العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 10:43 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 142 إلى 150]

{وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن الأنعام حمولةً وفرشاً...}
يقول: وأنشأ لكم من الأنعام حمولة، يريد ما أطاق الحمل والعمل: والفرش: الصغار). [معاني القرآن: 1/360]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن الأنعام حمولةً وفرشاً كلوا ممّا رزقكم اللّه ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مّبينٌ}
ثم قال: {ومن الأنعام حمولةً وفرشاً} أي: وأنشأ من الأنعام حمولةً وفرشا). [معاني القرآن: 1/250-251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({حمولة وفرشا}: الحمولة ما حمل عليها وهي الكبار من الإبل. والفرش صغارها التي لم تدرك أن تحمل عليها وقال بعضهم الفرش الغنم). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الحمولة): كبار الإبل التي يحمل عليها.
و(الفرش): صغارها التي لم تدرك. أي لم يحمل عليها وهي ما دون الحقاق والحقاق: هي التي صلح أن تركب. أي حق ذلك). [تفسير غريب القرآن: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
أراد: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}، وأنشأ لكم {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} يعني: كبارا وصغارا {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}، أي: لا تقفوا أثره فيما يحرّم عليكم مما لم يحرّمه الله، ويحلّه لكم مما حرّمه الله عليكم.
ثم قال: {ثمانية أزواجٍ}، أي: كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج. وإن شئت جعلته منصوبا بالرّدّ إلى الحمولة الفرش تبيينا لها.
والثمانية الأزواج: الضأن، والمعز، والإبل، والبقر.
وإنما جعلها ثمانية وهي أربعة، لأنه أراد: ذكرا وأنثى من كل صنف، فالذكر زوج، والأنثى زوج، والزوج يقع على الواحد والاثنين. ألا ترى أنك تقول للرجل: زوج، وهو واحد، وللمرأة: زوج، وهي واحدة؟ قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}.
وكانوا يقولون: ما في بطون الأنعام حلال لذكورنا ونسائنا، إن كان الجنين ذكرا، ومحرّم على إناثنا إن كان أنثى. ويحرّمون على الرجال والنساء الوصيلة وأخاها، ويزعمون أن الله حرّم ذلك عليهم. فقال الله سبحانه: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
وقال يقايسهم في تحريم ما حرّموا: {قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ} من الضأن والمعز {حَرَّمَ} الله عليكم {أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ}؟، فإن كان التحريم من جهة الذكرين: فكل ذكر حرام عليكم، وإن كان التحريم من جهة الأنثيين: فكل أنثى حرام عليكم، أم حرّم عليكم {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} من الأجنّة؟.
فإن كان التحريم من جهة الاشتمال، فالأرحام تشتمل على الذكور، وتشتمل على الإناث، وتشتمل على الذكور والإناث، فكل جنين حرام.
أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا أي حين أمر الله بهذا فتكونون على يقين؟ أم تفترونه عليه وتختلقونه؟ توبيخ {كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 339-341]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا ممّا رزقكم اللّه ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
نسق على الجنات، المعنى وهو الذي أنشأ جنات، وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا و"الحمولة" الإبل التي تحمّل.
وأجمع أهل اللغة على أن "الفرش" صغارها.
وقال بعض المفسرين: الفرش صغار الإبل وإن البقر والغنم من الفرش الذي جاء في التفسير، يدل عليه قوله: {ثمانية أزواج من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين}
وقوله: {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين}
فلما جاء هذا بدلا من قوله (حمولة وفرشا) جعله للبقر والغنم مع الإبل.
وقوله: {كلوا مما رزقكم الله} أي لا تحرّموا ما حرمتم مما جرى ذكره.
{ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} في "خطوات" ثلاثة أوجه: ضم الطاء وفتحها وإسكانها.
ومعنى {خطوات الشيطان}: طرق الشيطان، قال بعضهم: تخطي الشيطان الحلال إلى الحرام.
والذي تدل عليه اللغة أن المعنى لا تسلكوا الطريق الذي يسوّله لكم الشيطان). [معاني القرآن: 2/298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن الأنعام حمولة وفرشا} وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "الحمولة": ما أطاق الحمل من الإبل، و"الفرش" ما لم يطق الحمل وكان صغيرا.
قال أبو جعفر: وهذا المعروف عند أكثر أهل اللغة.
وقال الضحاك: "الحمولة" من الإبل والبقر، و"الفرش" الغنم، واستشهد لصاحب هذا القول بقوله: {ثمانية أزواج} قال فثمانية بدل من قوله: {حمولة وفرشا}، قال الحسن: الحمولة الإبل والفرش الغنم). [معاني القرآن: 2/503-504]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كلوا مما رزقكم الله} وهو أمر على الإباحة). [معاني القرآن: 2/504]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} يعني طرقه أي طريقه الذي يحسنه لكم وقيل تخطيه الحلال إلى الحرام وقيل يعني آثاره). [معاني القرآن: 2/504-505]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({حمولة وفرشا}: الحمولة: القوية على الحمل، والفرش: الصغيرة الضعيفة عن الحمل
والفرش - أيضا: القوية على الحمل والسير الكثير، ولم تأت الحمولة بمعنى الصغار). [ياقوتة الصراط: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((والحمولة) كبار الإبل: (والفرش) الصغار، ما دون الحِقاق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 80]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَمُولَةً}: الإبل التي يحمل عليها). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمانية أزواجٍ...}
فإن شئت جعلت الثمانية مردودة على الحمولة. وإن شئت أضمرت لها فعلا.
وقوله: {ثمانية أزواجٍ} الذكر زوج، والأنثى زوج، ولو رفعت اثنين واثنين لدخول (من) كان صوابا كما تقول: رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم، وقاعد وقائما.
والمعنى في قوله: {قل آلذّكرين حرّم} يقول: أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا: من قبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا: من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.
ثم قال: {أمّا اشتملت عليه} يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذلك لحرّم عليهم الذكر والأنثى؛ لأن الرحم يشتمل على الذكر والأنثى. و(ما) في قوله: {أمّا اشتملت} في موضع نصب، نصبته بإتباعه الذكرين والأنثيين). [معاني القرآن: 1/360-361]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({حمولةً وفرشاً} أي ما حملوا عليها،
والفرش: صغار الإبل لم تدرك أن يحمل عليها). [مجاز القرآن: 1/207]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ثمانية أزواجٍ مّن الضّأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبّئوني بعلمٍ إن كنتم صادقين}
ثم قال: {ثمانية أزواجٍ} أي: أنشأ حمولةً وفرشاً ثمانية أزواجٍ. أي: أنّشأ ثمانية أزواجٍ، على البدل أو التبيان أو على الحال.
ثم قال: "أنشأ {من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين} وإنما قال: {ثمانية أزواجٍ} لأنّ كلّ واحدٍ "زوجٌ". تقول للاثنين: "هذان زوجان" وقال الله عز وجل: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين} وتقول للمرأة: "هي زوجٌ" و"هي زوجةٌ" و: "هو زوجها". وقال: {وجعل منها زوجها} يعني المرأة وقال: {أمسك عليك زوجك} وقال بعضهم "الزوجة" وقال الأخطل:

زوجة أشمط مرهوبٌ بوادره = قد صار في رأسه التخويص والنزع
وقد يقال للاثنين أيضاً: "هما زوجٌ" وقال لبيد:
من كلّ محفوفٍ يظلّ عصيّه = زوجٌ عليه كلّةٌ وقرامها
وأمّا {الضأن} فمهموز وهو جماع على غير واحد.
ويقال: (الضئين) مثل "الشعير" وهو جماعة "الضأن" والأنثى "ضائنة" والجماعة: "الضوائن".
و{المعز} جمع على غير واحد وكذلك "المعزى"، فأما "المواعز" فواحدتها "الماعز" و"الماعزة" والذكر الواحد "ضائن" فيكون "الضأن" جماعة "الضائن" مثل صاحب" و"صحب" و"تاجر" و"تجر" وكذلك "ماعز" و"معز". وقال بعضهم {ضأن} و{معز} جعله جماعة "الضائن" و"الماعز" مثل "خادم" و"خدم"، و"حافد" و"حفدة" مثله إلاّ أنّه ألحق فيه الهاء.
وأمّا قوله: {آلذّكرين حرّم أم الأنثيين} فانتصب بـ"حرّم"). [معاني القرآن: 1/251-252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمانية أزواجٍ} أي ثمانية أفراد. والفرد يقال له: زوج.
والاثنان يقال لهما: زوجان وزوج. وقد بينت تأويل هذه الآية في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {ثمانية أزواجٍ}، أي: كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج. وإن شئت جعلته منصوبا بالرّدّ إلى الحمولة الفرش تبيينا لها.
والثمانية الأزواج: الضأن، والمعز، والإبل، والبقر.
وإنما جعلها ثمانية وهي أربعة، لأنه أراد: ذكرا وأنثى من كل صنف، فالذكر زوج، والأنثى زوج، والزوج يقع على الواحد والاثنين. ألا ترى أنك تقول للرجل: زوج، وهو واحد، وللمرأة: زوج، وهي واحدة؟ قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}.
وكانوا يقولون: ما في بطون الأنعام حلال لذكورنا ونسائنا، إن كان الجنين ذكرا، ومحرّم على إناثنا إن كان أنثى. ويحرّمون على الرجال والنساء الوصيلة وأخاها، ويزعمون أن الله حرّم ذلك عليهم. فقال الله سبحانه: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
وقال يقايسهم في تحريم ما حرّموا: {قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ} من الضأن والمعز {حَرَّمَ} الله عليكم {أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ}؟، فإن كان التحريم من جهة الذكرين: فكل ذكر حرام عليكم، وإن كان التحريم من جهة الأنثيين: فكل أنثى حرام عليكم، أم حرّم عليكم {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} من الأجنّة؟.
فإن كان التحريم من جهة الاشتمال، فالأرحام تشتمل على الذكور، وتشتمل على الإناث، وتشتمل على الذكور والإناث، فكل جنين حرام.
أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا أي حين أمر الله بهذا فتكونون على يقين؟ أم تفترونه عليه وتختلقونه؟ توبيخ {كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 339-341](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الزوج: اثنان، وواحد، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} فجعل كل واحد منهما زوجا.
وهو بمعنى: الصّنف، قال: {خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} يعني: الأصناف.
وقال: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} أي ثمانية أصناف). [تأويل مشكل القرآن: 498](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ثمانية أزواج من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبّئوني بعلم إن كنتم صادقين} بدل من {حمولة وفرشا}، والزوج في اللغة: الواحد الذي يكون معه آخر.
{من الضّأن اثنين}، و"الضّأن" جمع ضائن وضأن، مثل تاجر وتجر.
{ومن المعز اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين}
هذا احتجاج عليهم؛ بيّن اللّه عزّ وجلّ به فريتهم وكذبهم فيما ادّعوه من أن ما في بطون الأنعام حلال للذكور ومحرم على الإناث، وما حرموا من سائر ما وصفنا، فقيل لهم آلذّكرين حرّم فإن كان حرم من الغنم ذكورها فكل ذكورها حرام، وإن كان حرّم الأنثيين فكل الإناث حرام، وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فقد حرم الأولاد، وكلّها أولاد فكلّها حرام.
وكذلك الاحتجاج في قوله: {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين}
فقيل لهم {نبّئوني بعلم} أي فسروا ما حرمتم بعلم، أي وأنتم لا علم لكم لأنكم لا تؤمنون بكتاب). [معاني القرآن: 2/299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثمانية أزواج} كل فرد يحتاج إلى آخر عند العرب زوج). [معاني القرآن: 2/505]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {من الضأن اثنين} وهو جمع ضائن كما يقال راكب وركب). [معاني القرآن: 2/505]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن المعز اثنين} وهذا احتجاج عليهم أي إن كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام واحتج عليهم بهذا لأنهم أحلوا ما ولد حيا ذكرا للذكور وحرموه على الإناث إن كان أنثى، قال قتادة: أمره الله جل وعز أن يقول لهم: {آلذكرين حرم أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} إن كان ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين حراما فكل مولود منها حرام وكلها مولود فكلها إذا حرام.
وان كان التحريم من جهة الذكور من الضأن والمعز فكل ذكر حرام عليكم وإن كان من جهة الإناث فكل أنثى حرام عليكم وكانوا يحرمون الوصيلة وأخاها على الرجال والنساء). [معاني القرآن: 2/505-506]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {نبئوني بعلم إن كنتم صادقين} أي ليس عندكم علم لأنهم لا يؤمنون بكتاب). [معاني القرآن: 2/506]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي ثمانية أفراد، والفرد يقال له زوج). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَفَرْشًا}: صغار الإبل وقيل الغنم). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أم كنتم شهداء...}
يقول: أوصّاكم الله بهذا معاينة؟). [معاني القرآن: 1/361]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصّاكم اللّه بهذا فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا ليضلّ النّاس بغير علم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
{أم كنتم شهداء إذ وصّاكم اللّه بهذا} أي هل شاهدتم الله قد حرم هذا إذ كنتم لا تؤمنون برسول.
ثم بين ظلمهم فقال: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا ليضلّ النّاس بغير علم}.
وقد بيّن الاحتجاج أنهم لا يؤمنون بنبيّ ولا يدّعون أن نبيا خبّرهم عن الله أن هذا حرام، ولا أنهم شاهدوا اللّه قد حرّم ذلك). [معاني القرآن: 2/299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا} أي لستم تؤمنون بكتاب فهل شهدتم الله عز وجل حرم هذا). [معاني القرآن: 2/506]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم بين ظلمهم فقال: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا}). [معاني القرآن: 2/506]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لاّ أجد في ما أوحي إليّ محرّماً...}
ثم قال جلّ وجهه: {إلاّ أن يكون ميتةً} وإن شئت (تكون) وفي (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح الرفع في القراءة؛ لأنّ الدم منصوب بالردّ على الميتة وفيه ألف تمنع من جواز الرفع. ويجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة، ثم تردّ ما بعدها عليها.
ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها، اكتفى بيكون بلا فعل. وكذلك (يكون) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل؛ ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل: قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب: قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا في كان اسما مجهولا، وصيّروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز في كان، وليس، ولم يزل، وفي أظنّ وأخواتها: أن تقول (أظنه زيد أخوك و) أظنّه فيها زيد. ويجوز في إنّ وأخواتها؛ كقول الله تبارك وتعالى: {يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّةٍ} وكقوله: {إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم} فتذكّر الهاء وتوحّدها، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز؛ فتقول: إنها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تجز التثنية مع الاثنين؟
قلت: لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلما جاز {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} {وأخذت} جاز التأنيث، والتذكير. ولما لم يجز: قاما أخواك ولا قاموا قومك، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.
فإن قلت: أتجيز تثنيتها في قول من قال: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قبل أنّ الفعل واحد، والألف التي فيها كأنها تدلّ على صاحبي الفعل، والواو في الجمع تدل على أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عن فعل واسم في عقدة، فالفعل واحد أبدا؛ لأن الذي فيه من الزيادات أسماء.
وتقول في مسألتين منه يستدلّ بهما على غيرهما: إنها أسد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا للأسد ولمثله من المذكر لم يجز إلا تذكير الهاء. وكذلك كل اسم مذكّر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بمذكر ففيه تذكير الهاء وتأنيثها؛ فهذه واحد. ومتى ما ذكّرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طال صلاتك، (ثم أدخلت عليه إنه) لم يجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك؛ فذكّرتها لتذكير الفعل، لا يجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.
وإذا رأيت الاسم مرفوعا بالمحالّ - مثل عندك، وفوقك، وفيها - فأنّث وذكّر في المؤنث ولا تؤنث في المذكر. وذلك أن الصفة لا يقدر فيها على التأنيث كما يقدر (في قام) جاريتك على أن تقول: قامت جاريتك. فلذلك كان في الصفات الإجراء على الأصل.
وإذا أخليت كان باسم واحد جاز أن ترفعه وتجعل له الفعل. وإن شئت أضمرت فيه مجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إذا كان غدا فأتنا. وتقول: اذهب فليس إلا أباك، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدا؛ كأنه قال: ليس أحد إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب؛ لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت.
ومن قال: إذا كان غدوةً فأتنا لم يجز له أن يقول: إذا غدوةً كان فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وإذا قرنت بالنكرة في كان صفة فقلت: إن كان بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كان الوجه الرفع فقلت: إن شر بينهم فلا تقربهم، ويجوز النصب.
قال وأنشدني بعضهم:
فعينيّ هلاّ تبكيان عفاقا = إذا كان طعنا بينهم وعناقا
فإذا أفردت النكرة بكان اعتدل النصب والرفع. وإذا أفردت المعرفة بكان كان الوجه النصب؛ يقولون: لو كان إلا ظله لخاب ظله. فهذه على ما وصفت لك). [معاني القرآن: 1/361-364]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أو دماً مسفوحاً} أي مهراقاً مصبوباً، ومنه قولهم: سفح دمعى، أي: سال. قال الشاعر:
هاج سفح دموعي = ما تحنّ ملوعي).
[مجاز القرآن: 1/207-208]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل لاّ أجد في ما أوحي إليّ محرّماً على طاعمٍ يطعمه إلاّ أن يكون ميتةً أو دماً مّسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {فإنّه رجسٌ أو فسقاً} يقول: "إلاّ أن يكون ميتةً أو فسقاً فإنّه رجسٌ"). [معاني القرآن: 1/252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({دما مسفوحا}: أي سائلا). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أو دماً مسفوحاً} أي سائلا.
{أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به} أي: ما ذبح لغيره وذكر عليه غير اسمه). [تفسير غريب القرآن: 162-163]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم قال: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنّه رجس أو فسقا أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فإنّ ربّك غفور رحيم}
فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أن التحريم والتحليل إنما يقبله بالوحي أو التنزيل فقال: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}.
والمسفوح المصبوب، فكأنه إذا ذبحوا أكلوا الدّم كما يأكلون اللحم.
{أو لحم خنزير فإنّه رجس} والرجس اسم لما يستقذر، وللعذاب.
{أو فسقا أهلّ لغير اللّه به} أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير اللّه، وكانوا يذكرون أسماء أوثانهم على ذبائحهم.
{ففسق} عطف على لحم خنزير، المعنى إلا أن يكون المأكول ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا.
فسمّي ما ذكر عليه غير اسم اللّه فسقا، أي خروجا من الدّين.
{فمن اضطرّ غير باغ} أي دعته الضرورة إلى أكله فأكله غير باغ، أي غير قاصد لتحليل ما حرم اللّه.
{ولا عاد} أي ولا مجاوز للقصد وقدر الحاجة. و "العادي" الظالم.
{فإنّ ربّك غفور رحيم} أي يغفر لمن لم يتعدّ.
فأما إعراب (آلذّكرين) فالنصب بـ (حرّم).
وتثبت ألف المعرفة مع ألف الاستفهام لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، لأنه لو قيل ألذكرين حرّم بألف واحدة لالتبس الاستفهام بالخبر.
وقد يجوز جمع أم حذف الألف لأن أم تدل على الاستفهام لأنه لو قيل ألرجل ضربت أم الغلام لدلّت "أم" على أن الأول، داخل في الاستفهام.
وقد أجاز سيبويه أن يكون البيت على ذلك وهو قوله:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا = شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
فأجاز أن يكون على أشعيث بن سهم، ولكن القراءة بتبيين الألف الثانية في قوله: {آلذّكرين}). [معاني القرآن: 2/299-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا إلا بوحي فقال {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} روي عن عائشة رحمة الله عليها على طاعم طعمه وعن أبي جعفر محمد بن علي طاعم يطعمه). [معاني القرآن: 2/507]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا} قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال). [معاني القرآن: 2/507]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لأنه خارج عن الدين، والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا أهل لغير الله به فإنه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة داخلة في هذه الآية عند قوم لأنها أصناف الميتة فأما ما لم يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان: أحدهما أنه روي عن عائشة وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه ليس في الحيوان محرم إلا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فقيل هذا قول قوي في اللغة لأن ما مبهمة فقوله جل وعز: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره والله أعلم بما أراد). [معاني القرآن: 2/507-509]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي الذي يجاوز ما يقيم رمقه). [معاني القرآن: 2/509]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مسفوحا} أي: مصبوبا). [ياقوتة الصراط: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} أي سائلاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مسْفُوحًا}: مصبوباً). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما...}
حرّم عليهم الثّرب، وشحوم الكلى.
ثم قال: {إلاّ ما حملت ظهورهما} و(ما) في موضع نصب بالفعل بالاستثناء. و{الحوايا} في موضع رفع، تردّها على الظهور: إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا،وهي المباعر وبنات اللبن. والنصب على أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا؛ كما قال: {واسأل القرية} يريد: واسأل أهل القرية.
وقوله: {أو ما اختلط بعظمٍ} وهي الألية. و(ما) في موضع نصب). [معاني القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون}
وقال: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا} فواحد "الحوايا": "الحاوياء" "والحاوية". ويريد بقوله - والله أعلم - {ومن البقر والغنم} أي: والبقر والغنم حرمنا عليهم. ولكنه أدخل فيها "من" والعرب تقول: "قد كان من حديثٍ" يريدون: قد كان حديثٌ" وإن شئت قلت: "ومن الغنم حرّمنا الشّحوم" كما تقول: "من الدّار أخذ النّصف والثلث" فأضفت على هذا المعنى كما تقول: "من الدّار أخذ نصفها" و"من عبد الله ضرب وجهه"). [معاني القرآن: 1/252-253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} أي كلّ ذي مخلب من الطير، وكلّ ذي ظلف ليس بمشقوق. يعني الحافر.
{شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما} يقال: الألية. أو الحوايا المباعر، واحدها حاوية وحويّة). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كلّ ذي مخلب من الطير، وكلّ ذي حافر من الدّواب كذلك قال المفسّرون: وسمّى الحافر ظفرا على الاستعارة، كما قال الآخر وذكر ضيفا طرقه:
فما رَقَد الوِلْدَانُ حتّى رأيتُه = على البَكْرِ يَمْرِيه بساقٍ وحَافِرِ
فجعل الحافر موضع القدم.
وقال آخر:
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها = إلى مَلِكِ أَظلافُهُ لَمْ تُشَقَّقِ
يريد بالأظلاف: قدميه، وإنما الأظلاف للشاء والبقر.
والعرب تقول للرجل: (هو غليظ المشافِر) تريد الشفتين، والمشافر للإبل.
وقال الحطيئة:
قَرَوْا جارَك العَيْمَان لَمَّا جفوتَه = وقلَّص عن بَرْدِ الشَّرابِ مَشَافِرُه).
[تأويل مشكل القرآن: 153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفر ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون}
يعنى به الإبل والنعام، لأن النعام ذوات ظفر كالإبل.
{ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما}.
فقال بعض الناس:. حرمت عليهم الثروب، وأحل لهم ما سواها مما حملت الظهور.
{أو الحوايا} وهي المباعر واحدها حاوية وحاوياء وحويّة.
{أو ما اختلط بعظم} نحو شحم الإلية. وهذا أكثر القولين، وقال قوم حرمت عليهم الثروب.
وأحل لهم ما حملت الظهور وصارت الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم، و " أو " دخلت على طريق الإباحة، كما قال جلّ وعزّ: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا}، فالمعنى كل هؤلاء أهل أن يعصى.
فاعص هذا، واعص هذا و " أو " بليغة في هذا المعنى، لأنك إذا قلت: لا تطع زيدا وعمرا فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معا في حال إن أطعت زيدا على حدته لم أكن عصيتك، وإذا قلت: لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا، فالمعنى أن هؤلاء كلهم أهل ألا يطاع فلا تطع واحدا منهم ولا تطع الجماعة.
ومثله جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشعبي، فليس المعنى أني آمرك بمجالسة واحد منهم، ولكن معنى " أو" الإباحة.
المعنى كلهم أهل أن يجالس، فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب وإن جالست الجماعة فأنت مصيب). [معاني القرآن: 2/301-302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال مجاهد وقتادة والضحاك كل ذي ظفر الإبل والنعام قال قتادة وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير). [معاني القرآن: 2/510]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما}
قال قتادة: هي شحوم الثروب خاصة. ومذهب ابن جريج أنه كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم..
وهذا أولى لعموم الآية، وللحديث المسند: قاتل الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها، وأكلوا أثمانها إلا ما حملت ظهورهما أي إلا شحوم الجنب وما علق بالظهر فإنها لم تحرم عليهم أو الحوايا.
قال مجاهد وقتادة: {الحوايا}: المباعر.
قال أبو عبيدة: هي عندي ما تحوى من البطن أي استدار.
قال الكسائي: واحدها حاوية وحوية.
وحكى سيبويه (حاوياء) قيل المعنى: حرمنا عليهم شحومها ثم استثنى فقال {إلا ما حملت ظهورهما} ثم عطف على الاستثناء فقال أو الحوايا أو ما اختلط بعظم أي إلا هذه الأشياء فإنها حلال.
وقيل المعنى: حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد إلا استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} وأو ههنا بخلاف معنى الواو أي لا تطع هذا الضرب.
وقال الكسائي إلا ما حملت ظهورهما ما في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور). [معاني القرآن: 2/510-512]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو ما اختلط بعظم}
قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي الفراء وهذا أصح هذه الأقوال والله أعلم). [معاني القرآن: 2/512-513]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} قال قتادة حرمت عليهم هذه الأشياء عقوبة لهم على بغيهم). [معاني القرآن: 2/513]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({أو الحوايا} فالحوايا: بنات اللبن، واحدتها: حاوية وحوية). [ياقوتة الصراط: 226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ظلف ليس بمشقوق الحافر.
{إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا} المباعِر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة}
قال مجاهد: يعني اليهود). [معاني القرآن: 2/513]

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {سيقول الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيء كذلك كذّب الّذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتّبعون إلّا الظّنّ وإن أنتم إلّا تخرصون}
زعم سيبويه أن العطف بالظاهر على المضمر المرفوع قبيح، يستقبح قمت وزيد، وقام وزيد، فإن جاءت "لا" حسن الكلام فقلت: لا قمت ولا زيد، كما أنه إذا أكد فقال قمت أنت وزيد حسن، وهو جائز في الشعر.
فأما معنى الآية فإن اللّه جل ثناؤه أخبر عنهم بما سيقولونه، وقولهم: {لو شاء اللّه ما أشركنا} جعلوا هذا القول حجة في إقامتهم على شركهم فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنّ {كذلك كذّب الّذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا}.
والحجّة عليهم في هذا أنهم إذا اعتقدوا أن كل من كان على شيء.
والأشياء تجري بمشيئة الله تعالى - فهو على صواب فلا معنى إذن – على قولهم - للرسالة والأنبياء، فيقال لهم: فالذين على دين يخالفكم، أليس هو على ما شاء اللّه، فينبغي ألا تقولوا إنهم ضالّون، وهو عزّ وجلّ يفعل ما يشاء، وهو قادر على أن يهدي الخلق أجمعين، وليس للعباد على الله أن يفعل بهم كل ما يقدر عليه، فقال عزّ وجلّ: {قل فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}). [معاني القرآن: 2/302-303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}
قال مجاهد: يعني كفار قريش أي لو شاء الله ما حرمنا البحيرة ولا السائبة.
وقال غيره: فأنكر الله جل وعز عليهم هذا القول وقال {كذلك كذب الذين من قبلهم} لأنه ليس لهم أن يحتجوا بأنه من كان على معصية قد شاء الله أن تكون فهو له عذر لأنه لو كان هكذا لكان لمن خالفهم في دينهم عذر لأن الله لو شاء أن يهديه هداه). [معاني القرآن: 2/513-514]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({قل فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}
فحجته البالغة تبيينه أنّه الواحد وإرساله الأنبياء بالحجج التي يعجز عنها المخلوقون). [معاني القرآن: 2/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قل فلله الحجة البالغة} أي بإرساله الرسل وإظهاره البينات). [معاني القرآن: 2/514]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قل هلمّ شهداءكم}
"هلّم" في لغة أهل العالية للواحد والاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء.
قال الأعشى:
وكان دعا قومه بعدها = هلمّ إلى أمركم قد صرم
وأهل نجد يقولون للواحد هلمّ، وللمرأة هلمّى، وللاثنين هلمّا، وللقوم: هلمّوا، وللنساء هلمن، يجعلونها من هلممت.
وأهل الحجاز لا يجعلون لها فعلاً). [مجاز القرآن: 1/208]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل هلمّ شهداءكم الّذين يشهدون أنّ اللّه حرّم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتّبع أهواء الّذين كذّبوا بآياتنا والّذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربّهم يعدلون}
وقال: {هلمّ شهداءكم} لأن "هلمّ" قد تكون للواحد والاثنين والجماعة). [معاني القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((هلمَّ): بمعنى تعالى، وأهل الحجاز لا يثنّونها ولا يجمعونها. وأهل نجد يجعلونها من هلممت، فيثنّون ويجمعون ويؤنّثون. وتوصل باللام فيقال: هلمّ لك، وهلمّ لكما.
قال الخليل: أصلها (لمّ) زيدت الهاء في أوّلها.
وخالفه الفراء فقال: أصلها (هل) ضمّ إليها (أمّ) والرّفعة التي في اللام من همزة (أمّ) لمّا تركت انتقلت إلى ما قبلها.
وكذلك (اللهم) نرى أصلها: (يا الله أمّنا بخير) فكثرت في الكلام فاختلطت، وتركت الهمزة). [تأويل مشكل القرآن: 557]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل هلمّ شهداءكم الّذين يشهدون أنّ اللّه حرّم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتّبع أهواء الّذين كذّبوا بآياتنا والّذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربّهم يعدلون}
زعم سيبويه أنها " ها، ضمت إليها "لمّ" وجعلتا كالكلمة الواحدة.
فأكثر اللغات أن يقال هلمّ للواحد والاثنين والجماعة.
بذلك جاء القرآن نحو قولهم: (هلمّ إلينا).
ومعنى {هلمّ شهداءكم} أي فهاتوا شهداءكم، وقربوا شهداءكم، ومن العرب من يثني ويجمع ويؤنث، فيقول للذكر هلمّ، وللاثنين هلمّا وللجماعة هلمّوا، وللمرأة هلمّي وللاثنتين هلمّا، وللنسوة هلممن.
وفتحت الميم، لأنها مدغمة كما فتحت ردّ في الأمر لالتقاء السّاكنين.
ولا يجوز هلم إلينا للواحد بالضم. كما يجوز في رد الفتح؛ والضم والكسر، لأنها لا تتصرف). [معاني القرآن: 2/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا}
والأصل عند الخليل "ها" ضمت إليها "لم" ثم حذفت الألف لكثرة الاستعمال.
وقال غيره الأصل "هل" زيدت عليها "لم".
وقيل هي على لفظها تدل على معنى هات وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجماعة هلم وأهل نجد يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الأفعال). [معاني القرآن: 2/514-515]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهم بربهم يعدلون}
أي يجعلون له عدلا فيعبدون غيره جل وعز). [معاني القرآن: 2/515]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 10:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 151 إلى آخر السورة]

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئاً...}
إن شئت جعلت (لا تشركوا) نهيا أدخلت عليه (أن). وإن شئت جعلته خبرا و(تشركوا) في موضع نصب؛ كقولك: أمرتك ألاّ تذهب (نصب) إلى زيد، وأن لا تذهب (جزم)، وإن شئت جعلت ما نسقته على (ألاّ تشركوا به) بعضه جزما ونصبا بعضه؛ كما قال: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ}، فنصب أوله ونهى عن آخره؛ كما قال الشاعر:
حجّ وأوصى بسليمي الأعبدا = ألاّ ترى ولا تكلم أحدا
ولا تمشّ بفضاء بعدا = ....

فنوى الخبر في أوّله ونهى في آخره.
قال: والجزم في هذه الآية أحبّ إليّ لقوله: {وأوفوا الكيل}. فجعلت أوّله نهيا لقوله: {وأوفوا الكيل}). [معاني القرآن:1/365]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} من ذهاب ما في أيديكم؛ يقال: أملق فلان، أي ذهب ماله، واحتاج، وأقفر مثلها). [مجاز القرآن:1/208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({إملاق}: فقر يقال أملق فلان إذا افتقر). [غريب القرآن وتفسيره:143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (الإملاق) الفقر. يقال: أملق الرجل فهو مملق: إذا افتقر). [تفسير غريب القرآن:163]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}
{قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}
فـ "ما" في موضع نصب إن شئت بـ (أتل).
والمعنى تعالوا أتل الذي حرّم ربكم عليكم، وجائز أن تكون " ما " منصوبة بـ {حرّم} لأن التلاوة بمنزلة القول.
كأنه قال: أقول أي شيء حرّم ربكم عليكم، أهذا أم هذا، فجائز أن يكون الذي تلاه عليهم قوله: {إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}.
ويكون {ألّا تشركوا} منصوبة بمعنى طرح اللام أي: أبين لكم الحرام لئلا تشركوا به شيئا، لأنهم إذا حرّموا ما أحل اللّه فقد جعلوا غير اللّه - في القبول منه - بمنزلة الله جلّ وعزّ فصاروا بذلك مشركين.
ويجوز أن يكون {ألّا تشركوا} محمولا على المعنى، فيكون: " أتل عليكم ألّا تشركوا به شيئا "
فالمعنى أتل عليكم تحريم الشرك به.
وجائز أن يكون على معنى أوصيكم {ألّا تشركوا به شيئا} لأن قوله: {وبالوالدين إحسانا} محمول على معنى أوصيكم بالوالدين إحسانا.
وقوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} أي لا تقتلوا أولادكم من فقر، أي من خوف فقر.
{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} بدل من الفواحش في موضع نصب، المعنى: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، جاء في التفسير أنّ ما بطن منها الزنا، وما ظهر اتخاذ الأخدان والأصدقاء على جهة الريبة.
وظاهر الكلام أن الذي جرى من الشرك باللّه عزّ وجلّ وقتل الأولاد وجميع ما حرّموه مما أحل اللّه عزّ وجلّ فواحش، فقال: ولا تقربوا هذه الفواحش مظهرين ولا مبطنين، واللّه أعلم.
وقوله: {ذلكم وصّاكم به} يدل على أن معنى {ألّا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}). [معاني القرآن: 2/303-304]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا} قيل الذي تلاه عليهم {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} إلى آخر الآية، ويكون معنى أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا كذا هذا أن تقولوا.
وبعض النحويين يقول المعنى لئلا تقولوا ولا يجوز عند البصريين حذف "لا" وقيل المعنى: وصاكم أن لا تشركوا، وقيل المعنى {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} أنه بين ما حرم فقال {ألا تشركوا به شيئا}). [معاني القرآن:
2/515-516]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وبالوالدين إحسانا}

أي: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، قال ابن عباس: الآيات المحكمات {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخر ثلاث آيات). [معاني القرآن: 2/516]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق}
قال قتادة: "الإملاق" الفاقة. وقال الضحاك: كان أحدهم إذا ولدت له ابنة دفنها حية مخافة الفقر). [معاني القرآن: 2/516-517]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
قال قتادة: يعني سرها وعلانيتها. قال: وكانوا يسرون الزنا بالحرة ويظهرونه بالأمة.
قال مجاهد: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن التجارة فيه، ولا تشتر منه شيئا ولا تستقرض). [معاني القرآن: 2/517]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({من إملاق} أي: من فقر). [ياقوتة الصراط: 226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ)
: (و(الإملاق) الفقر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إمْلاَقٍ}: فقر). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسا إلّا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون}
قال بعضهم: التي هي أحسن ركوب دابته واستخدام خادمه، وليس في الظاهر أن هذا هو المراد، وإنما التي هي أحسن حفظ ماله عليه، وتثميره بما وجد إليه السبيل.
قوله: {حتّى يبلغ أشدّه}
"حتّى" محمولة على المعنى، المعنى: احفظوه عليه حتّى يبلغ أشدّه؛ أي فإذا بلغ أشده فادفعوه إليه. وبلوغ أشده أن يؤنس منه الرّشد مع أن يكون بالغا.
وقال بعضهم: {حتّى يبلغ أشدّه} حتى يبلغ ثماني عشرة سنة، ولست أعرف ما وجه ذلك بأن يبلغ قبل الثماني عشرة وقد أنس منه رشدا فدفع ماله إليه واجب.
وقوله جلّ وعزّ: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}
أي إذا شهدتم أو حكمتم فاعدلوا، ولو كان المشهود عليه أو له ذا قربى). [معاني القرآن: 2/304-305]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ(ت:207هـ): (وقوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيماً...}
تكسر إنّ إذا نويت الاستئناف، وتفتحها من وقوع (أتل) عليها.
وإن شئت جعلتها خفصا، تريد {ذالكم وصّاكم به} و{وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه}.
وقوله: {ولا تتّبعوا السّبل} يعني اليهودية والنصرانية. يقول: لا تتبعوها فتضلوا). [معاني القرآن: 1/365]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل} يريد السبل التي تعدل عنه يمينا وشمالا. والعرب يقول: الزم الطريق ودع البنيات). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأنَّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه}
وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب (وأن هذا صراطي مستقيما) بتخفيف "أن"، وتقرأ "إن" بكسر الهمزة.
- فمن قرأ "وأن" هذا فهو عنده بمعنى: واتل عليهم أن هذا.. ويجوز أن يكون المعنى: ووصاكم بـأن هذا..
- ومن قرأ بتخفيف "أن" فيجوز أن يكون معناه على هذا ويجوز أن تكون أن زائدة للتوكيد كما قال جل وعز: {فلما أن جاء البشير}
ومن قرأ وأن هذا قطعه مما قبله. وروي عن عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه خطّ خطا في الأرض فقال: هكذا الصراط المستقيم والسبل حواليه مع كل سبيل شيطان.
قال مجاهد: السبل البدع والشبهات). [معاني القرآن: 2/517-519]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تماماً على الّذي أحسن...}
تماما على المحسن. ويكون المحسن في مذهب جمع؛ كما قال: {إنّ الإنسان لفي خسرٍ}.
وفي قراءة عبد الله (تماماً على الذين أحسنوا) تصديقا لذلك. وإن شئت جعلت (الذي) على معنى (ما) تريد: تماما على ما أحسن موسى، فيكون المعنى: تماما على إحسانه. ويكون (أحسن) مرفوعا؛ تريد على الذي هو أحسن، وتنصب (أحسن) ها هنا تنوي بها الخفض؛ لأن العرب تقول: مررت بالذي هو خير منك، وشر منك، ولا يقولون: مررت بالذي قائم؛ لأن (خيرا منك) كالمعرفة؛ إذ لم تدخل فيه الألف واللام. وكذلك يقولون: مررت بالذي أخيك، وبالذي مثلك، إذا جعلوا صلة الذي معرفة أو نكرة لا تدخلها الألف واللام جعلوها تابعة للذي؛ أنشدني الكسائيّ:
إن الزّبيريّ الذي مثل الحلم = مشّى بأسلابك في أهل العلم).

[معاني القرآن: 1/366]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ آتينا موسى الكتاب تماماً على الّذي أحسن} مفسر في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}.
أراد: آتينا موسى الكتاب تماما على المحسنين، كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج، تريد الغازين الحاجّين، ويكون (الذي) في موضع (من) كأنه قال: تماما على من أحسن.
والمحسنون: هم الأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين، والمؤمنون. و(على) في هذا الموضع بمعنى (لام الجر) كما يقال: أتمّ الله عليه وأتمّ له قال الرّاعي:

رعته أشهرا وخلا عليها فطار النّيّ فيها واستغارا
أراد: وخلا لها.
وتلخيصه: آتينا موسى الكتاب تتميما منّا للأنبياء وللمؤمنين- الكتب، وتفصيلًا منّا لكلّ شيء وهدىً ورحمةً.
وقد يكون أن تجعل (الذي) بمعنى (ما) أي آتينا موسى الكتاب تماما على أحسن من العلم والحكمة وكتب الله المتقدمة.
وأراد بقوله: تماماً على ذلك، أي زيادة على ذلك.
والتأويل الأول أعجب إليّ، لأنه في مصحف عبد الله: تماما على الذين أحسنوا. وفي هذا ما دل على ذلك التأويل.
وقد ينصرف أيضا إلى معنى آخر، كأنه قال: آتيناه الكتاب إتماما منّا للإحسان على من أحسن). [تأويل مشكل القرآن: 397-398]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تماما على الّذي أحسن وتفصيلا لكلّ شيء وهدى ورحمة لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون}
الأكثر في القراءة بفتح النون، ويجوز (أحسن) على إضمار على الذي هو أحسن. فأما الفتح فعلى أن (أحسن) فعل ماض مبني على الفتح.
وأجاز الكوفيون أن يكون في موضع جر، وأن يكون صفة الذي، وهذا عند البصريين خطأ فاحش، زعم البصريون أنهم لا يعرفون " الّذي " إلا موصولة، ولا توصف إلا بعد تمام صلتها، وقد أجمع الكوفيون معهم على أن الوجه صلتها، فيحتاجون أن يثبتوا أنها رفعت موصولة ولا صلة لها، فأمّا دخول " ثم " في قوله: (ثمّ آتينا) وقد علمنا أن (ثمّ) لا يكون الذي بعدها أبدا معناه التقديم أن وقد علمنا أن القرآن أنزل من بعد موسى، وبعد التوراة). [معاني القرآن: 2/305]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {ثمّ آتينا موسى الكتاب تماما على الّذي أحسن وتفصيلا لكلّ شيء وهدى ورحمة لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون}
فقال: {ثمّ آتينا موسى الكتاب} فإنما دخلت ثم في العطف على التلاوة.
والمعنى قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم، أتل عليكم ألا تقتلوا أولادكم، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله، ثم أتلو ما آتاه اللّه موسى.
ومعنى {على الّذي أحسن} يكون على "تماما على المحسن"
المعنى: تماما من الله على المحسنين، ويكون {تماما على الّذي أحسن} أي على الذي أحسنه موسى من طاعة اللّه واتباع أمره.
ويجوز تماما على الذي هو أحسن الأشياء.
و "تمام" منصوب مفعول له، وكذلك {وتفصيلا لكل شيء}، المعنى: آتيناه لهذه العلة أي للتمام والتفصيل). [معاني القرآن: 2/305-306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن}
قال مجاهد: المعنى على المؤمن المحسن.
وقال الحسن: كان فيهم محسن وغير محسن، وأنزل الكتاب تماما على الذي أحسن، والدليل على صحة هذا القول أن ابن مسعود قرأ (تماماً على الذين أحسنوا).
وقيل: المعنى تماما على الذي أحسن موسى من طاعة الله واتباع أمره.
وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق (على الذي أحسن) والمعنى: على الذي هو أحسن الأشياء.
فأما معنى "ثم" وهي تدل على أن الثاني بعد الأول، وقصة موسى صلى الله عليه وسلم وإيتائه الكتاب قبل هذا- فإن القول أنه إخبار من الله جل وعز والمعنى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ثم اتل ما آتينا موسى). [معاني القرآن: 2/519-520]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ...}
جعلت مباركا نعت الكتاب فرفعته. ولو نصبته على الخروج من الهاء في {أنزلناه} كان صوابا). [معاني القرآن: 1/366]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون}
والمبارك ما يأتي من قبله. الخير الكثير، وهو من نعت (كتاب) ومن قرأ " أنزلناه مباركا" جاز ذلك في غير القراءة، لأن المصحف لا يخالف ألبتّة.
وقوله: {فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون} أي لتكونوا راجين للرحمة). [معاني القرآن: 2/306]

تفسير قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب...}
(أن) في موضع نصب من مكانين. أحدهما: أنزلناه لئلا تقولوا إنما أنزل. والآخر من قوله: واتقوا أن تقولوا، (لا) يصلح في موضع (أن) ها هنا كقوله: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} يصلح فيه (لا تضلون) كم قال: {سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به}). [معاني القرآن: 1/367]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين}
وقال: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} على {ثمّ آتينا موسى الكتاب} كراهية {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}). [معاني القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين} يريد هذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى قبلنا. فحذف «لا».
{وإن كنّا عن دراستهم} أي قراءتهم الكتب وعلمهم بها (غافلين) ). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين}قال بعضهم: معناه أنزلناه لئلا تقولوا إنما أنزل الكتاب أي أنزلناه لتنقطع حجتهم، وإن كانت الحجة للّه عزّ وجلّ، لأن الكتب التي أنزلت قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كانت فيها الحجة، ولم يكن اللّه عزّ وجلّ: ليترك خلقه سدى بغير حجة، ولكن في تنزيل الكتاب والنبي - صلى الله عليه وسلم - غاية الحجة، والزيادة في الإبانة.
وقال البصريون: معناه أنزلناه، كراهة أن تقولوا، ولا يجيزون إضمار "لا" لا يقولون جئت أن أكرمك، أي لئلا أكرمك، ولكن يجوز فعلت ذلك أن أكرمك، على إضمار محبة أن أكرمك، وكراهة أن أكرمك، وتكون الحال تنبئ عن الضمير.
فالمعنى: أنزل الكتاب كراهة أن يقولوا: - إنما أنزلت الكتب على أصحاب موسى وعيسى.
{وإن كنّا عن دراستهم لغافلين} المعنى: وما كنا إلا غافلين عن تلاوة كتبهم). [معاني القرآن: 2/306-307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}
أحسن ما قيل في هذا: كراهة أن تقولوا.
قال أبو جعفر: قد بينا ما قيل فيه.
قال قتادة: يعني بالطائفتين اليهود والنصارى، وقال: يعني بالدراسة التلاوة). [معاني القرآن: 2/520-521]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((أو) لئلا تقولوا: {لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم}.
{صدف عنها}: أعرض). [تفسير غريب القرآن: 164]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنة من ربّكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون}
(أو تقولوا) المعنى أو كراهة أن تقولوا {لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم}
وإنما كانوا يقولون {لكنّا أهدى منهم} لأنهم كانوا مدلّين بالأذهان وحسن الأفهام، وذلك أنهم يحفظون أشعارهم وأخبارهم وآثارهم، وهم أمّيون لا يكتبون.
وقوله: {فقد جاءكم بيّنة من ربّكم وهدى ورحمة} أي فقد جاءكم ما فيه البيان وقطع الشّبهات عنكم). [معاني القرآن: 2/307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} أهدى منهم أفهم منهم لأنهم يحفظون أشعارهم وأخبارهم وهم أميون). [معاني القرآن: 2/521]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها}
قال قتادة في قوله: {وصدف عنها} أي أعرض). [معاني القرآن: 2/521-522]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وصدف عنها}: أعرض عنها). [ياقوتة الصراط: 226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَصَدَف َعَنْهَا} أي أعرض عنها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم الملائكة...}
لقبض أرواحهم: {أو يأتي ربّك}: القيامة {أو يأتي بعض آيات ربّك}: طلوع الشمس من مغربها). [معاني القرآن: 1/367]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({هل ينظرون أي هل ينتظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة} عند الموت {أو يأتي ربّك يوم القيامة أو يأتي بعض آيات ربّك} طلوع الشمس من مغربها). [تفسير غريب القرآن: 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، ويجعلونها أيضا بمعنى: (ما) في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ} و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ}، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}؟، و: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؟.
هذا كله عندهم بمعنى: (ما).
وهو والأوّل عند أهل اللغة تقرير). [تأويل مشكل القرآن: 538-539](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {هل ينظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنّا منتظرون}
{هل ينظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة} أي إلا أن تأتيهم ملائكة الموت.
{أو يأتي ربّك} أو يأتي إهلاك ربّك إيّاهم وانتقامه منهم، إمّا بعذاب عاجل أو بالقيامة.
وهذا كقولنا: قد نزل فلان ببلد كذا وكذا، وقد أتاهم فلان أي قد أوقع بهم.
وقوله: {أو يأتي بعض آيات ربّك} نحو: خروج الدابة أو طلوع الشمس من مغربها.
وقوله: {يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل} أي لا ينفعها الإيمان عند الآية التي تضطركم إلى الإيمان، لأن اللّه جلّ ثناؤه قال: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون} وبعث الرسل بالآيات التي تتدبّر، فيكون للمؤمن بها ثواب ولو بعث اللّه على كل من لم يؤمن عذابا، لاضطر الناس إلى الإيمان به: وسقط التكليف والجزاء). [معاني القرآن: 2/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة}
قال قتادة: أي بالموت أو يأت ربك. قال قتادة: يعني يوم القيامة.
وقال غيره: المعنى إهلاك ربك إياهم). [معاني القرآن: 2/522]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} روى وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {يوم يأتي بعض آيات ربك} قال: ((طلوع الشمس من مغربها))
{لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قال: الآية التي لا ينفع نفسا إيمانها عندها إذا طلعت الشمس من مغربها مع القمر في وقت واحد). [معاني القرآن: 2/522-523]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({هَلْ يَنظُرُونَ} أي ينتظرون. {إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ} أي عند الموت.
{أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} أي يوم القيامة، {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} طلوع الشمس من مغربها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين فرّقوا دينهم...}
قرأها علي (فارقوا)، وقال: والله ما فرّقوه ولكن فارقوه. وهم اليهود والنصارى. وقرأها الناس (فرّقوا دينهم) وكلّ وجه.
وقوله: {لّست منهم في شيءٍ} يقول من قتالهم في شيء، ثم نسختها: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم}). [معاني القرآن: 1/367]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لّست منهم في شيءٍ إنّما أمرهم إلى اللّه ثمّ ينبّئهم بما كانوا يفعلون}
وقال: {إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً}.
وقال بعضهم (فارقوا) من "المفارقة"). [معاني القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وكانوا شيعاً} أي فرقا وأحزابا.
{لست منهم في شيءٍ} أي ليس إليك شيء من أمرهم). [تفسير غريب القرآن: 164]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنّما أمرهم إلى اللّه ثمّ ينبّئهم بما كانوا يفعلون}
قال بعضهم: هذه نزلت قبل الحرب، أي ليس عليك قتالهم إنّما أمرهم إلى اللّه.
ومعنى {وكانوا شيعا} أي كانوا متفرقين في دينهم. يعنى به اليهود والنصارى، لأن النصارى بعضها يكفر بعضا وكذلك اليهود، وهم أيضا أهل التوراة، وبعضهم يكفر بعضا، أعني اليهود تكفر النصارى، والنصارى تكفر اليهود.
وفي هذه الآية حث على أن تكون كلمة المسلمين واحدة، وأن لا يتفرقوا في الدين وأن لا يبتدعوا البدع ما استطاعوا.
فقوله: {لست منهم في شيء} يدل على أن من فرق دينه من أهل ملة الإسلام وابتدع البدع فقد صار به منهم.
ومعنى شيّعت في اللغة اتّبعت. والعرب تقول: شاعكم السّلم وأشاعكم السّلم، ومعناه: تبعكم السّلم.
قال الشاعر:
ألا يا نخلة من ذات عرق = برود الظل شايعك الظلام

وتقول: آتيتك غدا أو شيعه أي أو اليوم الذي يتبعه، فمعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضا، ومعنى الشيع الفرق التي كل فرقة منهم يتبع بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين). [معاني القرآن: 2/308-309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} الشيع الفرق ومعنى شايعت في اللغة تابعت ومعنى وكانوا شيعا وكانوا فرقا كل فرقة يتبع بعضها بعضا إلا أن الشيع كلها متفقة). [معاني القرآن: 2/523]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله}
قيل هذا قبل الأمر بالقتال وروى أبو غالب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فرقوا دينهم وكانوا شيعا} قال: ((هم الخوارج)).

وقيل إن الآية تدل على أن من ابتدع من خارجي وغيره فليس النبي صلى الله عليه وسلم منهم في شيء؛ لأنهم إذا ابتدعوا تخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعا). [معاني القرآن: 2/523-524]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شِيَعًا} أي فرقا وأحزابا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شِيَعًا}: فرقاً). [العمدة في غريب القرآن: 132]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فله عشر أمثالها...}
من خفض يريد: فله عشر حسناتٍ أمثالها. ولو قال هاهنا: فله عشر مثلها؛ يريد عشر حسنات مثلها كان صوابا.
ومن قال: (عشرٌ أمثالها) جعلهنّ من نعت العشر.
و(مثل) يجوز توحيده: أن تقول في مثله من الكلام: هم مثلكم، وأمثالكم؛ قال الله تبارك وتعالى: {إنكم إذاً مثلهم} فوحّد، وقال: {ثم لا يكونوا أمثالكم} فجمع. ولو قلت: عشرٌ أمثالها كما تقول: عندي خمسةٌ أثوابٌ لجاز.
وقوله: {من جاء بالحسنة}: بلا إله إلا الله، والسيئة: الشّرك). [معاني القرآن: 1/367-368]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلاّ مثلها وهم لا يظلمون}
وقال: {فله عشر أمثالها} على العدد كما تقول: "عشر سودٍ" فإن قلت كيف قال "عشر" و"المثل" مذكر؟ فإنما أنث لأنه أضاف إلى مؤنث وهو في المعنى أيضاً "حسنةٌ" أو "درجةٌ". فإن أنّث على ذلك فهو وجه.
وقال بعضهم (عشرٌ أمثالها) جعل "الأمثال" من صفة "العشر". وهذا الوجه إلا أنه لا يقرأ. لأنه ما كان من صفة لم تضف إليه العدد. ولكن يقال: "هم عشرةٌ قيامٌ" و"عشرةٌ قعودٌ" لا يقال: "عشرة قيامٍ"). [معاني القرآن: 1/254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها وهم لا يظلمون}
القراءة: (فله عشر أمثالها)، والمعنى فله عشر حسنات أمثالها وكما يجوز عندي خمسة أثوابا، ويجوز فله عشر مثلها في غير القراءة فيكون المثل في لفظ الواحد وفي معنى الجميع، كما قال: {إنكم إذا مثلهم}.
ومن قال أمثالها فهو كقوله: {ثمّ لا يكونوا أمثالكم} وإنما جاء على المثل التوحيد.
وأن يكون في معنى الجميع، لأنه على قدر ما يشبه به، تقول مررت بقوم مثلكم، وبقوم أمثالكم.
فأما معنى الآية فإنه من غامض المعاني التي عند أهل اللغة لأن المجازاة على الحسنة من اللّه جلّ ثناؤه بدخول الجنة شيء لا يبلغ وصف مقداره، فإذا قال: عشر أمثالها.
أو قال: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة}.
مع قوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، فمعنى هذا كله أن جزاء اللّه جلّ ثناؤه على الحسنات على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير في النفوس، ويضاعف الله ذلك بما بين عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وأجمع المفسرون على قوله: {ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها} لأن السيئة ههنا الشرك باللّه.
وقالوا: {من جاء بالحسنة} هي قول لا إله إلا اللّه، وأصل الحسنات التوحيد، وأسوأ السيئات الكفر باللّه جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 2/309-310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} روى الأعمش عن أبي صالح قال: الحسنة لا إله إلا الله والسيئة الشرك
والمعنى أن ما كان عنده هو النهاية في المجازاة أعطي عشرة أمثاله). [معاني القرآن: 2/524-525]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ديناً قيماً...}
و{قيّما}...
- حدثني عمرو بن أبي المقدام عن رجل عن عمران بن حذيفة قال: رآني أبي حذيفة راكعا قد صوّبت رأسي، قال ارفع رأسك، دينا قيما.
(دينا قيما) منصوب على المصدر. و(ملة إبراهيم) كذلك). [معاني القرآن: 1/368]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ملّة إبراهيم حنيفاً} أي دين إبراهيم؛ يقال من أيّ ملّة أنت، وهم أهل ملتك). [مجاز القرآن: 1/208]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مّستقيمٍ ديناً قيماً مّلّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}
وقال: {ديناً قيماً} أي: مستقيما وهي قراءة العامة.
وقال أهل المدينة (قيّما) وهي حسنة، ولم أسمعها من العرب وهي في معنى المفسر). [معاني القرآن: 1/254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({قل إنّني هداني ربّي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
والصراط الدين الذي دلني على الذين الذي هو دين الحق، ثم فسر ذلك فقال: (دينا قيما).
والقيم هو المستقيم، وقرئت (دينا قيّما) وقيّم مصدر كالصغر والكبر، إلا أنه لم يقل " قوم " مثل قوله: {لا يبغون عنها حولا} لأن قولك قام قيما
كأنه على قوم أو قوم، فلما اعتل فصار قام اعتل قيم، فأما حول فهو على أنه جار على غير فعل.
وأما نصب {دينا قيما ملّة إبراهيم حنيفا} فمحمول على المعنى، لأنه لما قال: هداني إلى صراط مستقيم، دل على عرفني دينا قيما.
ويجوز أن يكون على البدل من معنى هداني إلى صراط مستقيم.
المعنى هداني صراطا مستقيما، دينا قيما، كما قال جلّ وعزّ: {ويهديك صراطا مستقيما}.
و{ملّة إبراهيم} بدل من {دينا قيما}
و{حنيفا} منصوب على الحال من إبراهيم، المعنى هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته، وهو ههنا لإبراهيم حسن منه لغيره.
{وما كان من المشركين}.
وقد فسرنا معنى الحنيفية وأنها الميل إلى الإسلام ميلا لا رجوع معه). [معاني القرآن: 2/310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم} الصراط الطريق والمعنى عرفني الدين الذي هو الحق). [معاني القرآن: 2/525]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا}

و"القيم": المستقيم. ومن قرأ (قيما) فهو مصدر مثل الصغر والكبر). [معاني القرآن: 2/525]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ونسكى ومحياي} وهو مصدر نسكت، وهو تقربت بالنسائك، وهي النسيكة، وجمعها أيضا نسك متحركة بالضمة). [مجاز القرآن: 1/209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نسكي}: ذبائحي. جمع نسيكة. وأصل النّسك: ما تقربت به إلى اللّه). [تفسير غريب القرآن: 164]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين}
قالوا: النسك الذبح، والنسك ما يتقرب به إلى اللّه جلّ وعزّ.
{ومحياي ومماتي}
الياء ياء الإضافة، فتحت لأن أصلها الفتح، ويجوز إسكانها إذا كان ما قبلها متحركا.
يجوز (مماتي) وإن شئت قرأت (مماتي لله) بفتح الياء، وإن شئت أسكنت.

فأما ياء محياي فلا بدّ من فتحها لأن قبلها ساكن.
ومعنى الآية أنه يخبر بأنه إنما يتقرب بالصلاة وسائر المناسك إلى اللّه جلّ وعزّ لا إلى غيره، كما كان المشركون يذبحون لأصنامهم.
فأعلم أنه اللّه وحده بقوله: {لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين}). [معاني القرآن: 2/311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}

"النسك": جمع النسيكة وهي الذبيحة، وأصل هذا من التقرب لله جل وعز، ومنه قيل: رجل ناسك.
وإنما قيل هذا لأنهم كانوا يذبحون لغير الله جل وعز). [معاني القرآن: 2/525-526]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَنُسُكِي} أي ذبائحي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}). [تأويل مشكل القرآن: 281]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل أغير اللّه أبغي ربّا وهو ربّ كلّ شيء ولا تكسب كلّ نفس إلّا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثمّ إلى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون}
أي هو ابتدع الأشياء كلها لا يقدر أحد على ابتداع شيء منها.
وقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم أخرى، لا يؤخذ أحد بذنب غيره). [معاني القرآن: 2/311-312]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء}

معنى {أبغي}: أريد وأطلب). [معاني القرآن: 2/526]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض...}
جعلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خلائف كل الأمم {ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ} في الرزق (ليبلوكم) بذلك (فيما آتاكم) ). [معاني القرآن: 1/368]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({خلائف الأًرض}: واحدهم: خليفة في الأرض بعد خليفة، قال الشّماخ وهو الرجل المتكبر:
تصيبهم وتخطئني المنايا = وأخلف في ربوع عن ربوع

الربع: الدار والجميع ربوع، والرّبع أيضاً: قبيلة، قال: يقال رجل من ربعه يعنى من قبيلته). [مجاز القرآن: 1/209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({خلائف الأرض} أي سكان الأرض يخلف بعضكم بعضا: واحدهم خليفة.
{ورفع بعضكم فوق بعضٍ} أي فضَّل في المال والشرف.
{ليبلوكم في ما آتاكم} أي يختبركم فيعلم كيف شكركم). [تفسير غريب القرآن: 164]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إنّ ربّك سريع العقاب وإنّه لغفور رحيم}
قيل: خلائف الأرض أمّة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فأمّته قد خلفت سائر الأمم.
وقال بعضهم: خلائف الأرض يخلف بعضكم بعضا.
{ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم}.
فدلّ بهذا أنه فضّل بعض الناس ليختبرهم فيما رزقهم وهو جل ثناؤه عالم بما يكون منهم قبل ذلك، إلا أنه اختبرهم ليظهر منهم ما يكون عليه الثواب والعقاب.
وقوله: {إنّ ربّك سريع العقاب وإنّه لغفور رحيم}.
إن قال قائل: كيف قيل سريع العقاب. وعقابه إنما يكون في القيامة.
وإن كان بعضه قد وقع في الدنيا؟
فإنما ذلك لأن أمر الساعة سريع، لأن كل ما زال وإن تطاول فهو بمنزله ما لم يحسّ سرعة، وكذلك قوله جل ثناؤه: {وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب}
وكذلك قوله جلّ وعزّ: {إنّهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا}). [معاني القرآن: 2/312]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض}

يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: لأنهم آخر الأمم فقد خلفوا من كان قبلهم.
وقيل: لأن بعضهم يخلف بعضا حتى تقوم الساعة عليهم والحديث يقوي هذا القول). [معاني القرآن: 2/526]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم}

أي فضل بعضكم على بعض في الزرق ليبلوكم فيما آتاكم أي ليختبركم فيما أعطاكم فينظر كيف شكركم وقد علم ما يكون علم غيب وإنما تقع المجازاة على الشهادة). [معاني القرآن: 2/527]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن ربك سريع العقاب} وإنه لغفور رحيم فعقابه جل وعز وإن كان أكثره يوم القيامة فإن كل آت قريب.
وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت سورة الأنعام بمكة جملة واحدة إلا ثلاث آيات منها فإنهن أنزلن بالمدينة، وهو قوله جل وعز: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا} إلى آخر الآيات). [معاني القرآن: 2/527-528]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَلاَئِفَ} أي سكاناً في الأرض، يخلف بعضهم بعضاً، والواحد خليفة.
{لِّيَبْلُوَكُمْ} أي يختبركم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لِّيَبْلُوَكُمْ}: ليختبركم). [العمدة في غريب القرآن: 132]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة