العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الروم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:57 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة الروم [ من الآية (1) إلى الآية (7) ]

تفسير سورة الروم
[ من الآية (1) إلى الآية (7) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 جمادى الأولى 1434هـ/25-03-2013م, 08:50 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (الم (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم}.
قال أبو جعفرٍ: قد بيّنّا فيما مضى قبل معنى قوله: {الم} وذكرنا ما فيه من أقوال أهل التّأويل، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 18/446]

تفسير قوله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ):
(وأخبرني معاوية بن صالحٍ عن مرثد بن سميٍّ الخولانيّ عن أبي الدّرداء قال: سيأتي قومٌ يقرؤون هذه الآية: الم، غَلَبَتِ الرّوم، وإنّما هي: {الم (1) غُلِبَتَ الرّوم}). [الجامع في علوم القرآن: 3/51]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {الم (1) غلبت الروم} قال كانت فارس قد غلبت الروم في أدنى الأرض وهي الجزيرة وهي أقرب أرض الروم إلى فارس وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين). [تفسير عبد الرزاق: 2/101]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، حدّثنا سفيان، حدّثنا منصورٌ، والأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: بينما رجلٌ يحدّث في كندة، فقال: يجيء دخانٌ يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعودٍ، وكان متّكئًا فغضب فجلس، فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل اللّه أعلم، فإنّ من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإنّ اللّه قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86] ، وإنّ قريشًا أبطئوا عن الإسلام، فدعا عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف» فأخذتهم سنةٌ حتّى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرّجل ما بين السّماء والأرض، كهيئة الدّخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمّد جئت تأمرنا بصلة الرّحم، وإنّ قومك قد هلكوا فادع اللّه، فقرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} [الدخان: 10] إلى قوله: {عائدون} [الدخان: 15] أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثمّ عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] : يوم بدرٍ ولزامًا: يوم بدرٍ {الم (1) غلبت الرّوم} [الروم: 2] إلى {سيغلبون} [الروم: 3] : والرّوم قد مضى). [صحيح البخاري: 6/114]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ثمّ ذكر المصنّف حديث بن مسعودٍ في دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على قريشٍ بالسّنين وسؤالهم له الدّعاء برفع القحط وقد تقدّم شرح ذلك في الاستسقاء ويأتي ما يتعلّق بالّذي وقع في صدر الحديث من الدّخان في تفسير سورة الدّخان إن شاء اللّه تعالى وقوله
- إنّ من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم أي أنّ تمييز المعلوم من المجهول نوعٌ من العلم وهذا مناسبٌ لما اشتهر من أنّ لا أدري نصف العلم ولأنّ القول فيما لا يعلم قسمٌ من التّكلّف). [فتح الباري: 8/512]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (والروم إثنان: الأول: من ولد يافث بن نوح عليه السّلام، وهو رومي بن لنطي بن يونان بن يافث، الثّاني: الّذي رجع إليهم الملك من ولد رومي بن لنطي من ولد عيص بن إسحاق عليه السّلام، غلبوا على اليونانيين فبطل ذكر الأوّلين وغلب هؤلاء على الملك). [عمدة القاري: 19/109]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (حدثنا محمّد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا منصور والأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم لا أعلم فإن الله قال لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وإن قريشًا أبطؤا عن الإسلام فدعا عليهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال اللّهمّ أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتّى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السّماء والأرض كهيئة الدّخان فجاءه أبو سفيان فقال يا محمّد جئت تأمرنا بصلة الرّحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله فقرأ {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين} إلى قوله {عائدون} أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثمّ عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى} يوم بدر ولزاما يوم بدر) هذا الحديث بعين هذا الإسناد قد مر في كتاب الاستسقاء في باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط ولكن في متنهما بعض تفاوت بالزّيادة والنّقصان وسفيان هو الثّوريّ ومنصور هو ابن المعتمر والأعمش هو سليمان وأبو الضّحى مسلم بن صبيح الكوفي العطّار ومسروق هو ابن الأجدع روى الحديث عن عبد الله بن مسعود وقد مر الكلام فيه هناك قوله " في كندة " بكسر الكاف وسكون النّون قال الكرماني موضع بالكوفة قلت يحتمل أن يكون حديث الرجل بين قوم هم من كندة القبيلة قوله " فأتيت ابن مسعود فيه حذف " أي فأتيت ابن مسعود وأخبرته بخبر الرجل وكانت متكئا فغضب من ذلك فجلس قوله " فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم " وقال الكرماني كيف يكون لا أعلم من العلم قلت تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم وهو المناسب لما قيل لا أدري نصف العلم وأما مناسبة الآية فلأن القول فيما لا يعلم قسم من التّكلّف قوله " سنة بفتح السّين " أي قحط قوله البطشة الكبرى إلى آخره أريد بالبطشة القتل يوم بدر وباللزام الأسر فيه أيضا -). [عمدة القاري: 19/110-111]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، حدّثنا سفيان حدّثنا منصورٌ، والأعمش عن أبي الضّحى عن مسروقٍ قال: بينما رجلٌ يحدّث في كندة، فقال: يجيء دخانٌ يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، ففزعنا. فأتيت ابن مسعودٍ وكان متّكئًا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: اللّه أعلم، فإنّ من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم فإنّ اللّه قال: لنبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} وإنّ قريشًا أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف»، فأخذتهم سنةٌ حتّى هلكوا فيها وأكلوا الميتة، والعظام، ويرى الرّجل ما بين السّماء والأرض كهيئة الدّخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمّد، جئت تأمرنا بصلة الرّحم، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع اللّه. فقرأ {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} -إلى قوله- {عائدون} [الدخان: 10] أفيكشف عنهم عذاب الآخرة، إذا جاء ثمّ عادوا إلى كفرهم. فذلك قوله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] يوم بدرٍ {ولزامًا} يوم بدرٍ {الم * غلبت الرّوم} -إلى- {سيغلبون} والرّوم قد مضى.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري ولأبي ذر عن سفيان قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) هو سليمان كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: بينما) بميم (رجل) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه (يحدث فيك كندة) بكسر الكاف وسكون النون (فقال: يجيء دخان) بتخفيف المعجمة (يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام) بنصب المؤمن على المفعولية (ففزعنا) بكسر الزاي وسكون العين المهملة من الفزع (فأتيت ابن مسعود) عبد الله فأخبرته بالذي قاله الرجل (وكان متكئًا فغضب) لذلك (فجلس فقال: من علم فليقل) ما يعلمه إذا سئل (ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم) لأن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم وليس المراد أن عدم العلم يكون علمًا ولأبي ذر الله أعلم بدل قوله لا أعلم وللأصيلي بدلها لا علم لي به (فإن الله) تعالى (قال لنبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم- {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] والقول فيما لا يعلم قسم من التكلف وفيه تعريض بالرجل القائل يجيء دخان الخ وإنكار عليه ثم بين قصة الدخان فقال (وإن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام) أي تأخروا عنه (فدعا عليهم النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال): (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام التي أخبر الله عنها في التنزيل بقوله ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد، وسقط: اللهم لأبي ذر (فأخذتهم سنة) بفتح السين قحط وهم بمكة (حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان) من ضعف بصره بسبب الجوع (فجاءه) عليه الصلاة والسلام (أبو سفيان) صخر بن حرب بمكة أو المدينة (فقال: يا محمد جئت تأمرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر تأمر بحذف ضمير النصب (بصلة الرحم وإن قومك) ذوي رحمك (قد هلكوا) من الجدب والجوع بدعائك عليهم (فادع الله) لهم بأن يكشف عنهم فإن كشف آمنوا (فقرأ) عليه الصلاة والسلام ({فارتقب}) أي انتظر ({يوم تأتي السماء بدخان مبين}) أي بين واضح يراه كل أحد -إلى قوله- ({عائدون}) [الدخان: 15] أي إلى الكفر أو إلى العذاب قال ابن مسعود (أفيكشف) بهمزة الاستفهام وضم الياء مبنيًا للمفعول (عنهم عذاب الآخرة إذا جاء) وللأصيلي فتكشف بمثناة فوقية مفتوحة وفتح الكاف وتشديد المعجمة عنهم العذاب أي رفع القحط بدعاء النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-، كشفًا قليلًا أو زمانًا قليلًا (ثم عادوا إلى كفرهم) غب الكشف (فذلك قوله تعالى: {بوم نبطش البطشة الكبرى}) [الدخان: 16] (يوم بدر) ظرف يريد القتل فيه وهذا الذي قاله ابن مسعود وافقه عليه جماعة كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي واختاره ابن جرير لكن أخرج ابن أبي حاتم عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال: لم تمض آية الدخان بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينقدّ.
وأخرج أيضًا عن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت قلت لم؟ قال قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت. قال الحافظ ابن كثير: وإسناده صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ووافقه عليه جماعة من الصحابة والتابعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان مما فيه دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة وهو ظاهر قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}) أي بين واضح وعلى ما فسر به ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد وكذا قوله: {يغشى الناس} [الدخان: 11] أي يعمهم ولو كان خيالًا يخص مشركي مكة لما قيل يغشى الناس وأما قوله: {إنّا كاشفو العذاب} [الدخان: 15] أي: ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى: {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرٍّ للجّوا} [المؤمنون: 75] ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقال آخرون لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة.
وفي حديث حذيفة بن أسيد الغفاري عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى والدجال وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا" انفرد بإخراجه مسلم.
({ولزامًا}) هو الأسر (يوم بدر) أيضًا.
({الم * غلبت الروم}) أي غلبت فارس الروم ({إلى سيغلبون}) أي الروم سيغلبون فارس، وهذا علم من أعلام نبوّة نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- لما فيه من الإخبار بالغيب (والروم قد مضى) أي غلبهم لفارس فإنه قد وقع يوم الحديبية وفي آخر سورة الدخان قال عبد الله يعني ابن مسعود خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان وسقط لأبي ذر قوله: {الم * غلبت الروم} الخ.
وهذا الحديث قد سبق في باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط من كتاب الاستسقاء، ويأتي بقية مباحثه في سورة الدخان إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته). [إرشاد الساري: 7/286-287]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (والروم قد مضى) ساقط من نسخة بل لا فائدة لذكره هنا اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/64]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ ظهرت الرّوم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت: {الم غلبت الرّوم}، إلى قوله: {يفرح المؤمنون بنصر اللّه} قال: ففرح المؤمنون بظهور الرّوم على فارس.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه، كذا قرأ نصر بن عليٍّ {غلبت الرّوم} ). [سنن الترمذي: 5/196]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسين بن حريثٍ، قال: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن سفيان الثّوريّ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول الله تعالى: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} قال: غلبت وغلبت، كان المشركون يحبّون أن يظهر أهل فارس على الرّوم لأنّهم وإيّاهم أهل أوثانٍ، وكان المسلمون يحبّون أن يظهر الرّوم على فارس لأنّهم أهل كتابٍ، فذكروه لأبي بكرٍ فذكره أبو بكرٍ لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أما إنّهم سيغلبون، فذكره أبو بكرٍ لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: ألا جعلته إلى دون، قال: أراه العشر، قال سعيدٌ: والبضع ما دون العشر، قال: ثمّ ظهرت الرّوم بعد. قال: فذلك قوله تعالى: {الم (1) غلبت الرّوم}، إلى قوله: {يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء} قال سفيان: سمعت أنّهم ظهروا عليهم يوم بدرٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، إنّما نعرفه من حديث سفيان الثّوريّ، عن حبيب بن أبي عمرة). [سنن الترمذي: 5/196-197]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا شعيب بن يوسف، عن يحيى، عن فطرٍ، قال: أخبرني مسلمٌ، عن مسروقٍ، قال: سمعت عبد الله، يقول: " قد مضين: البطشة، واللّزام، والرّوم، والدّخان، والقمر "
- أخبرنا الحسين بن حريثٍ، أخبرنا معاوية بن عمرٍو، عن أبي إسحاق، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {الم (1) غلبت الرّوم} [الروم: 2] قال: " غلبت، وغلبت، كان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الرّوم، وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الرّوم على فارس لأنّهم أهل كتابٍ، فذكروا لأبي بكرٍ، فذكر أبو بكرٍ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّهم سيغلبون»، فذكره أبو بكرٍ رضي الله عنه، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلًا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين). [السنن الكبرى للنسائي: 10/211-212]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} اختلفت القرّاء في قراءته؛ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: {غلبت الرّوم} بضمّ الغين، بمعنى أن فارس غلبت الروم.
وروي عن ابن عمر، وأبي سعيدٍ في ذلك ما:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن الحسن الجفريّ، عن سليطٍ، قال: سمعت ابن عمر يقرأ: (الم (1) غلبت الرّوم) فقيل له: يا أبا عبد الرّحمن، على أيّ شيءٍ غلبوا؟ قال: على ريف الشّام.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا الّذي لا يجوز غيره {الم (1) غلبت الرّوم} بضمّ الغين؛ لإجماع الحجّة من القرّاء عليه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: غلبت فارس الرّوم). [جامع البيان: 18/446-447]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {ينصر} اللّه تعالى ذكره {من يشاء} من خلقه، على من يشاء، وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدرٍ، {وهو العزيز} يقول: والله الشّديد في انتقامه من أعدائه، لا يمنعه من ذلك مانعٌ، ولا يحول بينه وبينه حائلٌ، {الرّحيم} بمن تاب من خلقه، وراجع طاعته أن يعذّبه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن أسعد، أبو سعيدٍ الثّعلبيّ الّذي يقال له أبو سعيدٍ من أهل طرسوس، قال: حدّثنا أبو إسحاق الفزاريّ، عن سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان المسلمون يحبّون أن تغلب الرّوم أهل الكتاب، وكان المشركون يحبّون أن يغلب أهل فارسٍ، لأنّهم أهل الأوثان، قال: فذكروا ذلك لأبي بكرٍ، فذكره أبو بكرٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: وأما إنّهم سيهزمون، قال: فذكر ذلك أبو بكرٍ للمشركين، قال: فقالوا: أفنجعل بيننا وبينكم أجلاً، فإن غلبوا كان لك كذا وكذا، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا، قال: فجعلوا بينهم وبينه أجلاً خمس سنين، قال: فمضت فلم يغلبوا؛ قال: فذكر ذلك أبو بكرٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: وأفلا جعلته دون العشر. قال سعيدٌ: والبضع ما دون العشر، قال: فغلب الرّوم، ثمّ غلبت، قال: فذلك قوله: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} قال: البضع: ما دون العشر. {للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}. قال سفيان: فبلغني أنّهم غلبوا يوم بدرٍ.
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبان المصريّ، قال: حدّثنا موسى بن هارون البرديّ، قال: حدّثنا معن بن عيسى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن ابن شهابٍ، عن عبيد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت: {الم غلبت الرّوم في أدنى الأرض}، ناحب أبو بكرٍ قريشًا، ثمّ أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: إنّي قد ناحبتهم، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هلاّ احتطت، فإنّ البضع ما بين الثّلاثة إلى التّسع. قال الجمحيّ: المناحبة: المراهنة، وذلك قبل أن يكون تحريم ذلك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}، قال: قد مضى، كان ذلك في أهل فارس والرّوم، وكانت فارس قد غلبتهم، ثمّ غلبت الرّوم بعد ذلك، ولقي نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مشركي العرب، يوم التقت الرّوم وفارس، فنصر اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه من المسلمين على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم، ففرح المؤمنون بنصر اللّه إيّاهم، ونصر أهل الكتاب على العجم. قال عطيّة: فسألت أبا سعيدٍ الخدريّ عن ذلك، فقال: التقينا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومشركي العرب، والتقت الرّوم وفارس، فنصرنا اللّه على مشركي العرب، ونصر اللّه أهل الكتاب على المجوس، ففرحنا بنصر اللّه إيّانا على المشركين، وفرحنا بنصر اللّه أهل الكتاب على المجوس، فذلك قوله: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} غلبتهم فارس، ثمّ غلبت الرّوم.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال: قال عبد اللّه: خمسٌ قد مضين: الدّخان، واللّزام، والبطشة، والقمر، والرّوم.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: قد مضى {الم (1) غلبت الرّوم}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله: {أكثر النّاس لا يعلمون} قال: ذكر غلبة فارس إيّاهم، وإدالة الرّوم على فارس، وفرح المؤمنون بنصر الرّوم أهل الكتاب على فارس من أهل الأوثان.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثنّى حجّاجٌ، عن أبي بكر بن عبد اللّه، عن عكرمة، أنّ الرّوم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، قالوا: وأدنى الأرض يومئذٍ أذرعات، بها التقوا، فهزمت الرّوم قبل ذلك والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وهم بمكّة، فشقّ ذلك عليهم وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يكره أن يظهر الأمّيّون من المجوس على أهل الكتاب من الرّوم، ففرح الكفّار بمكّة وشمتوا، فلقوا أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: إنّكم أهل الكتاب، والنّصارى أهل كتابٍ، ونحن أمّيّون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنّكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم، فأنزل اللّه: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه} الأيات، فخرج أبو بكرٍ الصّدّيق إلى الكفّار، فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا، ولا يقرّنّ اللّه أعينكم، فواللّه ليظهرنّ الرّوم على فارس، أخبرنا بذلك نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، فقام إليه أبيّ بن خلفٍ فقال: كذبت يا أبا فضيلٍ، فقال له أبو بكرٍ: أنت أكذب يا عدوّ اللّه، فقال: أناحبك عشر قلائص منّي، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الرّوم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين، ثمّ جاء أبو بكرٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فقال: وما هكذا ذكرت، إنّما البضع ما بين الثّلاث إلى التّسع، فزايده في الخطر، ومادّه في الأجل، فخرج أبو بكرٍ فلقي أبيًّا، فقال: لعلّك ندمت، فقال: لا، فقال: أزايدك في الخطر، وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوصٍ لمائة قلوصٍ إلى تسع سنين، قال: قد فعلت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، قال: كانت في فارس امرأةٌ لا تلد إلاّ الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إنّي أريد أن أبعث إلى الرّوم جيشًا وأستعمل عليهم رجلاً من بنيك، فأشيري عليّ أيّهم أستعمل، فقالت: هذا فلانٌ، وهو أروغ من ثعلبٍ، وأحذر من صقر، وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنانٍ، وهذا شهربراز، وهو أحلم من كذا، فاستعمل أيّهم شئت، قال: إنّي قد استعملت الحليم، فاستعمل شهربراز، فسار إلى الرّوم بأهل فارس، وظهر عليهم، فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم. قال أبو بكرٍ: فحدّثت بهذا الحديث عطاءً الخراسانيّ، فقال: أما رأيت بلاد الشّام؟ قلت: لا، قال: أما إنّك لو رأيتها، لرأيت المدائن الّتي خربت، والزّيتون الّذي قطع، فأتيت الشّام بعد ذلك فرأيته.
- قال عطاءٌ الخراسانيّ: حدّثني يحيى بن يعمر: أنّ قيصر بعث رجلاً يدعى قطمة بجيشٍ من الرّوم، وبعث كسرى شهربراز، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشّام إليكم، فلقيت فارس الرّوم، فغلبتهم فارس، ففرح بذلك كفّار قريشٍ، وكرهه المسلمون، فأنزل اللّه: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض}، ثمّ ذكر مثل حديث عكرمة، وزاد: فلم يزل شهربراز يطؤهم، ويخرّب مدائنهم حتّى بلغ الخليج، ثمّ مات كسرى، فبلغهم موته، فانهزم شهربراز وأصحابه، وأديلت عليهم الرّوم عند ذلك، فأتبعوهم يقتلونهم، قال: وقال عكرمة في حديثه: لمّا ظهرت فارس على الرّوم جلس فرخان يشرب، فقال لأصحابه: لقد رأيت كأنّي جالسٌ على سرير كسرى، فبلغت كسرى، فكتب إلى شهربراز: إذا أتاك كتابي فابعث إليّ برأس فرخان، فكتب إليه: أيّها الملك، إنّك لن تجد مثل فرخان، إنّ له نكايةً وصوتًا في العدوّ، فلا تفعل. فكتب إليه: إنّ في رجال فارس خلفًا منه، فعجّل إليّ برأسه. فراجعه، فغضب كسرى؛ فلم يجبه، وبعث بريدًا إلى أهل فارس: إنّي قد نزعت عنكم شهربراز، واستعملت عليكم فرخان؛ ثمّ دفع إلى البريد صحيفةً صغيرةً: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه؛ فلمّا قرأ شهربراز الكتاب، قال: سمعًا وطاعةً، ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع الصّحيفة إليه، قال: ائتوني بشهربراز، فقدّمه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل حتّى أكتب وصيّتي، قال: نعم، فدعا بالعسفط، فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كلّ هذا راجعت فيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلني بكتابٍ واحدٍ، فردّ الملك، وكتب شهربراز إلى قيصر ملك الرّوم: إنّ لي إليك حاجةً لا يحملها البريد، ولا تبلغها الصّحف، فالقني، ولا تلقني إلاّ في خمسين روميًّا، فإنّي ألقاك في خمسين فارسيًّا؛ فأقبل قيصر في خمس مائة ألف روميٍّ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطّريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتّى أتاه عيونه أن ليس معه إلاّ خمسون رجلاً، ثمّ بسط لهما، والتقيا في قبّة ديباجٍ ضربت لهما، مع كلّ واحدٍ منهما سكّينٌ، فدعيا ترجمانًا بينهما، فقال شهربراز: إنّ الّذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي، بكيدنا وشجاعتنا، وإنّ كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثمّ أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعًا، فنحن نقاتله معك، فقال: قد أصبتما، ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السّرّ بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل، فقتلا التّرجمان جميعًا بسكّينيهما، فأهلك اللّه كسرى، وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية، ففرح ومن معه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {الم (1) غلبت الرّوم} قال: غلبتهم فارس على أدنى الشّام {وهم من بعد غلبهم سيغلبون}، قال: لمّا أنزل اللّه هؤلاء الآيات عبد المسلمون ربّهم، وعلموا أنّ الرّوم سيظهرون على فارس، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص، وأجّلوا بينهم خمس سنين، فولي قمار المسلمين أبو بكرٍ، وولي قمار المشركين أبيّ بن خلفٍ، وذلك قبل أن ينهى عن القمار، فحلّ الأجل، ولم يظهر الرّوم على فارس، وسأل المشركون قمارهم، فذكر ذلك أصحاب النّبيّ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: لم يكونوا أحقّاء أن يؤجّلوا دون العشر؛ فإنّ البضع ما بين العشرة إلى العشر، وزايدوهم في القمار، ومادّوهم في الأجل، ففعلوا ذلك، فأظهر اللّه الرّوم على فارس عند رأس البضع سنين من قمارهم الأوّل، وكان ذلك مرجعه من الحديبية، ففرح المسلمون بصلحهم الّذي كان، وبظهور أهل الكتاب على المجوس، وكان ذلك ممّا شدّد اللّه به الإسلام، وهو قوله {ويومئذٍ يفرح المؤمنون. بنصر اللّه}.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، في قوله {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله {ويومئذٍ يفرح المؤمنون} قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر النّاس بمكّة أنّ الرّوم ستغلب. قال: فنزل القرآن بذلك، قال: وكان المسلمون يحبّون ظهور الرّوم على فارس، لأنّهم أهل الكتاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عامرٍ، عن عبد اللّه، قال: كانت فارس ظاهرةٌ على الرّوم، وكان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الرّوم، وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الرّوم على فارسٍ، لأنّهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم: فلمّا نزلت {الم (1) غلبت الرّوم} إلى {في بضع سنين} قالوا: يا أبا بكرٍ: إنّ صاحبك يقول: إنّ الرّوم تظهر على فارس في بضع سنين، قال: صدق، قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فبايعوه على أربع قلائصٍ، إلى سبع سنين، فمضت السّبع، ولم يكن شيءٌ، ففرح المشركون بذلك، وشقّ على المسلمين، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فقال: ما بضع سنين عندكم؟ قالوا: دون العشر، قال: اذهب فزايدهم وازدد سنتين قال: فما مضت السّنتان، حتّى جاءت الرّكبان بظهور الرّوم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، وأنزل اللّه: {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله: {وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، وفطرٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه قال: مضت الرّوم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} قال: أدنى الأرض: الشّام {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} قال: كانت فارس قد غلبت الرّوم، ثمّ أديل الرّوم على فارس، وذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ الرّوم ستغلب فارس، فقال المشركون: هذا ممّا يتخرّص محمّدٌ، فقال أبو بكرٍ: تناحبونني؟ والمناحبة: المجاعلة، قالوا: نعم، فناحبهم أبو بكرٍ، فجعل السّنين أربعًا أو خمسًا، ثمّ جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ البضع فيما بين الثّلاثة إلى التّسع، فارجع إلى القوم، فزد في المناحبة، فرجع إليهم. قالوا: فناحبهم وزاد. قال: فغلبت الرّوم فارس، فذلك قول اللّه: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون. بنصر اللّه ينصر من يشاء}: يوم أديلت الرّوم على فارس.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {الم (1) غلبت الرّوم} قال: غلبت وغلبت.
وأمّا الّذين قرؤوا ذلك: {غلبت الرّوم} بفتح الغين، فإنّهم قالوا: نزلت هذه الآية خبرًا من اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن غلبة الرّوم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان يعني الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم ظهر الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت (الم (1) غلبت الرّوم) على فارس.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ غلبت الرّوم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، فأنزل اللّه (الم (1) غلبت الرّوم) إلى آخر الآية.
- حدّثنا يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، لأنّهم أهل كتابٍ، فأنزل اللّه {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} قال: كانوا قد غلبوا قبل ذلك، ثمّ قرأ حتّى بلغ {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}.
وقوله: {في أدنى الأرض} قد ذكرت قول بعضهم فيما تقدّم قبل، وأذكر قول من لم يذكر قوله.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {في أدنى الأرض} يقول: في طرف الشّام.
ومعنى قوله: {أدنى} أقرب، وهو أفعل من الدّنوّ، والقرب. وإنّما معناه: في أدنى الأرض من فارس، فترك ذكر فارس استغناءً بدلالة ما ظهر من قوله: {في أدنى الأرض} عليه منه.
وقوله: {وهم من بعد غلبهم} يقول: والرّوم من بعد غلبة فارس إيّاهم سيغلبون فارس.
وقوله: {من بعد غلبهم} مصدرٌ من قول القائل: غلبته غلبةً، فحذفت الهاء من الغلبة، وقيل: من بعد غلبهم، ولم يقل: من بعد غلبتهم للإضافة، كما حذفت من قوله: {وإقام الصّلاة} للإضافة. وإنّما الكلام: وإقامة الصّلاة.
وأمّا قوله: {سيغلبون} فإنّ القرّاء أجمعين على فتح الياء فيها، والواجب على قراءة من قرأ: (الم غلبت الرّوم) بفتح الغين، أن يقرأ قوله: (سيغلبون) بضمّ الياء، فيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون، حتّى يصحّ معنى الكلام، وإلاّ لم يكن للكلام كبير معنًى إن فتحت الياء، لأنّ الخبر عمّا قد كان يصير إلى الخبر عن أنّه سيكون، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر). [جامع البيان: 18/447-460]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {الم (1) غلبت الروم} قال ذكر غلبة فارس الروم وإدالة الروم على فارس وفرح المؤمنين بنصر الله أهل الكتاب على أهل الأوثان قال والبضع ما بين الثلاث إلى العشر). [تفسير مجاهد: 499]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن الخليل الأصبهانيّ أبو عبد اللّه، ثنا موسى بن إسحاق القاضي، حدّثني أبي، ثنا معن بن عيسى، ثنا معاوية بن أبي صالحٍ، عن مرثد بن سميٍّ الخولانيّ، قال: سمعت أبا الدّرداء رضي اللّه عنه، يقول: " سيجيء قومٌ يقرءون: {الم (1) غلبت الرّوم} [الروم: 2] ، وإنّما هي غلبت «صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/444]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا الحسين بن الفضل البجليّ، ثنا معاوية بن عمرو بن المهلّب الأزديّ، ثنا أبو إسحاق الفزاريّ، عن سفيان الثّوريّ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: كان المسلمون يحبّون أن تظهر الرّوم على فارس لأنّهم أهل الكتاب، وكان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الرّوم لأنّهم أهل أوثانٍ فذكر ذلك المسلمون لأبي بكرٍ رضي اللّه عنه، فذكر ذلك أبو بكرٍ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّهم سيهزمون» فذكر أبو بكرٍ لهم ذلك فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلًا، فإن ظهروا كان لك كذا وكذا، وإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، فجعل بينهم أجل خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكرٍ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألا جعلته، أراه» قال: دون العشرة. قال: فظهرت الرّوم بعد ذلك، فذلك قوله تعالى {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} [الروم: 2] قال: فغلبت الرّوم، ثمّ غلبت بعد للّه الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه " قال سفيان: وسمعت أنّهم ظهروا يوم بدرٍ «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/445]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: قال: لما كان يوم بدرٍ ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون} [الروم: 1- 4] قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس. أخرجه الترمذي.
وقال: هكذا قال نصر بن عليٍّ: {غلبت}.
[شرح الغريب]
(بضع) البضع: ما بين الثلاث إلى التسع من العدد). [جامع الأصول: 2/298-299] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: في قوله تعالى {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} قال: غلبت وغلبت، قال: كان المشركون يحبّون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإيّاهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتابٍ، فذكروه لأبي بكرٍ، فذكره أبو بكرٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إنهم سيغلبون، فذكره أبو بكرٍ لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا جعلته إلى دون العشر؟ - قال سعيد بن جبير: والبضع، ما دون العشر - قال: ثم ظهرت الروم بعد فذلك قوله: {الم (1) غلبت الرّوم - إلى قوله - ويومئذ يفرح المؤمنون (3) بنصر الله} قال سفيان: سمعت أنّهم ظهروا عليهم يوم بدرٍ.
وفي رواية: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرٍ في مناحبةٍ {الم (1) غلبت الرّوم}: ألاّ أخفضت يا أبا بكرٍ؟ فإنّ البضع، ما بين ثلاث إلى تسعٍ. أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(الأوثان) الأصنام.
(مناحبة) المناحبة: المراهنة). [جامع الأصول: 2/300-301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون
أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الم (1) غلبت الروم} قال: غلبت، وغلبت قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أصحاب كتاب فذكروه لأبي بكر رضي الله عنه فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنهم سيغلبون فذكره أبو بكر رضي الله عنه لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا فان ظهرنا كان لنا كذا وكذا وان ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل بينهم أجلا خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إلا جعلته أراه قال: دون العشر فظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله {الم (1) غلبت الروم} فغلبت ثم غلبت بعد، يقول الله {لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} قال سفيان: سمعت أنهم قد ظهروا عليهم يوم بدر). [الدر المنثور: 11/573]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان فارس ظاهرين على الروم وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم، فلما نزلت {الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} قالوا: يا أبا بكر إن صاحبك يقول إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين، قال: صدق قالوا: هل لك إلى أن نقامرك فبايعوه على أربعة قلائص إلى سبع سنين فمضى السبع سنين ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك وشق على المسلمين، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما بضع سنين قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ففرح المؤمنون بذلك وأنزل الله {الم (1) غلبت الروم} إلى قوله {وعد الله لا يخلف الله وعده} ). [الدر المنثور: 11/574]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما أنزلت {الم (1) غلبت الروم} قال المشركون لأبي بكر رضي الله عنه: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك، يزعم أن الروم تغلب فارس قال: صدق صاحبي، قالوا: هل لك أن نخاطرك فجعل بينه وبينهم أجلا فحل الأجل قبل أن يبلغ الروم فارس فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فساءه وكرهه وقال لأبي بكر ما دعاك إلى هذا قال: تصديقا لله ورسوله فقال: تعرض لهم وأعظم الخطر واجعله إلى بضع سنين، فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: هل لكم في العود فان العود أحمد قالوا: نعم، ثم لم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر أبو بكر فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا السحت تصدق به). [الدر المنثور: 11/574-575]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد قال: كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت {الم (1) غلبت الروم} قرأها بالنصب إلى قوله {يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس قال الترمذي: هكذا قرأ {غلبت} ). [الدر المنثور: 11/578]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله {الم (1) غلبت الروم} قال: قد مضى، كان ذلك في أهل فارس والروم وكانت فارس قد غلبتهم ثم غلبت الروم بعد ذلك والتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشركي العرب ونصر أهل الكتاب على العجم، قال عطية: وسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك عن ذلك فقال: التقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي العرب والتقت الروم وفارس فنصرنا على مشركي العرب ونصر أهل الكتاب على المجوس ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين وفرحنا بنصر أهل الكتاب على المجوس فذلك قوله {ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} ). [الدر المنثور: 11/578-579]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة {الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض} قال: غلبتهم أهل فارس على أدنى أرضك الشام، {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} قال: لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم وعرفوا أن الروم ستظهر على أهل فارس فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص وأجلوا بينهم خمس سنين فولي قمار المسلمين أبو بكر وولي قمار المشركين أبي بن خلف - وذلك قبل أن ينهى عن القمار - فجاء الأجل ولم تظهر الروم على فارس فسأل المشركون قمارهم فذكر ذلك أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلا دون العشر فان البضع ما بين الثلاث إلى العشر فزايدوهم وما دوهم في الأجل فأظهر الله الروم على فارس عند رأس السبع من قمارهم الأول فكان ذلك مرجعهم من الحديبية وكان مما شد الله به الإسلام فهو قوله {ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} ). [الدر المنثور: 11/579-580]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن الزبير الكلابي قال: رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم وظهورهم على الشام والعراق، كل ذلك في خمس عشرة سنة.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سيجيء أقوام يقرأون: {غلبت الروم} وإنما هي {غلبت} ). [الدر المنثور: 11/580-581]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل رضي الله عنه عن قول الله {الم (1) غلبت الروم} أو {غلبت} فقال: اقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {الم (1) غلبت الروم} ). [الدر المنثور: 11/581]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الم (1) غلبت الروم} قال: غلبتهم فارس ثم غلبت الروم فارس، وفي قوله {في أدنى الأرض} قال: في طرف الأرض: الشام). [الدر المنثور: 11/581]

تفسير قوله تعالى: (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة وعن رجل عن الشعبي قالا لما نزلت وهم من بعد غلبهم سيغلبون فبلغنا أن المسلمين والمشركين حيث تخاطروا بينهم قبل أن ينزل تحريم القمار فضربوا بينهم أجلا فجاء ذلك الأجل ولم يكن ذلك قال فذكروا ذلك للنبي فقال لو ضربتم أجلا آخر فإن البضع يكون بين الثلاث إلى التسع والعشر فزادوهم في الخطر ومدوا لهم في الأجل قال فظهروا في تسع سنين ففرح المؤمنون يومئذ بالقمار الذي أصابوا من المشركين بنصر الله ينصر من يشاء وكانوا يحبون أن يظهر أهل الكتاب على المجوس وكان ذلك تشديدا للإسلام.
قال معمر وكان مجاهد وقتادة يقولان قد مضى). [تفسير عبد الرزاق: 2/101]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق أن ابن مسعود قال قد مضت آية الروم وقد مضى فسوف يكون لزاما واللزام القتل يوم بدر وقال وقد مضت البطشة الكبرى يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 2/101-102]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({في أدنى الأرض} من أرض الشّام إلى أرض فارس {وهم من بعد غلبهم} يقول: والرّوم من بعد غلبة فارس إيّاهم {سيغلبون} فارس). [جامع البيان: 18/447]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {ينصر} اللّه تعالى ذكره {من يشاء} من خلقه، على من يشاء، وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدرٍ، {وهو العزيز} يقول: والله الشّديد في انتقامه من أعدائه، لا يمنعه من ذلك مانعٌ، ولا يحول بينه وبينه حائلٌ، {الرّحيم} بمن تاب من خلقه، وراجع طاعته أن يعذّبه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن أسعد، أبو سعيدٍ الثّعلبيّ الّذي يقال له أبو سعيدٍ من أهل طرسوس، قال: حدّثنا أبو إسحاق الفزاريّ، عن سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان المسلمون يحبّون أن تغلب الرّوم أهل الكتاب، وكان المشركون يحبّون أن يغلب أهل فارسٍ، لأنّهم أهل الأوثان، قال: فذكروا ذلك لأبي بكرٍ، فذكره أبو بكرٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: وأما إنّهم سيهزمون، قال: فذكر ذلك أبو بكرٍ للمشركين، قال: فقالوا: أفنجعل بيننا وبينكم أجلاً، فإن غلبوا كان لك كذا وكذا، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا، قال: فجعلوا بينهم وبينه أجلاً خمس سنين، قال: فمضت فلم يغلبوا؛ قال: فذكر ذلك أبو بكرٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: وأفلا جعلته دون العشر. قال سعيدٌ: والبضع ما دون العشر، قال: فغلب الرّوم، ثمّ غلبت، قال: فذلك قوله: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} قال: البضع: ما دون العشر. {للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}. قال سفيان: فبلغني أنّهم غلبوا يوم بدرٍ.
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبان المصريّ، قال: حدّثنا موسى بن هارون البرديّ، قال: حدّثنا معن بن عيسى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن ابن شهابٍ، عن عبيد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت: {الم غلبت الرّوم في أدنى الأرض}، ناحب أبو بكرٍ قريشًا، ثمّ أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: إنّي قد ناحبتهم، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هلاّ احتطت، فإنّ البضع ما بين الثّلاثة إلى التّسع. قال الجمحيّ: المناحبة: المراهنة، وذلك قبل أن يكون تحريم ذلك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}، قال: قد مضى، كان ذلك في أهل فارس والرّوم، وكانت فارس قد غلبتهم، ثمّ غلبت الرّوم بعد ذلك، ولقي نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مشركي العرب، يوم التقت الرّوم وفارس، فنصر اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه من المسلمين على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم، ففرح المؤمنون بنصر اللّه إيّاهم، ونصر أهل الكتاب على العجم. قال عطيّة: فسألت أبا سعيدٍ الخدريّ عن ذلك، فقال: التقينا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومشركي العرب، والتقت الرّوم وفارس، فنصرنا اللّه على مشركي العرب، ونصر اللّه أهل الكتاب على المجوس، ففرحنا بنصر اللّه إيّانا على المشركين، وفرحنا بنصر اللّه أهل الكتاب على المجوس، فذلك قوله: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} غلبتهم فارس، ثمّ غلبت الرّوم.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال: قال عبد اللّه: خمسٌ قد مضين: الدّخان، واللّزام، والبطشة، والقمر، والرّوم.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: قد مضى {الم (1) غلبت الرّوم}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله: {أكثر النّاس لا يعلمون} قال: ذكر غلبة فارس إيّاهم، وإدالة الرّوم على فارس، وفرح المؤمنون بنصر الرّوم أهل الكتاب على فارس من أهل الأوثان.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثنّى حجّاجٌ، عن أبي بكر بن عبد اللّه، عن عكرمة، أنّ الرّوم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، قالوا: وأدنى الأرض يومئذٍ أذرعات، بها التقوا، فهزمت الرّوم قبل ذلك والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وهم بمكّة، فشقّ ذلك عليهم وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يكره أن يظهر الأمّيّون من المجوس على أهل الكتاب من الرّوم، ففرح الكفّار بمكّة وشمتوا، فلقوا أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: إنّكم أهل الكتاب، والنّصارى أهل كتابٍ، ونحن أمّيّون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنّكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم، فأنزل اللّه: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه} الأيات، فخرج أبو بكرٍ الصّدّيق إلى الكفّار، فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا، ولا يقرّنّ اللّه أعينكم، فواللّه ليظهرنّ الرّوم على فارس، أخبرنا بذلك نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، فقام إليه أبيّ بن خلفٍ فقال: كذبت يا أبا فضيلٍ، فقال له أبو بكرٍ: أنت أكذب يا عدوّ اللّه، فقال: أناحبك عشر قلائص منّي، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الرّوم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين، ثمّ جاء أبو بكرٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فقال: وما هكذا ذكرت، إنّما البضع ما بين الثّلاث إلى التّسع، فزايده في الخطر، ومادّه في الأجل، فخرج أبو بكرٍ فلقي أبيًّا، فقال: لعلّك ندمت، فقال: لا، فقال: أزايدك في الخطر، وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوصٍ لمائة قلوصٍ إلى تسع سنين، قال: قد فعلت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، قال: كانت في فارس امرأةٌ لا تلد إلاّ الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إنّي أريد أن أبعث إلى الرّوم جيشًا وأستعمل عليهم رجلاً من بنيك، فأشيري عليّ أيّهم أستعمل، فقالت: هذا فلانٌ، وهو أروغ من ثعلبٍ، وأحذر من صقر، وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنانٍ، وهذا شهربراز، وهو أحلم من كذا، فاستعمل أيّهم شئت، قال: إنّي قد استعملت الحليم، فاستعمل شهربراز، فسار إلى الرّوم بأهل فارس، وظهر عليهم، فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم. قال أبو بكرٍ: فحدّثت بهذا الحديث عطاءً الخراسانيّ، فقال: أما رأيت بلاد الشّام؟ قلت: لا، قال: أما إنّك لو رأيتها، لرأيت المدائن الّتي خربت، والزّيتون الّذي قطع، فأتيت الشّام بعد ذلك فرأيته.
- قال عطاءٌ الخراسانيّ: حدّثني يحيى بن يعمر: أنّ قيصر بعث رجلاً يدعى قطمة بجيشٍ من الرّوم، وبعث كسرى شهربراز، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشّام إليكم، فلقيت فارس الرّوم، فغلبتهم فارس، ففرح بذلك كفّار قريشٍ، وكرهه المسلمون، فأنزل اللّه: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض}، ثمّ ذكر مثل حديث عكرمة، وزاد: فلم يزل شهربراز يطؤهم، ويخرّب مدائنهم حتّى بلغ الخليج، ثمّ مات كسرى، فبلغهم موته، فانهزم شهربراز وأصحابه، وأديلت عليهم الرّوم عند ذلك، فأتبعوهم يقتلونهم، قال: وقال عكرمة في حديثه: لمّا ظهرت فارس على الرّوم جلس فرخان يشرب، فقال لأصحابه: لقد رأيت كأنّي جالسٌ على سرير كسرى، فبلغت كسرى، فكتب إلى شهربراز: إذا أتاك كتابي فابعث إليّ برأس فرخان، فكتب إليه: أيّها الملك، إنّك لن تجد مثل فرخان، إنّ له نكايةً وصوتًا في العدوّ، فلا تفعل. فكتب إليه: إنّ في رجال فارس خلفًا منه، فعجّل إليّ برأسه. فراجعه، فغضب كسرى؛ فلم يجبه، وبعث بريدًا إلى أهل فارس: إنّي قد نزعت عنكم شهربراز، واستعملت عليكم فرخان؛ ثمّ دفع إلى البريد صحيفةً صغيرةً: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه؛ فلمّا قرأ شهربراز الكتاب، قال: سمعًا وطاعةً، ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع الصّحيفة إليه، قال: ائتوني بشهربراز، فقدّمه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل حتّى أكتب وصيّتي، قال: نعم، فدعا بالعسفط، فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كلّ هذا راجعت فيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلني بكتابٍ واحدٍ، فردّ الملك، وكتب شهربراز إلى قيصر ملك الرّوم: إنّ لي إليك حاجةً لا يحملها البريد، ولا تبلغها الصّحف، فالقني، ولا تلقني إلاّ في خمسين روميًّا، فإنّي ألقاك في خمسين فارسيًّا؛ فأقبل قيصر في خمس مائة ألف روميٍّ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطّريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتّى أتاه عيونه أن ليس معه إلاّ خمسون رجلاً، ثمّ بسط لهما، والتقيا في قبّة ديباجٍ ضربت لهما، مع كلّ واحدٍ منهما سكّينٌ، فدعيا ترجمانًا بينهما، فقال شهربراز: إنّ الّذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي، بكيدنا وشجاعتنا، وإنّ كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثمّ أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعًا، فنحن نقاتله معك، فقال: قد أصبتما، ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السّرّ بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل، فقتلا التّرجمان جميعًا بسكّينيهما، فأهلك اللّه كسرى، وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية، ففرح ومن معه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {الم (1) غلبت الرّوم} قال: غلبتهم فارس على أدنى الشّام {وهم من بعد غلبهم سيغلبون}، قال: لمّا أنزل اللّه هؤلاء الآيات عبد المسلمون ربّهم، وعلموا أنّ الرّوم سيظهرون على فارس، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص، وأجّلوا بينهم خمس سنين، فولي قمار المسلمين أبو بكرٍ، وولي قمار المشركين أبيّ بن خلفٍ، وذلك قبل أن ينهى عن القمار، فحلّ الأجل، ولم يظهر الرّوم على فارس، وسأل المشركون قمارهم، فذكر ذلك أصحاب النّبيّ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: لم يكونوا أحقّاء أن يؤجّلوا دون العشر؛ فإنّ البضع ما بين العشرة إلى العشر، وزايدوهم في القمار، ومادّوهم في الأجل، ففعلوا ذلك، فأظهر اللّه الرّوم على فارس عند رأس البضع سنين من قمارهم الأوّل، وكان ذلك مرجعه من الحديبية، ففرح المسلمون بصلحهم الّذي كان، وبظهور أهل الكتاب على المجوس، وكان ذلك ممّا شدّد اللّه به الإسلام، وهو قوله {ويومئذٍ يفرح المؤمنون. بنصر اللّه}.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، في قوله {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون} قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر النّاس بمكّة أنّ الرّوم ستغلب. قال: فنزل القرآن بذلك، قال: وكان المسلمون يحبّون ظهور الرّوم على فارس، لأنّهم أهل الكتاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عامرٍ، عن عبد اللّه، قال: كانت فارس ظاهرةٌ على الرّوم، وكان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الرّوم، وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الرّوم على فارسٍ، لأنّهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم: فلمّا نزلت {الم (1) غلبت الرّوم} إلى {في بضع سنين} قالوا: يا أبا بكرٍ: إنّ صاحبك يقول: إنّ الرّوم تظهر على فارس في بضع سنين، قال: صدق، قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فبايعوه على أربع قلائصٍ، إلى سبع سنين، فمضت السّبع، ولم يكن شيءٌ، ففرح المشركون بذلك، وشقّ على المسلمين، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فقال: ما بضع سنين عندكم؟ قالوا: دون العشر، قال: اذهب فزايدهم وازدد سنتين قال: فما مضت السّنتان، حتّى جاءت الرّكبان بظهور الرّوم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، وأنزل اللّه: {الم (1) غلبت الرّوم} إلى قوله: {وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، وفطرٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه قال: مضت الرّوم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} قال: أدنى الأرض: الشّام {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} قال: كانت فارس قد غلبت الرّوم، ثمّ أديل الرّوم على فارس، وذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ الرّوم ستغلب فارس، فقال المشركون: هذا ممّا يتخرّص محمّدٌ، فقال أبو بكرٍ: تناحبونني؟ والمناحبة: المجاعلة، قالوا: نعم، فناحبهم أبو بكرٍ، فجعل السّنين أربعًا أو خمسًا، ثمّ جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ البضع فيما بين الثّلاثة إلى التّسع، فارجع إلى القوم، فزد في المناحبة، فرجع إليهم. قالوا: فناحبهم وزاد. قال: فغلبت الرّوم فارس، فذلك قول اللّه: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه ينصر من يشاء}: يوم أديلت الرّوم على فارس.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {الم (1) غلبت الرّوم} قال: غلبت وغلبت.
وأمّا الّذين قرؤوا ذلك: {غلبت الرّوم} بفتح الغين، فإنّهم قالوا: نزلت هذه الآية خبرًا من اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن غلبة الرّوم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان يعني الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم ظهر الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت (الم (1) غلبت الرّوم) على فارس.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ غلبت الرّوم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، فأنزل اللّه (الم (1) غلبت الرّوم) إلى آخر الآية.
- حدّثنا يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، لأنّهم أهل كتابٍ، فأنزل اللّه {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} قال: كانوا قد غلبوا قبل ذلك، ثمّ قرأ حتّى بلغ {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه}.
وقوله: {في أدنى الأرض} قد ذكرت قول بعضهم فيما تقدّم قبل، وأذكر قول من لم يذكر قوله.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {في أدنى الأرض} يقول: في طرف الشّام.
ومعنى قوله: {أدنى} أقرب، وهو أفعل من الدّنوّ، والقرب. وإنّما معناه: في أدنى الأرض من فارس، فترك ذكر فارس استغناءً بدلالة ما ظهر من قوله: {في أدنى الأرض} عليه منه.
وقوله: {وهم من بعد غلبهم} يقول: والرّوم من بعد غلبة فارس إيّاهم سيغلبون فارس.
وقوله: {من بعد غلبهم} مصدرٌ من قول القائل: غلبته غلبةً، فحذفت الهاء من الغلبة، وقيل: من بعد غلبهم، ولم يقل: من بعد غلبتهم للإضافة، كما حذفت من قوله: {وإقام الصّلاة} للإضافة. وإنّما الكلام: وإقامة الصّلاة.
وأمّا قوله: {سيغلبون} فإنّ القرّاء أجمعين على فتح الياء فيها، والواجب على قراءة من قرأ: (الم غلبت الرّوم) بفتح الغين، أن يقرأ قوله: (سيغلبون) بضمّ الياء، فيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون، حتّى يصحّ معنى الكلام، وإلاّ لم يكن للكلام كبير معنًى إن فتحت الياء، لأنّ الخبر عمّا قد كان يصير إلى الخبر عن أنّه سيكون، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر). [جامع البيان: 18/447-460] (م)
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، ثنا المؤمّل - هو ابن إسماعيل -، ثنا إسرائيل، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} الآية، لقي ناسٌ أبا بكرٍ رضي الله عنه فقالوا: ألا ترى إلى صاحبك يزعم أنّ الرّوم ستغلب فارس، قال رضي الله عنه: [صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: فهل نبايعك على ذلك؟ قال: نعم، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه]: فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما أردت إلى هذا؟ فقال: يا رسول اللّه ما فعلته إلّا تصديقًا للّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال: فتعرّض لهم، وأعظم لهم الخطر، واجعله إلى بضع سنين، فإنّه إن تمضي السّنون حتّى تظهر الرّوم على فارس. قال: فمرّ بهم أبو بكرٍ رضي الله عنه، قال: فهل لكم في العود؟ فإنّ العود أحمد. قالوا: نعم. فبايعوه، وأعظموا الخطر.
فلم تمض السّنون حتّى ظهرت الرّوم على فارس، فأخذ رضي الله عنه الخطر وأتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " هذا للنّجائب "). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/104-105] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الم (1) غلبت الروم} قال: غلبتهم فارس ثم غلبت الروم فارس، وفي قوله {في أدنى الأرض} قال: في طرف الأرض: الشام). [الدر المنثور: 11/581] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض قال: وأدنى الأرض يومئذ أذرعات، بها التقوا فهزمت الروم فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة فشق ذلك عليهم وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم وفرح الكفار بمكة وشمتوا فلقوا أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنكم أهل الكتاب وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله {الم (1) غلبت الروم}.
فخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى الكفار فقال: فرحتم بظهور اخوانكم على اخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن الله عينكم فوالله لتظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقام إليه أبي بن خلف فقال: كذبت، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أنت أكذب يا عدو الله، قال: انا أحبك عشر قلائص مني وعشر فلائص منك فان ظهرت الروم على فارس غرمت وان ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين فجاء أبو بكر رضي الله عنه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ما هكذا ذكرت انما البضع من الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الأجل فخرج أبو بكر رضي الله عنه فلقي أبيا فقال: لعلك ندمت قال: لا، قال: تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الاجل فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال: قد فعلت). [الدر المنثور: 11/582-583]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سليط قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ {الم (1) غلبت الروم} قيل له: يا أبا عبد الرحمن على أي شيء غلبوا قال: على ريف الشام). [الدر المنثور: 11/583]

تفسير قوله تعالى: (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة وعن رجل عن الشعبي قالا لما نزلت وهم من بعد غلبهم سيغلبون فبلغنا أن المسلمين والمشركين حيث تخاطروا بينهم قبل أن ينزل تحريم القمار فضربوا بينهم أجلا فجاء ذلك الأجل ولم يكن ذلك قال فذكروا ذلك للنبي فقال لو ضربتم أجلا آخر فإن البضع يكون بين الثلاث إلى التسع والعشر فزادوهم في الخطر ومدوا لهم في الأجل قال فظهروا في تسع سنين ففرح المؤمنون يومئذ بالقمار الذي أصابوا من المشركين بنصر الله ينصر من يشاء وكانوا يحبون أن يظهر أهل الكتاب على المجوس وكان ذلك تشديدا للإسلام). [تفسير عبد الرزاق: 2/101] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو موسى محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن خالدٍ ابن عثمة، قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن الجمحيّ، قال: حدّثنا ابن شهابٍ الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأبي بكرٍ في مناحبة {الم (1) غلبت الرّوم} ألا احتطت يا أبا بكرٍ، فإنّ البضع ما بين الثّلاث إلى تسعٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديث الزّهريّ، عن عبيد الله، عن ابن عبّاسٍ). [سنن الترمذي: 5/195]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ ظهرت الرّوم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت: {الم غلبت الرّوم}، إلى قوله: {يفرح المؤمنون بنصر اللّه} قال: ففرح المؤمنون بظهور الرّوم على فارس.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه، كذا قرأ نصر بن عليٍّ {غلبت الرّوم} ). [سنن الترمذي: 5/196] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ قال: حدّثني ابن أبي الزّناد، عن أبي الزّناد، عن عروة بن الزّبير، عن نيار بن مكرمٍ الأسلميّ، قال: لمّا نزلت {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للرّوم، وكان المسلمون يحبّون ظهور الرّوم عليهم لأنّهم وإيّاهم أهل كتابٍ، وفي ذلك قول الله تعالى: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم} فكانت قريشٌ تحبّ ظهور فارس لأنّهم وإيّاهم ليسوا بأهل كتابٍ ولا إيمانٍ ببعثٍ، فلمّا أنزل اللّه تعالى هذه الآية، خرج أبو بكرٍ الصّدّيق يصيح في نواحي مكّة {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} قال ناسٌ من قريشٍ لأبي بكرٍ: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أنّ الرّوم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك، قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرّهان، فارتهن أبو بكرٍ والمشركون وتواضعوا الرّهان، وقالوا لأبي بكرٍ: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسمّ بيننا وبينك وسطًا تنتهي إليه، قال: فسمّوا بينهم ستّ سنين، قال: فمضت السّتّ سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكرٍ، فلمّا دخلت السّنة السّابعة ظهرت الرّوم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكرٍ تسمية ستّ سنين، لأنّ اللّه تعالى قال في بضع سنين، قال: وأسلم عند ذلك ناسٌ كثيرٌ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديث نيار بن مكرمٍ، لا نعرفه إلاّ من حديث عبد الرّحمن بن أبي الزّناد). [سنن الترمذي: 5/197-198]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {في بضع سنين للّه الأمر من قبل} غلبتهم فارس {ومن بعد} غلبتهم إيّاها، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من شاء منهم على من أحبّ إظهاره عليه {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه} يقول: ويوم يغلب الرّوم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إيّاهم على المشركين، ونصرة الرّوم على فارس). [جامع البيان: 18/447]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {في بضع سنين} قد ذكرنا اختلاف أهل التّأويل في معنى (البضع) فيما مضى، وأتينا على الصّحيح من أقوالهم، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- وقد حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا خلاّد بن أسلم الصّفّار، عن عبد اللّه بن عيسى، عن عبد الرّحمن بن الحارث، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قلت له: ما البضع؟ قال: زعم أهل الكتاب أنّه تسعٌ أو سبعٌ.
وأمّا قوله: {للّه الأمر من قبل ومن بعد} فإنّ القاسم:
- حدّثنا قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {للّه الأمر} دولة فارس على الرّوم ومن بعد دولة الرّوم على فارس). [جامع البيان: 18/460]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا قوله: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه ينصر من يشاء} فقد ذكرنا الرّواية في تأويله قبل، وبيّنا معناه). [جامع البيان: 18/460]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: قال: لما كان يوم بدرٍ ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون} [الروم: 1- 4] قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس. أخرجه الترمذي.
وقال: هكذا قال نصر بن عليٍّ: {غلبت}.
[شرح الغريب]
(بضع) البضع: ما بين الثلاث إلى التسع من العدد). [جامع الأصول: 2/298-299] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) نيار بن مكرم الأسلمي - رضي الله عنه -: قال: لما نزلت {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبّون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإيّاهم أهل كتابٍ، وفي ذلك قول الله: {ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم} [الروم: 4 -5] وكانت قريشٌ تحبّ ظهور فارس، لأنهم وإيّاهم ليسوا بأهل كتابٍ، ولا إيمانٍ ببعثٍ، فلما أنزل الله هذه الآية، خرج أبو بكرٍ الصّدّيق يصيح في نواحي مكة: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} قال ناسٌ من قريشٍ لأبي بكرٍ: فذلك بيننا وبينك، زعم صاحبك أنّ الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى، - وذلك قبل تحريم الرّهان - فارتهن أبو بكرٍ والمشركون، وتواضعوا الرّهان، وقالوا لأبي بكرٍ، كم تجعل البضع: ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسمّ بيننا وبينك وسطاً ننتهي إليه، قال: فسمّوا بينهم ستّ سنين، قال: فمضت السّتّ سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكرٍ، فلما دخلت السّنة السابعة، ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكرٍ تسمية ستّ سنين، قال: لأنّ الله قال: {في بضع سنين} قال: وأسلم عند ذلك ناسٌ كثير. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/299-300]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: في قوله تعالى {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} قال: غلبت وغلبت، قال: كان المشركون يحبّون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإيّاهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتابٍ، فذكروه لأبي بكرٍ، فذكره أبو بكرٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إنهم سيغلبون، فذكره أبو بكرٍ لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا جعلته إلى دون العشر؟ - قال سعيد بن جبير: والبضع، ما دون العشر - قال: ثم ظهرت الروم بعد فذلك قوله: {الم (1) غلبت الرّوم - إلى قوله - ويومئذ يفرح المؤمنون (3) بنصر الله} قال سفيان: سمعت أنّهم ظهروا عليهم يوم بدرٍ.
وفي رواية: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرٍ في مناحبةٍ {الم (1) غلبت الرّوم}: ألاّ أخفضت يا أبا بكرٍ؟ فإنّ البضع، ما بين ثلاث إلى تسعٍ. أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(الأوثان) الأصنام.
(مناحبة) المناحبة: المراهنة). [جامع الأصول: 2/300-301] (م)
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {في بضع سنين} [الروم: 4].
- عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " البضع ما بين السّبع إلى العشرة ". قلت: له عند التّرمذيّ " البضع ما دون العشرة ".
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه عبد اللّه بن عبد العزيز اللّيثيّ قال سعيد بن منصورٍ: كان مالكٌ يرضاه وكان ثقةً. قلت: وقد ضعّفه الجمهور.
- وعن نيار بن مكرمٍ قال: قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " «البضع ما بين الثّلاث إلى التّسع» ". قلت: له عند التّرمذيّ حديثٌ غير هذا.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه إبراهيم بن عبد اللّه بن خالدٍ المصّيصيّ وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 7/89]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو يعلى الموصليّ: ثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، ثنا المؤمّل، ثنا إسرائيل، ثنا أبو إسحاق، عن البراء- رضي اللّه عنه- قال: "لمّا نزلت: (الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) قال: لقي ناسٌ أبا بكرٍ- رضي اللّه عنه- فقالوا: ألا ترى إلى صاحبك يزعم أنّ الرّوم ستغلب فارس. قال: صدق. قال: فهل نبايعك على ذلك؟ قال: نعم. قال أبو بكرٍ: فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما أردت إلى هذا. فقال: يا رسول اللّه، ما فعلته إلّا تصديقًا للّه ورسوله. قال: فتعرّض لهم وأعظم لهم الخطر واجعله إلى بضع سنين؟ فإنّه لن تمضي السّنون حتّى تظهر الرّوم على فارس. قال: فمرّ بهم أبو بكرٍ فقال: هل لكم في العود" فإنّ العود أحمد؟ قالوا. نعم. فبايعوه وأعظموا الخطر، فلم تمض السّنون حتّى ظهرت الرّوم على فارس، فأخذ الخطر وأتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: هذا النجائب".
قلت: له شاهدٌ من حديث نيّار بن مكرّمٍ، رواه التّرمذيّ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/252]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، ثنا المؤمّل - هو ابن إسماعيل -، ثنا إسرائيل، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض} الآية، لقي ناسٌ أبا بكرٍ رضي الله عنه فقالوا: ألا ترى إلى صاحبك يزعم أنّ الرّوم ستغلب فارس، قال رضي الله عنه: [صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: فهل نبايعك على ذلك؟ قال: نعم، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه]: فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما أردت إلى هذا؟ فقال: يا رسول اللّه ما فعلته إلّا تصديقًا للّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال: فتعرّض لهم، وأعظم لهم الخطر، واجعله إلى بضع سنين، فإنّه إن تمضي السّنون حتّى تظهر الرّوم على فارس. قال: فمرّ بهم أبو بكرٍ رضي الله عنه، قال: فهل لكم في العود؟ فإنّ العود أحمد. قالوا: نعم. فبايعوه، وأعظموا الخطر.
فلم تمض السّنون حتّى ظهرت الرّوم على فارس، فأخذ رضي الله عنه الخطر وأتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " هذا للنّجائب "). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/104-105]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون
أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الم (1) غلبت الروم} قال: غلبت، وغلبت قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أصحاب كتاب فذكروه لأبي بكر رضي الله عنه فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنهم سيغلبون فذكره أبو بكر رضي الله عنه لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا فان ظهرنا كان لنا كذا وكذا وان ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل بينهم أجلا خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إلا جعلته أراه قال: دون العشر فظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله {الم (1) غلبت الروم} فغلبت ثم غلبت بعد، يقول الله {لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} قال سفيان: سمعت أنهم قد ظهروا عليهم يوم بدر). [الدر المنثور: 11/573] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان فارس ظاهرين على الروم وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم، فلما نزلت {الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} قالوا: يا أبا بكر إن صاحبك يقول إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين، قال: صدق قالوا: هل لك إلى أن نقامرك فبايعوه على أربعة قلائص إلى سبع سنين فمضى السبع سنين ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك وشق على المسلمين، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما بضع سنين قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ففرح المؤمنون بذلك وأنزل الله {الم (1) غلبت الروم} إلى قوله {وعد الله لا يخلف الله وعده} ). [الدر المنثور: 11/574] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما أنزلت {الم (1) غلبت الروم} قال المشركون لأبي بكر رضي الله عنه: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك، يزعم أن الروم تغلب فارس قال: صدق صاحبي، قالوا: هل لك أن نخاطرك فجعل بينه وبينهم أجلا فحل الأجل قبل أن يبلغ الروم فارس فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فساءه وكرهه وقال لأبي بكر ما دعاك إلى هذا قال: تصديقا لله ورسوله فقال: تعرض لهم وأعظم الخطر واجعله إلى بضع سنين، فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: هل لكم في العود فان العود أحمد قالوا: نعم، ثم لم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر أبو بكر فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا السحت تصدق به). [الدر المنثور: 11/574-575] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وصححه والدار قطني في الأفراد والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإيمان عن يسار بن مكرم السلمي قال: لما نزلت {الم (1) غلبت الروم}، كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين الروم وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهما وإياهم أهل كتاب وفي ذلك يقول الله {ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا أهل كتاب ولا إيمان ببعث فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة {الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} فقال ناس من قريش لأبي بكر: ذاك بيننا وبينكم يزعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذاك قال: بلى - وذلك قبل تحريم الرهان - فارتهن أبو بكر رضي الله عنه المشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: لم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه قال: فسموا بينهم ست سنين فمضت الست قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر رضي الله عنه فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر رضي الله عنه بتسميته ست سنين قال: لأن الله قال {في بضع سنين} فأسلم عند ذلك ناس كثير). [الدر المنثور: 11/575-576]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه: لما نزلت {الم (1) غلبت الروم} ألا يغالب البضع دون العشر). [الدر المنثور: 11/577]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن أبي حاتم وة والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة يقولون: الروم أهل كتاب وقد غلبتهم الفرس وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم وسنغلبكم كما غلبت فارس الروم فأنزل الله {الم (1) غلبت الروم} قال ابن شهابك فاخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: انه لما نزلت هاتان الآيتان فأمر أبو بكر بعض المشركين - قبل أن يحرم القمار - على شيء إن لم تغلب الروم فارس في بضع سنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم فعلت فكل ما دون العشر بضع فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب). [الدر المنثور: 11/577-578]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد قال: كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت {الم (1) غلبت الروم} قرأها بالنصب إلى قوله {يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس قال الترمذي: هكذا قرأ {غلبت} ). [الدر المنثور: 11/578] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة {الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض} قال: غلبتهم أهل فارس على أدنى أرضك الشام، {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} قال: لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم وعرفوا أن الروم ستظهر على أهل فارس فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص وأجلوا بينهم خمس سنين فولي قمار المسلمين أبو بكر وولي قمار المشركين أبي بن خلف - وذلك قبل أن ينهى عن القمار - فجاء الأجل ولم تظهر الروم على فارس فسأل المشركون قمارهم فذكر ذلك أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلا دون العشر فان البضع ما بين الثلاث إلى العشر فزايدوهم وما دوهم في الأجل فأظهر الله الروم على فارس عند رأس السبع من قمارهم الأول فكان ذلك مرجعهم من الحديبية وكان مما شد الله به الإسلام فهو قوله {ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} ). [الدر المنثور: 11/579-580] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البضع ما بين السبع إلى العشرة). [الدر المنثور: 11/581]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن نيار بن مكرم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البضع: ما بين الثلاث إلى التسع). [الدر المنثور: 11/581]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق إبراهيم بن سعد عن أبي الحويرث رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {بضع سنين} ما بين خمس إلى سبع). [الدر المنثور: 11/581-582]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال البضع سبع سنين). [الدر المنثور: 11/582]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {الم (1) غلبت الروم} إلى قوله {أكثر الناس لا يعلمون} قال: ذكر غلبة فارس إياهم وإدالة الروم على فارس وفرح المؤمنون بنصر الله أهل الكتاب على فارس من أهل الأوثان). [الدر المنثور: 11/582]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {لله الأمر من قبل} دولة فارس على الروم {ومن بعد} دولة الروم على فارس). [الدر المنثور: 11/583-584]

تفسير قوله تعالى: (بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {في بضع سنين للّه الأمر من قبل} غلبتهم فارس {ومن بعد} غلبتهم إيّاها، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من شاء منهم على من أحبّ إظهاره عليه {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه} يقول: ويوم يغلب الرّوم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إيّاهم على المشركين، ونصرة الرّوم على فارس). [جامع البيان: 18/447] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا قوله: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه ينصر من يشاء} فقد ذكرنا الرّواية في تأويله قبل، وبيّنا معناه). [جامع البيان: 18/460] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله {الم (1) غلبت الروم} قال: قد مضى، كان ذلك في أهل فارس والروم وكانت فارس قد غلبتهم ثم غلبت الروم بعد ذلك والتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشركي العرب ونصر أهل الكتاب على العجم، قال عطية: وسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك عن ذلك فقال: التقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي العرب والتقت الروم وفارس فنصرنا على مشركي العرب ونصر أهل الكتاب على المجوس ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين وفرحنا بنصر أهل الكتاب على المجوس فذلك قوله {ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله} ). [الدر المنثور: 11/578-579] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: {وعد اللّه} جلّ ثناؤه، وعد أنّ الرّوم ستغلب فارس من بعد غلبة فارس لهم. ونصب {وعد اللّه} على المصدر من قوله {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} لأنّ ذلك وعدٌ من اللّه لهم أنّهم سيغلبون، فكأنّه قال: وعد اللّه ذلك المؤمنين وعدًا. {لا يخلف اللّه وعده} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه يفي بوعده للمؤمنين أنّ الرّوم سيغلبون فارس، لا يخلّفهم وعده ذلك، لأنّه ليس في مواعيده خلفٌ {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} يقول: ولكنّ أكثر قريشٍ الّذين يكذبون بأنّ اللّه منجز وعده المؤمنين، من أنّ الرّوم تغلب فارس، لا يعلمون أنّ ذلك كذلك، وأنّه لا يجوز أن يكون في وعد اللّه إخلافٌ). [جامع البيان: 18/460]

تفسير قوله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال يعلمون تجارتها وحرفتها وبيعها وهم عن الآخرة هم غافلون). [تفسير عبد الرزاق: 2/102]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا أو هم عن الآخرة هم غافلون) قال: اليهود والنّصارى والمشركون يعلمون ما يرفق بهم وينفعهم في معايشهم في الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون [الآية: 7].
سفيان [الثوري] عن أبيه عن عكرمة مثله). [تفسير الثوري: 237]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}.
يقول تعالى ذكره: يعلم هؤلاء المكذّبون بحقيقة خبر اللّه أنّ الرّوم ستغلب فارس {ظاهرًا} من أمر حياتهم الدّنيا، وتدبير معايشهم فيها، وما يصلحهم، وهم عن أمر آخرتهم، وما لهم فيه النّجاة من عقاب اللّه هنالك غافلون، لا يفكّرون فيه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك: قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة يحيى بن واضحٍ الأنصاريّ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، قال: حدّثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} يعني معايشهم؛ متى يحصدون، ومتى يغرسون.
- حدّثني أحمد بن الوليد الرّمليّ، قال حدّثنا: عمرو بن عثمان بن عمر، عن عاصم بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا ابن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: متى يزرعون، متى يغرسون.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثني شرقيّ، عن عكرمة، في قوله {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: هو السّراج أو نحوه.
- حدّثنا أبو هريرة محمّد بن فراسٍ الضّبعيّ، قال: حدّثنا أبو قتيبة، قال: حدّثنا شعبة، عن شرقيٍّ، عن عكرمة، في قوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: السّرّاجون.
- حدّثنا أحمد بن الوليد الرّمليّ، قال: حدّثنا سليمان بن حربٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن شرقيٍّ، عن عكرمة، في قوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: الخرّازون، والسّرّاجون.
- حدّثنا بشر بن آدم، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: معايشهم وما يصلحهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم مثله.
- حدّثني بشر بن آدم، قال: حدّثنا الضّحّاك بن مخلدٍ، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، وعن منصورٍ، عن إبراهيم، {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: معايشهم.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} يعني الكفّار، يعرفون عمران الدّنيا، وهم في أمر الدّين جهّالٌ.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: معايشهم، وما يصلحهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا}: من حرفتها وتصرّفها وبغيتها، {وهم عن الآخرة هم غافلون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الحسن، قال: يعلمون متى زرعهم، ومتى حصادهم.
- قال: حدّثنا حفص بن راشدٍ الهلاليّ، عن شعبة، عن شرقيٍّ، عن عكرمة {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قال: السّرّاج ونحوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: صرفها في معيشتها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون}.
وقال آخرون في ذلك ما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قوله {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} قالا: تسترق الشّياطين السّمع، فيسمعون الكلمة الّتي قد نزلت، ينبغي لها أن تكون في الأرض، قال: ويرمون بالشّهب، فلا ينجو أن يحترق، أو يصيبه شرّ منه، قال: فيسقط فلا يعود أبدًا؛ قال: ويرمي بذلك الّذي سمع إلى أوليائه من الإنس، قال: فيحملون عليه ألف كذبةٍ، قال: فما رأيت النّاس يقولون: يكون كذا وكذا، قال. فيجيء الصّحيح منه كما يقولون، الّذي سمعوه في السّماء، وبقيّته من الكذب الّذي يخوضون فيه). [جامع البيان: 18/460-463]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون * أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون * أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون * الله يبدؤ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون * ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا} يعني معايشهم، متى يغرسون ومتى يزرعون ومتى يحصدون). [الدر المنثور: 11/584]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا} يعرفون عمران الدنيا، وهم في امر الآخرة جهال). [الدر المنثور: 11/584]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا} قال: يعلمون تجارتها وحرفتها وبيعها). [الدر المنثور: 11/584]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا} قال: معايشهم وما يصلحهم). [الدر المنثور: 11/584]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال: ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنة وما يحسن يصلي). [الدر المنثور: 11/585]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 جمادى الأولى 1434هـ/28-03-2013م, 01:49 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الم} قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/643]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقوله: {غلبت الرّوم} [الروم: 2] غلبتهم فارس). [تفسير القرآن العظيم: 2/643]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({في أدنى الأرض} [الروم: 3] قال السّدّيّ: يعني: أرض الأردنّ وفلسطين.
وقال يحيى: {أدنى الأرض} [الروم: 3] أرض الرّوم بأذرعاتٍ من الشّام، بها كانت الوقعة فلمّا بلغ ذلك أهل مكّة شمتوا أن غلب إخوانهم على أهل الكتاب، وكان المسلمون يعجبهم أن تظهر الرّوم على فارس لأنّ الرّوم أهل كتابٍ، وكان مشركو العرب يعجبهم أن تظهر المجوس على أهل الكتاب.
قال اللّه تبارك وتعالى: {وهم من بعد غلبهم} [الروم: 3]، يعني: الرّوم من بعد ما غلبتهم فارس.
[تفسير القرآن العظيم: 2/643]
{سيغلبون} [الروم: 3] فارس). [تفسير القرآن العظيم: 2/644]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({في بضع سنين للّه الأمر من قبل} [الروم: 4] أن تهزم الرّوم.
{ومن بعد} [الروم: 4] ما هزمت.
{ويومئذٍ} يوم تغلب الرّوم فارس.
{يفرح المؤمنون {4} بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم {5}} [الروم: 4-5] قال أبو بكرٍ للمشركين: لم تشمتون، فواللّه لتظهرنّ الرّوم على فارس إلى ثلاث سنين، فقال أبيّ بن خلفٍ: أنا أبايعك ألا تظهر الرّوم على فارس إلى ثلاث سنين، فتبايعا على خطارٍ: سبعٍ من الإبل، ثمّ رجع أبو بكرٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم: اذهب فبايعهم إلى سبع سنين، مدّ في الأجل، وزد في الخطار، ولم يكن حرّم ذلك يومئذٍ، وإنّما حرّم القمار، وهو الميسر، والخمر بعد غزوة الأحزاب، فرجع أبو بكرٍ إليهم، فقال: اجعلوا الوقت إلى سبع سنين وأزيدكم في الخطار، ففعلوا فزادوا في الخطار ثلاثًا فصارت عشرًا من الإبل، وفي السّنين أربعًا، فكانت السّنون سبعًا، ووضع الخطار على يدي أبي بكرٍ، فلمّا مضت ثلاث
سنين قال المشركون: قد مضى الوقت، فقال المسلمون: هذا قول ربّنا وتبليغ رسولنا، والبضع ما بين الثّلاث إلى التّسع ما لم يبلغ العشر، والموعود كائنٌ، فلمّا كان تمام سبع سنين ظهرت الرّوم على فارس، وكان اللّه تبارك وتعالى وعد المؤمنين أن إذا غلبت الرّوم فارس أظهرهم على المشركين، فظهرت الرّوم على فارس، والمؤمنون على المشركين في يومٍ واحدٍ، يوم بدرٍ، وفرح
المسلمون بذلك وبأن صدق اللّه قولهم وصدق رسولهم.
[تفسير القرآن العظيم: 2/644]
قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون {4} بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم {5}). [تفسير القرآن العظيم: 2/645]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (قوله: {غلبت الرّوم...}
القراء مجتمعون على {غلبت} إلاّ ابن عمر فإنه قرأها : {غلبت الرّوم}, فقيل له: علام غلبوا؟ فقال: (على أدنى ريف الشأم). والتفسير يردّ قول ابن عمر, وذلك أن فارس ظفرت بالروم فحزن لذلك المسلمون، وفرح مشركو أهل مكّة؛ لأن أهل فارس يعبدون الأوثان , ولا كتاب لهم، فأحبّهم المشركون لذلك، , ومال المسلمون إلى الروم، لأنهم ذوو كتابٍ , ونبوة, والدليل على ذلك قول الله : {وهم مّن بعد غلبهم سيغلبون} .ثم قال بعد ذلك: ويوم يغلبون يفرح المؤمنون إذا غلبوا, وقد كان ذلك كلّه.). [معاني القرآن: 2/319]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّن بعد غلبهم}: كلام العرب غلبته غلبةً، فإذا أضافوا , أسقطوا الهاء كما أسقطوها في قوله: {وإقام الصّلاة} , والكلام : إقامة الصّلاة.). [معاني القرآن: 2/319]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {للّه الأمر من قبل ومن بعد...}القراءة بالرفع بغير تنوينٍ؛ لأنهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة, فلمّا أدّتا عن معنى ما أضيفتا إليه , وسموهما بالرفع , وهما مخفوضتان؛ ليكون الرفع دليلاً على ما سقط ممّا أضفتهما إليه, وكذلك ما أشبههما، كقول الشاعر:
= إن تأت من تحت أجئها من عل
ومثله قول الشاعر:
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن = لقاؤك إلاّ من وراء وراء
ترفع إذا جعلته غايةً , ولم تذكر بعده الذي أضفته إليه , فإن نويت أن تظهره , أو أظهرته قلت: لله الأمر من قبل ومن بعد, كأنك أظهرت المخفوض الذي أسندت إليه (قبل) و(بعد).
وسمع الكسائيّ بعض بني أسدٍ يقرؤها : {للّه الأمر من قبل ومن بعد}, يخفض (قبل) , ويرفع (بعد) على ما نوى , وأنشدني هو , يعني: الكسائيّ:
أكابدها حتى أعرّس بعد ما = يكون سحيراً أو بعيد فأهجعا
أراد بعيد السحّر , فأضمره, ولو لم يرد ضمير الإضافة لرفع , فقال: بعيد, ومثله قول الشّاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل= على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
رفعت (أوّل) لأنه غاية؛ ألا ترى أنها مسندة إلى شيء , هي أوّله؛ كما تعرف أنّ (قبل) لا يكون إلاّ قبل شيء، وأنّ (بعد) كذلك, ولو أطلقتهما بالعربيّة فنوّنت , وفيهما معنى الإضافة فخفضت في الخفض , ونوّنت في النصب والرفع ؛ لكان صواباً، قد سمع ذلك من العرب، وجاء في أشعارها، فقال بعضهم:
وساغ لي الشراب وكنت قبلاً = أكاد أغصّ بالماء الحميم
فنوّن , وكذلك تقول: جئتك من قبل فرأيتك, وكذلك قوله:
مكرٍّ مفرٍّ مقبل مدبرٍ معاً= كجلمود صخرٍ حطّه السيل من عل
فهذا مخفوض, وإن شئت نوّنت , وأن شئت لم تنون على نيّتك, وقال الآخر فرفع:
كأنّ محطّا في يدي حارثيّةٍ = صناعٍ علت منّي به الجلد من عل
المحطّ: منقاش تشم به يدها.وأمّا قول الآخر:
هتكت به بيوت بني طريفٍ = على ما كان قبلٌ من عتاب
فنوّن ورفع فإن ذلك لضرورة الشعر، كما يضطرّ إليه الشاعر فينوّن في النداء المفرد , فيقول: يا زيدٌ أقبل, قال:
قدّموا إذ قيل قيسٌ قدّموا = وارفعوا المجد بأطراف الأسل
وأنشدني بعض بني عقيل:
ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة = فما شربوا بعدٌ على لذّة خمرا
ولو ردّه إلى النصب إذ نوّن كان وجهاً؛ كما قال:
وساغ لي الشراب وكنت قبلاً = أكاد أغصّ بالماء الحميم
وكذلك النداء لو ردّ النصب إذا نوّن فيه كان وجهاً؛ كما قال:
فطر خالداً إن كنت تسطيع طيرةً = ولا تقعن إلاّ وقلبك حاذر
ولا تنكرنّ أن تضيف قبل وبعد وأشباههما , وإن لم يظهر فقد قال:
إلاّ بداهة أو علالة = سابحٍ نهد الجزاره
وقال الآخر:
يا من يرى عرضاً أكفكفه = بين ذراعي وجبهة الأسد
وسمعت أبا ثروان العكلي يقول: قطع الله الغداة يد , ورجل من قاله, وإنما يجوز هذا في الشيئين يصطحبان؛ مثل اليد والرجل، ومثل قوله: عندي نصف , أو ربع درهمٍ، وجئتك قبل , أو بعد العصر. ولا يجوز في الشيئين يتباعدان؛ مثل الدار والغلام: فلا تجيزنّ: اشتريت دار أو غلام زيد؛ ولكن عبد أو أمة زيدٍ، وعين أو أذن، ويد أو رجل، وما أشبهه.). [معاني القرآن: 2/319-322]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ الم غلبت الرّوم }: ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي , ومجاز موضعه في المعنى , كمجار ابتداء فواتح سائر السور.). [مجاز القرآن: 2/119]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({في بضع سنين }, والبضع ما بين ثلاث سنين , وخمس سنين.). [مجاز القرآن: 2/119]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({الـم (1)غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم مّن بعد غلبهم سيغلبون(3)}قال: {الـم(1) غلبت الرّوم(2)وهم مّن بعد غلبهم سيغلبون(3)}: أي: من بعدما غلبوا, وقال بعضهم : {غلبت} , و{سيغلبون}؛ لأنهم كانوا حين جاء الإسلام غلبوا , ثم غلبوا حين كثر الإسلام.). [معاني القرآن: 3/26]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون}وقال: {من قبل ومن بعد} , رفع لأن "قبل" , و"بعد" مضمومتان ما لم تضفهما لأنهما غير متمكنتين ,فإذا أضفتهما تمكنتا.). [معاني القرآن: 3/26]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({بضع سنين}: قالوا مابين الواحد إلى الأربع). [غريب القرآن وتفسيره: 297]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الم (1) غلبت الرّوم في أدنى الأرض} , مفسر في كتاب «تأويل مشكل القرآن».). [تفسير غريب القرآن: 340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ}.كانت (فارس) غلبت (الروم) على أرض الجزيرة، وهي أدنى أرض الروم من سلطان فارس، فسرّ بذلك مشركو قريش.
وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الروم على أهل فارس؛ لأن الروم أهل كتاب، وأهل فارس مجوس، فساءهم أن غلبوهم على شيء من بلادهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} أي: والروم من بعد أن غلبوا {سَيَغْلِبُونَ} أهل فارس. وغلبهم يكون للغالبين والمغلوبين جميعا، كما تقول: والشهداء من بعد قتلهم سيرزقون، أي: من بعد أن قتلوا). [تأويل مشكل القرآن: 538] (م)

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({في بضع سنين} والبضع: ما فوق الثلاث ودون العشر. فغلبت الروم أهل فارس وأخرجوهم من بلادهم يوم الحديبية.{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أي: له الغلبة لمن شاء من قبل ومن بعد {وَيَوْمَئِذٍ} أي: يوم يغلب الروم أهل فارس {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} أهل الكتاب على المجوس). [تأويل مشكل القرآن: 538] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الم (1) غلبت الرّوم (2)}, قد شرحنا ما جاء في {الم} ).[معاني القرآن: 4/175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقرئت : (غلبت) بضم الغين.
وقرأ أبو عمرو : (غلبت) بفتح الغين , والمعنى على {غلبت} , وهي إجماع القراء. وذلك أن فارس كانت قد غلبت الروم في ذلك الوقت، والروم مغلوبة, فالقراءة : غلبت .). [معاني القرآن: 4/175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3)}: قيل : في أطراف الشام، وتأويله : أدنى الأرض من أرض العرب.
وقوله:{وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين}هذه من الآيات التي تدل على أن القرآن من عند اللّه؛ لأنه أنبأ بما سيكون، وهذا لا يعلمه إلا اللّه عزّ وجلّ , وكان المشركون سرّوا بأن غلبت فارس الرّوم، وذلك لأنّهم قالوا: أئنكم أيها المسلمون تزعمون بأنكم تنصرون بأنكم أهل كتاب، فقد غلبت فارس الروم, وفارس ليست أهل كتاب، والروم أهل كتاب، فكذلك سنغلبكم نحن.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الروم سيغلبون في بضع سنين، وسيسرّ المسلمون بذلك , فراهن المسلمون المشركين, وبايعوهم على صحة هذا الخبر.
والبضع : ما بين الثلاث إلى التسع، فلما مضى بعض البضع طالب المشركون المسلمين , وقالوا : قد غلبناكم، لأنه قد مضت بضع سنين , ولم تغلب الروم فارس، واحتج عليهم المسلمون بأن البضع لم يكمل، وزادوهم , وأخروهم إلى تمام البضع، فغلبت الروم فارس , وقمر المسلمون , وذلك قبل أن يحرّم القمار , وفرح المسلمون , وخزي الكافرون.
وقوله عزّ وجلّ: {للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (4)} القراءة الضم، وعليه أهل العربية، والقراء كلّهم مجمعون عليه، فأمّا النحويون فيجيزون من قبل ومن بعد بالتنوين.
وبعضهم يجيز من قبل ومن بعد بغير تنوين، وهذا خطأ لأن قبل وبعد ههنا أصلهما الخفض , ولكن بنيتا على الضم؛ لأنهما غايتان.ومعنى (غاية) : أن الكلمة حذفت منها الإضافة، وجعلت غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف, وإنما بنيتا على الضم؛ لأن إعرابهما في الإضافة النصب , والخفض.تقول: رأيته قبلك ومن قبلك، ولا يرفعان لأنهما لا يحدّث عنهما لأنهما استعملتا ظرفين، فلما عدلا عن بابهما حركا بغير الحركتين اللتين كانتا تدخلان عليهما بحق الإعراب.
فأمّا وجوب ذهاب إعرابهما، وبناؤهما , فلأنهما عرفا من غير جهة التعريف، لأنه حذف منهما ما أضيفتا إليه.
والمعنى : للّه الأمر من قبل أن يغلب الروم , ومن بعد ما غلبت، وأما الخفض والتنوين , فعلى من جعلهما نكرتين.المعنى: للّه الأمر من تقدّم , وتأخّر, والضم أجود، فأما الكسر بلا تنوين , فذكر الفراء : أنه تركه على ما كان يكون عليه في الإضافة , ولم ينوّن، واحتج بقول الأول:بين ذراعي وجبهة الأسد وبقوله:
= ألا غلالة أو بداهة قارح نهد الجرارة
وليس هذا كذلك ؛ لأن معنى بين ذراعي وجبهة الأسد, بين ذراعيه وجبهته , فقد ذكر أحد المضافين إليهما، وذلك لو كان للّه الأمر من قبل ومن بعد كذا لجاز , وكان المعنى من قبل كذا ومن بعد كذا, وليس هذا القول مما يعرّج عليه , ولا قاله أحد من النحويين المتقدمين.
وقوله عزّ وجلّ: {من بعد غلبهم}الغلب , والطلب مصدران، تقول: غلبت غلبا، وطلبت طلبا.وزعم بعض النحويين أنه في الأصل من بعد غلبتهم، وذكر أن الإضافة لما وقعت حذفت هاء الغلبة، وهذا خطأ.الغلبة , والغلب مصدر غلبت , مثل : الجلب والجلبة.). [معاني القرآن: 4/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض}
قال مجاهد : (هي الجزيرة , كانت أقرب أرض الروم إلى فارس).
حدثنا محمد بن سلمة الأسواني , قال: حدثنا محمد بن سنجر , قال : حدثنا معاوية بن عمرو , قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري , عن سفيان الثوري , عن حبيب بن أبي عمرة , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : في قول الله جل وعز: {الم غلبت الروم} , قال: (كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ؛ لأنهم أهل أوثان , وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ؛ لأنهم أهل الكتاب فذكر لأبي بكر , فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أما إنهم سيغلبون)) .قال : فذكره أبو بكر لهم , فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا , فإن ظهرنا , كان لنا كذا وكذا , وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا , فجعل أجلا خمس سنين فلم يظهروا , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال : ((ألا جعلتها ما دون أراه))
قال: دون العشر-قال سعيد : والبضع ما دون العشر- ثم ظهرت الروم بعد ذلك , فذلك قوله جل وعز: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض} , إلى قوله: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله}) .
قال الشعبي : (وكان القمار ذلك الوقت حلالا)
قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ((كم البضع ؟)). قال : ما بين الثلاث إلى التسع).
وقرأ عبد الله بن عمر : (غلبت الروم) بفتح الغين واللام , وقال : (غلبت على أدنى ريف الشام).
قال أبو جعفر : المعنى على قراءة من قرأ : (غلبت الروم و هم من بعد غلبهم سيغلبون) : الروم من بعد غلبهم , أي : من بعد أن غلبوا سيغلبون . ومن قرأ : (سيغلبون) , فالمعنى عنده :وفارس من بعد غلبهم ,أي : من بعد أن غلبوا , سيغلبون.). [معاني القرآن: 5/241-243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {في بضع سنين}البضع عند قتادة : أكثر من الثلاث , ودون العشر .
وعند الأخفش ,
والفراء : ما دون العشر .
وعند أبي عبيدة : ما بين ثلاث وخمس .
وحكى أبو زيد : بضع , وهو مشتق من قولهم بضعة إذا قطعه , ومنه بضعة من لحم , ومنه هو يملك بضع المرأة, إنما هو كناية عن عضوها .
وفي رواية ابن أبي طلحة , عن ابن عباس :{في أدنى الأرض }, قال : (يقول : في طرف الشام).
قال أبو جعفر : التقدير في أدنى الأرض من فارس .ثم قال جل وعز: {لله الأمر من قبل ومن بعد}
قال محمد بن يزيد : إذا قلت من قبل ومن بعد , فمعناه : من قبل ما تعلم , ومن بعد ما تعلم , ومن قبل كل شيء , ومن بعد كل شيء .
قال أبو جعفر : المعنى لله القضاء بالغلبة من قبل الغلبة , ومن بعدها .
ثم قال جل وعز: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} أي : يفرحون بنصر الله الروم ؛ لأنهم أهل كتاب على فارس , وهم مجوس , ويفرحون بالآية العظيمة التي لا يعلمها إلا الله جل وعز ؛ لأنه خبرهم بما سيكون.).[معاني القرآن: 5/243-245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بِضْعِ}: من ثلاثة إلى تسع.). [العمدة في غريب القرآن: 238]

تفسير قوله تعالى: (بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({في بضع سنين للّه الأمر من قبل} [الروم: 4] أن تهزم الرّوم.
{ومن بعد} [الروم: 4] ما هزمت.
{ويومئذٍ} يوم تغلب الرّوم فارس.
{يفرح المؤمنون {4} بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم {5}} [الروم: 4-5] قال أبو بكرٍ للمشركين: لم تشمتون، فواللّه لتظهرنّ الرّوم على فارس إلى ثلاث سنين، فقال أبيّ بن خلفٍ: أنا أبايعك ألا تظهر الرّوم على فارس إلى ثلاث سنين، فتبايعا على خطارٍ: سبعٍ من الإبل، ثمّ رجع أبو بكرٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم: اذهب فبايعهم إلى سبع سنين، مدّ في الأجل، وزد في الخطار، ولم يكن حرّم ذلك يومئذٍ، وإنّما حرّم القمار، وهو الميسر، والخمر بعد غزوة الأحزاب، فرجع أبو بكرٍ إليهم، فقال: اجعلوا الوقت إلى سبع سنين وأزيدكم في الخطار، ففعلوا فزادوا في الخطار ثلاثًا فصارت عشرًا من الإبل، وفي السّنين أربعًا، فكانت السّنون سبعًا، ووضع الخطار على يدي أبي بكرٍ، فلمّا مضت ثلاث
سنين قال المشركون: قد مضى الوقت، فقال المسلمون: هذا قول ربّنا وتبليغ رسولنا، والبضع ما بين الثّلاث إلى التّسع ما لم يبلغ العشر، والموعود كائنٌ، فلمّا كان تمام سبع سنين ظهرت الرّوم على فارس، وكان اللّه تبارك وتعالى وعد المؤمنين أن إذا غلبت الرّوم فارس أظهرهم على المشركين، فظهرت الرّوم على فارس، والمؤمنون على المشركين في يومٍ واحدٍ، يوم بدرٍ، وفرح
المسلمون بذلك وبأن صدق اللّه قولهم وصدق رسولهم.
[تفسير القرآن العظيم: 2/644]
قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون {4} بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم {5}). [تفسير القرآن العظيم: 2/645] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
({يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} أهل الكتاب على المجوس.


قال الشّعبي في سورة الفتح: (أنزلت بعد الحديبية، فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبايعوه مبايعة الرّضوان، وأطعموا نخل خيبر، وظهرت الرّوم على فارس، وفرح المؤمنون بتصديق كتاب الله، وظهرت الروم على المجوس)).
[تأويل مشكل القرآن: 424]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام، ويدخلها من معنى التقوير والتّوبيخ ما يدخل الألف التي يستفهم بها، كقوله تعالى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ}، وهذا استفهام فيه تقرير وتوبيخ.
وكذلك قوله تعالى: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}). [تأويل مشكل القرآن: 538] (م)

تفسير قوله تعالى:{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون {6}} [الروم: 6]، يعني: المشركين لا يعلمون.
- حدّثني عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا مات كسرى فلا كسرى بعده، وإذا مات قيصر فلا قيصر بعده».
قال يحيى: يعني: ملك الرّوم بالشّام.
- وحدّثني شريك بن عبد اللّه، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن جابر بن سمرة، عن عتبة بن نافعٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «تقاتلون فارس فيفتح اللّه عليكم، وتقاتلون جزيرة العرب فيفتح اللّه عليكم، ثمّ تقاتلون الرّوم فيفتح اللّه عليكم، وتقاتلون الدّجّال فيفتح اللّه عليكم».
قال: فكان عتبة بن نافعٍ يحلف باللّه لا يخرج الدّجّال حتّى تفتح الرّوم.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا بلغ ملك العرب أرض بني إسرائيل لم يخرج منها أبدًا»). [تفسير القرآن العظيم: 2/645]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({ وعد الّله لا يخلف الله وعده }: وعد الله " منصوب من موضعين:

أحدهما: على قولك: وهم من بعد غلبهم سيغلبون، وعداً من الله, فصار في موضع مصدر " سيغلبون " , وقد ينصبون المصدر إذا كان غير المصدر الفعل الذي قبله لأنه في موضع مصدر ذلك الفعل،
والثاني: لأنه قد يجوز أن يكون في موضع " فعل " وفي موضع " يفعل " منه , قال أبو عمرو بن العلاء , والبيت لكعب:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم= إنك يا بن أبي سلمى لمقتول
أي : ويقولون , فلذاك نصب " وقيلهم ")). [مجاز القرآن: 2/119]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (6)}القراءة النصب في وعد، ويجوز الرفع، ويجوز النصب، ولا أعلم أحدا قرأ بالرفع, فالنصب على أنه مصدر مؤكد، لأن قوله :{وهم من بعد غلبهم سيغلبون}: هو وعد من اللّه للمؤمنين.
وقوله : {وعد الله} بمنزلة وعد اللّه وعدا , ومن قال: وعد الله , كان على معنى ذلك وعد اللّه كما قال:{كأنّهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلّا ساعة من نهار بلاغ}. ). [معاني القرآن: 4/178]

تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا} [الروم: 7]، يعني: ما بدا لهم من معاشهم وحرثهم، تفسير السّدّيّ.
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: يعلمون حين زرعهم، وحين حصادهم وحين نتاجهم.
وقال الكلبيّ: وحين تجاراتهم.
- وحدّثنا موسى بن عليٍّ، عن أبيه قال: كنت عند عمرو بن العاص
[تفسير القرآن العظيم: 2/645]
بالأسكندريّة، فقال رجلٌ من القوم: زعم جسطان هذه المدينة أنّه يكسف بالقمر اللّيلة، أو أنّ القمر ينكسف اللّيلة، فقال رجلٌ: كذبوا، هذا هم علموا ما في الأرض فما علمهم بما في السّماء؟ قال عمرو بن العاص: إنّما الغيب خمسةٌ: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما
تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت} [لقمان: 34] وما سوى ذلك يعلمه قومٌ ويجهله آخرون.
- وحدّثني أبو الأشهب، عن الحسن، قال: أضلّ رجلٌ من المسلمين راحلته فذهب في طلبها، فلقي رجلا من المشركين، فأنشده إيّاها، فقال: ألست مع هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ، أفلا تأتيه، فيخبرك بمكان راحلتك؟ فمضى الرّجل قليلا، فردّ اللّه عليه راحلته، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره فقال: «فما قلت له؟» قال: وما عسى أن أقول لرجلٍ من
المشركين مكذّبٍ؟ قال: " أفلا قلت له: إنّ الغيب لا يعلمه إلا اللّه، وإنّ الشّمس لم تطلع قطّ إلا بزيادةٍ أو نقصانٍ ".
قوله عزّ وجلّ: {وهم عن الآخرة هم غافلون} [الروم: 7]، يعني: المشركين لا يقرّون بها، هم منها في غفلةٍ كقوله: {لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدٌ} [ق: 22] أبصر حين لم ينفعه البصر). [تفسير القرآن العظيم: 2/646]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يعلمون ظاهراً مّن الحياة الدّنيا...}
يعني : أهل مكّة, يقول: يعلمون التجارات والمعاش، فجعل ذلك علمهم, وأمّا بأمر الآخرة , فعمون.).[معاني القرآن: 2/322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون (7)}هذا في مشركي أهل مكة المعنى : يعلمون من معايش الحياة الدنيا؛ لأنهم كانوا يعالجون التجارات، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ – لما نفى , أنهم لا يعلمون ما الّذي يجهلون، ومقدار ما يعلمون , فقال:{يعلمون ظاهرا من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}" هم " الأولى مرفوعة بالابتداء، و " هم " الثانية ابتداء ثان.
و{غافلون}: خبر " هم " الثانية، والجملة الثانية خبر " هم " الأولى.
والفائدة في الكلام أو ذكر " هم " ثانية، وإن كانت ابتداء تجري مجرى التوكيد كما تقول : زيد هو عالم، فهو أوكد من قولك : زيد عالم.ويصلح أن تكون " هم " بدلا من " هم " الأولى مؤكدة أيضا، كما تقول: رأيته إيّاه). [معاني القرآن: 4/178]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}
قال عكرمة , وإبراهيم : أي : (يعلمون أمر معايشهم, ومصلحة دنياهم)).[معاني القرآن: 5/245]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 01:13 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }

تفسير قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) }

تفسير قوله تعالى: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) }

تفسير قوله تعالى: {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أنه قد تدخل الألف واللام في التوكيد في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلاً من اللفظ بالفعل كدخولها في الأمر والنهى والخبر والاستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك.
وكذلك الإضافة بمنزلة الألف واللام.
فأمّا المضاف فقول الله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله} وقال الله تبارك وتعالى: {ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده}. وقال جلّ وعزّ: {الذي أحسن كل شيء خلقه}. وقال جل ثناؤه: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم}. ومن ذلك الله أكبر دعوة الحق. لأنّه لمّا قال جلّ وعزّ: {مر السحاب} وقال: {أحسن كلّ شيء} علم أنّه خلقٌ وصنعٌ ولكنّه وكّد وثّبت للعباد. ولما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} حتّى انقضى الكلام علم المخاطبون أنّ هذا مكتوبٌ عليهم مثّبت عليهم وقال كتاب الله توكيداً كما قال صنع الله وكذلك وعد الله لأنّ الكلام الذي قبله وعدٌ
وصنعٌ فكأنّه قال جلّ وعزّ وعداً وصنعا وخلقا وكتابا. وكذلك دعوة الحق لأنّه قد علم أنّ قولك الله أكبر دعاء الحق ولكنّه توكيدٌ كأنّه قال دعاءً حقًّا.
قال رؤبة:

إنّ نزاراً أصبحت نزارا = دعوة أبرارٍ دعوا أبرارا
لأنّ قولك أصبحت نزاراً بمنزلة هم على دعوةٍ بارّةٍ.
وقد زعم بعضهم أنّ كتاب الله نصب على قوله عليكم كتاب الله.
وقال قومٌ: {صبغة الله} منصوبةٌ على الأمر. وقال بعضهم لا بل توكيداً. والصبغة الدين.
وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن يضمر شيئاً هو المظهر كأنّك قلت ذاك وعد الله وصبغة الله أو هو دعوة الحقّ. على هذا ونحوه رفعه.
ومن ذلك قوله جلّ وعزّ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} كأنه قال ذاك بلاغٌ). [الكتاب: 1/381-382] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}
وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ). [المقتضب: 3/175]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت = فإنما هـي إقـبـالٌ وإدبـار
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:
وكيف تواصل من أصبحت = خلالته كأبـي مـرحـب
يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل
واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون * بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/230-232] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب النداء
اعلم أنك إذا دعوت مضافاً نصبته، وانتصابه على الفعل المتروك إظهاره. وذلك قولك: يا عبد الله؛ لأن يا بدل من قولك: أدعو عبد الله، وأريد، لا أنك تخبر أنك تفعل، ولكن بها وقع أنك قد أوقعت فعلاً. فإذا قلت: يا عبد الله، فقد وقع دعاؤك بعبد الله، فانتصب على أنه مفعول تعدى إليه فعلك.
وكذلك كل ما كان نكرة؛ نحو: يا رجلاً صالحاً، ويا قوماً منطلقين، والمعنى واحد. وعلى هذا يا حسرةً على العباد.
وقال الشاعر:
أداراً بحزوى هجت للعين عبرةً = فماء الهوى يرفض أو يترقرق
وقال الشاعر:
لعلك يا تيسا نزا في مـريرة = تعذب ليلى أن تراني أزورها
وقال الآخر:
فيا راكباً إما عرضت فبلغـن = نداماي من نجران أن لا تلاقيا
وأما المضاف فكقوله: {يا قومنا أجيبوا داعي الله}، وما أشبهه.
فإن كان المنادى واحداً مفرداً معرفة بني على الضم، ولم يلحقه تنوين؛ وإنما فعل ذلك به؛ لخروجه عن الباب، ومضارعته ما لا يكون معرباً. وذلك أنك إذا قلت: يا زيد، ويا عمرو، فقد أخرجته من بابه؛ لأن حد الأسماء الظاهرة أن تخبر بها واحد عن واحد غائب، والمخبر عنه غيرها فتقول: قال زيد، فزيد غيرك وغير المخاطب، ولا تقول: قال زيد وأنت تعنيه، أعني المخاطب. فلما قلت: يا زيد خاطبته بهذا الاسم، فأدخلته في باب ما لا يكون إلا مبنياً نحو: أنت، وإياك، والتاء في قمت، والكاف في ضربتك، ومررت بك. فلما أخرج من باب المعرفة، وأدخل في باب المبنية لزمه مثل حكمها، وبنيته على الضم؛ لتخالف به جهة ما كان عليه معرباً؛ لأنه دخل في باب الغايات.
ألا ترى أنك تقول: جئت قبلك، ومن قبلك. فلما صار غاية لما أذكره في موضعه قلت: جئت قبل يا فتى، وجئت من قبل قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد}). [المقتضب: 4/202-205] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قال قائل: فالمضاف والنكرة مخاطبان، كما كان في المفرد المعرفة، وقد كان حقهما أن يخبر عنهما، ولا يخاطبا.
قيل له: قد علمنا أن المضاف معرفة بالمضاف إليه، كما كان قبل النداء والنكرة في حال النداء؛ كما كان قبل ذلك.
وزيد وما أشبهه في حال النداء معرفة بالإشارة منتقل عنه ما كان قبل ذلك فيه من التعريف.
ألا ترى أنك تقول إذا أردت المعرفة: يا رجل أقبل. فإنما تقديره: يا أيها الرجل أقبل، وليس على معنى معهود، ولكن حدثت فيه إشارة النداء، فلذلك لم تدخل فيه الألف واللام، وصار معرفة بما صارت به المبهمة معارف.
والمبهمة مثل: هذا، وذاك، وهذه، وتلك، وأولئك وذاك، وذاكن، وذلكن. إلا أنك إذا ناديته فهو معرفة بالإشارة؛ كما كانت هذه الأسماء، غير أنه مخاطب، وهي مخبر عنها. فهذا يوضح لك أمر الواحد المفرد.
ومع ذلك أن المضاف تمنعه الإضافة من البناء: كما كان ذلك في قبل، وبعد، وأمس، وما أشبههن.
تقول: ذهب أمس بما فيه، وقد ذهب أمسنا، وكذلك تقول: جئت من قبل، ومن بعد يا فتى.
فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}
وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ). [المقتضب: 4/205-206]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والفصل بين قولك: يا رجل أقبل إن أردت به المعرفة، وبين قولك: يا رجلاً أقبل إذا أردت النكرة أنك إذا ضممت فإنما تريد رجلاً بعينه تشير إليه دون سائر أمته.
وإذا نصبت ونونت فإنما تقديره يا واحداً ممن له هذا الاسم، فكل من أجابك من الرجال فهو الذي عنيت، كقولك: لأضربن رجلاً. فمن كان له هذا الاسم بر به قسمك.
ولو قلت: لأضربن الرجل لم يكن إلا واحداً معلوماً بعينه، إلا أن هذا لا يكون إلا على معهود. فأعربت النكرة؛ لأنها في بابها لم تخرجها منه. ومع هذا أن التنوين الذي فيه مانع من البناء، كما كان ذلك في المضاف.
ومن جعل قبل وبعد نكرتين نون، وأجراهما على وجوه الإعراب. وقد قرأ بعض القراء: (لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ).
فمن جعلهما نكرتين فتقديره والله أعلم لله الأمر أولاً وآخراً.
ومن جعلهما معرفتين فتقدير ذلك: قبل ما نعلم وبعجه، وقبل كل شيء وبعده. تقول: يا زيد وعمرو أقبلا، ويا هند وزيد أقبلا. تجري كل مفرد معرفة وإن اختلفت أجناسه مجرى واحداً؛ لأن النداء يخرجه إلى طريقة واحدة). [المقتضب: 4/206-207]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وروى أبو العباس البيت الأخير مقوى، وجعله نكرة، وهو قوله: "من قدام" كما تقول: جئتك من قبلٍ، ومن بعد، ومن علٍ، وما أشبه، كما قرأ بعضهم: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ) كما تقول: أولاً وآخرًا، ورواه الفراء: "من قدام" وجعله معرفة، وأجراه مجرى الغايات، نحو: "قبل وبعد" كما قال طرفة بن العبد:
ثم تفري اللحم من تعدائها = فهي من تحت مشيحات الحزم
وكما قيل عتي بن مالك العقيلي، أنشده الفراء أيضًا:
إذا أنا أومن عليك ولم يكن = لقاؤك إلا من وراء وراء
فهذا الضرب مما وقع على غير جهة التعريف، وجهة التعريف أن يكون معرفًا بنفسه، كزيد وعمرو، أو يكون معرفًا بالألف واللام أو بالإضافة، فهذه جهة التعريف، وهذا الضرب إنما هو معرف بالمعنى، فلذلك بني إذ خرج من الباب). [الكامل: 1/85]

تفسير قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) }

تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 02:34 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 02:34 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 02:38 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما فيه كفاية). [المحرر الوجيز: 7/ 5]

تفسير قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "غلبت" بضم الغين. وقالوا: معنى الآية أنه طرأ بمكة أن الملك كسرى هزم جيش ملك الروم، قال مجاهد: في الجزيرة، وهو موضع بين العراق والشام، وقال عكرمة: بأذرعات، وهي بين بلاد العرب والشام، وقال مقاتل: بفلسطين والأردن، فلما طرأ ذلك سر الكفار، فبشر الله تبارك وتعالى عباده بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، وتكون الدولة لهم في الحرب.
وقرأ أبو سعيد الخدري، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية بن قرة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "غلبت" بفتح الغين واللام، وتأويل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنما كان أن الروم غلبت، فعز ذلك على كفار قريش، وسر المسلمون، فبشر الله تبارك وتعالى عباده بأنهم سيغلبون أيضا في بضع سنين، ذكر هذا التأويل أبو حاتم. والرواية الأولى، والقراءة بضم الغين أصح.
وأجمع الناس على "سيغلبون" أنه بفتح الياء، يريد به الروم، وروي عن ابن عمرو رضي الله عنهما أنه قرأ أيضا: "سيغلبون" بضم الياء، وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت به الروايات.
و"أدنى الأرض" معناه: أقرب الأرض، فإن كانت الوقعة في أذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة، وهي التي ذكر امرؤ القيس في قوله:
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي أدنى إلى أرض الروم، قال أبو حاتم، وقرئ "أداني الأرض"، وقرأ جمهور الناس: "غلبهم" بفتح اللام، كما يقال: "أحلب حلبا لك شطره"، وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما بسكونها، وهو مصدر أضيف إلى المفعول.
وروي في قصص هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أن الكفار لما فرحوا بمكة بغلب الروم، بشر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، أي: من الثلاثة إلى التسعة، على مشهور قول اللغويين، كأنه تبضيع العشرة، أي: تقطيعها. وقال أبو عبيدة: من الثلاث إلى الخمس، وقوله مردود، فلما بشرهم بذلك خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المسجد، فقال لهم: "أسركم أن غلبت الروم؟ فإن نبينا أخبرنا عن الله تعالى أنهم سيغلبون في بضع سنين"، فقال له أبي بن خلف وأمية أخوه - وقيل: أبو سفيان بن حرب -: تعال يا أبا فصيل - يعرضون بكنيته بالبكر - فلنتناخب - أي نتراهن - في ذلك، فراهنهم أبو بكر، - قال قتادة: وذلك قبل أن يحرم القمار - وجعل الرهن خمس قلائص، والأجل ثلاث سنين، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: إن البضع إلى التسع، ولكن ارجع فزدهم في الرهان واستزدهم في الأجل، ففعل أبو بكر رضي الله عنه، فجعلوا القلائص مائة والأجل تسعة أعوام، فغلبت الروم في أثناء الأجل، فروي عن أبي سعيد الخدري أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر، وروي أن ذلك كان يوم الحديبية، وأن الخبر بذلك وصل يوم بيعة الرضوان، روي نحوه عن قتادة، وفي كلا اليومين كان نصر من الله تعالى للمؤمنين.
وذكر الناس أن سبب سرور المسلمين بغلبة الروم وهمهم أن تغلب، وكون المشركين من قريش على ضد ذلك، إنما هو أن الروم أهل كتاب كالمسلمين، والفرس أهل الأوثان أو نحوه من عبادة النار ككفار قريش والعرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويشبه أن يعلل ذلك بما تقتضيه الفطر من محبة أن يغلب العدو الأصغر: لأنه أيسر مؤونة، ومتى غلب الأكبر كثر الخوف منه، فتأمل هذا المعنى مع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجاه من ظهور دينه وشرع الله تعالى عز وجل الذي بعثه به، وغلبته على الأمم، وإرادة كفار مكة أن يرميه الله بملك يستأصله ويريحهم منه.
و"سنين" يجمع كجمع من يعقل عوضا من النقص الذي في واحده; لأن أصل سنة: سنهة، أو سنوة، وكسرت السين منه دلالة على أن جمعه خارج عن قياسه ونمطه.
قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد}، أخبر تبارك وتعالى بانفراده بالقدرة، وأن ما في العالم من غلبة وغيرها إنما هي منه وبإرادته وقدرته، فقال: "لله الأمر"، أي: إنفاذ الأحكام، من قبل ومن بعد أي: من قبل هذه الغلبة ومن بعدها، و"قبل" و"بعد" ظرفان بنيا على الضم; لأنهما تعرفا بحذف ما أضيف إليهما وصارا متضمنين ما حذف، فخالفا معرب الأسماء وأشبها الحروف في التضمين فبنيا، وخصا بالضم لشبههما بالمنادى المفرد، في أنه إذا نكر أو أضيف زال بناؤه، وكذلك هما، فضما كما أن المنادى مبني على الضم، وكذلك قيل في ذلك أيضا: إن الفتح تعذر فيهما لأنه حالهما في إظهار ما أضيفا إليه، وتعذر الكسر لأنه حالهما عند إضافتهما إلى المتكلم، وتعذر السكون لأن ما قبل أحدهما ساكن، فلم يبق إلا الضم فبنيا عليه. ومن العرب من يقول: من قبل ومن بعد بالخفض والتنوين، قال الفراء: "ويجوز ترك التنوين فيبقى كما هو في الإضافة وإن حذف المضاف".
وقوله تعالى: "ويومئذ" يحتمل أن يكون عطفا على "القبل والبعد"، كأنه حصر الأزمنة الثلاثة: الماضي والمستقبل والحال، ثم ابتدأ الإخبار بفرح المؤمنين بالنصر، ويحتمل أن يكون الكلام تم في قوله: "بعد" ثم استأنف عطف جملة أخبر فيها أن يوم غلبت الروم الفرس يفرح المؤمنون بنصر الله، وعلى هذا الاحتمال مشى المفسرون. والنصر الذي يفرح به المؤمنون يحتمل أن يشار فيه إلى نصر الروم على فارس، وهي نصرة الإسلام بحكم السنين التي قد ذكرناها، ويحتمل أن يشار فيه إلى نصر يخص المسلمين على عدوهم، وهذا أيضا غيب أخبر به وأخرجه الوجود إما يوم بدر، وإما ببيعة الرضوان، ويحتمل أن يشار به إلى فرح المسلمين بنصر الله تعالى إياهم في أن صدق ما قال نبيهم عليه الصلاة والسلام في أن الروم ستغلب فارس، فإن هذا ضرب من النصر عظيم).[المحرر الوجيز: 7/ 5-9]

تفسير قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "وعد الله" نصب على المصدر المؤكد، وقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يريد الكفار من قريش والعرب، أي: لا يعلمون أن الأمور من عند الله تبارك وتعالى، وأن وعده لا يتخلف، وأن ما يورده نبيه عليه الصلاة والسلام حق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
هذا الذي ذكرناه هو عمدة ما قيل. وقد حكى الطبري وغيره روايات يردها النظر أول قول، من ذلك أن بعضهم قال: إنما نزلت وعد الله لا يخلف الله وعده بعد غلبة الروم لفارس ووصول الخبر بذلك، وهذا يقتضي أن الآية مدنية، والسورة مكية بإجماع، ونحو هذا من الأقوال).[المحرر الوجيز: 7/ 9]

تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون * أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون}
وصف تبارك وتعالى الكفرة الذين لا يعلمون أمر الله وصدق وعده بأنهم إنما يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، واختلف الناس في معنى "ظاهرا"، فقالت فرقة: معناه: بينا، أي ما أدته إليهم حواسهم، فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم. وقال ابن عباس، والحسن، والجمهور: معناه: ما فيه الظهور والعلو في الدنيا، من إتقان الصناعات والمباني ومظان كسب الأموال والفلاحات ونحوها، وقالت فرقة: معناه: ذاهبا زائلا، أي: يعلمون أمور الدنيا التي لا بقاء لها ولا عاقبة، ومثل هذه اللفظة قول الهذلي:
وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وقال سعيد بن جبير: إن قوله تعالى: {ظاهرا من الحياة الدنيا} إشارة إلى ما يعلم من قبل الكهنة مما تسترقه الشياطين، وقال الرماني: كل ما يعلم بأوائل العقول فهو الظاهر، وما يعلم بدليل العقل فهو الباطن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفيه تقع الغفلة وتقصير الجهال.
ثم وصفهم تبارك وتعالى بالغفلة والإعراض عن أمر الآخرة، وكرر الضمير تأكيدا، وغفلة الكافر هي على الكمال، والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه يأخذ من هذه الآية بحظ. نور الله قلوبنا وهدى). [المحرر الوجيز: 7/ 9-10]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 04:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 04:13 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم (5) وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (6) يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون (7)}
[نزلت] هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشّام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الرّوم، واضطرّ هرقل ملك الرّوم حتّى ألجأه إلى القسطنطينيّة، وحاصره فيها مدّةً طويلةً، ثمّ عادت الدّولة لهرقل، كما سيأتي.
قال الإمام أحمد: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، حدّثنا أبو إسحاق، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، في قوله تعالى: {الم. غلبت الرّوم. في أدنى الأرض} قال: غلبت وغلبت. قال: كان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الرّوم؛ لأنّهم أصحاب أوثانٍ، وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الرّوم على فارس؛ لأنّهم أهل كتابٍ، فذكر ذلك لأبي بكرٍ،، فذكره أبو بكرٍ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما إنّهم سيغلبون" فذكره أبو بكرٍ لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلًا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا. فجعل أجلًا خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكرٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:"ألا جعلتها إلى دون" أراه قال: "العشر". "قال سعيد بن جبيرٍ: البضع ما دون العشر. ثمّ ظهرت الرّوم بعد، قال: فذلك قوله: {الم. غلبت الرّوم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم}.
هكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ جميعًا، عن الحسين بن حريث، عن معاوية بن عمرٍو، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ، إنّما نعرفه من حديث سفيان، عن حبيب.
ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن محمّد بن إسحاق الصّاغانيّ، عن معاوية بن عمرٍو، به. ورواه ابن جريرٍ:
حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا محمّد بن سعيدٍ -أو سعيدٌ الثّعلبيّ الّذي يقال له: أبو سعدٍ من أهل طرسوس -حدّثنا أبو إسحاق الفزاريّ، فذكره. وعندهم: قال سفيان: فبلغني أنّهم غلبوا يوم بدرٍ.
حديثٌ آخر:
قال سليمان بن مهران الأعمش، عن مسلمٌ، عن مسروقٍ، قال: قال عبد اللّه: خمسٌ قد مضين: الدّخان، واللّزام، والبطشة، والقمر، والرّوم. أخرجاه .
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا المحاربيّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عامرٍ -هو الشّعبيّ -عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه -قال: كان فارس ظاهرًا على الرّوم، وكان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الروم. وك ان المسلمون يحبّون أن تظهر الرّوم على فارس؛ لأنّهم أهل كتابٍ وهم أقرب إلى دينهم، فلمّا نزلت: {الم. غلبت الرّوم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين} قالوا: يا أبا بكرٍ، إنّ صاحبك يقول: إنّ الرّوم تظهر على فارس في بضع سنين؟! قال: صدق. قالوا: هل لك إلى أن نقامرك، فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين، فمضت السّبع ولم يكن شيءٌ، ففرح المشركون بذلك وشقّ على المسلمين، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "ما بضع سنين عندكم"؟ قالوا: دون العشر. قال: "اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل". قال: فما مضت السّنتان حتّى جاءت الرّكبان بظهور الرّوم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك، وأنزل اللّه: {الم. غلبت الرّوم} إلى قوله: {[وعد اللّه] لا يخلف اللّه وعده} .
حديثٌ آخر:
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا أحمد بن عمر الوكيعي، حدّثنا مؤمّل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لـمّا نزلت: {الم. غلبت الرّوم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون}، قال المشركون لأبي بكرٍ: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك؟ يزعم أنّ الرّوم تغلب فارس. قال: صدق صاحبي. قالوا: هل لك أن نخاطرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلًا فحلّ الأجل قبل أن تغلب الروم فارس، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فساءه ذلك وكرهه، وقال لأبي بكرٍ: "ما دعاك إلى هذا؟ " قال: تصديقًا للّه ولرسوله. فقال: "تعرّض لهم وأعظم الخطر واجعله إلى بضع سنين". فأتاهم أبو بكرٍ فقال لهم: هل لكم في العود، فإن العود أحمد؟ قالوا: نعم. [قال] فلم تمض تلك السّنون حتّى غلبت الرّوم فارس، وربطوا خيولهم بالمدائن، وبنوا الرّوميّة، فجاء به أبو بكرٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: هذا السّحت، قال: " تصدّق به".
حديثٌ آخر:
قال أبو عيسى التّرمذيّ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، حدّثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، أخبرني ابن أبي الزّناد، عن عروة بن الزّبير عن نيار بن مكرم الأسلميّ قال: لـمّا نزلت، {الم. غلبت الرّوم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين}، فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للرّوم، وكان المسلمون يحبّون ظهور الرّوم عليهم؛ لأنّهم وإيّاهم أهل كتابٍ، وفي ذلك قول اللّه: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم}، وكانت قريشٌ تحبّ ظهور فارس؛ لأنّهم وإيّاهم ليسوا بأهل كتابٍ ولا إيمانٍ ببعثٍ، فلمّا أنزل اللّه هذه الآية خرج أبو بكرٍ يصيح في نواحي مكّة: {الم. غلبت الرّوم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين}، قال ناسٌ من قريشٍ لأبي بكرٍ: فذاك بيننا وبينك. زعم صاحبك أنّ الرّوم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى -وذلك قبل تحريم الرّهان -فارتهن أبو بكرٍ والمشركون، وتواضعوا الرّهان، وقالوا لأبي بكرٍ: كم تجعل البضع: ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسمّ بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه. قال: فسمّوا بينهم ستّ سنين. قال: فمضت ستّ السّنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكرٍ، فلمّا دخلت السّنة السّابعة ظهرت الرّوم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكرٍ تسمية ستّ سنين، قال: لأنّ اللّه قال: {في بضع سنين}. قال: فأسلم عند ذلك ناسٌ كثيرٌ.
هكذا ساقه التّرمذيّ، ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه إلّا من حديث عبد الرّحمن بن أبي الزّناد. وقد روي نحو هذا مرسلًا عن جماعةٍ من التّابعين، مثل عكرمة، والشّعبيّ، ومجاهدٍ، وقتادة، والسّدّي، والزّهريّ، وغيرهم.
ومن أغرب هذه السّياقات ما رواه الإمام سنيد بن داود في تفسيره حيث قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكر بن عبد اللّه، عن عكرمة قال: كانت في فارس امرأةٌ لا تلد إلّا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إنّي أريد أن أبعث إلى الرّوم جيشًا وأستعمل عليهم رجلًا من بنيك، فأشيري عليّ، أيّهم أستعمل؟ فقالت: هذا فلانٌ، وهو أروغ من ثعلبٍ، وأحذر من صقرٍ. وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنانٍ. وهذا شهريراز، وهو أحلم من كذا -تعني أولادها الثّلاثة- فاستعمل أيّهم شئت. قال: فإنّي قد استعملت الحليم. فاستعمل شهريراز، فسار إلى الرّوم بأهل فارس، فظهر عليهم فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم.
قال أبو بكر بن عبد اللّه: فحدّثت بهذا الحديث عطاءً الخراسانيّ فقال: أما رأيت بلاد الشّام؟ قلت: لا قال: أما إنّك لو رأيتها لرأيت المدائن الّتي خرّبت، والزّيتون الّذي قطّع. فأتيت الشّام بعد ذلك فرأيته.
قال عطاءٌ الخراسانيّ: حدّثني يحيى بن يعمر: أنّ قيصر بعث رجلًا يدعى قطمة بجيشٍ من الرّوم، وبعث كسرى شهريراز، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشّام إليكم، فلقيت فارس الرّوم، فغلبتهم فارس. ففرحت بذلك كفّار قريشٍ وكرهه المسلمون.
قال عكرمة: ولقي المشركون أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا: إنّكم أهل كتابٍ، والنّصارى أهل كتابٍ [ونحن أمّيّون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب]، وإنّكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم، فأنزل اللّه: {الم. غلبت الرّوم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون. بنصر اللّه ينصر من يشاء}، فخرج أبو بكرٍ الصّديق إلى الكفّار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا، فلا تفرحوا، ولا يقرّن اللّه أعينكم، فواللّه ليظهرنّ اللّه الرّوم على فارس، أخبرنا بذلك نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم. فقام إليه أبيّ بن خلف فقال: كذبت يا أبا فضيلٍ. فقال له أبو بكرٍ: أنت أكذب يا عدوّ اللّه. فقال: أناحبك عشر قلائص منّي وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الرّوم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين. ثمّ جاء أبو بكرٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فقال: "ما هكذا ذكرت، إنّما البضع ما بين الثّلاث إلى التّسع، فزايده في الخطر ومادّه في الأجل"، فخرج أبو بكرٍ فلقي أبيًّا فقال: لعلّك ندمت؟ فقال: لا تعال أزايدك في الخطر وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوصٍ لمائة قلوصٍ إلى تسع سنين. قال: قد فعلت، فظهرت الرّوم على فارس قبل ذلك، فغلبهم المسلمون.
قال عكرمة: لـمّا أن ظهرت فارس على الرّوم، جلس فرخان يشرب وهو أخو شهريراز فقال لأصحابه: لقد رأيت كأنّي جالسٌ على سرير كسرى. فبلغت كسرى فكتب إلى شهريراز إذا أتاك كتابي [هذا] فابعث إليّ برأس فرخان. فكتب إليه: أيّها الملك، إنّك لن تجد مثل فرخان، له نكايةٌ وصوتٌ في العدوّ، فلا تفعل. فكتب إليه: إنّ في رجال فارس خلفًا منه، فعجّل إليّ برأسه. فراجعه، فغضب كسرى فلم يجبه، وبعث بريدًا إلى أهل فارس: إنّي قد نزعت عنكم شهريراز، واستعملت عليكم فرخان. ثمّ دفع إلى البريد صحيفةً لطيفةً صغيرةً فقال: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه. فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعًا وطاعةً، ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع إليه الصّحيفة، قال ائتوني بشهريراز وقدّمه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل [عليّ] حتّى أكتب وصيّتي، قال: نعم. فدعا بالسّفط فأعطاه الصّحائف وقال: كلّ هذا راجعت فيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلني بكتابٍ واحدٍ. فردّ الملك إلى أخيه شهريراز وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الرّوم: إنّ لي إليك حاجةً لا تحملها البرد ولا تحملها الصّحف، فالقني، ولا تلقني إلّا في خمسين روميًّا، فإنّي ألقاك في خمسين فارسيًّا. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف روميٍّ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطّريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتّى أتاه عيونه أنّه ليس معه إلّا خمسون رجلًا. ثمّ بسط لهما والتقيا في قبّة ديباجٍ ضربت لهما، مع كلّ واحدٍ منهما سكّينٌ، فدعيا ترجمانًا بينهما، فقال شهريراز إنّ الّذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإنّ كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت، ثمّ أمر أخي أن يقتلني. وقد خلعناه جميعًا، فنحن نقاتله معك. قال: قد أصبتما. ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السّرّ بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل. فقتلا التّرجمان جميعًا بسكّينيهما. [قال] فأهلك اللّه كسرى، وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية، ففرح والمسلمون معه.
فهذا سياقٌ غريبٌ، وبناءٌ عجيبٌ. ولنتكلّم على كلمات هذه الآيات الكريمة، فقوله تعالى: {الم. غلبت الرّوم} قد تقدّم الكلام على الحروف المقطّعة في أوائل السّور، في أوّل سورة "البقرة". وأمّا الرّوم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم، وهم أبناء عمّ بني إسرائيل، ويقال لهم: بنو الأصفر. وكانوا على دين اليونان، واليونان من سلالة يافث بن نوحٍ، أبناء عمّ التّرك. وكانوا يعبدون الكواكب السّيّارة السّبعة، ويقال لها: المتحيّرة، ويصلّون إلى القطب الشّماليّ، وهم الّذين أسّسوا دمشق، وبنوا معبدها، وفيه محاريب إلى جهة الشّمال، فكان الرّوم على دينهم إلى مبعث المسيح بنحوٍ من ثلاثمائة سنةٍ، وكان من ملك الشّام مع الجزيرة منهم يقال له: قيصر. فكان أوّل من دخل في دين النّصارى من الملوك قسطنطين بن قسطس، وأمّه مريم الهيلانيّة الشّدقانيّة من أرض حرّان، كانت قد تنصّرت قبله، فدعته إلى دينها، وكان قبل ذلك فيلسوفًا، فتابعها -يقال: تقيّة -واجتمعت به النّصارى، وتناظروا في زمانه مع عبد اللّه بن أريوس، واختلفوا اختلافًا [كثيرًا] منتشرًا متشتّتًا لا ينضبط، إلّا أنّه اتّفق من جماعتهم ثلاثمائةٍ وثمانية عشر أسقفًّا، فوضعوا لقسطنطين العقيدة، وهي الّتي يسمّونها الأمانة الكبيرة، وإنّما هي الخيانة الحقيرة، ووضعوا له القوانين -يعنون كتب الأحكام من تحليلٍ وتحريمٍ وغير ذلك ممّا يحتاجون إليه، وغيّروا دين المسيح، عليه السّلام، وزادوا فيه ونقصوا منه. وفصلوا إلى المشرق واعتاضوا عن السّبت بالأحد، وعبدوا الصّليب وأحلّوا الخنزير. واتّخذوا أعيادًا أحدثوها كعيد الصّليب والقدّاس والغطاس، وغير ذلك من البواعيث والشّعانين، وجعلوا له الباب وهو كبيرهم، ثمّ البتاركة، ثمّ المطارنة، ثمّ الأساقفة والقساقسة، ثمّ الشّمامسة. وابتدعوا الرّهبانيّة. وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد، وأسّس المدينة المنسوبة إليه وهي القسطنطينيّة، يقال: إنّه بنى في أيّامه اثني عشر ألف كنيسةٍ، وبنى بيت لحمٍ بثلاثة محاريب، وبنت أمّه القمامة، وهؤلاء هم الملكيّة، يعنون الّذين هم على دين الملك.
ثمّ حدثت بعدهم اليعقوبيّة أتباع يعقوب الإسكاف، ثمّ النّسطوريّة أصحاب نسطورا، وهم فرقٌ وطوائف كثيرةٌ، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إنّهم افترقوا على اثنتين وسبعين فرقةً". والغرض أنّهم استمرّوا على النّصرانيّة، كلّما هلك قيصر خلفه آخر بعده، حتّى كان آخرهم هرقل. وكان من عقلاء الرّجال، ومن أحزم الملوك وأدهاهم، وأبعدهم غورًا وأقصاهم رأيًا، فتملّك عليهم في رياسة عظيمةٍ وأبّهةٍ كبيرةٍ، فناوأه كسرى ملك الفرس، وملك البلاد كالعراق وخراسان والرّيّ، وجميع بلاد العجم، وهو سابور ذو الأكتاف. وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر، وله رياسة العجم وحماقة الفرس، وكانوا مجوسًا يعبدون النّار. فتقدّم عن عكرمة أنّه بعث إليه نوّابه وجيشه فقاتلوه، والمشهور أنّ كسرى غزاه بنفسه في بلاده فقهره وكسره وقصره، حتّى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينيّة. فحاصره بها مدّةً طويلةً حتّى ضاقت عليه، وكانت النّصارى تعظّمه تعظيمًا زائدًا، ولم يقدر كسرى على فتح البلد، ولا أمكنه ذلك لحصانتها؛ لأنّ نصفها من ناحية البرّ ونصفها الآخر من ناحية البحر، فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هنالك. فلمّا طال الأمر دبّر قيصر مكيدةً، ورأى في نفسه خديعةً، فطلب من كسرى أن يقلع عن بلاده على مالٍ يصالحه عليه، ويشترط عليه ما شاء. فأجابه إلى ذلك، وطلب منه أموالًا عظيمةً لا يقدر عليها أحدٌ من ملوك الدّنيا، من ذهبٍ وجواهر وأقمشةٍ وجوارٍ وخدّامٍ وأصنافٍ كثيرةٍ. فطاوعه قيصر، وأوهمه أنّ عنده جميع ما طلب، واستقلّ عقله لـمّا طلب منه ما طلب، ولو اجتمع هو وإيّاه لعجزت قدرتهما عن جمع عشره، وسأل كسرى أن يمكّنه من الخروج إلى بلاد الشّام وأقاليم مملكته، ليسعى في تحصيل ذلك من ذخائره وحواصله ودفائنه، فأطلق سراحه، فلمّا عزم قيصر على الخروج من مدينة قسطنطينيّة، جمع أهل ملّته وقال: إنّي خارجٌ في أمرٍ قد أبرمته، في جندٍ قد عيّنته من جيشي، فإن رجعت إليكم قبل الحول فأنا ملككم، وإن لم أرجع إليكم قبلها فأنتم بالخيار، إن شئتم استمررتم على بيعتي، وإن شئتم ولّيتم عليكم غيري. فأجابوه بأنّك ملكنا ما دمت حيًّا، ولو غبت عشرة أعوامٍ. فلمّا خرج من القسطنطينيّة خرج جريدةً في جيشٍ متوسّطٍ، هذا وكسرى مخيّم على القسطنطينيّة ينتظره ليرجع، فركب قيصر من فوره وسار مسرعًا حتّى انتهى إلى بلاد فارس، فعاث في بلادهم قتلًا لرجالها ومن بها من المقاتلة، أوّلًا فأوّلًا ولم يزل يقتل حتّى انتهى إلى المدائن، وهي كرسيّ مملكة كسرى، فقتل من بها، وأخذ جميع حواصله وأمواله، وأسر نساءه وحريمه، وحلق رأس ولده، وركّبه على حمارٍ وبعث معه من الأساورة من قومه في غاية الهوان والذّلّة، وكتب إلى كسرى يقول: هذا ما طلبت فخذه. فلمّا بلغ ذلك كسرى أخذه من الغمّ ما لا يحصيه إلّا اللّه عزّ وجلّ، واشتدّ حنقه على البلد، فاشتدّ في حصارها بكلّ ممكنٍ فلم يقدر على ذلك. فلمّا عجز ركب ليأخذ عليه الطّريق من مخاضة جيحون، الّتي لا سبيل لقيصر إلى القسطنطينيّة إلّا منها، فلمّا علم قيصر بذلك احتال بحيلةٍ عظيمةٍ لم يسبق إليها، وهو أنّه أرصد جنده وحواصله الّتي معه عند فم المخاضة، وركب في بعض الجيش، وأمر بأحمالٍ من التّبن والبعر والرّوث فحملت معه، وسار إلى قريبٍ من يومٍ في الماء مصعدًا، ثمّ أمر بإلقاء تلك الأحمال في النّهر، فلمّا مرّت بكسرى ظنّ هو وجنده أنّهم قد خاضوا من هنالك، فركبوا في طلبهم فشغرت المخاضة عن الفرس، وقدم قيصر فأمرهم بالنّهوض في الخوض، فخاضوا وأسرعوا السّير ففاتوا كسرى وجنوده، ودخلوا القسطنطينيّة. وكان ذلك يومًا مشهودًا عند النّصارى، وبقي كسرى وجيوشه حائرين لا يدرون ماذا يصنعون. لم يحصلوا على بلاد قيصر، وبلادهم قد خرّبتها الرّوم وأخذوا حواصلهم، وسبوا ذراريهم ونساءهم. فكان هذا من غلب الرّوم فارس، وكان ذلك بعد تسع سنين من غلب الفرس للرّوم.
وكانت الواقعة الكائنة بين فارس والرّوم حين غلبت الرّوم بين أذرعات وبصرى، على ما ذكره ابن عبّاسٍ وعكرمة وغيرهما، وهي طرف بلاد الشّام ممّا يلي بلاد الحجاز.
وقال مجاهدٌ: كان ذلك في الجزيرة، وهي أقرب بلاد الرّوم من فارس، فاللّه أعلم.
ثمّ كان غلب الرّوم لفارس بعد بضع سنين، وهي تسعٌ؛ فإنّ البضع في كلام العرب ما بين الثّلاث إلى التّسع. وكذلك جاء في الحديث الّذي رواه التّرمذيّ، وابن جريرٍ وغيرهما، من حديث عبد اللّه بن عبد الرّحمن الجمحي، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكرٍ في مناحبة {الم غلبت الرّوم} ألا احتطت يا أبا بكرٍ، فإنّ البضع ما بين ثلاثٍ إلى تسعٍ؟ "، ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وروى ابن جريرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو: أنّه قال ذلك.
وقوله: {للّه الأمر من قبل ومن بعد} أي: من قبل ذلك ومن بعده، فبني على الضّمّ لـمّا قطع المضاف، وهو قوله: {قبل} عن الإضافة، ونويت.
{ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه} أي: للرّوم أصحاب قيصر ملك الشّام، على فارس أصحاب كسرى، وهم المجوس. وقد كانت نصرة الرّوم على فارس يوم وقعة بدرٍ في قول طائفةٍ كبيرةٍ من العلماء، كابن عبّاسٍ، والثّوريّ، والسّدّي، وغيرهم. وقد ورد في الحديث الّذي رواه التّرمذيّ وابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ والبزّار، من حديث الأعمش، عن عطيّة عن أبي سعيدٍ قال: لـمّا كان يوم بدرٍ، ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا به، وأنزل اللّه: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم}.
وقال آخرون: بل كان نصرة الرّوم على فارس عام الحديبية؛ قاله عكرمة، والزّهريّ، وقتادة، وغيرهم. ووجّه بعضهم هذا القول بأنّ قيصر كان قد نذر لئن أظفره اللّه بكسرى ليمشينّ من حمص إلى إيليا -وهو بيت المقدس -شكرًا للّه عزّ وجلّ، ففعل، فلمّا بلغ بيت المقدس لم يخرج منه حتّى وافاه كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، الّذي بعثه مع دحية بن خليفة، فأعطاه دحية لعظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر. فلمّا وصل إليه سأل من بالشّام من عرب الحجاز، فأحضر له أبو سفيان صخر بن حربٍ الأمويّ في جماعةٍ من كفّار قريشٍ كانوا في غزّة، فجيء بهم إليه، فجلسوا بين يديه، فقال: أيّكم أقرب نسبًا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ؟ فقال أبو سفيان: أنا. فقال لأصحابه -وأجلسهم خلفه -: إنّي سائلٌ هذا عن هذا الرّجل، فإن كذب فكذّبوه. فقال أبو سفيان: فواللّه لولا أن يأثروا عليّ الكذب لكذبت. فسأله هرقل عن نسبه وصفته، فكان فيما سأله أن قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو صانعٌ فيها -يعني بذلك الهدنة الّتي كانت قد وقعت بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكفّار قريشٍ يوم الحديبية على وضع الحرب بينهم عشر سنين، فاستدلّوا بهذا على أنّ نصر الرّوم على فارس كان عام الحديبية؛ لأنّ قيصر إنّما وفّى بنذره بعد الحديبية، واللّه أعلم.
ولأصحاب القول الأوّل أنّ يجيبوا عن هذا بأنّ بلاده كانت قد خرّبت وتشعّثت، فما تمكّن من وفاء نذره حتّى أصلح ما ينبغي إصلاحه وتفقّد بلاده، ثمّ بعد أربع سنين من نصرته وفّى بنذره، واللّه أعلم.
والأمر في هذا سهلٌ قريبٌ، إلّا أنّه لـمّا انتصرت فارس على الرّوم ساء ذلك المؤمنين، فلمّا انتصرت الرّوم على فارس فرح المؤمنون بذلك؛ لأنّ الرّوم أهل كتابٍ في الجملة، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس، كما قال [اللّه] تعالى: {لتجدنّ أشدّ النّاس عداوةً للّذين آمنوا اليهود والّذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودّةً للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانًا وأنّهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنّا فاكتبنا مع الشّاهدين} [المائد: 82، 83]، وقال تعالى هاهنا: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان، حدّثنا الوليد، حدّثني أسيدٌ الكلابيّ، قال: سمعت العلاء بن الزّبير الكلابيّ يحدّث عن أبيه، قال: رأيت غلبة فارس الرّوم، ثمّ رأيت غلبة الرّوم فارس، ثمّ رأيت غلبة المسلمين فارس والرّوم، كلّ ذلك في خمس عشرة سنة.
وقوله: {وهو العزيز} أي: في انتصاره وانتقامه من أعدائه، {الرّحيم} بعباده المؤمنين). [تفسير ابن كثير: 6/ 297-305]

تفسير قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده} أي: هذا الّذي أخبرناك به -يا محمّد- من أنّا سننصر الرّوم على فارس، وعدٌ من اللّه حقٌّ، وخبر صدقٍ لا يخلف، ولا بدّ من كونه ووقوعه؛ لأنّ اللّه قد جرت سنّته أن ينصر أقرب الطّائفتين المقتتلتين إلى الحقّ، ويجعل لها العاقبة، {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} أي: بحكم اللّه في كونه وأفعاله المحكمة الجارية على وفق العدل). [تفسير ابن كثير: 6/ 305]

تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} أي: أكثر النّاس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذّاقٌ أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عمّا ينفعهم في الدّار الآخرة، كأنّ أحدهم مغفّل لا ذهن له ولا فكرة.
قال الحسن البصريّ: واللّه لبلغ من أحدهم بدنياه أنّه يقلب الدّرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلّي.
وقال ابن عبّاسٍ في قوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} يعني: الكفّار، يعرفون عمران الدّنيا، وهم في أمر الدّين جهّالٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 305]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة