العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:33 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (113) إلى الآية (116) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (113) إلى الآية (116) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:39 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة بني إسرائيل: {ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا}؛
ثم نسخ منها الآية التي في براءة: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}). [الجامع في علوم القرآن: 3/76-77] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به أنا على ملة عبد المطلب فقال النبي لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء ونزلت فيه ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم.
قال معمر وقال قتادة تبين له حين مات و علم أن التوبة قد انقطعت عنه). [تفسير عبد الرزاق: 1/288-289]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الزهري قال لما قبض النبي كاد بعض أصحابه أن يوسوس فكان عثمان بن عفان ممن كان كذلك فمر به عمر بن الخطاب فسلم عليه فلم يجبه فأتى عمر أبا بكر فقال ألا ترى عثمان مررت به فسلمت فلم يرد علي قال فانطلق بنا إليه قال فمروا به فسلما عليه فرد عليهما فقال له أبو بكر ما شأنك مر بك أخوك آنفا فسلم عليك فلم ترد عليه قال لم أفعل قال عمر بلى قد فعلت ولكنها نخوتكم يا بني أمية فقال له أبو بكر أجل قد فعل ولكنه أمر ما شغلك عنه قال فإني كنت أذكر رسول الله و أذكر أن الله قبضه قبل أن أسأله عن نجاة هذا الأمر فقال أبو بكر فإني قد سألته عن ذلك فقال عثمان فداك أبي و أمي فأنت أحق بذلك فقال أبو بكر يا رسول الله ما نجاة هذا الأمر الذي نحن فيه قال فقال من قبل مني الكلمة التي عرضتها علي عمي فردها علي فهي له نجاة). [تفسير عبد الرزاق: 1/289-290]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (113 - 115) : قوله تعالى: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين... } إلى قوله تعالى: {إنّ الله بكلّ شيءٍ عليمٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ، فقال: إن أبي مات نصرانيًّا، فقال له: اغسله وكفّنه وحنّطه، ثمّ ادفنه، (ثمّ) قال هذه الآية: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ لله تبرّأ منه} قال: لمّا مات على كفره تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه، (فتبرأ) منه .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ - في قوله: {فلمّا تبيّن له} - قال: لما مات.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن أبي سنانٍ ضرار بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ، فقال له: إنّ أبي مات نصرانيًّا، فقال له: اغسله وكفّنه وحنّطه، ثمّ ادفنه، ثمّ قرأ هذه الآية: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا} إلى آخر الآية.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عيسى بن يونس، قال: نا محمّد بن أبي إسماعيل، عن عامر بن شقيقٍ، عن أبي وائل، قال: ماتت أمّي نصرانيّةً، فأتيت عمر بن الخطّاب، فقلت: ماتت أمّي نصرانيّةً؟ فقال: اركب دابّةً وسر أمام جنازتها.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، قال: نا أبو إسحاق، (عن ناجية بن كعبٍ)، قال: قال عليٌّ رضي الله عنه: لمّا مات أبو طالبٍ، أتيت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، إنّ عمّك الضّالّ قد مات، فقال لي: ((اذهب فادفنه ولا تحدث شيئًا حتّى تأتيني))، قال: فانطلقت فواريته، وأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليّ أثر التّراب، فدعا لي بدعواتٍ ما يسرّني أنّ لي بها ما على وجه الأرض من شيءٍ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحسن بن يزيد الأصمّ، قال: سمعت السّدّي يحدّث عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ، قال: لمّا مات أبو طالبٍ، أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ عمّك الشّيخ قد مات، فقال لي: ((اذهب فواره، ثمّ لا تحدث شيئًا حتّى تأتيني))، فاغتسلت، ثمّ أتيته، فدعا لي بدعواتٍ ما يسرّني أنّ لي بها حمر النّعم وسودها. وكان عليٌّ إذا غسّل الميّت اغتسل.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيش، قال: سئل عبد اللّه، عن الأوّاه، قال: هو الدّعّاء.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، نا الأعمش، قال: قال أبو العبيدين لعبد اللّه : من نسأل إذا لم نسألك؟ ما الأوّاه؟ قال: الرحيم). [سنن سعيد بن منصور: 5/277-289]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113]
- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه، قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة دخل عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعنده أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " أي عمّ، قل: لا إله إلّا اللّه أحاجّ لك بها عند اللّه "، فقال أبو جهلٍ، وعبد اللّه بن أبي أميّة: يا أبا طالبٍ أترغب عن ملّة عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» ، فنزلت: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى، من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} [التوبة: 113] ). [صحيح البخاري: 6/69]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين)
ذكر فيه حديث سعيد بن المسيّب عن أبيه في قصّة وفاة أبي طالبٍ وقد سبق شرحه في كتاب الجنائز ويأتي الإلمام بشيءٍ منه في تفسير القصص إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/341]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {ما كان للنبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} (البقرة: 36)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ما كان للنّبي} إلى آخره قال قتادة: في هذه الآية ذكر لنا أن رجالًا من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله! إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم، أفلا تستغفر لهم؟ فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: (بلى. والله إنّي لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه) فأنزل الله: {ما كان للنّبي والّذين آمنوا أن يستغفروا} حتّى بلغ {الجحيم} . وقال العوفيّ عن ابن عبّاس، في هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عن ذلك، فقال إن إبراهيم خليل الله استغفر لأبيه فأنزل الله: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه} (التّوبة: 114) وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في هذه الآية كانوا يستغفرون لهم حتّى نزلت هذه الآية فلمّا أنزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتّى يموتوا ثمّ أنزل الله: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الآية.
- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم حدّثنا عبد الرّزاق أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة دخل عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهلٍ وعبد الله بن أبي جهلٍ وعبد الله بن أبي أميّة يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فقال النّبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرنّ لك ما لم انه عنك فنزلت: {ما كان للنبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وقد مضى هذا الحديث في كتاب الجنائز في: باب إذا قال المشرك عند الموت لا إلاه إلاّ الله، فإنّه أخرجه هناك عن إسحاق عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه إلى آخره، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بفتح الباء وكسرها، وقال النّوويّ: لم يرو عن المسيب إلاّ ابنه، وفيه رد على الحاكم أبي عبد الله فيما قاله: إن البخاريّ لم يخرج عن أحد ممّن لم يرو عنه إلاّ واحد، ولعلّه أراد من غير الصّحابة. وأبو طالب اسمه: عبد مناف، وأبو جهل عمرو بن هشام المخزومي، وعبد الله بن أبي أميّة المخزومي أسلم عام الفتح. قوله: (أي عم) ، يعني: يا عمي، حذفت ياء الإضافة للتّخفيف. قوله: (أحاج) ، جواب للأمر، وقال القرطبيّ: وقد سمعت أن الله أحيى عمه أبا طالب فآمن من به، وروى السّهيلي في (الرّوض) بسنده أن الله أحيى أم النّبي صلى الله عليه وسلم وأباه فآمنا به). [عمدة القاري: 18/276-277]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 112]
(باب قوله) تعالى ({ما كان}) أي ما ينبغي ({للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}) [التوبة: 112] لأن النبوّة والإيمان يمنعان من ذلك وسقط باب وتاليه لغير أبي ذر.
- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة دخل عليه النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وعنده أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «أي عمّ قل لا إله إلاّ اللّه أحاجّ لك بها عند اللّه» فقال أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة: يا أبا طالبٍ أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فنزلت: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق بن إبراهيم) بن نصر أبو إبراهيم السعدي المروزي وقيل البخاري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (معمر) بسكون العين ابن رشاد البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية وقد تكسر (عن أبيه) المسيب بن خزن أنه (قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة) أي علاماتها (دخل النبي) ولغير أبي ذر دخل عليه النبي (-صلّى اللّه عليه وسلّم- وعنده أبو جهل) عمرو بن هشام (وعبد الله بن أبي أمية) المخزومي أسلم عام الفتح (فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-):
(أي عم) أي يا عمي وحذفت ياء الإضافة للتخفيف (قل لا إله إلا الله) وجواب الأمر قوله (أحاج) بضم الهمزة وتشديد الجيم آخره (لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أتعرض (عن ملة عبد المطلب؟) أبيك (فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) لما أبى أن يقول كلمة الإخلاص (لأستغفرن لك) كما استغفر إبراهيم لأبيه (ما لم أنه عنك) بضم الهمزة وسكون النون مبنيًا للمفعول (فنزلت) في أبي طالب آية: ({ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}) لموتهم على الشرك.
وقيل: إن سبب نزولها ما في مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أتى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة" قال في الكشاف: وهذا أصح لأن موت أبي طالب وإن قبل الهجرة وهذا آخر ما نزل بالمدينة وتعقبه صاحب التقريب فيما حكاه الطيبي بأنه يجوز أن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يستغفر لأبي طالب إلى حين نزولها والتشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة. قال في فتوح الغيب: وهذا هو الحق ورواية نزولها في أبي طالب هي الصحيحة وسقط قوله: ولو كانوا أولي قربى الخ لأبي ذر وقال بعد قوله للمشركين الآية). [إرشاد الساري: 7/158]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن عليٍّ، قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أوليس استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشركٌ، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}.
هذا حديثٌ حسنٌ.
وفي الباب عن سعيد بن المسيّب عن أبيه). [سنن الترمذي: 5/132]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّدٌ يعني ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه، قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة دخل عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده أبو جهلٍ وعبد الله بن أبي أميّة، فقال: «أي عمّ، قل لا إله إلّا الله، كلمةً أحاجّ لك بها عند الله» فقال له أبو جهلٍ وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالبٍ، أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فلم يزالا يكلّمانه حتّى قال آخر شيءٍ كلّمهم به: على ملّة عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فنزلت {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113]، ونزلت {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56]
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المخزوميّ، أخبرني مهديّ بن ميمونٍ، عن غيلان بن جريرٍ، قال: قلت لأنسٍ: أرأيتم معشر الأنصار أهذا الاسم كنتم تسمّون به، أم سمّاكم الله تبارك وتعالى؟ قال: بل سمّانا الله به "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/120-121]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم (113) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن مّوعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ لله تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنّبيّ محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والّذين آمنوا به أن يستغفروا، يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين، ولو كان المشركون الّذين يستغفرون لهم أولي قربى، ذوي قرابةٍ لهم. {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم باللّه وعبادة الأوثان تبيّن لهم أنّهم من أهل النّار؛ لأنّ اللّه قد قضى أن لا يغفر لمشركٍ فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنّه لا يفعله.
فإن قالوا: فإنّ إبراهيم قد استغفر لأبيه، وهو مشركٌ، فلم يكن استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ لموعدةٍ وعدها إيّاه {فلمّا تبيّن له} وعلم أنّه للّه عدوٌّ خلاّه وترك الاستغفار له، وآثر اللّه وأمره عليه، فتبرّأ منه حين تبيّن له أمره.
واختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي نزلت هذه الآية فيه، فقال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالبٍ عمّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يستغفر له بعد موته، فنهاه اللّه عن ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة دخل عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده أبو جهلٍ، وعبد اللّه بن أبي أميّة، فقال: يا عمّ قل لا إله إلاّ اللّه كلمةً أحاجّ لك بها عند اللّه فقال له أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة: يا أبا طالبٍ أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فنزلت {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}، ونزلت: {إنّك لا تهدي من أحببت}.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثنا عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: ثني يونس، عن الزّهريّ، قال: أخبرني سعيد بن المسيّب، عن أبيه، قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة جاءه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجد عنده أبا جهل بن هشامٍ، وعبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا عمّ قل لا إله إلاّ اللّه كلمةً أشهد لك بها عند اللّه، قال أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة: يا أبا طالبٍ أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فلم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتّى قال أبو طالبٍ آخر ما كلّمهم هو على ملّة عبد المطّلب، وأبى أن يقول: لا إله إلاّ اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: واللّه لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فأنزل اللّه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} وأنزل اللّه في أبي طالبٍ، فقال لرسول اللّه: {إنّك لا تهدي من أحببت} الآية.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} قال: يقول المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا وقد استغفر إبراهيم لأبيه كافرًا، فأنزل اللّه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه} الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن عمرو بن دينارٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشركٌ، فلا أزال أستغفر لأبي طالبٍ حتّى ينهاني عنه ربّي فقال أصحابه: لنستغفرنّ لآبائنا كما استغفر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لعمّه فأنزل اللّه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}، إلى قوله: {تبرّأ منه}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، قال: لمّا حضر أبا طالبٍ الوفاة أتاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعنده عبد اللّه بن أبي أميّة وأبو جهل بن هشامٍ، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أي عمّ إنّك أعظم النّاس عليّ حقًّا وأحسنهم عندي يدًا، ولأنت أعظم عليّ حقًّا من والدي، فقل كلمةً تجب لي بها الشّفاعة يوم القيامة، قل لا إله إلاّ اللّه ثمّ ذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن محمّد بن ثورٍ.
وقال آخرون: بل نزلت في سبب أمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وذلك أنّه أراد أن يستغفر لها فمنع من ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا فضيلٌ، عن عطيّة، قال: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة وقف على قبر أمّه حتّى سخنت عليه الشّمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها، حتّى نزلت: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}، إلى قوله: {تبرّأ منه}.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا قيسٌ، عن علقمة بن مرثدٍ، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتى رسمًا قال: - وأكثر ظنّي أنّه قال قبرًا - فجلس إليه، فجعل يخاطب، ثمّ قام مستعبرًا، فقلت: يا رسول اللّه، إنّا رأينا ما صنعت قال: إنّي استأذنت ربّي في زيارة قبر أمّي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فما رؤي باكيًا أكثر من يومئذ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا}، إلى: {أنّهم أصحاب الجحيم} أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يستغفر لأمّه، فنهاه عن ذلك، فقال: وإنّ إبراهيم خليل اللّه قد استغفر لأبيه فأنزل اللّه: {وما كان استغفار إبراهيم}، إلى: {لأوّاهٌ حليمٌ}.
وقال آخرون: بل نزلت من أجل أنّ قومًا من أهل الإيمان كانوا يستغفرون لموتاهم من المشركين، فنهوا عن ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: ثني عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، فكانوا يستغفرون لهم حتّى نزلت هذه الآية، فلمّا نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتّى يموتوا. ثمّ أنزل اللّه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه}. الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، ذكر لنا أنّ رجلاً من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا نبيّ اللّه، إنّ من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام، ويفكّ العاني ويوفي بالذّمم، أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: بلى واللّه لأستغفرنّ لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه قال: فأنزل اللّه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}.. حتّى بلغ: {الجحيم} ثمّ عذر اللّه إبراهيم فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه}. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه قال: أوحي إليّ كلماتٍ، فدخلن في أذني ووقرن في قلبي، أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركًا، ومن أعطى فضل ماله فهو خيرٌ له، ومن أمسك فهو شرٌّ له، ولا يلوم اللّه على كفافٍ.
واختلف أهل العربيّة في معنى قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}.
فقال بعض نحويّي البصرة: معنى ذلك: ما كان لهم الاستغفار، وكذلك معنى قوله: {وما كان لنفسٍ أن تؤمن} وما كان لنفسٍ الإيمان {إلاّ بإذن اللّه}.
وقال بعض نحويّي الكوفة: معناه: ما كان ينبغي لهم أن يستغفروا لهم. قال: وكذلك إذا جاءت أن مع كان، فكلّها بتأويل ينبغي {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} ما كان ينبغي له ليس هذا من أخلاقه، قال: فلذلك إذا دخلت أن تدلّ على الاستقبال، لأنّ ينبغي تطلب الاستقبال.
وأمّا قوله: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه} فإنّ أهل العلم اختلفوا في السّبب الّذي أنزل فيه، فقال بعضهم: أنزل من أجل أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه كانوا يستغفرون لموتاهم المشركين ظنًّا منهم أنّ إبراهيم خليل الرّحمن قد فعل ذلك حين أنزل اللّه قوله خبرًا عن إبراهيم، قال: {سلامٌ عليك سأستغفر لك ربّي إنّه كان بي حفيًّا}.
وقد ذكرنا الرّواية عن بعض من حضرنا ذكره، وسنذكره عمّن لم نذكره.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن عليٍّ، قال: سمعت رجلاً، يستغفر لوالديه وهما مشركان، فقلت: أيستغفر الرّجل لوالديه وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ قال: فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت ذلك له، فأنزل اللّه: {وما كان استغفار إبراهيم}، إلى {تبرّأ منه}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن عليٍّ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يستغفر لأبويه وهما مشركان، حتّى نزلت: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} إلى قوله: {تبرّأ منه}.
وقيل: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ}، ومعناه: إلاّ من بعد موعدةٍ، كما يقال: ما كان هذا الأمر إلاّ عن سبب كذا، بمعنى: من بعد ذلك السّبب أو من أجله، فكذلك قوله: {إلاّ عن موعدةٍ} من أجل موعدةٍ وبعدها.
وقد تأوّل قومٌ قول اللّه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} الآية، أنّ النّهي من اللّه عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله: {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} وقالوا: ذلك لا يتبيّنه أحدٌ إلاّ بأن يموت على كفره، وأمّا هو حيّ فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سليمان بن عمر الرّقّيّ، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، عن سفيان الثّوريّ، عن الشّيبانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: مات رجلٌ يهوديّ وله ابنٌ مسلمٌ، فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عبّاسٍ، فقال: كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصّلاح ما دام حيًّا، فإذا مات وكّله إلى شأنه ثمّ قال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} لم يدع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا فضيلٌ، عن ضرار بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: مات رجلٌ نصرانيّ، فوكّله ابنه إلى أهل دينه، فأتيت ابن عبّاسٍ، فذكرت ذلك له فقال: ما كان عليه لو مشى معه وأجنّه واستغفر له ثمّ تلا {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه} الآية.
وتأوّل آخرون الاستغفار في هذا الموضع بمعنى الصّلاة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: ثنّى إسحاق، قال: حدّثنا كثير بن هشامٍ، عن جعفر بن برقان، قال: حدّثنا حبيب بن أبي مرزوقٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: ما كنت أدع الصّلاة على أحدٍ من أهل هذه القبلة ولو كانت حبشيّةٌ حبلى من الزّنا، لأنّي لم أسمع أنّ اللّه يحجب الصّلاة إلاّ عن المشركين، يقول اللّه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}.
وتأوّله آخرون بمعنى الاستغفار الّذي هو دعاءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عصمة بن راشدٍ، عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: رحم اللّه رجلاً استغفر لأبي هريرة ولأمّه قلت: ولأبيه؟ قال: لا إنّ أبي مات وهو مشركٌ.
قال أبو جعفرٍ: وقد دلّلنا على أنّ معنى الاستغفار: مسألة العبد ربّه غفر الذّنوب؛ وإذ كان ذلك كذلك، وكانت مسألة العبد ربّه ذلك قد تكون في الصّلاة وفي غير الصّلاة، لم يكن أحد القولين اللّذين ذكرنا فاسدًا، لأنّ اللّه عمّ بالنّهي عن الاستغفار للمشرك بعدما تبيّن له أنّه من أصحاب الجحيم، ولم يخصّص من ذلك حالاً أباح فيها الاستغفار له.
وأمّا قوله: {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} فإنّ معناه: ما قد بيّنت من أنّه من بعد ما يعلمون بموته كافرًا أنّه من أهل النّار.
وقيل: {أصحاب الجحيم} لأنّهم سكّانها وأهلها الكائنون فيها، كما يقال لسكّان الدّار: هؤلاء أصحاب هذه الدّار، بمعنى سكّانها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} قال: تبيّن للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ أبا طالبٍ حين مات أنّ التّوبة قد انقطعت عنه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: تبيّن له حين مات، وعلم أنّ التّوبة قد انقطعت عنه، يعني في قوله: {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، في قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، يقول: إذا ماتوا مشركين، يقول اللّه: {من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة} الآية). [جامع البيان: 12/19-29]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم (113)
قوله تعالى: ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن عليٍّ قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرته لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فنزلت ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وكانوا يستغفرون لهم حتّى نزلت هذه الآية، فلمّا نزلت أمسكوا عن الاستغفار ولم ينتهوا أن يستغفروا للأحياء حتّى يموتوا ثمّ أنزل اللّه: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه يعني استغفر له ما كان حيًّا، فلمّا مات أمسك عن الاستغفار.
قوله تعالى: ولو كانوا أولي قربى.
- حدّثنا أبي ثنا خالد بن خداشٍ ثنا عبد اللّه بن وهبٍ عن ابن جريج عن أيوب بن هاني عن مسروقٍ عن عبد اللّه بن وهبٍ عن ابن جريج عن أيوب بن هاني عن مسروقٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يومًا إلى المقابر فاتّبعناه، فجاء حتّى جلس إلى قبرٍ منها فناجاه طويلا، ثمّ بكى فبكينا لبكائه، ثمّ قام فقام إليه عمر بن الخطّاب فدعاه، ثمّ دعانا فقال: ما أبكاكم؟ قلنا: بكينا لبكائك، قال: إنّ القبر الّذي جلست عنده قبر آمنة، وإنّي استأذنت ربّي في زيارتها فأذن لي، وإنّي استأذنت ربّي في الدّعاء لها فلم يأذن لي وأنزل على ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فأخذني ما يأخذ الولد للوالد، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ ثنا عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة فدخل عليه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- وعنده أو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة فقال: أي عمّ قل: لا إله إلا اللّه كلمةٌ أحاجّ لك بها عند اللّه فقال له أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة: أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ قال: فكان آخر شيءٍ كلّمهم به أن قال: على ملّة عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فنزلت ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى.
قوله تعالى: من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم.
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الأنصاريّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ حدّثنا أسباطٌ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: الجحيم قال: ما عظم من النّار). [تفسير القرآن العظيم: 6/1893-1894]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا المبارك بن فضالة عن الحسن قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن فلانا يستغفر لأبويه المشركين قال ونحن نستغفر لآبائنا المشركين فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين إلى قوله فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه فأمسكوا عن الاستغفار لهم). [تفسير مجاهد: 287]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو عليٍّ الحسين بن عليٍّ الحافظ، أنبأ الفضل بن محمّدٍ الجنديّ، بمكّة، ثنا أبو حمة اليمانيّ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، قال: لمّا مات أبو طالبٍ قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «رحمك اللّه، وغفر لك يا عمّ، ولا أزال أستغفر لك حتّى ينهاني اللّه عزّ وجلّ» فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الّذين ماتوا وهم مشركون، فأنزل اللّه تعالى {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} [التوبة: 113] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» وقال لنا أبو عليٍّ على أثره: لا أعلم أحدًا وصل هذا الحديث عن سفيان غير أبي حمة اليمانيّ وهو ثقةٌ وقد أرسله أصحاب ابن عيينة "). [المستدرك: 2/366]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد الصّفّار، ثنا أحمد بن محمّدٍ البرتيّ، ثنا أبو نعيمٍ، وأبو حذيفة، قالا: ثنا سفيان، وأخبرني عليّ بن عيسى بن إبراهيم، ثنا الحسين بن محمّد بن زيادٍ، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيعٌ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: سمعت رجلًا يستغفر لأبويه، وهما مشركان، فقلت: لا تستغفر لأبويك، وهما مشركان. فقال: أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشركٌ؟ فذكرته للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنزلت " {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين، ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم (113) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه، فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} [التوبة: 114] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/365]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل، ثنا يحيى بن أبي طالبٍ، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة أتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده عبد اللّه بن أبي أميّة وأبو جهل بن هشام فقال له رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أي عمّ إنّك أعظمهم عليّ حقًّا، وأحسنهم عندي يدًا، ولأنت أعظم حقًّا عليّ من والدي، فقل كلمةً تجب لك عليّ بها الشّفاعة يوم القيامة قل لا إله إلّا اللّه» فقالا له: أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فسكت فأعادها عليه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أنا على ملّة عبد المطّلب فمات فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] الآية {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} [التوبة: 114] إلى آخر الآية " هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه فإنّ يونس وعقيلًا أرسلاه عن الزّهريّ عن سعيدٍ). [المستدرك: 2/366]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصرٍ، ثنا عبد اللّه بن وهبٍ، أنبأ ابن جريجٍ، عن أيّوب بن هانئٍ، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: خرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ينظر في المقابر، وخرجنا معه، فأمرنا فجلسنا، ثمّ تخطّا القبور حتّى انتهى إلى قبرٍ منها فناجاه طويلًا، ثمّ ارتفع نحيب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم باكيًا فبكينا لبكائه، ثمّ أقبل إلينا فتلقّاه عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه، ما الّذي أبكاك فقد أبكانا، وأفزعنا، فجاء فجلس إلينا فقال: «أفزعكم بكائي؟» فقلنا: نعم يا رسول اللّه فقال: " إنّ القبر الّذي رأيتموني أناجي فيه، قبر أمّي آمنة بنت وهبٍ وإنّي استأذنت ربّي في زيارتها، فأذن لي فيه، فاستأذنته في الاستغفار لها، فلم يأذن لي فيه، ونزل عليّ {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] حتّى ختم الآية {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه} [التوبة: 114] فأخذني ما يأخذ الولد لوالده من الرّقة فذلك الّذي أبكاني «صحيحٌ على شرطهما ولم يخرجاه هكذا بهذه السّياقة» إنّما أخرج مسلمٌ حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازمٍ عن أبي هريرة فيه مختصرًا "). [المستدرك: 2/366]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت س) - علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -:قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] أخرجه النسائي والترمذي). [جامع الأصول: 2/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 113 - 114.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب وجعل النّبيّ يعرضها عليه وأبو جهل وعبد الله يعاونانه بتلك المقالة.
فقال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم إنه عنك، فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (القصص الآية 56).
وأخرج الطيالسي، وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة، عن علي، قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية). [الدر المنثور: 7/550-551]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عبد الحميد بن بهرام، قال: حدثنا شهر بن حوشب، قال: حدثني عبد الله بن شداد، قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الأواه؟ قال: الأواه: الخاضع، الدعاء، المتضرع، قال: {إن إبراهيم لأواه حليم} [سورة التوبة: 114] ). [الزهد لابن المبارك: 2/717]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الله بن يزيد عن المسعودي عن سلمة بن كهيل عن رجلٍ سأل ابن مسعود: ما (الأواه)، فقال: الرحيم، فقال: ما {التبذير}، فقال: إنفاق المال في غير حقه، قال: فما {الماعون}، قال: ما يتعاطى الناس بينهم من الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك، قال: فما {المرسلات عرفاً}، قال: الريح، قال: فما {العاصفات عصفا}، قال: الريح، قال: فما {الناشرات نشرا}، قال: الريح، قال: فما {الفارقات فرقا}، قال: حسبك). [الجامع في علوم القرآن: 1/32]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني شبيب عن شعبة عن الحكم عن رجلٍ من بني تميمٍ كان يسأل عبد اللّه بن مسعودٍ، وكان ابن مسعودٍ يعرف له، فسأل عبد الله عن {الماعون}، فقال: إن الماعون من منع الفأس والقدر والدّلو، خصلتان من هؤلاء الثّلاثة؛ فسأله: {ولا تبذّر تبذيرًا}، قال: إنفاقك المال في غير حقّه؛ وسأله عن (الأواه)، فقال: الرحيم). [الجامع في علوم القرآن: 2/29-30] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني جرير بن حازمٍ عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ قال: سألت عبد اللّه بن مسعودٍ عن (الأوّاه)، قال: هو الدّعّاء). [الجامع في علوم القرآن: 2/82]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ أنّ ابن مسعودٍ كان يقول: إنّ الأوّاه عند اللّه الرّحيم.
قال يزيد: يقال إنّ الأوّاه الّذي إذا ذكر خطيئته توجّع منها، ثمّ استغفر ربه). [الجامع في علوم القرآن: 2/139-140]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إن إبراهيم لأواه حليم قال الأواه رحيم
قال معمر قال عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال الأواه الرحيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/290]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن مسلم عن مجاهد قال الأواه المؤمن). [تفسير عبد الرزاق: 1/290]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الموقن هو الأواه). [تفسير عبد الرزاق: 1/290]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس كل القرآن أعلمه إلا أربعا غسلين وحنانا والأواه والرقيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/397] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتّى مات فلمّا مات تبيّن له أنّه عدوٌّ لله فتبرأ منه [الآية: 114]). [تفسير الثوري: 127]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ - في قوله: {فلمّا تبيّن له} - قال: لما مات). [سنن سعيد بن منصور: 5/279] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({لأوّاهٌ} [التوبة: 114] : " شفقًا، وفرقًا، وقال الشّاعر: [البحر الوافر]
إذا قمت أرحلها بليلٍ ... تأوّه آهة الرّجل الحزين "). [صحيح البخاري: 6/64]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لأوّاهٌ شفقًا وفرقًا قال الشّاعر
إذا ما قمت أرحلها بليل = تأوه آهة الرجل الحزين
قال أبو عبيدة في قوله تعالى إن إبراهيم لأواه هو فعّالٌ من التّأوّه ومعناه متضرّعٌ شفقًا وفرقًا لطاعة ربّه قال الشّاعر فذكره وقوله أرحلها هو بفتح الهمزة والحاء المهملة وقوله آهة بالمدّ للأكثر وفي رواية الأصيليّ بتشديد الهاء بلا مدٍّ تنبيهٌ هذا الشّعر للمثقّب العبدي واسمه جحاش بن عائذ وقيل بن نهارٍ وهو من جملة قصيدةٍ أوّلها أفاطم قبل بينك متعيني ومنعك ما سألت كأن تبيني ولا تعدي مواعد كاذباتٍ تمرّ بها رياح الصّيف دوني فإنّي لو تخالفني شمالي لما أتبعتها أبدًا يميني ويقول فيها فإمّا أن تكون أخي بحقٍّ فأعرف منك غثّي من سميني وإلّا فاطّرحني واتّخذني عدوًّا أتّقيك وتتّقيني وهي كثيرة الحكم والأمثال وكان أبو محمّد بن العلاء يقول لو كان الشّعر مثلها وجب على النّاس أن يتعلّموه). [فتح الباري: 8/315-316]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لأوّاهٌ شفقا وفرقا
أشار به إلى قوله تعالى: {إن إبراهيم لأواه حليم} (التّوبة: 114) والأواه المتأوه المتضرع، وهو على وزن فعال، بالتّشديد، وقال سفيان وغير واحد. عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال: الأواه الدّعاء، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام، قال: الأواه المتضرع الدّعاء، وعن مجاهد وأبي ميسرة عمرو بن شرحبيل والحسن البصريّ وقتادة أنه الرّحيم أي: لعباد الله، وعن عكرمة عن ابن عبّاس، قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة، وكذا قال الضّحّاك، وقال عليّ بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عبّاس، الأواه المؤمن التواب، وقال سعيد بن جبير والشعبيّ: الأواه المسبح، وقال شفي ابن مانع عن أبي أيّوب: الأواه الّذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها، وروى ابن جرير بإسناده إلى عطاء عن ابن عبّاس: أن النّبي صلى الله عليه وسلم، دفن ميتا فقال: رحمك الله إن كنت لأواها يعني: تلاء للقرآن. قوله: (شفقا) أي: لأجل الشّفقة ولأجل الفرق، وهو الخوف، وهذا كان في إبراهيم، عليه السّلام، لأنّه كان حليمًا عمّن ظلمه وخائفا من عظمة الله تعالى ومن كثرة حلمه وشدته أنه استغفر لأبيه مع شدّة أذاه له في قوله: {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًّا} (مريم: 46) .
وقال الشّاعر:
(إذا ما قمت أرحلها بليلٍ تأوّه آهة الرّجل الحزين)
كأنّه يحتج بهذا البيت على أن لفظ: أواه، على وزن فعال من التأوه، وقال الجوهري: أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال: أوه، والاسم منه الآهة بالمدّ. ثمّ قال: قال المثقب العبدي: إذا ما قمت إلى آخره، ويروى أهة، تشديد الهاء من قولهم: أه أي توجع. قلت: فلذلك قال أكثر الرواة آهة بالمدّ والتّخفيف، وروى الأصيليّ: أهة بلا مد وتشديد الهاء، وقد نسب الجوهري البيت المذكور إلى المثقب العبدي، بتشديد القاف المفتوحة، وزعم بعضهم بكسر القاف، والأول أشهر وسمي المثقب بقوله:
(أرين محاسنا وكنن أخرى = وثقبن الوصاوص للعيون)
قوله: كنن أي: سترن، والوصاوص، جمع وصواص وهو البرقع الصّغير، وهكذا فسره الجوهري ثمّ أنشد هذا البيت، واسم المثقب، جحاش عائذ بن محصن بن ثعلبة بن وائلة بن عدي بن زهر بن منبّه بن بكرة بن لكز بن أفصى بن عبد القيس، قال المرزباني: وقيل: اسمه شاس بن عائذ بن محصن، وقال أبو عبيدة وأبو هفان اسمه شاس ابن نهار، والبيت المذكور من قصيدة من المتواتر وهي طويلة وأولها قوله:
(أفاطم قبل بينك متعبني = ومنعك ما سألت كأن تبيني)
(فلا تعدي مواعد كاذبات = تمر بها رياح الصّيف دوني)
(فإنّي لو تخالفني شمالي = لما اتبعتها أبدا يميني)
(إذا لقطعتها ولقلت: بيني = لذلك اجتوى من يجتويني)
إلى أن قال:
(فسلّ الهم عنك بذات لوث = عذافرة كمطرقة القيون)
(إذا ما قمت أرحلها بليل = تأوه آهة الرجل الحزين)
(تقول: إذا درأت لها وضيني = أهذا دينه أبدا وديني)
(أكلّ الدّهر حل وارتحال = فما يبقى عليّ ولا يقيني)
ومن حكمها:
(فإمّا أن تكون أخي بصدق = فأعرف منك غثي من سميني)
(وإلاّ فاطرحني واتخذني = عدوا أتقيك وتتقيني)
(فما أدري إذا يممت أرضًا = أريد الخير أيهما يليني)
(آلخير الّذي أنا أبتغيه = أم الشّرّ الّذي هو يبتغيني)
قوله: (أفاطم) ، بفتح الميم وضمّها، منادى مرخم. قوله: (بينك) ، أي: قبل قطعك. قوله: (اجتوى) ، من الجوى، وهو: المرض وداء البطن إذا تطاول. قوله: (ذات لوث) ، بضم اللّام، يقال ناقة لوثة أي: كثيرة اللّحم والشحم. قوله: (عذافرة) ، بضم العين المهملة وتخفيف الذّال المعجمة وكسر الفاء وفتح الرّاء يقال: ناقة عذافرة، أي: عظيمة وقال الجوهري: يقال جمل عذافر وهو العظيم الشّديد. قوله: (كمطرقة القيون) ، وهو جمع قين، وهو الحداد. قوله: (أرحّلها) من رحّلت النّاقة أرحلها رحلاً إذا شددت الرحل على ظهرها، والرحل أصغر من القتب. قوله: (وضيني) بفتح الواو وكسر الضّاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، وهو الهودج بمنزلة البطان للقتب قوله: (حل) أي: حلول الحل، والحلول والمحل مصادر من حل بالمكان، والمعنى: أكل الزّمان موضع الحلول وموضع الارتحال؟ قوله: (لا يقيني) أي: لا يحفظني من وقى يقي وقاية. قوله: (بصدق) ويروي بحق. قوله: (فاعرف) بالنّصب أي: فإن أعرف. قوله: (غثى) بالغين المعجمة وتشديد الثّاء المثلّثة من غث اللّحم إذا كان مهزولاً والمعنى أعرف منك ما يفسد ممّا يصلح). [عمدة القاري: 18/257-258]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {إن إبراهيم} ({لأوّاه}) [التوبة: 114] أي (شفقًا وفرقًا) كناية عن فرط ترحمه ورقة قلبه وفيه بيان الحامل له على الاستغفار لأبيه مع شكاسته عليه.
(وقال الشاعر:) وهو المثقب بتشديد القاف المفتوحة العبدي واسمه جحاش بن عائذ بن محصن، وسقط لفظ الشاعر لغير أبي ذر.
(إذا ما قمت أرحلها بليل).
بفتح الهمزة والحاء المهملة من رحلت الناقة أرحلها إذا شددت الرحل على ظهرها والرحل أصغر من القتب.
(تأوّه آهة) بمدّ الهمزة وللأصيلي أهة (الرجل الحزين). بتشديد الهاء وقصر الهمزة قال الحريري في درة الغوّاص يقولون في التأوّه أوّه والأفصح أن يقال أوه بكسر الهاء وضمها وفتحها والكسر أغلب وعليه قول الشاعر:
وقد شدّد بعضهم الواو فقال: أوّه، ومنهم من حذف الهاء وكسر الواو فقال أوّ، وتصريف الفعل منها أوّه وتأوّه والمصدر والآهة ومنه قول مثقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل.
البيت. وهذا البيت من جملة قصيدة أوّلها:
أفاطم قبل بينك متعيني = ومنعك ما سألت كأن تبيني
ولا تعدي مواعد كاذبات = تمرّ بها رياح الصيف دوني
فإني لو تخالفني شمالي = لما أتبعتها أبدًا يميني
(يقال: تهوّرت البئر إذا انهدمت وإنها مثله) كذا لأبوي ذر والوقت وسقط لغيرهما). [إرشاد الساري: 7/140]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} قال بعضهم: معناه: فلمّا تبيّن له بموته مشركًا باللّه تبرّأ منه وترك الاستغفار له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مازال إبراهيم يستغفر لأبيه حتّى مات، {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مازال إبراهيم يستغفر لأبيه حتّى مات، فلمّا مات تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتّى مات، فلمّا مات لم يستغفر له.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} يعني استغفر له ما كان حيًّا، فلمّا مات أمسك عن الاستغفار له.
- حدّثني مطر بن محمّدٍ الضّبّيّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، وأبو قتيبة مسلم بن قتيبة، قالا: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قوله: {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} قال: لمّا مات
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه} قال: موته وهو كافرٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثني أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال: حدّثنا ابن أبي غنيّة، عن أبيه، عن الحكم، {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} قال: حين مات ولم يؤمن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن عمرو بن دينارٍ، {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} موته وهو كافرٌ.
- قال حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} قال: لمّا مات.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} لمّا مات على شركه تبرّأ منه.
- حٌدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} كان إبراهيم صلوات اللّه عليه يرجو أن يؤمن أبوه ما دام حيًّا؛ فلمّا مات على شركه تبرّأ منه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} قال: موته وهو كافرٌ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتّى مات، فلمّا مات تبيّن له أنّه عدوٌّ له فلم يستغفر له.
- قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا أبو إسرائيل، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه} قال: فلمّا مات.
وقال آخرون: معناه تبيّن له في الآخرة؛ وذلك أنّ أباه يتعلّق به إذا أراد أن يجوز الصّراط فيمرّ به عليه، حتّى إذا كاد أن يجاوزه حانت من إبراهيم التفاتةٌ فإذا هو بأبيه في صورة قردٍ أو ضبعٍ، فخلّى عنه وتبرّأ منه حينئذٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، قال: حدّثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول: إنّ إبراهيم يقول يوم القيامة: ربّ والدي ربّ والدي فإذا كان الثّالثة أخذ بيده، فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرّأ منه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن عبيد بن عميرٍ، قال: إنّكم مجموعون يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ يسمعكم الدّاعي وينفذكم البصر، قال: فتزفر جهنّم زفرةً لا يبقى ملكٌ مقرّبٌ ولا نبيّ مرسلٌ إلاّ وقع لركبتيه ترعد فرائصه. قال: فحسبته يقول: نفسي نفسي قال: ويضرب الصّراط على جسر جهنّم كحدّ السّيف، وحضر من له؛ وفي جانبيه ملائكةٌ معهم خطاطيفٌ كشوك السّعدان. قال: فيمضون كالبرق وكالرّيح وكالطّير، وكأجاويد الرّكاب، وكأجاويد الرّجال، والملائكةٌ يقولون: ربّ سلّم سلّم فناجٍ سالمٌ، ومخدوشٌ ناجٍ، ومكدوسٌ في النّار. يقول إبراهيم لأبيه: إنّي آمرك في الدّنيا فتعصيني ولست تاركك اليوم، فخذ بحقويّ فيأخذ بضبعيه، فيمسخ ضبعًا، فإذا رآه قد مسخ تبرّأ منه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول اللّه، وهو خبره عن إبراهيم أنّه لمّا تبيّن له أنّ أباه للّه عدوٌّ تبرّأ منه، وذلك حال علمه ويقينه أنّه للّه عدوٌّ وهو به مشركٌ، وهو حال موته على شركه.

القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في الأوّاه، فقال بعضهم: هو الدّعاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: الأوّاه: الدّعاء.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: الأوّاه: الدّعاء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: ثني جرير بن حازمٍ، عن عاصم ابن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: سألت عبد اللّه عن الأوّاه، فقال: هو الدّعاء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن ابن أبي عروبة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، مثله.
- قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: الأوّاه: الدّعاء.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، وإسرائيل، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، قال: نبّئت عن عبيد بن عميرٍ، قال: الأوّاه: الدّعاء.
- حدّثني إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا داود، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ، عن أبيه، قال: الأوّاه: الدّعاء.
وقال آخرون: بل هو الرّحيم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن سلمة، عن مسلمٍ البطين، عن أبي العبيدين، قال: سئل عبد اللّه عن الأوّاه، فقال: الرّحيم.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: ثني محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت يحيى بن الجزّار، يحدّث عن أبي العبيدين، رجلٍ ضرير البصر، أنّه: سأل عبد اللّه عن الأوّاه فقال: الرّحيم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ؛ وحدّثنا خلاّد بن أسلم قال: أخبرنا النّضر بن شميل جميعًا، عن المسعودٍيّ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي العبيدين: أنّه سأل ابن مسعودٍ، فقال: ما الأوّاه؟ قال: الرّحيم.
- حدّثنا زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزّار، عن أبي العبيدين: أنّه جاء إلى عبد اللّه، وكان ضرير البصر، فقال: يا أبا عبد الرّحمن، من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأنّ ابن مسعودٍ رقّ له، قال: أخبرني عن الأوّاه، قال: الرّحيم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن مسلمٍ البطين، عن أبي العبيدين، قال: سألت عبد اللّه عن الأوّاه، فقال: هو الرّحيم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزّار، قال: جاء أبو العبيدين إلى عبد اللّه، فقال له: ما حاجتك؟ قال: ما الأوّاه؟ قال: الرّحيم.
- قال: حدّثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزّار، عن أبي العبيدين رجلٍ من بني سوأة، قال: جاء رجلٌ إلى عبد اللّه فسأله عن الأوّاه، فقال له عبد اللّه: الرّحيم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ وهانئ بن سعيدٍ، عن حجّاجٍ، عن الحكم، عن يحيى بن الجزّار، عن أبي العبيدين، عن عبد اللّه، قال: الأوّاه: الرّحيم.
- حدّثني يعقوب وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزّار أنّ أبا العبيدين رجلاً من بني نميرٍ قال يعقوب: كان ضرير البصر؛ وقال ابن وكيعٍ: كان مكفوف البصر، سأل ابن مسعودٍ فقال: ما الأوّاه؟ قال: الرّحيم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: الأوّاه: الرّحيم.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، قال: هو الرّحيم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كنّا نحدّث أنّ الأوّاه، الرّحيم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ} قال: رحيمٌ قال عبد الكريم الجزريّ، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعودٍ مثل ذلك.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: الأوّاه: الرّحيم.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سفيان، عن سلمة، عن مسلمٍ البطين، عن أبي العبيدين: أنّه سأل عبد اللّه عن الأوّاه، فقال: الرّحيم.
- قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، قال: الأوّاه: الرّحيم.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا مباركٌ، عن الحسن، قال: الأوّاه: الرّحيم بعباد اللّه.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو خيثمة زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق الهمدانيّ، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: الأوّاه: الرّحيم بلحن الحبشة.
وقال آخرون: بل هو الموقن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الأوّاه: الموقن.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن ابن مباركٍ، عن خالدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة.
- قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن حسنٍ، عن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: سمعت سفيان، يقول: الأوّاه: الموقن وقال بعضهم: الفقيه الموقن.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن جابرٍ، عن عطاءٍ، قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن رجلٍ، عن عكرمة، قال: هو الموقن بلسان الحبشة.
- قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن الثّوريّ، عن مجالدٍ، عن أبي هاشمٍ، عن مجاهدٍ، قال: الأوّاه: الموقن.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، قال: الأوّاه: الموقن.
- قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قابوس، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ، قال: الأوّاه: الموقن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، أوّاهٌ: موقنٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، أوّاهٌ، قال: مؤتمنٌ موقنٌ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} قال: الأوّاه: الموقن.
وقال آخرون: هي كلمةٌ بالحبشيّة معناها: المؤمن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {لأوّاهٌ حليمٌ} قال: الأوّاه: هو المؤمن بالحبشيّة.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ} يعني: المؤمن التّوّاب.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا حسن بن صالحٍ، عن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الأوّاه: المؤمن.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، الأوّاه: المؤمن بالحبشيّة.
وقال آخرون: هو المسبّح الكثير الذّكر للّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ، قال: الأوّاه: المسبّح.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن حجّاجٍ، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم بن ينّاقٍ: أنّ رجلاً، كان يكثر ذكر اللّه ويسبّح، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إنّه أوّاهٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن ابن لهيعة، عن الحرث بن يزيد، عن عليّ بن رباحٍ، عن عقبة بن عامرٍ، قال: الأوّاه: الكثير الذّكر للّه.
وقال آخرون: هو الّذي يكثر تلاوة القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، قال: حدّثنا المنهال بن خليفة، عن حجّاج بن أرطأة، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دفن ميّتًا، فقال: يرحمك اللّه إن كنت لأوّاهًا يعني: تلاّءً للقرآن.
وقال آخرون: هو من التّأوّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي يونس القشيريّ، عن قاصٍّ، كان بمكّة: أنّ رجلاً، كان في الطّواف، فجعل يقول: أوّه قال: فشكاه أبو ذرٍّ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: دعه إنّه أوّاهٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شعبة، عن أبي يونس الباهليّ، قال: سمعت رجلاً، بمكّة كان أصله روميًا يحدّث عن أبي ذرٍّ، قال: كان رجلٌ يطوف بالبيت ويقول في دعائه: أوّه أوّه فذكر للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّه أوّاهٌ زاد أبو كريبٍ في حديثه، قال: فخرجت ذات ليلةٍ فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدفن ذلك الرّجل ليلاً ومعه المصباح.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن الحباب، عن جعفر بن سليمان، قال: حدّثنا أبو عمران، عن عبد اللّه بن رباح، عن كعبٍ، قال: الأوّاه: إذا ذكر النّار قال: أوّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصّمد العمّيّ، عن أبي عمران الجونيّ، عن عبد اللّه بن رباحٍ، عن كعبٍ، قال: كان إذا ذكر النّار قال: أوّه.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن جعفر بن سليمان، قال: أخبرنا أبو عمران، قال سمعت عبد اللّه بن رباحٍ الأنصاريّ يقول: سمعت كعبًا يقول: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ} قال: إذا ذكر النّار قال: أوّه من النّار.
وقال آخرون: معناه أنّه فقيهٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ} قال: فقيهٌ.
وقال آخرون: هو المتضرّع الخاشع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا عبد الحميد بن بهرام، قال: حدّثنا شهر بن حوشبٍ، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد، قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ، قال رجلٌ: يا رسول اللّه ما الأوّاه؟ قال: المتضرّع. قال: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مغراء، عن عبد الحميد، عن شهرٍ عن عبد اللّه بن شدّادٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الأوّاه: الخاشع المتضرّع.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب القول الّذي قاله عبد اللّه بن مسعودٍ الّذي رواه عنه زرٌّ أنّه الدّعاء.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب، لأنّ اللّه ذكر ذلك ووصف به إبراهيم خليله صلوات اللّه عليه بعد وصفه إيّاه بالدّعاء والاستغفار لأبيه، فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} وترك الدّعاء والاستغفار له، ثمّ قال: إبراهيم لدعّاءٌ ربّه شاكٍ له حليمٌ عمّن سبّه وناله بالمكروهٍ؛ وذلك أنّه صلوات اللّه عليه وعد أباه بالاستغفار له، ودعاء اللّه له بالمغفرة عند وعيد أبيه إيّاه، وتهدّده له بالشّتم بعد ما ردّ عليه نصيحته في اللّه، وقوله: {أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليًّا} فقال له صلوات اللّه عليه: {سلامٌ عليك سأستغفر لك ربّي إنّه كان بي حفيًّا وأعتزلكم وما تدعون من دون اللّه وأدعو ربّي عسى ألاّ أكون بدعاء ربّي شقيًّا} فوفّى لأبيه بالاستغفار له حتّى تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه، فوصفه اللّه بأنّه دعّاءٌ لربه حليمٌ عمّن سفه عليه.
وأصله من التّأوّه وهو التّضرّع والمسألة بالحزن والإشفاق، كما روى عبد اللّه بن شدّادٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكما روى عقبة بن عامرٍ الخبر الّذي:
- حدّثنيه يحيى بن عثمان بن صالحٍ السّهميّ، قال: حدّثنا أبي قال، حدّثنا ابن لهيعة، قال: ثني الحارث بن يزيد، عن عليّ بن رباحٍ، عن عقبة بن عامرٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لرجلٍ يقال له ذو البجادين: إنّه أوّاهٌ وذلك أنّه رجلٌ كان يكثر ذكر اللّه بالقرآن والدّعاء ويرفع صوته.
ولذلك قيل للمتوجّع من ألمٍ أو مرضٍ: لم تتأوّه؟ كما قال المثقّب العبديّ:
إذا ما قمت أرحلها بليلٍ = تأوّه آهة الرّجل الحزين
ومنه قول الجعديّ:
ضروحٌ مروحٌ تتبع الورق بعدما = يعرّسن تشكو آهةً وتذمّرا
ولا تكاد العرب تنطق منه بفعل يفعل، وإنّما تقول فيه: تفعّل يتفعّل، مثل تأوّه يتأوّه، وأوّه يؤوّه، كما قال الرّاجز:
فأوّه الرّاعي وضوضى أكلبه
وقالوا أيضًا: أوّه منك ذكر الفرّاء أنّ أبا الجرّاح أنشده:
فأوّه من الذّكرى إذا ما ذكرتها = ومن بعد أرضٍ بيننا وسماء
قال: وربّما أنشدنا فأوّ من الذّكرى بغير هاءٍ. ولو جاء فعل منه على الأصل لكان آه يئوه أوّها.
ولأنّ معنى ذلك: توجّعٌ وتحزّنٌ وتضرّعٌ، اختلف أهل التّأويل فيه الاختلاف الّذي ذكرت، فقال من قال معناه الرّحمة: أنّ ذلك كان من إبراهيم على وجه الرّقة على أبيه والرّحمة له ولغيره من النّاس.
وقال آخرون: إنّما كان ذلك منه لصحّة يقينه وحسن معرفته بعظمة اللّه وتواضعه له.
وقال آخرون: كان لصحّة إيمانه بربه.
وقال آخرون: كان ذلك منه عند تلاوته تنزيل اللّه الّذي أنزل عليه.
وقال آخرون: كان ذلك منه عند ذكر ربّه.
وكلّ ذلك عائدٌ إلى ما قلت، وتقارب معنى بعض ذلك من بعضٍ؛ لأنّ الحزين المتضرّع إلى ربّه الخاشع له بقلبه، ينوبه ذلك عند مسألته ربّه ودعائه إيّاه في حاجاته، وتعتوره هذه الخلال الّتي وجّه المفسّرون إليها تأويل قول اللّه: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}). [جامع البيان: 12/29-46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ (114)
قوله: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه.
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان ثنا قيسٌ عن أبي إسحاق عن أبي الخليل قال سمعت عليًّا يقول: أنزل اللّه عذر إبراهيم فقال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتّى مات، فلمّا مات تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه، لم يستغفر له.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا العنقزيّ عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ في قوله: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه قال لمّا مرض أبو طالبٍ أتاه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم-، فقال المسلمون: هذا محمّدٌ يستغفر لعمّه وقد استغفر إبراهيم لأبيه قال: فاستغفروا لقراباتهم من المشركين قال: ثمّ أنزل اللّه: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه قال: كان يرجوه في حياته فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: ثمّ عذر اللّه نبيّه إبراهيم فقال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبين له أنه عدو للّه لمّا مات على شركه تبرّأ منه.
قوله تعالى: فلمّا تبيّن له.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ ثنا عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن الزهري ما لا أحصي عن ابن المسيّب عن أبيه فلمّا تبين له أنه عدوٌّ للّه قال: لمّا مات وهو كافرٌ
- وروي عن مجاهدٍ والحسن، أنّهما قالا: لمّا مات.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة: تبيّن له حين مات، وعلم أنّ التّوبة قد انقطعت منه.
قوله تعالى: تبرّأ منه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ ثنا أبو نعيمٍ عن سفيان عن حبيبٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: كان إبراهيم- صلّى اللّه عليه وسلّم- يستغفر لأبيه فلمّا مات لم يستغفر له
- وروي عن الحكم بن عتيبة قال: تبرّأ منه حين مات ولم يؤمن.
قوله تعالى: إنّ إبراهيم لأواه.
[الوجه الأول]
- حدثنا عمرو بن عبد الله الأود ثنا وكيعٌ عن شعبة عن أبي يونس الباهليّ سمعت رجلا كان بمكّة أصله روميّ يحده عن أبي ذرٍّ قال: كان رجلٌ يطوف بالبيت ويقول في دعائه: أوه أوه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه لأوّاهٌ، قال أبو ذرٍّ فخرجت ليلةً فإذا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- معه المصباح يدفن ذلك الرّجل.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ أنبأ عبد اللّه بن المبارك أنبأ عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشبٍ عن عبد اللّه بن شدّادٍ قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، ما الأوّاه؟ قال: الخاشع، المتضرّع الدّعاء، قال: إن إبراهيم لأواه حليم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ ثنا الأعمش عن الحكم عن يحيى بن الجزّار أنّ أبا العبيدين سأل عبد اللّه عن الأوّاه؟ فقال: الرّحيم- وروي عن أبي ميسرة. والحسن ومجاهدٍ وقتادة: مثل ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أبو نعيمٍ ثنا حسن بن صالحٍ عن مسلمٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: الأوّاه: الموقن.
- حدّثنا الأشجّ ثنا عقبة عن إسرائيل عن جابرٍ عن مجاهدٍ وعكرمة قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن أبي مجاهدٍ أوّاهٌ قال: فقيهٌ موقنٌ.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ إبراهيم لأوّاهٌ يعني: التّوّاب.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا طلحة بن سنانٍ عن ليثٍ عن مجاهدٍ قال: الأوّاب المنيب.
والوجه الخامس:
- ذكر عن أبي صالحٍ كاتب اللّيث عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبي عامرٍ الأصبحيّ عن شفيّ بن ماتعٍ عن أبي أيّوب قال: الأوّاه: الّذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.
والوجه السادس:
- حدثنا بحر بن نثر ثنا عبد اللّه بن وهبٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن أبي الرّاهويه عن جبير بن نفيرٍ عن أبي الدّرداء قال: لا يحافظ على سبحة الضّحى إلّا أوّاهٌ.
والوجه السّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا، ثنا طلحة بن سنانٍ عن ليثٍ عن صاحبٍ له عن مجاهدٍ قال: الأوّاه: الحفيظ، الرّجل يذنب الذّنب سرًّا ثمّ يتوب منه سرًّا.
والوجه الثّامن:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا شعيب بن سلمة الأنصاريّ ثنا إبراهيم بن عيينة أنبأنا زكريّا عن الشّعبيّ قوله: اواه. المسبّح.
قوله تعالى: حليمٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا سعيد بن عبد اللّه الطّلاس ثنا عبد الوهّاب عن رجلٍ سمّاه عن الحسين في قوله: إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ قال: الحليم:
الرّحيم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1894-1897]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأواه الموقن). [تفسير مجاهد: 287]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد الصّفّار، ثنا أحمد بن محمّدٍ البرتيّ، ثنا أبو نعيمٍ، وأبو حذيفة، قالا: ثنا سفيان، وأخبرني عليّ بن عيسى بن إبراهيم، ثنا الحسين بن محمّد بن زيادٍ، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيعٌ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: سمعت رجلًا يستغفر لأبويه، وهما مشركان، فقلت: لا تستغفر لأبويك، وهما مشركان. فقال: أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشركٌ؟ فذكرته للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنزلت " {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين، ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم (113) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه، فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} [التوبة: 114] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/365] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل، ثنا يحيى بن أبي طالبٍ، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة أتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده عبد اللّه بن أبي أميّة وأبو جهل بن هشام فقال له رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أي عمّ إنّك أعظمهم عليّ حقًّا، وأحسنهم عندي يدًا، ولأنت أعظم حقًّا عليّ من والدي، فقل كلمةً تجب لك عليّ بها الشّفاعة يوم القيامة قل لا إله إلّا اللّه» فقالا له: أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فسكت فأعادها عليه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أنا على ملّة عبد المطّلب فمات فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] الآية {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} [التوبة: 114] إلى آخر الآية " هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه فإنّ يونس وعقيلًا أرسلاه عن الزّهريّ عن سعيدٍ). [المستدرك: 2/366] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصرٍ، ثنا عبد اللّه بن وهبٍ، أنبأ ابن جريجٍ، عن أيّوب بن هانئٍ، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: خرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ينظر في المقابر، وخرجنا معه، فأمرنا فجلسنا، ثمّ تخطّا القبور حتّى انتهى إلى قبرٍ منها فناجاه طويلًا، ثمّ ارتفع نحيب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم باكيًا فبكينا لبكائه، ثمّ أقبل إلينا فتلقّاه عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه، ما الّذي أبكاك فقد أبكانا، وأفزعنا، فجاء فجلس إلينا فقال: «أفزعكم بكائي؟» فقلنا: نعم يا رسول اللّه فقال: " إنّ القبر الّذي رأيتموني أناجي فيه، قبر أمّي آمنة بنت وهبٍ وإنّي استأذنت ربّي في زيارتها، فأذن لي فيه، فاستأذنته في الاستغفار لها، فلم يأذن لي فيه، ونزل عليّ {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] حتّى ختم الآية {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه} [التوبة: 114] فأخذني ما يأخذ الولد لوالده من الرّقة فذلك الّذي أبكاني «صحيحٌ على شرطهما ولم يخرجاه هكذا بهذه السّياقة» إنّما أخرج مسلمٌ حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازمٍ عن أبي هريرة فيه مختصرًا "). [المستدرك: 2/366] (م)
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ} [التوبة: 114].
- عن زرٍّ قال: سئل ابن مسعودٍ عن الأوّاه، قال: الدّعّاء.
رواه الطّبرانيّ، وفيه عاصمٌ وهو ثقةٌ، وقد ضعّف.
- وعن أبي العبيدين العامريّ، وكان ضرير البصر وكان عبد اللّه بن مسعودٍ يدنيه، فقال لعبد اللّه بن مسعودٍ: من نسأل إذا لم نسألك؟ فرقّ له فقال: ما الأوّاه؟ قال: الرّحيم. قال: فما الأمّة؟ قال: الّذي يعلّم النّاس الخير. قال: فما القانت؟. قال: المطيع. قال: فما الماعون؟ قال: ما يتعاون النّاس بينهم. قال: فما التّبذير؟ قال: إنفاق المال في غير حقّه، وفي روايةٍ: في غير حلّه.
- وفي روايةٍ: كان عبد اللّه بن مسعودٍ يحدّث النّاس كلّ يومٍ، فإذا كان يوم الخميس انتابه النّاس من الرّساتيق والقرى، فجاءه رجلٌ أعمى، فذكر نحوه.
رواه كلّه الطّبرانيّ بأسانيد، ورجال الرّوايتين الأوليين ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ثم أنزل الله تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الآية، يعني استغفر له ما كان حيا فلما مات أمسك عن الاستغفار.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: لما مرض أبو طالب أتاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال المسلمون: هذا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه وقد استغفر إبراهيم لأبيه فاستغفروا لقراباتهم من المشركين، فأنزل الله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ثم أنزل الله تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} قال: كان يرجوه في حياته {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}.
وأخرج ابن جرير من طريق شبل عن عمرو بن دينار أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي، وقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمه فأنزل الله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} إلى قوله {تبرأ منه}.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أي عم إنك أعظم علي حقا من والدي فقل كلمة يجب لك بها الشفاعة يوم القيامة قل لا إله إلا الله، فذكر نحو ما تقدم.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الرحم ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه، فأنزل الله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية ثم عذر إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} إلى قوله {تبرأ منه} وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: أوحى إلي كلمات قد دخلن في أذني ووقرن في قلبي أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركا ومن أعطى فضل ماله فهو خير له ومن أمسك فهو شر له ولا يلوم الله على كفاف.
وأخرج ابن سعد، وابن عساكر، عن علي، قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب فبكى فقال: اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه، ففعلت وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى نزل جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}.
وأخرج ابن سعد وأبو الشيخ، وابن عساكر من طريق سفيان بن عيينة عن عمر قال: لما مات أبو طالب قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله وغفر لك لا أزال أستغفر لك حتى ينهاني الله فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون فأنزل الله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، فقالوا: قد استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} الآية، قال: فلما مات على كفره تبين له أنه عدو الله.
وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن الحسن قال: لما مات أبو طالب قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم استغفر لأبيه وهو مشرك وأنا أستغفر لعمي حتى أبلغ فأنزل الله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} يعني به أبا طالب فاشتد على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الله لنبيه {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه}
يعني حين قال (سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) (مريم الآية 47) {فلما تبين له أنه عدو لله} يعني مات على الشرك {تبرأ منه}.
وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله {ما كان للنبي والذين آمنوا} الآية، قال إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأبيه فنهاه الله عن ذلك قال فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه، فنزلت {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الآية، قلت إن هذا الأثر ضعيف معلول فإن عطية ضعيف وهو مخالف لرواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السابقة وتلك أصح وعلى ثقة جليل.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك اعتمر فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن يستندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم فذهب فنزل على قبر أمه آمنة فناجى ربه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه فبكى هؤلاء لبكائه فقالوا: يا نبي الله بكينا لبكائك، قلنا لعله أحدث في أمتك شيء لم يطقه فقال: لا وقد كان بعضه ولكني نزلت على قبر أمي فدعوت الله تعالى ليأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت ثم جاءني جبريل عليه السلام فقال {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} الآية، فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه فرحمتها وهي أمي فدعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربع فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين، دعوت أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأبى أن يرفع عنهم القتل والهرج، قال: وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كدي وكانت عسفان لهم وبها ولد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر فدعاه ثم دعانا فقال: ما أبكاكم قلنا: بكينا لبكائك، قال: إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي وإني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم
يأذن لي وأنزل علي {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني.
وأخرج ابن مردويه عن بريدة قال كنت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذ وقف على عسفان فنظر يمينا وشمالا فأبصر قبر أمه آمنة ورد الماء فتوضأ ثم صلى ركعتين ودعا فلم يفجأنا إلا وقد علا بكاؤه فعلا بكاؤنا لبكائه ثم انصرف إلينا فقال: ما الذي أبكاكم قالوا: بكيت فبكينا يا رسول الله، قال: وما ظننتم قالوا: ظننا أن العذاب نازل علينا بما نعمل، قال: لم يكن من ذلك شيء، قالوا: فظننا أن أمتك كلفت من الأعمال ما لا يطيقون فرحمتها، قال: لم يكن من ذلك شيء ولكن مررت بقبر أمي آمنة فصليت ركعتين فاستأذنت ربي أن أستغفر لها فنهيت فبكيت ثم عدت فصليت ركعتين فاستأذنت ربي أن أستغفر لها فزجرت زجرا فعلا بكائي ثم دعا براحلته فركبها فما سار إلا هنية حتى قامت الناقة لثقل الوحي فأنزل الله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآيتين
وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال جاء ابنا مليكة - وهما من الأنصار - فقالا: يا رسول الله إن أمنا كانت تحفظ على البعل وتكرم الضيف وقد وئدت في الجاهلية فأين أمنا فقال: أمكما في النار، فقاما وقد شق ذلك عليهما فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعا فقال: ألا أن أمي مع أمكما فقال منافق من الناس: أما ما يغني هذا عن أمه إلا ما يغني ابنا مليكة عن أمهما ونحن نطأ عقبيه، فقال شاب من الأنصار لم أر رجلا أكثر سؤالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه: يا رسول الله وأين أبواك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما سألتهما ربي فيطيعني فيهما، وفي لفظ: فيطعمني فيهما وإني لقائم يومئذ المقام المحمود فقال المنافق للشاب الأنصاري: سله وما المقام المحمود قال: يا رسول الله وما المقام المحمود قال: ذاك يوم ينزل الله فيه على كرسيه يئط فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهو كسعة ما بين السماء والأرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله: اكسوا خليلي، فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسى على أثره فأقوم عن يمين الله مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون ويشق لي نهر من الكوثر إلى حوضي قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط لقلما جرى نهر قط إلا في إحالة أو رضراض فسله فيم يجري النهر إليهم
قال: في إحالة من المسك ورضراض قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط، والله لقلما جرى نهر قط إلا كان له نبات فسله هل لذلك النهر نبات فقال الأنصاري: يا رسول الله هل لذلك النهر نبات قال: نعم، قال: ما هو قال: قضبان الذهب، قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط والله ما نبتت قضيب إلا كان له ثمر فسله هل لتلك القضبان ثمار فسأل الأنصاري قال: يا رسول الله هل لتلك القضبان ثمار قال: نعم اللؤلؤ والجوهر، فقال المنافق: لم أسمع كاليوم قط فسله عن شراب الحوض فقال الأنصاري: يا رسول الله ما شراب الحوض قال: أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من سقاه الله منه شربة لم يظمأ بعدها ومن حرمه لم يرو بعدها.
وأخرج ابن سعد عن الكلبي وأبي بكر بن قيس الجعفي قالا: كانت جعفى يحرمون القلب في الجاهلية فوفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان منهم قيس بن سلمة وسلمة بن يزيد وهما أخوان لأم فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغني أنكما لا تأكلان القلب، قالا: نعم، قال: فإنه لا يكمل إسلامكما إلا بأكله، ودعا لهما بقلب فشوي وأطعمه لهما، فقالا: يا رسول الله إن أمنا مليكة بنت الحلو كانت تفك العاني وتطعم البائس وترحم الفقير وإنها ماتت وقد وأدت بنية لها صغيرة فما حالها فقال: الوائدة والموءودة في النار، فقاما مغضبين، فقال: إلي، فأرجعا فقال: وأمي مع أمكما، فأبيا ومضيا وهما يقولان: والله إن رجلا أطعمنا القلب وزعم أن أمنا في النار لأهل أن لا يتبع وذهبا فلقيا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه إبل من إبل الصدقة فأوثقاه وطردا الإبل فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: لعن الله رعلا وذكوان وعصية ولحيان وابني مليكة من حريم وحران.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) (الإسراء الآية 23) إلى قوله (كما ربياني صغيرا) قال: ثم استثنى فقال {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} إلى قوله {عن موعدة وعدها إياه}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فلما تبين له أنه عدو لله} قال: تبين له حين مات وعلم التوبة قد انقطعت عنه.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو بكر الشافعي في فوائده والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس {فلما تبين له أنه عدو لله} يقول: لما مات على كفره أما قوله تعالى: {إن إبراهيم لأواه حليم}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كان رجل يطوف بالبيت ويقول في داعئه: أوه أوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لأواه.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب رضي الله عنه في قوله {إن إبراهيم لأواه حليم} قال: كان إبراهيم عليه السلام إذا ذكر النار قال: أوه من النار أوه.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الجوزاء، مثله.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل: لو أن هذا خفض صوته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإنه أواه.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين: إنه أواه وذلك أنه كان يكثر ذكر الله بالقرآن والدعاء.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أدخل ميتا القبر وقال: رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأواه: الخاشع المتضرع.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: الأواه: الدعاء.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: الأواه الدعاء المستكين إلى الله كهيئة المريض المتأوه من مرضه.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي
حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن أبي العبيدين قال: سألت عبد الله بن مسعود عن الأواه فقال: هو الرحيم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: الأواه المؤمن التواب.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الأواه الحليم المؤمن المطيع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أيوب قال: الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: الأواه المؤمن بالحبشية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: الأواه الموقن.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس قال: الأواه الموقن بلسان الحبشية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: الأواه الموقن وهي كلمة حبشية
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد قال: الأواه الفقيه الموقن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: الأواه الشيخ.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي ميسرة قال: الأواه الشيخ.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عمرو بن شرحبيل قال: الأواه الرحيم بلسان الحبشة.
وأخرج ابن المنذر عن عمرو بن شرحبيل قال: الأواه الدعاء بلسان الحبشة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: الأواه المسيح.
وأخرج البخاري في تاريخه عن الحسن قال: الأواه الذي قلبه معلق عند الله.
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم قال: كان إبراهيم يسمى الأواه لرقته ورحمته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {إن إبراهيم لأواه حليم} قال: الحليم الرحيم
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن إبراهيم لأواه حليم} قال: كان من حلمه أنه كان إذا أذاه الرجل من قومه قال له: هداك الله.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: ما أنزل شيء من القرآن إلا وأنا أعلمه إلا أربع آيات، إلا (الرقيم) (الكهف الآية 9) فإني لا أدري ما هو فسألت كعبا فزعم أنها القرية التي خرجوا منها (وحنانا من لدنا وزكاة) (مريم الآية 13) قال: لا أدري ما الحنان ولكنها الرحمة (والغسلين) (الحاقة الآية 36) لا أدري ما هو ولكني أظنه الزقوم، قال الله (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) (الدخان الآيتان 42 - 43) قال: والأواه هو الموقن بالحبشية.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: الأواه المؤمن.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: الأواه المنيب الفقير.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عقبة بن عامر قال: الأواه الكثير ذكر الله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} قال: بيان الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة وفي بيانه طاعته ومعصيته عامة ما فعلوا أو تركوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {حتى يبين لهم ما يتقون} قال: ما يأتونه وما ينتهون عنه). [الدر المنثور: 7/551-565]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون}.
يقول تعالى ذكره: وما كان اللّه ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضّلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفّقكم للإيمان به وبرسوله، حتّى يتقدّم إليكم بالنّهي عنه فتتركون الانتهاء عنه؛ فأمّا قبل أن يبيّن لكم كراهية ذلك بالنّهي عنه ثمّ تتعدّوا نهيه إلى ما نهاكم عنه، فإنّه لا يحكم عليكم بالضّلال، لأنّ الطّاعة والمعصية إنّما يكونان من المأمور والمنهيّ، فأمّا من لم يؤمر ولم ينه فغير كائنٍ مطيعًا أو عاصيًا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه.
{إنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}، يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علمٍ بما خالط أنفسكم عند نهي الله إياكم من الاستغفار لموتاكم المشركين، من الجزع على ما سلف منكم من الاستغفار لهم قبل تقدمه إليكم بالنهي عنه، وبغير ذلك من سرائر أموركم وأمور عباده وظواهرها، فبيّن لكم حلمه في ذلك عليكم، ليضع عنكم ثقل الوجد بذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون} قال: بيان اللّه للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصّةً، وفي بيانه طاعته ومعصيته، فافعلوا أو ذروا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون} قال: بيان اللّه للمؤمنين أن لاّ يستغفروا للمشركين خاصّةً، وفي بيانه طاعته ومعصيته عامّةً، فافعلوا أو ذروا.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون} قال: يبيّن اللّه للمؤمنين في أن لاّ يستغفروا للمشركين في بيانه في طاعته وفي معصيته، فافعلوا أو ذروا). [جامع البيان: 12/46-48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون إنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (115)
قوله تعالى: وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون قال: بيان اللّه للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصّةً وفي بيانه طاعته وفي معصيته عامّةً، ما فعلوا أو تركوا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيدٌ عن سعيدٍ قوله:
ما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون قال: ما يأتونه، وما ينتهون عنه، إنّ اللّه بكلّ شيء عليم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1897]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون يعني بيان الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة وبيانه في طاعته ومعصيته عامة). [تفسير مجاهد: 288]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 115 - 116
وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن عقيل رضي الله عنه قال: دفع إلى يحيى بن يعمر كتابا قال: هذه خطبة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقوم فيخطب بها كل عشية خميس على أصحابه ذكر الحديث ثم قال: فمن استطاع منكم أن يغدو عالما أو متعلما فليفعل ولا يغدو لسوى ذلك فإن العالم والمتعلم شريكان في الخير أيها الناس إني والله ما أخاف عليكم أن تؤخذوا بما لم يبين لكم وقد قال الله تعالى {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} فقد بين لكم ما تتقون.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} قال: نزلت حين أخذوا الفداء من المشركين يوم الأسارى قال: لم يكن لكم أن تأخذوه حتى يؤذن لكم ولكن ما كان الله ليعذب قوما بذنب أذنبوه حتى يبين لهم ما يتقون، قال: حتى ينهاهم قبل ذلك). [الدر المنثور: 7/565]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه له ملك السّموات والأرض يحيي ويميت وما لكم مّن دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ}.
يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه أيّها النّاس له سلطان السّموات والأرض وملكهما، وكلّ من دونه من الملوك فعبيده ومماليكه، بيده حياتهم وموتهم، يحيي من يشاء منهم ويميت من يشاء منهم، فلا تجزعوا أيّها المؤمنون من قتال من كفر بي من الملوك، ملوك الرّوم كانوا أو ملوك فارسٍ والحبشة أو غيرهم، واغزوهم وجاهدوهم في طاعتي، فإنّي المعزّ من أشاء منهم ومنكم والمذلّ من أشاء.
وهذا حضٌّ من اللّه جلّ ثناؤه المؤمنين على قتال كلّ من كفر به من المماليك، وإغراءٌ منه لهم بحربهم.
وقوله: {وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ} يقول: وما لكم من أحدٍ هو لكم حليفٌ من دون اللّه يظاهركم عليه إن أنتم خالفتم أمر اللّه فعاقبكم على خلافكم أمره يستنقذكم من عقابه، ولا نصير ينصركم منه إن أراد بكم سوءًا. يقول: فبالله فثقوا، وإيّاه فارهبوا، وجاهدوا في سبيله من كفر به، فإنّه قد اشترى منكم أنفسكم وأموالكم بأنّ لكم الجنّة، تقاتلون في سبيله فتقتلون وتقتلون). [جامع البيان: 12/48-49]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ (116)
قوله تعالى: إن الله له ملك السماوات والأرض.
- حدّثنا عليّ بن أبي دلامة البغداديّ ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ ثنا سعيدٍ عن قتادة عن صفوان بن محرزٍ عن حكيم بن حزامٍ قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بين أصحابه إذ قال لهم: هل تسمعون ما أسمع؟ قالوا ما نسمع من شيءٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لأسمع أطيط السّماء وما تلام أن تئطّ وما فيها موضع شبرٍ إلا وعليه ملكٌ ساجدٌ أو قائمٌ.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا مؤمّلٌ ثنا سفيان ثنا يزيد بن أبي زيادٍ عن عبد اللّه بن الحارث قال: قال كعبٌ: ما من موضع خرمة إبرةٍ من الأرض إلا وملكٌ موكّلٌ بها يرفع علم ذلك إلى اللّه، وإنّ ملائكة السّماء لأكثر من عدد التّراب، وإنّ حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخّه مسيرة مائة عامٍ.
قوله تعالى: يحيي ويميت وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: يحيي ويميت أي: يعجّل ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، من ذلك بآجالهم بقدرته). [تفسير القرآن العظيم: 6/1898]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:43 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
ثم قال: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} يقول "وما كان لهم استغفارٌ للمشركين" وقال: {وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه}. أي ما كان لها الإيمان إلا بإذن الله). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على عمّه أبي طالب الإسلام عند وفاته، وذكر له وجوب حقّه عليه، فأبى أبو طالب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لأستغفرن لك حتى أنهى عن ذلك.
ويروى أنّه استغفر لأمّه، ويروى إنّه استغفر لأبيه، وأنّ
المؤمنين ذكروا محاسن آبائهم في الجاهلية وسألوا أن يستغفروا لآبائهم لما كان من محاسن كانت لهم، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك لا يجوز فقال:
{ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}.
وقوله: {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
أي من بعد ما تبين لهم أنهم ماتوا كافرين.
ثم أعلم جلّ وعزّ كيف كان استغفار إبراهيم لأبيه فقال:
{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم} ). [معاني القرآن: 2/472-473]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}
وروى أبو الخليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مررت برجل من المسلمين يستغفر لأبيه وقد مات مشركا قال فنهيته فقال قد استغفر إبراهيم لأبيه فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعده إياه} إلى آخر الآيتين
وفي بعض الروايات فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآيتين
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا طالب حين حضرته الوفاة وكان أبو جهل وعبد الله بن أمية عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} وأنزل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء}
قال ابن مسعود ناجى النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وبكى وقال إني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي ونزل {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}
وقيل معنى {إلا عن موعدة وعدها إياه} إن أباه وعده
أن يسلم فاستغفر له
{فلما تبين له أنه عدو لله} بإقامته الكفر {تبرأ منه}
وقال عبد الله بن عباس لما تبين له أنه عدو لله بأن مات وهو كافر تبرأ منه). [معاني القرآن: 3/259-261]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} مجازه مجاز فعّال من التأوه، ومعناه متضرع شفقاً وفرقاً ولزوماً لطاعة ربه، وقال المثقّب العبديّ:
إذا ما قمت أرحلها بليلٍ..=. تأوّه آهة الرجل الحزين).
[مجاز القرآن: 1/270]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن مّوعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}
وقال: {إلاّ عن مّوعدةٍ وعدها إيّاه} يريد "إلاّ من بعد موعدةٍ" كما تقول: "ما كان هذا الشرّ إلاّ عن قولٍ كان بينكما" أي: عن ذلك صار). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إلا عن موعدة} فهي مفعلة من وعدت؛ وهو مثل قول الشاعر:
أنت التي خنت عهدي بعد موثقة = إن لم تكن كذبت عنك الأخابير
خبر وأخبار؛ وأخابير جمع الجمع.
وقوله {إن إبراهيم لأواه حليم} قالوا في الفعل: آه يؤوه أوها، وتأوه تأوها منهاه؛ وهو الحزين الواجد؛ وقالوا: أوة عليه، وأيه عليك، فيما زعم يونس أنها مقولة بإسكان الهاء؛ وقالوا أيضًا: أوه عليك، بإسكان الهاء؛ وقالوا: أوتاه.
وقال الشاعر:
أوه لذكراها إذا ما ذكرتها = ومن أتي ليلى والفراق وراء
وقالوا: أوه عليك إذا شق عليه؛ وقالواك أوه عليك بإسكان الواو وضم الهاء؛ وقالوا أيضًا: أوه عليك بإسكان الواو وكسر الهاء، وقالوا: أيضًا آوه بكسر الواو وإسكان الهاء والمد.
وقال بعضهم: آوه لذكراها، يسكن الواو ويمد ويكسر الهاء، ويجمع بين ساكنين الألف قبل الواو والواو.
[معاني القرآن لقطرب: 648]
قال الشاعر:
فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها = ومن عرض أرض بيننا وسماء
وقد قال بعضهم: فأوه لذكراها فضم.
وقالوا: آه الرجل يؤوه أوهًا؛ إذا قال: أوه؛ من مرض.
وقال الجعدي:
صروح مروح تتبع الورق بعدما = تعرس شكوى آهة وتنمرا
ويروى: طروح.
وقال المثقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
وكان الحسن يقول الأواه: الرحيم؛ وكأن الأصل كله واحد في المعنى). [معاني القرآن لقطرب: 649]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لأواه}: قال المتأوه من الخوف ويروى لدعاء ويقال الرحيم ويقال الموقن). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الأوّاه} المتأوّه حزنا وخوفا. قال المثقّب العبدي وذكر ناقته:
إذا قمت أرحلها بليل تأوّه آهة الرّجل الحزين). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم}
فيروى أنه كان وعده أن يستغفر له أيام حياته، ويروى أن أبا إبراهيم كان وعد إبراهيم أن يسلم إن استغفر له، فلما تبين له إقامته على الكفر تبرّأ منه.
وقال اللّه تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والّذين معه}
إلى قوله: {إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك}.
أي تأسّوا بإبراهيم في هذا القول.
وقوله: {إنّ إبراهيم لأوّاه حليم}.
يروى أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأوّاه، فقال: الأوّاه الدّعّاء، والأوّاه في أكثر الرواية الدّعّاء
ويروى أن الأوّاه الفقيه، ويروى أن الأوّاه المؤمن بلغة الحبشة.
ويروى أن الأوّاه الرحيم الرفيق.
قال أبو عبيدة: {الأوّاه} المتأوّه شفقا وفرقا المتضرع يقينا، يريد أن يكون
تضرعه على يقين بالإجابة ولزوما للطاعة.
وقد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روي في الأوّاه وأنشد أبو عبيدة:
إذا ما قمت أرحلها بليل..=. تأوّه آهة الرجل الحزين).
[معاني القرآن: 2/4734-474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {إن إبراهيم لأواه حليم}
روى أبو ظبيان عن ابن عباس أنه قال الأواه الموقن
وروي عن عبد الله بن مسعود قولان أصحهما إسنادا ما رواه حماد عن عاصم عن زر عن ابن مسعود أنه قال هو الدعاء والآخر أنه الرحيم
وروي عن مجاهد أنه الفقيه
وقال كعب إذا ذكر النار تأوه
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن هذه كلها من صفات إبراهيم إلا أن أحسنها في اللغة الدعاء لأن التأوه إنما هو صوت قال المثقب:
إذا ما قمت أرحلها بليل = تأوه آهة الرجل الحزين
وقول كعب أيضا حسن أي كان يتأوه إذا ذكر النار
وقال سعيد بن جبير المسبح وقيل الذي يتأوه من الذنوب فلا يعجل إلى معصية فلم يستغفر لأبيه إلا لوعده لأن الاستغفار للكافر ترك الرضا لأفعل الله عز وجل وأحكامه). [معاني القرآن: 3/261-262]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (أواه أي: تواب. {حليم} أي: وقور). [ياقوتة الصراط: 248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): {الأواه} المتأوه حزنا وخوفا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لأوَّاهٌ}: متأوه، الدعاء). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم...}
سأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم عمّن مات من المسلمين وهو يصلّى إلى القبلة الأولى، ويستحلّ الخمر قبل تحريمها، فقالوا: يا رسول الله أمات إخواننا ضلاّلا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم مّا يتّقون} يقول: ليسوا بضلال ولم يصرفوا عن القبلة الأولى، ولم ينزل عليهم تحريم الخمر). [معاني القرآن: 1/453]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان اللّه ليضلّ قوما بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون إنّ اللّه بكلّ شيء عليم}
يروى أنه لما نزل تحريم الخمر ووقعت الحدود قال المسلمون فيمن مات قبل ذلك ولم يدرك التحريم اسألوا عن حالهم، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أنه لا يؤاخذهم بما حرم مما لم يحرم عليهم.
وجائز أن يكون: إذا وفق اللّه للهداية فلا إضلال بعدها، لأن من يهد اللّه فلا مضلّ له). [معاني القرآن: 2/474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله أي يحتج عليهم بأمره كما قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها
ففسقوا فيها}
وقال مجاهد يبين لهم أمر إبراهيم ألا يستغفروا للمشركين خاصة ويبين لهم الطاعة والمعصية عامة
وروي أنه لما نزل تحريم الخمر وشدد فيها سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يشربها فأنزل الله عز وجل: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}
وقوله جل وعز: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} [آية: 179] قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب خرجوا في غزوة تبوك في حر شديد وكان الرجلان والثلاثة على البعير الواحد فعطشوا يوما عطشا شديدا فأقبلوا ينحرون الإبل ويشقون أكراشها ويشربون ما فيها). [معاني القرآن: 3/262-263]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:49 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) }


تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:53 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:54 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:32 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى ما كان للنّبيّ الآية، يقتضي التأنيب ومنع الاستغفار للمشركين مع اليأس عن إيمانهم إما بموافاتهم على الكفر وموتهم، ومنه قول عمر بن الخطاب في العاصي بن وائل لا جزاه الله خيرا، وإما بنص من الله تعالى على أحد كأبي لهب وغيره فيمتنع الاستغفار له وهو حي، واختلف المفسرون في سبب هذه الآية فقال الجمهور ومداره على ابن المسيب وعمرو بن دينار، نزلت في شأن أبي طالب، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه حين احتضر ووعظه وقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله تعالى، وكان بالحضرة أبو جهل وعبد الله بن أمية، فقالا له: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فقال أبو طالب: يا محمد والله لولا أني أخاف أن يعير بها ولدي من بعدي لأقررت بها عينك ثم قال: أنا على ملة عبد المطلب، ومات على ذلك، إذ لم يسمع منه النبي صلى الله عليه وسلم ما قال للعباس، فنزلت: إنّك لا تهدي من أحببت [القصص: 56] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فكان يستغفر له حتى نزلت هذه الآية فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستغفار لأبي طالب، وروي أن المؤمنين لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لأبي طالب جعلوا يستغفرون لموتاهم، فلذلك دخلوا في التأنيب والنهي.
والآية على هذا ناسخة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ أفعاله في حكم الشرع المستقر وقال فضيل بن عطية وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أتى قبر أمه فوقف عليه حتى سخنت عليه الشمس، وجعل يرغب في أن يؤذن له في الاستغفار لها، فلم يؤذن له فأخبر أصحابه أنه أذن له في زيارة قبرها، ومنع أن يستغفر لها، فما رئي باكيا أكثر من يومئذ، ونزلت الآية في ذلك،
وقالت فرقة: إنما نزلت بسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين: والله لأزيدن على السبعين، وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما: إنما نزلت الآية بسبب جماعة من المؤمنين قالوا: نستغفر لموتانا كما استغفر إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه فنزلت الآية في ذلك، وعلى كل حال ففي ورود النهي عن الاستغفار للمشركين موضع اعتراض بقصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم على نبينا وعليه، فنزل رفع ذلك الاعتراض في الآية التي بعدها، وقوله من بعد ما تبيّن يريد من بعد الموت على الكفر فحينئذ تبين أنهم أصحاب الجحيم أي سكانها وعمرتها، والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه ومن هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه، قيل له ولأبيه قال: لا، إن أبي مات كافرا، وقال عطاء بن أبي رباح: الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هاهنا يراد به الصلاة). [المحرر الوجيز: 4/ 422-423]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ (114) وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون إنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (115) إنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ (116)
المعنى لا حجة أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم الخليل لأبيه فإن ذلك لم يكن إلا عن موعدة، واختلف في ذلك فقيل عن موعدة من إبراهيم في أن يستغفر لأبيه وذلك قوله سأستغفر لك ربّي إنّه كان بي حفيًّا [مريم: 47]، وقيل عن موعدة من أبيه له في أنه سيؤمن فكان إبراهيم قد قوي طمعه في إيمانه فحمله على الاستغفار له حتى نهي عنه، وقرأ طلحة: «وما يستغفر إبراهيم» وروي عنه «وما استغفر إبراهيم»، وموعدةٍ مفعلة من الوعد، وأما تبينه أنه عدو لله قيل ذلك بموت آزر على الكفر، وقيل ذلك بأنه نهي عنه وهو حي.
وقال سعيد بن جبير: ذلك كله يوم القيامة وذلك أن في الحديث أن إبراهيم يلقاه فيعرفه ويتذكر قوله: سأستغفر لك ربّي [مريم: 47] فيقول له الزم حقوي فلن أدعك اليوم لشيء، فيلزمه حتى يأتي الصراط فيلتفت إليه فإذا هو قد مسخ ضبعانا أمذر فيتبرأ منه حينئذ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وربط أمر الاستغفار بالآخرة ضعيف، وقوله إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ ثناء من الله تعالى على إبراهيم، و «الأواه» قال ابن مسعود هو الدعّاء، وقيل هو الداعي بتضرع، وقيل هو الموقن قاله ابن عباس، وقيل هو الرحيم قاله ابن مسعود أيضا، وقيل هو المؤمن التواب، وقيل هو المسبح وقيل هو الكثير الذكر لله عز وجل، وقيل هو التلّاء للقرآن، وقيل هو الذي يقول من خوفه لله عز وجل أبدا أوه ويكثر ذلك.
وروي أن أبا ذر سمع رجلا يكثر ذلك في طوافه فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «دعه فإنه أواه».
والتأوه التفجع الذي يكثر حتى ينطق الإنسان معه، ب «أوه»، ويقال أوه فمن الأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال في بيع أو شراء أنكره عليه: أوه، ذلك الربا بعينه ومن الثاني قول الشاعر:[الطويل]
فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها = ومن بعد أرض بيننا وسماء
ومن هذا المعنى قول المثقب العبدي: [الوافر]
إذا ما قمت أرحلها بليل = تأوّه آهة الرجل الحزين
ويروى آهة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، «أوه لأفراخ محمد»، وحليمٌ معناه صابر محتمل عظيم العقل، والحلم: العقل). [المحرر الوجيز: 4/ 423-425]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما كان اللّه ليضلّ قوماً الآية معناه التأنيس للمؤمنين،
وقيل: إن بعضهم خاف على نفسه من الاستغفار للمشركين دون أمر من الله تعالى فنزلت الآية مؤنسة، أي ما كان الله بعد أن هدى إلى الإسلام وأنقذ من النار ليحبط ذلك ويضل أهله لمواقعتهم ذنبا لم يتقدم منه نهي عنه، فأما إذا بين لهم ما يتقون من الأمور ويتجنبون من الأشياء فحينئذ من واقع بعد النهي استوجب العقوبة،
وقيل: إن هذه الآية إنما نزلت بسبب قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا غيبا فحولت القبلة فصلوا قبل أن يصلهم ذلك إلى بيت المقدس، وآخرين شربوا الخمر بعد تحريمها قبل أن يصل إليهم، فخافوا على أنفسهم وتكلموا في ذلك فنزلت الآية، والقول الأول أصوب وأليق بالآية). [المحرر الوجيز: 4/ 425-426]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وذهب الطبري إلى أن قوله: يحيي ويميت إشارة إلى أنها يجب أيها المؤمنون ألا تجزعوا من عدو وإن كثر، ولا تهابوا أحدا فإن الموت المخوف والحياة المحبوبة إنما هما بيد الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والمعنى الذي قال صحيح في نفسه ولكن قوله، إن القصد بالآية إنما هو لهذا قول يبعد، والظاهر في الآية إنما هو لما نص في الآية المتقدمة نعمته وفضله على عبيده في أنه متى منّ عليهم بهداية ففضله أسبغ من أن يصرفهم ويضلهم قبل أن تقع منهم معصية ومخالفة أمر أتبع ذلك بأوصاف فيها تمجيد الله عز وجل وتعظيمه وبعث النفوس على إدمان شكره والإقرار بعبوديته). [المحرر الوجيز: 4/ 426]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم (113) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ (114)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن الزّهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبيه قال: لمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة دخل عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده أبو جهلٍ، وعبد اللّه بن أبي أميّة، فقال: "أي عمّ، قل: لا إله إلّا اللّه. كلمةٌ أحاجّ لك بها عند اللّه، عزّ وجلّ". فقال أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة: يا أبا طالبٍ، أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ [قال: فلم يزالا يكلّمانه، حتّى قال آخر شيءٍ كلّمهم به: على ملّة عبد المطّلب]. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك". فنزلت: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} قال: ونزلت فيه: {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56] أخرجاه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن آدم، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: سمعت رجلًا يستغفر لأبويه، وهما مشركان، فقلت: أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} إلى قوله: {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه} قال: "لمّا مات"، فلا أدري قاله سفيان أو قاله إسرائيل، أو هو في الحديث "لمّا مات".
قلت هذا ثابتٌ عن مجاهدٍ أنّه قال: لمّا مات.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا زبيد بن الحارث الياميّ عن محارب بن دثارٍ، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزل بنا ونحن معه قريبٌ من ألف راكبٍ، فصلّى ركعتين، ثمّ أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطّاب وفداه بالأب والأمّ، وقال: يا رسول اللّه، ما لك؟ قال: "إنّي سألت ربّي، عزّ وجلّ، في الاستغفار لأمّي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمةً لها من النّار، وإنّي كنت نهيتكم عن ثلاثٍ: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، لتذكّركم زيارتها خيرًا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحيّ بعد ثلاثٍ، فكلوا وأمسكوا ما شئتم، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية، فاشربوا في أيّ وعاءٍ ولا تشربوا مسكرًا".
وروى ابن جريرٍ، من حديث علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قدم مكّة أتى رسم قبرٍ، فجلس إليه، فجعل يخاطب، ثمّ قام مستعبرًا. فقلنا: يا رسول اللّه، إنّا رابنا ما صنعت. قال: "إنّي استأذنت ربّي في زيارة قبر أمّي، فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي". فما رئي باكيًا أكثر من يومئذٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ، في تفسيره: حدّثنا أبي، حدّثنا خالد بن خداش، حدّثنا عبد اللّه بن وهبٍ، عن ابن جريج عن أيّوب بن هانئٍ، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا إلى المقابر، فاتّبعناه، فجاء حتّى جلس إلى قبرٍ منها، فناجاه طويلًا ثمّ بكى فبكينا لبكائه ثمّ قام فقام إليه عمر بن الخطّاب، فدعاه ثمّ دعانا، فقال: "ما أبكاكم؟ " فقلنا: بكينا لبكائك. قال: "إنّ القبر الّذي جلست عنده قبر آمنة، وإنّي استأذنت ربّي في زيارتها فأذن لي" ثمّ أورده من وجهٍ آخر، ثمّ ذكر من حديث ابن مسعودٍ قريبًا منه، وفيه: "وإنّي استأذنت ربّي في الدّعاء لها فلم يأذن لي، وأنزل عليّ: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تذكّر الآخرة".
حديثٌ آخر في معناه: قال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عليٍّ المروزيّ، حدّثنا أبو الدّرداء عبد العزيز بن منيبٍ، حدّثنا إسحاق بن عبد اللّه بن كيسان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلمّا هبط من ثنيّة عسفان أمر أصحابه: أن استندوا إلى العقبة حتّى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمّه، فناجى ربّه طويلًا ثمّ إنّه بكى فاشتدّ بكاؤه، وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا: ما بكى نبيّ اللّه بهذا المكان إلّا وقد أحدث في أمّته شيءٌ لا تطيقه. فلمّا بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال: "ما يبكيكم؟ ". قالوا: يا نبيّ اللّه، بكينا لبكائك، فقلنا: لعلّه أحدث في أمّتك شيءٌ لا تطيقه، قال: "لا وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت اللّه أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى اللّه أن يأذن لي، فرحمتها وهي أمّي، فبكيت، ثمّ جاءني جبريل فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} فتبرّأ أنت من أمّك، كما تبرّأ إبراهيم من أبيه، فرحمتها وهي أمّي، ودعوت ربّي أن يرفع عن أمّتي أربعًا، فرفع عنهم اثنتين، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوت ربّي أن يرفع عنهم الرّجم من السّماء والغرق من الأرض، وألا يلبسهم شيعا، وألا يذيق بعضهم بأس بعضٍ، فرفع اللّه عنهم الرّجم من السّماء، والغرق من الأرض، وأبى اللّه أن يرفع عنهم القتل والهرج". وإنّما عدل إلى قبر أمّه لأنّها كانت مدفونةً تحت كداء وكانت عسفان لهم.
وهذا حديثٌ غريبٌ وسياقٌ عجيبٌ، وأغرب منه وأشدّ نكارةً ما رواه الخطيب البغداديّ في كتاب "السّابق واللّاحق" بسندٍ مجهولٍ، عن عائشة في حديثٍ فيه قصّة أنّ اللّه أحيا أمّه فآمنت ثمّ عادت. وكذلك ما رواه السّهيليّ في "الرّوض" بسندٍ فيه جماعة مجهولون: أنّ اللّه أحيا له أباه وأمّه فآمنا به.
وقد قال الحافظ ابن دحية: [هذا الحديث موضوعٌ يردّه القرآن والإجماع، قال اللّه تعالى: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} [النّساء: 18]. وقال أبو عبد اللّه القرطبيّ: إنّ مقتضى هذا الحديث = وردّ على ابن دحية] في هذا الاستدلال بما حاصله: أنّ هذه حياةٌ جديدةٌ، كما رجعت الشّمس بعد غيبوبتها فصلّى عليٌّ العصر، قال الطّحاويّ: وهو [حديثٌ] ثابتٌ، يعني: حديث الشّمس.
قال القرطبيّ: فليس إحياؤهما يمتنع عقلًا ولا شرعًا، قال: وقد سمعت أنّ اللّه أحيا عمّه أبا طالب، فآمن به.
قلت: وهذا كلّه متوقّفٌ على صحّة الحديث، فإذا صحّ فلا مانع منه واللّه أعلم.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يستغفر لأمّه، فنهاه اللّه عن ذلك فقال: "فإنّ إبراهيم خليل اللّه استغفر لأبيه"، فأنزل اللّه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه} الآية.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في هذه الآية: كانوا يستغفرون لهم، حتّى نزلت هذه الآية، فلمّا [نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتّى يموتوا] ثمّ أنزل اللّه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الآية.
وقال قتادة في هذه الآية: ذكر لنا أنّ رجالًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: يا نبيّ اللّه، إنّ من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفكّ العاني، ويوفي بالذّمم؛ أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "بلى، واللّه إنّي لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه". فأنزل اللّه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} حتّى بلغ: {الجحيم} ثمّ عذر اللّه تعالى إبراهيم، فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه قال: "أوحي إليّ كلماتٌ، فدخلن في أذني ووقرن في قلبي: أمرت ألّا أستغفر لمن مات مشركًا، ومن أعطى فضل ماله فهو خيرٌ له، ومن أمسك فهو شرٌ له، ولا يلوم اللّه على كفاف".
وقال الثّوريّ، عن الشّيبانيّ، عن سعيد بن جبير قال: مات رجلٌ يهوديٌّ وله ابنٌ مسلمٌ، فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عبّاسٍ فقال: فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه، ويدعو له بالصّلاح ما دام حيًّا، فإذا مات وكّله إلى شأنه ثمّ قال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} لم يدع.
[قلت] وهذا يشهد له بالصّحّة ما رواه أبو داود وغيره، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: لمّا مات أبو طالبٍ قلت: يا رسول اللّه، إنّ عمّك الشّيخ الضّالّ قد مات. قال: "اذهب فواره ولا تحدثنّ شيئًا حتّى تأتيني". وذكر تمام الحديث.
ويروى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا مرّت به جنازة عمّه أبي طالبٍ قال: "وصلتك رحمٌ يا عمّ".
وقال عطاء بن أبي رباحٍ: ما كنت لأدع الصّلاة على أحدٍ من أهل القبلة، ولو كانت حبشيّةً حبلى من الزّنا؛ لأنّي لم أسمع اللّه حجب الصّلاة إلّا على المشركين، يقول اللّه، عزّ وجلّ: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}.
وروى ابن جرير، عن ابن وكيع، عن أبيه، عن عصمة بن زاملٍ، عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: رحم اللّه رجلًا استغفر لأبي هريرة ولأمّه. قلت: ولأبيه؟ قال: لا. قال: إنّ أبي مات مشركًا.
وقوله: {فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه} قال ابن عبّاسٍ: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتّى مات، فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه. وفي روايةٍ: لمّا مات تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه.
وكذا قال مجاهدٌ، والضّحّاك، وقتادة، وغيرهم، رحمهم اللّه.
وقال عبيد بن عميرٍ، وسعيد بن جبير: إنّه يتبرّأ منه [في] يوم القيامة حين يلقى أباه، وعلى وجه أبيه الغبرة والقترة فيقول: يا إبراهيم، إنّي كنت أعصيك وإنّي اليوم لا أعصيك. فيقول: أي ربي، ألم تعدني ألّا تخزني يوم يبعثون؟ فأيّ خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقال: انظر إلى ما وراءك، فإذا هو بذيخٍ متلطّخٍ، أي: قد مسخ ضبعانًا، ثمّ يسحب بقوائمه، ويلقى في النّار.
وقوله: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} قال سفيان الثّوريّ وغير واحدٍ، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه قال: الأوّاه: الدّعّاء. وكذا روي من غير وجهٍ، عن ابن مسعودٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى: حدّثنا الحجّاج بن منهال، حدّثنا عبد الحميد بن بهرام، حدّثنا شهر بن حوشب، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ قال رجلٌ: يا رسول اللّه، ما الأوّاه؟ قال: "المتضرّع"، قال: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}
ورواه ابن أبي حاتمٍ من حديث ابن المبارك، عن عبد الحميد بن بهرام، به، قال: المتضرّع: الدّعّاء.
وقال الثّوريّ، عن سلمة بن كهيل، عن مسلمٍ البطين عن أبي العبيدين أنّه سأل ابن مسعودٍ عن الأوّاه، فقال: هو الرّحيم.
وبه قال مجاهدٌ، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل، والحسن البصريّ، وقتادة: أنّه الرّحيم، أي: بعباد اللّه.
وقال ابن المبارك، عن خالدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة. وكذا قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: أنّه الموقن. وكذا قال مجاهدٌ، والضّحّاك. وقال عليّ بن أبي طلحة، ومجاهدٌ، عن ابن عبّاسٍ: الأوّاه: المؤمن -زاد عليّ بن أبي طلحة عنه: المؤمن التّوّاب. وقال العوفيّ عنه: هو المؤمن بلسان الحبشة. وكذا قال ابن جريج: هو المؤمن بلسان الحبشة.
وقال أحمد: حدّثنا موسى، حدّثنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عليّ بن رباحٍ، عن عقبة بن عامرٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لرجلٍ يقال له "ذو البجادين": "إنّه أوّاهٌ"، وذلك أنّه رجلٌ كثير الذّكر للّه في القرآن ويرفع صوته في الدّعاء.
ورواه ابن جريرٍ.
وقال سعيد بن جبيرٍ، والشّعبيّ: الأوّاه: المسبّح. وقال ابن وهبٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن أبي الزّاهريّة، عن جبير بن نفيرٍ، عن أبي الدّرداء، رضي اللّه عنه، قال: لا يحافظ على سبحة الضّحى إلّا أوّاهٌ. وقال شفى بن مانع، عن أيّوب: الأوّاه: الّذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.
وعن مجاهدٍ: الأوّاه: الحفيظ الوجل، يذنب الذّنب سرًّا، ثمّ يتوب منه سرًّا.
ذكر ذلك كلّه ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا المحاربيّ، عن حجّاجٍ، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم بن ينّاقٍ: أنّ رجلًا كان يكثر ذكر اللّه ويسبّح، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "إنّه أوّاهٌ".
وقال أيضًا حدّثنا أبو كريب، حدّثنا ابن يمانٍ، حدّثنا المنهال بن خليفة، عن حجّاج بن أرطأة، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دفن ميّتًا، فقال: "رحمك اللّه إن كنت لأوّاهًا"! يعني: تلاءً للقرآن وقال شعبة، عن أبي يونس الباهليّ قال: سمعت رجلًا بمكّة -وكان أصله روميًّا، وكان قاصًّا -يحدّث عن أبي ذرٍّ قال: كان رجلٌ يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه: "أوّه أوّه"، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّه أوّاهٌ. قال: فخرجت ذات ليلةٍ، فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدفن ذلك الرّجل ليلًا ومعه المصباح.
هذا حديثٌ غريبٌ رواه ابن جريرٍ ومشّاه.
وروي عن كعب الأحبار أنّه قال: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ} قال: كان إذا ذكر النّار قال: "أوّه من النار".
وقال ابن جريج عن ابن عبّاسٍ: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ} قال: فقيهٌ.
قال الإمام العلم أبو جعفر بن جريرٍ: وأولى الأقوال قول من قال: إنّه الدعّاء، وهو المناسب للسّياق، وذلك أنّ اللّه تعالى لمّا ذكر أنّ إبراهيم إنّما استغفر لأبيه عن موعدةٍ وعدها إيّاه، وقد كان إبراهيم كثير الدّعاء حليمًا عمّن ظلمه وأناله مكروهًا؛ ولهذا استغفر لأبيه مع شدّة أذاه في قوله: {أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليًّا. قال سلامٌ عليك سأستغفر لك ربّي إنّه كان بي حفيًّا} [مريم: 46، 47]، فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له واستغفر؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 221-227]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون إنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (115) إنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ (116)}
يقول تعالى مخبرًا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل: إنّه لا يضلّ قومًا بعد بلاغ الرّسالة إليهم، حتّى يكونوا قد قامت عليهم الحجّة، كما قال تعالى: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى} الآية [فصّلت: 17].
وقال مجاهدٌ في قوله تعالى: {وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون} قال: بيان اللّه، عزّ وجلّ، للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصّةً، وفي بيانه طاعته ومعصيته عامّةً، فافعلوا أو ذروا.
وقال ابن جريرٍ: يقول اللّه تعالى: وما كان اللّه ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضّلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفّقكم للإيمان به وبرسوله، حتّى يتقدّم إليكم بالنّهي عنه فتتركوا، فأمّا قبل أن يبيّن لكم كراهيته ذلك بالنّهي عنه، ثمّ تتعدّوا نهيه إلى ما نهاكم عنه، فإنّه لا يحكم عليكم بالضّلال، فإنّ الطّاعة والمعصية إنّما يكونان من المأمور والمنهيّ، وأمّا من لم يؤمر ولم ينه فغير كائنٍ مطيعًا أو عاصيًا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 227]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ} قال ابن جريرٍ: هذا تحريضٌ من اللّه لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر، وأن يثقوا بنصر اللّه مالك السّماوات والأرض، ولم يرهبوا من أعدائه فإنّه لا وليّ لهم من دون الله، ولا نصير لهم سواه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن أبي دلامة البغداديّ، حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن حكيم بن حزامٍ قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أصحابه إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا ما نسمع من شيءٍ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لأسمع أطيط السّماء، وما تلام أن تئطّ، وما فيها من موضع شبرٍ إلّا وعليه ملكٌ ساجدٌ أو قائمٌ".
وقال كعب الأحبار: ما من موضع خرمة إبرةٍ من الأرض إلّا وملكٌ موكّلٌ بها، يرفع علم ذلك إلى اللّه، وإنّ ملائكة السّماء لأكثر من عدد التّراب، وإنّ حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخّه مسيرة مائة عامٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 227-228]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة