاها فألهمها} فصارت قد أفلح تابعه لقوله: فألهمها، وكفى من جوابٍ القسم، فكأنّه قال: والشّمس وضحاها لقد أفلح.
والصّواب من القول في ذلك عندي، القول الّذي قاله قتادة، وأنّ قوله: {بل} لمّا دلّت على التّكذيب وحلّت محلّ الجواب استغني بها من الجواب، إذ عرف المعنى، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك: {ص والقرآن ذي الذّكر} ما الأمر كما يقول هؤلاء الكافرون: بل هم في عزّةٍ وشقاقٍ). [جامع البيان: 20/5-10]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وحكمها حكم الحروف المقطّعة أوائل السّور وقد قرأها عيسى بن عمر بكسر الدّال فقيل للدرج وقيل بل هي عنده فعل أمرٍ من المصاداة وهي المعارضة كأنّه قيل عارض القرآن بعملك والأوّل هو المشهور وسيأتي مزيد بيانٍ في أسماء السّورة في أوّل غافرٍ). [فتح الباري: 8/544]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (واختلف في معناه، فعن ابن عبّاس: بحر بمكّة كان عليه عرش الرّحمن لا ليل ولا نهار، وعن سعيد بن جبير: بحر يحيي الله به الموتى بين النفختين، وعن الضّحّاك: {ص} صدق الله تعالى، وعن مجاهد: فاتحة السّورة، وعن قتادة: اسم من أسماء القرآن، وعن السّديّ: اسم من أسماء الله، وعن محمّد القرظيّ: هو مفتاح أسماء الله تعالى إلى صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد، وعن ابن سليمان الدّمشقي: اسم حيّة رأسها تحت العرش وذنبها تحت الأرض السّفلى، قال: وأظنه عن عكرمة، وقيل: هو من المصاداة من قولك: صاد فلانا وهو أمر من ذلك. فمعناه: صاد بعملك القرآن أي: عارضه لتنظر أين عملك. فمن أول هكذا يقرأ: صاد بكسر الدّال لأنّه أمر، وكذا روي عن الحسن، وقرأه عامّة قراء الأمصار بسكون الدّال إلاّ عبد الله بن إسحاق وعيسى بن عمر فإنّهما يكسرانه). [عمدة القاري: 19/137]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 1 - 3.
أخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: سئل جابر بن عبد الله، وابن عباس رضي الله عنهما عن {ص} فقالا: ما ندري ما هو). [الدر المنثور: 12/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله {ص} قال: حادث القرآن). [الدر المنثور: 12/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله أنه كان يقرأ {ص والقرآن} بخفض الدال وكان يجعلها من المصاداة يقول عارض القرآن قال عبد الوهاب: أعرضه على عملك فانظر أين عملك من القرآن). [الدر المنثور: 12/503-504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {ص} يقول: إني أنا الله الصادق). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {ص} قال: صدق الله). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال {ص} محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {ص والقرآن ذي الذكر} قال: نزلت في مجالسهم). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {ص والقرآن ذي الذكر} قال: ذي الشرف). [الدر المنثور: 12/504]

تفسير قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {في عزّةٍ} [ص: 2] : «معازّين»). [صحيح البخاري: 6/124]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ في عزّةٍ أي معازين وصله الفريابيّ من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ به وروى الطّبريّ من طريق سعيدٍ عن قتادة في قوله في عزّةٍ قال في حميّةٍ ونقل عن الكسائيّ في روايةٍ أنّه قرأ في غرّةٍ بالمعجمة والرّاء وهي قراءة الجحدريّ وأبي جعفرٍ). [فتح الباري: 8/545]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
وقال مجاهد في عزة معازين الملّة الآخرة ملّة قريش الاختلاق الكذب الأسباب طرق السّماء في أبوابها جند ما هنالك مهزوم يعني قريشًا أولئك الأحزاب القرون الماضية فواق رجوع قطنا عذابنا اتخذناهم سخريا أحطنا بهم أتراب أمثال
وقال ابن عبّاس الأيد القوّة في العبادة الأبصار البصر في أثر الله حب الخير عن ذكر ربّي من ذكر طفق مسحا يمسح أعراف الخيل وعراقيبها الأصفاد الوثاق
أما أقوال مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 2 ص {بل الّذين كفروا في عزة} قال معازين). [تغليق التعليق: 4/295] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ في عزّةٍ معازّين
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {بل الّذين كفروا في عزة وشقاق} (ص: 2) وأراد أن قوله: (في عزة) في موضع خبر وأنه بمعنى: (معازين) أي: مغالبين، وقيل: في حمية جاهليّة وتكبر. قوله: (وشقاق) ، أي: خلاف وفراق). [عمدة القاري: 19/138]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه (في عزة) أي (معازين) بضم الميم وبعد العين ألف فزاي مشددة وقال غيره في استكبار عن الحق أي ما كفر من كفر به لخلل وجده فيه بل كفروا به استكبارًا وحمية جاهلية). [إرشاد الساري: 7/316]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (معازين) وقال غيره، أي: في حمية، وتكبر عن الإيمان. ومعنى معازين: مغالبون). [حاشية السندي على البخاري: 3/67]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} يقول تعالى ذكره: بل الّذين كفروا باللّه من مشركي قريشٍ في حميةٍ ومشاقةٍ وفراقٍ لمحمّدٍ وعداوةٍ، وما بهم أن لا يكونوا أهل علمٍ، بأنّه ليس بساحرٍ ولا كذّابٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {في عزّةٍ وشقاقٍ} قال: معازين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {في عزّةٍ وشقاقٍ} أي في حميّةٍ وفراقٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} قال: يعادون أمر اللّه ورسله وكتابه، ويشاقّون، ذلك عزّةٌ وشقاقٌ، فقلت له: الشّقاق: الخلاف، فقال: نعم). [جامع البيان: 20/11]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله بل الذين كفروا في عزة يعني معازين). [تفسير مجاهد: 547]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة {بل الذين كفروا في عزة} قال: ههنا وقع القسم {في عزة وشقاق} قال: في حمية وفراق). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} قال: معازين {شقاق} قال: عاصين وفي قوله {فنادوا ولات حين مناص} قال: ما هذا بحين فرار). [الدر المنثور: 12/505]

تفسير قوله تعالى: (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني ابن زيد عن أبيه في قول الله: {ولات حين مناصٍ}، قال: ولات حين منجى). [الجامع في علوم القرآن: 2/164]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولات حين مناص قال نادوا على غير حين النداء). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن عكرمة ونادوا وليس بحين انفلات). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن أصحابه عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم أنه سأل ابن عباس قال ما ولات حين مناص قال ليس بحين نزو ولا فرار.
عن معمر عن قتادة قال وذكره إسرائيل عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس مثله). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدثنا سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن التّميميّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولات حين مناص} قال: نادوا وليس بحين نزوٍ ولا فرار [الآية: 3]). [تفسير الثوري: 256]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {فنادوا ولات حين مناصٍ} قال: ليس بحين فرارٍ ولا إجابةٍ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 59]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ فنادوا ولات حين مناصٍ}.
يقول تعالى ذكره: كثيرًا أهلكنا من قبل هؤلاء المشركين من قريشٍ الّذين كذّبوا رسولنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فيما جاءهم به من عندنا من الحقّ {من قرنٍ} يعني: من الأمم الّذين كانوا قبلهم، فسلكوا سبيلهم في تكذيب رسلهم فيما أتوهم به من عند اللّه {فنادوا} يقول: فعجّوا إلى ربّهم وضجّوا واستغاثوا بالتّوبة إليه، حين نزل بهم بأس اللّه وعاينوا به عذابه فرارًا من عقابه، وهربًا من أليم عذابه {ولات حين مناصٍ} يقول: وليس ذلك حين فرارٍ ولا هربٍ من العذاب بالتّوبة، وقد حقّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لا تنفعهم التّوبة، واستقالوا في غير وقت الإقالة.
وقوله: {مناصٍ} مفعلٍ من النّوص، والنّوص في كلام العرب: التّأخّر، والمناص: المفر؛ ومنه قول امرئ القيس:
أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص.. فتقصر عنها خطوةً وتبوص
يقول: أو تقدّمٌ، يقال من ذلك: ناصني فلانٌ: إذا ذهب عنك، وباصني: إذا سبقك، وناض في البلاد: إذا ذهب فيها، بالضّاد وذكر الفرّاء أنّ العقيليّ أنشده:
إذا عاش إسحاق وشيخه لم أبل = فقيدًا ولم يصعب عليّ مناض
ولو أشرفت من كفّة السّتر عاطلاً = لقلت غزالٌ ما عليه خضاض
والخضاض: الحليّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولات حين مناصٍ} قال: ليس بحين نزوٍ، ولا حين فرارٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: أرأيت قول اللّه {ولات حين مناصٍ} قال: ليس بحين نزوٍ ولا فرارٍ ضبط القوم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن التّميميّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قول اللّه {ولات حين مناصٍ} قال: ليس حين نزوٍ ولا فرارٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ولات حين مناصٍ} قال: ليس حين نزوٍ ولا فرارٍ.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولات حين مناصٍ} يقول: ليس حين مغاثٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن،. قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولات حين مناصٍ} قال: ليس هذا بحين فرارٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {فنادوا ولات حين مناصٍ} قال: نادى القوم على غير حين نداءٍ، وأرادوا التّوبة حين عاينوا عذاب اللّه فلم يقبل منهم ذلك.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ولات حين مناصٍ} قال: حين نزل بهم العذاب لم يستطيعوا الرّجوع إلى التّوبة، ولا فرارًا من العذاب.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فنادوا ولات حين مناصٍ} يقول: وليس حين فرارٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولات حين مناصٍ} ولات حين منجًى ينجون منه.
ونصب {حين} في قوله: {ولات حين مناصٍ} تشبيهًا للات بليس، وأضمر فيها اسم الفاعل.
وحكى بعض نحويّي أهل البصرة الرّفع مع (لات) في (حين) زعم أنّ بعضهم رفع (ولات حين مناصٍ) فجعله في قوله مثل (ليس)، كأنّه قال: ليس وأضمر الحين.
قال: وفي الشّعر:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ = فأجبنا أن ليس حين بقاء
فجرّ (أوانٍ) وأضمر الحين وأضاف إلى (أوانٍ)، لأنّ (لات) لا تكون إلاّ مع الحين؛ قال: ولا تكون (لات) إلاّ مع (حينٍ).
وقال بعض نحويّي الكوفة: من العرب من يضيف لات فيخفض بها، وذكر أنّه أنشد:
لات ساعة مندم
بخفض السّاعة؛ قال: والكلام أن ينصب بها، لأنّها في معنى ليس، وذكر أنّه أنشد:
تذكّر حبّ ليلى لات حينًا = وأضحى الشّيب قد قطع القرينا
قال: وأنشدني بعضهم:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ = فأجبنا أن ليس حين بقاء
بخفض (أوانٍ)؛ قال: وتكون لات مع الأوقات كلّها.
واختلفوا في وجه الوقف على قوله: {لات حين} فقال بعض أهل العربيّة: الوقف عليه ولات بالتّاء، ثمّ يبتدأ حين مناصٍ، قالوا: وإنّما هي لا الّتي بمعنى: ما، وإنّ في الجحد وصلت بالتّاء، كما وصلت ثمّ بها، فقيل: ثمّت، وكما وصلت ربّ فقيل: ربّت.
وقال آخرون منهم: بل هي هاءٌ زيدت في لا، فالوقف عليها لاه، لأنّها هاءٌ زيدت للوقف، كما زيدت في قولهم:
العاطفونة حين ما من عاطفٍ = والمطعمونة حين أين المطعم
فإذا وصلت صارت تاءً.
وقال بعضهم: الوقف على لا، والابتداء بعدها بحينٍ، وزعم أنّ حكم التّاء أن تكون في ابتداء حين، وأوان، والآن؛ ويستشهد لقيله ذلك بقول الشّاعر:
تولّي قبل يوم سبيٍ جمانا = وصلينا كما زعمت تلآنا
وأنّه ليس هاهنا لا فيوصل بها هاءٌ أو تاءٌ؛ ويقول: إنّ قوله: {لات حين} إنّما هي: ليس حين، ولم توجد لات في شيءٍ من الكلام.
والصّواب من القول في ذلك عندنا: أنّ لا حرف جحدٍ كما وإن وصلت بها تصير في الوصل تاءً، كما فعلت العرب ذلك بالأدوات، ولم تستعمل ذلك كذلك مع لا المدّة إلاّ للأوقات دون غيرها، ولا وجه للعلّة الّتي اعتلّ بها القائل: إنّه لم يجد لات في شيءٍ من كلام العرب، فيجوز توجيه قوله: {ولات حين} إلى ذلك، لأنّها تستعمل الكلمة في موضعٍ، ثمّ تستعملها في موضعٍ آخر بخلاف ذلك، وليس ذلك بأبعد في القياس من الصّحّة من قولهم: رأيت بالهمز، ثمّ قالوا: فأنا أراه بترك الهمز لما جرى به استعمالهم، وما أشبه ذلك من الحروف الّتي تأتي في موضعٍ على صورةٍ، ثمّ تأتي بخلاف ذلك في موضعٍ آخر للجاري من استعمال العرب ذلك بينها. وأمّا ما استشهد به من قول الشّاعر: وكما زعمت تلانا، فإنّ ذلك منه غلطٌ في تأويل الكلمة؛ وإنّما أراد الشّاعر بقوله: وصلّينا كما زعمت تلانا وصلّينا كما زعمت أنت الآن، فأسقط الهمزة من أنت، فلقيت التّاء من زعمت النّون من أنت وهي ساكنةٌ، فسقطت من اللّفظ، وبقيت التّاء من أنت، ثمّ حذفت الهمزة من الآن، فصارت الكلمة في اللّفظ كهيئة تلان، والتّاء الثّانية على الحقيقة منفصلةٌ من الآن، لأنّها تاء أنت وأمّا زعمه أنّه رأى في المصحف الّذي يقال له الإمام التّاء متّصلةٌ بحينٍ، فإنّ الّذي جاءت به مصاحف المسلمين في أمصارها هو الحجّة على أهل الإسلام، والتّاء في جميعها منفصلةٌ عن حينٍ، فلذلك اخترنا أن يكون الوقف على الهاء في قوله: {ولات حين} ). [جامع البيان: 20/11-17]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن دينارٍ الزّاهد، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا محمّد بن سابقٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {ولات حين مناصٍ} [ص: 3] قال: «ليس بحين نزوٍ ولا فرارٍ» صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/470]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} قال: معازين {شقاق} قال: عاصين وفي قوله {فنادوا ولات حين مناص} قال: ما هذا بحين فرار). [الدر المنثور: 12/505] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه عن التميمي قال: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن قول الله {فنادوا ولات حين مناص} قال: ليس بحين تزور ولا فرار). [الدر المنثور: 12/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنه أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {ولات حين} قال: ليس بحين فرار قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
تذكرت ليلى لات حين تذكر * وقد تبت عنها والمناص بعيد). [الدر المنثور: 12/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما {فنادوا ولات حين مناص} قال: نادوا والنداء حين لا ينفعهم وأنشد تذكرت). [الدر المنثور: 12/505-506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس {ولات حين مناص} قال: لا حين فرار). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولات حين مناص} قال: ليس بحين مغاث). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {ولات حين مناص} ليس بحين جزع). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {ولات حين مناص} قال: وليس حين نداء). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي في قوله {ولات حين مناص} قال: نادوا بالتوحيد والعقاب حين مضت الدنيا عنهم فاستناصوا التوبة حين زالت الدنيا عنهم). [الدر المنثور: 12/506-507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فنادوا ولات حين مناص} قال: نادى القوم على غير حين نداء وأرادوا التوبة حين عاينوا عذاب الله فلم ينفعهم ولم يقبل منهم). [الدر المنثور: 12/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه {ولات حين مناص} قال: ليس حين انقلاب). [الدر المنثور: 12/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن وهب بن منبه {ولات حين مناص} قال: إذا أراد السرياني أن يقول وليس يقول ولات). [الدر المنثور: 12/507]

تفسير قوله تعالى: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ (4) أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ}.
يقول تعالى ذكره: وعجب هؤلاء المشركون من قريشٍ أن جاءهم منذرٌ ينذرهم بأس اللّه على كفرهم به من أنفسهم، ولم يأتهم ملكٌ من السّماء بذلك {وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ} يقول: وقال المنكرون وحدانيّة اللّه: هذا يعنون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم ساحرٌ كذّابٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم} يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ}.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ساحرٌ كذّابٌ} يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 20/17-18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 4 - 16
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} قال: عجب المشركون أن دعوا إلى الله وحده وقالوا: إنه لا يسمع حاجتنا جميعا إله واحدا). [الدر المنثور: 12/507]

تفسير قوله تعالى: (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {عجابٌ} [ص: 5] : " عجيبٌ). [صحيح البخاري: 6/124]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله عجابٌ عجيبٌ هو قول أبي عبيدة قال والعرب تحوّل فعيلًا إلى فعالٍ بالضّمّ وهو مثل طويلٍ وطوالٍ قال الشّاعر تعدو به سلهبةً سراعةً أي سريعةً وقرأ عيسى بن عمر ونقلت عن عليٍّ عجّابٌ بالتّشديد وهو مثل كبار في قوله ومكروا مكرًا كبّارًا وهو أبلغ من كبارٍ بالتّخفيف وكبارٌ المخفّف أبلغ من كبيرٍ). [فتح الباري: 8/545]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (عجابٌ: عجيبٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {إن هذا الشّيء عجاب} (ص: 5) وذكر أن معنى: عجاب، بمعنى: (عجيب) وقرئ: عجاب، بتشديد الجيم والمعنى واحد، وقيل: هو أكثر، وقال مقاتل هذا بلغة أزد شنوءة مثل كريم وكرام وكبير وكبار وطويل وطوال وعريض وعراض). [عمدة القاري: 19/137-138]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (عجاب) أي (عجيب) وذلك أن التفرّد بالألوهية خلاف ما عليه آباؤهم مطلقًا وتصوّروه من أن الإله الواحد لا يسع الخلق كلهم). [إرشاد الساري: 7/315]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا إبراهيم بن محمّدٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ، فأتته قريشٌ، وأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعوده، وعند رأسه مقعد رجلٍ، فجاء أبو جهلٍ فقعد فيه، ثمّ قال: ألا ترى إلى ابن أخيك يقع في آلهتنا؟، قال: ابن أخي، ما لقومك يشكونك؟، قال: «أريدهم على كلمةٍ تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية»، قال: وما هي؟، قال: «لا إله إلّا الله»، فقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟، فنزلت ص، فقرأ حتّى بلغ {عجابٌ} [ص: 5]
- أخبرنا الحسن بن أحمد بن حبيبٍ، قال: حدّثنا محمّدٌ وهو ابن عبد الله بن نميرٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا الأعمش، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، نحوه
- أخبرنا إبراهيم بن الحسن، قال: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن عمر بن ذرٍّ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سجد في ص، وقال: «سجدها داود عليه السّلام توبةً، ونسجدها شكرًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/233-234]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} يقول: وقال هؤلاء الكافرون الّذين قالوا: محمّدٌ ساحرٌ كذّابٌ: أجعل محمّدٌ المعبودات كلّها واحدًا، يسمع دعاءنا جميعنا، ويعلم عبادة كلّ عابدٍ عبده منّا {إنّ هذا لشيءٍ عجابٌ} أي إنّ هذا لشيءٍ عجيبٌ.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} قال: عجب المشركون أن دعوا إلى اللّه وحده، وقالوا: يسمع لحاجاتنا جميعًا إلهٌ واحدٌ ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة.
وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر اللّه عنهم أنّهم قالوه من ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لهم: أسألكم أن تجيبوني إلى واحدةٍ تدين لكم بها العرب، وتعطيكم بها الخراج العجم فقالوا: وما هي؟ فقال: تقولون لا إله إلاّ اللّه، فعند ذلك قالوا: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} تعجّبًا منهم من ذلك.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا الأعمش، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا مرض أبو طالبٍ دخل عليه رهطٌ من قريشٍ فيهم أبو جهل بن هشامٍ فقالوا: إنّ ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعل ويفعل، ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته؛ فبعث إليه، فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فدخل البيت، وبينهم وبين أبي طالبٍ قدر مجلس رجلٍ، قال: فخشي أبو جهلٍ إن جلس إلى جنب أبي طالبٍ أن يكون أرقّ له عليه، فوثب فجلس في ذلك المجلس، ولم يجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مجلسًا قرب عمّه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالبٍ: أي ابن أخي، ما بال قومك يشكونك؟ يزعمون أنّك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول؛ قال: فأكثروا عليه القول، وتكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا عمّ إنّي أريدهم على كلمةٍ واحدةٍ يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمةٌ واحدةٌ؟ نعم وأبيك عشرًا؛ فقالوا: وما هي؟ فقال أبو طالبٍ: وأيّ كلمةٍ هي يا ابن أخي؟ قال: لا إله إلاّ اللّه؛ قال: فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} قال: ونزلت من هذا الموضع إلى قوله: {لمّا يذوقوا عذاب}.
اللّفظ لأبي كريبٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ، فأتاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعوده، وهم حوله جلوسٌ، وعند رأسه مكانٌ فارغٌ، فقام أبو جهلٍ فجلس فيه، فقال أبو طالبٍ: يا ابن أخي ما لقومك يشكونك؟ قال: يا عمّ أريدهم على كلمةٍ تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية قال: ما هي؟ قال: لا إله إلاّ اللّه فقاموا وهم يقولون: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ} ونزل القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر} ذي الشّرف {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} حتّى قوله: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ، ثمّ ذكر نحوه، إلاّ أنّه لم يقل ذي الشّرف، وقال: إلى قوله: {إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: مرض أبو طالبٍ، قال: فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يعوده، فكان عند رأسه مقعد رجلٍ، فقام أبو جهلٍ، فجلس فيه، فشكوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أبي طالبٍ، وقالوا: إنّه يقع في آلهتنا، فقال: يا ابن أخي ما تريد إلى هذا؟ قال: يا عمّ إنّما أريدهم على كلمةٍ تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية قال: وما هي؟ قال: لا إله إلاّ اللّه، فقالوا: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} ). [جامع البيان: 20/18-20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 4 - 16
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} قال: عجب المشركون أن دعوا إلى الله وحده وقالوا: إنه لا يسمع حاجتنا جميعا إله واحدا). [الدر المنثور: 12/507] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {وانطلق الملأ منهم} قال: عقبة بن أبي معيطٍ [الآية: 6]). [تفسير الثوري: 256]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد (6) ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
يقول تعالى ذكره: وانطلق الأشراف من هؤلاء الكافرين من قريشٍ، القائلين: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} بأن امضوا فاصبروا على دينكم وعبادة آلهتكم فأن من قوله: {أن امشوا} في موضع نصبٍ يتعلّق انطلقوا بها، كأنّه قيل: انطلقوا مشيًا ومضيًّا على دينكم وذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا على آلهتكم).
وذكر أنّ قائل ذلك كان عقبة بن أبي معيطٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ: {وانطلق الملأ منهم} قال: عقبة بن أبى معيطٍ.
وقوله: {إن هذا لشيءٌ يراد} أي إنّ هذا القول الّذي يقول محمّدٌ، ويدعونا إليه، من قول لا إله إلاّ اللّه، شيءٌ يريده منّا محمّدٌ يطلب به الاستعلاء علينا، وأن نكون له فيه أتباعًا ولسنا مجيبيه إلى ذلك). [جامع البيان: 20/21]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال مسدّدٌ: وثنا يحيى، عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ: "في قوله عزّ وجلّ: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم) قال: عقبة بن أبي معيطٍ".
- وبه: عن مجاهد "في قوله تعالى: (ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة) قال: في النصرانية"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/260]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا يحيى عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم}، قال: عقبة ابن أبي معيطٍ.
- وبه عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: في النّصرانيّة). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/157-158]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مجلز قال: قال رجل يوم بدر ما هم إلا النساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هم الملأ وتلا {وانطلق الملأ منهم} ). [الدر المنثور: 12/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وانطلق الملأ منهم} قال: نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبي طالب يكلموه في النّبيّ صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 12/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وانطلق الملأ منهم} قال: أبو جهل). [الدر المنثور: 12/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا} قال: هو عقبة بن أبي معيط، وفي قوله {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: النصرانية قالوا: لو كان هذا القرآن حقا لأخبرتنا به النصارى). [الدر المنثور: 12/508]

تفسير قوله تعالى: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله بهذا في الملة الآخرة قال النصرانية وقال قتادة هو الدين الذي نحن عليه). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {الملّة الآخرة} [ص: 7] : " ملّة قريشٍ، الاختلاق: الكذب "). [صحيح البخاري: 6/124]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الملّة الآخرة ملّة قريشٍ الاختلاق الكذب وصله الفريابيّ أيضًا عن مجاهدٍ في قوله ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة قال ملّة قريشٍ إن هذا إلّا اختلاقٌ كذبٌ وأخرج الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله الملّة الآخرة قال النّصرانيّة وعن السّدّيّ نحوه وكذا قال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن الكلبيّ قال وقال قتادة دينهم الّذي هم عليه). [فتح الباري: 8/545]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
وقال مجاهد في عزة معازين الملّة الآخرة ملّة قريش الاختلاق الكذب الأسباب طرق السّماء في أبوابها جند ما هنالك مهزوم يعني قريشًا أولئك الأحزاب القرون الماضية فواق رجوع قطنا عذابنا اتخذناهم سخريا أحطنا بهم أتراب أمثال
وقال ابن عبّاس الأيد القوّة في العبادة الأبصار البصر في أثر الله حب الخير عن ذكر ربّي من ذكر طفق مسحا يمسح أعراف الخيل وعراقيبها الأصفاد الوثاق
أما أقوال مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 2 ص {بل الّذين كفروا في عزة} قال معازين
وفي قوله 7 ص {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال ملّة قريش {إن هذا إلّا اختلاق} 7 ص قال كذب). [تغليق التعليق: 4/295] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الملّة الآخرة ملّة قريشٍ الاختلاق الكذب
أشار به إلى قوله تعالى: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق} (ص: 7) وفسّر الملّة الآخرة بملّة قريش، والاختلاق بالكذب، وبه فسر مجاهد وقتادة، وعن ابن عبّاس والقرطبي والكلبي ومقاتل: يعنون النّصرانيّة لأن النّصارى تجعل مع الله إلها). [عمدة القاري: 19/138]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الملة الآخرة}) في قوله: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة [ص: 7] هي (ملة قريش) التي كانت عليها آباؤهم أو دين النصرانية وفي الملة متعلق بسمعنا أي لم يسمع في الملة الآخرة بهذا الذي جئت به أو بمحذوف على أنه حال من هذا أي ما معنا بهذا كائنًا في الملة الآخرة أي لم نسمع من الكهان ولا من أهل الكتب أنه يحدث توحيد الله في الملة الآخرة وهذا من فرط كذبهم.
(الاختلاق) في قوله: {إن هذا إلا اختلاق} [ص: 7] هو (الكذب) المختلق). [إرشاد الساري: 7/316]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} اختلف أهل التّأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ما سمعنا بهذا الّذي يدعونا إليه محمّدٌ من البراءة من جميع الآلهة إلاّ من اللّه تعالى ذكره، وبهذا الكتاب الّذي جاء به في الملّة النّصرانيّة، قالوا: وهي الملّة الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} يقول: النّصرانيّة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} يعني النّصرانيّة؛ فقالوا: لو كان هذا القرآن حقًّا أخبرتنا به النّصارى.
- حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا يحيى بن معينٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن ابن أبي لبيدٍ، عن القرظيّ في قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: ملّة عيسى.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة}: النّصرانيّة.
وقال آخرون: بل عنوا بذلك: ما سمعنا بهذا في ديننا دين قريشٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: ملّة قريشٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {في الملّة الآخرة} قال: ملّة قريشٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} أي في ديننا هذا، ولا في زماننا قطّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: الملّة الآخرة: الدّين الآخر قال: والملّة الدّين.
وقيل: إنّ الملأ الّذين انطلقوا نفرٌ من مشيخة قريشٍ، منهم أبو جهلٍ، والعاص بن وائلٍ، والأسود بن عبد يغوث.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، أنّ أناسًا من قريش اجتمعوا، فيهم أبو جهل بن هشامٍ، والعاص بن وائلٍ، والأسود بن المطّلب، والأسود بن عبد يغوث في نفرٍ من مشيخة قريشٍ، فقال بعضهم لبعضٍ: انطلقوا بنا إلى أبي طالبٍ، فلنكلّمه فيه، فلينصفنا منه، فيأمره فليكفّ عن شتم آلهتنا، وندعه وإلهه الّذي يعبد، فإنّا نخاف أن يموت هذا الشّيخ، فيكون منّا شيءٌ، فتعيّرنا العرب فيقولون: تركوه حتّى إذا مات عمّه تناولوه، قال: فبعثوا رجلاً منهم يدعى المطّلب، فاستأذن لهم على أبي طالبٍ، فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم يستأذنون عليك، قال: أدخلهم؛ فلمّا دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالبٍ أنت كبيرنا وسيّدنا، فأنصفنا من ابن أخيك، فمره فليكفّ عن شتم آلهتنا، وندعه وإلهه؛ قال: فبعث إليه أبو طالبٍ؛ فلمّا دخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم، وقد سألوك النّصف أن تكفّ عن شتم آلهتهم، ويدعوك وإلهك؛ قال: فقال: أي عمّ أولا أدعوهم إلى ما هو خيرٌ لهم منها؟ قال: وإلام تدعوهم؟ قال: أدعوهم إلى أن يتكلّموا بكلمةٍ تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم؛ قال: فقال أبو جهلٍ من بين القوم: ما هي وأبيك لنعطينّكها وعشر أمثالها، قال: تقولون لا إله إلاّ اللّه قال: فنفروا وقالوا: سلنا غير هذه، قال: ولو جئتموني بالشّمس حتّى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها؛ قال: فغضبوا وقاموا من عنده غضابًا وقالوا: واللّه لنشتمنّك والّذي يأمرك بهذا {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد} إلى قوله: {إلاّ اختلاقٌ} وأقبل على عمّه، فقال له عمّه: يا ابن أخي ما شططت عليهم، فأقبل على عمّه فدعاه، فقال: قل كلمةً أشهد لك بها يوم القيامة، تقول: لا إله إلاّ اللّه، فقال: لولا أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها، ولكن على ملّة الأشياخ؛ قال: فنزلت هذه الآية {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّى، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد} قال: نزلت حين انطلق أشراف قريشٍ إلى أبي طالبٍ فكلّموه في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء المشركين في القرآن: ما هذا القرآن إلاّ اختلاقٌ: أي كذبٌ اختلقه محمّدٌ وتخرّصه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} يقول: تخريصٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} قال: كذبٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} يقول: كذبٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} إلاّ شيءٌ تخلقه.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} اختلقه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} قالوا: إن هذا إلاّ كذبٌ). [جامع البيان: 20/21-26]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة يعنون ملة قريش). [تفسير مجاهد: 547]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إن هذا إلا اختلاق قال الاختلاق الكذب). [تفسير مجاهد: 547]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) (ابن عباس - رضي الله عنهما -): قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم - وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ - فقام أبو جهلٍ كي يمنعه من الجلوس فيه، قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ. فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ قال: أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمة واحدة؟ قال: كلمة واحدة، فقال: يا عمّ. قولوا: لا إله إلا الله. فقالوا: إلهاً واحداً؟ ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة. إن هذا إلا اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن {ص (1) والقرآن ذي الذّكر (2) بل الذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ (3) كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ فنادوا ولات حين مناص (4) وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذّاب. أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيءٌ عجاب (5) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيءٌ يراد (6) ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} [ص: 1 - 7].
أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(تدين) دان له يدين: إذا أطاعه، ودخل تحت حكمه.
(اختلاق) الاختلاق: الكذب). [جامع الأصول: 2/335-336] (م)
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال مسدّدٌ: وثنا يحيى، عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ: "في قوله عزّ وجلّ: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم) قال: عقبة بن أبي معيطٍ".
- وبه: عن مجاهد "في قوله تعالى: (ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة) قال: في النصرانية"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/260] (م)
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا يحيى عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم}، قال: عقبة ابن أبي معيطٍ.
- وبه عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: في النّصرانيّة). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/157-158] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: ملة عيسى عليه السلام). [الدر المنثور: 12/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: النصرانية). [الدر المنثور: 12/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: النصرانية). [الدر المنثور: 12/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} أي في ديننا هذا ولا في زماننا هذا {إن هذا إلا اختلاق} قال: قالوا إن هذا إلا شيء يخلقه، وفي قوله {أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب} قال: لا والله ما عندهم منها شيء ولكن الله يختص برحمته من يشاء {أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب} قال: في السماء). [الدر المنثور: 12/509-510]

تفسير قوله تعالى: (أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أؤنزل عليه الذّكر من بيننا بل هم في شكٍّ من ذكري بل لمّا يذوقوا عذاب (8) أم عندهم خزائن رحمة ربّك العزيز الوهّاب}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء المشركين من قريشٍ: أأنزل على محمّدٍ الذّكر من بيننا فخصّ به، وليس بأشرف منّا حسبًا؟!
وقوله: {بل هم في شكٍّ من ذكري} يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء المشركين أن لا يكونوا أهل علمٍ بأنّ محمّدًا صادقٌ، ولكنّهم في شكٍّ من وحينا إليه، وفي هذا القرآن الّذي أنزلناه إليه أنّه من عندنا {بل لمّا يذوقوا عذاب} يقول: بل لم ينزل بهم بأسنا، فيذوقوا وبال تكذيبهم محمّدًا، وشكّهم في تنزيلنا هذا القرآن عليه، ولو ذاقوا العذاب على ذلك علموا وأيقنوا حقيقة ما هم به مكذّبون، حين لا ينفعهم علمهم). [جامع البيان: 20/26]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:00 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {ص والقرآن...}جزمها القراء، إلاّ الحسن , فإنه خفضها بلا نون ؛ لاجتماع السّاكنين.
كانت بمنزلة من قرأ {نون والقلم} , و{ياسين والقرآن الحكيم} , جعلت بمنزلة الأداة كقول العرب: تركته (حاث باث) , و(خاز باز) يخفضان؛ لأن الذي يلي آخر الحرف ألف. فالخفض مع الألف، والنصب مع غير الألف. يقولون: تركته حيث بيث، ولأجعلنّك حيص بيص , إذا ضيّق عليه.
وقال الشاعر:
=لم يلتحصني حيص بيص الحاصي
يريد الحائص , فقلب كما قال: (عاق) , يريد: عائق.
و{ص} : في معناها كقولك: وجب والله، ونزل والله، وحقّ والله, فهي جواب لقوله: {والقرآن} كما تقول: نزل والله.
وقد زعم قوم أنّ جواب {والقرآن} : {إنّ ذلك لحقٌّ تخاصم أهل النار} , وذلك كلام قد تأخّر تأخّراً كثيراً عن قوله: {والقرآن} , جرت بينهما قصص مختلفة، فلا نجد ذلك مستقيماً في العربيّة , والله أعلم.
ويقال: إن قوله: {والقرآن} يمين اعترض كلام دون موقع جوابها، فصار جوابها جواباً للمعترض ولها، فكأنه أراد: والقرآن ذي الذكر لكم , أهلكنا، فلمّا اعترض قوله: {بل الذين كفروا في عزّة وشقاق}: صارت (كم) جواباً للعزّة ولليمين, ومثله قوله: {والشمس وضحاها} اعترض دون الجواب قوله: {ونفسٍ وما سوّاها فألهمها} , فصارت {قد أفلح} تابعةً لقوله: {فألهمها} , وكفى من جواب القسم، وكأنه كان: والشمس وضحاها , لقد أفلح). [معاني القرآن: 2/396-397]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قوله {ص }: مجازها مجاز ابتداء فواتح السور). [مجاز القرآن: 2/176]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ص والقرآن ذي الذّكر}
قال: {ص والقرآن ذي الذّكر}: فيزعمون أن موضع القسم في قوله: {إن كلٌّ إلاّ كذّب الرٌّسل} ). [معاني القرآن: 3/39]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({والقرآن ذي الذّكر} : أي ذي الشرف, مثل قوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم} , ويقال: فيه ذكر ما قبله من الكتب.). ). [تفسير غريب القرآن: 376]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ}.
أخبر الله، سبحانه، عن عنادهم وتكبّرهم وتمسّكهم بآلهتهم في أول السورة، فقال: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}، وحكى قولهم: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ}، أي اذهبوا ودعوه وتمسّكوا بآلهتكم فقال الله عز وجل: أعندهم بآلهتهم هذه خزائن الرحمة؟! {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ}، أي في أبواب السماء، وأبواب السماء: أسبابها، قال الشاعر:
=ولو نال أسباب السّماء بسلّم
ويكون أيضا فليرتقوا في الأسباب، أي: في الحبال إلى السماء، كما سألوك أن ترقى في السماء وتأتيهم بكتاب. ويقال للرجل إذا تقدم في العلم وغيره وبرع: قد ارتقى في الأسباب، كما يقال: قد بلغ السماء.

ونحو هذا قوله في موضع آخر: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.
وهذا كله توبيخ، وتقرير بالعجز.
ثم قال بعد: {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ}.
وجند بمعنى: حزب لهذه الآلهة. و(ما) زائدة. ومهزوم: مقموع ذليل. وأصل الهزم: الكسر، ومنه قيل للنّفرة في الأرض: هزمة، أي كسرة، وهزمت الجيش: أي كسرتهم، وتهزّمت القربة: أي انكسرت.
يقول: هم حزب عند ذلك مقموع ذليل من الأحزاب، أي عند هذه المحن، وعند هذا القول؛ لأنهم لا يقدرون أن يدّعوا لآلهتهم شيئا من هذا، ولا لأنفسهم.
والأحزاب: سائر من تقدّمهم من الكفار، سمّوا أحزابا لأنهم تحزّبوا على أنبيائهم.
يقول الله سبحانه على إثر هذا الكلام: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ} وكذا وكذا.
ثم قال: {أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} فأعلمنا أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب.
وكان ابن عباس في رواية أبي صالح- يذهب إلى أن الله تعالى أخبر رسوله صلّى الله عليه وسلم أنه سيهزم المشركين يوم بدر). [تأويل مشكل القرآن: 350-352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({ص والقرآن ذي الذّكر (1)}
قرئت بالفتح وبالكسر، وبتسكين الدال، وهي أكثر القراءة.
فمن أسكن " صاد " من حروف الهجاء، وتقدير الدال الوقف عليها, وقد فسرنا هذا في قوله {ألم}: أعني باب حروف الهجاء, ومعناه الصادق اللّه، وقيل: إنها قسم.
وقوله: (والقرآن ذي الذّكر): عطف عليها، المعنى: أقسم بصاد وبالقران ذي الذكر، ومن فتحها فعلى ضربين: يكون فتحا لالتقاء السّاكنين، ويكون على معنى : اتل صاد، ويكون صاد اسما للسورة لا ينصرف.
ومن كسر فعلى ضربين لالتقاء السّاكنين , وبكسرها على معنى : صاد القرآن بعملك، من قولك صادى , يصادي ؛ إذا قابل وعادل، يقال: صاديته : إذا قابلته.
وجواب قوله: صاد والقرآن : {إنّ ذلك لحقّ تخاصم أهل النّار }
وقال قوم: الجواب: {كم أهلكنا قبلهم من قرن} : ومعناه: لكم أهلكنا قبلهم من قرن , فلما طال الكلام بينهما , حذفت اللام.
ومعنى {والقرآن ذي الذّكر}: أي ذي الذكر والشرف، وقيل ذي الذكر: قد ذكرت فيه أقاصيص الأولين, والآخرين , وما يحتاج إليه في الحلال والحرام.). [معاني القرآن: 4/319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {ص} : بإسكان الدال؛ لأنها من حروف التهجي , وتقرأ : صاد , والأجود عند سيبويه فيها الإسكان , ولا تعرب لأن حكمها الوقوف عليها , فهي مثل حروف الهجاء : آلم , وآلمر .
و «ص» إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف.
قال مجاهد: (هو فاتحة السورة) .
وقال قتادة : (هو اسم من أسماء الرحمن).
وقال محمد بن كعب : (هو مفتاح أسماء الله تعالى: صمد , وصادق الوعد) .
وروي أن الضحاك قال: ( صاد: صدق الله) .
وقراءة الحسن : صاد بكسر الدال , معناها: صاد القرآن بعملك , يقال: صاديته , أي: قابلته , وهذا مشهور عند أهل اللغة.
ويجوز : أن يكون كسر لالتقاء الساكنين.
والفتح من ثلاث جهات :-
- قيل منها : أن يكون قسما الله , لأفعلن .
- ومنها : أن يكون بمعنى : اتل صاد والقرآن .
- ومنها : أن يكون فتح لالتقاء الساكنين .
والقراءة بكسر الدال والتنوين لحن عند أكثر النحويين , وإن كان ابن أبي إسحاق من كبراء النحويين إلا أن بعض النحويين قد أجازها على أن تخفض على القسم , أجاز ذلك سيبويه
وقوله جل وعز: {والقرآن ذي الذكر}
روى سفيان , عن إسماعيل بن أبي خالد , ومسعر , عن أبي حصين في قول الله جل وعز: {والقرآن ذي الذكر}: أي: ذي الشرف .
وهذا مثل قوله جل وعز: {وإنه لذكر لك ولقومك} , وقيل : معنى : ذي الذكر : فيه ذكر الأمم وغيرهم .
فأما جواب القسم فقيل إنه في قوله: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} , وهذا بعيد جدا ؛ لأنه قد اعترضت أقاصيص وأخبار
وقيل الجواب: في وقوله تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن}
والمعنى : لكم أهلكنا , وحذفت اللام , كما قال تعالى: {قد أفلح من زكاها} , وهو مذهب الفراء .
وقيل الجواب:{ إن كل إلا كذب الرسل }
وقيل الجواب محذوف : أي: ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار , ودل على هذا قوله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} , وهو مذهب قتادة .
وهو أولى الأقوال ؛ لأن بل قد حلت محل الجواب, فاستغنى بها عنه.). [معاني القرآن: 6/73-77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ص} , معناها عند ابن عباس: (صدق محمد فيما أتاكم به, {ذِي الذِّكْرِ}: أي: ذي الشرف).). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 209]

تفسير قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) }

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( وشقاقٍ: عداوة ومباعدة.). [تفسير غريب القرآن: 376]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (بل
بل: تأتي لتدارك كلام غلطت فيه، تقول: رأيت زيدا بل عمرا.
ويكون لترك شيء من الكلام وأخذ في غيره. وهي في القرآن بهذا المعنى كثير:
قال الله تعالى: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ} ثم قال: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} فترك الكلام الأول وأخذ ببل في كلام ثان. ثم قال حكاية عن المشركين: {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} ثم قال: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي} فترك الكلام وأخذ ببل في كلام آخر فقال: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} في أشباه لهذا كثيرة في القرآن.
قال الشاعر:
بل هل أريك حمول الحيِّ غاديةً = كالنَّخْلِ زَيَّنَهَا يَنْعٌ وإِفْضَاحُ
وقال آخر:
=بل من يرى البرق يَشْرِي بِتُّ أَرْقُبهُ
وإذا وليت اسما- وهي بهذا المعنى-: خفض بها، وشبّهت بربّ وبالواو.
وتأتي مبتدأة، قال أبو النّجم:
=بل منهل ناء من الغياض
وكذلك (الواو) إذا أتت مبتدأة غير ناسقة للكلام على كلام- كانت بمعنى ربّ.
وهي كذلك في الشعر، كقوله:
=وَمَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ
وقال آخر:
=وَدَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تُمَشِّي نَعَامُها
وقال آخر:
=وهاجرةٍ نصبتُ لها جَبيني
يَدُلُّونَ بهذه الواو الخافضة: على ترك الكلام الأول، وائتناف كلام آخر). [تأويل مشكل القرآن: 536-537]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم خبر الله جل وعز: {بعنادهم وانحرافهم عن الحق فقال بل الذين كفروا في عزة وشقاق} , أي : خلاف.). [معاني القرآن: 6/77]

تفسير قوله تعالى:{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)}

قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {فنادوا وّلات حين مناصٍ...}
يقول: ليس بحين فرار, والنوص: التأخّر في الكلام العرب، والبوص: التقدم وقد بصته.
وقال امرؤ القيس:
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص = وتقصر عنها خطوةً وتبوص
فمناص مفعل؛ مثل مقامٍ. ومن العرب من يضيف لات فيخفض. أنشدوني:
=لات ساعة مندم
ولا أحفظ صدره, والكلام أن ينصب بها ؛ لأنها في معنى ليس, أنشدني المفضّل:
تذكّر حبّ ليلى لات حينا = وأضحى الشيب قد قطع القرينا
فهذا نصب, وأنشدني بعضهم:
طلبوا صلحنا ولات أوان= فأجبنا أن ليس حين بقاء
فخفض{أوان} فهذا خفض.
قال الفراء: أقف على {لات} بالتاء، والكسائيّ يقف بالهاء). [معاني القرآن للفراء: 2/398]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فنادوا ولات حين مناصٍ }: إنما هي " ولا "
وبعض العرب تزيد فيها الهاء , فتقول " لاه " , فتزيد فيها هاء الوقف , فإذا اتصلت صارت تاء , والمناص مصدر ناص ينوص , وهو المنجاة والفوت.
قال عمرو بن شأي الأسدي:
=تذكّرت ليلى لات حين تذكر
وقال أبو النجم:
=آساد غيلٍ حين لا مناص
أي : لا تحرك.). [مجاز القرآن: 2/176]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ فنادوا وّلات حين مناصٍ}
وقال: {وّلات حين مناصٍ}, فشبهو {لات} بـ {ليس} , واضمروا فيها اسم الفاعل , ولا تكون {لات} إلاّ مع "حين" , ورفع بعضهم {ولات حين مناصٍ} , فجعله في قوله مثل {ليس} ؛ كأنه قال " ليس أحدٌ" , واضمر الخبر, وفي الشعر:
طلبوا صلحنا ولات أوان = فأجبنا أن ليس حين بقاء
فجرّ "أوان" , وحذف وأضمر "الحين" , وأضاف إلى "أوان" ؛ لأنّ {لات} لا تكون إلا مع "الحين"). [معاني القرآن: 3/39]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ولات حين مناص}: لات بمعنى ليس. والمناص المفر ويقال أيضا ناص في البلاد أي ذهب فيها، فيكون بمعنى ليس حين مطلب ولا مذهب). [غريب القرآن وتفسيره: 321]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولات حين مناصٍ}: أي لات حين مهرب., والنوص: التأخر في كلام العرب.
و«البوص»: التقدم. قال امرؤ القيس:
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص = فتقصر عنها خطوة وتبوص؟!
وقال ابن عباس: ليس حين نزو، ولا فرار). [تفسير غريب القرآن: 376]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لات
لات. قال سيبويه: (لات) مشبّهة (بليس) في بعض المواضع، ولم تمكّن تمكّنها، ولم يستعملوها إلا مضمرا فيها؛ لأنها ليست كليس في المخاطبة والإخبار، عن غائب، ألا ترى أنك تقول: ليست وليسوا، وعبد الله ليس ذاهبا، فتبني عليها، و(لات) لا يكون فيها ذاك، قال الله تعالى: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}، أي ليس حين مهرب.
قال: وبعضهم يقول: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}. فيرفع؛ لأنها عنده بمنزلة: (ليس) وهي قليلة، والنصب بها لوجه. وقد خفض بها، قال أبو زبيد الطّائي:
طلبوا صلحنا ولاتَ أوانٍ = فأجَبْنَا أنْ ليسَ حينَ بقاء
وقال آخر:
فلمَّا علمتُ أَنَّنِي قد قتلته = نَدمت عليه لاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ
وإنما تكون (لات) مع الأحيان وتعمل فيها. فإذا جاوزتها فليس لها عمل.
وقال بعض البغداديين: (التاء) تزاد في أول (حين)، وفي أوّل (أوان)، وفي أول (الآن)، وإنّما هي (لا) ثم تبتدئ فتقول: تحين وتلان. والدليل على هذا أنهم يقولون:
تحين من غير أن يتقدمها (لا). واحتج بقول الشاعر:
العاطفون تحين ما من عاطف=والمطمعون زمان ما من مطعم
وبقول الآخر:
=وَصِلِينَا كَمَا زَعَمْتِ تَلانَا
وجرّ العرب بها يفسد عليه هذا المذهب، لأنهم إذا جرّوا ما بعدها جعلوها كالمضاف للزّيادة، وإنما هي (لا) زيدت عليها (الهاء) كما قالوا: ثمّ وثمّة.
وقال ابن الأعرابي في قوله الشاعر:
=العاطفون تحين ما من عاطف
إنما هو (العاطفونه) بالهاء، ثم تبتدئ فتقول: حين ما من عاطف فإذا وصلته صارت الهاء تاء. وكذلك قوله: «وصلينا كما زعمته» ثم تبتدئ فتقول: لاتا، فإذا وصلته صارت الهاء تاء، وذهبت همزة الآن.

قال: وسمعت الكلابيّ ينهى رجلا عن عمل، فقال: حسبك تلان، أراد: حسبكه الآن، فلما وصل صارت الهاء تاء.
وسنبيّن: كيف الوقوف عليها وعلى أمثالها من التاءات الزوائد، في كتاب «القراءات» إن شاء الله تعالى). [تأويل مشكل القرآن: 529-531]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}
كان الحسن- رضي الله عنه- يجعل الفزع يوم القيامة إذا بعثوا من القبور. يقول: (ولو ترى يا محمد فزعهم حين لا فوت، أي لا مهرب ولا ملجأ يفوتون به ويلجأون إليه. وهذا نحو قوله: {فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}، أي نادوا حين لا مهرب)). [تأويل مشكل القرآن: 330] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({كم
اهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص (3)} جاء في التفسير : ولات حين نداء، وقال أهل اللغة: ولات حين منجى , ولا فوت، يقال : ناصه ينوصه ؛ إذا فاته.
وفي التفسير : لات حين نداء , معناه : لات حين نداء ينجي, ويجوز : لات حين مناص.
والرفع جيّد، والوقف عليها " لات " بالتاء، والكسائي يقف بالهاء (لاه) ؛ لأنه يجعلها هاء التأنيث.
وحقيقة الوقف عليها بالتاء، وهذه التاء نظيرة التاء في الفعل في قولك : ذهبت , وجلست، وفي قولك: رأيت زيدا ثمت عمرا، فتاء الحروف بمنزلة تاء الأفعال؛ لأن التاء في الموضعين دخلت على ما لا يعرب، ولا هو في طريق الأسماء , فإن قال قائل: نجعلها بمنزلة قولهم: كان من الأمر ذيه , وذيه، فهذه هاء في الوقف , وهذه هاء دخلت على اسم لا يعرب، وقد أجازوا الخفض فقالوا: لات أوان.
وأنشدوا لأبي زبيد:
طلبوا صلحنا ولات أوان= فأجبنا أن ليس حين بقاء
والذي أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد ورواه:
=طلبوا صلحنا ولات أوان
وذكر أنه قد روي الكسر.
فأمّا النصب فعلى أنها عملت عمل ليس، المعنى : وليس الوقت حين مناص , ومن رفع بها : جعل حين اسم ليس , وأضمر الخبر على معنى : ليس حين منجى لنا , ومن خفض جعلها مبينة مكسورة لالتقاء السّاكنين، كما قالوا: قدلك فبنوه على الكسر.
والمعنى: ليس حين مناصنا , وحين منجانا، فلما قال: ولات أوان , جعله على معنى : ليس حين أواننا، فلما حذف المضاف بني على الوقف , ثم كسر لالتقاء السّاكنين، والكسر شاذ شبيه بالخطأ عند البصريين، ولم يرو سيبويه , والخليل الكسر، والذي عليه العمل : النصب والرفع.
وقال الأخفش: إن {لات حين مناص} نصبها بـ (لا) كما تقول: لا رجل في الدار، ودخلت التاء للتأنيث). [معاني القرآن: 4/319-321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولا ت حين مناص}
و«كم»: للتكثير في كلام العرب.
ثم قال جل وعز: {فنادوا } , أي: بالتوبة والاستغاثة ,{ولات حين مناص} .
روى أبو إسحاق عن التميمي , عن ابن عباس :{ ولات حين مناص }, قال : (ليس حين نزو , ولا فرار) .
وقال عكرمة : (ليس حين انقلاب) .
وقال قتادة : (نادوا حين لاحين نداء).
قال أبو جعفر : هذه الأقوال متقاربة , أي : ليس حين نداء منجي, والمعنى : ليس حين فوت , واصله من ناص ينوص إذا تأخر ,وباص يبوص تقدم , كما قال الشاعر:
أفمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص = فتقصر عنه تارة وتبوص). [معاني القرآن: 6/77-78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}: أي لات حين مهرب, والنوص: التأخير في كلام العرب , والبوص: التقدم.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَاتَ حِينَ}: بمعنى ليس , {مَنَاصٍ}: مفر.). [العمدة في غريب القرآن: 258]

تفسير قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) }

تفسير قوله تعالى: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) }

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لشيءٌ عجابٌ...}
وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي {لشيء عجّابٌ} , والعرب تقول: هذا رجل كريم , وكرّام , وكرام، والمعنى كله واحدٌ مثله قوله تعالى: {ومكروا مكراً كبّاراً} , معناه: كبيراً , فشدّد. وقال الشاعر:
كحلفة من أبي رياح = يسمعها الهمّة الكبار
والهمّ , والهمة : الشيخ الفاني.
وأنشدني الكسائي:
=يسمعها الله والله كبار =
وقال الآخر:
وآثرت إدلاجي على ليل حرّة = هضيم الحشا حسّانة المتجرّد
وقال آخر:
نحن بذلنا دونها الضّرابا = إنا وجدنا ماءها طيّابا
يريد: طيّباً, وقال في طويل:
=طوال الساعدين أشمّ =
وقال الآخر:
جاء بصيد عجب من العجب = أزيرق العينين طوّال الذنب
فشدّ الواو على ذلك المجرى, فكلّ نعت نعتّ به اسماً ذكراً أو أنثى , أتاك على فعّال مشدّدا ومخفّفا , فهو صواب). [معاني القرآن: 2/398-399]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ إنّ هذا لشيء عجابٌ } : مجازه : مجاز عجيب , وقد تحول العرب " فعيلاً " إلى " فعال " , قال عباس بن مرداس:
إنّك عينٌ حذلت مضاعه= تبكي على جار بني جداعه
أين دريدٌ وهو ذو براعه=حتى تروه كاشفاً قناعه
= تعدو به سلهبةٌ سراعه
أي: سريعة, والحذل في العين سقوط الهدب واحتراق الأشفار، وقد قالوا للهدب أيضاً: " أشفار ".
وقال المعقر بن حمار البارقي وكان أعمى:
فأخلفها الذي ظنّت وقاظت= ومأقي عينها حذلٌ نطوف
جداعه : رهط الصمة , وهو من بني غزية , من بني جشم بن سعد بن بكر). [مجاز القرآن: 2/177]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ}, وقال: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً} , كما تقول: "أتجعل مائة شاهدٍ شاهداً واحداً"). [معاني القرآن: 3/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({عجابٌ}, وعجيب واحد, مثل طوال وطويل، وعراض وعريض , وكبار وكبير.) [تفسير غريب القرآن: 376]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جل وعز: {وقال الكافرون هذا ساحر كذّاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشيء عجاب (5)}
{عجاب}: في معنى عجيب، ويجوز{عجاب} في معنى عجيب يقال: رجل كريم وكرّام وكرام.
وهذه حكاية عن ملأ من قريش : لما مرض أبو طالب المرضة التي مات فيها , أتاه أبو جهل بن هشام وجماعة من قريش يعودونه , فشكوا إليه النبي صلى الله عليه وسلم, وقالوا : يشتم آلهتنا , ويفعل، فعاتبه أبو طالب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(( إني أدعوكم إلى كلمة يدين لكم العرب بها، وتؤدي بها إليكم العجم الجزية.)).
فقال أبو جهل: نعم , وعشرا , على طريق الاستهزاء , أي: نقولها , وعشرا معها.
فقال:(( لا إله إلا الله.)).
فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا.). [معاني القرآن: 4/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن هذا لشيء عجاب} : عجاب , وعجيب بمعنى واحد , كما تقول: طويل وطوال , وكذلك عجاب , قرأ به أبو عبد الرحمن). [معاني القرآن: 6/79]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({لَشَيْءٌ عُجَابٌ}
أخبرنا أبو عمر قال: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: ومما جاء على: فعيل، وفعال: عجيب وعجاب، وذفيف وذفاف، وهما واحد، وخفيف وخفاف، وطويل وطوال، وقريب وقراب. قال: وأنشدني المفضل:

ولما أن رأيت بني علي=ة عرفت الود والنسب القرابا). [ياقوتة الصراط: 436]

تفسير قوله تعالى:{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا...}
انطلقوا بهذا القول, فأن في موضع نصب لفقدها الخافض. كأنك قلت: انطلقوا مشياً, ومضيّا على دينكم, وهي في قراءة عبد الله : {وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا على آلهتكم}, ولو لم تكن (أن) لكان صواباً؛ كما قال {والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا} ولم يقل: أن أخرجوا؛ لأنّ النّية مضمر فيها القول.). [معاني القرآن: 2/399]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم نهضوا , وانطلقوا من مجلسهم , يقول بعضهم لبعض :{ امشوا واصبروا على آلهتكم} , وقوله: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيء يراد (6)}
معناه: أي : امشوا، وتأويله : يقولون: امشوا, ويجوز: وانطلق الملأ منهم بأن امشوا , أي: بهذا القول.). [معاني القرآن: 4/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وانطلق الملأ منهم أنا امشوا واصبروا على آلهتكم}
روى سفيان , عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد: { وانطلق الملأ منهم }, قال: (هو , وعقبة بن أبي معيط).
{أن امشوا} : أن تفسير , ويجوز أن يكون معناه : بأن امشوا , واصبروا على آلهتكم , فخبر الله جل وعز بإقامتهم على الكفر.). [معاني القرآن: 6/80]

تفسير قوله تعالى:{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) }

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة...}: يعني : اليهوديّة والنصرانية.). [معاني القرآن: 2/399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الخلق: التّخرّص، قال الله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} أي: خرصهم للكذب.
وقال تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}، أي تخرصون كذبا.
وقال تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} أي: افتعال للكذب.
والعرب تقول للخرافات: أحاديث الخلق). [تأويل مشكل القرآن: 506] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:
{وما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلّا اختلاق(7)}: حكاية عنهم أيضا، أي: ما سمعنا بهذا في النصرانية , ولا اليهودية, ولا فيما أدركنا عليه آباءنا.{إن هذا إلّا اختلاق}: أي : إلا تقوّل.). [معاني القرآن: 4/321-322]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق}
روى إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد وعلي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قالا: { في الملة الآخرة } , (في النصرانية).
وقال محمد بن كعب : (يعنون ملة عيسى صلى الله عليه وسلم).
وروى ابن أبي نجيح , عن مجاهد : {في الملة الآخرة } , قال: (ملة قريش).
وقال قتادة : {في الملة الآخرة}: أي: ملتنا التي نحن عليها.). [معاني القرآن: 6/80-81]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا اختلاق}, أي: كذب.). [ياقوتة الصراط: 436]

تفسير قوله تعالى:{أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أأنزل عليه الذّكر...}
وهي في قراءة عبد الله : {أم أنزل عليه الذكر}: وهذا مما وصفت لك في صدر الكتاب: أن الاستفهام إذا توسّط الكلام ابتدئ بالألف وبأم, وإذا لم يسبقه كلام لم يكن إلاّ بالألف , أو بهل.). [معاني القرآن: 2/399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لما
لمّا: تكون بمعنى (لم) في قوله: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} أي: بل لم يذوقوا عذاب). [تأويل مشكل القرآن: 542] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({أأنزل عليه الذّكر من بيننا بل هم في شكّ من ذكري بل لمّا يذوقوا عذاب (8)}
أي: كيف أنزل الذكر عليه من بيننا؟!, أي: كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا؟!.
{بل هم في شكّ من ذكري}: أي : ليس يقولون ما يعتقدونه إلا شاكّين.). [معاني القرآن: 4/322]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:01 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) }

تفسير قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) }

تفسير قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأحمر: تلان في معنى الآن، وأنشدنا جميل بن معمر:
نولي قبل نأي داري جمانا = وصليه كما زعمت تلانا
وكذلك قال الأموي، وأنشد لأبي وجزة :
العاطفون تحين ما من عاطف = والمفضلون يدا إذا ما أنعموا
وقال: إنما هو حين ومنه قوله [عز وجل]: {ولات حين مناص} معناه حين). [الغريب المصنف: 1/350-351]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث ابن عمر حين سأله رجل عن عثمان فقال: أنشدك الله هل تعلم أنه فر يوم أحد وغاب عن بدر وعن بيعة الرضوان؟ فقال ابن عمر: أما فراره يوم أحد فإن الله تعالى يقول: {ولقد عفا الله عنهم} وأما غيبته عن بدر فإنه كانت عنده بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة وذكر عذره في ذلك كله ثم قال: اذهب بهذه تلآن معك.
حدثناه أبو النضر عن شيبان عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن ابن عمر.
قال الأموي: قوله: تلآن، يريد: الآن، وهي لغة معروفة، يزيدون التاء في
الآن وفي حين فيقولون: تلآن وتحين قال: ومنه قول الله تبارك وتعالى: {ولات حين مناص}، قال: إنما هي: ولا حين مناص قال: وأنشدنا الأموي لأبي وجزة السعدي:
العاطفون تحين ما من عاطف = والمطعمون زمان ما من مطعم
وكان الكسائي والأحمر وغيرهما من أصحابنا يذهبون إلى أن الرواية العاطفونة فيقولون: جعل الهاء صلة وهو في وسط الكلام، وهذا ليس يوجد إلا على السكت، فحدثت به الأموي فأنكره، وهو عندي على ما قال الأموي، ولا حجة لمن احتج بالكتاب في قوله: {ولات} لأن التاء منفصلة من حين، لأنهم قد كتبوا مثلها منفصلا أيضا
مما لا ينبغي أن يفصل كقوله عز وجل: {يا ويلتنا مال هذا الكتاب}، فاللام في الكتب منفصلة من هذا، وقد وصلوا في غير موضع وصل فكتبوا: «ويكأنه» وربما زادوا الحرف ونقصوا، وكذلك زادوا ياء في قوله تعالى: {أولي الأيدي والأبصار}، فالأيدي في التفسير عن سعيد بن جبير أولو القوة في الدين والبصر.
فالأيد: القوة بلا ياء والأبصار: العقول وكذلك كتبوه في موضع آخر: (داود ذا الأيد) ). [غريب الحديث: 5/277-279]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص = فتقصر عنها خطوة وتبوص
قال الأصمعي: يقال إذا تهيأ للأمر، وتحرك له: إنه لينوص لذلك الأمر {ولات حين مناص} منه.
أبو عمرو يقول: ما ينوص لحاجة، وما يقدر أن ينوص؛ أي يتحرك لشيء، ومنه قوله: {ولات حين مناص} ومعنى (لات): ليس). [شرح ديوان امرئ القيس: 607]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {مَنَاصٍ}: مذهب). [مجالس ثعلب: 592]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (وقال أبو عمرو: ما ينوض بحاجة وما يقدر على أن ينوص، أي يتحرك ومنه قوله عز وجل: {ولات حين مناصٍ} [ص: 3] ومناصٌ ومناضٌ واحد.
ويقال: انقاض وانقاص بمعنى واحد، وقال الأصمعي: المنقاض: المنقعر من أصله، والمنقاص: المنشق طولًا، يقال: انقاضت الركية، وانقاصت السن انقياصًا، إذا انشقت طولًا، والقيص: الشق طولًا، وأنشد لأبي ذؤيب:
فراقٌ كقيص السن فالصبر إنه = لكل أناسٍ عثرةٌ وجبور
وقال الأصمعي: مضمض لسانه ومصمصه إذا حركه،
وقال: حدّثنا عيسى بن عمر، قال: سألت ذا الرمة عن النضناض فأخرج لسانه وحركه، قال الراعي:
يبيت الحية النضناض منه = مكان الحب يستمع السرارا
وقال اللحياني: يقال: تصافوا على الماء وتضافوا.
ويقال صلاصل الماء وضلاضله لبقاياه.
وقبضت قبضة وقبصت قبصة، ويقال: إن القبصة أقل من القبضة.
وغيره يقول: القبص بأطراف الأصابع والقبض بالكف كلها.
وقال اللحياني: سمعت أبا زيد يقول: تضوّك بخرئه، وسمعت الأصمعي يقول: تصوّك بالصاد غير معجمة.
وقال أبو عبيدة: يقال صاف السهم يصيف، وضاف يضيف إذا عدل عن الهدف.
وتضيفت الشمس للغروب، وتصيفت إذا مالت ودنت من الغروب، ومنه اشتق الضيف، يقال ضافني الرجل إذا دنا منك ونزل بك، قال أبو زبيد:
كل يوم ترميه منها برشق = فمصيب أوصاف غير بعيد
وقال الأصمعي: جاص وجاض أي عدل.
وقال اللحياني: يقال إنه لصل أصلال وصل أضلال.
قال: ويقال ضلّ أضلال.
وقال أبو بكر بن دريد: يقال للرجل إذا كان داهيةً إنه لصل أصلال: والصلّ الحية التي تقتل إذا نهشت من ساعتها.
وقال الأصمعي: يقال مصمص إناءه ومضمضه إذا غسله). [الأمالي: 2/23]

تفسير قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) }

تفسير قوله تعالى: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) }

تفسير قوله تعالى:{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما تكون فيه أن بمنزلة أي
وذلك قوله عز وجل: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا} زعم الخليل أنه بمنزلة أي لأنك إذا قلت انطلق بنو فلان أن امشوا فأنت لا تريد أن تخبر أنهم انطلقوا بالمشي ومثل ذلك: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله} وهذا تفسير الخليل ومثل هذا في القرآن كثير). [الكتاب: 3/162]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقع أن في موضع أي الخفيفة للعبارة والتفسير كقوله عز وجل: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم}. معناه أي امشوا. ولا تقع إلا بعد كلام تام؛ لأنه إنما يفسر بعد تمامه.
وتقع زائدةً توكيدا كقولك: لما أن جاء ذهبت. والله أن لو فعلت لفعلت. فإن حذفت لم تخلل بالمعنى. فهذه أربعة أوجه: وكذلك المكسورة تقع على أربعة أوجه: فمنهم الجزاء؛ نحو إن تأتني آتك.
ومنهم أن تكون في معنى ما، نحو إن زيد في الدار: أي ما زيد في الدار.
وقال الله عز وجل: {إن الكافرون إلا في غرور} وقال: {إن يقولون إلا كذبا}.
وتكون مخففة من الثقيلة. فإذا كانت كذلك لزمتها اللام في خبرها لئلا تلتبس بالنافية. وذلك قولك: إن زيدٌ لمنطلقٌ.
وقال الله عز وجل {إن كل نفسٍ لما عليها حافظٌ}.
فإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام؛ نحو إن زيدا منطلق؛ لأن النصب قد أبان. وجاز النصب بها إذا كانت مخففة من الثقيلة، وكانت الثقيلة إنما نصبت لشبهها بالفعل، فلما حذف منها صار كفعل محذوف، فعمل الفعل واحدٌ وإن حذف منك كقولك: لم يك زيد منطلقا وكقولك: عِ كلاما). [المقتضب: 1/188-189]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب أن وإن الخفيفتين
اعلم أن أن تكون في الكلام على أربعة أوجه: فوجه: أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدراً؛ نحو قولك: أريد أن تقوم يا فتى؛ أي: أريد قيامك، وأرجو أن تذهب يا فتى، أي: أرجو ذهابك. فمن ذلك قول الله: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} أي والصيام خير لكم. ومثله: {وأن يستعففن خيرٌ لهن}.
ووجه آخر: أن تكون مخففة من الثقيلة. وذلك قوله عز وجل: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}. لو نصبت بها وهي مخففة لجاز. فإذا رفعت ما بعدها فعلى حذف التثقيل والمضمر في النية، فكأنه قال: إنه الحمد لله رب العالمين. وقد مضى تفسير هذا في موضع عملها خفيفةً.
والوجه الثالث أن تكون في معنى أي التي تقع للعبارة والتفسير، وذلك قوله عز وجل: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم}. ومثله: بينت له الحديث أن قد كان كذا وكذا. تريد: أي امشوا، وأي قد كان كذا وكذا.
ووجه رابع: أن تكون زائدة مؤكدة؛ وذلك قولك: لما أن جاء زيد قمت، ووالله أن لو فعلت لأكرمتك.
وأما إن المكسورة فإن لها أربعة أوجه مخالفةً لهذه الوجوه.
فمن ذلك إن الجزاء؛ وذلك قولك: إن تأتني آتك، وهي أصل الجزاء؛ كما أن الألف أصل الاستفهام.
وتكون في معنى ما. تقول: إن زيد منطلق، أي: ما زيد منطلق.
وكان سيبويه لا يرى فيها إلا رفع الخبر؛ لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبره؛ كما تدخل ألف الاستفهام فلا تغيره. وذلك كمذهب بني تميم في ما.
وغيره يجيز نصب الخبر على التشبيه بليس؛ كما فعل ذلك في ما. وهذا هو القول، لأنه لا فصل بينها وبين ما في المعنى، وذلك قوله عز وجل: {إن الكافرون إلا في غرورٍ} وقال: {إن يقولون إلا كذباً}. فهذان موضعان.
والموضع الثالث: أن تكون إن المكسورة المخففة من الثقيلة، فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر، ولم يجز غير ذلك؛ لأن لفظها كلفظ التي في معنى ما، وإذا دخلت اللام علم أنها الموجبة لا النافية، وذلك قولك: إن زيداً لمنطلق. وعلى هذا قوله عز وجل: {إن كل نفسٍ لما عليها حافظ} {وإن كانوا ليقولون}.
وإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام إلا أن تدخلها توكيداً؛ كما تقول: إن زيداً لمنطلق.
والموضع الرابع: أن تدخل زائدةً مع ما، فتردها إلى الابتداء، كما تدخل ما على إن الثقيلة، فتمنعها عملها، وتردها إلى الابتداء في قولك: إنما زيد أخوك، و{إنما يخشى الله من عباده العلماء} وذلك قولك: ما إن يقوم زيد، وما إن زيدٌ منطلق. لا يكون الخبر إلا مرفوعاً لما ذكرت لك. قال زهير:
ما إن يكاد يخليهم لوجهتـهـم = تخالج الأمر إن الأمر مشترك
وقال الآخر:
وما إن طبنا جبنٌ ولكن = منايانا ودولة آخرينـا
فإن قال قائل: فما بالها لما خففت من الثقيلة المكسورة اختير بعدها الرفع، ولم يصلح ذلك في المخففة من المفتوحة إلا أن ترفع على أن يضمر فيها? قيل: لأن المفتوحة وما بعدها مصدرٌ، فلا معنى لها للابتداء، والمكسورة، إنما دخلت على الابتداء وخبره، فلما نقصت عن وزن الفعل رجع الكلام إلى أصله.
ومن رأى النصب بها أو بالمفتوحة مع التخفيف قال: هما بمنزلة الفعل، فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف منه، فالفعل يعمل محذوفاً عمله تاماً. فذلك قولك: لم يك زيداً منطلقاً، فعمل عمله والنون فيه. والأقيس الرفع فيما بعدها، لأن إن إنما أشبهت الفعل باللفظ لا بالمعنى، فإذا نقص اللفظ ذهب الشبه. ولذلك الوجه الآخر وجهٌ من القياس كما ذكرت لك.
وكان الخليل يقرأ إن هذان لساحران، فيؤدي خط المصحف ومعنى إن الثقيلة في قراءة ابن مسعود إن ذان لساحران). [المقتضب: 2/358-361] (م)

تفسير قوله تعالى: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) }

تفسير قوله تعالى: {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 09:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 09:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 09:45 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق * كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص * وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب}
قرأ الحسن، وأبي بن كعب، وابن أبي إسحق: "صاد" بكسر الدال، على أنه أمر من: صادى يصادي إذا ضاهى وماثل، أي صار كالصدى الذي يحكي الصياح، والمعنى: ماثل القرآن بعملك، وقارنه بطاعتك، وهكذا فسر الحسن، أي: انظر أين عملك منه؟
وقال الجمهور: إنه حرف المعجم المعروف، ويدخله ما يدخل سائر أوائل السور من الأقوال، ويختص هذا الموضع بأن قال بعض الناس: معناه: صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الضحاك: معناه: صدق الله، وقال مجاهد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله "صمد، صادق الوعد، صانع المصنوعات".
وقرأها الجمهور بسكون الدال، وقرأ ابن أبي إسحق - بخلاف عنه - بكسر الدال وتنوينها [صاد]، على القسم، كما تقول: الله لأفعلن، وحكى الطبري وغيره عن ابن أبي إسحاق: بدون تنوين، وألحقه بقول العرب: حاث باث، وخاز باز، وقرأ فرقة منها عيسى بن عمر: [صاد] بفتح الدال، وكذلك يفعل في نطقه بكل الحروف، يقول: قاف، ونون، ويجعلها كأين وليت، قال الثعلبي: "وقيل معناه: صاد محمد القلوب، بأن استمالها للإيمان".
وقوله تعالى: {ص والقرآن ذي الذكر} قسم، وقال السدي، وابن عباس، وسعيد بن جبير: معناه: ذي الشرف الباقي المخلد، وقال قتادة، والضحاك: ذي التذكرة للناس والهداية لهم، وقالت فرقة: معناه: ذي الذكر للأمم والقصص والغيوب.
وأما جواب القسم فاختلف فيه، فقالت فرقة: الجواب في قوله: "ص"؛ إذ هو بمعنى: صدق محمد، أو صدق الله، وقال الكوفيون والزجاج: الجواب قوله تعالى: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار}، وقال بعض البصريين - ومنهم الأخفش -: الجواب في قوله: {إن كل إلا كذب الرسل}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذان القولان بعيدان.
وقال قتادة، والطبري: الجواب مقدر قبل "بل"، وهذا هو الصحيح، تقديره: "والقرآن ما الأمر كما يزعمون"، ونحو هذا من التقدير، فتأمله. وحكى الزجاج عن قوم أن الجواب قوله تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} وهذا متكلف جدا).[المحرر الوجيز: 7/ 319-321]

تفسير قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"العزة" هنا: المعازة والمغالبة. و"الشقاق" نحوه، أي: هم في شق، والحق في شق). [المحرر الوجيز: 7/ 321]

تفسير قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"كم" للتكثير، وهي خبر فيه مثال ووعيد، وهي في موضع نصب بـ"أهلكنا"، و"القرن": الأمة من الناس يجمعها زمن واحد، وقد تقدم تحريره مرارا، وقوله تعالى: "فنادوا" معناه: مستغيثين، والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفع ذلك، ولم يكن في وقت نفع، "ولات" بمعنى: ليس، واسمها مقدر عند سيبويه، تقديره: ولات الحين حين مناص، وهي "لا" لحقتها تاء، كما لحقت "ربت وثمت"، قال الزجاج: وهي كتاء جلست وقامت، تاء الحروف كتاء الأفعال دخلت على ما لا يعرب في الوجهين، ولا تستعمل (لا) مع التاء إلا في الحين والزمان والوقت ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر:
ولات ساعة مندم
وقال الآخر:
تذكر حب ليلى لات حينا ... وأضحى الشيب قد قطع القرينا
وأنشد بعضهم:
طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء
وأنشد الزجاج بكسر التاء، وهذا كثير، وقراءة الجمهور فتح التاء من "لات" والنون من "حين"، وروي عن عيسى كسر التاء من "لات" ونصب النون من "حين"، وروي عنه أيضا كسر النون منها.
واختلفوا في الوقف على "لات"، فذكر الزجاج أن الوقف بالتاء، ووقف الكسائي بالهاء، ووقف قوم - واختاره أبو عبيد - على لا وجعلوا التاء موصولة بحين، فقالوا، "لا تحين"، وذكر أبو عبيد أنها كذلك في مصحف عثمان، ويحتج لهذا بقول أبي وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف ... والمطعمون زمان ما من مطعم
يمدح آل الزبير. وقرأ بعض الناس: "لات حين" برفع النون من: حين على إضمار الخبر.
و"المناص": المفر، ناص ينوص، إذا فات وفر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: ليس بحين نزو ولا فرار، ضبط القوم). [المحرر الوجيز: 7/ 321-323]

تفسير قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "وعجبوا" لكفار قريش، واستغربوا أن نبئ بشر منهم فأنذرهم وحذرهم، وأن وحد الإله، وقالوا: كيف يكون إله واحد يرزق الجميع وينظر في كل أمرهم؟
و"عجاب" بناء مبالغة، كما قالوا: سريع وسراع، وهذا كثير، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعيسى بن عمر: "عجاب" بشد الجيم، ونحوه قول الراجز:
جاؤوا بصيد عجب من العجب ... أزيرق العينين طوال الذنب
وقد قالوا: رجل كرام، أي كريم). [المحرر الوجيز: 7/ 323-324]

تفسير قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق * أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب * أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب}
روي في قصص هذه الآية أن أشراف قريش وجماعتهم اجتمعوا عند مرض أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن من القبيح علينا أن يموت أبو طالب ونؤذي محمدا بعده فتقول العرب: تركوه مدة عمه فلما مات آذوه، ولكن لنذهب إلى أبي طالب فلينصفنا منه، وليربط بيننا وبينه ربطا، فنهضوا إليه، فقالوا: يا أبا طالب، إن محمدا يسب ويسفه آراءنا وآراء آبائنا، ونحن لا نقاره على ذلك، ولكن افصل بيننا وبينه في حياتك، بأن يقيم في منزله يعبد ربه الذي يزعم، ويدع آلهتنا وسبها، ولا يعرض لأحد منا بشيء من هذا، فبعث أبو طالب في محمد عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد، إن قومك قد دعوك إلى النصفة، وهي أن تدعهم وتعبد ربك وحدك، فقال: أو غير ذلك يا عم؟ قال وما هو؟ قال: يعطونني كلمة تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم الجزية بها العجم، قالوا: وما هي فإننا نبادر إليها؟ قال: لا إله إلا الله، فنفروا عند ذلك، وقالوا: ما يرضيك منا غير هذا؟ قال: والله لو أعطيتموني الأرض ذهبا ومالا، وفي رواية: لو جعلتم الشمس في يميني، والقمر في شمالي ما أرضاني منكم غيرها، فقاموا عند ذلك، وبعضهم يقول: "أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا لشيء عجاب" ويرددون هذا المعنى، وعقبة بن أبي معيط يقول: امشوا واصبروا على آلهتكم الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وجلبت هذا الخبر تام المعنى، وفي بعض رواياته زيادة ونقصان، والغرض متقارب.
ولما ذهبوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال: والله لولا أن تكون سبة في بني بعدي لأقررت بها عينك، ومات وهو يقول: على ملة عبد المطلب، فنزلت في ذلك: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.
فقوله تعالى في هذه الآية: {وانطلق الملأ منهم} عبارة عن خروجهم عن أبي طالب، وانطلاقهم من ذلك الجمع، هذا قول جماعة من المفسرين. وقالت فرقة: هي عبارة عن إذاعتهم لهذه الأقاويل، فكأنه كما يقول الناس: انطلق الناس بالدعاء للأمير، ونحوه، أي: استفاض كلامهم بذلك، و"الملأ": الأشراف والرؤوس الذين يسدون مسد الجميع في الآراء ونحوه.
وقوله: أن امشوا، "أن" مفسرة لا موضع لها، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي: بأن، فهي بتقدير المصدر، كأنه قال: وانطلق الملأ منهم بقولهم: {امشوا}، ومعنى الآية أنه قال بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على كل أمر آلهتكم. وذهب بعض الناس إلى أن قولهم: "امشوا" هو دعاء بكسب الماشية، وفي هذا ضعف; لأنه كان يلزم أن تكون الألف مقطوعة; لأنه يقال: "أمشى الرجل" إذا صار صاحب ماشية، وأيضا فهذا المعنى غير متمكن في الآية، وإنما المعنى: سيروا على طريقتكم ودوموا على سيركم، أو يكون المعنى أمرا من نقل الأقدام، قالوه عند انطلاقهم، وهو في مصحف عبد الله بن مسعود: "وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا". وقولهم: {إن هذا لشيء يراد} يريدون ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وعلوه بالنبوة، أي: يراد منا الانقياد له). [المحرر الوجيز: 7/ 324-326]

تفسير قوله تعالى: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقولهم: {ما سمعنا بهذا} يريدون بمثل هذه المقالة أن الإله واحد. واختلف المتأولون في قولهم: {في الملة الآخرة}، فقال مجاهد: أرادوا ملتهم ونحلتهم التي العرب عليها، ويقال لكل ما تتبعه أمة: ملة. وقال ابن عباس، والسدي: أراد ملة النصارى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وذلك متجه لأنها ملة شهير فيها التثليث، وأن الإله ليس بواحد. وقالت فرقة: معنى قولهم: {ما سمعنا} أي: ما سمعنا أنه يكون مثل هذا، ولا أنه يقال في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون في آخر الزمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وذلك أنه قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين، ويدل على صحة هذا ما روي من قول الأحبار أولي الصوامع، وما روي عن شق وسطيح، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم. وقولهم: {إن هذا إلا اختلاق} إشارة إلى جميع ما يخبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى).[المحرر الوجيز: 7/ 326]

تفسير قوله تعالى: {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قالوا: على جهة التقرير من بعضهم لبعض، ومضمن ذلك الإنكار، {عليه الذكر من بيننا بل}. بمعنى: نحن الأشراف الأعلام، فلم خص هذا؟ وكيف يصح هذا؟ فرد الله تعالى قولهم بما تقتضيه "بل"; لأن المعنى ليس تخصيص الله وإنعامه جاريا على شهواتهم، بل هم في شك من ذكري، أي في ريب أن هذا التذكير بالله حق. ثم توعدهم بقوله: {بل لما يذوقوا عذاب}، أي: لو ذاقوه لتحققوا أن هذه الرسالة حق، أي هم لجهالتهم لا يبين لهم النظر، وإنما يبين لهم مباشرة العذاب. وقرأ ابن مسعود: "أم أنزل" بميم بين الهمزتين).[المحرر الوجيز: 7/ 326]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 04:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 04:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ (2) كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ فنادوا ولات حين مناصٍ (3) }
أمّا الكلام على الحروف المقطّعة فقد تقدّم في أوّل سورة "البقرة" بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقوله: {والقرآن ذي الذّكر} أي: والقرآن المشتمل على ما فيه ذكرٌ للعباد ونفعٌ لهم في المعاش والمعاد.
قال الضّحّاك في قوله: {ذي الذّكر} كقوله: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم} [الأنبياء: 10] أي: تذكيركم. وكذا قال قتادة واختاره ابن جريرٍ.
وقال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ وإسماعيل بن أبي خالدٍ، وابن عيينة وأبو حصينٍ وأبو صالحٍ والسّدّيّ {ذي الذّكر} ذي الشّرف أي: ذي الشّأن والمكانة.
ولا منافاة بين القولين، فإنّه كتابٌ شريفٌ مشتملٌ على التّذكير والإعذار والإنذار.
واختلفوا في جواب هذا القسم فقال بعضهم: هو قوله: {إن كلٌّ إلا كذّب الرّسل فحقّ عقاب} [ص: 14] . وقيل قوله: {إنّ ذلك لحقٌّ تخاصم أهل النّار} [ص: 64] حكاهما ابن جريرٍ وهذا الثّاني فيه بعدٌ كبيرٌ، وضعّفه ابن جريرٍ.
وقال قتادة: جوابه: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} واختاره ابن جريرٍ.
وقيل: جوابه ما تضمّنه سياق السّورة بكمالها، واللّه أعلم.
ثمّ حكى ابن جريرٍ عن بعض أهل العلم أنّه قال: جوابه "ص" بمعنى: صدقٌ حقٌّ والقرآن ذي الذّكر). [تفسير ابن كثير: 7/ 51]

تفسير قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} أي: إنّ في هذا القرآن لذكرًا لمن يتذكّر، وعبرةً لمن يعتبر. وإنّما لم ينتفع به الكافرون لأنّهم {في عزّةٍ} أي: استكبارٍ عنه وحميّةٍ {وشقاقٍ} أي: مخالفةٍ له ومعاندةٍ ومفارقةٍ). [تفسير ابن كثير: 7/ 51]

تفسير قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ خوّفهم ما أهلك به الأمم المكذّبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرّسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من السّماء فقال: {كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ} أي: من أمّةٍ مكذّبةٍ، {فنادوا} أي: حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى اللّه. وليس ذلك بمجدٍ عنهم شيئًا. كما قال تعالى: {فلمّا أحسّوا بأسنا إذا هم منها يركضون} [الأنبياء: 12] أي: يهربون، {لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلّكم تسألون} [الأنبياء: 13]
قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا شعبة عن أبي إسحاق عن التّميميّ قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قول اللّه: {فنادوا ولات حين مناصٍ} قال: ليس بحين نداءٍ، ولا نزوٍ ولا فرارٍ
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: ليس بحين مغاثٍ.
وقال شبيب بن بشرٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: نادوا النّداء حين لا ينفعهم وأنشد:
تذكّر ليلى لات حين تذكّر.
وقال محمّد بن كعبٍ في قوله: {فنادوا ولات حين مناصٍ} يقول: نادوا بالتّوحيد حين تولّت الدّنيا عنهم، واستناصوا للتّوبة حين تولّت الدّنيا عنهم.
وقال قتادة: لـمّا رأوا العذاب أرادوا التّوبة في غير حين النّداء.
وقال مجاهدٌ: {فنادوا ولات حين مناصٍ} ليس بحين فرارٍ ولا إجابةٍ.
وقد روي نحو هذا عن عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ وأبي مالكٍ والضّحّاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة.
وعن مالكٍ، عن زيد بن أسلم: {ولات حين مناصٍ} ولا نداء في غير حين النّداء.
وهذه الكلمة وهي "لات" هي "لا" الّتي للنّفي، زيدت معها "التّاء" كما تزاد في "ثمّ" فيقولون: "ثمّت"، و "ربّ" فيقولون: "ربّت". وهي مفصولةٌ والوقف عليها. ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره [ابن جريرٍ] أنّها متّصلةٌ بحين: "ولا تحين مناصٍ". والمشهور الأوّل. ثمّ قرأ الجمهور بنصب "حين" تقديره: وليس الحين حين مناصٍ. ومنهم من جوّز النّصب بها، وأنشد:
تذكّر حب ليلى لات حينا = وأضحى الشّيب قد قطع القرينا
ومنهم من جوّز الجرّ بها، وأنشد:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ = فأجبنا أن ليس حين بقاء
وأنشد بعضهم أيضًا:
ولات ساعة مندم
بخفض السّاعة، وأهل اللّغة يقولون: النّوص: التّأخّر، والبوص: التّقدّم. ولهذا قال تعالى: {ولات حين مناصٍ} أي: ليس الحين حين فرارٍ ولا ذهابٍ).[تفسير ابن كثير: 7/ 51-53]

تفسير قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ (4) أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ (5) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد (6) ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلّا اختلاقٌ (7) أؤنزل عليه الذّكر من بيننا بل هم في شكٍّ من ذكري بل لمّا يذوقوا عذاب (8) أم عندهم خزائن رحمة ربّك العزيز الوهّاب (9) أم لهم ملك السّماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب (10) جندٌ ما هنالك مهزومٌ من الأحزاب (11) }
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في تعجّبهم من بعثة الرّسول بشرًا، كما قال تعالى: {أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ} وقال هاهنا: {وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم} أي: بشرٌ مثلهم، {وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ}). [تفسير ابن كثير: 7/ 53]

تفسير قوله تعالى: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} أي: أزعم أنّ المعبود واحدٌ لا إله إلّا هو؟! أنكر المشركون ذلك -قبّحهم اللّه تعالى- وتعجّبوا من ترك الشّرك باللّه، فإنّهم كانوا قد تلقّوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلمّا دعاهم الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد اللّه بالوحدانيّة أعظموا ذلك وتعجّبوا وقالوا: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ}). [تفسير ابن كثير: 7/ 53]

تفسير قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وانطلق الملأ منهم} وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين: {[أن] امشوا} أي: استمرّوا على دينكم {واصبروا على آلهتكم} ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمّدٌ من التّوحيد.
وقوله: {إنّ هذا لشيءٌ يراد} قال ابن جريرٍ: إنّ هذا الّذي يدعونا إليه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من التّوحيد لشيءٌ يريد به الشّرف عليكم والاستعلاء، وأن يكون له منكم أتباعٌ ولسنا مجيبيه إليه.
ذكر سبب نزول هذه الآيات:
قال السّدّيّ: إنّ أناسًا من قريشٍ اجتمعوا فيهم: أبو جهل بن هشامٍ والعاص بن وائلٍ، والأسود بن المطّلب والأسود بن عبد يغوث في نفرٍ من مشيخة قريشٍ، فقال بعضهم لبعضٍ: انطلقوا بنا إلى أبي طالبٍ فلنكلّمه فيه، فلينصفنا منه فليكفّ عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الّذي يعبده؛ فإنّا نخاف أن يموت هذا الشّيخ فيكون منّا إليه شيءٌ. فتعيّرنا [به] العرب يقولون: تركوه حتّى إذا مات عنه تناولوه". فبعثوا رجلًا منهم يقال له المطّلب" فاستأذن لهم على أبي طالبٍ فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم يستأذنون عليك. قال: أدخلهم. فلمّا دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالبٍ أنت كبيرنا وسيّدنا فأنصفنا من ابن أخيك فمره فليكفّ عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه. قال: فبعث إليه أبو طالبٍ فلمّا دخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم وقد سألوك أن تكفّ عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك. قال: "يا عمّ أفلا أدعوهم إلى ما هو خيرٌ لهم؟ " قال: وإلام تدعوهم؟ قال: "أدعوهم [إلى] أن يتكلّموا بكلمةٍ تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم". فقال أبو جهلٍ من بين القوم: ما هي وأبيك؟ لنعطينّها وعشرة أمثالها. قال: تقولون: "لا إله إلّا اللّه". فنفر وقال: سلنا غير هذا قال: "لو جئتموني بالشّمس حتّى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها" فقاموا من عنده غضابًا، وقالوا: واللّه لنشتمنّك وإلهك الّذي أمرك بهذا. {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد}
رواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ وزاد: فلمّا خرجوا دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمّه إلى قول: "لا إله إلّا اللّه" فأبى وقال: بل على دين الأشياخ. ونزلت: {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص:56]
وقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ وابن وكيعٍ قالا حدّثنا أبو أسامة حدّثنا الأعمش حدّثنا عبّادٌ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لما مرض أبو طالبٍ دخل عليه رهطٌ من قريشٍ فيهم أبو جهلٍ فقالوا: إنّ ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته؟ فبعث إليه فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالبٍ قدر مجلس رجلٍ قال: فخشي أبو جهلٍ إن جلس إلى جنب أبي طالبٍ أن يكون أرقّ له عليه. فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مجلسًا قرب عمّه فجلس عند الباب. فقال له أبو طالبٍ: أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك، يزعمون أنّك تشتم آلهتهم وتقول وتقول؟ قال: وأكثروا عليه من القول وتكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: " يا عمّ إنّي أريدهم على كلمةٍ واحدةٍ! يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية" ففزعوا لكلمته ولقوله وقالوا كلمةً واحدةً! نعم وأبيك عشرًا فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالبٍ وأيّ كلمةٍ هي يا ابن أخي؟ فقال: "لا إله إلّا اللّه" فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} قال: ونزلت من هذا الموضع إلى قوله: {لـمّا يذوقوا عذاب} لفظ أبي كريبٍ
وهكذا رواه الإمام أحمد والنّسائيّ من حديث محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ، كلاهما عن أبي أسامة عن الأعمش عن عبّادٍ غير منسوبٍ به نحوه ورواه التّرمذيّ، والنّسائيّ وابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ أيضًا كلّهم في تفاسيرهم من حديث سفيان الثّوريّ عن الأعمش عن يحيى بن عمارة الكوفيّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ فذكر نحوه. وقال التّرمذيّ حسنٌ).[تفسير ابن كثير: 7/ 53-55]

تفسير قوله تعالى: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقولهم: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} أي: ما سمعنا بهذا الّذي يدعونا إليه محمّدٌ من التّوحيد في الملّة الآخرة.
قال مجاهدٌ وقتادة وابن زيدٍ: يعنون دين قريشٍ.
وقال غيرهم: يعنون النّصرانيّة، قاله محمّد بن كعبٍ والسّدّيّ.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} يعني: النّصرانيّة قالوا: لو كان هذا القرآن حقًّا أخبرتنا به النّصارى.
{إن هذا إلا اختلاقٌ} قال مجاهدٌ، وقتادة كذبٌ وقال ابن عبّاسٍ: تخرّصٌ). [تفسير ابن كثير: 7/ 55]

تفسير قوله تعالى: {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقولهم: {أؤنزل عليه الذّكر من بيننا} يعني: أنّهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلّهم كما قالوا في الآية الأخرى: {لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيمٍ} [الزّخرف: 31] قال اللّه تعالى: {أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ} [الزّخرف: 32] ولهذا لـمّا قالوا هذا الّذي دلّ على جهلهم وقلّة عقلهم في استبعادهم إنزال القرآن على الرّسول من بينهم، قال اللّه تعالى: {بل لـمّا يذوقوا عذاب} أي: إنّما يقولون هذا لأنّهم ما ذاقوا إلى حين قولهم ذلك عذاب اللّه ونقمته سيعلمون غبّ ما قالوا، وما كذّبوا به يوم يدعّون إلى نار جهنّم دعّا). [تفسير ابن كثير: 7/ 55]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة