العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:54 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (144) إلى الآية (147) ]

{ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:37 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة وكان من قبل يقربون صدقاتهم فإن تقبلت منهم جاءت النار فأكلتها وإن لم تقبل منهم تركت حتى جاءت السباع فأكلتها فقال أي رب إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون المشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال أي رب إني أجد في الألواح أمة يقاتلون أهل الضلال حتى يقاتلوا المسيح الدجال فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال فألقى موسى الألواح قال أي رب اجعلني منهم قال إنك لن تدركهم قال الله تعالى: {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} قال فرضي نبي الله قال وزيد {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 237]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: أخبرني جرير بن جابر الخثعمي أنه سمع كعب الأحبار يقول لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه فطفق موسى يقول والله يا رب ما أفقه هذا حتى كلمه آخر ذلك بلسانه بمثل صوته فقال موسى هذا يا رب كلامك قال الله تعالى: لو كلمتك كلامي لم تكن شيئا أو قال: لم تستقم له، قال: أي رب هل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأقرب خلفي شبه كلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 238-239]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي}
- أخبرنا حميد بن مسعدة، حدّثنا بشرٌ، حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن أبي هريرة عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «لقي موسى آدم عليهما السّلام، فقال: أنت آدم أبو البشر الّذي أشقيت النّاس وأخرجتهم؟ قال: نعم، قال: ألست موسى الّذي اصطفاك الله برسالته وكلامه؟ قال: بلى، قال: أفليس تجد في ما أنزل الله عليك أنّه سيخرجني منها قبل أن يدخلنيها؟ قال: بلى، فخصم آدم موسى
»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسلاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن مّن الشّاكرين}.
يقول تعالى ذكره: قال اللّه لموسى: {يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس} يقول: اخترتك على النّاس {برسالاتي} إلى خلقي، أرسلتك بها إليهم. {وبكلامي} كلّمتك وناجيتك دون غيرك من خلقي. {فخذ ما آتيتك} يقول: فخذ ما أعطيتك من أمري ونهيي وتمسّك به، واعمل به، يريد {وكن من الشّاكرين} للّه على ما آتاك من رسالته، وحصل به من النّجوى بطاعته في أمره ونهيه والمسارعة إلى رضاه). [جامع البيان: 10/ 436]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين (144)}
قوله تعالى: {قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس}؛
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عبد الأعلى بن حمّادٍ النّرسيّ ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا، وكلّم موسى تكليمًا، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون، وهو عبد اللّه ورسوله من كلمة اللّه وروحه، وآتى سليمان ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وآتى داود زبورًا وغفر لمحمّدٍ ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر صلّى اللّه عليه وسلّم وعليهم أجمعين.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: اصطفى يعني اختار). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1562]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن ابن شودب قال: أوحى الله إلى موسى أتدري لم اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي قال: لا يا رب، قال: إنه لم يتواضع لي تواضعك أحد). [الدر المنثور: 6/ 564]

تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {سأوريكم دار الفاسقين}، قال: منازلهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 236]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن عبد الصمد بن مغفل أنه سمع وهبا يقول في قوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء} قال: كتب له أن لا تشرك بي شيئا من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كل ذلك خلقي ولا تحلف باسمي فإن من حلف باسمي كاذبا فإني لا أزكيه ووقر والديك). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 244]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: هلاك الفاسقين). [تفسير الثوري: 114]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح... } إلى قوله تعالى: {سأوريكم دار الفاسقين}
- حدّثنا سعيدٌ ؛ قال: نا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ - في قوله عزّ وجلّ: {سأريكم دار الفاسقين} - قال: رفعت لموسى حتّى نظر إليها). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 157]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح}
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن يزيد، حدّثنا سفيان، عن عمرٍوٍ، عن طاوسٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«قال موسى لآدم: أنت الّذي خيّبت النّاس وأخرجتهم من الجنّة؟ فقال آدم: أنت الّذي اصطفاك الله وكتب لك بيده التّوراة، أتلومني على أمرٍ قد قدره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنةً؟»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 101]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً لكلّ شيءٍ فخذها بقوّةٍ وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين}.
يقول تعالى ذكره: وكتبنا لموسى في ألواحه. وأدخلت الألف واللاّم في {الألواح} بدلاً من الإضافة، كما قال الشّاعر:
والأحلام غير عوازب
وكما قال جلّ ثناؤه: {فإنّ الجنّة هي المأوى} يعني: هي مأواه.
وقوله: {من كلّ شيءٍ} يقول من التّذكير والتّنبيه على عظمة اللّه وعزّ سلطانه. {موعظةً} لقومه ومن أمر بالعمل بما كتب في الألواح. {وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} يقول: وتبيينًا لكلّ شيءٍ من أمر اللّه ونهيه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، أو سعيد بن جبيرٍ وهو في أصل كتابي، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} قال: ما أمروا به ونهوا عنه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} من الحلال والحرام.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} قال: ما أمروا به ونهوا عنه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} قال عطيّة: أخبرني ابن عبّاسٍ أنّ موسى -صلّى اللّه عليه وسلّم- لمّا كربه الموت قال: هذا من أجل آدم، قد كان اللّه جعلنا في دار مثوًى لا نموت، فخطأ آدم أنزلنا هاهنا، فقال اللّه لموسى: أبعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال: نعم. فلمّا بعث اللّه آدم، سأله موسى، فقال أبونا آدم عليه السّلام: يا موسى سألت اللّه أن يبعثني لك، قال موسى: لولا أنت لم نكن هاهنا. قال له آدم: أليس قد أتاك اللّه من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً؟ أفلست تعلم أنّه {ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتابٍ من قبل أن نبرأها} قال موسى: بلى. فخصمه آدم صلّى اللّه عليهما.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهبًا، يقول في قوله: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} قال: كتب له لا تشرك بي شيئًا من أهل السّماء ولا من أهل الأرض فإنّ كلّ ذلك خلقي، ولا تحلف باسمي كاذبًا، فإنّ من حلف باسمي كاذبًا فلا أزكّيه، ووقّر والديك.
القول في تأويل قوله تعالى: {فخذها بقوّةٍ}.
يقول تعالى ذكره: وقلنا لموسى إذ كتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً لكلّ شيءٍ: خذ الألواح بقوّةٍ. وأخرج الخبر عن الألواح، والمراد ما فيها.
واختلف أهل التّأويل في معنى القوّة في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناها بجدٍّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، قال: قال أبو سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {فخدها بقوّةٍ} قال: بجدٍّ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فخذها بقوّةٍ} قال: بجدٍّ واجتهادٍ.
وقال آخرون: معنى ذلك: فخذها بالطّاعة للّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {فخذها بقوّةٍ} قال: بالطّاعة.
وقد بيّنّا معنى ذلك بشواهده واختلاف أهل التّأويل فيه في سورة البقرة عند قوله: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
القول في تأويل قوله تعالى: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}.
يقول تعالى ذكره: قلنا لموسى: وأمر قومك بني إسرائيل يأخذوا بأحسنها. يقول: يعملوا بأحسن ما يجدون فيها.
- كما حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} بأحسن ما يجدون فيها.
- حدّثني عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال: أمر موسى أن يأخذها بأشدّ ممّا أمر به قومه.
فإن قال قائلٌ: وما معنى قوله: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} أكان من خصالهم ترك بعض ما فيها من الحسن؟
قيل: لا ولكن كان فيها أمرٌ ونهي، فأمرهم اللّه أن يعملوا بما أمرهم بعمله ويتركوا ما نهاهم عنه، فالعمل بالمأمور به أحسن من العمل بالمنهيّ عنه.
القول في تأويل قوله تعالى: {سأريكم دار الفاسقين}.
يقول تعالى ذكره لموسى إذ كتب في الألواح من كلّ شيءٍ: خذها بجدٍّ في العمل بما فيها واجتهادٍ، وأمر قومك يأخذوا بأحسن ما فيها، وانههم عن تضييعها وتضييع العمل بما فيها والشّرك بي، فإنّ من أشرك بي منهم ومن غيرهم، فإنّي سأريه في الآخرة عند مصيره إليّ دار الفاسقين، وهي نار اللّه الّتي أعدّها لأعدائه. وإنّما قال: {سأريكم دار الفاسقين} كما يقول القائل لمن يخاطبه: سأريك غدًا إلام يصير إليه حال من خالف أمري، على وجه التّهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: مصيرهم في الآخرة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلمٌ، قال: حدّثنا مباركٌ، عن الحسن، في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: جهنّم.
وقال آخرون: معنى ذلك: سأدخلكم أرض الشّام، فأريكم منازل الكافرين الّذين هم سكّانها من الجبابرة والعمالقة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {سأريكم دار الفاسقين} منازلهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {دار الفاسقين} قال: منازلهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: سأريكم دار قوم فرعون، وهي مصر.
ذكر من قال ذلك:
وإنّما اخترنا القول الّذي اخترناه في تأويل ذلك؛ لأنّ الّذي قبل قوله جلّ ثناؤه: {سأريكم دار الفاسقين} أمرٌ من اللّه لموسى وقومه بالعمل بما في التّوراة، فأولى الأمور بحكمة اللّه تعالى أن يختم ذلك بالوعيد على من ضيّعه وفرّط في العمل للّه وحاد عن سبيله، دون الخبر عمّا قد انقطع الخبر عنه أو عمّا لم يجز له ذكرٌ). [جامع البيان: 10/ 436-442]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلًا لكلّ شيءٍ فخذها بقوّةٍ وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين (145)}
قوله تعالى: {وكتبنا له}
- ذكر عن عبد الرّحمن بن بشر بن الحكم النّيسابوريّ، ثنا موسى بن عبد العزيز القنباريّ، حدّثني الحكم بن أبان، حدّثني عكرمة أنّ التّوراة كتبت بأقلامٍ من ذهبٍ.
قوله تعالى: {في الألواح}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا يونس بن بكيرٍ حدّثني محمّد بن إسحاق، حدّثني صدقة بن يسارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أعطى اللّه موسى التّوراة في سبعة ألواحٍ من زبرجد فيها تبيانٌ لكلّ شيءٍ، وموعظة التّوراة مكتوبةً فلمّا جاء بها فرأى بني إسرائيل عكفوا على في العجل، رمى بالتّوراة من يديه، فتحطّمت وأقبل على هارون فأخذ برأسه، فرفع اللّه منها ستّة أسباعٍ وبقي سبعا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا أبو عليٍّ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه عن جدّه رفعه قال: الألواح الّتي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنّة كان طول اللّوح اثني عشر ذراعًا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا آدم العسقلانيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية قال: كانت ألواح موسى من بردي.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا خالي محمّد بن يزيد، ثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي الجنيد، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كانوا يقولون: كانت الألواح من ياقوتةٍ وأنا أقول: إنّما كانت من زمرّدٍ، وكتابها الذّهب، وكتب الرّحمن تبارك وتعالى بيده، وسمع أهل السّماء صريف القلم.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن أميّة ثنا حكّامٌ، عن أبي الجنيد، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كانت الألواح من ياقوتةٍ كتبها اللّه بيده فسمع أهل السّماوات صريف القلم.
قوله تعالى: {من كلّ شيءٍ موعظةً}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: وكان اللّه عزّ وجلّ كتب في الألواح ذكر محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- وذكر أمّته، وما ذخر لهم عنده، وما يسّر عليهم في دينهم وما وسّع عليهم فيما أحلّ لهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يونس بن بكيرٍ، عن جعفر بن برقان، عن ميمونٍ قال: فيما كتب اللّه تعالى لموسى في الألواح: يا موسى لا تحلف بي كاذبًا فإنّي لا أزكّي عمل من حلف بي كاذبًا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: في قوله: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلا لكلّ شيءٍ} قال: كتب له لا تشرك بي شيئًا من أهل السّماء ولا من أهل الأرض فإنّ كلّ ذلك خلقي، ولا تحلف باسمي كاذبًا فإنّي لا أزكّي من حلف باسمي كاذبًا ووقّر والديك.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، أخبرني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهبًا يقول: إنّ في الألواح الّتي كتب اللّه عزّ وجلّ لموسى الّتي قال اللّه تعالى: وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلًا لكلّ شيءٍ قال له: يا موسى اعبدني ولا تشرك معي شيئًا من أهل السّماء ولا من أهل الأرض فإنّهم خلقي كلّهم، فإذا أشرك بي غضبت وإذا غضبت لعنت، وإنّ لعنتي تدرك الرّابع من الولد، وإنّي إذا أطعت رضيت، فإذا رضيت باركت والبركة منّي تدرك الأمّة بعد الأمّة يا موسى لا تحلف باسمي كاذبًا فإنّي لا أزكّي من حلف باسمي كاذبًا، يا موسى وقّر والديك فإنّه من وقّر والديه مددت له في عمره، ووهبت له ولدًا يبرّه ومن عقّ والديه قصّرت له من عمره، ووهبت له ولدًا يعقّه يا موسى احفظ السّبت فإنّه آخر يومٍ فرغت فيه من خلقي، يا موسى لا تزن ولا تسرق، يا موسى لا تولّ وجهك، عن عدوّي، يا موسى ولا تزن بامرأة جارك الّذي يأمنك يا موسى لا تغلب جارك على ماله ولا تخلفه على امرأته.
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان ثنا رجلٌ، عن السّدّيّ في قوله: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً}؛ قال: كلّ شيءٍ أمروا به، ونهوا عنه.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قال: لمّا أخذ موسى الألواح قال: يا ربّ إنّي أجد في الألواح أمّةً هي خير الأمم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمّتي. قال: تلك أمّة أحمد، قال: يا ربّ إنّي أجد في الألواح أمّةً هم الآخرون السّابقون يوم القيامة فاجعلهم أمّتي قال: تلك أمّة أحمد، قال يا ربّ إنّي أجد في الألواح أمّةً أناجيلهم في قلوبهم وكانوا يقرءون نظرًا فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد، قال يا ربّ إنّي أجد في الألواح أمّةً يأكلون صدقاتهم في بطونهم، ويؤجرون عليها فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد وقال: إنّ من قبلنا كانوا يقرّبون صدقاتهم فإن تقبّلت منهم جاءت النّار فأكلتها، وإن لم تقبل منهم جاءت السّباع فأكلتها. قال يا ربّ إنّي أجد في الألواح أمّةً هم السّابقون المشفوع لهم فاجعلهم أمّتي قال: تلك أمّة أحمد، قال: يا ربّ إنّي أجد في الألواح أمّةً يقاتلون أهل الضّلالة حتّى يقتلون المسيح الدّجّال فاجعلهم أمّتي قال تلك أمّة أحمد، قال: فألقى موسى الألواح وقال: يا ربّ فاجعلني من أمّة محمّدٍ قال: فرضي نبيّ اللّه وزيد ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون.
قوله تعالى: {وتفصيلاً}
- حدّثنا أبو سعيدٍ يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا يونس بن بكيرٍ، حدّثني محمّد بن إسحاق، حدّثني صدقة بن يسارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: {وتفصيلا لكلّ شيءٍ} قال: تبيانًا لكلّ شيءٍ.
قوله تعالى: {لكلّ شيءٍ}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {وتفصيلا لكلّ شيءٍ} قال: ما أمروا به ونهوا عنه.
قوله تعالى: {فخذها بقوّةٍ}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فخذها بقوّةٍ} قال: بجدٍّ وحزمٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: {فخذها بقوّةٍ} بالطّاعة.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: {فخذها بقوّةٍ} يعني بجدٍّ واجتهادٍ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، أنبأ محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سفيان فخذها بقوّةٍ يقول بعملٍ وقوله تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوّةٍ} قال بعملٍ.
قوله تعالى: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو ابن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال: بأحسن ما يجدون منها.
قوله تعالى: {سأريكم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزمي، ثنا عمرون بن ثابتٍ عن أبيه عن سعيد بن جبير: {سأريكم دار الفاسقين} قال: رفعت لموسى حتّى رآها.
الوجه الثّاني:
- ذكر لي عبد اللّه بن أحمد الدّشتكيّ، ثنا أبي، ثنا عطّاف بن غزوان ثنا محمّد بن مسعرٍ قال: سألت سفيان بن عيينة عن قوله: {سأريكم دار} يقول: سأبيّن كيف ذلك.
قوله تعالى: {دار الفاسقين}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة ثنا ورقا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {دار الفاسقين} قال: مصيرهم في الآخرة.
- حدّثنا عمر بن شبهٍ ثنا أبو خلفٍ يعني عبد اللّه بن عيسى ثنا يونس، عن الحسن {سأريكم دار الفاسقين} قال: جهنّم.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة {دار الفاسقين} منازلهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سفيان قوله: {دار الفاسقين} يقول: هلاك الفاسقين.
قوله تعالى: {الفاسقين}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: دار الكفار). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1562-1566]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وتفصيلا لكل شيء} قال يعني ما أمروا به ونهوا عنه). [تفسير مجاهد: 246]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} يقول سأريكم مصيرهم في الآخرة). [تفسير مجاهد: 246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: قال موسى: يا رب دلني على عمل إذا عملته كان شكرا لك فيما اصطنعت إلي، قال: يا موسى قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال: فكان موسى أراد من العمل ما هو أنهك لجسمه مما أمر به فقال له: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن، قوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء}
- أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كتبت التوراة بأقلام من ذهب.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: كتب الله الألواح لموسى وهو يسمع صريف الأقلام في الألواح.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
«الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثني عشر ذراعا».
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال: أخبرت أن الألواح من زبرجد ومن زمرد الجنة أمر الرب تعالى جبريل فجاء بها من عدن وكتبها بيده بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانوا يقولون: كانت الألواح من ياقوتة وأنا أقول: إنما كانت من زبرجد وكتابها الذهب كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف القلم.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: كانت ألواح موسى من برد.
- وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: كانت الألواح من زمرد أخضر أمر الرب -تعالى- جبريل فجاء بها من عدن فكتب الرب بيده بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح.
- وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال: كتب الله التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة يسمع صريف القلم في ألواح من زمرد ليس بينه وبينه إلا الحجاب.
- وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن الله لم يمش شيئا إلا ثلاثة، خلق آدم بيده وغرس الجنة بيده وكتب التوراة بيده.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن حكيم بن جابر قال: أخبرت أن الله -تبارك وتعالى- لم يمس من خلقه بيده شيئا إلا ثلاثة أشياء، غرس الجنة بيده وجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك وخلق آدم بيده وكتب التوراة لموسى بيده.
- وأخرج عبد بن حميد عن وردان بن خالد قال خلق الله آدم بيده وخلق جبريل بيده وخلق القلم بيده وخلق عرشه بيده وكتب الكتاب الذي عنده لا يطلع عليه غيره بيده وكتب التوراة بيده.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أعطى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفا على عبادة العجل رمى بالتوراة من يده فتحطمت فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع.
- وأخرج عبد بن حميد عن مغيث الشامي قال: بلغني أن الله -تعالى- لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء الجنة غرسها بيده وآدم خلقه بيده والتوراة كتبها بيده.
- وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عمر قال: خلق الله آدم بيده وخلق جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده ثم قال لسائر الأشياء: كن فكان.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} أمروا به ونهوا عنه.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء} قال: مما أمروا به ونهوا عنه.
- وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه وضعفه الذهبي عن ابن عباس قال: إن الله يقول في كتابه لموسى: {إني اصطفيتك على الناس}، {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} قال: فكان يرى أن جميع الأشياء قد أثبتت له كما ترون أنتم علماءكم فلما انتهى إلى ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه فأقر له بفضل علمه ولم يحسده الحديث.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس، أن موسى لما كربه الموت قال: هذا من أجل آدم قد كان الله جعلنا في دار مثوى لا نموت فخطا آدم أنزلنا هنا، فقال الله لموسى: أبعث لك آدم فتخاصمه قال: نعم، فلما بعث الله آدم سأله موسى فقال: لولا أنت لم نكن ههنا، فقال له آدم: قد آتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلا أفلست تعلم أنه {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] قال موسى: بلى فخصمه آدم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الله عز وجل كتب في الألواح ذكر محمد -صلى الله عليه وسلم- وذكر أمته وما ذخر لهم من عنده وما يسر عليهم في دينهم وما وسع عليهم فيما أحل لهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: فيما كتب الله لموسى في الألواح: يا موسى لا تحلف بي كاذبا فإني لا أزكي عمل من حلف بي كذبا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في قوله: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} قال: كتب له اعبدني ولا تشرك بي شيئا من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كل ذلك خلقي فإذا أشرك بي غضبت وإذا غضبت لعنت وإن لعنتي تدرك الرابع من الولد وإني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت والبركة مني تدرك الأمة بعد الأمة ولا تحلف باسمي كاذبا فإني لا أزكي من حلف باسمي كاذبا ووقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولدا يبره ومن عق والديه قصرت له في عمره ووهبت له ولدا يعقه واحفظ السبت فإنه آخر يوم فرغت فيه من خلقي ولا تزن ولا تسرق ولا تول وجهك عن عدوى ولا تزن بامرأة جارك الذي يأمنك ولا تغلب جارك على ماله ولا تخلفه على امرأته.
- وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي حزرة القاص أن العشر الآيات التي كتب الله تعالى لموسى في الألواح: أن اعبدني ولا تشرك بي شيئا ولا تحلف باسمي كاذبا فإني لا أزكي ولا أطهر من حلف باسمي كاذبا واشكر لي ولوالديك أنسأ لك في أجلك وأقيك المتالف ولا تسرق ولا تزن فأحجب عنك نور وجهي ولا تغلق عن دعائك أبواب سماواتي ولا تغدر بحليل جارك وأحب للناس ما تحب لنفسك ولا تشهد بما لم يع سمعك ويفقه قلبك فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها ولا تذبح لغيري ولا يصعد إلي من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي.
- وأخرج البيهقي عن عطاء قال: بلغني أن فيما أنزل الله على موسى عليه السلام: لا تجالسوا أهل الأهواء فيحدثوا في قلبك ما لم يكن.
- وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن لال في مكارم الأخلاق، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كان فيما أعطى الله موسى في الألواح الأول في أول ما كتب عشرة أبواب: يا موسى لا تشرك بي شيئا فقد حق القول مني لتلفحن وجوه المشركين النار واشكر لي ولوالديك أقك المتالف وانسأ في عمرك وأحييك حياة طيبة وأقلبك إلى خير منها ولا تقتل النفس التي حرمت إلا بالحق فتضيق عليك الأرض برحبها والسماء بأقطارها وتبوء بسخطي والنار ولا تحلف باسمي كاذبا ولا آثما فإني لا أطهر ولا أزكي من لم ينزهني ويعظم أسمائي ولا تحسد الناس على ما أعطيتهم من فضلي ولا تنفس عليهم نعمتي ورزقي فإن الحاسد عدو نعمتي راد لقضائي ساخط لقسمتي التي أقسم بين عبادي ومن لم يكن كذلك فلست منه وليس مني ولا تشهد بما لم يع سمعك ويحفظ عقلك وتعقد عليه قلبك فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها سؤالا حثيثا ولا تزن ولا تسرق ولا تزن بحليلة جارك فأحجب عنك وجهي ولا تغلق عنك أبواب السماء وأحبب للناس ما تحب لنفسك ولا تذبحن لغيري فإني لا أقبل من القربان إلا ما ذكر عليه اسمي وكان خالصا لوجهي وتفرغ لي يوم السبت وفرغ لي نفسك وجميع أهل بيتك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الله جعل السبت لموسى عيدا واختار لنا الجمعة فجعلها لنا عيدا».
- وأخرج أبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال: مما كتب الله لموسى في الألواح لا تتمن مال أخيك ولا امرأة أخيك
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن وهب بن منبه قال: مكتوب في التوراة: شوقناكم فلم تشتاقوا ونحنا لكم فلم تبكوا ألا وإن لله ملكا ينادي في السماء كل ليلة: بشر القتالين بأن لهم عند الله سيفا لا ينام وهو نار جهنم أبناء الأربعين زرع قددنا حصاده أبناء الخمسين هلموا إلى الحساب لا عذر لكم أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم أبناء السبعين ما تنظرون ألا ليت الخلق لم يخلقوا فإذا خلقوا علموا لما خلقوا ألا أتتكم الساعة فخذوا حذركم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: قال موسى: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القيامة الآخرون في الخلق والسابقون في دخول الجنة فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في قلوبهم يقرأونها - قال قتادة: وكان من قبلكم إنما يقرأون كتابهم نظرا فإذا رفعوها لم يحفظوا منه شيئا ولم يعوه وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم قبلكم فالله خصكم بها وكرامة أكرمكم بها - قال: فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها - قال قتادة: وكان من قبلكم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها وإن ردت تركت فأكلتها السباع والطير وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم رحمة رحمكم بها وتخفيفا خفف به عنكم - فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها فإن عملها كتبت سيئة واحدة فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال قتادة: فذكر لنا أن نبي الله موسى نبذ الألواح وقال: اللهم إذا فاجعلني من أمة أحمد، قال: فأعطي اثنتين لم يعطهما {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} قال: فرضي نبي الله ثم أعطى الثانية {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال: فرضي نبي الله موسى كل الرضا.
- وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال موسى: يا رب أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بالحسنة كتبت له حسنة وإذا عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بالسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه وإذا عملها كتبت سيئة واحدة فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفع لهم فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم يوم القيامة فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب أجد في الألواح أمة ينصرون على من ناوأهم حتى يقاتلوا الأعور الدجال فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: فانتبذ الألواح من يده وقال: رب فاجعلني من أمة أحمد، فأنزل الله: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} فرضي نبي الله موسى -صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: فيما ناجى موسى ربه فيما وهب الله لمحمد وأمته حيث قرأ التوراة وأصاب فيها نعت النّبيّ وأمته قال: يا رب من هذا النبي الذي جعلته وأمته أولا وآخرا قال: هذا محمد النّبيّ الأمي العربي الحرمي التهامي من ولد قاذر بن إسمعيل جعلته أولا في المحشر وجعلته آخرا ختمت به الرسل يا موسى ختمت بشريعته الشرائع وبكتابه الكتب وبسننه السنن وبدينه الأديان، قال: يا رب إنك اصطفيتني وكلمتني قال: يا موسى إنك صفي وهو حبيبي أبعثه يوم القيامة على كوم أجعل حوضه أعرض الحياض وأكثرهم واردا وأكثرهم تبعا قال: رب لقد كرمته وشرفته، قال: يا موسى حق لي أن أكرمه وأفضله وأفضل أمته لأنهم يؤمنون بي وبرسلي كلهم وبكلمتي كلها وبغيبي كله ما كان فيهم شاهدا - يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم - ومن بعد موته إلى يوم القيامة، قال: يا رب هذا نعتهم قال: نعم، قال: يا رب وهبت لهم الجمعة أو لأمتي قال: بل لهم الجمعة دون أمتك، قال: رب إني نظرت في التوراة إلى نعت قوم غر محجلين فمن هم أمن بني إسرائيل هم أم من غيرهم قال: تلك أمة أحمد الغر المحجلون من آثار الوضوء، قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوما يمرون على الصراط كالبرق والريح فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوما يصلون الصلوات الخمس فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوما يتزرون إلى أنصافهم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت قوما يراعون الشمس مناديهم في جو السماء فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني وجدت في التوراة قوما الحسنة منهم بعشرة والسيئة بواحدة فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم شاهرين سيوفهم لا ترد لهم حاجة قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوما إذا أرادوا أمرا استخاروك ثم ركبوه فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في التوراة نعت قوم يشفع محسنهم في مسيئهم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبدا لا يقضون منه وطرا أبدا فمن هم قال: تلك أمة احمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم قربانهم دماؤهم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يقاتلون في سبيلك صفوفا زحوفا يفرغ عليهم الصبر إفراغا فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يذنب أحدهم الذنب فيتوضأ فيغفر له ويصلي فتجعل الصلاة له نافلة بلا ذنب فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يشهدون لرسلك بما بلغوا فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يجعلون الصدقة في بطونهم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم الغنائم لهم حلال وهي محرمة على الأمم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم جعلت الأرض لهم طهورا ومسجدا فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت نعت قوم الرجل منهم خير من ثلاثين ممن كان قبلهم فمن هم قال: تلك أمة أحمد يا موسى الرجل من الأمم السالفة أعبد من الرجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثين ضعفا وهم خير بثلاثين ضعفا بإيمانه بالكتب كلها، قال: يا رب إني وجدت نعت قوم يأوون إلى ذكرك ويتحابون عليه كما تأوي النسور إلى وكورها فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم إذا غضبوا هللوك وإذا تنازعوا سبحوك فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يغضبون لك كما يغضب النمر الحرب لنفسه فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تفتح أبواب السماء لأعمالهم وأرواحهم وتباشر بهم الملائكة فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تتباشر بهم الأشجار والجبال بممرهم عليها لتسبيحهم لك وتقديسهم لك فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم وهبت لهم الاسترجاع عند المصيبة ووهبت لهم عند المصيبة الصلاة والرحمة والهدى فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تصلي عليهم أنت وملائكتك فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يدخل محسنهم الجنة بغير حساب ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وظالمهم يغفر له فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب فاجعلني منهم، قال: يا موسى أنت منهم وهم منك لأنك على ديني وهم على ديني ولكن قد فضلتك برسالاتي وبكلامي فكن من الشاكرين.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يبعثون يوم القيامة قد ملأت صفوفهم ما بين المشرق والمغرب صفوفا يهون عليهم الموقف لا يدرك فضلهم أحد من الأمم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تقبضهم على فرشهم وهم شهداء عندك فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم لا يخافون فيك لومة لائم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم صديقهم أفضل الصديقين فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب لقد كرمته وفضلته، قال: يا موسى هو كذلك نبي وصفي وحبيبي وأمته خير أمة، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم محرمة على الأمم الجنة أن يدخلوها حتى يدخلها نبيهم وأمته فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب لبني إسرائيل ما بالهم قال: يا موسى إن قومك من بني إسرائيل يبدلون دينك من بعدك ويغيرون كتابك الذي أنزلت عليك وإن أمة محمد لا يغيرون سنته ولا يبطلون الكتاب الذي أنزلت عليه إلى أن تقوم الساعة فلذلك بلغتهم سنام كرامتي وفضلتهم على الأمم وجعلت نبيهم أفضل الأنبياء، أولهم في الحشر وأولهم في انشقاق الأرض وأولهم شافعا وأولهم مشفعا، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم حلماء علماء كادوا أن يبلغوا بفقههم حتى يكونوا أنبياء فمن هم قال: تلك أمة أحمد يا موسى أعطوا العلم الأول الآخر، قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوما توضع المائدة بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم فمن هم قال: أولئك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يلبس أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر لهم فمن هم قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في التوراة نعت قوم إذا استووا على ظهور دوابهم حمدوك فيغفر لهم فمن هم قال: تلك أمة أحمد أوليائي يا موسى الذين أنتقم بهم من عبدة النيران والأوثان.
- وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونه ظاهرا فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يأكلون الفيء فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشر حسنات فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني وجدت في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر فيقتلون قرون الضلالة والمسيح الدجال فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب فاجعلني من أمة أحمد فأعطي عند ذلك خصلتين {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} قال: قد رضيت يا رب».
- وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عبد الرحمن المغافري أن كعب الأحبار رأى حبر اليهود يبكي فقال له: ما يبكيك قال: ذكرت بعض الأمر فقال له كعب: أنشدك بالله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني قال: نعم، قال: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: رب إني أجد أمة في التوراة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال فقال موسى: رب اجعلهم أمتي، قال: هم أمة أحمد قال الحبر: نعم، قال كعب: فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: رب إني أجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون إذا أرادوا أمرا قال افعله إن شاء الله فاجعلهم أمتي، قال: هم أمة أحمد قال الحبر: نعم، قال كعب: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: يا رب إني أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله وإذا هبط واديا حمد الله الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء غر محجلون من آثار الوضوء فاجعلهم أمتي، قال: هم أمة أحمد قال الحبر: نعم، قال كعب: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب واصطفيتهم {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} [فاطر: 32] ولا أجد أحدا منهم إلا مرحوما فاجعلهم أمتي، قال: هم أمة أحمد قال الحبر: نعم، قال كعب: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: يا رب إني أجد في التوراة أمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنة يصفون في صلاتهم كصفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل لا يدخل النار منهم أحدا إلا من بري من الحسنات مثل ما بري الحجر من ورق الشجر فاجعلهم أمتي، قال: هم أمة أحمد قال الحبر: نعم، فلما عجب موسى من الخير الذي أعطاه الله محمدا وأمته قال: يا ليتني من أمة أحمد فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} الآية فرضي موسى كل الرضا.
- وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن عمرو قال لكعب: أخبرني عن صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته قال: أجدهم في كتاب الله: إن أحمد وأمته حمادون يحمدون الله على كل خير وشر يكبرون الله على كل شرف يسبحون الله في كل منزل نداؤهم في جو السماء لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل على الصخر يصفون في صلاتهم كصفوف الملائكة ويصفون في القتال كصفوفهم في الصلاة إذا غزوا في سبيل الله كانت الملائكة بين أيديهم ومن خلفهم برماح شداد إذا حضروا الصف في سبيل الله كان الله عليهم مظلا كما تظل النسور على وكورها لا يتأخرون زحفا أبدا حتى يحضرهم جبريل عليه السلام.
- وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن يزيد الثقفي قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله فقال قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة.
- وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن خالد الربعي قال: قرأت في كتاب الله المنزل أن عثمان بن عفان رافع يديه إلى الله يقول: يا رب قتلني عبادك المؤمنون.
- وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الربعي قال: قرأت في التوراة اتق الله يا ابن آدم وإذا شبعت فاذكر الجائع.
- وأخرج أحمد عن قتادة قال: بلغنا أنه مكتوب في التوراة ابن آدم ارحم ترحم إنه من لا يرحم لا يرحم كيف ترجو أن أرحمك وأنت لا ترحم عبادي.
- وأخرج أحمد وأبو نعيم في الحلية عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يدي في صلاتك باكيا فإني أنا الله الذي اقتربت لقلبك وبالغيب رأيت نوري، قال مالك: يعني الحلاوة والسرور الذي يجد المؤمن.
- وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال: أربعة أحرف في التوراة مكتوب من لم يشاور يندم ومن استغنى استأثر والفقر الموت الأحمر وكما تدين تدان.
- وأخرج أحمد وأبو نعيم عن خيثمة قال: مكتوب في التوراة ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ قلبك غنى وأسد فقرك وإن لا تفعل املأ قلبك شغلا ولا أسد فقرك.
- وأخرج أحمد في الزهد عن بيان قال: بلغني أن في التوراة مكتوب ابن آدم كسيرة تكفيك وخرقة تواريك وحجر يأويك.
- وأخرج أحمد عن وهيب المكي قال: بلغني أنه مكتوب في التوراة يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فلا أمحقك مع من أمحق وإذا ظلمت فارض بنصرتي لك فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك
- وأخرج أحمد عن الحسن بن أبي الحسن قال: انتهت بنو إسرائيل إلى موسى عليه السلام فقالوا: إن التوراة تكبر علينا فأنبئنا بجماع من الأمر فيه تخفيف، فأوحى الله إليه: ما سألك قومك قال: يا رب أنت أعلم، قال: إنما بعثتك لتبلغني عنهم وتبلغهم عني، قال: فإنهم سألوني جماعا من الأمر فيه تخفيف ويزعمون أن التوراة تكبر عليهم فقال الله عز وجل: قل لهم لا تظالموا في المواريث ولا يدخلن عليكم عبد بيتا حتى يستأذن وليتوضأ من الطعام ما يتوضأ للصلاة فاستخفوها يسيرا ثم إنهم لم يقوموا بها، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك:
«تقبلوا إلي بست أتقبل لكم بالجنة من حدث فلا يكذب ومن وعد فلا يخلف ومن ائتمن فلا يخون اخفظوا أيديكم وأبصاركم وفروجكم».
- وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة من يزدد علما يزدد وجفا، وقال: مكتوب في التوراة من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه.
- وأخرج أحمد عن قتادة قال: إن في التوراة مكتوبا يا ابن آدم تذكرني وتنساني وتدعو إلي وتفر مني وأرزقك وتعبد غيري
- وأخرج عبد الله وابنه عن الوليد بن عمر قال: بلغني أنه مكتوب في التوراة ابن آدم حرك يديك أفتح لك بابا من الرزق وأطعني فيما آمرك فما أعلمني بما يصلحك.
- وأخرج عبد الله عن عقبة بن زينب قال: في التوراة مكتوب لا تتوكل على ابن آدم فإن ابن آدم لليس ولكن توكل على الحي الذي لا يموت وفي التوراة مكتوب مات موسى كليم الله فمن ذا الذي لا يموت.
- وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال: وجدت فيما أنزل الله على موسى أن من أحب الدنيا أبغضه الله ومن أبغض الدنيا أحبه الله ومن أكرم الدنيا أهانه الله ومن أهان الدنيا أكرمه الله.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال: مكتوب في التوراة ليكن وجهك بسطا وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذين يعطونهم العطاء.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال: بلغني أنه مكتوب في التوراة كما ترحمون ترحمون
- وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل في التوراة مكتوب: يا ابن آدم اتق ربك وابرر والديك وصل رحمك أمد لك في عمرك وأيسر لك يسرك وأصرف عنك عسرك.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن كردوس الثعلبي قال: مكتوب في التوراة اتق توقه إنما التوقي في التقوى ارحموا ترحموا توبوا يتاب عليكم.
- وأخرج الحكيم في نوادر الأصول عن أبي الجوزاء قال: قرأت في التوراة أن سرك أن تحيا وتبلغ علم اليقين فاحتمل في كل حين أن تغلب شهوات الدنيا فإن من يغلب شهوات الدنيا يفرق الشيطان من ظله.
- وأخرج الطبراني في السنة وأبو الشيخ عن كعب قال: لما أراد الله أن يكتب لموسى التوراة قال: يا جبريل ادخل الجنة فائتني بلوحين من شجرة الجنة فدخل جبريل الجنة فاستقبلته شجرة من شجر الجنة من ياقوت الجنة فقطع منها لوحين فتابعته على ما أمره الرحمن تبارك وتعالى فأتى بهما الرحمن فأخذهما بيده فعاد اللوحان نورا لما مسهما الرحمن تبارك وتعالى وتحت العرش نهر يجري من نور لا يدري حملة العرش أين يجيء ولا أين يذهب منذ خلق الله الخلق فلما استمد منه الرحمن جف فلم يجر فلما كتب لموسى التوراة بيده ناول اللوحين موسى فلما أخذهما موسى عادا حجارة فلما رجع إلى بني إسرائيل وإلى هرون وهو مغضب أخذ بلحيته ورأسه يجره إليه فقال له هرون: يا ابن آدم {إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني} ومع ذلك إني خفت أن آتيك فتقول: فرقت بين بني إسرائيل ولم تنتظر قولي فاستغفر موسى ربه تبارك وتعالى واستغفر لأخيه وقد تكسرت الألواح لما ألقاها من يده.
- وأخرج أحمد في الزهد عن كعب الأحبار، أن موسى عليه السلام كان يقول في دعائه: اللهم لين قلبي بالتوراة ولا تجعل قلبي قاسيا كالحجر.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: سأل موسى جماعا من العمل فقيل له: انظر ما تريد أن يصاحبك به الناس فصاحب الناس به.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {فخذها بقوة} قال: بجد وحزم {سأريكم دار الفاسقين} قال: دار الكفار.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {فخذها بقوة} قال: بجد {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال: أمر موسى أن يأخذها بأشد مما أمر به قومه
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فخذها بقوة} قال: إن الله تعالى يحب أن يؤخذ أمره بقوة وجد.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {فخذها بقوة} قال: بطاعة.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {فخذها بقوة} يعني بجد واجتهاد {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال: بأحسن ما يجدون منها.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: مصيرهم في الآخرة.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {دار الفاسقين} قال: منازلهم في الدنيا.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: جهنم.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: رفعت لموسى حتى نظر إليها.
- وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال: مصر). [الدر المنثور: 6/ 564-591]

تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ}.
اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: سأنزع عنهم فهم الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بكرٍ، قال: سمعت ابن عيينة، يقول في قول اللّه: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ} قال: يقول: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي.
وتأويل ابن عيينة هذا يدلّ على أنّ هذا الكلام كان عنده من اللّه وعيدًا لأهل الكفر باللّه ممّن بعث إليهم نبيّنا -صلّى اللّه عليه وسلّم- دون قوم موسى؛ لأنّ القرآن إنّما أنزل على نبيّنا محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- دون موسى عليه السّلام.
وقال آخرون في ذلك: معناه: سأصرفهم عن الاعتبار بالحجج.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {سأصرف عن آياتي} عن خلق السّموات والأرض والآيات فيها، سأصرفهم عن أن يتفكّروا فيها ويعتبروا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه أخبر أنّه سيصرف عن آياته، وهي أدلّته وأعلامه على حقّيّة ما أمر به عباده وفرض عليهم من طاعته في توحيده وعدله وغير ذلك من فرائضه، والسّموات والأرض، وكلّ موجودٍ من خلقه فمن آياته، والقرآن أيضًا من آياته. وقد عمّ بالخبر أنّه يصرف عن آياته المتكبّرين في الأرض بغير الحقّ، وهم الّذين حقّت عليهم كلمة اللّه أنّهم لا يؤمنون، فهم عن فهم جميع آياته والاعتبار والادّكار بها مصروفون؛ لأنّهم لو وفّقوا لفهم بعض ذلك فهدوا للاعتبار به اتّعظوا وأنابوا إلى الحقّ، وذلك غير كائنٍ منهم؛ لأنّه جلّ ثناؤه قال: {وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها} فلا تبديل لكلمات اللّه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلاً ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}.
يقول تعالى ذكره: وإنّ هؤلاء الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ. وتكبّرهم فيها بغير الحقّ: تجبّرهم فيها، واستكبارهم عن الإيمان باللّه ورسوله والإذعان لأمره ونهيه، وهم للّه عبيدٌ يغذوهم بنعمته ويريح عليهم رزقه بكرةً وعشيًّا. {كلّ آيةٍ} يقول: كلّ حجّةٍ للّه على وحدانيّته وربوبيّته، وكلّ دلالةٍ على أنّه لا تنبغي العبادة إلاّ له خالصةً دون غيره. {لا يؤمنوا بها} يقول: لا يصدّقوا بتلك الآية أنّها دالّةٌ على ما هي فيه حجّةٌ، ولكنّهم يقولون: هي سحرٌ وكذبٌ. {وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلاً} يقول: وإنّ ير هؤلاء الّذين وصف صفتهم طريق الهدى والسّداد الّذي إن سلكوه نجوا من الهلكة والعطب وصاروا إلى نعيم الأبد لا يسلكوه ولا يتّخذوه لأنفسهم طريقًا؛ جهلاً منهم وحيرةً. {وإن يروا سبيل الغيّ} يقول: وإن يروا طريق الهلاك الّذي إن سلكوه ضلّوا وهلكوا. وقد بيّنّا معنى الغيّ فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. {يتّخذوه سبيلاً} يقول: يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقًا لصرف اللّه إيّاهم عن آياته وطبعه على قلوبهم، فهم لا يفلحون ولا ينجحون. {ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} يقول تعالى ذكره: صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها، فيعتبروا بها ويذّكروا فينيبوا؛ عقوبةً منّا لهم على تكذيبهم بآياتنا، {وكانوا عنها غافلين} يقول: وكانوا عن آياتنا وأدلّتنا الشّاهدة على حقّيّة ما أمرناهم به ونهيناهم عنه غافلين لا يتفكّرون فيها، لاهين عنها لا يعتبرون بها، فحقّ عليهم حينئذٍ قول ربّنا، فعطبوا.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {الرّشد} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة وبعض المكّيّين وبعض البصريّين: {الرّشد} بضمّ الرّاء وتسكين الشّين.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة وبعض المكّيّين: (الرّشد) بفتح الرّاء والشّين.
ثمّ اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمّت راؤه وسكنت شينه، وفيه إذا فتحتا جميعًا. فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنّه كان يقول: معناه إذا ضمّت راؤه وسكنت شينه: الصّلاح، كما قال اللّه: {فإن آنستم منهم رشدًا} بمعنى: صلاحًا وكذلك كان يقرؤه هو ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه: الرّشد في الدّين، كما قال جلّ ثناؤه: (تعلّمني ممّا علّمت رشدًا) بمعنى الاستقامة والصّواب في الدّين.
وكان الكسائيّ يقول: هما لغتان بمعنًى واحدٍ، مثل: السّقم والسّقم، والحزن والحزن، وكذلك الرّشد والرّشد.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان مستفيضةٌ القراءة بهما في قراءة الأمصار متّفقتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب بها). [جامع البيان: 10/ 442-445]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلًا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلًا ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146)}
قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي}
- ذكر عن عمرٍو العنقزيّ عن أسباطٍ عن السّدّيّ في قوله:{سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ} يقول: سأصرفهم أن يتفكّروا في آياتي.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، حدّثني عبد الرّحيم بن الحسن الصّفّار قال: قال سفيان بن عيينة في قول اللّه: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ} يقول: أنزع عنهم فهم القرآن فأصرفهم عن آياتي.
- حدّثنا أبي، حدّثني ابن أبي الحواريّ، ثنا الوليد بن عتبة قال: سمعت الفريابيّ يقول في قول اللّه: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ} قال: أمنع قلوبهم من التّفكير في أمري). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1567]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون} يقول: سأصرفهم عن أن يتفكروا في آياتي.
- وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {سأصرف عن آياتي} قال: عن خلق السموات والأرض والآيات التي فيها سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا فيها.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان بن عيينة في قوله: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} يقول: أنزع عنهم فهم القرآن). [الدر المنثور: 6/ 591]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلاّ ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء المستكبرون في الأرض بغير الحقّ، وكلّ مكذّبٍ حجج اللّه ورسله وآياته، وجاحدٌ أنّه يوم القيامة مبعوثٌ بعد مماته، ومنكرٌ لقاء اللّه في آخرته، ذهبت أعمالهم فبطلت، وحصلت لهم أوزارها فثبتت؛ لأنّهم عملوا لغير اللّه وأتعبوا أنفسهم في غير ما يرضى اللّه، فصارت أعمالهم عليهم وبالاً، يقول اللّه جلّ ثناؤه: {هل يجزون إلاّ ما كانوا يعملون} يقول: هل ينالون إلاّ ثواب ما كانوا يعملون، فصار ثواب أعمالهم الخلود في نارٍ أحاط بهم سرادقها؛ إذ كانت أعمالهم في طاعة الشّيطان دون طاعة الرّحمن نعوذ باللّه من غضبه.
وقد بيّنّا معنى الحبوط والجزاء والآخرة فيما مضى بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 10/ 446]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلّا ما كانوا يعملون (147)}
قوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: {حبطت أعمالهم} يعني بطلت أعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1567]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:29 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {برسالاتي وبكلامي} على الجميع.
الأعرج {برسالتي} يجعله واحدًا). [معاني القرآن لقطرب: 573]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}
أي اتخذتك صفوة على الناس.
{برسالاتي وبكلامي}؛
ولو كان إنما تبع كلام غير الله لما قال برسالاتي وبكلامي، لأن الملائكة تنزل إلى الأنبياء بكلام اللّه.
وقوله: {فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}). [معاني القرآن: 2/ 374-375]

تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلم اللّه جل ثناؤه أنّه قد أعطاه من كل شيء يحتاج من أمر الدّين مع ما أراه من الآيات فقال جلّ وعزّ: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء موعظة وتفصيلا لكلّ شيء فخذها بقوّة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين} وقيل في التفسير إنهما كانا لوحين. ويجوز في اللغة أن يقال للوحين ألواح. ويجوز أن يكون ألواح جمع أكثر من اثنين.
وقوله: {فخذها بقوة} أي خذها بقوة في دينك وحجتك.
وقوله: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}.
في هذا وجهان، وهو نحو قوله: (الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه) ونحو قوله: (واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم).
فيحتمل وجهين:
أحدهما: أنّهم أمروا بالخير ونهوا عن الشر، وعرفوا ما لهم في ذلك، فقيل: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}
ويجوز أن يكون نحو ما أمرنا به من الانتصار بعد الظلم، ونحو القصاص في الجروح؛ إذ قال: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}.
{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
فهذا كله حسن والعفو أحسن من القصاص والصبر أحسن من الانتصار). [معاني القرآن: 2/ 375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء}
قال سفيان: أي من الحلال والحرام.
ثم قال تعالى: {موعظة وتفصيلا لكل شيء}
قال سعيد بن جبير: أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه.
ثم قال جل وعز: {فخذها بقوة} أي بقوة في دينك وحجتك وقيل بجد وعزم
ثم قال جل وعز: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} وكلها حسنة
- فقيل المعنى أنهم أمروا أن يأخذوا بما هو أحسن مما هو مطلق لهم وإن لن آتانا جعيعاء مطلقين نحو قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} فهذا مباح والعفو أحسن.
- وقيل: بأحسنها بالأحسن منها.
- وقيل: أمروا بشيء وخبروا بما لهم فيه ونهوا عن شيء وخبروا بما عليهم فيه فقيل لهم خذوا بأحسنها
- وقيل: بالناسخ.
ثم قال تعالى: {سأريكم دار الفاسقين}
- قال الحسن: يعني جهنم.
- وقال مجاهد: يعني مصيرهم في الآخرة.
وقرأ قسامة بن زهير (سأورثكم دار الفاسقين)). [معاني القرآن: 3/ 76-78]

تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}
أي اجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي.
ومعنى {يتكبّرون} أي أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم.
وهذه الصفة لا تكون إلّا للّه جلّ ثناؤه خاصة لأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس مثله، وذلك يستحق أن يقال له: المتكبر، وليس لأحد أن يتكبر لأن الناس في الحقوق سواء.
فليس لأحد ما ليس لغيره واللّه جل ثناؤه المتكبر.
أعلم الله أن هؤلاء يتكبرون في الأرض بغير الحق.
وقوله: {وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا}.
وسبيل الغي هو سبيل الضلال، يقال: غوى الرجل يغوي غيّا وهو غاو إذا ضل.
وقوله: {ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا}.
"ذلك" يصلح أن يكون رفعا، أي إن أمرهم ذلك، ويجوز أن يكون نصبا على معنى فعل اللّه بهم ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا.
(وكانوا عنها غافلين).
"غافلين" يصلح أن يكون -واللّه أعلم- كانوا في تركهم الإيمان بها والنظر فيها والتدبر لها بمنزلة الغافلين.
ويجوز أن يكون (وكانوا) عن جوابها غافلين كما تقول: ما أغفل فلانا عما يراد به). [معاني القرآن: 2/ 376]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}
- قال سفيان بن عيينة: أي أمنعهم من كتابي.
- قال أبو إسحاق: المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم الإضلال عن هداية آياتي.
- وقيل: سأصرفهم عن نفعها
- وقيل: عن عزها
ومعنى {يتكبرون}: يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقوله جل وعز: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}
ويقرأ (سبيل الرشد)، وقرأ عبد الرحمن المقرئ (سبيل الرشاد)
- قال أبو عمرو بن العلاء: (الرشد) الصلاح والرشد في الدين.
- قال غيره: الغي الضلال.
وقوله جل وعز: {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}
- ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان وتدبر الحق بمنزلة الغافلين
- ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به كما يقال ما أغفل فلانا عما يراد به). [معاني القرآن: 3/ 78-80]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 05:18 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) }

تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) }

تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): («السبيل» يؤنث ويذكر، قد جاء بذلك التنزيل؛ قال الله عز وجل:
{هذه سبيلي}، وقال عز وجل: {وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا}. وفي قراءة أبي: (يتخذوها) ). [المذكور والمؤنث: 77-78] (م)
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان يقال الطريق الأعظم والطريق العظمى وقال الله جل وعز: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا} وقال: {قل هذه سبيلي} ). [إصلاح المنطق: 361]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال بعضُ المفسرين في قول اللهّ عَز وجل: {سَأصرِفُ عَن آيَاتيَ الَذِينَ يَتَكًبَرُونَ في الأرْض بِغَيْرِ الْحَق} أحْرِمهُم فَهْم القرآن). [عيون الأخبار: 5/ 133]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 01:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 01:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 01:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 01:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم ان الله تعالى قرر موسى على آلائه عنده على جهة الإخبار وقنعه بها وأمره بالشكر عليها وكأنه قال ولا تتعدها إلى غيرها، و «اصطفى» أصله اصتفى وهو افتعل من صفا يصفو انقلبت التاء طاء لمكان الصاد، ومعناه تخيرتك وخصصتك، ولا تستعمل إلا في الخير والمنن، لا يقال اصطفاه لشر، وقوله على النّاس عام والمراد الخصوص فيمن شارك موسى في الإرسال، فإن الأنبياء كلهم المرسلين مشاركون له بما هم رسل، والظاهر من الشريعة أن موسى مخصص بالكلام وإن كان قد روي في تكليم الله غيره أشياء بما يشاء من أعظمها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن آدم فقال: «هو نبي مكلّم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: إلا أن ذلك قد تأول بأنه كان في الجنة فيتحفظ على هذا تخصيص موسى، ويصح أن يكون قوله على النّاس عموما مطلقا في مجموع الدرجتين الرسالة والكلام. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «برسالاتي» على الجمع إذ الذي أرسل به ضروب، وقرأ ابن كثير ونافع «برسالتي» على الإفراد الذي يراد به الجمع وتحل الرسالة هاهنا محل المصدر الذي هو الإرسال، وقرأ جمهور الناس و «بكلامي»، وقرأ أبو رجاء «برسالتي وبكلمتي»، وقرأ الأعمش «برسالاتي وبكلمي»، وحكى عنه المهدوي «وتكليمي» على وزن تفعيلي، وقوله فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله، فإن جميع النعم من عنده بمقدار وكل الأمور بمرأى من الله ومسمع). [المحرر الوجيز: 4/ 43-44]

تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح ... الآية}، الضمير في له عائد على موسى عليه السلام، والألف واللام في الألواح عوض من الضمير الذي يقدر وصله بين الألواح وموسى عليه السلام، تقديره في ألواحه، وهذا كقوله تعالى: {فإنّ الجنّة هي المأوى} [النازعات: 41] مأواه وقيل: كانت الألواح اثنين، وقيل سبعة، وقال مجاهد وابن عباس: كانت الألواح من زمرد، وقال ابن جبير من ياقوت أحمر، وقال أبو العالية أيضا من برد، وقال الحسن من خشب، وقوله من كلّ شيءٍ لفظه عموم والمراد به كل شيء ينفع في معنى الشرع ويحتاج إليه في المصلحة، وقوله لكلّ شيءٍ مثله، قال ابن جبير: ما أمروا به ونهوا عنه، وقاله مجاهد: وقال السدي: الحلال والحرام. وقوله بقوّةٍ معناه بجد وصبر عليها واحتمال لمؤنها قاله ابن عباس والسدي، وقال الربيع بن أنس بقوّةٍ هنا بطاعة، وقال ابن عباس أمر موسى أن يأخذه بأشد مما أمر به قومه، و «خذ» أصله أؤخذ حذفت الهمزة التي هي فاء الفعل على غير قياس فاستغني عن الأول، وقوله بأحسنها يحتمل معنيين أحدهما التفضيل كأنه قال: إذا اعترض فيها مباحان فيأخذون الأحسن منهما كالعفو والقصاص، والصبر والانتصار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا على القول إن أفعل في التفضيل لا يقال إلا لما لهما اشتراك في المفضل فيه وأما على القول الآخر فقد يراد بالأحسن المأمور به بالإضافة للمنهي عنه لأنه أحسن منه، وكذلك الناسخ بالإضافة إلى المنسوخ ونحو هذا، وذهب إلى هذا المعنى الطبري.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويؤيد هذا التأويل أنه تدخل فيه الفرائض وهي لا تدخل في التأويل الأول، وقد يمكن أن يتصور اشتراك في حسن من المأمور به والمنهي عنه ولو بحسب الملاذ وشهوات النفس الأمارة، والمعنى الآخر الذي يحتمله قوله: بأحسنها أن يريد بأحسن وصف الشريعة بجملتها، فكأنه قال: قد جعلنا لكم شريعة هي أحسن كما تقول: الله أكبر دون مقايسة ثم قال: فمرهم يأخذوا بأحسنها الذي شرعناه لهم، وفي هذا التأويل اعتراضات، وقرأ جمهور الناس «سأوريكم»، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «سأوريكم» قال أبو الفتح ظاهر هذه القراءة مردود وهو أبو سعيد المأثور فصاحته فوجهها أن المراد أريكم ثم أشبعت ضمة الهمزة ومطلت حتى نشأت عنها واو، ويحسن احتمال الواو في هذا الموضع أنه موضع وعيد وإغلاظ فمكن الصوت فيه.
وقرأ قسامة بن زهير «سأورثكم» قاله أبو حاتم، ونسبها المهدوي إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وثبتت الواو في خط المصحف فلذلك أشكل هذا الاختلاف مع أنا لا نتأول إلا أنها مرويات فأما من قرأها «سأوريكم» فالمعنى عنده سأعرض عليكم وأجعلكم تخشون لتعتبروا حال دار الفاسقين، والرؤية هنا رؤية العين إلا أن المعنى يتضمن الوعد للمؤمنين والوعيد للفاسقين ويدل على أنها رؤية العين تعدى فعلها وقد عدي بالهمزة إلى مفعولين، ولو كان من رؤية القلب لتعدى بالهمزة إلى ثلاثة مفاعيل، ولو قال قائل: المفعول الثالث يتضمنه المعنى فهو مقدر أي مدمرة أو خربة مسعرة على قول من قال: هي جهنم، قيل له: ولا يجوز حذف هذا المفعول والاقتصار دونه أنها داخلة على الابتداء والخبر ولو جوز لكان على قبح في اللسان لا يليق بكتاب الله عز وجل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومقاتل وقتادة في كتاب النقاش دار الفاسقين
مصر والمراد آل فرعون، وقال قتادة أيضا: «دار الفاسقين» الشام والمراد العمالقة الذين أمر موسى بقتالهم، وقال مجاهد والحسن: «دار الفاسقين» جهنم والمراد الكفرة بموسى عامة، وقال النقاش عن الكلبي: دار الفاسقين دور ثمود وعاد والأمم الخالية: أي سنقصها عليكم فترونها).[المحرر الوجيز: 4/ 44-46]

تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلاً ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146) والّذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلاّ ما كانوا يعملون (147)}
المعنى سأمنع وأصد، وقال سفيان بن عيينة: الآيات هنا كل كتاب منزل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمعنى عن فهمها وتصديقها، وقال ابن جريج: الآيات العلامات المنصوبة الدالة على الوحدانية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمعنى عن النظر فيها والتفكير والاستدلال بها، واللفظ يعم الوجهين، والمتكبرون بغير حق في الأرض هم الكفرة، والمعنى في هذه الآية سأجعل الصرف عن الآيات عقوبة للمتكبرين على تكبرهم، وقوله وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها حتم من الله عز وجل على الطائفة التي قدر ألا يؤمنوا، وقراءة الجمهور: «يروا» بفتح الياء قرأها ابن كثير وعاصم ونافع وأبو جعفر وشيبة وشبل وابن وثاب وطلحة بن مصرف وسائر السبعة، وقرأها مضمومة الياء مالك بن دينار، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «الرشد»، وقرأ ابن عامر في بعض ما روي عنه وأبو البرهسم «الرّشد» بضم الراء والشين وقرأ حمزة والكسائي على أن «الرّشد» بضم الراء وسكون الشين و «الرّشد» بفتحهما بمعنى واحد، وقال أبو عمرو بن العلاء: «الرّشد» بضم الراء: الصلاح في النظر و «الرّشد» بفتحهما الدين، وأما قراءة ابن عامر بضمهما فأتبعت الضمة الضمة، وقرأ ابن أبي عبلة «لا يتخذوها وتتخذوها» على تأنيث «السبيل»، والسبيل تؤنث وتذكر، وقوله ذلك إشارة إلى الصرف أي صرفنا إياهم وعقوبتنا لهم هي بكفرهم وتكذيبهم وغفلتهم عن النظر في الآيات والوقوف عند الحجج، ويحتمل أن يكون ذلك خبر ابتداء تقديره: الأمر ذلك، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بفعل تقديره فعلنا ذلك).[المحرر الوجيز: 4/ 46-47]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ... الآية}، هذه الآية مؤكدة للتي قبلها وسوقها في جملة المكذب به، ولقاء الآخرة لفظ يتضمن تهديدا أي هنالك يفتضح لهم حالهم، وحبطت معناه سقطت وفسدت وأصل الحبط فيما تقدم صلاحه ولكنه قد يستعمل في الذي كان أول مرة فاسدا إذ مئال العاملين واحد، وقوله هل يجزون استفهام بمعنى التقرير أي يستوجبون بسوء فعلهم إلا عقوبة، وساغ أن يستعمل حبطت هنا إذ كانت أعمالهم في معتقداتهم جارية في طريق صلاح فكأن الحبط فيها إنما هو بحسب معتقداتهم وأما بحسب ما هي عليه في أنفسها ففاسدة منذ أول أمرها، ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم أي فسادا لكثرة الأكل بعد الصلاح الذي كان أولا، وقرأ ابن عباس وأبو السمال «حبطت» بفتح الباء). [المحرر الوجيز: 4/ 48]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 01:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 01:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين (144) وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلا لكلّ شيءٍ فخذها بقوّةٍ وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين (145)}
يذكر تعالى أنّه خاطب موسى [عليه السّلام] بأنّه اصطفاه على عالمي زمانه برسالاته وبكلامه تعالى ولا شكّ أنّ محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- سيّد ولد آدم من الأوّلين والآخرين؛ ولهذا اختصه الله بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، الّتي تستمرّ شريعته إلى قيام السّاعة، وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء والمرسلين كلّهم، وبعده في الشّرف والفضل إبراهيم الخليل، عليه السّلام، ثمّ موسى بن عمران كليم الرّحمن، عليه السّلام؛ ولهذا قال اللّه تعالى له: {فخذ ما آتيتك} أي: من الكلام والوحي والمناجاة {وكن من الشّاكرين} أي: على ذلك، ولا تطلب ما لا طاقة لك به). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 473-474]

تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى أنّه كتب له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلًا لكلّ شيءٍ، قيل: كانت الألواح من جوهرٍ، وأنّ اللّه تعالى كتب له فيها مواعظ وأحكامًا مفصّلةً مبيّنةً للحلال والحرام، وكانت هذه الألواح مشتملةً على التّوراة الّتي قال اللّه [تعالى] فيها: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للنّاس} [القصص: 43]
وقيل: الألواح أعطيها موسى قبل التّوراة، فاللّه أعلم. وعلى كلّ تقديرٍ كانت كالتّعويض له عمّا سأل من الرّؤية ومنع منه، واللّه أعلم.
وقوله: {فخذها بقوّةٍ} أي: بعزمٍ على الطّاعة {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال سفيان بن عيينة: حدّثنا أبو سعدٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: أمر موسى -عليه السّلام -أن يأخذ بأشدّ ما أمر قومه.
وقوله: {سأريكم دار الفاسقين} أي: سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدّمار والتّباب؟
قال ابن جريرٍ: وإنّما قال: {سأريكم دار الفاسقين} كما يقول القائل لمن يخاطبه: "سأريك غدًا إلام يصير إليه حال من خالف أمري"، على وجه التّهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره.
ثمّ نقل معنى ذلك عن مجاهدٍ، والحسن البصريّ.
وقيل: معناه {سأريكم دار الفاسقين} أي: من أهل الشّام، وأعطيكم إيّاها. وقيل: منازل قوم فرعون، والأوّل أولى، واللّه أعلم؛ لأنّ هذا كان بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر، وهو خطابٌ لبني إسرائيل قبل دخولهم التّيه، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3 / 474]

تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146) والّذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (147)}
يقول تعالى: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ} أي: سأمنع فهم الحجج والأدلّة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبّرين عن طاعتي، ويتكبّرون على النّاس بغير حقٍّ، أي: كما استكبروا بغير حقٍّ أذلّهم اللّه بالجهل، كما قال تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} [الأنعام: 110] وقال تعالى: {فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم} [الصّفّ: 5]
وقال بعض السّلف: لا ينال العلم حييٌّ ولا مستكبرٌ.
وقال آخر: من لم يصبر على ذلّ التّعلّم ساعةً، بقي في ذلّ الجهل أبدًا.
وقال سفيان بن عيينة في قوله: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ} قال: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي.
قال ابن جريرٍ: وهذا يدلّ على أنّ هذا خطابٌ لهذه الأمّة
قلت: ليس هذا بلازمٍ؛ لأنّ ابن عيينة إنّما أراد أنّ هذا مطّردٌ في حقّ كلّ أمّةٍ، ولا فرق بين أحدٍ وأحدٍ في هذا، واللّه أعلم.
وقوله: {وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها} كما قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97].
وقوله: {وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا} أي: وإن ظهر لهم سبيل الرّشد، أي: طريق النّجاة لا يسلكوها، وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضّلال يتّخذوه سبيلًا.
ثمّ علّل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله: {ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا} أي: كذّبت بها قلوبهم، {وكانوا عنها غافلين} أي: لا يعلمون شيئًا ممّا فيها). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 474-475]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم} أي: من فعل منهم ذلك واستمرّ عليه إلى الممات، حبط عمله.
وقوله: {هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} أي: إنّما نجازيهم بحسب أعمالهم الّتي أسلفوها، إن خيرًا فخيرٌ وإنّ شرًّا فشرٌّ، وكما تدين تدان). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 475]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة