العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 06:38 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (127) إلى الآية (129) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (127) إلى الآية (129) ]


{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) }:
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال جرير: وحدثني حميد بن قيس عن مجاهد قال: «كان موضع البيت على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض مثل الزبدة البيضاء، ومن تحته دحيت الأرض» ).
[الجامع في علوم القرآن: 2/ 82]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: «القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 58-59]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر: «وبلغني أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا حين أغرق الله قوم نوح رفعه الله وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك فذلك قوله: {وإذ يرفع إبرهم القواعد من البيت وإسماعيل}» ). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 35]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، وتلا هذه الآية: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} قال: «سألا القبول، وتخوّفا أن يكون منه شيءٌ لا يتقبّل منهما» ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 615]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت، وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}:

القواعد: أساسه، واحدتها قاعدةٌ {والقواعد من النّساء} [النور: 60]: واحدها قاعدٌ.

- حدّثنا إسماعيل، قال: حدّثني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد اللّه، أنّ عبد اللّه بن محمّد بن أبي بكرٍ، أخبر عبد اللّه بن عمر، عن عائشة رضي اللّه عنها، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألم تري أن قومك بنوا الكعبة، واقتصروا عن قواعد إبراهيم» . فقلت: يا رسول اللّه ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال: «لولا حدثان قومك بالكفر» فقال عبد اللّه بن عمر: «لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ما أرى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر، إلّا أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم»). [صحيح البخاري: 6/ 20]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله: {باب وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}:
ساق إلى العليم قوله القواعد أساسه واحدتها قاعدةٌ قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت قال قواعده أساسه وقال الفرّاء: يقال القواعد أساس البيت قال الطّبريّ: «اختلفوا في القواعد الّتي رفعها إبراهيم وإسماعيل أهما أحدثاها أم كانت قبلهما» ثمّ روى بسندٍ صحيحٍ عن بن عبّاسٍ قال: «كانت قواعد البيت قبل ذلك» ومن طريق عطاءٍ قال: «قال آدم أي رب لا أسمع أصوات الملائكة قال ابن لي بيتًا ثمّ احفف به كما رأيت الملائكة تحفّ ببيتي الّذي في السّماء فيزعم النّاس أنّه بناه من خمسة أجبلٍ حتّى بناه إبراهيم بعد» وقد تقدّم بزيادةٍ فيه في قصّة إبراهيم عليه السّلام من أحاديث الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام قوله: {والقواعد من النّساء} واحدتها قاعدٌ أراد الإشارة إلى أنّ لفظ الجمع مشتركٌ وتظهر التّفرقة بالواحد فجمع النّساء اللّواتي قعدن عن الحيض والاستمتاع قاعدٌ بلا هاءٍ ولولا تخصيصهنّ بذلك لثبت الهاء نحو قاعدةٍ من القعود المعروف ثمّ ذكر المصنّف حديث عائشة في بناء قريشٍ البيت وقد سبق بسطه في كتاب الحج قوله باب {قولوا آمنا باللّه} سقط لفظ باب لغير أبي ذرٍّ
- قوله كان أهل الكتاب أي اليهود قوله: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم» أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملًا لئلّا يكون في نفس الأمر صدقًا فتكذّبوه أو كذبًا فتصدّقوه فتقعوا في الحرج ولم يرد النّهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفافه نبّه على ذلك الشّافعيّ رحمه اللّه ويؤخذ من هذا الحديث التّوقّف عن الخوض في المشكلات والجزم فيها بما يقع في الظّنّ وعلى هذا يحمل ما جاء عن السّلف من ذلك قوله وقولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا الآية زاد في الاعتصام وما أنزل إليكم وزاد الإسماعيليّ عن الحسن بن سفيان عن محمّد بن المثنّى عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ ونحن له مسلمون). [فتح الباري: 8/ 170]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} :

أي: أذكر إذ يرفع أي: حين يرفع إبراهيم، وهي حكاية حال ماضية، والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه، وقال الفراء: «القواعد أساس البيت»، وقال الطّبريّ: «اختلفوا في القواعد الّتي رفعها إبراهيم وإسماعيل، صلوات الله عليهما، أهما حدثاها أم كانت قبلهما؟» ثمّ روى بسند صحيح عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال: «كانت قواعد البيت»، قيل ذلك، ومن طريق عطاء قال: «قال آدم عليه السّلام: أي رب، لا أسمع أصوات الملائكة، قال: ابن لي بيتا ثمّ أخفف به كما رأيت الملائكة تحت بيتي الّذي في السّماء، فزعم النّاس أنه بناه من خمسة أجبل حتّى بناه إبراهيم عليه السّلام بعد» وقال الزّمخشريّ: «معنى رفع القواعد: رفعها بالبناء». قوله: {ربنا} أي: يقولان: ربنا، يعني: يرفعانها حال كونهما قائلين: ربنا. قوله: {إنّك أنت السّميع العليم} أي: لدعائنا، العليم أي: بضمائرنا ونياتنا.
القواعد: أساسه، واحدتها: قاعدةٌ، والقواعد من النّساء واحدها قاعدٌ.
أشار بهذا إلى الفرق بين القواعد الّتي هي جمع قاعدة البناء، وبين جمع القواعد الّتي هي جمع قاعد من النّساء بلا تاء، حاصله أن لفظ القواعد مشترك بين قواعد الأساس وقواعد النّساء، والفرق في مفرديهما أن القاعدة بتاء التّأنيث الأساس، وبدونها المرأة الّتي قعدت عن الحيض، وذلك لتخصيصهن بذلك في هذه الحالة وفي غير هذا الحال بالتّاء أيضا، وذلك من القعود خلاف القيام، فافهم.
- حدّثنا إسماعيل قال حدّثني مالكٌ عن ابن شهابٍ عن سالم بن عبد الله أنّ عبد الله ابن محمّد بن أبي بكرٍ أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة رضي الله عنها زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم ترى أنّ قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم» فقلت يا رسول الله: ألا تردّها على قواعد إبراهيم قال: «لولا حدثان قومك بالكفر» فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هاذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر إلّا أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم..
مطابقته للآية في قوله: «واقتصروا عن قواعد إبراهيم» وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وعبد الله بن محمّد بن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، والحديث مضى في كتاب الحج في: باب فضل مكّة وبنيانها ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: «حدثان» بكسر الحاء وسكون الدّال المهملتين وبالثاء المثلّثة: مصدر حدث يحدث حدوثاً وحدثاناً، وجواب: لولا، محذوف تقديره: لولا قرب عهد قومك ثابت لرددتها. قوله: «الحجر» بكسر الحاء، وذلك لأن ستّة أذرع منه كانت من البيت، فالركنان اللّذان فيه لم يكونا على الأساس الأول. قوله: «لم يتمم» ويروى: لم يتم). [عمدة القاري: 18/ 93]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}

القواعد: أساسه واحدتها قاعدةٌ والقواعد من النّساء واحدها قاعدٌ.
قوله تعالى: {وإذ} ولأبي ذر باب بالتنوين {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} كان يناوله الحجارة وإنما عطفه عليه لأنه كان له مدخل في البناء {ربنا تقبل منا} أي يقولان ربنا والجملة حال منهما {إنك أنت السميع} لدعائنا {العليم} بنياتنا. قال المؤلّف: «القواعد أساسه واحدتها قاعدة والقواعد من النساء واحدها» ولأبي ذر واحدتها بزيادة تاء التأنيث وفي نسخة واحدتهن بنون النسوة (قاعد) بغير تاء تأنيث، ففيه إشارة إلى الفرق بينهما في مفرديهما.
- حدّثنا إسماعيل قال: حدّثني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد اللّه أنّ عبد اللّه بن محمّد بن أبي بكرٍ، أخبر عبد اللّه بن عمر عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ألم ترى أنّ قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول اللّه ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال: «لولا حدثان قومك بالكفر» فقال عبد اللّه بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر، إلاّ أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم.
وبه قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثني بالإفراد مالك الإمام عن ابن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لها: «ألم تري» بحذف النون للجزم أي ألم تعرفي «أن قومك» قريشًا «بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم» قالت عائشة (فقلت: يا رسول الله ألا تردها) بضم الدال ولأبي ذر بفتحها (على قواعد إبراهيم قال: «لولا حدثان قومك» أي قريش بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين وفتح المثلثة مبتدأ خبره محذوف وجوبًا أي موجود يعني قرب عهدهم (بالكفر) أي لرددتها على قواعد إبراهيم، وفي باب: فضل مكة وبنيانها من الحج لفعلت، فقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: لئن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها سمعت هذا من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرى -بضم الهمزة أي ما أظن- رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر -بكسر الحاء وسكون الجيم أي يقربان منه- إلا أن البيت لم يتمم -بتشديد الميم الأولى مفتوحة أي ما نقص منه وهو الذي كان في الأصل- على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث سبق في الحج ومطابقته للترجمة في قوله: واقتصروا عن قواعد إبراهيم). [إرشاد الساري: 7/ 14-15]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (بابٌ قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}:
قوله: (واحدها قاعد) بلا هاء كالحائض لأن القاعد في مقابلة الحائض هي التي قعدت عن الحيض، فهي من الأسماء المخصوصة بالنساء كالطالق ونحو اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 38]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (
قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}:
- أخبرنا محمّد بن سلمة، والحارث بن مسكينٍ، عن ابن القاسم، قال: حدّثني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد الله، أنّ عبد الله بن محمّد بن أبي بكرٍ، أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول الله، ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ فقال: «لولا حدثان قومك بالكفر» فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما أرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر، إلّا أنّ البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيم). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 15]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} واذكروا إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت. والقواعد جمع قاعدةٍ، يقال للواحدة من قواعد البيت قاعدةٌ، وللواحدة من قواعد النّساء وهن عجائزهنّ قاعدٌ، فتلقى هاء التّأنيث؛ لأنّها فاعلٌ من قول القائل: قعدت عن الحيض، ولا حظّ فيه للذّكورة، كما يقال: امرأةٌ طاهرٌ وطامثٌ؛ لأنّه لا حظّ في ذلك للذّكور. ولو عنى به القعود الّذي هو خلاف القيام لقيل قاعدةٌ، ولم يجز حينئذٍ إسقاط هاء التّأنيث. وقواعد البيت: إساسه.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في القواعد الّتي رفعها إبراهيم وإسماعيل من البيت، أهما أحدثا ذلك، أم هي قواعد كانت له قبلهما؟ فقال قومٌ: هي قواعد بيتٍ كان بناه آدم أبو البشر بأمر اللّه إيّاه بذلك، ثمّ درس مكانه وتعفّى أثره بعده حتّى بوّأه اللّه إبراهيم عليه السّلام، فبناه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: «قال آدم: أى ربّ إنّي لا أسمع أصوات الملائكة. قال: خطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض وابن لي بيتًا، ثمّ احفف به كما رأيت الملائكة تحفّ ببيتي الّذي في السّماء». فيزعم النّاس أنّه بناه من خمسةٍ أجبلٍ: من حراءٍ، وطور زيتا، وطور سيناء، ولبنان، والجوديّ، وكان ربضه من حراءٍ؛ فكان هذا بناء آدم حتّى بناه إبراهيم بعد.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: «القواعد الّتي كانت قواعد البيت قبل ذلك».
وقال آخرون: بل هي قواعد بيتٍ كان اللّه أهبطه لآدم من السّماء إلى الأرض، يطوف به كما كان يطوف بعرشه في السّماء، ثمّ رفعه إلى السّماء أيّام الطّوفان، فرفع إبراهيم قواعد ذلك البيت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: «لمّا أهبط اللّه آدم من الجنّة، قال: إنّي مهبطٌ معك أو منزلٌ معك بيتًا يطاف حوله، كما يطاف حول عرشي، ويصلّى عنده، كما يصلّى عند عرشي. فلمّا كان زمن الطّوفان رفع، فكانت الأنبياء يحجّونه ولا يعلمون مكانه، حتّى بوّأه اللّه إبراهيم وأعلمه مكانه، فبناه من خمسةٍ أجبلٍ: من حراءٍ، وثبيرٍ، ولبنان، وجبل الطّور، وجبل الخمر».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، قال: «لمّا أهبط آدم» ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا هشام بن حسّان، عن سوّارٍ، ختن عطاء عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: «لمّا أهبط اللّه آدم من الجنّة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السّماء، يسمع كلام أهل السّماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابت الملائكة حتّى شكت إلى اللّه في دعائها وفي صلاتها، فخفضه الله إلى الأرض؛ فلمّا فقد ما كان يسمع منهم، استوحش حتّى شكا ذلك إلى اللّه في دعائه وفي صلاته، فوجّه إلى مكّة، فكان موضع قدمه قريةً وخطوه مفازةً، حتّى انتهى إلى مكّة. وأنزل اللّه ياقوتة من ياقوت الجنّة، فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطوف به حتّى أنزل اللّه الطّوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتّى بعث اللّه إبراهيم فبناه، فذلك قول اللّه: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت}».
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: «وضع اللّه البيت مع آدم أهبط اللّه آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السّماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستّين ذراعًا.
فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فشكا ذلك إلى اللّه تعالى، فقال اللّه: يا آدم إنّي قد أهبت إليك بيتًا تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلّي عنده كما يصلّى عند عرشي. فانطلق إليه آدم فخرج، ومدّ له في خطوه، فكان بين كلّ خطوتين مفازةٌ، فلم تزل تلك المفاوز بعد ذلك، فأتى آدم البيت وطاف به ومن بعده من الأنبياء».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أبان: «أنّ البيت، أهبط ياقوتةً واحدةً أو درّةً واحدةً، حتّى إذا أغرق اللّه قوم نوحٍ رفعه وبقي أساسه، فبوّأه اللّه لإبراهيم، فبناه بعد ذلك».
وقال آخرون: بل كان موضع البيت ربوةً حمراء كهيئة القبّة. وذلك أنّ اللّه لمّا أراد خلق الأرض علا الماء زبدةٌ حمراء أو بيضاء، وذلك في موضع البيت الحرام، ثمّ دحا الأرض من تحتها، فلم يزل ذلك كذلك حتّى بوّأه اللّه إبراهيم، فبناه على أساسه. وقالوا: على أركان أربعةٍ في الأرض السّابعة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال جرير بن حازمٍ، حدّثني حميد بن قيسٍ، عن مجاهدٍ، قال: «كان موضع البيت على الماء قبل أن يخلق اللّه السّماوات والأرض، مثل الزّبدة البيضاء، ومن تحته دحيت الأرض».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال، أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ وعمرو بن دينارٍ: «بعث اللّه رياحًا فصفقت الماء، فأبرزت في موضع البيت عن حشفةٍ كأنّها القبّة، فهذا البيت منها فلذلك هي أمّ القرى». قال ابن جريجٍ: قال عطاءٌ: «ثمّ وتدها بالجبال كي لا تكفأ تميدٍ، فكان أوّل جبلٍ أبو قبيسٍ».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن حفص بن حميدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «وضع البيت على أركان الماء على أربعة أركانٍ قبل أن تخلق الدّنيا بألفي عامٍ، ثمّ دحيت الأرض من تحت البيت».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن هارون بن عنترة، عن عطاء بن أبي رباح، قال: «وجدوا بمكة حجرا مكتوبا فيه: إني أنا الله ذو بكة، بنيته يوم صغت الشمس والقمر، وحففته بسبعة أملاك حنفاء».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، وغيره، من أهل العلم: «أنّ اللّه لمّا بوّأ إبراهيم مكان البيت، خرج إليه من الشّام، وخرج معه بإسماعيل وأمّه هاجر، وإسماعيل طفلٌ صغيرٌ يرضع، وحملوا - فيما حدّثني - على البراق ومعه جبريل يدلّه على موضع البيت ومعالم الحرم. فخرج وخرج معه جبريل، فقال: كان لا يمرّ بقريةٍ إلاّ قال: أبهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: امضه. حتّى قدم به مكّة، وهي إذ ذاك عضاه سلمٍ وسمرٍ وبّها أناسٌ يقال لهم العماليق خارج مكّة وما حولها، والبيت يومئذٍ ربوةٌ حمراء مدرةٌ، فقال إبراهيم لجبريل: أههنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم. فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أمّ إسماعيل أن تتّخذ فيه عريشًا، فقال: {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم} إلى قوله: {لعلّهم يشكرون}».
- قال ابن حميدٍ: قال سلمة: قال ابن إسحاق: «ويزعمون واللّه أعلم أنّ ملكًا من الملائكة أتى هاجر أمّ إسماعيل، حين أنزلهما إبراهيم مكّة قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، فأشار لها إلى البيت، وهو ربوةٌ حمراء مدرةٌ، فقال لها: هذا أوّل بيتٍ وضع للناس، وهو بيت اللّه العتيق، واعلمي أنّ إبراهيم وإسماعيل هما يرفعانه». فاللّه أعلم.
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا هشام بن حسّان، قال: أخبرني حميدٌ، عن مجاهدٍ، قال: «خلق اللّه موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئًا من الأرض بألفي سنةٍ، وأركانه في الأرض السّابعة».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، قال: أخبرني بشر بن عاصمٍ، عن ابن المسيّب، قال: حدّثنا كعبٌ: «أنّ البيت كان غثاءةً على الماء قبل أن يخلق اللّه الأرض بأربعين سنةً، ومنه دحيت الأرض»، قال: وحدّثنا عليّ بن أبي طالبٍ: «أنّ إبراهيم أقبل من أرمينية معه السّكينة، تدلّه حتى تبوّأ البيت كما تتبوّأ العنكبوت بيتها، قال: فرفعت عن أحجار تطيقه أو لا تطيقه ثلاثون رجلاً، قال: قلت يا أبا محمّدٍ، فإنّ اللّه يقول: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}، قال: كان ذاك بعد».
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن إبراهيم خليله أنّه وابنه إسماعيل رفعا القواعد من البيت الحرام. وجائزٌ أن يكون ذلك قواعد بيتٍ كان أهبطه مع آدم، فجعله مكان البيت الحرام الّذي بمكّة. وجائزٌ أن يكون ذلك كان القبّة الّتي ذكرها عطاءٌ ممّا أنشأه اللّه من زبد الماء. وجائزٌ أن يكون كان ياقوتةً أو درّةً أهبطا من السّماء. وجائزٌ أن يكون كان آدم بناه ثمّ انهدم حتّى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل. ولا علم عندنا بأيّ ذلك كان من أيٍّ؛ لأنّ حقيقة ذلك لا تدرك إلاّ بخبرٍ عن اللّه أو عن رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّقل المستفيض، ولا خبر بذلك تقوم به الحجّة فيجب التّسليم لها، ولا هو إذ لم يكن به خبرٌ على ما وصفنا ممّا يدرك علمه بالاستدلال والمقاييس فيمثّل بغيره، ويستنبط علمه من جهة الاجتهاد، فلا قول في ذلك هو أولى بالصّواب ما قلنا. واللّه تعالى أعلم). [جامع البيان: 2/ 548-556]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّنا تقبّل منّا}:
يعني تعالى ذكره بذلك: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} يقولان: {ربّنا تقبّل منّا} وذكر أنّ ذلك كذلك في قراءة ابن مسعودٍ، وهو قول جماعةٍ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون،
قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «يبنيان وهما يدعوان الكلمات الّتي ابتلى بها إبراهيم ربّه، قال: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} {ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم}».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني ابن كثيرٍ، قال: حدّثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} قال: «قاما يرفعان القواعد من البيت، ويقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}، قال: وإسماعيل يحمل الحجارة على رقبته والشّيخ يبني».
فتأويل الآية على هذا القول: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل قائلين: ربّنا تقبّل منّا.
وقال آخرون: بل قائل ذلك كان إسماعيل.
فتأويل الآية على هذا القول: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت، وإذ يقول إسماعيل: ربّنا تقبّل منّا. فيصير حينئذٍ إسماعيل مرفوعًا بالجملة الّتي بعده، ويقول حينئذٍ خبرٌ له دون إبراهيم.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الّذي رفع القواعد بعد إجماعهم على أنّ إبراهيم كان ممّن رفعها، فقال بعضهم: رفعها إبراهيم وإسماعيل جميعًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ،
قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين} قال: «فانطلق إبراهيم حتّى أتى مكّة، فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث اللّه ريحًا يقال لها ريح الخجوج، لها جناحان ورأسٌ في صورة حيّةٍ. فكنست لهما ما حول الكعبة، عن أساس البيت الأوّل، واتّبعاها بالمعاول يحفران حتّى وضعا الأساس؛ فذلك حين يقول: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} فلمّا بنيا القواعد فبلغا مكان الرّكن قال إبراهيم لإسماعيل: يا بنيّ اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه ههنا، قال: يا أبت إنّي كسلانٌ لغبٌ، قال: عليّ بذلك. فانطلق فطلب له حجرًا فجاءه بحجرٍ، فلم يرضه، فقال: ائتني بحجرٍ أحسن من هذا. فانطلق فطلب له حجرًا؛ وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتةً بيضاء مثل الثّغامة، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا النّاس، فجاءه إسماعيل بحجرٍ فوجده عند الرّكن، فقال: يا أبت من جاء بهذا؟ فقال: جاء به من هو أنشط منك. فبنياه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبد اللّه بن عروه، عن عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ، قال: «بلغني أنّ إبراهيم، وإسماعيل هما رفعا قواعد البيت».
وقال آخرون: بل رفع قواعد البيت إبراهيم، وكان إسماعيل يناوله الحجارة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن ثابتٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، وكثير بن كثير بن المطّلب بن أبي وداعة، يزيد أحدهما على الآخر، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «جاء إبراهيم وإسماعيل يبري نبلاً قريبًا من زمزم. فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل إنّ اللّه أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربّك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإنّ اللّه أمرني أن أبني ها هنا بيتًا. وأشار إلى الكعبة، والكعبة مرتفعةٌ على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، قال: فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} حتّى دوّر حول البيت».
- حدّثنا ابن سنان القزّاز، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عبد المجيد أبو عليٍّ الحنفيّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن نافعٍ، قال: سمعت كثير بن كثيرٍ، يحدّث عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «جاء يعني إبراهيم فوجد إسماعيل يصلح نبلاً له من وراء زمزم، قال إبراهيم: يا إسماعيل إنّ اللّه ربّك قد أمرني أن أبني له بيتًا. فقال له إسماعيل: فأطع ربّك فيما أمرك. فقال له إبراهيم: قد أمرك أن تعينني عليه، قال: إذًا أفعل، قال: فقام معه، فجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} فلمّا ارتفع البنيان وضعف الشّيخ عن رفع الحجارة، قام على حجرٍ فهو مقام إبراهيم؛ فجعل يناوله ويقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}».
وقال آخرون: بل الّذي رفع قواعد البيت إبراهيم وحده وإسماعيل يومئذٍ طفلٌ صغيرٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضربٍ، عن عليٍّ، قال: «لمّا أمر إبراهيم ببناء البيت، خرج معه إسماعيل وهاجر، قال: فلمّا قدم مكّة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرّأس، فكلّمه، فقال: يا إبراهيم ابن على ظلّي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص. فلمّا بنى خرج وخلّف إسماعيل وهاجر، فقالت هاجر: يا إبراهيم إلى من تكلنا؟ قال: إلى اللّه، قالت: انطلق فإنّه لا يضيّعنا، قال: فعطش إسماعيل عطشًا شديدًا، قال: فصعدت هاجر الصّفا فنظرت فلم تر شيئًا، ثمّ أتت المروة فنظرت فلم تر شيئًا، ثمّ رجعت إلى الصّفا فنظرت فلم تر شيئًا، حتّى فعلت ذلك سبع مرّاتٍ، فقالت: يا إسماعيل مت حيث لا أراك. فأتته وهو يفحص برجله من العطش. فناداها جبريل، فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا هاجر أمّ ولد إبراهيم، قال: إلى من وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى اللّه، قال: وكلكما إلى كافٍ، قال: ففحص الغلام الأرض بأصبعه فنبعت زمزم، فجعلت تحبس الماء. فقال: دعيه فإنّها رواءٌ».
- حدّثنا هناد بن السرى، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن خالد بن عرعرة: أنّ رجلاً، قام إلى عليٍّ فقال: «ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنه أوّل بيتٍ وضع فيه البركة مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، وإن شئت أنبأتك كيف بني، إنّ اللّه أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض، قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعًا، فأرسل اللّه السّكينة وهي ريحٌ خجوجٌ، ولها رأسان، فاتّبع أحدهما صاحبه حتّى انتهت إلى مكّة، فتطوّت على موضع البيت كتطوّي الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقرّ السّكينة. فبنى إبراهيم وبقي حجرٌ، فذهب الغلام يبني شيئًا، فقال إبراهيم: لا، ابغ حجرًا كما آمرك، قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا، فأتاه به فوجده قد ركّب الحجر الأسود في مكانه، فقال: يا أبت من أتاك بهذا الحجر؟ قال: أتاني به من لم يتّكل على بنائك جاء به جبريل من السّماء، فأتمّاه».
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبه، عن سماكٍ، سمعت خالد بن عرعرة يحدّث عن عليٍّ بنحوه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا شعبة وحمّاد بن سلمة وأبو الأحوص كلّهم عن سماكٍ، عن خالد بن عرعرة، عن عليٍّ بنحوه.
فمن قال: رفع القواعد إبراهيم وإسماعيل، أو قال: رفعها إبراهيم وكان إسماعيل يناوله الحجارة. فالصّواب في قوله أن يكون المضمر من القول لإبراهيم وإسماعيل، ويكون الكلام حينئذٍ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} يقولان: {ربّنا تقبّل منّا}.
وقد كان يحتمل على هذا التّأويل أن يكون المضمر من القول لإسماعيل خاصّةً دون إبراهيم، ولإبراهيم خاصّةً دون إسماعيل؛ لولا ما عليه عامّة أهل التّأويل من أنّ المضمر من القول فى ذلك لإبراهيم وإسماعيل جميعًا.
وأمّا على التّأويل الّذي روي عن عليٍّ أنّ إبراهيم هو الّذي رفع القواعد دون إسماعيل، فلا يجوز أن يكون المضمر من القول عند ذلك إلاّ لإسماعيل خاصّةً.
والصّواب من القول عندنا في ذلك أنّ المضمر من القول لإبراهيم وإسماعيل، وأنّ قواعد البيت رفعها إبراهيم وإسماعيل جميعًا؛ وذلك أنّ إبراهيم وإسماعيل إن كانا هما بنياها ورفعاها فهو ما قلنا، وإن كان إبراهيم تفرّد ببنائها، وكان إسماعيل يناوله أحجارها، فهما أيضًا رفعاها؛ لأنّ رفعها كان بهما من أحدهما البناء ومن الآخر نقل الحجارة إليها ومعونة وضع الأحجار مواضعها. ولا تمتنع العرب من إضافة البناء إلى من كان بسببه البناء ومعونته. وإنّما قلنا ما قلنا من ذلك لإجماع جميع أهل التّأويل على أنّ إسماعيل معنيٌّ بالخبر الّذي أخبر اللّه عنه وعن أبيه أنّهما كانا يقولانه، وذلك قولهما: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} فمعلومٌ أنّ إسماعيل لم يكن ليقول ذلك إلاّ وهو إمّا رجلٌ كاملٌ، وإمّا غلامٌ قد فهم مواضع الضّرّ من النّفع، ولزمته فرائض اللّه وأحكامه. وإذا كان ذلك أمره في حال بناء أبيه، ما أمره اللّه ببنائه ورفعه قواعد بيت اللّه، فمعلومٌ أنّه لم يكن تاركًا معونة أبيه، إمّا على البناء، وإمّا على نقل الحجارة.
وأيّ ذلك كان منه فقد دخل في معنى من رفع قواعد البيت، وثبت أنّ القول المضمر خبرٌ عنه وعن والده إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام. فتأويل الكلام: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} يقولان: ربّنا تقبّل منّا عملنا وطاعتنا إيّاك وعبادتنا لك في انتهائنا إلى أمرك الّذي أمرتنا به في بناء بيتك الّذي أمرتنا ببنائه إنّك أنت السّميع العليم.
وفي إخبار اللّه تعالى ذكره أنّهما رفعا القواعد من البيت وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} دليلٌ واضحٌ على أنّ بناءهما ذلك لم يكن مسكنًا يسكنانه ولا منزلاً ينزلانه، بل هو دليلٌ على أنّهما بنياه ورفعا قواعده لكلّ من أراد أن يعبد اللّه تقرّبًا منهما إلى اللّه بذلك؛ ولذلك قالا: {ربّنا تقبّل منّا}. ولو كانا بنياه مسكنًا لأنفسهما لم يكن لقولهما: {تقبّل منّا} وجهٌ مفهومٌ، لأنّه كانا يكون لو كان الأمر كذلك سألا ربهما أن يتقبّل منهما ما لا قربة فيه إليه، وليس من صفتها مسألة اللّه قبول ما لا قربة إليه فيه). [جامع البيان: 2/ 556-564]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّك أنت السّميع العليم}:
وتأويل قوله: {إنّك أنت السّميع العليم} إنّك أنت السّميع دعاءنا ومسألتنا إيّاك قبول ما سألناك قبوله منّا من طاعتنا لك في بناء بيتك الّذي أمرتنا ببنائه؛ العليم بما في ضمائر نفوسنا من الإذعان لك في الطّاعة والمصير إلى ما فيه لك الرّضا والمحبّة، وما نبدي وما نخفي من أعمالنا.
- كما حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني ابن كثيرٍ، قال: حدّثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} يقول: «تقبّل منّا إنّك سميع الدّعاء» ). [جامع البيان: 2/ 564-565]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم (127)}:
قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد}:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: القواعد قال: «الأساس: أساس البيت».
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ ثنا عمرو بن ثابتٍ عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرّبٍ عن عليٍّ قال: «نشئت لهما سحابةٌ فيها رأسٌ يتكلّم وهو السّكينة فقالت: خطّا عليّ أو خطّا حولي فخطّا البيت فهو قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا}».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا عثمان ثنا عبد الواحد ثنا ليثٌ عن مجاهدٍ في قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: «القواعد في الأرض السّابعة».
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا عبد الوهّاب بن معاوية عن عبد المؤمن بن خالدٍ عن علباء بن أحمر: «أنّ ذا القرنين قدم مكّة، فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة أجبل. فقال لهما: ما لكما ولأرضي؟ فقال: نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة. قال: فهاتا بالبيّنة على ما تدّعيان؟ فقامت خمسة أكبشٍ، فقلن: نحن نشهد أنّ إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران أمرا ببناء الكعبة. فقال: قد رضيت وسلّمت ثمّ مضى».
- حدّثني أبي ثنا نعيم بن حمّادٍ ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن أيّوب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: «رفع القواعد الّتي كانت قواعد البيت قبل ذلك» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 231]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {من البيت وإسماعيل}:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا عثمان بن عمر ثنا إبراهيم بن نافعٍ عن كثير بن كثيرين المطّلب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «قال إبراهيم، يا إسماعيل: إنّ ربّك قد أمرني أن أبني له بيتًا، قال: ابن فأطع ربّك قال: وقد أمرني أن تعينني على ذلك: قال: فجعل إسماعيل يناول إبراهيم الحجارة فجعلا يبنيان ويقولان: ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم حتّى لمّا أن رفع البنيان، وجعف الشّيخ عن رفع الحجارة فقام على المقام وجعل إسماعيل يناوله الحجارة. ويقولان ربّنا تقبّل منّا إنك أنت السميع العليم».
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ أخبرنا عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن أيّوب وكثير بن كثير بن المطّلب بن أبي وداعة- يزيد أحدهما على الآخر- عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: «قال إبراهيم: يا إسماعيل إنّ اللّه أمرني بأمرٍ قال: فاصنع ما أمرك ربّك قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال فإنّ اللّه أمرني أن ابني هاهنا بيتًا وأشار إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجر وهما يقولان: ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم».
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري ثنا سفيان عن بشر بن عاصمٍ عن سعيد بن المسيّب عن كعب الأحبار قال: «كان البيت غثاةً على الماء قبل أن يخلق اللّه الأرض بأربعين عامًا، ومنه دحيت الأرض».
- وحدّثنا عليّ بن أبي طالبٍ: «أنّ إبراهيم أقبل من أرمينية، ومعه السّكينة تدلّه حتّى تبوّأ البيت كما تتبوّأ العنكبوت بيتًا، قال: فكشف عن أحجارٍ لا يطيق الحجر إلا ثلاثين رجلا. فقلت: يا أبا محمّدٍ: فإنّ اللّه يقول: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: «كان ذلك بعد».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: «إنّ اللّه عزّ وجلّ أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل ابنيا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود. فانطلق إبراهيم حتّى أتى مكّة فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث اللّه تعالى ريحًا يقال لها ريح الخجوج، لها جناحان ورأسٌ في صورة حيّةٍ، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتّبعاها بالمعاول يحفران، حتّى وضعا الأساس فذلك حين يقول: وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت فلمّا بنيا القواعد فبلغا مكان الرّكن. قال إبراهيم لإسماعيل: يا بنيّ اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه هاهنا، قال: يا أبه إنّي كسلان لغبٌ. قال: عليّ ذلك فانطلق يطلب له جحرا وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتةً بيضاء مثل الثّغامة، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا النّاس. فجاءه إسماعيل بحجرٍ، فوجده عند الرّكن. فقال: يا أبه من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من هو أنشط منك فبنيا وهما يدعوان الكلمات الّتي ابتلى إبراهيم ربّه فقال: ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 232-233]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {القواعد من البيت}:
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا عبد الوهّاب بن معاوية عن عبد المؤمن بن خالدٍ عن علباء بن أحمر: «أنّ ذا القرنين قدم مكّة، فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 233]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ربّنا تقبّل منّا}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ حدّثني سرور بن المغيرة ثنا عبّاد بن منصورٍ عن الحسن: «وكان إسماعيل يقول وهما يبنيانه، ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم فتقبّل منهما».
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن محمّد بن يزيد بن خنيسٍ، وابن أبي زيادٍ قالا: ثنا محمّد بن يزيد بن خنيسٍ المكيّ عن وهيب بن الورد قال: «قرأ {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا}». زاد ابن خنيسٍ في حديثه: «ثمّ يبكي». فقال وهيبٌ: «يا خليل الرّحمن ترفع قوائم بيت الرّحمن وأنت مشفقٌ أن لا يقبل منك» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 233]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّك أنت السّميع العليم}:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة ثنا محمّد بن إسحاق قال: «السّميع أي سميعٌ بما يقولون».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول الله: {السميع العليم} «يعني عالم بها» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/234]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا حمزة بن العبّاس العقبيّ، ثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ، ثنا أبو عامرٍ العقديّ، ثنا زكريّا بن إسحاق، عن بشر بن عاصمٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: ثنا عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، قال: «أقبل إبراهيم خليل الرّحمن من أرمينية مع السّكينة. دليلٌ له على موضع البيت كما تتبوّأ العنكبوت بيتها، ثمّ حفر إبراهيم من تحت السّكينة، فأبدى عن قواعد ما يحرّك القاعدة منها دون ثلاثين رجلًا قال: فقال:...... » ). [المستدرك: 2/ 294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «القواعد أساس البيت».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم والجندي، وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن جبير أنه قال: «سلوني يا معشر الشباب فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم فأكثر الناس مسألته فقال له رجل: أصلحك الله أرأيت المقام أهو كما نتحدث قال: وماذا كنت تتحدث قال: كنا نقول أن غبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة اسماعيل النزول فأبى أن ينزل فجاءت بهذا الحجر فقال: ليس كذلك، فقال سعيد بن جبير: قال ابن عباس: «إن أول من اتخذ المناطق من النساء أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم اسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيء قالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليهما، قالت له: آلله أمرك بهذا قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى
إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه قال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم الآية 37] وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال: يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعى الناس بينهما» ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت صوتا أيضا فقالت: قد اسمعت إن كان عندك غواث - فإذا هي بالملك موضع زمزم فنجت بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه بيدها وتغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعدما تغرف ، قال ابن عباس: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم - أو قال - لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا فشربت وأرضعت ولدها»، فقال لها الملك: لاتخافي الضيعة فإن ههنا بيتا لله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال: وأم اسماعيل عند الماء فقالوا به: أتأذنين لنا أن ننزل عندك قالت: نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا: نعم، قال ابن عباس قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فألفى ذلك أم اسماعيل وهي تحب الأنس»، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معه حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم اسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج اسماعيل يطالع تركته فلم يجد اسماعيل فسأل زوجته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء اسماعيل كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته إنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء قالت: نعم أمرني أن أقرئ عليك السلام ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم قالت: اللحم، قال: فما شرابكم فقالت: الماء، فقال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه»، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل قال: هل أتاكم من أحد قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته إنا بخير، قال: أما أوصاك بشيء قالت: نعم وهو يقرأ السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال: ذاك ابي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك، ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم فما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ثم قال: يا اسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك، قال: وتعينني، قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفع القواعد من البيت فجعل اسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}» ، قال معمر: «وسمعت رجلا يقول: كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال معمر:وسمعت رجلا يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير».
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال: «أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام فركب إبراهيم البراق وجعل اسماعيل أمامه وهو ابن ستين وهاجر خلفه ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت حتى قدم به مكة فأنزل اسماعيل وأمه إلى جانب البيت ثم انصرف إبراهيم إلى الشام ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت وهو يومئذ ابن مائة سنة واسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه وتوفي اسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر وولي ثابت بن اسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم».
وأخرج الديلمي عن علي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} الآية، قال: «جاءت سحابة على تربيع البيت لها رأس تتكلم ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على تربيعها».
وأخرج ابن أبي شيبة وايحق بن راهويه في مسنده، وعبد بن حميد والحرث بن أبي أسامة، وابن جرير، وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب: «أن رجلا قال له: ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض قال: لا ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى ومقلم إبراهيم ومن دخله كان آمنا ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعا فلم يدر كيف يبنيه فأرسل الله إليه السكينة - وهي ريح خجوج ولها رأسان - فتطوقت له على موضع البيت وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم فلما بلغ موضع الحجر قال لاسماعيل: اذهب فالتمس لي حجرا أضعه ههنا، فذهب اسماعيل يطوف في الجبال فنزل جبريل بالحجر فوضعه فجاء اسماعيل فقال: من أين هذا الحجر قال: جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة ثم انهدم فبنته جرهم ثم انهدم فبنته قريش فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحنوا في وضعه فقالوا: أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل باب بني شيبة فأمر بثوب فبسط فأخذ الحجر فوضعه في وسطه وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلا يأخذ بناية الثوب فرفعوه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه».
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم من طريق سعيد بن المسيب، عن علي، قال: «أقبل إبراهيم على أرمينية ومعه السكينة تدله على موضع البيت كما تبني العنكبوت بيتها فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعد البيت ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا، قلت: يا أبا محمد فإن الله يقول {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: كان ذلك بعد».
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {يرفع إبراهيم القواعد} قال: «القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك».
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر والجندي عن عطاء قال: «قال آدم: أي رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة قال: لخطيئتك ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء فزعم الناس أنه بناه من خمسة جبال، من حراء ولبنان وطور زيتا وطور سينا والجودي فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعده».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «لما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي فلما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله بعد لإبراهيم وأعلمه مكانه فبناه من خمسة جبال: حراء ولبنان وثيبر وجبل الطور وجبل الحمر وهو جبل ببيت المقدس».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: «وضع البيت على أركان الماء على أربعة قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحت البيت».
وأخرج عبد الرزاق والأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال: «خلق الله موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة وأركانه في الأرض السابعة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن علياء بن أحمر: «أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم واسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة جبال فقال: ما لكما ولأرضي فقالا: نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة، قال: فهاتا بالبينة على ما تدعيان، فقام خمسة أكباش فقلن: نحن نشهد أن اسماعيل وابراهيم عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة فقال: قد رضيت وسلمت ثم مضى».
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: «ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش وذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط قال الله له: اهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين حتى إذا كان زمن الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره فلم تصبه عقوبة أهل الأرض فتتبع منه آدم أثرا فبناه على أساس قديم كان قبله».
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: «بني البيت من أربعة جبال، من حراء وطور زيتا وطور سينا ولبنان».
وأخرج البيهقي في الدلائل عن السدي قال: «خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق في الكف الآخر فبث الورق في الهند فمنه ما ترون من الطيب وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لاسماعيل: ائتني بحجر أضعه ههنا فأتاه بحجر من الجبل فقال: غير هذا، فرده مرارا لا يرضى ما يأتيه به فذهب مرة وجاء جبريل عليه
السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة فوضعه فلما جاء اسماعيل قال: من جاءك بهذا قال: من هو أنشط منك».
وأخرج الثعلبي قال: سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي وكان عالما بالقرآن يقول: «كان إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية واسماعيل عليه السلام يتكلم بالعربية وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوه به فكان إبراهيم يقول لاسماعيل: هل لي كثيبا - يعني ناولني حجرا - ويقول له اسماعيل: هاك الحجر فخذه، قال: فبقي موضع حجر فذهب اسماعيل يبغيه فجاء جبريل عليه السلام بحجر من السماء فأتى اسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في موضعه فقال: يا أبت من أتاك بهذا قال: أتاني من لم يتكل على بنائك فأتما البيت، فذلك قوله عز وجل {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}».
وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال: «لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه فقالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا، فطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم
أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه ثم طفق لا يزداد على الألسن إلا رضى حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها».
وأخرج أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة عن سعيد بن المسيب قال: «قال كعب الأحبار: كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بأربعين سنة ومنها دحيت الأرض».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: «خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بعث الله تعالى ريحا هفافة فصفقت الريح الماء فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبة فدحا الله تعالى الأرض من تحتها - فمادت ثم مادت فأوتدها الله بالجبال فكان أول جبل وضع فيه أبو قبيس فلذلك سميت أم القرى».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: «كان البيت على أربعة أركان في الماء قبل أن يخلق السموات والأرض فدحيت الأرض من تحته».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: «دحيت الأرض من تحت الكعبة».
وأخرج الأزرقي عن علي بن الحسين: «أن رجلا سأله ما بدء هذا الطواف بهذا البيت لم كان وأنى كان وحيث كان فقال: أما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله تعالى قال للملائكة: {إني جاهل في الأرض خليفة} [البقرة الآية 30] فقالت: رب أي خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون أي رب اجعل ذلك الخليفه منا فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك، قال الله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة الآية 30] قال: فظنت الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عز وجل وأنه قد غضب عليهم من قولهم فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون إشفاقا لغضبه فطافوا بالعرش ثلاث ساعات فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء وسمى البيت الضراح ثم قال الله للملائكة: طوفوا بهذا البيت ودعو العرش فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم وهو البيت المعمور الذي ذكره الله يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا ثم إن الله تعالى بعث ملائكته فقال: ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما تطوف أهل السماء بالبيت المعمور».
وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا سبعة منها في السماء وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى وأعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت».
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال: «بلغني أن الله إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته فهبط الملك مهلا».
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه قال: «لما تاب الله على آدم أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض فصار كل مفاوزة يمر بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة فكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان به من عظم المصيبة حتى أن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب فيها نور يلتهب من نور الجنة ونزل معها يومئذ الركن وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة وكان كرسيا لآدم يجلس عليه فلما صار آدم بمكة حرسه الله وحرس له تلك الخيمة بالملائكة كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض وساكنها يومئذ الجن والشياطين ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم يسفك فيها الدم ولم يعمل فيها بالخطايا فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستدبرين بالحرم كله من خلفهم والحرم كله أمامهم ولا يجوزهم جني ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة وحرم الله على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت وإن آدم إذا أراد لقاءها ليلة ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها إليه وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وخفي مكانه فلما بعث الله إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة فلم يزل يحفر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة فلما وصل إليها ظلل الله له مكان البيت بغمامة فكانت حفاف البيت الأول فلم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة ثم انكشفت الغمامة فذلك قوله عز وجل: {وإذ بؤانا لإبراهيم مكان البيت} [الحج الآية 26] للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد فلم يزل يحمد الله مذ رفعه الله معمورا، قال وهب بن منبه: وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة فوجد فيه أن ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت فينقض من عند العرش محرما ملبيا حتى يستلم الحجر ثم يطوف سبعا بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين ثم يصعد».
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن وهب بن منبه قال: «ما بعث الله ملكا قط ولا سحابة فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت ثم يمضي حيث أمر».
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا بيتا، فخط لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته: حسبك يا آدم، فلما بنياه أوحى الله إليه: أن يطوف به وقيل له: أنت أول الناس وهذا أول بيت ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه».
وأخرج ابن اسحاق والأزرقي والبيهقي في الدلائل عن عروة قال: «ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح ولقد حجه نوح فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض وكان البيت ربوة حمراء فبعث الله عز وجل هودا فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه فلم يحجه حتى مات فلما بوأه الله لإبراهيم عليه السلام حجه ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه».
وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال: «حج البيت سبعون نبيا منهم موسى ابن عمران عليه عباءتان قطوانتيان ومنهم يونس يقول: لبيك كاشف الكرب».
وأخرج الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة، وابن عساكر عن ابن عباس قال: «لما أهبط الله آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض وهو مثل الفلك من رعدته فطأطأ الله منه لإلى ستين ذراعا فقال: يا رب مالي لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسهم قال: خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتا فطف به واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي فأقبل آدم يتخطى فطويت له الأرض وقبض الله له المفاوز فصارت كل مفاوزة يمر بها خطوة وقبض الله ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة فقذفت فيه الملائكة الصخر ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلا وأنه بناه من خمسة أجبل، من لبنان وطورزيتا وطورسينا والجودي وحراء حتى استوى على وجه الأرض فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف آدم عليه السلام حتى بعث الله الطوفان فكان غضبا ورجسا فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند فدرس موضعه الطوفان حتى بعث الله إبراهيم واسماعيل عليهما السلام فرفعا قواعده وأعلامه ثم بنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور لو سقط ما سقط إلا عليه».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «لما أهبط آدم إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من رعدته ثم نزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ من شدة بياضه فأخذه آدم فضمه إليه آنسا به ثم نزل عليه القضاء فقيل له: تخط يا آدم فتخطى فإذا هو بأرض الهند أو السند فمكث بذلك ما شاء الله ثم استوحش إلى الركن فقيل له: احجج، فحج فلقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام».
وأخرج الأزرقي عن أبان: «أن البيت أهبط باقوتة واحدة أو ذرة واحدة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان البيت من ياقوتة حمراء ويقولون: من زمردة خضراء».
وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح قال: «لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال أن يبلغوا في الأرض فبلغوا صخرا أمثال الإبل الخلف قال زيد: فاحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار فقال: مالكم قالوا: لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمرا عظيما فقال لهم: ابنوا عليه»، قال عطاء: «يروون أن ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام».
وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن أبي زياد قال: «لما أهبط الله آدم من الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتا بحذاء بيتي الذي في السماء تتعبد فيه أنت وولدك كما يتعبد ملائكتي حول عرشي فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة فقذف فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله».
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: «أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيا وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا: بر حجك يا آدم أما إنا قد حججنا قبلك بألفي عام».
وأخرج الأزرقي عن مقاتل يرفع الحديث إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن آدم عليه السلام قال: أي رب إني أعرف شقوتي لا أرى شيئا من نورك بعد فأنزل الله عليه البيت الحرام على عرض البيت الذي في السماء وموضعه من ياقوت الجنة ولكن طوله ما بين السماء والأرض وأمره أن يطوف به فاذهب عنه الهم الذي كان قبل ذلك ثم رفع على عهد نوح عليه السلام».
وأخرج الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد قال: «بلغني أنه لما خلق الله السموات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي والآخر غربي فجعله مستقبل البيت المعمور فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة واستودع الله الركن أبا قبيس» قال: وقال ابن عباس: «كان ذهبا فرفع زمان الغرق» قال ابن جريج قال جويبر: «كان بمكة البيت المعمور فرفع زمن الغرق فهو في السماء».
وأخرج الأزرقي عن عروة بن الزبير قال: «بلغني أن البيت وضع لآدم عليه السلام يطوف به ويعبد الله عنده وأن نوحا قد حجه وجاءه وعظمه قبل الغرق فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك الله قوم نوح أصاب البيت ماأصاب الأرض من الغرق فكان ربوة حمراء معروف مكانها فبعث الله هودا إلى عاد فتشاغل بأمر قومه حتى هلك ولم يحجه ثم بعث الله صالحا إلى ثمود فتشاغل حتى هلك ولم يحجه ثم بوأه الله لإبراهيم عليه السلام فحجه وعلم مناسكه ودعا إلى زيارته ثم لم يبعث الله نبيا بع إبرهيم إلا حجه».
أخرج الأزرقي عن أبي قلابة قال: «قال الله لآدم: إني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عشي ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي فلم يزل حتى كان زمن الطوفان فرفع حتى بوىء لإبراهيم مكان فبناه من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان والطور والجبل الأحمر».
وأخرج الجندي عن معمر قال: «إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا حتى إذا أغرق الله قوم نوح رفعه وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك وذلك قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم فقال: يا إبراهيم هذا الركن فحفر عنه فجعله في البيت حين بناه إبراهيم عليه السلام».
وأخرج الأصبهاني في "ترغيبه"، وابن عساكر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوحى الله إلى أدم أن يا آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث قال: وما يحدث علي يارب، قال: ما لاتدري وهو الموت، قال وما الموت؟، قال: سوف تذوق، قال: ومن استخلف في أهلي، قال: أعرض ذلك على السموات والأرض والجبال، فعرض على السموات فأبت وعرض على الأرض فأبت وعرض على الجبال فأبت وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج أدم من أرض الهند حاجا فما نزل منزلا أكل فيه وشرب إلا صار عمرانا بعده وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا: السلام عليك يا آدم بر حجك أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان من يطوف يرى من جوف البيت ومن في جوف البيت يرى من يطوف فقضى آدم نسكه فأوحى الله إليه: يا آدم قضيت نسكك قال: نعم يا رب، قال: فسل حاجتك تعط، قال: حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي، قال: أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه حين وقعت بذنبك وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن بي وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه».
وأخرج ابن خزيمة وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن آدم أتى هذا البيت ألف إتية لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه من ذلك ثلثمائة حجة وسبعمائة عمرة وأول حجة حجها آدم وهو واقف بعرفات أتاه جبريل فقال: يا آدم بر نسكك أما إنا قد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: «أول من طاف بالبيت الملائكة وإن ما بين الحجر إلى الركن اليماني لقبور من قبور الأنبياء كان النّبيّ منهم عليهم السلام إذا آذاه قومه خرج من بين أظهرهم فعبد الله فيها حتى يموت».
وأخرج الأزرقي والبيهقي في شعب الإيمان عن وهب بن منبه: «أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها ولم يرى فيها أحد غيره فقال: يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري، قال الله: إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري فيسبح فيها خلقي سأبوئك فيها بيتا أختاره لنفسي وأخصه بكرامتي وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي واسمه بيتي، أنطقه بعظمتي وأحوزه بحرمتي وأجعله أحق البيوت كلها وأولاها بذكري وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي فإني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض وقبل ذلك قد كان بغيتي فهو صفوتي من البيوت ولست أسكنه وليس ينبغي أن أسكن البيوت ولا ينبغي لها أن تحملني أجعل ذلك البيت لك ومن بعدك حرما وأمنا أحرم بحرمته ما فوقه وما تحته وما حوله حرمته بحرمتي فقد عظم حرمتي ومن أحله فقد أباح حرمتي من أمن أهله استوجب بذلك أماني ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني ومن تهاون به صغر عندي».
زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة واستودع الله الركن أبا قبيس، قال ابن عباس: «كان ذهبا فرفع في زمان الغرق» قال ابن جريج، قال جوبير: «كان بمكة البيت المعمور فرفع زمن الغرق فهو في السماء».
وأخرج الأزرقي عن عروة بن الزبير قال: «بلغني أن البيت وضع لآدم عليه السلام يطوف به ويعبد الله عنده وأن نوحا قد حجه وجاءه وعظمه قبل الغرق فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك الله قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض فكان ربوة حمراء معروف مكانه فبعث الله هودا إلى عاد فتشاغل حتى هلك ولم يحجه ثم بوأه الله لإبراهيم عليه السلام فحجه وعلم مناسكه ودعا إلى زيارته ثم لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا حجه».
وأخرج الأزرقي عن أبي قلابة قال: «قال الله لآدم أني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلي عنده كما يصلي عند عرشي فلم يزل حتى كان زمن الطوفان فرفع حتى بوئ لإبراهيم مكانه فبناه من خمسة جبال من حراء وثبير ولبنان والطور والجبل الأحمر».
وأخرج الجندي عن معمر قال: «أن سفنية نوح طافت بالبيت سبعا حتى إذا غرق قوم نوح رفعه وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك وذلك قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم فقال يا إبراهيم هذا الركن فجاء فحفر عنه فجعله في البيت حين بناه إبراهيم عليه السلام».
وأخرج الأصبهاني في ترغيبه، وابن عساكر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوحى الله إلى آدم أن يا آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث، قال: وما يحدث علي يا رب؟، قال: ما لا تدري وهو الموت، قال: وما الموت؟ قال: سوف تذوق، قال: ومن استخلف في أهلي، قال: أعرض ذلك على السموات والأرض والجبال، فعرض على السموات فأبت وعرض على الأرض فأبت وعرض على الجبال فأبت وقبله ابنه قاتل أخيه فخرج آدم من أرض الهند حاجا فما نزل منزلا أكل فيه وشرب إلا صار عمرانا بعده وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا السلام عليك يا آدم بر حجك أما أنا قد حججنا هذا البيت
ولكل ملك حيازة وبطن مكة حوزتي التي اخترت لنفسي دون خلقي فأنا الله ذو بكة أهلها خفرتي وجيران بيتي وعمارها وزوارها وفدي وأضيافي وضماني وذمتي وجواري أجعله أول بيت وضع للناس وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق يعجون بالتكبير عجيجا يرجون بالتلبية رجيجا فمن اعتمره وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وزواره وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن ونبيا بعد نبي حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك يقال له محمد وهو خاتم النبيين فأجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وحجابه وسقته يكون أميني عليه ما كان حيا فإذا انقلب إلي وجدني قد ادخرت له من أجره ونصيبه ما يتمكن به من القربة إلي والوسيلة عندي وأفضل المنازل في دار المقامة، وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه مكرمة لنبي من ولدك يكون قبيل هذا النّبيّ وهو أبوه يقال له إبراهيم أرفع له قواعده وأقضي على يديه عمارته وأنيط له سقايته وأريه حله وحرمه ومواقفه وأعلمه مشاعره ومناسكه وأجعل أمة واحدة قانتا بأمري داعيا إلى سبيلي وأجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم، أبتليه فيصبر وأعافيه فيشكر وآمره فيفعل وينذر لي فيفي ويعدني فينجز وأستجيب دعوته في ولده وذريته من بعده وأشفعه فيهم وأجعلهم أهل ذلك البيت وحماته وسقاته وخدمه وخزنته وحجابه حتى يبتدعوا ويغيروا ويبدلوا، فإذا فعلوا ذلك فأنا أقدر القادرين على أن استبدل من اشاء بمن أشاء وأجعل إبراهيم إمام ذلك وأهل تلك الشريعة يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن يطأون فيها آثاره ويتبعون فيها سنته ويقتدون فيها بهديه فمن فعل ذلك منهم أوفى بنذره واستكمل نسكه وأصاب بغيته ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه وأخطأ بغيته ولم يوف بنذره، فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن أين أنا فأنا من الشعث الغبر الموبقين الموفين بنذرهم المستكملين
مناسكهم المتبتلين إلى ربهم الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون» وأخرجه الجندي عن عكرمة ووهب بن منبه رفعاه إلى ابن عباس بمثله سواء.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان موضع البيت في زمن آدم عليه السلام شبرا أو أكثر علما فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم ثم حج فاستقبلته الملائكة قالوا: يا آدم من أين جئت قال: حججت البيت، فقالوا: قد حجته الملائكة قبلك بألفي عام».
وأخرج البيهقي عن عطاء قال: «أهبط آدم بالهند فقال: يا رب مالي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة فقال له: لخطيئتك يا آدم فانطلق فابن لي بيتا فتطوف به كما رأيتهم يتطوفون، فانطلق حتى أتى مكة فبنى البيت فكان موضع قدمي آدم قرى وأنهارا وعمارة ومابين خطاه مفاوز فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة».
وأخرج البيهقي عن وهب بن منبه قال: «لما تاب الله على آدم وأمره أن يسير إلى مكة فطوى له الأرض حتى انتهى إلى مكة فلقيته الملائكة بالأبطح فرحبت به وقالت له: يا آدم إنا لننظرك بر حجك أما أنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وأمر الله جبريل فعلمه المناسك والمشاعر كلها وانطلق به حتى أوقفه في عرفات والمزدلفة وبمنى وعلى الجمار وأنزل عليه الصلاة والزكاة والصوم والاغتسال من الجنابة، قال: وكان البيت على عهد آدم ياقوتة حمراء يلتهب نورا من ياقوت الجنة لها بابان شرقي وغربي من ذهب من تبر الجنة وكان فيها ثلاث قناديل من تبر الجنة فيها نور يلتهب بابها بنجوم من ياقوت أبيض والركن يومئذ نجم من نجومها ياقوتة بيضاء فلم يزل على ذلك حتى كان في زمان نوح وكان الغرق فرفع من الغرق فوضع تحت العرش ومكثت الأرض خرابا ألفي سنة، فلم يزل على ذلك حتى كان إبراهيم فأمره أن يبني بيتي فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس تتكلم لها وجه كوجه الإنسان فقالت: يا إبراهيم خذ قدر ظلي فابن عليه ولاتزد ولا تنقص، فأخذ إبراهيم قدر ظلها ثم بنى هو واسماعيل البيت ولم يجعل له سقفا فكان الناس يلقون فيه الحلى والمتاع حتى إذا كاد أن يمتلى ء أنفذ له خمسون نفرا ليسرقوا ما فيه فقام كل واحد على زاوية واقتحم الخامس فسقط على رأسه فهلك وبعث الله عند ذلك حية بيضاء سوداء الرأس والذنب فحرست البيت خمسمائة عام لا يقربه أحد إلا أهلكته فلم يزل حتى بنته قريش».
وأخرج الأزرقي والبيهقي عن عطاء: «أن عمر بن الخطاب سأل كعبا فقال أخبرني عن هذا البيت ما كان أمره فقال: إن هذا البيت أنزله الله من السماء ياقوتة حمراء مجوفة مع آدم فقال: يا آدم إن هذا بيتي فطف حوله وصل حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلي ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة ثم وضع البيت على القواعد فلما أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى السماء وبقيت قواعده».
وأخرج البيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح عن كعب الأحبار قال: «شكت الكعبة إلى ربها وبكت إليه فقالت: أي رب قل زواري وجفاني الناس، فقال الله لها إني محدث لك إنجيلا وجاعل لك زوارا يحنون إليك حنين الحمامة إلى بيضاتها».
وأخرج الأزرقي والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن سابط عن عبد الله بن ضمرة السلولي قال: «ما بين المقام إلى الركن إلى بئر زمزم إلى الحجر قبر سبعة وسبعين نبيا جاؤوا حاجين فماتوا فقبروا هنالك».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: «أقبل تبع يريد الكعبة حتى إذا كان بكراع الغميم بعث الله عليه ريحا لا يكاد القائم يقوم إلا عصفته وذهب القائم ليقعد فيصرع وقامت عليهم ولقوا منها عناء ودعا تبع حبريه فسألهما ما هذا الذي بعث علي قالا: أو تؤمننا قال: أنتم آمنون، قالا: فإنك تريد بيتا يمنعه الله ممن أراده، قال: فما يذهب هذا عني قالا: تجرد في ثوبين ثم تقول لبيك لبيك ثم تدخل فتطوف بذلك البيت ولا تبيح أحدا من أهله، قال: فإن أجمعت على هذا ذهبت هذه الريح عني قالا: نعم، فتجرد ثم لبى، قال ابن عباس: فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: «لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أنه نظر إلى الكعبة فقال: «لقد شرفك الله وكرمك والمؤمن أعظم حرمة منك».
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر قال: لما افتتح النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه وقال: «أنت حرام ما أعظم حرمتك وأطيب ريحك وأعظم حرمة عند الله منك المؤمن».
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مكحول أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لما رأى البيت حين دخل مكة رفع يديه وقال: «اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا».
وأخرج الشافعي في الأم عن ابن جريج أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: «اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أواعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا».
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للكعبة لسانا وشفتين وقد اشتكت فقالت: يا رب قل عوادي وقل زواري، فأوحى الله: إني خالق بشرا خشعا سجدا يحنون إليك كما تحن الحمامة إلى بيضها».
وأخرج الأزرقي، عن جابر الجزري قال: جلس كعب الأحبار أو سلمان الفارسي بفناء البيت فقال: «شكت الكعبة إلى ربها ما نصب حولها من الأصنام وما استقسم به من الأزلام فأوحى الله إليها: إني منزل نورا وخالق بشرا يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه ويدفون إليك دفيف النسور، فقال له قائل: وهل لها لسان قال: نعم وأذنان وشفتان».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس: «أن جبريل وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة خضراء قد علاها الغبار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا الغبار الذي أدى على عصابتك قال: إني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها».
وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال: «حج آدم عليه السلام فقضى المناسك فلما حج قال: يا رب إن لكل عامل أجرا قال الله تعالى: أما أنت يا آدم فقد غفرت لك وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه غفرت له، فحج آدم عليه السلام فاستقبلته الملائكة بالردم فقالت: بر حجك يا آدم قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال: فما كنتم تقولون حوله قالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال: فكان آدم إذا طاف يقول هؤلاء الكلمات فكان طواف آدم سبع أسابيع بالليل وخمسة أسابيع بالنهار».
وأخرج الأزرقي والجندي، وابن عساكر عن ابن عباس قال: «حج آدم فطاف بالبيت سبعا فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا: بر حجك يا آدم أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال: فماذا كنتم تقولون في الطواف قالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال آدم: فزيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله فزادت الملائكة فيها ذلك ثم حج إبراهيم بعد بنائه البيت فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال لهم: ماذا كنتم تقواون في طوافكم قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأعلمناه ذلك فقال: زيدوا ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقال إبراهيم: زيدوا فيها العلي العظيم، فقالت الملائكة ذلك».
وأخرج الجندي والديلمي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان البيت قبل هبوط آدم ياقوتة من يواقيت الجنة وكان له بابان من زمرد أخضر باب شرقي وباب غربي وفيه قناديل من الجنة والبيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة حذاء الكعبة الحرام وأن الله عز وجل لما أهبط آدم إلى موضع الكعبة وهو مثل الفلك من شدة رعدته وأنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ كأنه لؤلؤة فأخذه آدم فضمه إليه استئناسا ثم أخذ الله من بني آدم ميثاقهم فجعله في الحجر الأسود ثم أنزل على آدم العصا ثم قال: يا آدم تخط، فتخطى فإذا هو بأرض الهند فمكث هناك ما شاء الله ثم استوحش إلى البيت فقيل له: احجج يا آدم، فأقبل يتخطى فصار كل موضع قدم قرية وما بين ذلك مفازة حتى قدم مكة فلقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال: فما كنتم تقولون حوله قالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وكان آدم إذا طاف بالبيت قال هؤلاء الكلمات وكان آدم يطوف سبعة أسابيع بالنهار، قال آدم: يا رب اجعل لهذا البيت عمارا يعمرونه من ذريتي فأوحى الله تعالى أني معمره نبيا من ذريتك اسمه إبراهيم أتخذه خليلا أقضي على يديه عمارته وأنيط له سقايته وأريه حله وحرمه ومواقفه وأعلمه مشاعره ومناسكه»، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن آدم سأل ربه فقال: يا رب أسألك من حج هذا البيت من ذريتي لا يشرك بك شيئا أن تلحقه بي في الجنة، فقال الله تعالى: يا آدم من مات في الحرم لا يشرك بي شيئا بعثته آمنا يوم القيامة».
وأخرج الجندي عن مجاهد: «أن آدم طاف بالبيت فلقيته الملائكة فصافحته وسلمت عليه وقالت: بر حجك يا آدم طف بهذا البيت فإنا قد طفناه قبلك بألفي عام، قال لهم آدم: فما كنتم تقولون حوله قالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال آدم: وأنا أزيد فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: «كان موضع الكعبة قد خفي ودرس زمان الغرق فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام وكان موضعه أكمة حمراء مدرة لا تعلوها السيول غير أن الناس يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك ولا يثبت موضعه وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعو عنده المكروب فقل من دعا هنالك إلا استجب له فكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه لإبراهيم عليه السلام لما أراد من عمارة بيته وإظهار دينه وشعائره فلم يزل منذ اهبط الله آدم إلى الأرض معظما محرما بيته تتناسخه الأمم والملل أمة بعد أمة وملة بعد ملة قال: وقد كانت الملائكة تحجه قبل ذلك».
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: «بلغنا - والله أعلم - أن إبراهيم خليل الله عرج به إلى السماء فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها فاختار موضع الكعبة فقالت له الملائكة: يا خليل الله اخترت حرم الله في الأرض فبناه من حجارة سبعة أجبل ويقولون خمسة فكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم عليه السلام من تلك الجبال».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: «أقبل إبراهيم عليه السلام والسكينه والصرد والملك من الشام فقالت السكينة: يا إبراهيم ربض على البيت فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من جبابرة الملوك ولا أعرابي نافر إلا وعليه السكينة والوقار».
وأخرج الأزرقي عن بشر بن عاصم قال: «أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة والملك والصرد دليلا به يتبوأ إبراهيم كما تتبوأ العنكبوت بيتها فرفع صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلا فقالت السكينة: ابن علي، فلذلك لا يدخله أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة».
وأخرج الأزرقي عن علي بن أبي طالب قال: «أقبل إبراهيم والملك والسكينة والصرد دليلا حتى تبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها فحفر ما برز عن أسها أمثال خلف الإبل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلا ثم قال الله لإبراهيم: قم فابن لي بيتا، قال: يا رب وأين قال: سنريك، فبعث الله سحابة فيها رأس يكلم إبراهيم فقال: يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها، فقال له الرأس: أقد فعلت قال: نعم، قال: فارتفعت السحابة فأبرز عن أس نابت من الأرض فبناه إبراهيم عليه السلام».
وأخرج الأزرقي عن قتادة في قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: «ذكر لنا أنه بناه من خمسة أجبل، من طور سينا وطور زيتا ولبنان والجودي وحراء وذكر لنا أن قواعده من حراء».
وأخرج الأزرقي عن الشعبي قال: «لما أمر إبراهيم أن يبني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال لاسماعيل: ائتني بحجر ليكون علما للناس يبتدئون منه الطواف فأتاه بحجر فلم يرضه فأتى إبراهيم بهذا الحجر ثم قال: أتاني به من لم يكلني إلى حجرك».
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو: «أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة وأنه وضعه حيث رأيتم وأنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم فتمسكوا به ما استطعتم فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به إلى حيث جاء به».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه، وابن خزيمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم».
وأخرج البزار عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحجر الأسود من حجارة الجنة».
وأخرج الأزرقي والجندي عن مجاهد قال: «الركن من الجنة ولو لم يكن من الجنة لفني».
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لولا ما طبع من الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة والأثمة لاستشفي به من كل عاهة ولألقاه اليوم كهيئته يوم خلقه الله وإنما غيره الله بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة وإنه لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة فوضعه الله يومئذ لآدم حين أنزله في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل فيها بشيء من المعاصي وليس لها أهل ينجسونها ووضع لها صفا من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من جان الأرض وسكانها يومئذ الجن وليس ينبغي لهم أن ينظروا إليه لأنه من الجنة ومن نظر إلى الجنة دخلها فهم على أطراف الحرم حيث أعلامه اليوم محدقون به من كل جانب بينه وبين الحرم».
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن البيت الذي بوأه الله لآدم كان من ياقوتة حمراء لها بابان أحدهما شرقي والآخر غربي فكان فيها قناديل من نور الجنة آنيتها الذهب منظومة بنجوم من ياقوت أبيض والركن يومئذ نجم من نجومه ووضع لها صفا من الملائكة على أطراف الحرم فهم اليوم يذبون عنه لأنه شيء من الجنة لا ينبغي أن ينظر إليه إلا من وجبت له الجنة ومن نظر إليها دخلها وإنما سمي الحرم لأنهم لا يجاوزونه وإن الله وضع البيت لآدم حيث وضعه والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل عليها شيء من المعاصي وليس لها أهل ينجسونها وكان سكانها الجن».
وأخرج الجندي عن ابن عباس قال: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلم الحجر فقد بايع الله ورسوله».
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس قال: «إن هذا الركن الأسود يمين الله في الأرض يصافح به عباده».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام فهما جوهرتان من جوهر الجنة ولولا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله تعالى».
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «نزل الركن وإنه لأشد بياضا من الفضة ولولا ما مسه من أنجاس الجاهلية وأرجاسهم ما مسه ذو عاهة إلا برئ».
وأخرج الأزرقي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا استلام هذا الحجر فإنكم توشكون أن تفقدوه بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذ أصبحوا وقد فقدوه إن الله لا ينزل شيئا من الجنة إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة».
وأخرج الأزرقي عن يوسف بن ماهك قال: «إن الله جعل الركن عيد أهل هذه القبلة كما كانت المائدة عيدا لبني إسرائيل وإنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم وأن جبريل عليه السلام وضعه في مكانه».
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن الله يرفع القرآن من صدور الرجال والحجر الأسود قبل يوم القيامة».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: «كيف بكم إذا أسرى بالقرآن فرفع من صدوركم ونسخ من قلوبكم ورفع الركن».
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: بلغني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يرفع الركن والقرآن ورؤيا النّبيّ في المنام».
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: «حجوا هذا البيت واستلموا هذا الحجر فوالله ليرفعن أو ليصيبه أمر من السماء إن كانا لحجرين إهبطا من الجنة فرفع أحدهما وسيرفع الآخر وإن لم يكن كما قلت فمن مر على قبري فليقل هذا قبر عبد الله بن عمرو الكذاب».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: «استقبل النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا فالتفت فإذا بعمر يبكي فقال: يا عمر ها هنا تسكب العبرات».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجر الأسود من حجارة الجنة وما في الأرض من الجنة غيره وكان أبيض كالمهاة ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا برئ».
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: «نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس كأنه مهاة بيضاء فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم».

وأخرج الأزرقي عن عكرمة قال: «الركن ياقوتة من يواقيت الجنة وإلى الجنة مصيره» قال: وقال ابن عباس: «لولا ما مسه من أيدي الجاهلية لأبرأ الأكمه والأبرص».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «أنزل الله الركن والمقام مع آدم عليه السلام ليلة نزل بين الركن والمقام فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما وأنس بهما».
وأخرج الأزرقي عن أبي بن كعب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الحجر الأسود نزل به ملك من السماء».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «أنزل الله الركن الأسود من الجنة وهو يتلألأ تلألؤا من شدة بياضه فاخذه آدم فضمه إليه أنسا به».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «نزل آدم من الجنة ومعه الحجر الأسود متأبطه وهو ياقوتة من يواقيت الجنة ولولا أن الله طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه ونزل بالباسة ونخلة العجوة»، قال أبو محمد الخزاعي: «الباسة آلات الصناع».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «أن عمر بن الخطاب سأل كعبا عن الحجر الأسود فقال: مروة من مرو الجنة».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «لولا أن الحجر تمسه الحائض وهي لا تشعر والجنب وهو لا يشعر ما مسه أجذم ولا أبرص إلا برئ».
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان الحجر الأسود أبيض كاللبن وكان طوله كعظم الذراع وما اسود إلا من المشركين كانوا يمسحونه ولولا ذلك ما مسه ذو عاهة إلا برئ».
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن نبيه الحجبي عن أمه أنها حدثته أن أباها حدثها: «أنه رأى الحجر قبل الحريق وهو أبيض يتراءا الإنسان فيه وجهه، قال عثمان: وأخبرني زهير: أنه بلغه أن الحجر من رضراض ياقوت الجنة وكان أبيض يتلألأ فسوده أرجاس المشركين وسيعود لى ما كان عليه وهو يوم القيامة مثل أبي قبيس في العظم له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بحق ويشهد على من استلمه بغير حق».
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وإنما سودته خطايا المشركين يبعث يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا».
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق».
وأخرج الأزرقي عن سلمان الفارسي قال: «الركن من حجارة الجنة أما والذي نفس سلمان بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بالحق».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «الركن يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه والذي نفسي بيده ما من إمرئ مسلم يسأل الله عنده شيئا إلا أعطاه إياه».
وأخرج ابن ماجه عن عطاء بن أبي رباح، أنه سئل عن الركن أسود فقال: حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من فاوضه فإنما يفاوض يد الرحمن».
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق».
وأخرج ابن خزيمه والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الركن يوم القيامه أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان يتكلم عن من استلمه بالنية وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه».

واخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا هذا الحجر خيرا فإنه يأتي يوم القيامة شافع مشفع له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه».
وأخرج الجندي من طريق عطاء بن السائب عن محمد بن سابط عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كان النّبيّ من الأنبياء إذ هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النّبيّ ومن معه حتى يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام وقبورهم بين زمزم والحجر».
وأخرج الأزرقي والجندي من عطاء بن السائب عن محمد بن سابط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مكة لا يسكنها سافك دم ولا تاجر بربا ولا مشاء بنميمة، قال: ودحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت وهي أول من طاف به وهي الأرض التي قال الله: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة الآية 30] وكان النّبيّ من الأنبياء إذا هلك قومه فنجا هو والصالحون معه أتاها بمن معه فيعبدون الله حتى يموتوا فيها وإن قيبر نوح وهود وشعيب وصالح بين زمزم والركن والمقام».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: «حج موسى عليه السلام على جمل أحمر فمر بالروحاء عليه عباءتان قطوانيتان متزر بإحداهما مرتد بالأخرى فطاف بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة فبينما هو يطوف ويلبي بين الصفا والمروة إذ سمع صوتا من السماء وهو يقول: لبيك عبدي أنا معك فخر موسى عليه السلام ساجدا».
وأخرج الأزرقي عن مقاتل قال: «في المسجد الحرام بين زمزم قبر سبعين نبيا منهم هود وصالح واسماعيل وقبر آدم وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف في بيت المقدس».
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس قال: «النظر إلى الكعبة مخض الإيمان».
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن المسيب قال: «من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه».
وأخرج الأزرقي والجندي من طريق زهير بن محمد عن أبي السائب المدني قال: «من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا تحاتت ذنوبه كما يتحات الورق من الشجر»، قال: «والجالس في المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت».
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي والجندي والبيهقي في شعب الإيمان عن عطاء قال: «النظر إلى البيت عبادة والناظر إلى البيت بمنزلة القائم الصائم المخبت المجاهد في سبيل الله».
وأخرج الجندي عن عطاء قال: «إن نظرة إلى هذا البيت في غير طواف ولا صلاة تعدل عبادة سنة قيامها وركوعها وسجودها».
وأخرج ابن أبي شيبة والجندي، عن طاووس قال: «النظر إلى هذا البيت أفضل من عبادة الصائم القائم الدائم المجاهد في سبيل الله».
وأخرج الأزرقي عن إبراهيم النخعي قال: «الناظر إلى الكعبة كالمجتهد في العبادة في غيرها من البلاد».
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مجاهد قال: «النظر إلى الكعبة عبادة».
وأخرج الأزرقي والجندي، وابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين».
وأخرج الجندي عن ابن مسعود قال: «أكثروا الطواف بالبيت قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه».
وأخرج البزار في مسنده، وابن خزيمة، وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة».

وأخرج الجندي عن الزهري قال: «إذا كان يوم القيامة رفع الله الكعبة البيت الحرام إلى بيت المقدس فمر بقبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة فيقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فيقول صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام يا كعبة الله ما حال أمتي فتقول: يا محمد أما من وفد إلي من أمتك فأنا القائم بشأنه وأما من لم يفد من أمتك فأنت القائم بشأنه».
وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن خالد بن معدان قال: «لا تقوم الساعة حتى تزف الكعبة إلى الصخرة زف العروس فيتعلق بها جميع من حج واعتمر فإذا رأتها الصخرة قالت لها: مرحبا بالزائرة والمزورة إليها».
وأخرج الواسطي عن كعب قال: «لا تقوم الساعة حتى يزف البيت الحرام إلى بيت المقدس فينقادان إلى الجنة وفيهما أهلهما والعرض والحساب ببيت المقدس».
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب والديلمي، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة زفت الكعبة البيت الحرام إلى قبري فتقول: السلام عليك يا محمد فأقول: وعليك السلام يا بيت الله ما صنع بك أمتي بعدي فتقول: يا محمد من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعا ومن لم يأتني فأنت تكفيه وتكون له شفيعا».
وأخرج الأزرقي عن أبي إسحاق قال: «بنى إبراهيم عليه السلام البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعا من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعا وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعا وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعا، قال: فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب، قال: وكذلك سنن أساس آدم وجعل بابها بالأرض غير مبوب حتى كان تبع ابن سعد الحميري وهو الذي جعل لها غلقا فارسيا وكساها كسوة تامة ونحر عندها وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز فكان زربا لغنم اسماعيل وحفر إبراهيم جبا في بطن البيت على يمين من دخله يكون خزانة للبيت يلقي فيه ما يهدى للكعبة وكان الله استودع الركن أبا قبيس حين أغرق الله الأرض زمن نوح وقال: إذا رأيت خليلي يبني بيتي فأخرجه له فجاء به جبريل فوضعه في مكانه وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ نورا من شدة بياضه وكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاف الحرم من كل ناحية، قال: وإنما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإسلام».
وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تر إلى قومك حين بنوا الكعبة أقصروا عن قواعد إبراهيم»، فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم، قال: «لولا حدثان قومك بالكفر»، فقال ابن عمر: ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم».
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: «كان ابن الزبير بنى الكعبة من الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام، قال: وهي مكعبة على خلقة الكعب ولذلك سميت الكعبة، قال: ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر وإنما رضمها رضما».
وأخرج الأزرقي عن أبي المرتفع قال: «كنا مع ابن الزبير في الحجر فأول حجر من المنجنيق وقع في الكعبة سمعنا لها أنينا كأنين المريض: آه آه».
وأخرج الجندي عن مجاهد قال: «رأيت الكعبة في النوم وهي تكلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهي تقول: لئن لم تنته أمتك يا محمد عن المعاصي لأنتفضن حتى يصير كل حجر مني في مكان».
وأخرج الجندي عن وهيب بن الورد قال: «كنت أطوف أنا وسفيان بن سعيد الثوري ليلا فانقلب سفيان وبقيت في الطواف فدخلت الحجر فصليت تحت الميزاب فبنا أنا ساجد إذ سمعت كلاما بين أستار الكعبة والحجارة وهي تقول: يا جبريل أشكو إلى الله ثم إليك ما يفعل هؤلاء الطائفون حولي تفكههم في الحديث ولغطهم وشؤمهم»، قال وهيب: «فأولت إن البيت يشكو إلى جبريل عليه السلام» ). [الدر المنثور: 1/ 652-708]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}:
أخرج الدارقطني عن ابن عباس قال: إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم».
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش، أنه قرأ {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} ). [الدر المنثور: 1/ 708]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}:

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله: {وأرنا مناسكنا} قال: «أرنا منسكنا وحجنا» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 59]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (حدثني الثوري عن ابن جريج عن عطاء: {وأرنا مناسكنا} قال: «مذابحنا» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 59]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن أبي التيمي عن كثير بن زياد قال: «سألت الحسن عن الحنيفية فقال: هو حج هذا البيت» قال ابن التيمي وأخبرني جرير عن الضحاك بن مزاحم مثله). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 59]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قالا: «صلى جبريل بإبراهيم الظهر والعصر بعرفات ثم وقف به حتى إذا غربت الشمس دفع به فصلى به المغرب والعشاء بجمع ثم صلى الفجر كأسرع ما صلى أحد من المسلمين» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال أيوب قال ابن أبي مليكة: «صلى به صلاة معجلة ثم وقف به حتى كان كأفضل ما يصلي أحد في المسلمين» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال أيوب: «ثم وقف به حتى إذا كان كالصلاة المؤخرة دفع به ثم رمى الجمرة ثم ذبح ثم حلق ثم أفاض به إلى البيت وقال الله لنبيه: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ في قوله جل وعز: {وأرنا مناسكنا} قال: «ذبايحنا»). [تفسير الثوري: 49]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب، أنا خصيف، عن مجاهدٍ قال: «قال إبراهيم: {ربّنا أرنا مناسكنا} فأخذ جبريل عليه السّلام بيده، فذهب به حتّى أتى به البيت، قال: ارفع القواعد، فرفع إبراهيم القواعد، وأتمّ البنيان، فذهب به إلى الصّفا، فقال: هذا من شعائر اللّه، ثمّ ذهب به إلى المروة، فقال: وهذا من شعائر اللّه، ثمّ أخذ بيده فذهب به نحو منى، فإذا هو بإبليس عند العقبة، عند الشّجرة، فقال له جبريل: كبّر وارمه، فكبّر ورمى، فذهب إبليس حتى قام عند الجمرة الوسطى، فحاذى به جبريل وإبراهيم، فقال جبريل: كبّر وارمه، فكبّر ورمى، فذهب إبليس حتّى أتى الجمرة القصوى، فقال له جبريل: كبّر وارمه، فكبّر ورمى، فذهب إبليس، وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحجّ شيئًا، فلم يستطع، فذهب حتّى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام، ثمّ ذهب حتّى أتى به عرفاتٍ، فقال: هذه عرفاتٌ، قد عرفت ما أريتك؟ قال: نعم - ثلاث مرّاتٍ-، قال: فأذّن في النّاس بالحجّ، قال: وكيف أؤذّن؟ قال: قل يا أيّها النّاس، أجيبوا ربّكم - ثلاث مرّاتٍ - فأجاب العباد: لبّيك اللّهمّ ربّنا لبّيك - مرّتين -، فمن أجاب إبراهيم يومئذٍ من الخلق فهو حاجٌّ».
فقال لي مجاهدٌ: «يا أبا عونٍ، القدريّة لا يصدّقون بهذا» ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 615-616]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةٌ مسلمةٌ لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم}:
وهذا أيضًا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن إبراهيم وإسماعيل أنّهما كانا يرفعان القواعد من البيت وهما يقولان: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك} يعنيان بذلك: واجعلنا مستسلمين لأمرك خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطّاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك.
وقد دلّلنا فيما مضى على أنّ معنى الإسلام الخضوع للّه بالطّاعة.
وأمّا قوله: {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} فإنّهما خصّا بذلك بعض الذّرّيّة؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره قد كان أعلم إبراهيم خليله صلّى اللّه عليه وسلّم قبل مسألته هذه أنّ من ذرّيّته من لا ينال عهده لظلمه وفجوره، فخصّا بالدّعوة بعض ذرّيّتهما. وقد قيل إنّهما عنيا بذلك العرب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} يعنيان العرب».
وهذا قولٌ يدلّ ظاهر الكتاب على خلافه؛ لأنّ ظاهره يدلّ على أنّهما دعوا اللّه أن يجعل من ذرّيّتهما أهل طاعته وولايته والمستجيبين لأمره، وقد كان في ولد إبراهيم العرب وغير العرب، والمستجيب لأمر اللّه والخاضع له بالطّاعة من الفريقين؛ فلا وجه لقول من قال: عنى إبراهيم بدعائه ذلك فريقًا من ولده بأعيانهم دون غيرهم إلاّ التّحكّم الّذي لا يعجز عنه أحدٌ.
وأمّا الأمّة في هذا الموضع، فإنّه يعني بها الجماعة من النّاس، من قول اللّه: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ} ). [جامع البيان: 2/ 565-566]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأرنا مناسكنا}:
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: {وأرنا مناسكنا} بمعنى رؤية العين، أي أظهرها لأعيننا حتّى نراها. وذلك قراءة عامّة قرأة الحجاز والكوفة، وكان بعض من يوجّه تأويل ذلك إلى هذا التّأويل يسكّن الرّاء من أرنا، غير أنّه يشمّها كسرةً.
واختلف قائل هذه المقالة وقرّاء هذه القراءة في تأويل قوله: {مناسكنا} فقال بعضهم: هي مناسك الحجّ ومعالمه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: «{وأرنا مناسكنا} فأراهما اللّه مناسكهما الطّواف بالبيت، والسّعي بين الصّفا والمروة، والإفاضة من عرفاتٍ، والإفاضة من جمعٍ، ورمي الجمار، حتّى أكمل اللّه الدّين أو دينه».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {وأرنا مناسكنا} قال: «أرنا نسكنا، وحجّنا».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «لمّا فرغ إبراهيم وإسماعيل من بنيان البيت أمره اللّه أن ينادي، فقال: {وأذّن في النّاس بالحجّ} فنادى بين أخشبي مكّة: يا أيّها النّاس إنّ اللّه يأمركم أن تحجّوا بيته، قال: فوقرت في قلب كلّ مؤمنٍ، فأجابه كلّ شىء سمعه من جبلٍ أو شجرٍ أو دابّةٍ: لبّيك لبّيك. فأجابوه بالتّلبية: لبّيك اللّهمّ لبّيك. وأتاه من أتاه. فأمره اللّه أن يخرج إلى عرفاتٍ ونعتها فخرج؛ فلمّا بلغ الشّجرة عند العقبة استقبله الشّيطان فرده، فرماه بسبع حصياتٍ يكبّر مع كلّ حصاةٍ، فطار فوقع على الجمرة الثّانية أيضًا، فصدّه فرماه وكبّر، فطار فوقع على الجمرة الثّالثة، فرماه وكبّر، فلمّا رأى أنّه لا يطيقه، ولم يدر إبراهيم أين يذهب، انطلق حتّى أتى ذا المجاز، فلمّا نظر إليه فلم يعرفه جاز فلذلك سميّ ذا المجاز. ثمّ انطلق حتّى وقع بعرفاتٍ، فلمّا نظر إليها عرف النّعت، قال: قد عرفت، فسمّيت عرفاتٍ، فوقف إبراهيم بعرفاتٍ، حتّى إذا أمسى ازدلف إلى جمعٍ، فسمّيت المزدلفة، فوقف بجمعٍ، ثمّ أقبل حتّى أتى الشّيطان حيث لقيه أوّل مرّةٍ فرماه بسبع حصياتٍ سبع مرّاتٍ، ثمّ أقام بمنًى حتّى فرغ من الحجّ وأمره. وذلك قوله: {وأرنا مناسكنا}».
وقال آخرون ممّن قرأ هذه القراءة: المناسك المذابح. فكان تأويل هذه الآية على قول من قال ذلك: وأرنا كيف ننسك لك يا ربّنا نسائكنا فنذبحها لك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: {وأرنا مناسكنا} قال: «ذبحنا».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: «مذابحنا».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال لى عطاءٌ: سمعت عبيد بن عميرٍ، يقول: {وأرنا مناسكنا}، قال: «مذابحنا».
وقرأ ذلك آخرون: (وأرنا مناسكنا) بتسكين الرّاء. وزعموا أنّ معنى ذلك: وعلّمنا ودلّنا عليها، لا أنّ معناها أرناها بالأبصار. وزعموا أنّ ذلك نظير قول حطائط بن يعفر أخي الأسود بن يعفر:


أريني جوادًا مات هزلاً لأنّني ....... أرى ما ترين أو بخيلاً مخلّدا

يعني بقوله أريني: دلّيني عليه وعرّفيني مكانه، ولم يعن به رؤية العين. وهذه قراءةٌ رويت عن بعض المتقدّمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: «{وأرنا مناسكنا} أخرجها لنا، علّمناها».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال ابن المسيّب: قال عليّ بن أبي طالبٍ: «لمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: قد فعلت أي ربّ فأرنا مناسكنا، أبرزها لنا، علّمناها. فبعث اللّه جبريل فحجّ به».
والقول عندى فى ذلك أن تأويل {أرنا} بكسر الراء وتسكينها واحدٌ، فمن كسر الرّاء جعل علامة الجزم سقوط الياء الّتي في قول القائل أريته، أريه. وأقرّ الرّاء مكسورةً كما كانت قبل الجزم. ومن سكّن الرّاء من أرنا توهّم أنّ أعراب الحرف في الرّاء فسكّنها للجزم كما فعلوا ذلك في لم يكن ولم يك. وسواءٌ كان ذلك من رؤية العين، أو من رؤية القلب. ولا معنى لفرق من فرّق بين رؤية العين في ذلك ورؤية القلب.
وأمّا المناسك فإنّها جمع منسكٍ، وهو الموضع الّذي ينسك للّه فيه، ويتقرّب إليه فيه بما يرضيه من عملٍ صالحٍ إمّا بذبح ذبيحةٍ له، وإمّا بصلاةٍ أو طوافٍ أو سعيٍ، وغير ذلك من الأعمال الصّالحة؛ ولذلك قيل لمشاعر الحجّ مناسكه، لأنّها أماراتٌ وعلاماتٌ يعتادها النّاس، ويتردّدون إليها.
وأصل المنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد الّذي يعتاده الرّجل ويألفه، يقال: لفلانٍ منسكٌ، وذلك إذا كان له موضعٌ يعتاده لخيرٍ أو شرٍّ؛ ولذلك سمّيت المناسك مناسك، لأنّها تعتاد ويتردّد إليها بالحجّ والعمرة، وبالأعمال الّتي يتقرّب بها إلى اللّه.
وقد قيل: إنّ معنى النّسك: عبادة اللّه، وأنّ النّاسك إنّما سمّي ناسكًا بعبادة ربّه، فتأوّل قائل هذه المقالة قوله: {وأرنا مناسكنا} وعلّمنا عبادتك كيف نعبدك، وأين نعبدك، وما يرضيك عنّا فنفعله. وهذا القول وإن كان مذهبًا يحتمله الكلام، فإنّ الغالب على معنى المناسك ما وصفنا قبل من أنّها مناسك الحجّ الّتي ذكرنا معناها.
وخرج هذا الكلام من قول إبراهيم وإسماعيل على وجه المسألة منهما ربّهما لأنفسهما، وإنّما ذلك منهما مسألة ربّهما لأنفسهما وذرّيّتهما المسلمين، فلمّا ضمّا ذرّيّتهما المسلمين إلى أنفسهما صارا كالمخبرين عن أنفسهم بذلك. وإنّما قلنا إنّ ذلك كذلك لتقدّم الدّعاء منهما للمسلمين من ذرّيّتهما قبل في أوّل الآية، وتأخّره بعد في الآية الأخرى.
فأمّا الّذي في أوّل الآية فقولهما: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك}. ثمّ جمعا أنفسهما والأمة المسلمة من ذرّيّتهما في مسألتهما ربّهما أن يريهم مناسكهم فقالا: {وأرنا مناسكنا}.
وأمّا الّذى في الآية الّتي بعدها: {ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم} فجعلا المسألة لذرّيّتهما خاصّةً.
وقد ذكر أنّها في قراءة ابن مسعودٍ: وأرهم مناسكهم يعني بذلك: وأر ذرّيّتنا المسلمة مناسكهم). [جامع البيان: 2/ 566-571]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتب علينا}:
أمّا التّوبة فأصلها الأوبة من مكروهٍ إلى محبوبٍ، فتوبة العبد إلى ربّه: أوبته ممّا يكرهه اللّه منه بالنّدم عليه والإقلاع عنه، والعزم على ترك العود فيه. وتوبة الرّبّ على عبده: عوده عليه بالعفو له عن جرمه والصّفع له عن عقوبة ذنبه، مغفرةً له منه، وتفضّلاً عليه.
فإن قال لنا قائلٌ: وهل كان لهما ذنوبٌ فاحتاجا إلى مسألة ربّهما التّوبة؟ قيل: إنّه ليس أحدٌ من خلق اللّه إلاّ وله من العمل فيما بينه وبين ربّه ما يجب عليه الإنابة منه والتّوبة. فجائزٌ أن يكون ما كان من قيلهما ما قالا من ذلك، إنّما خصًّا به الحال الّتي كانا عليها من رفع قواعد البيت، لأنّ ذلك كان أحرى الأماكن أن يستجيب اللّه فيها دعاءهما، وليجعلا ما فعلا من ذلك سنّةً يقتدى بها بعدهما، وتتّخذ النّاس تلك البقعة بعدهما موضع تنصّلٍ من الذّنوب إلى اللّه. وجائزٌ أن يكونا عنيا بقولهما: {وتب علينا} وتب على الظّلمة من أولادنا وذرّيّتنا، الّذين أعلمتنا أمرهم من ظلمهم وشركهم، حتّى ينيبوا إلى طاعتك. فيكون ظاهر الكلام على الدّعاء لأنفسهما، والمعنيّ به ذرّيّتهما، كما يقال: أكرمني فلانٌ في ولدي وأهلي، وبرّني فلانٌ: إذا برّ ولده.
وأمّا قوله: {إنّك أنت التّوّاب الرّحيم} فإنّه يعني به: إنّك أنت العائد على عبادك بالفضل والمتفضّل عليهم بالعفو والغفران، الرّحيم بهم، المستنقذ من تشاء منهم برحمتك من هلكته، المنجّي من تريد نجاته منهم برأفتك من سخطك). [جامع البيان: 2/ 571-572]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم (128)}:
قوله: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك}:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا المقدّميّ ثنا سعيد بن عامرٍ عن سلام بن أبي مطيعٍ هذه الآية: {واجعلنا مسلمين لك} قال: «كانا مسلمين ولكنّهما سألاه الثّبات».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ قال: سمعت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ يقول: «قال إبراهيم: تجعلنا مسلمين لك؟ قال اللّه: نعم».
- حدّثنا أبي ثنا إسماعيل بن رجاء بن حيّان الحصنيّ القرشيّ ثنا معقل ابن عبيد اللّه عن عبد الكريم: {واجعلنا مسلمين لك} قال: «مخلصين لك» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك}:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمدٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ:«{ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} يعنيان العرب».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ قال سمعت عكرمة قال: «قال إبراهيم ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك فقال اللّه: نعم».
- حدّثنا أبي ثنا إسماعيل بن رجاء بن حيّان القرشيّ ثنا معقل بن عبيد اللّه عن عبد الكريم: {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} قال: «مخلصةً» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأرنا}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ: «{وأرنا مناسكنا} أخرجها لنا، علّمناها».
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود ثنا حمّاد بن سلمة عن أبي عاصمٍ الغنويّ عن أبي الطّفيل عن ابن عبّاسٍ قال: «إنّ إبراهيم لمّا أري أوامر المناسك عرض له الشّيطان عند المسعى فسابقه إبراهيم، ثمّ انطلق به جبريل حتّى أتى به منًى، فقال: مناخ النّاس هذا، ثمّ انتهى به إلى جمرة العقبة، فعرض له الشّيطان فرماه بسبع حصياتٍ حتّى ذهب به إلى جمرة الوسطى، فعرض له الشّيطان فرماه بسبع حصياتٍ حتّى ذهب، ثمّ أتاه جمرة القصوى فعرض له الشّيطان فرماه بسبع حصياتٍ حتّى ذهب، ثمّ أتى به جمعًا، فقال: هذا المشعر الحرام، ثمّ أتى به عرفة، فقال: هذه عرفة، فقال له جبريل أعرفت».
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول: {وأرنا مناسكنا} قال: «مذابحنا». وروي عن عطاءٍ وقتادة نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا سعيد بن منصورٍ ثنا عتّاب بن بشيرٍ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ قال: «قال إبراهيم: {أرنا مناسكنا} فأتاه جبريل فأتى به البيت فقال: ارفع القواعد، فرفع، وأتمّ البنيان، ثمّ أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصّفا قال: هذا من شعائر اللّه، ثمّ انطلق به إلى المروة فقال: وهذا من شعائر اللّه، ثمّ انطلق به نحو منًى. فلمّا كان في العقبة إذا إبليس قائمٌ عند الشّجرة، قال: كبّر وارمه، فكبّر ورماه ثمّ انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى فلمّا حاذا به جبريل وإبراهيم، قال: كبّر وارمه فكبّر ورماه فذهب إبليس. وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحجّ شيئًا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام، وأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى عرفاتٍ قد عرفت ما أريتك قالها ثلاث مرّاتٍ؟ قال: نعم». وروي عن ابن مجلز نحو ذلك غير أنّه لم يذكر ذكر القواعد، وعن قتادة نحو ذلك. وزاد فيه: «وأراه حلق الرّأس» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 234-235]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ قال: سمعت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ يقول: «قال اللّه لإبراهيم إنّي مبتليك بأمرٍ فما هو؟ قال إبراهيم: تجعلني للنّاس إمامًا. قال اللّه: نعم. قال إبراهيم: وتتوب علينا. قال اللّه نعم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 235]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وأرنا مناسكنا} يقول: «أرنا مذبحنا»). [تفسير مجاهد: 89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم}:
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم في قوله تعالى: {ربنا واجعلنا مسلمين} قال: «مخلصين».

أخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية قال: «كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات».
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله:«{ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} يعنيان العرب» ). [الدر المنثور: 1/ 708-709]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وأمّا قوله تعالى: {وأرنا مناسكنا}:
أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد قال: «قال إبراهيم عليه السلام: رب أرنا مناسكنا، فاتاه جبريل فأتى به البيت فقال: ارفع القواعد، فرفع القواعد وأتم البنيان ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا قال: هذا من شعائر الله ثم انطلق به إلى المروة فقال: وهذا من شعائر الله ثم انطلق به نحو منى فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة فقال: كبر وارمه، فكبر ورماه ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى فلما حاذى به جبريل وابراهيم قال له: كبر وارمه، فكبر ورمى فذهب إبليس حتى أتى الجمرة القصوى فقال له جبريل: كبر وارمه، فكبر ورمى فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئا فلم يستطع فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام فقال: هذا المشعر الحرام ثم ذهب حتى أتى به عرفات قال: قد عرفت ما أريتك قالها ثلاث مرات، قال: نعم، قال: فأذن في الناس بالحج، قال: وكيف أؤذن قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات فأجاب العباد لبيك اللهم ربنا لبيك فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج».
وأخرج ابن جرير من طريق ابن المسيب، عن علي، قال: «لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا ابرزها لنا علمناها فبعث الله جبريل فحج به».
وأخرج سعيد بن منصور الأزرقي عن مجاهد قال: «حج إبراهيم واسماعيل وهما ماشيان».
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: «كان المقام من أصل الكعبة فقام عليه إبراهيم فتفرجت عنه هذه الجبال أبو قبيس وصواحبه إلى مابينه وبين عرفات فأرأه مناسكه حتى انتهى إليه فقال: عرفت قال: نعم، فسميت عرفات».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مجلز في قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل} قال: «لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل أراه الطواف بالبيت والصفا والمروة ثم انطلقا إلى العقبة فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات فرمى وكبر وقال لابراهيم: ارم وكبر مع كل رمية حتى أمل الشيطان ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أمل الشيطان ثم أتيا الجمرة القصوى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات وقال: ارم وكبر، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أقل ثم أتى به إلى منى فقال: ههنا يحلق الناس رؤوسهم ثم أتى به جمعا فقال: ههنا يجمع الناس الصلاة ثم أتى به عرفات فقال: عرفت، قال: نعم، فمن ثم سميت عرفات».

واخرج الأزرقي عن زهير بن محمد قال: «لما فرغ إبراهيم من البيت الحرام قال: أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا فبعث الله إليه جبريل فحج به حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال: احصب، فحصب سبع حصيات ثم الغد ثم اليوم الثالث فملأ ما بين الجبلين ثم علا على منبر فقال: يا عباد الله أجيبوا ربكم فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان قالوا: لبيك اللهم لبيك، قال: ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها، قال: وأول من أجاب حين أذن بالحج أهل اليمن».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد في قوله: {وأرنا مناسكنا} قال: «مذابحنا».
وأخرج الجندي عن مجاهد قال: «قال الله لإبراهيم عليه السلام قم فابن لي بيتا، قال: أي رب أين، قال: سأخبرك فبعث الله إليه سحابة لها رأس فقالت: يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة، قال: فجعل إبراهيم ينظر إلى السحابة ويخط، فقالت: قد فعلت قال: نعم، فارتفعت السحابة فحفر إبراهيم فأبرز عن أساس نابت من الأرض فبنى إبراهيم فلما فرغ قال: أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا، فبعث الله إليه جبريل يحج به حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال له جبريل: احصب، فحصب بسبع حصيات ثم الغد ثم اليوم الثالث فالرابع ثم قال: أعل ثبيرا، فعلا ثبيرا فقال: أي عباد الله أجيبوا أي عباد الله أطيعوا لله فسمع دعوته ما بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من الإيمان قالوا لبيك أطعناك اللهم أطعناك وهي التي أتى الله إبراهيم في المناسك: لبيك اللهم لبيك ولم يزل على الأرض سبعة مسلمون لولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها».
وأخرج ابن خزيمة والطبراني وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رفعه قال: «لما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض» قال ابن عباس: «الشيطان ترجمون وملة أبيكم إبراهيم تتبعون».
وأخرج الطيالسي وأحمد، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: «إن إبراهيم لما رأى المناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابق إبراهيم فسبقه إبراهيم ثم انطلق به جبريل حتى أراه منى فقال: هذا مناخ الناس، فلما انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات من ذهب ثم أتى به إلى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أتى به إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب فأتى به جمعا فقال: هذا المشعر، ثم أتى به عرفة فقال: هذه عرفة، فقال له جبريل: أعرفت قال: نعم، ولذلك سميت عرفة، أتدري كيف كانت التلبية: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج أمرت الجبال فخفضت رؤوسها ورفعت له القرى فأذن في الناس بالحج».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وأرنا مناسكنا} قال: «أراهما الله مناسكهما، الموقف بعرفات والإفاضة من جمع ورمي الجمار والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة»). [الدر المنثور: 1/ 709-715]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) }:
- قال نعيم بن حماد الخزاعي المروزي (ت: 228هـ): (حدثني محمد بن كثير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: {الكتاب والحكمة} قال: الكتاب والسنة.
- أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله). [الزهد لابن المبارك: 2/ 239-240]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنّك أنت العزيز الحكيم}:


وهذه دعوة إبراهيم وإسماعيل لنبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً، وهي الدّعوة الّتي كان نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى».
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان الكلاعيّ: أنّ نفرًا، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: يا رسول اللّه أخبرنا عن نفسك. قال: «نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى عليه السلام».
- حدّثني عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا أبو اليمان، قال: حدّثنا أبو كريبٍ، عن أبي مريم، عن سعيد بن سويدٍ، عن العرباض بن سارية السّلميّ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّي عند اللّه في أمّ الكتاب خاتم النّبيّين وإنّ آدم لمنجدلٌ في طينته، وسوف أنبّئكم بتأويل ذلك: أنا دعوة أبي عيسى قومه ورؤيا أمّي».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني معاوية، وحدّثني عبيد بن آدم بن أبي إياسٍ العسقلانيّ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا اللّيث بن سعدٍ، عن معاوية بن صالحٍ قالا جميعًا، عن سعيد بن سويدٍ، عن عبد اللّه بن هلالٍ السّلميّ، عن عرباض بن سارية السّلميّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن سعيد بن سويدٍ، عن عبد الأعلى بن هلالٍ السّلميّ، عن عرباض بن سارية أنّه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول؛ فذكر نحوه.
وبالّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: «{ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم} ففعل اللّه ذلك، فبعث فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه، يخرجهم من الظّلمات إلى النّور، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم} هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم} هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقيل له: قد استجيب ذلك، وهو في آخر الزّمان».
ويعني تعالى ذكره بقوله: {يتلو عليهم آياتك} يقرأ عليهم كتابك الّذي توحيه إليه). [جامع البيان: 2/ 572-575]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويعلّمهم الكتاب والحكمة}:
ويعني بالكتاب القرآن. وقد بيّنت فيما مضى لم سمّي القرآن كتابًا وما تأويله. وهو قول جماعةٍ أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ويعلّمهم الكتاب} قال: «الكتاب القرآن».
ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى الحكمة الّتي ذكرها اللّه في هذا الموضع. فقال بعضهم: هي السّنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {والحكمة}: «أي السّنّة».
وقال بعضهم: الحكمة هي المعرفة بالدّين والفقه فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: «قلت لمالكٍ: ما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدّين، والفقه في الدّين، والاتّباع له».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {والحكمة} قال: «الحكمة: الدّين الّتي لا يعرفونها إلاّ به صلّى اللّه عليه وسلّم يعلّمهم إيّاها، قال: والحكمة: العقل في الدّين وقرأ: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا}، وقال لعيسى: {ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}، قال: وقرأ ابن زيدٍ: {واتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها}. قال: لم ينتفع بالآيات حين لم تكن معها حكمةٌ، قال: والحكمة شيءٌ يجعله اللّه في القلب ينوّر له به».
والصّواب من القول عندنا في الحكمة، أنّها العلم بأحكام اللّه الّتي لا يدرك علمها إلاّ ببيان الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم والمعرفة بها، وما دلّ عليه ذلك من نظائره. وهو عندي مأخوذٌ من الحكم الّذي بمعنى الفصل بين الحقّ والباطل بمنزلة الجلسة والقعدة من الجلوس والقعود، يقال منه: إنّ فلانًا لحكيمٌ بيّن الحكمة، يعني به أنّه لبيّن الإصابة في القول والفعل.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك، ويعلّمهم كتابك الّذي تنزّله عليهم، وفصل قضائك، وأحكامك الّتي تعلّمه إيّاها). [جامع البيان: 2/ 575-577]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {ويزكّيهم}:
قد دلّلنا فيما مضى قبل على أنّ معنى التّزكية: التّطهير، وأنّ معنى الزّكاة: النّماء والزّيادة. فمعنى قوله: {ويزكّيهم} في هذا الموضع: ويطهّرهم من الشّرك باللّه وعبادة الأوثان وينمّيهم ويكثّرهم بطاعة اللّه.
- كما حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يتلو عليهم آياتك ويزكّيهم} قال: «يعني بالزّكاة، طاعة اللّه والإخلاص».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قوله: {ويزكّيهم} قال: «يطهّرهم من الشّرك ويخلّصهم منه» ). [جامع البيان: 2/ 577]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّك أنت العزيز الحكيم}:
يعني تعالى ذكره بذلك: إنّك يا ربّ أنت العزيز القويّ الّذي لا يعجزه شيءٌ أراده، فافعل بنا وبذرّيّتنا ما سألناه وطلبناه منك. والحكيم: الّذي لا يدخل تدبيره خللٌ ولا زللٌ، فأعطنا ما ينفعنا وينفع ذرّيّتنا، ولا ينقصك ولا ينقص خزائنك). [جامع البيان: 2/ 578]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): {ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنّك أنت العزيز الحكيم (129)}:
قوله: {ربّنا وابعث فيهم رسولا}:
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن سعيد بن سويدٍ عن عبد الأعلى بن هلالٍ المكيّ عن عرباض بن سارية قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّي عند اللّه لخاتم النّبيّين، وإنّ آدم لمنجدلٌ في طينته وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قوله: «{ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم} يعني أمّة محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فقيل له: قد استجيب لك، وهو كائنٌ في آخر الزّمان»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 236]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: منهم
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «{وابعث فيهم رسولا منهم} وهو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم». [تفسير القرآن العظيم: 1/ 236]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يتلوا عليهم آياتك}:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: {ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلوا عليهم آياتك} قال: «ففعل الله ذلك، فبعث فيهم رسولا من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه، يخرجهم من الظّلمات إلى النّور ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {آياتك} «يعني القرآن» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 236]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويعلّمهم الكتاب}:
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا أسباط بن محمّدٍ عن الهذليّ عن الحسن في قوله: {ويعلّمهم الكتاب} قال: «الكتاب: القرآن». وروي عن يحيى بن أبي كثيرٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد ثنا محمّد بن العلاء ثنا يونس بن بكيرٍ عن مطر بن منصور عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {الكتاب} قال: «الخطّ بالقلم».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا زنيجٌ ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق: {
ويعلّمهم الكتاب والحكمة} قال: «يعلّمهم الخير والشّرّ ليعرفوا الخير فيعملوه والشّرّ فيتّقوه، ويخبركم برضائه عنكم إذا أطعتموه لتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 236-237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والحكمة}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ والحسن بن محمّد بن الصّبّاح قالا: ثنا أسباط بن محمّدٍ عن الهذليّ عن الحسن في قوله: {ويعلّمهم الكتاب والحكمة} قال: «الحكمة حكمة السّنّة».
وروي عن أبي مالكٍ ومقاتل بن حيّان وقتادة ويحيى بن أبي كثيرٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: «{الحكمة} يعني النّبوّة».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو همّامٍ ثنا ابن وهبٍ حدّثني ابن زيد بن أسلم عن أبيه قال: «الحكمة: العقل في الدّين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويزكّيهم}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: «{ويزكّيهم} يعني بالزّكاة طاعة اللّه والإخلاص»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّك أنت العزيز}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: {
العزيز} يقول: «عزيزٌ في نقمته إذا انتقم».
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق: «العزيز في نصرته ممّن كفر به إذا شاء»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الحكيم}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: {العزيز الحكيم} قال: «الحكيم في أمره».
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة قال محمّدٌ: «الحكيم في عذره، وحجّته إلى عباده»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}:
أخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين».
وأخرج أحمد، وابن سعد والطبراني، وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة قال: قلت يا رسول الله ما كان بدء أمرك قال: «دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام».
وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أنا دعوة إبراهيم» قال وهو يرفع القواعد من البيت {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} حتى أتم الآيه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العاليه في قوله:«{ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} يعني أمة محمد، فقيل له: قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وابعث فيهم رسولا منهم} قال: «هو محمد صلى الله عليه وسلم».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال: «السنة».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال: «الحكمة السنة»، قال: «ففعل ذلك بهم فبعث فيهم رسولا منهم يعرفون اسمه ونسبه يخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم».
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {يزكيهم} قال: «يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {العزيز الحكيم} قال: «عزيز في نقمته إذا انتقم حكيم في أمره» ). [الدر المنثور: 1/ 715-717]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:44 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل...}

يقال: هي أساس البيت, واحدتها : قاعدة، ومن النساء اللواتي قد قعدن عن المحيض قاعد بغير هاء, ويقال لامرأة الرجل: قعيدته).
[معاني القرآن: 1/ 78]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله:{ربّنا تقبّل منّا...}
يريد: يقولان ربنا, وهي في قراءة عبد الله: {ويقولان ربنا}). [معاني القرآن: 1/ 78]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قواعد البيت}: أساسه، مخفف، والجميع أسس، وجماع الأسّ إذا ضممته آساس، تقديره: أفعال؛ {والقواعد}: الواحد من قواعد البيت: قاعدة, والواحدة من قواعد النسا : قاعدة، وقاعد أكثر، قال الكميت ابن زيد:

في ذروة من يفاعٍ أوّلهم ....... زانت عواليها قواعدها

وقال أيضاً:

وعاديةٍ من بناء الملوك ....... تمتّ قواعد منها وسورا

واحدها: قاعدة.
{يرفع}: أي: يبني). [مجاز القرآن: 1/ 54-55]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}:
قال: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} , أي: كان إسماعيل الذي قال: {ربّنا تقبّل منّا}). [معاني القرآن: 1/ 114]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} الواحد: قاعدة؛ وهي أصول الحيطان؛ وأما {القواعد من النساء} فالواحدة: قاعد، بغير هاء، مثل: طامث وحائض، والقاعد من الزوج، وطيء تقول: قعدت من الزوج فهي قاعد، وتميم تقول: قعدت من الزوج.
وقال حميد:
إزاء معاش لا يزال نطاقها = شديدًا وفيها سؤرة وهي قاعد
سؤرة: بقية من جمال وشباب). [معاني القرآن لقطرب: 334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({قواعد البيت}: أساسه الواحدة منه قاعدة ويقال قاعد وقواعد النساء واحدتهن قاعد. القواعد الأزواج). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({القواعد من البيت}: أساسه, واحدها: قاعدة, فأما قواعد النساء , فواحدها: قاعد, وهي العجوز.). [تفسير غريب القرآن: 63-64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم (127)}
القواعد: واحدتها قاعدة , وهي كالأساس, والأس للبنيان، إلا أن كل قاعدة فهي للتي فوقها، وإسماعيل عطف على إبراهيم.
وقوله:{ربّنا تقبّل منّا},والمعنى يقولان :{ربّنا تقبّل منّا}, ومثله في كتاب اللّه:
{والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم) ومثله: (والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب (23) سلام عليكم}أي: يقولون سلام عليكم).
[معاني القرآن: 1/ 208]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{القواعد} من النساء: واحدتها: قاعد، والقواعد من البناء: يعني: الأساس، واحدتها: قاعدة).[ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{القواعد} أساس البيت، واحدتها قاعدة، وواحدة قواعد النساء : قاعد, وهي العجوز). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْقَوَاعِــــدَ}: الأســـــاس). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأرنا مناسكنا...}
وفي قراءة عبد الله: {وأرهم مناسكهم} ذهب إلى الذّرّيّة, {وأرنا} ضمّهم إلى نفسه، فصاروا كالمتكلّمين عن أنفسهم؛ يدلّك على ذلك قوله: {وابعث فيهم رسولًا} رجع إلى الذّرّيّة خاصّة). [معاني القرآن: 1/ 79]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وأرنا مناسكنا}, أي: علّمنا، قال حطائط بن يعفر:
أريني جواداً مات هزلاً لأننني ....... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّداً

لأنني بفتح اللام, أراد: دلّيني , ولم يرد رؤية العين، ومعنى (لأنني): لعلني). [مجاز القرآن: 1/ 55]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مّسلمةً لّك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم}:
قال: {وأرنا مناسكنا}, وقال بعضهم : {وأرنا} أسكن الراء كما تقول "قد علم ذلك " , وبالكسر نقرأ, وواحد "المناسك": "منسك" : مث: ل "مسجد" , ويقال أيضاً: "منسك"). [معاني القرآن: 1/ 114-115]

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة شيبة وأبي جعفر {أرنا} بكسر الراء.
قراءة أبي عمرو {وأرنا مناسكنا}.
قراءة أهل مكة {وأرنا مناسكنا}؛ كأنه يشم يريد الكسر؛ وبعض العرب يقول: أرنا فيسكن بمعنى هات، ومعنى الرؤية.
وأما قراءة أهل مكة فكما قرأ الأعمش وأبو عمرو {ما لك لا تأمننا} بإشمام، وعرف يونس ذلك وسنذكر كل ما فيه في موضعه إن شاء الله.
وقال يونس: يقولون لم يلد ذا؛ يريدون: لم يلد؛ وانطلق إليه؛ فيسكنون اللامين ويفتحون الآخر لسكون ما قبله.
وحكي لنا أيضًا: لم يلد ذا، وانطلق إليه.
قال الشاعر:
عجبت لمولود وليس له أب = وذي ولد لم يلده أبوان
ففتح.
[معاني القرآن لقطرب: 258]
وقال الآخر:
ووالله لولا مقتهم ما سببتهم = ولكنني لم أجد من سبهم أبدا
فكسر). [معاني القرآن لقطرب: 259]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {وأرنا مناسكنا} وقد قرئ الواحد على وجهين:
قراءة الحسن وغيره {منسكا} وقراءة الأعمش {منسكا} بالكسر.
وقوله عز وجل {أو صدقة أو نسك} والنسيكة عند العرب: التي تذبح للنصب؛ وقد نسكتها أنسكها نسكا؛ أي جعلتها قربانًا، وقالوا: نسك الرجل، ونسك، وتأله نسكا بالضم، ونساكة في الدين). [معاني القرآن لقطرب: 334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وأرنا مناسكنا}: أي علمنا. وقوله {ولو يرى الذين ظلموا}: أي يعلم الذين ظلموا). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأرنا مناسكنا},أي : علّمنا). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم (128)}:
تفسير المسلم في اللغة الذي قد استسلم لأمر اللّه كله , وخضع له، فالمسلم المحقق هو الذي أظهر القبول لأمر اللّه كله , وأضمر مثل ذلك، وكذلك قوله: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}
المعنى: قولوا جميعاً: خضعنا, وأظهرنا الإسلام, وباطنهم غير ظاهرهم ؛ لأن هؤلاء منافقون, فأظهر اللّه عزّ وجلّ النبي على أسرارهم، فالمسلم على ضربين مظهر القبول , ومبطن مثل ما يظهر، فهذا يقال له : مؤمن، ومسلم إنما يظهر غير ما يبطن فهذا غير مؤمن؛ لأن التصديق والإيمان هو بالإظهار مع القبول، ألا ترى أنهم إنما قيل لهم {ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}, أي: أظهرتم الإيمان خشية.
وقوله: عزّ وجلّ: {وأرنا مناسكنا}:
معناه: عزفنا متعبداتنا، وكل متعبّد , فهو منسك ومنسك، ومن هذا قيل للعابد: ناسك، وقيل للذبيحة المتقرب بها إلى الله تعالى: النسيكة؛كأنّ الأصل في النسك : إنما هو من الذبيحة للّه جلّ وعزّ, وتقرأ أيضاً {وأرنا} على ضربين: بكسر الراء , وبإسكانها, والأجود الكسر.
وإنما أسكن أبو عمرو؛ لأنه جعله بمنزلة فخذ , وعضد , وهذا ليس بمنزلة فخذ, ولا عضد؛ لأن الأصل في هذا { أرئنا}, فالكسرة إنما هي كسرة همزة ألقيت, وطرحت حركتها على الراء , فالكسرة دليل الهمزة، فحذفها قبيح، وهو جائز على بعده ؛ لأن الكسر والضم إنما يحذف على جهة الاستثقال.
فاللفظ بكسرة الهمزة , والكسرة التي في بناء الكلمة واللفظ به واحد، ولكن الاختيار ما وصفنا أولاً). [معاني القرآن: 1/ 208-209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وأرنا مناسكنا}: علمناها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَأَرِنَا}: علمنا, {مَنَاسِكَنَا}: الموقف الذي يذكر الله فيه مثل: عرفات, وغيرها). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ويزكّيهم} أي: يطهّرهم، قال: {نفساً زكيّةً}, أي: مطّهرة). [مجاز القرآن: 1/ 56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ويزكيهم}: يطهرهم، ونفس زاكية منه). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والحكمة: الفقه, والعلم). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ويزكيهم} أي: يطهرهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُزَكِّيهِـمْ}: يطهرهـم). [العمدة في غريب القرآن: 84]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 09:33 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}:
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل عن سحائب مرت فقال: «كيف ترون قواعدها وبواسقها ورحاها، أجون أم غير ذلك؟ أم كيف ترون رحاها؟
»
ثم سأل عن البرق فقال: «أخفوا أم وميضا أم يشق شقا» فقالوا: يشق شقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاءكم الحيا».
فالقواعد هي أصولها المعترضة في آفاق السماء. وأحسبها مشبهة بقواعد البيت وهي حيطانه، والواحدة منها: قاعدة.
وقال الله عز وجل: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}، وأما البواسق، ففروعها المستطيلة إلى وسط السماء وإلى الأفق الآخر، وكذلك كل طويل فهو باسق قال الله تبارك وتعالى: {والنخل باسقات لها طلع نضيد} ).
[غريب الحديث: 2/ 449-501]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( والسميع من الأضداد؛ يقال: السميع للذي يسمع، والسميع للذي يسمع غيره، والأصل فيه مسمع.

فصرف عن (مُفْعِل) إلى (فَعِيل)، كما قال تبارك وتعالى: {ولهم عذاب أليم}، أراد مؤلم موجع. وقال عمرو بن معدي كرب:
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقـنـي وأصحـابـي هـجــوع
أراد المسمع. وقال ذو الرمة:
وترفع من صدور شمرد لاتيـصـك وجوهـهـا وهــج ألـيــم

أراد (مؤلم) ). [كتاب الأضداد: 83-84]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والأمة: تباع الأنبياء، والأمة: الجماعة، والأمة: الصالح الذي يؤتم به، والأمة: الدين والأمة: المنفرد بالدين، والأمة: الحين من الزمان، والأمة: الأم، والأمة: القامة؛ وجمعها أمم، قال الأعشى:
وإن مـــعـــاويـــة الأكـــرمـــيــن حسان الوجوه طوال الأمم
في ألفاظ كثيرة يطول إحصاؤها وتعديدها، تصحبها العرب من الكلام ما يدل على المعنى المخصوص منها). [كتاب الأضداد: 6]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) }
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم (127) ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم (128) ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنّك أنت العزيز الحكيم (129)}:
المعنى: واذكر إذ، والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس، وقال الفراء: «هي الجدر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وفي هذا تجوز»، والقواعد من النساء جمع قاعد وهي التي قعدت عن الولد، وحذفت تاء التأنيث لأنه لا دخول للمذكر فيه، هذا قول بعض النحاة، وقد شذ حذفها مع اشتراك المذكر بقولهم ناقة ضامر، ومذهب الخليل أنه متى حذفت تاء التأنيث زال الجري على الفعل وكان ذلك على النسب.
والبيت هنا الكعبة بإجماع، واختلف بعض رواة القصص: فقيل إن آدم أمر ببنائه، فبناه، ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده، وقيل: إن آدم هبط به من الجنة، وقيل: إنه لما استوحش في الأرض حين نقص طوله وفقد أصوات الملائكة أهبط إليه وهو كالدرة، وقيل: كالياقوتة، وقيل: إن البيت كان ربوة حمراء، وقيل بيضاء، ومن تحته دحيت الأرض، وإن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله ورفع قواعده.
والذي يصح من هذا كله أن الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت، وجائز قدمه وجائز أن يكون ذلك ابتداء، ولا يرجح شيء من ذلك إلا بسند يقطع العذر، وقال عبيد بن عمير: «رفعها إبراهيم وإسماعيل معا»، وقال ابن عباس: «رفعها إبراهيم، وإسماعيل يناوله الحجارة»، وقال علي بن أبي طالب: «رفعها إبراهيم، وإسماعيل طفل صغير».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولا يصح هذا عن علي رضي الله عنه، لأن الآية والآثار ترده»، وإسماعيل عطف على إبراهيم، وقيل هو مقطوع على الابتداء وخبره فيما بعد، قال الماوردي: «إسماعيل أصله اسمع يا إيل».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا ضعيف»، وتقدير الكلام: يقولان ربنا تقبل، وهي في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود كذلك بثبوت «يقولان»، وقالت فرقة: التقدير وإسماعيل يقول ربنا، وحذف لدلالة الظاهر عليه، وكل هذا يدل على أن إسماعيل لم يكن طفلا في ذلك الوقت). [المحرر الوجيز: 1/ 349-350]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وخصّا هاتين الصفتين لتناسبهما مع حالهما، أي السّميع لدعائنا والعليم بنياتنا.
وقولهما اجعلنا بمعنى صيرنا تتعدى إلى مفعولين، ومسلمين هو المفعول الثاني، وكذلك كانا، فإنما أرادا التثبيت والدوام، والإسلام في هذا الموضع الإيمان والأعمال جميعا، وقرأ ابن عباس وعوف: «مسلمين» على الجمع، ومن في قوله ومن ذرّيّتنا للتبعيض، وخص من الذرية بعضا لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين، والأمة الجماعة، وحكى الطبري أنه أراد بذلك العرب خاصة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهو ضعيف، لأن دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم، وقرأ نافع وحمزة والكسائي، «أرنا» بكسر الراء، وقرأ ابن كثير «أرنا» بإسكان الراء، وقرأ أبو عمرو بين الإسكان والكسر اختلاسا، والأصل أرئينا حذفت الياء للجزم ونقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت تخفيفا، واستثقل بعد من سكن الراء الكسرة كما استثقلت في فخذ، وهنا من الإجحاف ما ليس في فخذ، وقالت طائفة: أرنا من رؤية البصر، وقالت طائفة: من رؤية القلب، وهو الأصح، ويلزم قائله أن يتعدى الفعل منه إلى ثلاثة مفعولين، وينفصل عنه بأنه يوجد معدى بالهمزة من رؤية القلب كغير المعدى.
قال حطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر
أريني جوادا مات هزلا لأنني ....... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
وقال قتادة: «المناسك معالم الحج»، وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ودعا بهذه الدعوة بعث الله إليه جبريل فحج به»، وقال ابن جريج: «المناسك المذابح أي مواضع الذبح»، وقال فريق من العلماء: المناسك العبادات كلها، ومنه الناسك أي العابد، وفي قراءة ابن مسعود «وأرهم مناسكهم» كأنه يريد الذرية، والتوبة الرجوع، وعرفه شرعا من الشر إلى الخير وتوبة الله على العبد رجوعه به وهدايته له.
واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون، فقالت طائفة: طلبا التثبيت والدوام، وقيل: أرادا من بعدهما من الذرية كما تقول برني فلان وأكرمني وأنت تريد في ولدك وذريتك، وقيل وهو الأحسن عندي: إنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت وأطاعا أرادا أن يسنا للناس أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة. وقال الطبري: «إنه ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وبينه وبين الله تعالى معان يحب أن تكون أحسن مما هي».
وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة، واختلف في غير ذلك من الصغائر، والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأتوب إلى الله في اليوم وأستغفره سبعين مرة» إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لتزيد علومه واطلاعه على أمر الله، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى، والتوبة هنا لغوية). [المحرر الوجيز: 1/ 350-352]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم} الآية، هذا هو الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى»، ومعنى منهم أن يعرفوه ويتحققوا فضله ويشفق عليهم ويحرص، ويتلوا في موضع نصب نعت لرسول أي تاليا عليهم، ويصح أن يكون في موضع الحال، والآيات آيات القرآن، والكتاب القرآن، ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ويعلم طرق النظر بما يلقيه الله إليه ويوحيه، وقال قتادة: «الحكمة السنة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرائع»، وروى ابن وهب عن مالك: «أن الحكمة الفقه في الدين والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى»، ويزكّيهم: معناه يطهرهم وينميهم بالخير، ومعنى الزكاة لا يخرج عن التطهير أو التنمية، والعزيز: الذي لا يغلب ويتم مراده ولا يرد، والحكيم: المصيب مواقع الفعل المحكم لها). [المحرر الوجيز: 1/ 352-353]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم*ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم}
فالقواعد: جمع قاعدةٍ، وهي السّارية والأساس، يقول تعالى: واذكر -يا محمّد -لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل، عليهما السّلام، البيت، ورفعهما القواعد منه، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} فهما في عملٍ صالحٍ، وهما يسألان اللّه تعالى أن يتقبّل منهما، كما روى ابن أبي حاتمٍ من حديث محمّد بن يزيد بن خنيسٍ المكّيّ، عن وهيب بن الورد: «أنّه قرأ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} ثمّ يبكي ويقول: يا خليل الرّحمن، ترفع قوائم بيت الرّحمن وأنت مشفق أن لا يتقبّل منك». وهذا كما حكى اللّه تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى: {والّذين يؤتون ما آتوا} أي: يعطون ما أعطوا من الصّدقات والنّفقات والقربات {وقلوبهم وجلةٌ} [المؤمنون: 60] أي: خائفةٌ ألّا يتقبّل منهم. كما جاء به الحديث الصّحيح، عن عائشة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما سيأتي في موضعه.
وقال بعض المفسّرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم، والدّاعي إسماعيل. والصّحيح أنّهما كانا يرفعان ويقولان، كما سيأتي بيانه.
وقد روى البخاريّ هاهنا حديثًا سنورده ثمّ نتبعه بآثارٍ متعلّقةٍ بذلك. قال البخاريّ، رحمه اللّه: حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن أيّوب السخيتاني وكثير بن كثير بن المطّلب بن أبي وداعة -يزيد أحدهما على الآخر -عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: «أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل، عليهما السّلام اتّخذت منطقًا ليعفّي أثرها على سارّة. ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، عليهما السّلام، وهي ترضعه، حتّى وضعهما عند البيت عند دوحةٍ فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكّة يومئذٍ أحدٌ، وليس بها ماءٌ فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ وسقاء فيه ماءٌ، ثمّ قفّى إبراهيم، عليه السّلام، منطلقًا. فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت آللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم، عليه السّلام، حتّى إذا كان عند الثّنيّة حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثمّ دعا بهؤلاء الدّعوات، ورفع يديه، قال: {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدةً من النّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون} [إبراهيم: 37]، وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل، عليهما السّلام، وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ماء السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبّط -فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. فهبطت من الصّفا حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي. ثمّ أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. ففعلت ذلك سبع مرّاتٍ، قال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «فلذلك سعى النّاس بينهما». فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صهٍ، تريد نفسها، ثمّ تسمّعت فسمعت أيضًا. فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه -أو قال: بجناحه -حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوّضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف». قال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يرحم اللّه أمّ إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء -لكانت زمزم عينًا معينًا». قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضّيعة؛ فإنّ هاهنا بيتًا للّه، عزّ وجلّ، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ اللّه، عزّ وجلّ، لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرّابية تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقةٌ من جرهم -أو أهل بيتٍ من جرهم -مقبلين من طريق كداء. فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرًا عائفًا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على الماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماءٌ. فأرسلوا جريًّا أو جريّين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا. قال: وأمّ إسماعيل عند الماء. فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عبّاسٍ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس». فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم. حتّى إذا كان بها أهل أبياتٍ منهم وشبّ الغلام، وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأةً منهم. وماتت أمّ إسماعيل، عليهما السّلام، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل ليطالع تركته. فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيقٍ وشدّةٍ. وشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، وقولي له: يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل، عليه السّلام، كأنّه أنس شيئًا. فقال: هل جاءكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، جاءنا شيخٌ كذا وكذا، فسأل عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي. وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك. فطلّقها وتزوّج منهم بأخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اللّه، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده. فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخيرٍ وسعةٍ. وأثنت على اللّه عزّ وجلّ. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللّهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذٍ حب، ولو كان لهم، لدعا لهم فيه». قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبّت عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل، عليه السّلام، قال: هل أتاكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، أتانا شيخٌ حسن الهيئة، وأثنت عليه فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخيرٍ. قال: فأوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحةٍ قريبًا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد. ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ اللّه أمرني بأمرٍ. قال: فاصنع ما أمرك ربّك، عزّ وجلّ. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ اللّه أمرني أن أبني هاهنا بيتًا -وأشار إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها -قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}، قال: فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}. ورواه عبد بن حميدٍ عن عبد الرّزّاق به مطوّلًا.
ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبي عبد اللّه محمّد بن حمّاد الظّهرانيّ. وابن جريرٍ، عن أحمد بن ثابتٍ الرّازيّ، كلاهما عن عبد الرّزّاق به مختصرًا.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا إسماعيل بن عليّ بن إسماعيل، حدّثنا بشر بن موسى، حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزرقيّ، حدّثنا مسلم بن خالدٍ الزّنجيّ، عن عبد الملك بن جريج، عن كثير بن كثيرٍ، قال: «كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان، وعبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي حسينٍ في ناسٍ مع سعيد بن جبيرٍ، في أعلى المسجد ليلًا فقال سعيد بن جبيرٍ: سلوني قبل أن لا تروني. فسألوه عن المقام. فأنشأ يحدّثهم عن ابن عبّاسٍ، فذكر الحديث بطوله».
ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ. حدّثنا أبو عامرٍ عبد الملك بن عمرٍو حدّثنا إبراهيم بن نافعٍ، عن كثير بن كثيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأمّ إسماعيل، ومعهم شنّة فيها ماءٌ، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنّة، فيدرّ لبنها على صبيّها، حتّى قدم مكّة فوضعها تحت دوحةٍ، ثمّ رجع إبراهيم إلى أهله، فاتّبعته أمّ إسماعيل، حتّى بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم، إلى من تتركنا؟ قال: إلى اللّه، عزّ وجلّ. قالت: رضيت باللّه. قال: فرجعت، فجعلت تشرب من الشّنّة، ويدر لبنها على صبيها حتّى لمّا فني الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحسّ أحدًا. قال: فذهبت فصعدت الصّفا، فنظرت ونظرت هل تحسّ أحدًا، فلم تحسّ أحدًا. فلمّا بلغت الوادي سعت حتّى أتت المروة، ففعلت ذلك أشواطًا ثمّ قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، تعني الصّبيّ، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنّه ينشغ للموت، فلم تقرّها نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحسّ أحدًا. قال: فذهبت فصعدت الصّفا، فنظرت ونظرت فلم تحس أحدًا، حتّى أتمّت سبعًا، ثمّ قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فإذا هي بصوتٍ، فقالت: أغث إن كان عندك خيرٌ. فإذا جبريل، عليه السّلام، قال: فقال بعقبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض. قال: فانبثق الماء، فدهشت أمّ إسماعيل، فجعلت تحفر. قال: فقال أبو القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو تركته لكان الماء ظاهرًا». قال: فجعلت تشرب من الماء ويدرّ لبنها على صبيّها. قال: فمرّ ناسٌ من جرهم ببطن الوادي، فإذا هم بطيرٍ، كأنّهم أنكروا ذلك، وقالوا: ما يكون الطّير إلّا على ماءٍ فبعثوا رسولهم فنظر، فإذا هو بالماء. فأتاهم فأخبرهم. فأتوا إليها فقالوا: يا أمّ إسماعيل، أتأذنين لنا أن نكون معك -ونسكن معك؟ -فبلغ ابنها ونكح فيهم امرأةً. قال: ثمّ إنّه بدا لإبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لأهله: إنّي مطّلع تركتي. قال: فجاء فسلّم، فقال: أين إسماعيل؟ قالت امرأته: ذهب يصيد. قال: قولي له إذا جاء: غيّر عتبة بيتك. فلمّا جاء أخبرته، قال: أنت ذاك، فاذهبي إلى أهلك. قال: ثمّ إنّه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إنّي مطّلع تركتي. قال: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد. فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟ فقال: ما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللّحم، وشرابنا الماء. قال: اللّهمّ بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال أبو القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم: «بركة بدعوة إبراهيم»
قال: ثمّ إنّه بدا لإبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لأهله: إنّي مطّلع تركتي. فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له فقال: يا إسماعيل، إنّ ربّك، عزّ وجلّ، أمرني أن أبني له بيتًا. فقال: أطع ربّك، عزّ وجلّ. قال: إنّه قد أمرني أن تعينني عليه؟ فقال: إذن أفعل -أو كما قال -قال: فقاما قال فجعل إبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}. قال: حتّى ارتفع البناء وضعف الشّيخ عن نقل الحجارة. فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة ويقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}. هكذا رواه من هذين الوجهين في كتاب الأنبياء.
والعجب أنّ الحافظ أبا عبد اللّه الحاكم رواه في كتابه المستدرك، عن أبي العبّاس الأصمّ، عن محمّد بن سنانٍ القزّاز، عن أبي عليٍّ عبيد اللّه بن عبد المجيد الحنفيّ، عن إبراهيم بن نافعٍ، به. وقال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه. كذا قال. وقد رواه البخاريّ كما ترى، من حديث إبراهيم بن نافعٍ، كأنّ فيه اقتصارًا، فإنّه لم يذكر فيه شأن الذّبح. وقد جاء في الصّحيح، أنّ قرني الكبش كانا معلّقين بالكعبة، وقد جاء أنّ إبراهيم، عليه السّلام، كان يزور أهله بمكّة على البراق سريعًا ثمّ يعود إلى أهله بالبلاد المقدّسة، واللّه أعلم. والحديث -واللّه أعلم -إنّما فيه -مرفوعٌ -أماكن صرح بها ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ في هذا السّياق ما يخالف بعض هذا، كما قال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن المثنّى قالا حدّثنا مؤمّلٌ، حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرّب، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: «لمّا أمر إبراهيم ببناء البيت، خرج معه إسماعيل وهاجر. قال: فلمّا قدم مكّة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة، فيه مثل الرّأس. فكلّمه، قال: يا إبراهيم، ابن على ظلي -أو قال على قدري -ولا تزد ولا تنقص: فلمّا بنى خرج، وخلّف إسماعيل وهاجر، فقالت هاجر: يا إبراهيم، إلى من تكلنا؟ قال: إلى اللّه. قالت: انطلق، فإنّه لا يضيّعنا. قال: فعطش إسماعيل عطشًا شديدًا، قال: فصعدت هاجر إلى الصّفا فنظرت فلم تر شيئًا، حتّى أتت المروة فلم تر شيئًا، ثمّ رجعت إلى الصّفا فنظرت فلم تر شيئًا، حتّى أتت المروة فلم تر شيئًا، ثمّ رجعت إلى الصّفا فنظرت فلم تر شيئًا، حتّى فعلت ذلك سبع مرّاتٍ، فقالت: يا إسماعيل، مت حيث لا أراك. فأتته وهو يفحص برجله من العطش. فناداها جبريل فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أمّ ولد إبراهيم. قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى اللّه. قال: وكلكما إلى كافٍ. قال: ففحص الغلام الأرض بأصبعه، فنبعت زمزم. فجعلت تحبس الماء فقال: دعيه فإنّها رواء».
ففي هذا السّياق أنّه بنى البيت قبل أن يفارقهما، وقد يحتمل -إن كان محفوظًا -أن يكون أولا وضع له حوطًا وتحجيرًا، لا أنّه بناه إلى أعلاه، حتّى كبر إسماعيل فبنياه معًا، كما قال اللّه تعالى.
ثمّ قال ابن جريرٍ: أخبرنا هنّاد بن السّريّ، حدّثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة: «أنّ رجلًا قام إلى عليٍّ رضي اللّه عنه فقال: ألا تخبرني عن البيت، أهو أوّل بيتٍ وضع في الأرض؟ فقال: لا ولكنّه أوّل بيتٍ وضع فيه البركة مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، وإن شئت أنبأتك كيف بني: إنّ اللّه أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض، قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعًا فأرسل اللّه السّكينة -وهي ريحٌ خجوجٌ، ولها رأسان -فأتبع أحدهما صاحبه، حتّى انتهت إلى مكّة، فتطوّت على موضع البيت كطيّ الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقرّ السّكينة. فبنى إبراهيم وبقي حجرٌ، فذهب الغلام يبغي شيئًا. فقال إبراهيم: أبغني حجرًا كما آمرك. قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا، فأتاه به، فوجده قد ركّب الحجر الأسود في مكانه. فقال: يا أبه، من أتاك بهذا الحجر؟ فقال: أتاني به من لن يتّكل على بنائك، جاء به جبريل عليه السّلام من السّماء فأتمّاه».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا حمد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا سفيان، عن بشر بن عاصمٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن كعب الأحبار، قال: «كان البيت غثاءةً على الماء قبل أن يخلق اللّه الأرض بأربعين عامًا، ومنه دحيت الأرض».
قال سعيدٌ: وحدّثنا عليّ بن أبي طالبٍ: «أنّ إبراهيم أقبل من أرمينيّة، ومعه السّكينة تدلّه على تبوّء البيت كما تتبوّأ العنكبوت بيتًا، قال: فكشفت عن أحجارٍ لا يطيق الحجر إلّا ثلاثون رجلًا. قلت: يا أبا محمّدٍ، فإنّ اللّه يقول: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: كان ذلك بعد».
وقال السّدّيّ: «إنّ اللّه، عزّ وجلّ، أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل: ابنيا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، فانطلق إبراهيم، عليه السّلام، حتّى أتى مكّة، فقام هو وإسماعيل، وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت؟ فبعث اللّه ريحًا، يقال لها: ريح الخجوج، لها جناحان ورأسٌ في صورة حيّةٍ، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتّبعاها بالمعاول يحفران حتّى وضعا الأساس. فذلك حين يقول اللّه تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحجّ: 26] فلمّا بنيا القواعد فبلغا مكان الرّكن. قال إبراهيم لإسماعيل: يا بنيّ، اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه هاهنا. قال: يا أبت، إني كسلان لغب.
قال: عليّ بذلك فانطلق فطلب له حجرًا، فجاءه بحجرٍ فلم يرضه، فقال ائتني بحجرٍ أحسن من هذا، فانطلق يطلب له حجرًا، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتةً بيضاء مثل الثّغامة، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا النّاس، فجاءه إسماعيل بحجرٍ فوجده عند الرّكن، فقال: يا أبه، من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى بهنّ إبراهيم ربّه، فقال: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}».
وفي هذا السّياق ما يدلّ على أنّ قواعد البيت كانت مبنيّةً قبل إبراهيم. وإنّما هدي إبراهيم إليها وبوّئ لها. وقد ذهب إلى ذلك ذاهبون، كما قال الإمام عبد الرّزّاق أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: «القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك».
وقال عبد الرّزّاق أيضًا: أخبرنا هشام بن حسّان، عن سوّارٍ -ختن عطاءٍ -عن عطاء ابن أبي رباحٍ، قال: «لمّا أهبط اللّه آدم من الجنّة، كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السّماء يسمع كلام أهل السّماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته الملائكة، حتّى شكت إلى اللّه في دعائها وفي صلاتها. فخفّضه اللّه إلى الأرض، فلمّا فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتّى شكا ذلك إلى اللّه في دعائه وفي صلاته. فوجّه إلى مكّة، فكان موضع قدمه قريةً، وخطوه مفازةً، حتّى انتهى إلى مكّة، وأنزل اللّه ياقوتةً من ياقوت الجنّة، فكانت على موضع البيت الآن. فلم يزل يطوف به حتّى أنزل اللّه الطّوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتّى بعث اللّه إبراهيم، عليه السّلام فبناه، وذلك قول اللّه تعالى: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحجّ: 26]».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: «قال آدم: إنّي لا أسمع أصوات الملائكة؟! قال: بخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض، فابن لي بيتًا ثمّ احفف به، كما رأيت الملائكة تحفّ ببيتي الذي في السّماء. فيزعم النّاس أنّه بناه من خمسة أجبلٍ: من حراء. وطور زيتا، وطور سيناء، وجبل لبنان، والجوديّ. وكان ربضه من حراء. فكان هذا بناء آدم، حتّى بناه إبراهيم، عليه السّلام بعد». وهذا صحيحٌ إلى عطاءٍ، ولكن في بعضه نكارة، واللّه أعلم.
وقال عبد الرّزّاق أيضًا: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: «وضع اللّه البيت مع آدم حين أهبط اللّه آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند. وكان رأسه في السّماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستّين ذراعًا؛ فحزن إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى اللّه، عزّ وجلّ، فقال اللّه: يا آدم، إنّي قد أهبطت لك بيتًا تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلّي عنده كما يصلّى عند عرشي، فانطلق إليه آدم، فخرج ومدّ له في خطوه، فكان بين كلّ خطوتين مفازةٌ. فلم تزل تلك المفازة بعد ذلك. فأتى آدم البيت فطاف به، ومن بعده من الأنبياء».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ حدّثنا يعقوب القمّي، عن حفص بن حميدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «وضع اللّه البيت على أركان الماء، على أربعة أركانٍ، قبل أن تخلق الدّنيا بألفي عامٍ، ثمّ دحيت الأرض من تحت البيت».
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهدٍ وغيره من أهل العلم: «أنّ اللّه لمّا بوّأ إبراهيم مكان البيت خرج إليه من الشّام، وخرج معه بإسماعيل وبأمّه هاجر، وإسماعيل طفلٌ صغيرٌ يرضع، وحملوا -فيما حدّثني -على البراق، ومعه جبريل يدلّه على موضع البيت ومعالم الحرم. وخرج معه جبريل، فكان لا يمرّ بقريةٍ إلّا قال: أبهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: امضه. حتّى قدم به مكّة، وهي إذ ذاك عضاة سلم وسمر، وبها أناسٌ يقال لهم: "العماليق" خارج مكّة وما حولها. والبيت يومئذٍ ربوةٌ حمراء مدرة، فقال إبراهيم لجبريل: أهاهنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم. فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أمّ إسماعيل أن تتّخذ فيه عريشًا، فقال: {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم} إلى قوله: {لعلّهم يشكرون} [إبراهيم: 37]».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا هشام بن حسّان، أخبرني حميد، عن مجاهدٍ، قال: «خلق اللّه موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئًا بألفي سنةٍ، وأركانه في الأرض السّابعة».
وكذا قال ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ: «القواعد في الأرض السّابعة».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن رافعٍ، أخبرنا عبد الوهّاب بن معاوية، عن عبد المؤمن بن خالد، عن علياء بن أحمر: «أنّ ذا القرنين قدم مكّة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة أجبل. فقال: ما لكما ولأرضي؟ فقال نحن عبدان مأموران، أمرنا ببناء هذه الكعبة. قال: فهاتا بالبيّنة على ما تدّعيان. فقامت خمسة أكبشٍ، فقلن: نحن نشهد أنّ إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران، أمرا ببناء هذه الكعبة. فقال: قد رضيت وسلمت. ثم مضى».
وذكر الأزرقي في تاريخ مكّة: «أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم، عليه السّلام، بالبيت»، وهذا يدلّ على تقدّم زمانه، واللّه أعلم.
وقال البخاريّ، رحمه اللّه: قوله تعالى: «{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} الآية: القواعد: أساسه واحدها قاعدةٌ. والقواعد من النّساء: واحدتها قاعد».
حدّثنا إسماعيل، حدّثني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد اللّه: أنّ عبد اللّه بن محمّد بن أبي بكرٍ أخبر عبد اللّه بن عمر، عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تري أنّ قومك حين بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول اللّه، ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال: «لولا حدثان قومك بالكفر». فقال عبد اللّه بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللذين يليان الحجر إلّا أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم عليه السّلام.
وقد رواه في الحجّ عن القعنبي، وفي أحاديث الأنبياء عن عبد اللّه بن يوسف. ومسلمٌ عن يحيى بن يحيى، ومن حديث ابن وهبٍ. والنّسائيّ من حديث عبد الرّحمن بن القاسم، كلّهم عن مالكٍ به.
ورواه مسلمٌ أيضًا من حديث نافعٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدّث عبد اللّه بن عمر، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لولا أن قومك حديثو عهدٍ بجاهليّةٍ -أو قال: بكفرٍ -لأنفقت كنز الكعبة في سبيل اللّه، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر».
وقال البخاريّ: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، قال: قال لي ابن الزّبير: كانت عائشة تسر إليك حديثًا كثيرًا، فما حدّثتك في الكعبة؟ قال قلت: قالت لي: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم -فقال ابن الزّبير: بكفرٍ -لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: بابًا يدخل منه النّاس، وبابًا يخرجون». ففعله ابن الزّبير.
انفرد بإخراجه البخاريّ، فرواه هكذا في كتاب العلم من صحيحه.
وقال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإنّ قريشًا حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها خلفًا».
قال: وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا حدّثنا ابن نمير، عن هشامٍ بهذا الإسناد. انفرد به مسلمٌ،قال: وحدّثني محمّد بن حاتمٍ، حدّثني ابن مهديٍّ، حدّثنا سليم بن حيّان، عن سعيدٍ -يعني ابن ميناء -قال: سمعت عبد اللّه بن الزّبير يقول: حدّثتني خالتي -يعني عائشة رضي اللّه عنها -قالت: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا عائشة، لولا قومك حديث عهد بشركٍ، لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين: بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، وزدت فيها ستّة أذرعٍ من الحجر؛ فإنّ قريشًا اقتصرتها حيث بنت الكعبة» انفرد به أيضًا.
ذكر بناء قريشٍ الكعبة بعد إبراهيم الخليل، عليه السّلام، بمددٍ طويلةٍ وقبل مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخمس سنين، وقد نقل معهم في الحجارة، وله من العمر خمسٌ وثلاثون سنةً صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين.
قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، في السّيرة: «ولمّا بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمسًا وثلاثين سنةً، اجتمعت قريشٌ لبنيان الكعبة، وكانوا يهمّون بذلك ليسقفوها، ويهابون هدمها، وإنّما كانت رضما فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها، وذلك أنّ نفرًا سرقوا كنز الكعبة، وإنّما كان يكون في بئرٍ في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده الكنز دويكٌ، مولى بني مليح بن عمرٍو من خزاعة، فقطعت قريشٌ يده. ويزعم النّاس أنّ الّذين سرقوه وضعوه عند دويكٍ. وكان البحر قد رمى بسفينةٍ إلى جدّة، لرجلٍ من تجّار الرّوم، فتحطّمت، فأخذوا خشبها فأعدّوه لتسقيفها. وكان بمكّة رجلٌ قبطيٌّ نجّارٌ، فهيّأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حيّةٌ تخرج من بئر الكعبة التي كانت تطرح، فيها ما يهدى لها كلّ يومٍ، فتتشرق على جدار الكعبة، وكانت ممّا يهابون. وذلك أنّه كان لا يدنو منها أحدٌ إلّا احزألّت وكشّت وفتحت فاها، فكانوا يهابونها، فبينا هي يومًا تتشرّق على جدار الكعبة، كما كانت تصنع، بعث اللّه إليها طائرًا فاختطفها، فذهب بها. فقالت قريشٌ: إنّا لنرجو أن يكون اللّه قد رضي ما أردنا، عندنا عاملٌ رفيقٌ، وعندنا خشبٌ، وقد كفانا اللّه الحيّة. فلمّا أجمعوا أمرهم في هدمها وبنيانها، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزومٍ، فتناول من الكعبة حجرًا، فوثب من يده حتّى رجع إلى موضعه. فقال: يا معشر قريشٍ، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلّا طيّبًا، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربًا، ولا مظلمة أحدٍ من النّاس».
قال ابن إسحاق: «والنّاس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم».
قال: «ثمّ إنّ قريشًا تجزأت الكعبة، فكان شقّ الباب لبني عبد منافٍ وزهرة، وكان ما بين الرّكن الأسود والرّكن اليمانيّ لبني مخزومٍ وقبائل من قريشٍ انضمّوا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهمٍ، وكان شقّ الحجر لبني عبد الدّار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزّى بن قصي، ولبني عديّ بن كعب بن لؤيٍّ، وهو الحطيم. ثمّ إن النّاس هابوا هدمها وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها: فأخذ المعول ثمّ قام عليها وهو يقول: اللّهمّ لم ترع، اللّهمّ إنّا لا نريد إلّا الخير. ثمّ هدم من ناحية الرّكنين، فتربّص النّاس تلك اللّيلة، وقالوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيءٌ فقد رضي اللّه ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته غاديًا على عمله، فهدم وهدم النّاس معه، حتّى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس، أساس إبراهيم، عليه السّلام، أفضوا إلى حجارةٍ خضرٍ كالأسنّة آخذٌ بعضها بعضًا».
قال محمّد بن إسحاق فحدّثني بعض من يروي الحديث: «أنّ رجلًا من قريشٍ، ممّن كان يهدمها، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما، فلمّا تحرّك الحجر تنقّضت مكّة بأسرها، فانتهوا عن ذلك الأساس».
قال ابن إسحاق: «ثمّ إنّ القبائل من قريشٍ جمعت الحجارة لبنائها، كلّ قبيلةٍ تجمع على حدةٍ، ثمّ بنوها، حتّى بلغ البنيان موضع الرّكن -يعني الحجر الأسود -فاختصموا فيه، كلّ قبيلةٍ تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتّى تحاوروا وتخالفوا، وأعدّوا للقتال. فقرّبت بنو عبد الدّار جفنةً مملوءةً دمًا، ثمّ تعاقدوا هم وبنو عديّ بن كعب بن لؤيٍّ على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدّم في تلك الجفنة، فسمّوا: لعقة الدّم. فمكثت قريشٌ على ذلك أربع ليالٍ أو خمسًا. ثمّ إنّهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا».
فزعم بعض أهل الرّواية: أنّ أبا أمّيّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزومٍ -وكان عامئذ أسن قريشٍ كلّهم -قال: «يا معشر قريشٍ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوّل من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم، فيه. ففعلوا، فكان أوّل داخلٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمّدٌ، فلمّا انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هلمّ إليّ ثوبًا» فأتي به، فأخذ الرّكن -يعني الحجر الأسود-فوضعه فيه بيده، ثمّ قال: «لتأخذ كلّ قبيلةٍ بناحيةٍ من الثّوب»، ثمّ قال: «ارفعوه جميعًا». ففعلوا، حتّى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ بنى عليه.
وكانت قريشٌ تسمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن ينزل عليه الوحي: الأمين. فلمّا فرغوا من البنيان وبنوها على ما أرادوا، قال الزّبير بن عبد المطّلب، فيما كان من أمر الحيّة التي كانت قريشٌ تهاب بنيان الكعبة لها:
عجبت لما تصوّبت العقاب ....... إلى الثّعبان وهي لها اضطراب
وقد كانت يكون لها كشيشٌ ....... وأحيانًا يكون لها وثاب
إذا قمنا إلى التّأسيس شدّت ....... تهيّبنا البناء وقد تهاب
فلمّا أن خشينا الزّجر جاءت ....... عقابٌ تتلئبّ لها انصباب
فضمّتها إليها ثمّ خلّت ....... لنا البنيان ليس له حجاب
فقمنا حاشدين إلى بناءٍ ....... لنا منه القواعد والتّراب
غداة نرفّع التّأسيس منه ....... وليس على مسوّينا ثيابٌ
أعزّ به المليك بني لؤي ....... فليس لأصله منهم ذهاب
وقد حشدت هناك بنو عديّ ....... ومرّة قد تقدّمها كلاب
فبوّأنا المليك بذاك عزًّا ....... وعند اللّه يلتمس الثّواب
قال ابن إسحاق: «وكانت الكعبة على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمانية عشر ذراعًا، وكانت تكسى القباطيّ، ثمّ كسيت بعد البرود، وأوّل من كساها الدّيباج الحجّاج بن يوسف».
قلت: ولم تزل على بناء قريشٍ حتّى أحرقت في أوّل إمارة عبد اللّه بن الزّبير بعد سنة ستّين. وفي آخر ولاية يزيد بن معاوية، لمّا حاصروا ابن الزّبير، فحينئذٍ نقضها ابن الزّبير إلى الأرض وبناها على قواعد إبراهيم، عليه السّلام، وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا ملصقين بالأرض، كما سمع ذلك من خالته عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ولم تزل كذلك مدّة إمارته حتّى قتله الحجّاج، فردّها إلى ما كانت عليه بأمر عبد الملك بن مروان له بذلك، كما قال مسلم بن الحجّاج في صحيحه: حدّثنا هنّاد بن السّري، حدّثنا ابن أبي زائدة، أخبرنا ابن أبي سليمان، عن عطاءٍ، قال: لمّا احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشّام، وكان من أمره ما كان، تركه ابن الزّبير حتّى قدم النّاس الموسم يريد أن يجرّئهم -أو يحزبهم -على أهل الشّام، فلمّا صدر النّاس قال: يا أيّها النّاس، أشيروا عليّ في الكعبة، أنقضها ثمّ أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها؟ قال ابن عبّاسٍ: فإنّي قد فرق لي رأيٌ فيها، أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتًا أسلم النّاس عليه وأحجارًا أسلم النّاس عليها، وبعث عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال ابن الزّبير: لو كان أحدهم احترق بيته ما رضي حتّى يجدّده، فكيف بيت ربّكم، عزّ وجلّ؛ إنّي مستخيرٌ ربّي ثلاثًا ثمّ عازمٌ على أمري. فلمّا مضت ثلاثٌ أجمع رأيه على أن ينقضها. فتحاماها الناس أن ينزل بأوّل النّاس يصعد فيه أمر من السّماء، حتّى صعده رجلٌ، فألقى منه حجارةً، فلمّا لم يره النّاس أصابه شيءٌ تتابعوا، فنقضوه حتّى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزّبير أعمدةً يستر عليها السّتور، حتّى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزّبير: إنّي سمعت عائشة، رضي اللّه عنها، تقول: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «لولا أنّ النّاس حديثٌ عهدهم بكفرٍ، وليس عندي من النّفقة ما يقوّيني على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرعٍ، ولجعلت له بابًا يدخل النّاس منه، وبابًا يخرجون منه». قال: فأنا أجد ما أنفق، ولست أخاف النّاس. قال: فزاد فيه خمسة أذرعٍ من الحجر، حتّى أبدى له أسًّا نظر النّاس إليه فبنى عليه البناء. وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعًا، فلمّا زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرعٍ، وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلمّا قتل ابن الزّبير كتب الحجّاج إلى عبد الملك يخبره بذلك، ويخبره أنّ ابن الزّبير قد وضع البناء على أسٍّ نظر إليه العدول من أهل مكّة، فكتب إليه عبد الملك: إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزّبير في شيءٍ، أمّا ما زاده في طوله فأقرّه. وأمّا ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه، وسدّ الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه.
وقد رواه النّسائيّ في سننه، عن هنّادٍ، عن يحيى بن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، عن ابن الزّبير، عن عائشة بالمرفوع منه. ولم يذكر القصّة، وقد كانت السّنّة إقرار ما فعله عبد اللّه بن الزّبير، رضي اللّه عنه؛ لأنّه هو الذي ودّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ولكن خشي أن تنكره قلوب بعض النّاس لحداثة عهدهم بالإسلام وقرب عهدهم من الكفر. ولكن خفيت هذه السّنة على عبد الملك؛ ولهذا لمّا تحقّق ذلك عن عائشة أنّها روت ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: وددنا أنّا تركناه وما تولّى.
كما قال مسلمٌ: حدّثني محمّد بن حاتمٍ حدّثنا محمّد بن بكرٍ أخبرنا ابن جريج، سمعت عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ والوليد بن عطاءٍ، يحدّثان عن الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، قال عبد اللّه بن عبيدٍ: وفد الحارث بن عبد اللّه على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظنّ أبا خبيبٍ -يعني ابن الزّبير -سمع من عائشة ما كان يزعم أنّه سمعه منها. قال الحارث: بلى، أنا سمعته منها. قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشّرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمّي لأريك ما تركوا منه». فأراها قريبًا من سبعة أذرعٍ.
هذا حديث عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ. وزاد عليه الوليد بن عطاءٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيًّا وغربيًّا، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟» قالت: قلت: لا. قال: «تعزّزًا ألّا يدخلها إلّا من أرادوا. فكان الرّجل إذا هو أراد أن يدخلها، يدعونه حتّى يرتقي، حتّى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط» قال عبد الملك: فقلت للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم. قال: فنكت ساعةً بعصاه، ثمّ قال: وددت أنّي تركت وما تحمّل.
قال مسلمٌ: وحدّثناه محمّد بن عمرو بن جبلة، حدّثنا أبو عاصمٍ (ح) وحدّثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرّزّاق، كلاهما عن ابن جريج بهذا الإسناد، مثل حديث ابن بكرٍ.
قال: وحدّثني محمّد بن حاتمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ السّهميّ، حدّثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن أبي قزعة أنّ عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل اللّه ابن الزّبير حيث يكذب على أمّ المؤمنين، يقول: سمعتها تقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتّى أزيد فيها من الحجر، فإنّ قومك قصّروا في البناء». فقال الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أمّ المؤمنين تحدّث هذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.
فهذا الحديث كالمقطوع به إلى عائشة أمّ المؤمنين، لأنّه قد روي عنها من طرقٍ صحيحةٍ متعدّدةٍ عن الأسود بن يزيد، والحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، وعبد اللّه بن الزّبير، وعبد اللّه بن محمّد بن أبي بكرٍ الصّدّيق، وعروة بن الزّبير. فدلّ هذا على صواب ما فعله ابن الزّبير. فلو ترك لكان جيّدًا.
ولكن بعد ما رجع الأمر إلى هذا الحال، فقد كره بعض العلماء أن يغيّر عن حاله، كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرّشيد -أو أبيه المهديّ -أنّه سأل الإمام مالكًا عن هدم الكعبة وردّها إلى ما فعله ابن الزّبير. فقال له مالكٌ: يا أمير المؤمنين، لا تجعل كعبة اللّه ملعبة للملوك، لا يشاء أحدٌ أن يهدمها إلّا هدمها. فترك ذلك الرّشيد.
نقله عياضٌ والنّواويّ، ولا تزال -واللّه أعلم -هكذا إلى آخر الزّمان، إلى أن يخرّبها ذو السّويقتين من الحبشة، كما ثبت ذلك في الصّحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يخرّب الكعبة ذو السّويقتين من الحبشة». أخرجاه.
وعن عبد اللّه بن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «كأنّي به أسود أفحج، يقلعها حجرًا حجرًا». رواه البخاريّ.
وقال الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده: حدّثنا أحمد بن عبد الملك الحرّاني، حدّثنا محمّد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، رضي اللّه عنهما قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «يخرّب الكعبة ذو السّويقتين من الحبشة، ويسلبها حليتها ويجرّدها من كسوتها. ولكأنّي أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله».
الفدع: زيغٌ بين القدم وعظم السّاق.
وهذا -واللّه أعلم -إنّما يكون بعد خروج يأجوج ومأجوج، لما جاء في صحيح البخاريّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليحجّنّ البيت وليعتمرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 426-441]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى حكايةً لدعاء إبراهيم وإسماعيل، عليهما السّلام: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم}:
قال ابن جريرٍ: يعنيان بذلك، واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطّاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إسماعيل بن رجاء بن حيّان الحصني القرشيّ، حدّثنا معقل بن عبيد اللّه، عن عبد الكريم: {واجعلنا مسلمين لك} قال: «مخلصين لك»، {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} قال: «مخلصةً».
وقال أيضًا: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا المقدّميّ، حدّثنا سعيد بن عامرٍ، عن سلّام بن أبي مطيعٍ في هذه الآية {واجعلنا مسلمين} قال: «كانا مسلمين، ولكنّهما سألاه الثّبات».
وقال عكرمة: «{ربّنا واجعلنا مسلمين لك} قال اللّه: قد فعلت، {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} قال اللّه: قد فعلت».
وقال السّدّيّ: «{ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} يعنيان العرب».
قال ابن جريرٍ: «والصّواب أنّه يعمّ العرب وغيرهم؛ لأنّ من ذرّيّة إبراهيم بني إسرائيل، وقد قال اللّه تعالى: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} [الأعراف: 159]».
قلت: وهذا الذي قاله ابن جريرٍ لا ينفيه السّدّيّ؛ فإنّ تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم، والسّياق إنّما هو في العرب؛ ولهذا قال بعده: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم} الآية، والمراد بذلك محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد بعث فيهم كما قال تعالى: {هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا منهم} [الجمعة: 2] ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود، لقوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]، وغير ذلك من الأدلّة القاطعة.
وهذا الدّعاء من إبراهيم وإسماعيل، عليهما السّلام، كما أخبر اللّه تعالى عن عباده المتّقين المؤمنين، في قوله: {والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ واجعلنا للمتّقين إمامًا} [الفرقان: 74]. وهذا القدر مرغوبٌ فيه شرعًا، فإنّ من تمام محبّة عبادة اللّه تعالى أن يحبّ أن يكون من صلبه من يعبد اللّه وحده لا شريك له؛ ولهذا لمّا قال اللّه تعالى لإبراهيم، عليه السّلام: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} قال: {ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} وهو قوله: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} [إبراهيم: 35]. وقد ثبت في صحيح مسلمٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له».
{وأرنا مناسكنا} قال ابن جريج، عن عطاءٍ: «{وأرنا مناسكنا} أخرجها لنا، علّمناها».
وقال مجاهدٌ: «{وأرنا مناسكنا} مذابحنا». وروى عن عطاءٍ أيضًا، وقتادة نحو ذلك.
وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيف، عن مجاهدٍ، قال: قال إبراهيم: «{وأرنا مناسكنا} فأتاه جبرائيل، فأتى به البيت، فقال: ارفع القواعد. فرفع القواعد وأتمّ البنيان، ثمّ أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصّفا، قال: هذا من شعائر اللّه. ثمّ انطلق به إلى المروة، فقال: وهذا من شعائر اللّه؟. ثمّ انطلق به نحو منًى، فلمّا كان من العقبة إذا إبليس قائمٌ عند الشّجرة، فقال: كبّر وارمه. فكبّر ورماه. ثمّ انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى، فلمّا جاز به جبريل وإبراهيم قال له: كبّر وارمه. فكبّر ورماه. فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحجّ شيئًا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام. فأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى به عرفاتٍ. قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها: ثلاث مرارٍ. قال: نعم».
وروي عن أبي مجلز وقتادة نحو ذلك. وقال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي العاصم الغنويّ، عن أبي الطّفيل، عن ابن عبّاسٍ، قال: «إنّ إبراهيم لمّا أري أوامر المناسك، عرض له الشّيطان عند المسعى، فسابقه إبراهيم، ثمّ انطلق به جبريل حتّى أتى به منًى، فقال: مناخ النّاس هذا. فلمّا انتهى إلى جمرة العقبة تعرّض له الشّيطان، فرماه بسبع حصياتٍ حتّى ذهب، ثمّ أتى به الجمرة الوسطى، فعرض له الشّيطان فرماه بسبع حصياتٍ، حتّى ذهب، ثمّ أتى به الجمرة القصوى، فعرض له الشّيطان، فرماه بسبع حصياتٍ حتّى ذهب، فأتى به جمعًا. فقال: هذا المشعر. ثمّ أتى به عرفة. فقال: هذه عرفة. فقال له جبريل: أعرفت» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 441-443]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنّك أنت العزيز الحكيم (129)}:
يقول تعالى إخبارًا عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم -أن يبعث اللّه فيهم رسولًا منهم، أي من ذرّيّة إبراهيم. وقد وافقت هذه الدّعوة المستجابة قدر اللّه السّابق في تعيين محمّدٍ -صلوات اللّه وسلامه عليه -رسولًا في الأمّيّين إليهم، إلى سائر الأعجمين، من الإنس والجنّ، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن سعيد بن سويد الكلبيّ، عن عبد الأعلى بن هلالٍ السّلميّ، عن العرباض بن سارية قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إني عند الله لخاتم النّبيّين، وإنّ آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بأوّل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمّي الّتي رأت، وكذلك أمّهات النّبيّين يرين».
وكذلك رواه ابن وهبٍ، واللّيث، وكاتبه عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، وتابعه أبو بكر بن أبي مريم، عن سعيد بن سويد، به.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا الفرج، حدّثنا لقمان بن عامرٍ: سمعت أبا أمامة قال: قلت: يا رسول اللّه، ما كان أوّل بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي، ورأت أمّي أنّه خرج منها نورٌ أضاءت له قصور الشّام».
والمراد أنّ أوّل من نوّه بذكره وشهره في النّاس، إبراهيم عليه السّلام. ولم يزل ذكره في النّاس مذكورًا مشهورًا سائرًا حتّى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم، عليه السّلام، حيث قام في بني إسرائيل خطيبًا، وقال: {إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ومبشّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصّفّ: 6]؛ ولهذا قال في هذا الحديث: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بن مريم».
وقوله: «ورأت أمّي أنّه خرج منها نورٌ أضاءت له قصور الشّام» قيل: كان منامًا رأته حين حملت به، وقصته على قومها فشاع فيهم واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئةً. وتخصيص الشّام بظهور نوره إشارةٌ إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشّام، ولهذا تكون الشّام في آخر الزّمان معقلًا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشّرقيّة البيضاء منها. ولهذا جاء في الصّحيحين: «لا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتّى يأتي أمر اللّه وهم كذلك». وفي صحيح البخاريّ: «وهم بالشّام».
قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: «{ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم} يعني: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقيل له: قد استجيبت لك، وهو كائنٌ في آخر الزّمان». وكذا قال السّدّيّ وقتادة.
وقوله تعالى: {ويعلّمهم الكتاب} يعني: «القرآن» {والحكمة} يعني: «السّنّة»، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، وأبو مالكٍ وغيرهم. وقيل: الفهم في الدّين. ولا منافاة.
{ويزكّيهم} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «يعني طاعة اللّه، والإخلاص».
وقال محمّد بن إسحاق: {ويعلّمهم الكتاب والحكمة} قال: «يعلّمهم الخير فيفعلوه، والشّرّ فيتّقوه، ويخبرهم برضاه عنهم إذا أطاعوه واستكثروا من طاعته، وتجنّبوا ما سخط من معصيته».
وقوله: {إنّك أنت العزيز الحكيم} أي: العزيز الذي لا يعجزه شيءٌ، وهو قادرٌ على كلّ شيءٍ، الحكيم في أفعاله وأقواله، فيضع الأشياء في محالّها؛ وحكمته وعدله). [تفسير ابن كثير: 1/ 443-445]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة