العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:52 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (130) إلى الآية (133) ]

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:35 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الحسن: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات}، قال هذه آية واحدة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ويد موسى وعصا موسى إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 391] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات لعلّهم يذّكرون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد اختبرنا قوم فرعون وأتباعه على ما هم عليه من الضّلالة بالسّنين، يقول: بالجدوب سنةً بعد سنةٍ والقحوط. يقال منه: أسنت القوم: إذا أجدبوا. {ونقصٍ من الثّمرات} يقول: واختبرناهم مع الجدوب بذهاب ثمارهم وغلاّتهم إلاّ القليل. {لعلّهم يذّكّرون} يقول: عظةً لهم وتذكيرًا لهم؛ لينزجروا عن ضلالتهم ويفزعوا إلى ربّهم بالتّوبة.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} قال: سنيّ الجوع.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {بالسّنين} الجائحة. {ونقصٍ من الثّمرات} دون ذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني القاسم بن دينارٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة، في قوله: {ونقصٍ من الثّمرات} قال: حيث لا تحمل النّخلة إلاّ تمرةً واحدةً.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة، عن كعبٍ، قال: يأتي على النّاس زمانٌ لا تحمل النّخلة إلاّ تمرةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة: {ونقصٍ من الثّمرات} قال: يأتي على النّاس زمانٌ لا تحمل النّخلة إلاّ تمرةً.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} أخذهم اللّه بالسّنين بالجوع عامًا فعامًا. {ونقصٍ من الثّمرات} فأمّا السّنين فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم، وأمّا بنقصٍ من الثّمرات فكان ذلك في أمصارهم وقراهم). [جامع البيان: 10/ 374-375]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات لعلّهم يذّكّرون (130)}
قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس، أنبأ يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} جهدهم اللّه بالسّنين بالجوع عامًا فعامًا، ونقصٍ من الثّمرات، فأمّا السّنون فكان ذلك في باديتهم، وأهل مواشيهم، وأمّا نقص الثّمرات فكان في أمصارهم وقراهم.
قوله تعالى: {بالسنين}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عونٍ، أنبأ شريكٌ، عن ابن إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين}، قال: سنين الجوع.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمران بن أبي ليلى، ثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أخذ اللّه آل فرعون بالسّنين يبس كلّ شجرٍ لهم وذهبت مواشيهم حتّى يبس نيل مصر واجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت تزعم كما تزعم فآتينا في نيل مصر بماءٍ قال: غدوةً يصبّحكم الماء، فلمّا خرجوا من عنده قال: أيّ شيءٍ صنعت، أنا أقدر على أن أجري في نيل مصر ماءً غدوةٌ أصبح فيكذّبوني، فلمّا كان في جوف اللّيل قام واغتسل ولبس مدرعة صوفٍ، ثمّ خرج ماشيًا حتّى أتى نيل مصر، فقام في بطنه فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي أعلم أنّك تقدر على أن تملأ نيل مصر ماءً فاملأه ماءً، فما علم إلا بجرير الماء يقبل، فخرج يحفز وأقبل النّيل يزخّ بالماء لمّا أراد اللّه بهم من الهلكة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {بالسّنين} الجوايح.
قوله تعالى: {ونقصٍ من الثّمرات}؛
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ شيبان، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة {ونقصٍ من الثّمرات}؛ قال: حتّى لا تحمل النّخلة إلّا بسرةً واحدة.
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {ونقصٍ من الثمرات} دون ذلك يعني دون الجائحة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1542-1543]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين يعني بالجوع ونقص من الثمرات يعني دون ذلك).[تفسير مجاهد: 243-244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: السنون الجوع.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: الجوائح {ونقص من الثمرات} دون ذلك.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: أخذهم الله بالسنين بالجوع عاما فعاما {ونقص من الثمرات} فأما السنون فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم وأما نقص من الثمرات فكان في أمصارهم وقراهم.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن رجاء بن حيوة في قوله: {ونقص من الثمرات} قال: حتى لا تحمل النخلة إلا بسرة واحدة.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر واجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت تزعم فاتنا في نيل مصر بماء، قال: غدوة يصبحكم الماء، فلما خرجوا من عنده قال: أي شيء صنعت، أنا أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء غدوة أصبح فيكذبونني، فلما كان في جوف الليل قام واغتسل ولبس مدرعة صوف ثم خرج حافيا حتى أتى نيل مصر فقام في بطنه فقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر على أن تملا نيل مصر ماء فأملاه فما علم إلا بخرير الماء يقبل فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة). [الدر المنثور: 6/ 505-506]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {طائرهم} : «حظّهم). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {طائرهم} حظّهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {إلّا إنّما طائرهم عند الله}، قال: حظّهم ونصيبهم). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({طائرهم}: حظهم،
أشار به إلى قوله تعالى: {إلاّ إنّما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} وفسّر طائر هم بقوله حظهم، وكذا قال: أبو عبيدة: طائرهم حظهم ونصيبهم). [عمدة القاري: 18/ 235]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {ألا إنما} {طائرهم} أي (حظهم) ونصيبهم عند الله). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه}.
يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت آل فرعون العافية والخصب والرّخاء وكثرة الثّمار، ورأوا ما يحبّون في دنياهم {قالوا لنا هذه} نحن أولى بها. {وإن تصبهم سيّئةٌ} يعني: جدوبٌ وقحوطٌ وبلاءٌ، {يطّيّروا بموسى ومن معه} يقول: يتشاءموا ويقولوا: ذهبت حظوطنا وأنصباؤنا من الرّخاء والخصب والعافية، مذ جاءنا موسى عليه السّلام.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} العافية والرّخاء، {قالوا لنا هذه} نحن أحقّ بها. {وإن تصبهم سيّئةٌ} بلاءٌ وعقوبةٌ، {يطّيّروا} يتشاءموا {بموسى}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه} قالوا: ما أصابنا هذا إلاّ بك يا موسى وبمن معك، ما رأينا شرًّا ولا أصابنا حتّى رأيناك. وقوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه} قال: الحسنة: ما يحبّون وإذا كان ما يكرهون، قالوا: ما أصابنا هذا إلاّ بشؤم هؤلاء الّذين ظلموا قال قوم صالحٍ: {اطّيّرنا بك وبمن معك} فقال اللّه إنّما: {طائركم عند اللّه بل أنتم قومٌ تفتنون}.
القول في تأويل قوله: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: ألا ما طائر آل فرعون وغيرهم، وذلك أنصباؤهم من الرّخاء والخصب وغير ذلك من أنصباء الخير والشّرّ إلاّ عند اللّه. ولكنّ أكثرهم لا يعلمون أنّ ذلك كذلك، فلجهلهم بذلك كانوا يطّيّرون بموسى ومن معه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} يقول: مصائبهم عند اللّه، قال اللّه: {ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} قال: الأمر من قبل اللّه). [جامع البيان: 10/ 376-378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (131)}
قوله تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة}
- وبه، عن مجاهدٍ فإذا جاءتهم الحسنة العافية والرّخاء.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} قال: الحسنة ما يحبّون.
قوله تعالى: {قالوا لنا هذه}
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قالوا لنا هذه}، ونحن أحقّ بها.
قوله تعالى: {وإنّ تصبهم سيّئةٌ}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج. قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وإن تصبهم سيّئةٌ} قال: إذا كان ما يكرهون قالوا: إنّما أصابنا هذا بشؤم هؤلاء الّذين بين أظهرنا، كما قال قوم صالحٍ: إنّا تطّيّرنا بك وبمن معك. فقال اللّه: إنّما طائركم عند اللّه بل أنتم قومٌ تفتنون.
قوله تعالى: {يطيروا بموسى ومن معه}
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {يطّيّروا بموسى ومن معه} تشاءموا بموسى -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قوله: {وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه} قالوا: ما أصابنا هذا الشّرّ إلا بك يا موسى ومن معك، وما رأينا شرًّا ولا أصابنا حتّى رأيناك.
قوله تعالى: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه}
- أخبرنا أحمد بن الأزهر بن منيعٍ فيما كتب إليّ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا أبي عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك في قوله: {طائرهم عند اللّه} يقول: الأمر من قبل اللّه ما أصابكم من أمر اللّه فمن اللّه فبما كسبت أيديكم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1543]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} قال يعني العافية والرخاء قالوا لنا هذه أي نحن أحق بها وإن تصبهم سيئة يعني بلاء وعقوبة يطيروا يقول يتشاءموا بموسى ومن معه).[تفسير مجاهد: 244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} قال: العافية والرخاء {قالوا لنا هذه} ونحن أحق بها {وإن تصبهم سيئة} قال: بلاء وعقوبة {يطيروا بموسى} قال: يتشاءموا به.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ألا إنما طائرهم} قال مصائبهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ألا إنما طائرهم عند الله} قال: الأمر من قبل الله.
-أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ألا إنما طائرهم عند الله} يقول: الأمر من قبل الله ما أصابكم من أمر الله فمن الله بما كسبت أيديكم). [الدر المنثور: 6/ 506-507]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: وقال آل فرعون لموسى: يا موسى مهما تأتنا به من علامةٍ ودلالةٍ لتسحرنا، يقول: لتلفتنا بها عمّا نحن عليه من دين فرعون، {فما نحن لك بمؤمنين} يقول: فما نحن لك في ذلك بمصدّقين على أنّك محقٌ فيما تدعونا إليه.
وقد دللنا فيما مضى على معنى السّحر بما أغنى عن إعادته.
وكان ابن زيدٍ يقول في معنى: {مهما تأتنا به من آيةٍ} ما:
- حدّثني يونس، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {مهما تأتنا به من آيةٍ} قال: إن ما تأتنا به من آيةٍ، وهذه فيها زيادة ما). [جامع البيان: 10/ 378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132)}
قوله تعالى: {وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا حصين بن نميرٍ، ثنا سفيان بن حسينٍ مهما تأتنا به من آيةٍ مهما تأتنا به من شيءٍ لتسحرنا بها.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قول اللّه: {مهما تأتنا به من آيةٍ} قال: إنّ ما تأتنا به من آيةٍ قال: وهذه فيها زيادةٌ ما). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1544]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وقالوا مهما تأتنا به من آية} قال: إن ما تأتنا به من آية قال: وهذه فيها زيادة ما). [الدر المنثور: 6/ 507]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا يحدث عن قول الله: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل}، قال مالك: سمعت أن ذلك الجراد كان يأكل المسامير). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 111]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا وسئل عن الطوفان، فقال: هو الماء). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 136]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {الطوفان}، قال: أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما ثم كشف عنهم فلم ينتهوا وأخصبت بلادهم خصبا لم تخصب مثله فأرسل الله عليهم الجراد فأكلته إلا قليلا فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم القمل وهي الدبا أولاد الجراد فأكلت ما بقي من زرعهم فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم الضفادع فدخلت عليهم بيوتهم ووقعت في آنيتهم وفرشهم فلم يؤمنوا ثم أرسل الله تعالى عليهم الدم فكانوا إذا أراد أحدهم أن يشرب ماء تحول الماء دما قال الله تعالى: {آيات مفصلات فاستكبروا} {ولما وقع عليهم الرجز} يقول العذاب). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 234]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الحسن: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات}، قال: هذه آية واحدة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ويد موسى وعصا موسى إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 391] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... طوفانٌ من السّيل، ويقال للموت الكثير الطّوفان». {القمّل} : «الحمنان يشبه صغار الحلم). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: طوفانٍ من السّيل ويقال للموت الكثير الطّوفان قال أبو عبيدة الطّوفان من السّيل ومن الموت البالغ الذّريع كأنّه مأخوذٌ من أطاف به إذا عمّه بالهلاك وعن الأخفش الطّوفان واحدته طوفانةٌ وقيل هو مصدرٌ كالرّجحان والنّقصان فلا واحد له.
وروى بن المنذر، من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن بن عبّاسٍ، قال: أرسل عليهم المطر حتّى خافوا الهلاك فأتوا موسى فدعا اللّه فرفع ثمّ عادوا وعند بن مردويه بإسنادين ضعيفين عن عائشة مرفوعًا الطّوفان الموت.

قوله: القمّل الحمنان بضمّ المهملة وسكون الميم شبة صغار الحلم بفتح المهملة واللّام قال أبو عبيدة القمّل عند العرب هو الحمنان والحمنان ضربٌ من القردان واحدتها حمنانةٌ وقد تقدّم مع الّذي قبله في بدء الخلق واختلف في تفسير القمّل اختلافًا كثيرًا قيل السّوس وقيل الدّبا بفتح المهملة والموحّدة مخفّفٌ وهو صغار الجراد وقال: الرّاغب وقيل دوابٌّ سودٌ صغارٌ وقيل صغار الذّرّ وقيل هو القمل المعروف وقيل دابّةٌ أصغر من الطّير لها جناحٌ أحمر ومن شأنه أن يمصّ الحبّ من السّنبلة فتكبر السّنبلة ولا حبّ فيها وقيل فيه غير ذلك). [فتح الباري: 8/ 299-300]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (طوفانٌ من السّيل ويقال للموت الكثير الطّوفان
أشار به إلى قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل} وفسّر الطوفان بأنّه من السّيل، واختلفوا في معناه فعن ابن عبّاس -رضي الله تعالى عنهما- في رواية الطوفان كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثّمار.
وبه قال الضّحّاك: وعن ابن عبّاس في رواية كثرة الموت، وهو معنى قوله: ويقال للموت الكثير الطوفان، وبه قال عطاء، وقال مجاهد: الطوفان الماء والطاعون على كل حال، وعن ابن عبّاس في رواية أخرى هو أمر من الله طاف بهم ثمّ قرأ: {فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون} [القلم: 19] . وقال الأخفش الطوفان واحده طوفانة وقيل: هو مصدر كالرجحان والنّقصان. قلت: هو اسم للمصدر، فاقهم.


القمّل: الحمنان يشبه صغار الحلم أشار به إلى تفسير القمل المذكور في الآية الّتي مضت الآن، وفسره بقوله الحمنان، بضم الحاء وسكون الميم. قوله: (يشبه صغار الحلم) ، بفتح الحاء المهملة واللّام.
وقال أبو عبيدة: القمل عند العرب ضرب من القردان واحدها حمنانة وعن ابن عبّاس، -رضي الله تعالى عنهما-، القمل السوس الّذي يخرج من الحنطة، وعنه أنه الدّبّاء وهو الجراد الصغار الّذي لا أجنحة له، وبه قال مجاهد وقتادة، وعن الحسن وسعيد بن جبير: القمل دواب سود صغار، وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: القمل البراغيث، وقال ابن جرير: القمل جمع قلمة وهي دابّة تشبه القمل تأكل الإبل، والحلم جمع حلمة والحلمة تتقفي من ظهرها فيخرج منها القمقامة وهي أصغر ممّا رأيته ممّا يمشي ويتعلّق بالإبل فإذا امتلأ سقط على الأرض وقد عظم ثمّ يضمر حتّى يذهب دمه فيكون قرادا فيتعلّق بالإبل ثانية فيكون حمنة، قال أبو العالية: أرسل الله تعالى الحمنان على دوابهم فأكلنها حتّى لم يقدروا على المسير، وقرأ الحسن: القمل، بفتح القاف وسكون الميم، وفي (المحكم) : القمل صغار الذّر والدباء، وفي (الجامع) : هو شيء أصغر من الظفر له جناح أحمر وأكدر، قال أبو يوسف: هو شيء يقع في الزّرع ليس بجراد فيأكل السنبلة وهي غضة قبل أن تخرج فيطول الزّرع ولا سنبل فيه، وقال أبو حنيفة هو شيء يشبه الحلم وهو لا يأكل أكل الجراد ولكن يمص الحبّ إذا وقع فيه الدّقيق وهو رطب وتذهب قوته وخيره وهو خبيث الرّائحة). [عمدة القاري: 18/ 235]

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {طوفان} يشير إلى قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان} أي (من السيل) المتلف للزرع والثمار (ويقال) أيضًا (للموت الكثير الطوفان) وهو مروي عن ابن عباس ورواه ابن مردويه بإسنادين ضعيفين عن عائشة مرفوعًا.
{القمل} هو (الحمنان) بفتح الحاء المهملة ضبطه البرماوي والدماميني كالكرماني وضبطه ابن حجر بضمها كالفرع وأصله وسكون الميم يشبه ولأبي ذر شبه (صغار الحلم) بفتح الحاء واللام قال الأصمعي فيما ذكره الجوهري أوّله قمقامة ثم حمنانة ثم قرادة ثم حلمة وهي القراد العظيم). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مّفصّلاتٍ فاستكبروا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الطّوفان، فقال بعضهم: هو الماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حبّويه الرّازيّ، عن يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا جاء موسى بالآيات، كان أوّل الآيات الطّوفان، فأرسل اللّه عليهم السّماء.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي مالكٍ، قال: {الطّوفان}: الماء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: {الطّوفان}: الماء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{الطّوفان}: الغرق.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال:
{الطّوفان} الماء والطّاعون على كلّ حالٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال:
{الطّوفان} الموت على كلّ حالٍ.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{الطّوفان}: الماء.
وقال آخرون: بل هو الموت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، قال: حدّثنا المنهال بن خليفة، عن الحجّاج، عن الحكم بن ميناء، عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «الطّوفان الموت
».
- حدّثني عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً ما الطّوفان؟ قال: الموت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عمّن حدّثه عن مجاهدٍ، قال: {الطّوفان}: الموت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {فأرسلنا عليهم الطّوفان}، قال: الموت.
قال ابن جريجٍ: وسألت عطاءً عن الطّوفان؟ قال: الموت.
قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: الموت على كلّ حالٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن المنهال بن خليفة، عن حجّاجٍ، عن رجلٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«الطّوفان الموت».
وقال آخرون: بل ذلك كان أمرًا من اللّه طاف بهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} قال: أمر اللّه الطّوفان، ثمّ قال: {فطاف عليها طائفٌ من ربّك وهم نائمون}.
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يزعم أنّ الطّوفان من السّيل البعاق والدّباش، وهو الشّديد، ومن الموت المتتابع الذّريع السّريع.
وقال بعضهم: هو كثرة المطر والرّيح.
وكان بعض نحويّ الكوفيّين يقول: الطّوفان مصدرٌ مثل الرّجحان والنّقصان لا يجمع.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: هو جمعٌ، واحدها في القياس: الطّوفانة.
والصّواب من القول في ذلك عندي، ما قاله ابن عبّاسٍ على ما رواه عنه أبو ظبيان أنّه أمرٌ من اللّه طاف بهم، وأنّه مصدرٌ من قول القائل: طاف بهم أمر اللّه يطوف طوفانًا، كما يقال: نقص هذا الشّيء ينقص نقصانًا. وإذا كان ذلك كذلك، جاز أن يكون الّذي طاف بهم المطر الشّديد، وجاز أن يكون الموت الذّريع. ومن الدّلالة على أنّ المطر الشّديد قد يسمّى طوفانًا قول الحسن بن عرفطة:
غيّر الجدّة من عرفانه ....... خرق الرّيح وطوفان المطر
ويروى: خرق الرّيح بطوفان المطر
وقول الرّاعي:
تضحي إذا العيس أدركنا نكائثها ....... خرقاء يعتادها الطّوفان والزّؤد
وقول أبي النّجم:
قد مدّ طوفانٌ فبثّ مددا ....... شهرًا شآبيب وشهرًا بردا
وأمّا القمّل، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في معناه. فقال بعضهم: هو السّوس الّذي يخرج من الحنطة.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {القمّل}: هو السّوس الّذي يخرج من الحنطة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، بنحوه.
وقال آخرون: بل هو الدّبى، وهو صغار الجراد الّذي لا أجنحة له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: {القمّل}: الدّبى.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: الدّبى: القمّل.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: {القمّل}: الدّبى.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة، قال:
{القمّل}: هي الدّبى، وهي أولاد الجراد.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال:
{القمّل}: هو الدّبى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{القمّل}: الدّبى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن قيسٍ، عمّن ذكره عن عكرمة، قال:
{القمّل}: بنات الجراد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{القمّل}: الدّبى.
وقال آخرون: بل
{القمّل}: البراغيث.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل} قال: زعم بعض النّاس في القمّل أنّها البراغيث.
وقال بعضهم: هي دوابّ سودٌ صغارٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، والحسن، قالا:
{القمّل}: دوابّ سودٌ صغارٌ.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أنّ القمّل عند العرب: الحمنان، والحمنان: ضربٌ من القردان واحدتها: حمنانةٌ فوق القمقامة. القمّل جمعٌ واحدتها قمّلةٌ، وهي دابّةٌ تشبه القمّل تأكلها الإبل فيما بلغني، وهي الّتي عناها الأعشى في قوله:
قومٌ يعالج قمّلاً أبناؤهم ....... وسلاسلاً أجدًا وبابًا مؤصدًا
وكان الفرّاء يقول: لم أسمع فيه شيئًا، فإن لم يكن جمعًا فواحده قاملٌ، مثل ساجدٍ وراكعٍ، وإن يكن اسمًا على معنى جمعٍ، فواحدته: قمّلةٌ.
وقال بعضهم: هو من الجعلان.
ذكر المعاني الّتي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الآيات والسّبب الّذي من أجله أحدثها اللّه فيهم:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا أتى موسى فرعون، قال له: أرسل معي بني إسرائيل، فأبى عليه، فأرسل اللّه عليهم الطّوفان، وهو المطر، فصبّ عليهم منه شيئًا، فخافوا أن يكون عذابًا، فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك، لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل. فأنبت لهم في تلك السّنة شيئًا لم ينبته قبل ذلك من الزّرع والثّمر والكلإ، فقالوا: هذا ما كنّا نتمنّى، فأرسل اللّه عليهم الجراد، فسلّطه على الكلإ. فلمّا رأوا أثره في الكلإ عرفوا أنّه لا يبقى الزّرع، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك فيكشف عنّا الجراد، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فداسوا وأحرزوا في البيوت، فقالوا: قد أحرزنا. فأرسل اللّه عليهم القمّل، وهو السّوس الّذي يخرج منه، فكان الرّجل يخرج عشرة أجربةٍ إلى الرّحى، فلا يرد منها ثلاثة أقفزةٍ، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا القمّل، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل. فبينا هو جالسٌ عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدعٍ، فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا؟ فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتّى كان الرّجل يجلس إلى ذقنه في الضّفادع، ويهمّ أن يتكلّم فتثب الضّفادع في فيه، فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذه الضّفادع، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فكشف عنهم فلم يؤمنوا فأرسل اللّه عليهم الدّم، فكان ما استقوا من الأنهار والآبار، أو ما كان في أوعيتهم وجدوه دمًا عبيطًا، فشكوا إلى فرعون فقالوا: إنّا قد ابتلينا بالدّم، وليس لنا شرابٌ. فقال: إنّه قد سحركم. فقالوا: من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئًا من الماء إلاّ وجدناه دمًا عبيطًا؟ فأتوه فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا الدّم، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حبّويه الرّازيّ، عن يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا خافوا الغرق، قال فرعون: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا المطر فنؤمن لك ثمّ ذكر نحو حديث ابن حميدٍ، عن يعقوب.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: {ثمّ إنّ اللّه أرسل عليهم}، يعني على قوم فرعون الطّوفان، وهو المطر، فغرق كلّ شيءٍ لهم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا، ونحن نؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فكشف اللّه عنهم ونبتت به زروعهم، فقالوا: ما يسرّنا أنّا لم نمطر. فبعث اللّه عليهم الجراد، فأكل حروثهم، فسألوا موسى أن يدعو ربّه فيكشفه ويؤمنوا به. فدعا فكشفه، وقد بقي من زروعهم بقيّةٌ، فقالوا: لم تؤمنون وقد بقي من زرعنا بقيّةٌ تكفينا؟
فبعث اللّه عليهم الدّبى، وهو القمّل، فلحس الأرض كلّها، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضّه، وكان لأحدهم الطّعام فيمتلئ دبًى، حتّى إنّ أحدهم ليبني الأسطوانة بالجصّ فيزلّقها، حتّى لا يرتقي فوقها شيءٌ، يرفع فوقها الطّعام، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دبًى، فلم يصابوا ببلاءٍ كان أشدّ عليهم من الدّبى، وهو الرّجز الّذي ذكر اللّه في القرآن أنّه وقع عليهم. فسألوا موسى أن يدعو ربّه، فيكشف عنهم، ويؤمنوا به. فلمّا كشف عنهم أبوا أن يؤمنوا، فأرسل اللّه عليهم الدّم، فكان الإسرائيليّ يأتي هو والقبطيّ يستقيان من ماءٍ واحدٍ، فيخرج ماء هذا القبطيّ دمًا، ويخرج للإسرائيليّ ماءٌ. فلمّا اشتدّ ذلك عليهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به، فكشف ذلك، فأبوا أن يؤمنوا، وذلك حين يقول اللّه: {فلمّا كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون}.

- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} قال: أرسل اللّه عليهم الماء حتّى قاموا فيه قيامًا. ثمّ كشف عنهم، فلم يؤمنوا، وأخصبت بلادهم خصبًا لم تخصب مثله. فأرسل اللّه عليه الجراد فأكله إلاّ قليلاً، فلم يؤمنوا أيضًا. فأرسل اللّه القمّل وهي الدّبى، وهو أولاد الجراد، فأكلت ما بقي من زروعهم، فلم يؤمنوا. فأرسل عليهم الضّفادع، فدخلت عليهم بيوتهم، ووقعت في آنيتهم وفرشهم، فلم يؤمنوا. ثمّ أرسل اللّه عليهم الدّم، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوّل ذلك الماء دمًا، قال اللّه: {آياتٍ مفصّلاتٍ}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} حتّى بلغ: {مجرمين} قال: أرسل اللّه عليهم الماء حتّى قاموا فيه قيامًا، فدعوا موسى فدعا ربّه، فكشف عنهم، ثمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم، ثمّ أنبتت أرضهم. ثمّ أرسل اللّه عليهم الجراد، فأكل عامّة حروثهم وثمارهم، ثمّ دعوا موسى فدعا ربّه فكشف عنهم. ثمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم، فأرسل اللّه عليهم القمّل، هذا الدّبى الّذي رأيتم، فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم، فلحسه. فدعوا موسى، فدعا ربّه، فكشفه عنهم، تمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم. ثمّ أرسل اللّه عليهم الضّفادع، حتّى ملأت بيوتهم وأفنيتهم، فدعوا موسى، فدعا ربّه فكشف عنهم. ثمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم، فأرسل اللّه عليهم الدّم، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلاّ دمًا أحمر، حتّى لقد ذكر أنّ عدوّ اللّه فرعون كان يجمع بين الرّجلين على الإناء الواحد، القبطيّ والإسرائيليّ، فيكون ممّا يلي الإسرائيليّ ماءً، وممّا يلي القبطيّ دمًا. فدعوا موسى، فدعا ربّه، فكشفه عنهم في تسع آياتٍ: السّنين، ونقصٍ من الثّمرات، وأراهم يد موسى عليه السّلام وعصاه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} وهو المطر حتّى خافوا الهلاك، فأتوا موسى، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا المطر، فإنّا نؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم المطر، فأنبت اللّه به حرثهم، وأخصب به بلادهم، فقالوا: ما نحبّ أنّا لم نمطر بترك ديننا، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم الجراد، فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا الجراد، فإنّا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الجراد. وكان قد بقي من زروعهم ومعاشهم بقايا، فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم القمّل، وهو الدّبى، فتتبّع ما كان ترك الجراد، فجزعوا وأحسّوا بالهلاك، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الدّبى، فإنّا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الدّبى، فقالوا: ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل. فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فملأ بيوتهم منها، ولقوا منها أذًى شديدًا لم يلقوا مثله فيما كان قبله، إنّها كانت تثب في قدورهم، فتفسد عليهم طعامهم، وتطفئ نيرانهم، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا الضّفادع، فقد لقينا منها بلاءً وأذًى، فإنّا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الضّفادع، فقالوا: لا نؤمن لك، ولا نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل اللّه عليهم الدّم، فجعلوا لا يأكلون إلاّ الدّم، ولا يشربون إلاّ الدّم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا الدّم، فإنّا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم الدّم، فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فكانت آياتٍ مفصّلاتٍ بعضها على إثر بعضٍ، ليكون للّه عليهم الحجّة، فأخذهم اللّه بذنوبهم، فأغرقهم في اليمّ.
- حدّثني عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أرسل على قوم فرعون الآيات: الجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم {آياتٍ مفصّلاتٍ} قال: فكان الرّجل من بني إسرائيل يركب مع الرّجل من قوم فرعون في السّفينة، فيغترف الإسرائيليّ ماءً، ويغترف الفرعونيّ دمًا. قال: وكان الرّجل من قوم فرعون ينام في جانبٍ، فيكثر عليه القمّل والضّفادع حتّى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الآخر. فلم يزالوا كذلك، حتّى أوحى اللّه إلى موسى: {أن أسر بعبادي إنّكم متّبعون}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أتى موسى فرعون بالرّسالة أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل، فاستكبر، قال: لن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم الطّوفان، وهو الماء، أمطر عليهم السّماء حتّى كادوا يهلكون وامتنع منهم كلّ شيءٍ، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا هذا لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فدعا اللّه فكشف عنهم المطر، فأنبت اللّه لهم حروثهم، وأحيا بذلك المطر كلّ شيءٍ من بلادهم، فقالوا: واللّه ما نحبّ أنّا لم نكن أمطرنا هذا المطر، ولقد كان خيرًا لنا، فلن نرسل معك بني إسرائيل، ولن نؤمن لك يا موسى. فبعث اللّه عليهم الجراد، فأكل عامّة حروثهم، فأسرع الجراد في فسادها، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الجراد، فإنّا مؤمنون لك، ومرسلون معك بني إسرائيل، فكشف اللّه عنهم الجراد، وكان الجراد قد أبقى لهم من حروثهم بقيّةً، فقالوا: قد بقي لنا من حروثنا ما كان كافينا، فما نحن بتاركي ديننا، ولن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم القمّل، والقمّل: الدّبى، وهو الجراد الّذي ليست له أجنحةٌ، فتتبّع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكلّ نباتٍ كان لهم، فكان القمّل أشدّ عليهم من الجراد. فلم يستطيعوا للقمّل حيلةً، وجزعوا من ذلك وأتوا موسى، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا القمّل، فإنّه لم يبق لنا شيئًا، قد أكل ما بقي من حروثنا، ولئن كشفت عنّا القمّل لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فكشف اللّه عنهم القمّل فنكثوا، وقالوا: لن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فامتلأت منها البيوت، فلم يبق لهم طعامٌ ولا شرابٌ إلاّ وفيه الضّفادع، فلقوا منها شيئًا لم يلقوه فيما مضى، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، قال: فكشف اللّه عنهم فلم يفعلوا، فأنزل اللّه: {فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجلٍ هم بالغوه إذا هم ينكثون} إلى {وكانوا عنها غافلين}.
- حدّثنا محمد بن حميدٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا الحسن بن واقدٍ، عن زيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت الضّفادع برّيّةً، فلمّا أرسلها اللّه على آل فرعون سمعت وأطاعت، فجعلت تغرق أنفسها في القدور وهي تغلي، وفي التّنانير وهي تفور، فأثابها اللّه بحسن طاعتها برد الماء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فرجع عدوّ اللّه، يعني فرعون، حين آمنت السّحرة مغلوبًا مفلولاً، ثمّ أبى إلاّ الإقامة على الكفر والتّمادي في الشّرّ، فتابع اللّه عليه بالآيات، وأخذه بالسّنين، فأرسل عليه الطّوفان، ثمّ الجراد، ثمّ القمّل، ثمّ الضّفادع، ثمّ الدّم {آياتٍ مفصّلاتٍ}، فأرسل الطّوفان، وهو الماء، ففاض على وجه الأرض، ثمّ ركد، لا يقدرون على أن يحرثوا، ولا يعملوا شيئًا، حتّى جهدوا جوعًا فلمّا بلغهم ذلك، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فدعا موسى ربّه، فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الجراد، فأكل الشّجر فيما بلغني، حتّى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتّى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربّه، فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا: فأرسل اللّه عليهم القمّل، فذكر لي أنّ موسى أمر أن يمشي إلى كثيبٍ حتّى يضربه بعصاه، فمضى إلى كثيبٍ أهيلٍ عظيمٍ، فضربه بها، فانثال عليهم قمّلاً حتّى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النّوم والقرار فلمّا جهدهم قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربّه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحدٌ ثوبًا ولا طعامًا ولا إناءً إلاّ وجد فيه الضّفادع قد غلبت عليه. فلمّا جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربّه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الدّم، فصارت مياه آل فرعون دمًا، لا يستقون من بئرٍ ولا نهرٍ، ولا يغترفون من إناءٍ إلاّ عاد دمًا عبيطًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، أنّه حدّث: أنّ المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش، فتقول: اسقيني من مائك، فتغرف لها من جرّتها، أو تصبّ لها من قربتها، فيعود في الإناء دمًا، حتّى إن كانت لتقول لها: اجعليه في فيك ثمّ مجّيه في فيّ، فتأخذ في فيها ماءً، فإذا مجّته في فيها صار دمًا، فمكثوا في ذلك سبعة أيّامٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: الجراد يأكل زروعهم ونباتهم، والضّفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم، والدّم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا شبلٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: لمّا سال النّيل دمًا، فكان الإسرائيليّ يستقي ماءً طيّبًا، ويستقي الفرعونيّ دمًا ويشتركان في إناءٍ واحدٍ، فيكون ما يلي الإسرائيليّ ماءً طيّبًا وما يلي الفرعونيّ دمًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ: أنّ موسى، لمّا عالج فرعون بالآيات الأربع: العصا، واليد، ونقصٍ من الثّمرات، والسّنين، قال: يا ربّ إنّ عبدك هذا قد علا في الأرض، وعتا في الأرض، وبغى عليّ، وعلا عليك، وعالى بقومه، ربّ خذ عبدك بعقوبةٍ تجعلها له ولقومه نقمةً، وتجعلها لقومي عظةً ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فبعث اللّه عليهم الطّوفان، وهو الماء، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكةٌ مختلطةٌ بعضها في بعضٍ، فامتلأت بيوت القبط ماءً، حتّى قاموا في الماء إلى تراقيهم، من حبس منهم غرق، ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرةٌ، فجعلت القبط تنادي: موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك، لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، قال: فواثقوا موسى ميثاقًا أخذ عليهم به عهودهم، وكان الماء أخذهم يوم السّبت، فأقام عليهم سبعة أيّامٍ إلى السّبت الآخر، فدعا موسى ربّه، فرفع عنهم الماء، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء، فأقاموا شهرًا في عافيةٍ، ثمّ جحدوا وقالوا: ما كان هذا الماء إلاّ نعمةً علينا وخصبًا لبلادنا، ما نحبّ أنّه لم يكن قال: وقد قال قائلٌ لابن عبّاسٍ: إنّي سألت ابن عمر عن الطّوفان، فقال: ما أدري موتًا كان أو ماءً. فقال ابن عبّاسٍ: أما يقرأ ابن عمر سورة العنكبوت حين ذكر اللّه قوم نوحٍ فقال: {فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون} أرأيت لو ماتوا إلى من جاء موسى عليه السّلام بالآيات الأربع بعد الطّوفان؟ قال: فقال موسى: يا ربّ إنّ عبادك قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدي، ربّ خذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم نقمةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدهم آيةً في الأمم الباقية، قال: فبعث اللّه عليهم الجراد فلم يدع لهم ورقةً ولا شجرةً ولا زهرةً ولا ثمرةً إلاّ أكلها، حتّى لم يبق جنًى. حتّى إذا أفنى الخضر كلّها أكل الخشب، حتّى أكل الأبواب، وسقوف البيوت وابتلي الجراد بالجوع، فجعل لا يشبع، غير أنّه لا يدخل بيوت بني إسرائيل. فعجّوا وصاحوا إلى موسى، فقالوا: يا موسى هذه المرّة ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز، لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فأعطوه عهد اللّه وميثاقه، فدعا لهم ربّه، فكشف اللّه عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيّامٍ، من السّبت إلى السّبت. ثمّ أقاموا شهرًا في عافيةٍ، ثمّ عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم، ولأعمالهم أعمال السّوء، قال: فقال موسى: يا ربّ عبادك قد نقضوا عهدي وأخلفوا موعدي، فخذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم نقمةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فأرسل اللّه عليهم القمّل قال أبو بكرٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ والحسن يقولان: كان إلى جنبهم كثيبٌ أعفر بقريةٍ من قرى مصر تدعى عين شمسٍ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب، فضربه بعصاه ضربةً صار قمّلاً تدبّ إليهم، وهي دوابّ سودٌ صغارٌ، فدبّ إليهم القمّل، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم، ولزم جلودهم، كأنّه الجدريّ عليهم، فصرخوا وصاحوا إلى موسى: إنّا نتوب ولا نعود، فادع لنا ربّك، فدعا ربّه فرفع عنهم القمّل بعد ما أقام عليهم سبعة أيّامٍ من السّبت إلى السّبت، فأقاموا شهرًا في عافيةٍ، ثمّ عادوا وقالوا: ما كنّا قطّ أحقّ أن نستيقن أنّه ساحرٌ منّا اليوم، جعل الرّمل دوابّ، وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدًا ولا نتّبعه، فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم، فدعا موسى عليهم، فقال: يا ربّ إنّ عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم نقمةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فكان أحدهم يضطجع، فتركبه الضّفادع، فتكون عليه ركامًا، حتّى ما يستطيع أن ينصرف إلى الشّقّ الآخر، ويفتح فاه لأكلته، فيسبق الضّفدع أكلته إلى فيه، ولا يعجن عجينًا إلاّ تسدّخت فيه، ولا يطبخ قدرًا إلاّ امتلأت ضفادع. فعذّبوا بها أشدّ العذاب، فشكوا إلى موسى عليه السّلام، وقالوا: هذه المرّة نتوب ولا نعود. فأخذ عهدهم وميثاقهم، ثمّ دعا ربّه، فكشف اللّه عنهم الضّفادع بعد ما أقام عليهم سبعًا من السّبت إلى السّبت، فأقاموا شهرًا في عافيةٍ ثمّ عادوا لتكذيبهم وإنكارهم، وقالوا: قد تبيّن لكم سحره، ويجعل التّراب دوابّ، ويجيء بالضّفادع في غير ماءٍ، فآذوا موسى عليه السّلام، فقال موسى: يا ربّ إنّ عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم عقوبةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فابتلاهم اللّه بالدّم، فأفسد عليهم معايشهم، فكان الإسرائيليّ والقبطيّ يأتيان النّيل فيستقيان، فيخرج للإسرائيليّ ماءً، ويخرج للقبطيّ دمًا، ويقومان إلى الجبّ فيه الماء، فيخرج للإسرائيليّ في إنائه ماءً، وللقبطيّ دمًا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا ابن سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، في قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} قال: الموت والجراد. قال: الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم، والقمّل هو الدّبى، سلّطه اللّه عليهم بعد الجراد. قال: والضّفادع تسقط في أطعمتهم الّتي في بيوتهم وفي أشربتهم.
وقال بعضهم: الدّم الّذي أرسله اللّه عليهم كان رعافًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أحمد بن خالدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: قال زيد بن أسلم: أما {القمّل}؛ فالقمل وأمّا {الدّم}: فسلّط عليهم الرّعاف.
وأمّا قوله: {آياتٍ مفصّلاتٍ} فإنّ معناه: علاماتٌ ودلالاتٌ على صحّة نبوّة موسى، وحقّيّة ما دعاهم إليه مفصّلاتٌ، قد فصل بينها، فجعل بعضها يتلو بعضها، وبعضها في إثر بعضٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: فكانت آياتٍ مفصّلاتٍ بعضها في إثر بعضٍ؛ ليكون للّه الحجّة عليهم، فأخذهم اللّه بذنوبهم فأغرقهم في اليمّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {آياتٍ مفصّلاتٍ} قال: يتبع بعضها بعضًا ليكون للّه الحجّة عليهم، فينتقم منهم بعد ذلك. وكانت الآية تمكث فيهم من السّبت إلى السّبت، وترتفع عنهم شهرًا، قال اللّه عزّ وجلّ: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: {آياتٍ مفصّلاتٍ} أي: آيةٌ بعد آيةٍ يتبع بعضها بعضًا.
وكان مجاهدٌ يقول فيما ذكر عنه في معنى المفصّلات، ما:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في: {آياتٍ مفصّلاتٍ}، قال: معلوماتٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: {فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين}.
يقول تعالى ذكره: فاستكبر هؤلاء الّذين أرسل اللّه عليهم ما ذكر في هذه الآيات من الآيات والحجج عن الإيمان باللّه، وتصديق رسوله موسى -صلّى اللّه عليه وسلّم-، واتّباعه على ما دعاهم إليه، وتعظّموا على اللّه وعتوا عليه {وكانوا قومًا مجرمين} يقول: كانوا قومًا يعملون بما يكرهه اللّه من المعاصي والفسق عتوًّا وتمرّدًا). [جامع البيان: 10/ 378-398]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مفصّلاتٍ فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين (133)}
قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم}
- حدثنا أبي، ثنا عبد العزيز ابن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك فأرسلنا عليهم الطّوفان قال: أمطر اللّه عليهم السّماء حتّى امتنع عنهم كل شيء.
- قوله تعالى: {الطوفان}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن الأصبهانيّ، أنبأ يحيى بن يمانٍ، عن المنهال ابن خليفة، عن الحجّاج، عن الحكم بن مينا، عن عائشة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
الطّوفان: الموت.
- وحدّثنا أبي، ثنا الحمّانيّ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن المنهال ابن خليفة، عن عطاءٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الطّوفان: الموت.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: فأرسلنا عليهم الطّوفان قال: مطروا باللّيل والنّهار ثمانية أيّامٍ، وروي، عن أبي مالكٍ، والضّحّاك، وقتادة أنّه الماء، وروي عن سعيد بن جبيرٍ. والسّدّيّ قالا: المطر.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، ثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: الطّوفان أمرٌ من أمر ربّك، ثمّ قرأ: فطاف عليها طائفٌ من ربك
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قال: الغرق.
والوجه الخامس:
- ذكر، عن أبي عاصمٍ، عن عيسى بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {الطّوفان} الماء والطّاعون.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} وهو المطر حتّى خافوا الهلاك فأتوا موسى قالوا يا موسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا المطر فإنّا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم المطر، فأنبت اللّه حرثهم، وأخصبت بلادهم، فقالوا: ما نحبّ أنّا لم نمطر فلن نترك آلهتنا، ولن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه -عزّ وجلّ- عليهم الجراد.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن وهب بن عطيّة الدّمشقيّ، ثنا الهيثم ابن عمران العبسيّ قال: سمعت إسماعيل بن عبيد اللّه يقول: كان الطّوفان الّذي أصاب النّاس في نيسان.
- قوله تعالى: {والجراد}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {والجراد} قال: فأرسل اللّه عليهم الجراد فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم، قالوا يا موسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا الجراد، فإنّا سنؤمن لك: ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم الجراد، وكان قد بقي لهم من زرعهم ومعايشهم بقايا، فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا المطر فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف اللّه عنهم المطر، قال: فأنبت اللّه لهم في تلك السّنّة شيئًا لم ينبته قبل ذلك من الزّرع، والكلأ والثّمر، فقالوا: هذا ما كنّا نتمنّى فأرسل اللّه عليهم الجراد فسلّطه.
على الكلإ فلمّا رأوا أثره في الكلأ، عرفوا أنّه لا يبقي الزّرع، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الجراد، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الجراد، فداسوا فأحرزوا في البيوت فقالوا: قد أحرزنا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} والجراد قال: والجراد تأكل مسامير زنجهم يعني أبوابهم وثيابهم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ بن معاذٍ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك قوله: {والجراد} فأرسل اللّه عليهم الجراد الّذي لا أجنحة له فتتبّع ما بقي من حروفهم وشجرهم، وسائر نباتهم.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى، ثنا سفيان، عن أبي خالدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الجراد: نثرةٌ من حوتٍ في البحر.
- قوله تعالى: {والقمل}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الوارث، ثنا عامرٌ الأحول، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قول اللّه: {والقمّل} قال: هو الدّبا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {والقمّل} قال: الجراد الذّي ليس له أجنحةٌ وهو الدّبى وروي عن الضّحّاك، وقتادة، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: فأرسل اللّه عليهم القمّل: وهو هذا السّوس الّذي يخرج من الحنطة، فكان الرّجل يخرج بالحنطة عشرة أجربةٍ إلى الرّحى فلا يردّ منها بثلاثة أقفزةٍ قالوا يا موسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا القمّل، فنرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربك، فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الوارث، ثنا عامرٌ الأحول قال وقال الحسن: هو القمّل يعني قول: القمّل وروي، عن زيد بن أسلم مثل ذلك.
والوجه الرابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ثنا مفضّلٌ، حدّثني أبو صخرٍ أنّه قال: القمّل: الجراد الّذي يطير.
وروي، عن عكرمة أنّه قال: القمّل بنات الجراد.
الوجه الخامس:
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، ثنا الفريابيّ، ثنا قيس بن الرّبيع، عن سعيد بن مسروقٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ قال: القمّل: الجعلان.
والوجه السّادس:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج، قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قول اللّه: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع} قال: زعم بعض النّاس في القمّل أنّها البراغيث.
- قوله تعالى: {الضّفادع}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فبينا موسى عليه السّلام جالسٌ عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدعٍ من نهرٍ قال: فقال يا فرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا الضّفدع؟ قال: وما عسى أن يكون عند هذا الضّفدع. فما أمسوا حتّى كان الرّجل يجلس إلى ذقنه في الضّفادع وما منهم من أحدٍ يتكلّم إلا وثب ضفدعٌ في فيه، وما من آنيتهم من شيءٍ إلا وهي ممتلئةٌ من الضّفادع فقال فرعون: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذه الضّفادع فنؤمن بك، ونرسل معك بني إسرائيل، قال: فدعا ربه فكشف عنهم الضّفادع.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن عمران بن عليٍّ الأسديّ، ثنا أبو داود، ثنا زمعة بن صالحٍ، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لم يكن شيءٌ أشدّ على آل فرعون من الضّفادع كانت تأتي القدور وهي تغلي من اللّحمان فتلقي أنفسها فيها فأشابها اللّه برد الماء والثّرى إلى يوم القيامة.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة حدّثني عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت الضّفادع برّيّةٌ فلمّا أرسلها اللّه على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي وفي التنانير وهي نفورٌ فأثابها اللّه -عزّ وجلّ- بحسن طاعتها برد الماء.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، ثنا النّضر أنبأ إسرائيل أنبأ جابر بن زيدٍ، عن عكرمة قال: قال عبد اللّه بن عمرٍو: لا تقتلوا الضّفادع فإنّها لمّا أرسلت على بني إسرائيل. انطلق ضفدعٌ منها فوقع في تنّورٍ فيه نارٌ طلبت بذلك مرضاة اللّه فأبدلهنّ اللّه أبرد شيءٍ تعلمه الماء وجعل نقيقهن التسبيح.
- قوله تعالى: {والدم}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ فأرسل اللّه عليهم الدّم فصارت أنهارهم دمًا، وصارت آبارهم دمًا، فشكوا ذلك إلى فرعون وما يجدون من عظم الدّم فقال: ويحكم قد سحركم، فقالوا: وليس نجد من مائنا شيئًا في إناءٍ ولا بئرٍ ولا نهرٍ إلا ونجد فيه طعم الدّم العبيط، قال: فرعون: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الدّم، فكشف عنهم فلم يفوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: سال النّيل دمًا فكان الإسرائيليّ يستقي ماءً طيّبًا ويستقي الفرعونيّ دمًا ويشتركان في إناءٍ واحدٍ فيكون ما يلي الإسرائيليّ ماءً طيّبًا وما يلي الفرعونيّ دمًا
- وحدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة قال: ثمّ أرسل عليهم الدّم فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوّل ذلك الماء دمًا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن خلادٍ الخلال، ثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، ثنا زهير بن محمّدٍ قال: قال زيد بن أسلم: وأمّا الدّم فسلّط اللّه عليهم الرّعاف.
قوله تعالى: {آياتٍ}
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ الغدانيّ، أنبأ إسرائيل، عن سماكٍ، عن نوف الشّاميّ قال: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلبت السّحرة عشرين سنةً يريهم الآيات الجراد، والقمّل والضّفادع والدّم فيأبوا، يعني: أن يسلموا.
- قوله تعالى: {مفصّلاتٍ}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: وكانت آياتٌ مفصّلاتٌ بعضها على أثر بعضٍ لتكون للّه الحجّة عليهم، فأخذهم اللّه بذنوبهم فأغرقهم اللّه في اليمّ.
- قوله تعالى: {فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين}؛
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: فلمّا أتى موسى فرعون بالرّسالة فاستكبروا قال: لن أرسل معك بني إسرائيل). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1544-1549]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الطوفان قال: {الطوفان} الموت على كل حال والجراد تأكل مسامير أبوابهم وثيابهم والقمل الدبى والضفادع تسقط على فرشهم وفي طعامهم والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم).[تفسير مجاهد: 244-245]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن عليٍّ الصّنعانيّ، بمكّة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبّادٍ، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: لمّا مرّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالحٍ فكانت يعني النّاقة ترد من هذا الفجّ، وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم، فعقروها، فأخذتهم الصّيحة، فأهمد اللّه من تحت السّماء منهم إلّا رجلًا واحدًا، كان في حرم اللّه» قيل: من هو؟ قال: «أبو رغالٍ، فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/ 351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطوفان: الموت.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء قال: {الطوفان}: الموت.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال: {الطوفان}: الموت على كل حال.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: {الطوفان}: الغرق.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: {الطوفان} أن يمطروا دائما بالليل والنهار ثمانية أيام والقمل الجراد الذي ليس له أجنحة
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {الطوفان} أمر من أمر ربك ثم قرأ {فطاف عليها طائف من ربك} القلم الآية 19.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أرسل الله على قوم فرعون الطوفان - وهو المطر - فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والكلأ فقالوا: هذا ما كنا نتمنى فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه عليهم فلما رأوه عرفوا أنه لا يبقي الزرع قالوا، مثل ذلك فدعا ربه فكشف عنهم الجراد فداسوه وأحرزوه في البيوت فقالوا: قد أحرزنا فأرسل الله عليهم القمل: وهو السوس الذي يخرج من الحنطة فكان الرجل يخرج بالحنطة عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها بثلاثة أقفزة فقالوا مثل ذلك فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل فبينا موسى عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع من نهر فقال: يا فرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا الضفدع فقال: وما عسى أن يكون عند هذا الضفدع فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع وما منهم من أحد يتكلم إلا وثب ضفدع في فيه وما من شيء من آنيتهم إلا وهي ممتلئة من الضفادع، فقالوا مثل ذلك فكشف عنهم فلم يفوا فأرسل الله عليهم الدم فصارت أنهارهم دما وصارت آبارهم دما فشكوا إلى فرعون ذلك فقال: ويحكم قد سحركم فقالوا: ليس نجد من مائنا شيئا في إناء ولا بئر ولا نهر إلا ونجده طعم الدم العبيط فقال فرعون: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنهم الدم فلم يفوا.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فأرسلنا عليهم الطوفان} وهو المطر حتى خافوا الهلاك فأتوا موسى فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر فإنا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم المطر فأنبت الله به حرثهم وأخصبت بلادهم فقالوا: ما نحب أنا لم نمطر ولن نترك إلهنا ونؤمن بك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم الجراد فأسرع في فساد زروعهم وثمارهم قالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد وكان قد بقي من زرعهم ومعائشهم بقايا فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم القمل وهو الدبا فتتبع ما كان ترك الجراد فجزعوا وخشوا الهلاك فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبا فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الدبا فقالوا: ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم الضفادع فملأ بيوتهم منها ولقوا منها أذى شديدا لم يلقوا مثله فيما كان قبله كانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفئ نيرانهم قالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع فقد لقينا منها بلاء وأذى فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الضفادع فقالوا: لا نؤمن لك ولا نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم الدم فجعلوا لا يأكلون إلا الدم ولا يشربون إلا الدم قالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الدم فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل. فكانت آيات مفصلات بعضها أثر بعض لتكون لله الحجة عليهم فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فأرسلنا عليهم الطوفان} قال: الماء والطاعون والجراد، قال: تأكل مسامير رتجهم: يعني أبوابهم وثيابهم والقمل الدبا والضفادع تسقط على فرشهم وفي أطعمتهم والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال: بلغني أن الجراد لما سلط على بني إسرائيل أكل أبوابهم حتى أكل مساميرهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الجراد نترة من حوت في البحر.
- وأخرج العقيلي في كتاب الضعفاء وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الجراد فقال: «إن مريم سألت الله أن يطعمها لحما لا دم فيه فأطعمها الجراد
».
- وأخرج الطبراني والبيهقي في "سننه" عن أبي أمامة الباهلي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إن مريم بنت عمران سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه فأطعمها الجراد فقالت: اللهم اعشه بغير رضاع» وتابع: بينه بغير شياع - يعني الصون - قال الذهبي: إسناده أنظف من الأول.
- وأخرج البيهقي في "سننه" عن زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: إن نبيا من الأنبياء سأل الله لحم طير لا ذكاة له فرزقه الله الحيتان والجراد.
- وأخرج أبو داود، وابن ماجة وأبو الشيخ في العظمة والطبراني، وابن مردويه والبيهقي عن سلمان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال:
«أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه».
- وأخرج أبو بكر البرقي في معرفة الصحابة والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي زهير النميري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا تقاتلوا الجراد فإنه جند من جند الله الأعظم» قال البيهقي: هذا إن صح أراد به إذا لم يتعرض لإفساد المزارع فإذا تعرض له جاز دفعه بما يقع به الدفع من القتال والقتل أو أراد به تعذر مقاومته بالقتال والقتل.
- وأخرج البيهقي من طريق الفضيل بن عياض عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال: وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ألا نقتلها يا رسول الله فقال من قتل جرادة فكأنما قتل غوريا قال البيهقي: هذا ضعيف بجهالة بعض رواته وانقطاع ما بين إبراهيم، وابن مسعود.
- وأخرج الحاكم في تاريخه والبيهقي بسند فيه مجهول عن ابن عمر قال: وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتملها فإذا مكتوب في جناحها بالعبرانية: لا يعني جنيني ولا يشبع آكلي نحن جند الله الأكبر لنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا بما فيها، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها وأمت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم إنك سميع الدعاء فجاءه جبريل فقال: إنه قد استجيب لك في بعض» قال البيهقي: هذا حديث منكر.
- وأخرج الطبراني وإسمعيل بن عبد الغافر الفارسي في الأربعين والبيهقي عن الحسين بن علي قال: كنا على مائدة أنا وأخي محمد بن الحنيفة وبنى عمي عبد الله بن عباس وقثم والفضل فوقعت جرادة فأخذها عبد الله بن عباس فقال للحسين: تعلم ما مكتوب على جناح الجرادة فقال: سألت أبي فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:
«على جناح الجرادة مكتوب إني أنا الله لا إله إلا أنا رب الجرادة ورازقها إذا شئت بعثتها رزقا لقوم وإن شئت على قوم بلاء، فقال ابن عباس: هذا والله من مكنون العلم»
- وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس: مكتوب على الجرادة بالسريانية: إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي الجراد جند من جندي أسلطه على من أشاء من عبادي.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن المسيب قال: لما خلق الله آدم فضل من طينته شيء فخلق منه الجراد.
- وأخرج عن سعيد بن أبي الحسن، مثله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: {الطوفان} المطر، {والجراد} هذا الجراد، {والقمل} الدابة التي تكون في الحنطة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال: القمل الجراد الذي لا يطير.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: {القمل}: هو القمل
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال: زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت قال: {القمل}: الجعلان.
- وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {والقمل والضفادع} قال: القمل الدبا. والضفادع: هي هذه. قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:
يبادرون النحل من أنها ....... كأنهم في الشرف القمل.
- وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: {القمل}: الجنادب بنات الجراد.
- وأخرج أبو الشيخ عن عفيف عن رجل من أهل الشام قال: {القمل}: البراغيث.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت الضفادع برية فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي وفي التنانير وهي تفور فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لم يكن شيء أشد على آل فرعون من الضفادع كانت تأتي القدور وهي تغلي فتلقي أنفسها فيها فأورثها الله برد الماء والثرى إلى يوم القيامة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: لا تقتلوا الضفادع فإنها لما أرسلت على آل فرعون انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار طلبت بذلك مرضاة الله فأبدلهن الله أبرد شيء نعلمه الماء وجعل نعيقهن التسبيح.
- وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي. أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: سالت النيل دما فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيبا ويستقي الفرعوني دما ويشتركان في إناء واحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: أرسل الله عليهم الدم فكانوا لا يغترفون من مائهم إلا دما أحمر حتى لقد ذكر لنا أن فرعون كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد القبطي والإسرائيلي فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء وما يلي القبطي دما.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {والدم} قال: سلط الله عليهم الرعاف.
- وأخرج احمد في الزهد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف الشامي قال: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات الجراد والقمل والضفادع والدم فيأبون أن يسلموا.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات الجراد والقمل والضفادع.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {آيات مفصلات}، قال: كانت آيات مفصلات بعضها على أثر بعض ليكون لله الحجة عليهم.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {آيات مفصلات} قال: يتبع بعضها بعضا تمكث فيهم سبتا إلى سبت ثم ترفع عنهم شهرا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان بين كل آيتين من هذه الآيات ثلاثون يوما.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: كانت الآيات التسع في تسع سنين في كل سنة آية). [الدر المنثور: 6/ 508-519]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:16 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}


فسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين...}
أخذهم بالسنين: القحط والجدوبة عاما بعد عام). [معاني القرآن: 1/ 392]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} مجازه ابتليناهم بالجدوب في آل فرعون أهل دين فرعون وقومه). [مجاز القرآن: 1/ 225]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} فإنهم يقولون: هذه سنون بالكسر، وسنون بالرفع؛ مثل قولهم: قلوب وقلون، في جمع قلة وثبة.
[وزاد محمد بن صالح في روايته]:
قيس وأهل الحجاز يقولون: هي السنون، فيجعلونها بالواو في الرفع، وبالياء في الخفض والنصب، على: هجاين، وتميم تقول: هي السنين.
وأنشدني يونس:
أرى مر السنين أخذن مني = كما أخذ السرار من الهلال
[معاني القرآن لقطرب: 595]
فإذا ألقت بنو تميم الألف واللام لم يجروا "سنين"، فقالوا: قد مضت له سنين كثيرة، وأقمت عنده بضع سنين.
وأما بنو عامر فإنهم يجرونها في الرفع والنصب والخفض؛ فيقولون: أقمت عنده سنينًا كثيرة.
أنشدني يونس:
متى تنج حبوا من سنين ملحة = تثمر لأخرى تنزل الأعصم الفردا
ذراني من نجد فإن سنينه = لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا
وأنشدني الثقة:
سنيني كلها قاسيت حربا = أعد مع الصلادمة الذكور
وأنشدني يونس:
ألم نسق الحجيج سلي معدا = سنينا ما تعد لها حسابا
وقالوا: سنة للواحد من السنين؛ وهي السنة الجدب؛ يقال: أصابتهم سنة، وقد أسنت القوم إسناتًا، للسنة الجدب). [معاني القرآن لقطرب: 596]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أخذنا آل فرعون بالسنين}: بالجدوب يقال: أصابتهم سنة إذا أصابهم جدب). [غريب القرآن وتفسيره: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أخذنا آل فرعون بالسّنين} بالجدب. يقال: أصابت الناس سنة: أي جدب). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقص من الثّمرات لعلّهم يذّكّرون}
السنين في كلام العرب الجدوب، يقال مستهم السّنة، ومعناه جدب السنة وشدّة السنة ونقص الثمرات.
{لعلّهم يذّكّرون}.
إنما أخذوا بالضراء لأن أحوال الشدة ترق القلوب وترغب فيما عند اللّه وفي الرجوع إليه، ألا ترى إلى قوله جلّ وعزّ:{وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلّا إيّاه}، وقال جل وعز: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّرّ فذو دعاء عريض}). [معاني القرآن: 2/ 368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين}
قال مجاهد: أي بالجوائح.
وهذا معروف في اللغة أن يقال أصابتهم سنة أي جدب، وتقديره سنة جدب ثم حذف.
ثم قال جل وعز: {ونقص من الثمرات}
قال مجاهد: أي دون ذلك.
ثم قال جل وعز: {لعلهم يذكرون} أي يعتبرون بما أصابهم). [معاني القرآن: 3/ 66-67]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بِالسِّنِينَ} أي بالجدب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بالسِّنِينَ}: بالحرث،
{آلَ فِرْعَونَ}: قومه). [العمدة في غريب القرآن: 136-137]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه...}
والحسنة ها هنا الخفض.
وقوله: {لنا هذه} يقولون: نستحقّها {وإن تصبهم سيّئةٌ} يعني الجدوبة (يّطّيروا) يتشاءموا (بموسى) كما تشاءمت اليهود بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا: غلت أسعارنا وقلّت أمطارنا مذ أتانا). [معاني القرآن: 1/ 392]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ألا إنّما طائرهم عند الله} مجازه: إنما طائرهم، وتزاد ألا للتنبيه والتوكيد، ومجاز طائرهم: حظهم ونصيبهم). [مجاز القرآن: 1/ 226]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي جعفر ونافع وشيبة {يطيروا}.
وأبي "يتطيروا"؛ و{يطيروا} إدغامها وهي قراءة سائر القراء، بالإدغام). [معاني القرآن لقطرب: 572]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ألا إنما طائرهم عند الله} فكان أبو عمرو بن العلاء يقول في {ألزمناه طائره}: أي عمله؛ وقالوا في كلامهم: طائر الله لا طائرك؛ وبعض العرب يقول: طائر الله لا طائرك، ينصبهما؛ كأنه قال: أسأل طائر الله، وأريد طائر الله.
والمصدر من الطائر: الطيرة والطير والطيرورة؛ وقالوا: فيه طيرة: من الحدة، بالفتح). [معاني القرآن لقطرب: 596]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإذا جاءتهم الحسنة} يعني الخصب. قالوا لنا هذه أي هذا ما كنا نعرفه وما جرينا على اعتياده.
{وإن تصبهم سيّئةٌ} أي قحط {يطّيّروا بموسى} قالوا: هذا بشؤمه.
{ألا إنّما طائرهم عند اللّه} لا عند موسى). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}.
الحسنة هاهنا: الخصب والمطر. يقول: إن أصابهم خصب وغيث قالوا: هذا من عند الله.
والسيئة: الجدب والقحط. يقول: وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك. أي بشؤمك، يقول الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
ومثل هذا قوله حكاية عن فرعون وملئه: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} يريد إذا جاءهم الخصب والمطر قالوا: هذا هو ما لم نزل نتعرّفه.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أي يتشاءمون بهم.
{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي ما تطيّروا بموسى- لمجيئه- من عند الله). [تأويل مشكل القرآن: 391](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئة يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون} أي إذا جاءهم الخصب قالوا أعطينا هذا باستحقاق.
{وإن تصبهم سيّئة}: أي جدب أو ضر.
{يطّيّروا بموسى ومن معه} المعنى: يتطيّروا. فأدغمت التاء في الطاء، لأنهما من مكان واحد من طرف اللسان وأصول الثنايا.
وتفسير قوله: {يطّيّروا}: يتشاءموا، وإنما قالت العرب الطيرة ويتطير فيما يكرهون، على ما اصطلحوا عليه بينهم، جعلوا ذلك أمرا يتشاءمون به فقال عزّ وجلّ: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} ، المعنى: ألا إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا، وقال بعضهم: " طائرهم " حظهم، والمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/ 368-369]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه}
قال مجاهد: الحسنة ههنا العافية والرخاء لنا هذه أي بحق أصابتنا.
وقال غير مجاهد: أي كذا العادة أن يصيبنا الخير.
ثم قال جل وعز: {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه}
قال مجاهد: السيئة ههنا البلاء، ومعنى يطيروا يتشاءموا.
ثم قال جل وعز: {ألا إنما طائرهم عند الله}
قال مجاهد: ألا إنما طائرهم عند الله؛ أي إنما الشؤم فيما يلحقهم يوم القيامة مما وعدوا به من الشر.
ثم قال جل وعز: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي هم غافلون عن هذا). [معاني القرآن: 3/ 67-68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ} أي الخصب.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي قحط. {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى} ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لّتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}
وقال: {وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ} لأن {مهما} من حروف المجازاة وجوابها {فما نحن}). [معاني القرآن: 2/ 15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فأرسلنا عليهم الطّوفان}: السيل العظيم. وقيل: الموت الكثير الذريع، وطوفان الليل: شدة سواده. وقال الراجز:
وعمّ طوفان الظلام الأثأبا).
[تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مهما}؛ مهما: هي بمنزلة «ما» في الجزاء. قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}، أي ما تأتنا به من آية.
وقال الخليل في مهما: هي (ما) أدخلت معها (ما) لغوا كما أدخلت مع (متى) لغوا، تقول: متى تأتني آتك، ومتى ما تأتني آتك. وكما أدخلت مع (ما) أيّ لغوا، كقوله: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي أيّا تدعوا.
قال: ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظا واحدا فيقولوا: (ما، ما) فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى.
هذا قول الخليل.
وقال سيبويه: وقد يجوز أن تكون (مه) ضم إليها (ما) ). [تأويل مشكل القرآن: 532]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}
زعم بعض النحويين أن أصل "مهما": ما تأتنا به، ولكن أبدل من الألف الأولى الهاء، ليختلف اللفظ، فما الأولى هي ما الجزاء، وما الثانية هي التي تزاد تأكيدا للجزاء، ودليل النحويين على ذلك إنّه ليس شيء من حروف الجزاء إلا و " ما ".. تزاد فيه، قال اللّه جلّ ثناؤه: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} كقولك إن تثقفهم في الحرب فشردهم.
وقوله: {وإما تعرضنّ عنهم} أيضا وهذا في كتاب الله كثير.
وقالوا: جائز أن تكون "مه" بمعنى الكف)، كما تقول مه أي أكفف.
وتكون "ما" الثانية للشرط والجزاء، كأنهم قالوا واللّه أعلم - أكفف ما تأتينا به من آية.
والتفسير الأول هو الكلام وعليه استعمال الناس.
وهذا ليس فيما فيه من التفسير شيء لأنه يخل اختلاف هذين التفسيرين بمعنى الكلام.
وقوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آيات مفصّلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين}
قال الأخفش: الطوفان جمع طوفانه.
وقيل في التفسير إن الطوفان المطر الذي يغرق من كثرته.
قال الله جلّ وعزّ في قصة نوح: {فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون}.
وقيل: الطوفان: الموت العظيم.
وقوله: {والقمّل}:
قال فيه أبو عبيدة: هو الحنمان؛ صغار القردان.
واختلف في تفسيره فقال بعضهم هي دواب أصغر من القمل.
{والدّم}:
قيل إن اللّه جلّ وعزّ: جعل ماءهم دما، فكان الإسرائيلي يستقي الماء عذبا صافيا، فإذا أخذه القبطى تحوّل دما صافيا.
وقوله: {آيات مفصّلات} أي إن بعضها منفصل من بعض، ويقال إنه كان بين الآية والآية ثمانية أيّام، وأرسلت عليهم الضفادع تدخل في ثيابهم وفي طعامهم.
و(آيات) منصوب على الحال، وهي العلامات). [معاني القرآن: 2/ 369-370]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان...}
أرسل الله عليهم السماء سبتا فلم تقلع ليلا ونهارا، فضاقت بهم الأرض من تهدّم بيوتهم وشغلهم عن ضياعهم، فسألوه أن يرفع عنهم، فرفع فلم يتوبوا، فأرسل الله عليهم (الجراد) فأكل ما أنبتت الأرض في تلك السنة. وذاك أنهم رأوا من غبّ ذلك المطر خصبا لم يروا مثله قطّ، فقالوا: إنما كان هذا رحمة لنا ولم يكن عذابا. وضاقوا بالجراد فكان قدر ذراع في الأرض، فسألوه أن يكشف عنهم ويؤمنوا، فكشف الله عنهم وبقي لهم ما يأكلون، فطغوا به وقالوا (لن نؤمن لك) فأرسل الله عليهم (القمل) وهو الدّبى الذي لا أجنحة له، فأكل كلّ ما كان أبقى الجراد، فلم يؤمنوا فأرسل الله (الضفادع) فكان أحدهم يصبح وهو على فراشه متراكب، فضاقوا بذلك، فلمّا كشف عنهم لم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم (الدم) فتحوّلت عيونهم وأنهارهم دما حتى موّتت الأبكار، فضاقوا بذلك وسألوه أن يكشفه عنهم فيؤمنوا، فلم يفعلوا، وكان العذاب يمكث عليهم سبتا، وبين العذاب إلى العذاب شهر، فذلك قوله: {آياتٍ مّفصّلاتٍ} ثم وعد الله موسى أن يغرق فرعون، فسار موسى من مصر ليلا. وبلغ ذلك فرعون فأتبعه - يقال في ألف ألف ومائة ألف سوى كتيبته التي هو فيها، ومجنّبتيه - فأدركهم هو وأصحابه مع طلوع الشمس. فضرب موسى البحر بعصاه فانفرج له فيه اثنا عشر طريقا. فلمّا خرجوا تبعه فرعون وأصحابه في طريقه، فلما كان أوّلهم يهمّ بالخروج وآخرهم في البحر أطبقه الله تبارك وتعالى عليهم فغرّقهم. ثم سأل موسى أصحابه أن يخرج فرعون ليعاينوه، فأخرج هو وأصحابه، فأخذوا من الأمتعة والسلاح ما اتخذوا به العجل). [معاني القرآن: 1/ 392-393]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الطّوفان} مجازه من السيل: البعاق والدّباش وهو دباش شديد سيله، ومن الموت الذريع المبالغ السريع.
{والقمّل} عند العرب هو الحمنان، والحمنان: ضرب من الفردان واحدتها حمنانة). [مجاز القرآن: 1/ 226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مّفصّلاتٍ فاستكبروا وكانوا قوماً مّجرمين}
وقال: {الطّوفان} فواحدتها في القياس "الطوفانة". قال الشاعر:
* غير الجدّة من آياتها خرق الرّيح وطوفان المطر *
وهي من "طاف" "يطوف"). [معاني القرآن: 2/ 15-16]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل} فالطوفان عندهم كثرة الماء والريح؛ وكان ابن عباس يقول في الطوفان: المطر تراه من السماء الليل والنهار، لا ينقطع ساعة سبتًا إلى سبت.
وحكى بعضهم: أن واحد الطوفان طوفانة.
وقا لالحسن بن عرفطة الأسدي، جاهلي:
لم يكن الحق على أن هاجه = رسم دار قد تعفى بالسرر
غير الجدة من عرفانه = خرق الريح وطوفان المطر
وقال الراعي في ذلك:
تضحي إذا العيس أدركنا نكائثها = خرقاء تعتادها الطوفان والزود
بتحريك الواو مثل الرعد.
وقال أبو النجم:
ومده طوفان غيث مددًا = شهرًا شآبيب وشهرًا بردا
و"القمل" والواحد قملة، وهي دويبة تشبه القمل، تأكل الإبل؛ وكان ابن عباس يقول: القمل: الدبا الصغار، لا أجنحة له.
وقال أمية في الطوفان:
[معاني القرآن لقطرب: 597]
عشية أرسل الطوفان يجري = وفاض الماء ليس له جراب.
وقال الأعشى:
قوم تعالج قملا أبناؤهم = وسلاسلا أجدا وبابا موصدا
وقوله {والضفادع} كان يونس يقول: الواحد ضفدعة بالكسر، وقالوا للذكر ضفدع، وللأنثى ضفدعة؛ وقد ضم بعضهم فقالوا: ضفدع للذكر، وللأنثى ضفدعة). [معاني القرآن لقطرب: 598]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({القمل}: الدبا). [غريب القرآن وتفسيره: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({آياتٍ مفصّلاتٍ} بين الآية والآية فصل ومدّة). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فأرسلنا عليهم الطوفان}
قال عطاء: {الطوفان}: الموت.
وقال مجاهد: هو الموت على كل حال.
وقال قتادة: سال عليهم الماء حتى قاموا قياما فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه ففعل.
وقال الضحاك: جاءهم من المطر شيء كثير فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه عنهم ويرسلوا معه بني إسرائيل، فدعا الله فكشفه عنهم وأمرعت البلاد وأخصبت، فعادوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فصب الله على زرعهم الجراد فأكله، فسألوا موسى فدعا الله فكشف ذلك عنهم ثم عادوا.
قال أبو جعفر: "الطوفان" في اللغة: ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم
قال مجاهد: أرسل الله عليهم الجراد فأكل مسامير أرتجتهم وثيابهم، وأرسل عليهم القمل وهو الدبى فكان يدخل في ثيابهم وفرشهم
وقال عكرمة: (القمل): الجنادب بنات الجراد.
وقال حبيب بن أبي ثابت: (القمل) الجعلان.
و(القمل) عند أهل اللغة: ضرب من القردان.
قال أبو الحسن الأعرابي العدوي: القمل دواب صغار من جنس القردان إلا أنها أصغر منه، واحدتها قملة.
وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير؛ لأنه يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وهي كلها تجتمع في أنها تؤذيهم.
قال مجاهد: كانوا يجدون الدم في ثيابهم وشرابهم وطعامهم.
ومعنى {آيات مفصلات} بعضها منفصل عن بعض بين كل واحدة منهم مدة
يروى أنه بين الآية والآية ثمانية أيام). [معاني القرآن: 3/ 68-71]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الطُّوفَانَ} السيل العظيم، وقيل: الموت الكثير.
{وَالْقُمَّلَ} الذر.
{آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} أي متفرقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْقُمَّلَ}: الصغار من الجراد). [العمدة في غريب القرآن: 137]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 05:10 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والسنة: الجدب، يقال: أصابتهم سنة إذا أصابهم جذب، ومن ذا قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}، أي بالجدب). [الكامل: 3/ 1364]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}، أي: بالجدب). [مجالس ثعلب: 270]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والسنون: الجدوب). [الأمالي: 1/ 114]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد وإذا تقارب المخرجان قولهم يطوعون في يتطوعون ويذكرون في يتذكرون ويسمعون في يتسمعون والإدغام في هذا أقوى إذ كان يكون في الانفصال والبيان فيهما
عربيٌ حسن لأنهما متحركان كما حسن ذلك في يختصمون ويهتدون وتصديق الإدغام قوله تعالى: {يطيروا بموسى} و: {يذكرون}.
فإن وقع حرفٌ مع ما هو من مخرجه أو قريبٌ من مخرجه مبتدأ أدغم وألحقوا الألف الخفيفة لأنهم لا يستطيعون أن يبتدئوا بساكن وذلك قولهم في فعل من تطوع اطوع ومن تذكر إذ ذكر دعاهم إلى إدغامه أنهما في حرفٍ وقد كان يقع الإدغام فيهما في الانفصال.
ودعاهم إلى إلحاق الألف في اذكروا واطوعوا ما دعاهم إلى إسقاطها حين حركوا الخاء في خطف والقاف في قتلوا فالألف هنا يعني في اختطف لازمةٌ ما لم يعتل الحرف كما تدخل ثمة إذا اعتل الحرف.
وتصديق ذلك قوله عز وجل: {فادارأتم فيها} يريد فتدارأتم: {وازينت} إنما هي تزينت وتقول في المصدر ازيناً وادارأً ومن ذلك قوله عز وجل: {اطيرنا بك}.
وينبغي على هذا أن تقول في تترس اترس فإن بينت فحسن البيان كحسنه فيما قبله
فإن التقت التاءان في تتكلمون وتتترسون فأنت بالخيار إن شئت أثبتهما وإن شئت حذفت إحداهما وتصديق ذلك قوله عز وجل: {تتنزل عليهم الملائكة} و: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}
وإن شئت حذفت التاء الثانية وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها} وقوله: {ولقد كنتم تمنون الموت} وكانت الثانية أولى بالحذف لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: {فادارأتم} و: {ازينت} وهي التي يفعل بها ذلك في يذكرون فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك). [الكتاب: 4/ 474-476] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) }

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو الحسن الأعرابي: العدوي القمل دواب صغار من جنس القردان، إلا أنها أصغر منها واحدتها قملة). [الغريب المصنف: 1/ 334]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ... الآية} خبر أنه أخذ آل فرعون في تلك المدة التي كان موسى يدعوهم فيها بالسنين وهو الجدوب والقحوط، وهذه سيرة الله في الأمم، وكذلك فعل بقريش والسنة في كلام العرب: القحط ومنه قول ليلى والناس مسنتون، وسنة وعضة وما جرى مجراها من الأسماء المنقوصة تجمع بالواو والنون ليس على جهة جمع السلامة لكن على جهة العوض مما نقص، وكذلك أرض توهموا فيها نقص هاء التأنيث لأنه كان حقها أن تكون أرضة، وأما حرة وأحرون فلأن التضعيف أبدا يعتل فتوهموه مثل النقص، وكسر السين من سنون وسنين وزيادة الألف في أحرين دليل على أنه ليس بجمع سلامة.
وقوله تعالى: {ونقصٍ من الثّمرات} روي أن النخلة كانت لا تحمل إلا ثمرة واحدة، وقال نحوه رجاء بن حيوة، وأراد الله عز وجل أن ينيبوا ويزدجروا عما هم عليه من الكفر، إذ أحوال الشدة ترق القلوب وترغب فيما عند الله). [المحرر الوجيز: 4/ 26]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (131) وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مفصّلاتٍ فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين (133)}
كان القصد في إصابتهم بالقحط والنقص في الثمرات أن ينيبوا ويرجعوا فإذا بهم قد ضلوا وجعلوها تشاؤما بموسى فكانوا إذا اتفق لهم اتفاق حسن في غلات ونحوها قالوا هذا لنا وبسببنا وعلى الحقيقة لنا، وإذا نالهم ضر قالوا هذا بسبب موسى وشؤمه، قاله مجاهد وغيره، وقرأ جمهور الناس بالياء وشد الطاء والياء الأخيرة «يطيّروا»، وقرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف بالتاء وتخفيف الطاء «تطيروا»، وقرأ مجاهد «تشاءموا بموسى» بالتاء من فوق وبلفظ الشؤم.
وقوله تعالى: {ألا إنّما طائرهم معناه حظهم ونصيبهم}، قاله ابن عباس: وهو مأخوذ من زجر الطير فسمي ما عند الله من القدر للإنسان طائرا لما كان الإنسان يعتقد أن كل ما يصيبه إنما هو بحسب ما يراه في الطائر، فهي لفظة مستعارة، وقرأ جمهور الناس «طائرهم»، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «طيرهم». وقال أكثرهم وجميعهم لا يعلم إما لأن القليل علم كالرجل المؤمن وآسية امرأة فرعون وإما أن يراد الجميع وتجوز في العبارة لأجل الإمكان، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله طائرهم لجميع العالم ويجيء تخصيص الأكثر على ظاهره، ويحتمل أن يريد ولكن أكثرهم ليس قريبا أن يعلم لانغمارهم في الجهل، وعلى هذا فيهم قليل معد لأن يعلم لو وفقه الله). [المحرر الوجيز: 4/ 26-27]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({ومهما} أصلها عند الخليل «ما ما» فبدلت الألف الأولى هاء، وقال سيبويه: هي «مه ما» خلطتا وهي حرف واحد، وقال غيره: معناه «مه وما» جزاء ذكره الزجّاج، وهذه الآية تتضمن طغيانهم وعتوهم وقطعهم على أنفسهم بالكفر البحت). [المحرر الوجيز: 4 /27]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطّوفان ... الآية}، قال الأخفش الطّوفان جمع طوفانة وهذه عقوبات وأنواع من العذاب بعثها الله عليهم ليزدجروا وينيبوا، والطّوفان مصدر من قولك طاف يطوف فهو عام في كل شيء يطوف إلا أن استعمال العرب له كثر في الماء والمطر الشديد، ومنه قول الشاعر: [الرمل]
غير الجدة من عرفانه ....... خرق الريح وطوفان المطر
ومنه قول أبي النجم: [الرجز]
ومد طوفان فبث مددا ....... شهرا شآبيب وشهرا بردا
وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك: إن الطّوفان في هذه الآية المطر الشديد أصابهم وتوالى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم، وقيل طم فيض النيل عليهم وروي في كيفيته قصص كثير، وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الطّوفان المراد في هذه الآية هو الموت».
وقال ابن عباس -في بعض ما روي عنه-: هو مصدر معمى عني به شيء أطافه الله بهم، والجراد معروف، قال الأخفش هو جمع جرادة للمذكر والمؤنث فإن أردت الفصل قلت رأيت جرادة ذكرا، وروي: أن الله عز وجل لما والى عليهم المطر غرقت أرضهم وامتنعوا الزراعة قالوا: يا موسى ادع في كشف هذا عنا ونحن نؤمن، فدعا فدفعه الله عنهم فأنبتت الأرض إنباتا حسنا فطغوا وقالوا ما نود أنا لم نمطر وما هذا الإحسان من الله إلينا، فبعث الله حينئذ الجراد فأكل جميع ما أنبتت الأرض، وروى ابن وهب عن مالك أنه روي أنه أكل أبوابهم وأكل الحديد والمسامير وضيق عليهم غاية التضييق وترك الله من نباتهم ما يقوم به الرمق فقالوا لموسى ادع في كشف الجراد ونحن نؤمن، فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم ورأوا أن ما أقام رمقهم قد كفاهم، فبعث الله عليهم القمل وهي الدبى صغار الجراد الذي يثب ولا يطير.
قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، وقيل هو الحمثان وهو صغار القردان وقيل هو البراغيث وقال ابن عباس القمّل السوس الذي يخرج من الحنطة، وقيل القمّل الزرع إنه حيوان صغير جدا أسود وإنه بأرض مصر حتى الآن، قال حبيب بن أبي ثابت: القمّل الجعلان.
وقرأ الحسن «القمل» بفتح القاف وسكون الميم فهي على هذا بينة القمل المعروف، وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل فضربه فانتشر كله قملا في مصر، ثم إنهم قالوا ادع في كشف هذا فدعا ورجعوا إلى طغيانهم وكفرهم، وبعث الله عليهم الضفادع فكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم وإذا هم الرجل أن يتكلم وثب الضفدع في فمه.
قال ابن جبير: كان الرجل يجلس إلى دفنه في الضفادع.
وقال ابن عباس: كانت الضفادع برية فلما أرسلت على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء.
فقالوا ادع في كشف هذا فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم وعتوهم فبعث الله عليهم الدم فرجع ماؤهم الذي يستقونه ويحصل عندهم دما، فروي أن الرجل منهم كان يستقي من البئر فإذا ارتفع إليه الدلو عاد دما، وروي أنه كان يستقي القبطي والإسرائيلي بإناء واحد فإذا خرج الماء كان الذي يلي القبطي دما والذي يلي الإسرائيلي ماء إلى نحو هذا وشبهه من العذاب بالدم المنقلب عن الماء، هذا قول جماعة المتأولين.
وقال زيد بن أسلم: إنما سلط الله عليهم الرعاف فهذا معنى قوله والدم.
وقوله تعالى: {آياتٍ مفصّلاتٍ} التفصيل أصله في الأجرام إزالة الاتصال، فهو تفريق شيئين، فإذا استعمل في المعاني فيراد أنه فرق بينها وأزيل اشتراكها وإشكالها، فيجيء من ذلك بيانها وقالت فرقة من المفسرين: مفصّلاتٍ يراد به مفرقات بالزمن، والمعنى أنه كان العذاب يرتفع ثم يبقون مدة شهر، وقيل ثمانية أيام ثم يرد الآخر، فالمراد أن هذه الأنواع من العذاب لم تجئ جملة ولا متصلة،
ثم وصفهم الله -عز وجل- بالاستكبار عن الآيات والإيمان، وأنهم كان لهم اجترام على الله تعالى وعلى عباده). [المحرر الوجيز: 4/ 27-30]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات لعلّهم يذّكّرون (130) فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (131)}
يقول تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون} أي: اختبرناهم وامتحنّاهم وابتليناهم {بالسّنين} وهي سني الجوع بسبب قلّة الزّروع {ونقصٍ من الثّمرات}.
قال مجاهدٌ: وهو دون ذلك.
وقال أبو إسحاق، عن رجاء بن حيوة: كانت النّخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة.
{لعلّهم يذّكّرون}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 460-461]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإذا جاءتهم الحسنة} أي: من الخصب والرّزق {قالوا لنا هذه} أي: هذا لنا بما نستحقّه:، {وإن تصبهم سيّئةٌ} أي: جدبٌ وقحطٌ {يطّيّروا بموسى ومن معه} أي: هذا بسببهم وما جاؤوا به.
{ألا إنّما طائرهم عند اللّه} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} يقول: مصائبهم عند اللّه، قال اللّه: {ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}
وقال ابن جريج، عن ابن عبّاسٍ قال: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} قال: إلّا من قبل اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 461]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مفصّلاتٍ فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين (133) ولمّا وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل (134) فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجلٍ هم بالغوه إذا هم ينكثون (135)}
هذا إخبارٌ من اللّه، عزّ وجلّ، عن تمرد قوم فرعون وعتوّهم، وعنادهم للحقّ وإصرارهم على الباطل في قولهم: {مهما تأتنا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} يقولون: أيّ آيةٍ جئتنا بها ودلالةً وحجّةً أقمتها، رددناها فلا نقبلها منك، ولا نؤمن بك ولا بما جئت به). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 461]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(قال اللّه تعالى: {فأرسلنا عليهم الطّوفان}
اختلفوا في معناه، فعن ابن عبّاسٍ في روايةٍ: كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزّروع والثّمار. وبه قال الضّحّاك بن مزاحم.
وقال ابن عبّاسٍ في روايةٍ أخرى: هو كثرة الموت. وكذا قال عطاءٌ.
وقال مجاهدٌ: {الطّوفان} الماء، والطّاعون على كلّ حالٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، حدّثنا يحيى بن يمان، حدّثنا المنهال بن خليفة، عن الحجّاج، عن الحكم بن ميناء، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«الطّوفان الموت ».
وكذا رواه ابن مردويه، من حديث يحيى بن يمانٍ، به وهو حديثٌ غريبٌ.
وقال ابن عبّاسٍ في روايةٍ أخرى: هو أمرٌ من اللّه طاف بهم، ثمّ قرأ: {فطاف عليها طائفٌ من ربّك وهم نائمون. فأصبحت كالصّريم} [القلم: 19، 20]
وأمّا الجراد فمعروفٌ مشهورٌ، وهو مأكولٌ؛ لما ثبت في الصّحيحين عن أبي يعفور قال: سألت عبد اللّه بن أبي أوفى عن الجراد، فقال: غزونا مع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- سبع غزواتٍ نأكل الجراد.
وروى الشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ، وابن ماجه من حديث عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«أحلّت لنا ميتتان ودمان: الحوت والجراد، والكبد والطّحال »
ورواه أبو القاسم البغويّ، عن داود بن رشيد، عن سويد بن عبد العزيز، عن أبي تمّامٍ الأيليّ، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر مرفوعًا مثله
وروى أبو داود، عن محمّد بن الفرج، عن محمّد بن الزّبرقان الأهوازيّ، عن سليمان التّيميّ، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الجراد فقال:
«أكثر جنود اللّه، لا آكله، ولا أحرّمه »
وإنّما تركه، عليه السّلام لأنّه كان يعافه، كما عافت نفسه الشّريفة أكل الضّبّ، وأذن فيه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في جزءٍ جمعه في الجراد، من حديث أبي سعيدٍ الحسن بن عليٍّ العدويّ، حدّثنا نصر بن يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا يحيى بن خالدٍ، عن ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يأكل الجراد، ولا الكلوتين، ولا الضّبّ، من غير أن يحرّمها. أمّا الجراد: فرجزٌ وعذابٌ. وأمّا الكلوتان: فلقربهما من البول. وأمّا الضّبّ فقال:
«أتخوّف أن يكون مسخًا »، ثمّ قال غريبٌ، لم أكتبه إلّا من هذا الوجه
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، يشتهيه ويحبّه، فروى عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر: أنّ عمر سئل عن الجراد فقال: ليت أنّ عندنا منه قفعة أو قفعتين نأكله
وروى ابن ماجه: حدّثنا أحمد بن منيع، عن سفيان بن عيينة، عن أبي سعدٍ سعيد بن المرزبان البقّال، سمع أنس بن مالكٍ يقول: كان أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتهادين الجراد على الأطباق
وقال أبو القاسم البغويّ: حدّثنا داود بن رشيد، حدّثنا بقيّة بن الوليد، عن نمير بن يزيد القيني حدّثني أبي، عن صديّ بن عجلان، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ مريم بنت عمران، عليها السّلام، سألت ربّها [عزّ وجلّ] أن يطعمها لحمًا لا دم له، فأطعمها الجراد، فقالت: اللّهمّ أعشه بغير رضاعٍ، وتابع بينه بغير شياعٍ » وقال نمير: "الشياع": الصّوت.
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدّثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك اليزني حدّثنا بقيّة بن الوليد، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي زهير النّميريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لا تقاتلوا الجراد، فإنّه جند اللّه الأعظم ». غريبٌ جدًّا
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، في قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد} قال: كانت تأكل مسامير أبوابهم، وتدع الخشب.
وروى ابن عساكر من حديث عليّ بن زيدٍ الخرائطيّ، عن محمّد بن كثيرٍ، سمعت الأوزاعيّ يقول: خرجت إلى الصّحراء، فإذا أنا برجل من جرادٍ في السّماء، وإذا برجل راكبٍ على جرادة منها، وهو شاكٍ في الحديد، وكلّما قال بيده هكذا، مال الجراد مع يده، وهو يقول: الدّنيا باطلٌ باطلٌ ما فيها، الدّنيا باطلٌ باطلٌ ما فيها، الدّنيا باطلٌ باطلٌ ما فيها.
وروى الحافظ أبو الفرج المعافى بن زكريّا الحريريّ، حدّثنا محمّد بن الحسن بن زيادٍ، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحيم، أخبرنا وكيع، عن الأعمش، أنبأنا عامرٌ قال: سئل شريح القاضي عن الجراد، فقال: قبّح اللّه الجرادة. فيها خلقة سبعة جبابرةٍ: رأسها رأس فرسٍ، وعنقها عنق ثورٍ، وصدرها صدر أسد، وجناحها جناح نسرٍ، ورجلاها رجلا جملٍ. وذنبها ذنب حيّةٍ، وبطنها بطن عقربٍ.
و [قد] قدّمنا عند قوله تعالى: {أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسّيّارة} [المائدة: 96] حديث حمّاد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- في حج أو عمرة، فاستقبلنا رجل جرادٍ، فجعلنا نضربه بالعصيّ، ونحن محرمون، فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [عن ذلك] فقال:
«لا بأس بصيد البحر ».
وروى ابن ماجه، عن هارون الحمّال عن هاشم بن القاسم، عن زياد بن عبد اللّه بن علاثة، عن موسى بن محمّد بن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أنسٍ وجابرٍ [رضي اللّه عنهما] عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّه كان إذا دعا على الجراد قال:
«اللّهمّ أهلك كباره، واقتل صغاره، وأفسد بيضه، واقطع دابره، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا، إنّك سميع الدّعاء ». فقال له جابرٌ: يا رسول اللّه، أتدعو على جندٍ من أجناد اللّه بقطع دابره؟ فقال: «إنّما هو نثرة حوتٍ في البحر » قال هاشمٌ أخبرني زيادٌ أنّه أخبره من رآه ينثره الحوت قال: من حقّق ذلك إنّ السّمك إذا باض في ساحل البحر فنضب الماء عنه وبدا للشّمس، أنّه يفقس كلّه جرادًا طيّارًا.
وقدّمنا عند قوله: {إلا أممٌ أمثالكم} [الأنعام: 38] حديث عمر، رضي اللّه عنه:
«إنّ اللّه خلق ألف أمّةٍ، ستّمائةٍ في البحر وأربعمائةٍ في البرّ، وإنّ أوّلها هلاكًا الجراد »
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدّثنا يزيد بن المبارك، حدّثنا عبد الرّحمن بن قيس، حدّثنا سالم بن سالمٍ، حدّثنا أبو المغيرة الجوزجانيّ محمّد بن مالكٍ، عن البراء بن عازبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لا وباء مع السّيف، ولا نجاء مع الجراد ». حديثٌ غريبٌ
وأمّا {القمّل} فعن ابن عبّاسٍ: هو السّوس الّذي يخرج من الحنطة. وعنه أنّه الدّبى -وهو الجراد الصّغار الّذي لا أجنحة له. وبه قال مجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة.
وعن الحسن وسعيد بن جبيرٍ: {القمّل} دوابٌّ سودٌ صغارٌ.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {القمّل} البراغيث.
وقال ابن جريرٍ {القمّل} جمعٌ واحدتها "قمّلة"، وهي دابّةٌ تشبه القمل، تأكلها الإبل، فيما بلغني، وهي الّتي عناها الأعشى بقوله:
قومٌ تعالج قمّلا أبناؤهم وسلاسلًا أجدا وبابًا مؤصدا
قال: وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أنّ القمّل عند العرب "الحمنان"، واحدتها "حمنانةٌ"، وهي صغار القردان فوق القمقامة.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ الرّازيّ، حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: لمّا أتى موسى، عليه السّلام، فرعون قال له: أرسل معي بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم الطّوفان -وهو المطر -فصبّ عليهم منه شيئًا، خافوا أن يكون عذابًا، فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا المطر، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا ربّه، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل. فأنبت لهم في تلك السّنة شيئًا لم ينبته قبل ذلك من الزّرع والثّمر والكلأ فقالوا: هذا ما كنّا نتمنّى. فأرسل اللّه عليهم الجراد، فسلطه على الكلأ فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنّه لا يبقي الزّرع، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربّك ليكشف عنّا الجراد فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا ربّه، فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فداسوا وأحرزوا في البيوت، فقالوا: قد أحرزنا. فأرسل اللّه عليهم القمّل-وهو السّوس الّذي يخرج منه -فكان الرّجل يخرج عشرة أجربةٍ إلى الرّحى، فلم يردّ منها إلّا ثلاثة أقفزةٍ فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا القمّل، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا ربّه، فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل. فبينما هو جالسٌ عند فرعون، إذ سمع نقيق ضفدعٍ، فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا. قال وما عسى أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتّى كان الرّجل يجلس إلى ذقنه في الضّفادع، ويهمّ أن يتكلّم فتثب الضّفدع في فيه. فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذه الضّفادع، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم فلم يؤمنوا. وأرسل اللّه عليهم الدّم، فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار، وما كان في أوعيتهم، وجدوه دمًا عبيطًا، فشكوا إلى فرعون، فقالوا: إنّا قد ابتلينا بالدّم، وليس لنا شرابٌ. فقال: إنّه قد سحركم!! فقالوا: من أين سحرنا، ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئًا من الماء إلّا وجدناه دمًا عبيطًا؟ فأتوه وقالوا: يا موسى، ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا الدّم فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا ربّه، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل
وقد روي نحو هذا عن ابن عبّاسٍ، والسّدّيّ، وقتادة وغير واحدٍ من علماء السّلف
وقال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، رحمه اللّه: فرجع عدوّ اللّه فرعون حين آمنت السّحرة مغلوبًا مغلولًا ثمّ أبى إلّا الإقامة على الكفر، والتّمادي في الشّرّ، فتابع اللّه عليه الآيات، وأخذه بالسّنين، فأرسل عليه الطّوفان، ثمّ الجراد، ثمّ القمّل، ثمّ الضّفادع، ثمّ الدّم، آياتٍ مفصّلاتٍ. فأرسل الطّوفان -وهو الماء -ففاض على وجه الأرض ثمّ ركد، لا يقدرون على أن يحرثوا ولا يعملوا شيئًا، حتّى جهدوا جوعًا، فلمّا بلغهم ذلك {قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل} فدعا موسى ربّه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الجراد، فأكل الشّجر، فيما بلغني، حتّى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتّى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربّه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم القمّل، فذكر لي أنّ موسى، عليه السّلام، أمر أن يمشي إلى كثيبٍ حتّى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيبٍ أهيل عظيمٍ، فضربه بها، فانثال عليهم قمّلًا حتّى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النّوم والقرارة، فلمّا جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له، فدعا ربّه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا. فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحدٌ ثوبًا ولا طعامًا إلّا وجد فيه الضّفادع، قد غلبت عليه. فلما جهدهم ذلك، قالوا له مثل ما قالوا، فسأل ربّه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الدّم، فصارت مياه آل فرعون دمًا، لا يستقون من بئرٍ ولا نهرٍ، ولا يغترفون من إناءٍ، إلّا عاد دمًا عبيطًا
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، أنبأنا النّضر، أنبأنا إسرائيل، أنبأنا جابر ابن يزيد عن عكرمة، قال عبد اللّه بن عمرو: لا تقتلوا الضّفادع، فإنّها لمّا أرسلت على قوم فرعون انطلق ضفدعٌ منها فوقع في تنّورٍ فيه نارٌ، يطلب بذلك مرضات اللّه، فأبدلهنّ اللّه من هذا أبرد شيءٍ يعلمه من الماء، وجعل نقيقهنّ التّسبيح. وروي من طريق عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، نحوه
وقال زيد بن أسلم: يعني بالدّم: الرّعاف. رواه ابن أبي حاتمٍ).[تفسير القرآن العظيم: 3/ 461-466]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة