العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة يونس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 04:30 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة يونس [ من الآية (21) إلى الآية (23) ]

تفسير سورة يونس
[ من الآية (21) إلى الآية (23) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 04:31 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا أذقنا النّاس رحمةً من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكرٌ في آياتنا قل اللّه أسرع مكرًا إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون}.
يقول تعالى ذكره: وإذا رزقنا المشركين باللّه فرجًا بعد كربٍ ورخاءً بعد شدّةٍ أصابتهم. وقيل: عنى به المطر بعد القحط، والضّرّاء: وهي الشّدّة، والرّحمة: هي الفرج يقول: {إذا لهم مكرٌ في آياتنا} استهزاءٌ وتكذيبٌ.
- كما حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {إذا لهم مكرٌ في آياتنا} قال: استهزاءٌ وتكذيبٌ.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقوله: {قل اللّه أسرع مكرًا} يقول تعالى ذكره: قل لهؤلاء المشركين المستهزئين من حججنا وأدلّتنا يا محمّد: اللّه أسرع مكرًا، أي أسرع محالاً بكم واستدراجًا لكم وعقوبةً منكم من المكر في آيات اللّه. والعرب تكتفي بإذا من فعلت وفعلوا، فلذلك حذف الفعل معها.
وإنّما معنى الكلام: وإذا أذقنا النّاس رحمةً من بعد ضرّاء مسّتهم مكروا في آياتنا، فاكتفى من مكروا، بـ إذا لهم مكرٌ.
{إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون} يقول: إنّ حفظتنا الّذين نرسلهم إليكم أيّها النّاس يكتبون عليكم ما تمكرون في آياتنا). [جامع البيان: 12/144-145]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا أذقنا النّاس رحمةً من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكرٌ في آياتنا قل اللّه أسرع مكرًا إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون (21)
قوله تعالى: وإذا أذقنا النّاس رحمةً
- ذكر عن مسلم بن إبراهيم، ثنا مستور بن عبّادٍ قال: سألت الحسن وإذا أذقنا النّاس رحمةً من بعد ضرّاء مسّتهم قال: ذاك المنافق.
قوله تعالى: إذا لهم مكرٌ في آياتنا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ إذا لهم مكرٌ في آياتنا قال: استهزاءٌ وتكذيبٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا زياد بن أيّوب، ثنا أبو عاصمٌ عن مستورٍ قال سئل الحسن عن هذه الآية: إذا لهم مكرٌ في آياتنا منافقٌ واللّه.
قوله تعالى: قل اللّه أسرع مكرًا الآية
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان قال: كلّ مكرٍ في القرآن فهو عملٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1937-1938]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إذا لهم مكر في آياتنا يعني استهزاء بالرسل وتكذيبا بالقرآن). [تفسير مجاهد: 293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 21
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا} قال: استهزاء وتكذيب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان قال: كل مكر في القرآن فهو عمل). [الدر المنثور: 7/640-641]

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر في قوله تعالى مخلصين له الدين قال إذا مسهم الضر في البحر أخلصوا لله الدعاء). [تفسير عبد الرزاق: 1/293]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة في قوله تعالى دعوا الله مخلصين له الدين قال هيا شرا هيا قال سفيان تفسيره يا حي يا قيوم). [تفسير عبد الرزاق: 1/293]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال: {تلك آيات} [البقرة: 252] : «يعني هذه أعلام القرآن» ، ومثله: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} [يونس: 22] : «المعنى بكم»). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يقال تلك آيات يعني هذه أعلام القرآن ومثله حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم المعنى بكم هذا وقع لغير أبي ذرٍّ وسيأتي للجميع في التّوحيد وقائل ذلك هو أبو عبيدة بن المثنّى وفي تفسير السّدّيّ آيات الكتاب الأعلام والجامع بينهما أنّ في كلّ منهما صرف الخطاب عن الغيبة إلى الحضور وعكسه). [فتح الباري: 8/346] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ومثله: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} (يونس: 22) المعنى بكم
أي: مثل المذكور وهو قوله: {تلك آيات} يعني: هذه أعلام القرآن. قوله: (حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) ، وجه المماثلة بينهما هو أن: تلك، بمعنى: هذه، فكذلك قوله: بهم، بمعنى: بكم، حيث صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة، كما أن في الأول صرف إسم الإشارة عن الغائب إلى الحاضر، والنكتة في الثّاني للمبالغة كأنّه يذكر حالهم لغيرهم، ولم أر أحدا من الشّرّاح خرج من حق هذا الموضع، بل منهم من لم يذكره أصلا، كما أن أبا ذر لم يذكره في روايته). [عمدة القاري: 18/284]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (ومثله) من حيث صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة كما أن في الأوّل صرف اسم الإشارة عن الغائب إلى الحاضر ({حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}) [يونس: 22] (المعنى بكم) قال في الكشاف: وتبعه البيضاوي واللفظ للأوّل وفائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة المبالغ كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح، وسقط قوله يقال الخ لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/165]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أحيط بهم} [يونس: 22] : «دنوا من الهلكة» ، {أحاطت به خطيئته} [البقرة: 81] ). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أحيط بهم دنوا من الهلكة أحاطت به خطيئته قال أبو عبيدة في قوله وظنوا أنهم أحيط بهم أي دنوا للهلكة يقال قد أحيط به أي إنّه لهالكٌ انتهى وكأنّه من إحاطة العدوّ بالقوم فإنّ ذلك يكون سببًا للهلاك غالبا فجعل كناية عنه ولهذا أردفه المصنّف بقوله أحاطت به خطيئته إشارةً إلى ذلك). [فتح الباري: 8/346]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أحيط بهم دنوا من الهلكة أحاطت به خطيئته
أشار به إلى قوله تعالى: {وظنوا أنهم أحيط بهم} (البقرة: 81) وفسره بقوله: دنوا من الهلكة، أي: قربوا من الهلاك، وكذا فسره أبو عبيدة، يقال: فلان قد أحيط به، أي: أنه لهالك. قوله: دنواً يجوز أن يكون بضم الدّال والنّون على صيغة المجهول، وأصله: دنيوا انقلت ضمة الياء إلى النّون فحذفت لالتقاء الساكنين فصار على وزن: فعوا. قوله: {أحاطت به خطيئته} أشار به إلى قوله تعالى: {بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته} (الكهف: 42) يعني: استولت عليه خطيئته كما يحيط العدو، وقيل: معناه سدت عليه خطيئته مسالك النجاة، وقيل: معناه أهلكته كما في قوله تعالى: {وأحيط بثمره} (يونس: 90) وقرأ أهل المدينة: خطيئاته، بالجمع). [عمدة القاري: 18/284]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أحيط بهم}) [يونس: 22] قال أبو عبيدة (دنوا من الهلكة) زاد غيره وسدت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاط به العدوّ ({أحاطت به خطيئته}) [البقرة: 81] أي من جميع جوانبه). [إرشاد الساري: 7/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}.
يقول تعالى ذكره: اللّه الّذي يسيّركم أيّها النّاس في البرّ على الظّهر وفي البحر في الفلك {حتّى إذا كنتم في الفلك} وهي السّفن، {وجرين بهم} يعني: وجرت الفلك بالنّاس، {بريحٍ طيّبةٍ} في البحر، {وفرحوا بها} يعني: وفرح ركبان الفلك بالرّيح الطّيّبة الّتي يسيرون بها. والهاء في قوله: بها عائدةٌ على الرّيح الطّيّبة {جاءتها ريحٌ عاصفٌ} يقول: جاءت الفلك ريحٌ عاصفٌ، وهي الشّديدة.
والعرب تقول: ريحٌ عاصفٌ وعاصفةٌ، وقد أعصفت الرّيح وعصفت وأعصفت في بني أسدٍ فيما ذكر، قال بعض بني دبيرٍ:
حتّى إذا أعصفت ريحٌ مزعزعةٌ = فيها قطارٌ ورعدٌ صوته زجل
{وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ} يقول تعالى ذكره: وجاء ركبان السّفينة الموج من كلّ مكانٍ {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} يقول: وظنّوا أنّ الهلاك قد أحاط بهم وأحدق {دعوا اللّه مخلصين له الدّين} يقول: أخلصوا الدّعاء للّه هنالك دون أوثانهم وآلهتهم، وكان مفزعهم حينئذٍ إلى اللّه دونها.
- كما حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {دعوا اللّه مخلصين له الدّين} قال: إذا مسّهم الضّرّ في البحر أخلصوا له الدّعاء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، في قوله: {مخلصين له الدّين} هيا شرا هيا، تفسيره: يا حيّ يا قوم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وإذا أذقنا النّاس رحمةً من بعد ضرّاء مسّتهم}. إلى آخر الآية، قال: هؤلاء المشركون يدعون مع اللّه ما يدعون، فإذا كان الضّرّ لم يدعو إلاّ اللّه، فإذا نجّاهم إذا هم يشركون لئن أنجيتنا من هذه الشّدّة الّتي نحن فيها لنكوننّ من الشّاكرين لك على نعمك وتخليصك إيّانا ممّا نحن فيه بإخلاصنا العبادة لك وإفراد الطّاعة دون الآلهة والأنداد.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {هو الّذي يسيّركم} فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق: {هو الّذي يسيّركم} من السّير بالسّين.
وقرأ ذلك أبو جعفرٍ القاريّ: هو الّذي ينشركم من النّشر، وذلك البسط من قول القائل: نشرت الثّوب، وذلك بسطه ونشره من طيّه، فوجّه أبو جعفرٍ معنى ذلك إلى أنّ اللّه يبعث عباده، فيبسطهم برًّا وبحرًا، وهو قريب المعنى من التّسيير.
وقال: {وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ} وقال في موضعٍ آخر: {في الفلك المشحون}. فوحّد، والفلك: اسمٌ للواحدة والجماع ويذكّر ويؤنّث.
قال: {وجرين بهم} وقد قال: {هو الّذي يسيّركم} فخاطب ثمّ عاد إلى الخبر عن الغائب؛ وقد بيّنت ذلك في غير موضعٍ من الكتاب بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وجواب قوله: {حتّى إذا كنتم في الفلك} {جاءتها ريحٌ عاصفٌ} وأمّا جواب قوله: {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} فـ{دعوا اللّه مخلصين له الدّين}). [جامع البيان: 12/145-148]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين (22)
قوله تعالى: هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو بكيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قوله: في البرّ والبحر قال: البرّ: بادية الأعراب، والبحر، الأمصار والقرى.
قوله تعالى: حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبة
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم قال: وقرأ حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة قال وذكر هذا ثمّ عدّا الحدث في حديثٍ آخرٍ عنه تغيّرهم قال: وجرين بهم قال: فعدّ الحديث عنهم فأوّل شيءٍ كنتم في الفلك، وجرين بهؤلاء لا يستطيع يقول: جرين بكم وهو يحدّث قومًا آخرين ثمّ ذكر هذا لتجمّعهم وغيرهم وجرين بهم هؤلاء وغيرهم من الخلق بريحٍ طيبةٍ فقرأ حتّى بلغ مخلصين له الدّين.
قوله تعالى: جاءتها ريحٌ عاصفٌ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يعلى، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن عبد اللّه بن شدّاد بن المناد قال الرّيح من روح اللّه. فإذا رأيتموها فاسألوا اللّه من خيرها وتعوّذوا باللّه من شرّها.
قوله تعالى: وظنّوا أنّهم أحيط بهم
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثني عقبة عن إسرائيل عن جابرٍ، عن مجاهدٍ قال: ما كان من ظنٍّ في القرآن فهو يقينٌ.
قوله تعالى: دعوا اللّه مخلصين له الدّين
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، ثنا سفيان، عن الأعمش عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة في قوله: مخلصين له الدّين قال: هنا شراها تفسيره: يا حيّ يا قيّوم.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة دعوا اللّه مخلصين له الدّين قال: إذا مسّهم الضّرّ في البحر أخلصوا للّه الدّعاء.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ مخلصين له الدّين قال: إذا قلت لا إله إلا اللّه فقل على إثرها: الحمد للّه ربّ العالمين.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ عن ابن عجلان عن عبّاس بن عبد اللّه بن معبدٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الإخلاص هكذا وأشار أبو خالدٍ بإصبعه السّبّابة.
قوله تعالى: لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قال إذا ضلّ الرّجل الطّريق دعا اللّه مخلصًا لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين). [تفسير القرآن العظيم: 6/1938-1939]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 22 – 23
أخرج البيهقي في "سننه" عن ابن عمر، أن تميما الداري سأل عمر بن الخطاب عن ركوب البحر فأمره بتقصير الصلاة قال: يقول الله: {هو الذي يسيركم في البر والبحر}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} قال: ذكر هذا ثم عد الحديث في حديث آخر عنه لغيرهم قال {وجرين بهم} قال: فعزا الحديث عنهم فأول شيء كنتم في الفلك وجرين بهؤلاء لا يستطيع يقول: جرين بكم وهو يحدث قوما آخرين ثم ذكر هذا ليجمعهم وغيرهم {وجرين بهم} هؤلاء وغيرهم من الخلق.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وظنوا أنهم أحيط بهم} قال: أهلكوا
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال: فر عكرمة بن أبي جهل يوم الفتح فركب البحر فأخذته الريح فنادى باللات والعزى، فقال أصحاب السفينة: لا يجوز ههنا أحد أن يدعو شيئا إلا الله وحده مخلصا، فقال عكرمة: والله لئن كان في البحر وحده إنه لفي البر وحده، فأسلم.
وأخرج ابن سعد عن ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هاربا فخب بهم البحر فجعلت الصراري أي الملاح يدعون الله ويوحدونه، فقال: ما هذا قالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله قال: فهذا إله محمد الذي يدعونا إليه فارجعوا بنا فرجع فأسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وإمرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن ضبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار فسبق سعيد عمارا وكان أشب الرجلين فقتله وأما مقيس بن ضبابه فأدركه الناس في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا، فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجني في البر غيره اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن أتى محمدا صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما، قال: فجاء فأسلم وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان رضي الله عنه فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة جاء به حتى أوقفه على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بايع عبد الله، قال: فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد الثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، قالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين). [الدر المنثور: 7/641-643]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا يونس، عن الزهري، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمكر، ولا تعن ماكرًا، فإن الله يقول: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، [سورة فاطر: 43]، ولا تبغ، ولا تعن باغيًا، فإن الله تعالى، يقول: {إنما بغيكم على أنفسكم} [سورة يونس: 23]، ولا تنكث ولا تعن ناكثًا، فإن الله تعالى، يقول: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} [سورة الفتح: 10] ). [الزهد لابن المبارك: 2/431]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (23) : قوله تعالى: {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا فرج بن فضالة، قال: حدّثني ربيعة بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، قال : إنّي لفي مسجد منى، إذا قاصٌّ يقصّ، فقال لي رجاءٌ: احفظ هؤلاء الكلمات، فإذا القاصّ يقول: ثلاثٌ خلال هي على من عمل بهنّ: المكر والبغي والنّكث؛ قال اللّه: {يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم}،: {ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله}،: {فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه}، ثمّ قال: يا أيّها النّاس، ثلاث خلالٍ لا يعذّبكم اللّه ما عملتم بهنّ: الشّكر للّه، والدّعاء، والاستغفار، ثمّ قال: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}،: {قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم}،: {وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون}). [سنن سعيد بن منصور: 5/308-310]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا أنجى اللّه هؤلاء الّذين ظنّوا في البحر أنّهم أحيط بهم من الجهد الّذي كانوا فيه، أخلفوا اللّه ما وعدوه، وبغوا في الأرض، فتجاوزوا فيها إلى غير ما أذن اللّه لهم فيه من الكفر به والعمل بمعاصيه على ظهرها. يقول اللّه: يا أيّها النّاس إنّما اعتداؤكم الّذي تعتدونه على أنفسكم وإيّاها تظلمون، وهذا الّذي أنتم فيه {متاع الحياة الدّنيا} يقول: ذلك بلاغٌ تبلّغون به في عاجل دنياكم.
وعلى هذا التّأويل، البغيٌ يكون مرفوعًا بالعائد من ذكره في قوله: {على أنفسكم} ويكون قوله: متاع الحياة الدّنيا مرفوعًا على معنى: ذلك متاع الحياة الدّنيا، كما قال: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ} بمعنى: هذا بلاغٌ.
وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: إنّما بغيكم في الحياة الدّنيا على أنفسكم، لأنّكم بكفركم تكسبونها غضب اللّه، متاع الحياة الدّنيا، كأنّه قال: إنّما بغيكم متاع الحياة الدّنيا، فيكون البغي مرفوعًا بالمتاع، وعلى أنفسكم من صلة البغي.
وبرفع المتاع قرأت القرّاء سوى عبد اللّه بن أبي إسحاق فإنّه نصبه بمعنى: إنّما بغيكم على أنفسكم متاعًا في الحياة الدّنيا، فجعل، البغي مرفوعًا بقوله: {على أنفسكم} والمتاع منصوبًا على الحال.
وقوله: {ثمّ إلينا مرجعكم} يقول: ثمّ إلينا بعد ذلك معادكم ومصيركم، وذلك بعد الممات. {فننبّئكم بما كنتم تعملون} يقول: فنخبركم يوم القيامة بما كنتم تعملون في الدّنيا من معاصي اللّه، ونجازيكم على أعمالكم الّتي سلفت منكم في الدّنيا). [جامع البيان: 12/148-149]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون (23)
قوله تعالى: فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يبغون قال: يلعبون.
قوله تعالى: يا أيّها النّاس
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد ابن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يا أيّها النّاس أي الفريقين جميعًا الكفّار والمنافقين.
قوله تعالى: إنّما بغيكم على أنفسكم.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن المنذر حدّثني كثير بن جعفر بن أبي كثيرٍ حدّثني زيد بن أسلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا يؤخّر اللّه عقوبة البغي فإنّ اللّه قال: إنّما بغيكم على أنفسكم.
- حدّثني أبي، ثنا عبدة بن سليمان، ثنا ابن المبارك، ثنا يونس عن الزّهريّ قال: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا تبغ ولا تعن باغيًا فإنّ اللّه يقول: يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم.
قوله تعالى: متاع الحياة الدنيا
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة، ثنا سفيان عن الأعمش: متاع الحياة الدّنيا قال: مثل زاد الرّاعي.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا عمرو بن حمران، عن سعيدٍ عن قتادة: متاع الحياة الدّنيا قال: هي متاعٌ متروكةٌ أوشكت واللّه الّذي لا إله إلا هو أن تضمحلّ عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة اللّه إن استطعتم ولا قوّة إلّا باللّه
قوله تعالى: ثمّ إلينا مرجعكم
- حدّثنا عصام بن الرّوّاد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع عن أبي العالية قال: يرجعون إليه بعد الحياة.
قوله تعالى: فننبّئكم بما كنتم تعملون
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قال: يبعثهم اللّه من بعد الموت فيبعث أولياءه وأعداءه فينبّئهم بأعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1939-1940]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ النّضر بن شميلٍ، ثنا عيينة بن عبد الرّحمن الغطفانيّ، قال: سمعت أبي يحدّث، عن أبي بكرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " لا تبغ ولا تكن باغيًا، فإنّ اللّه يقول {إنّما بغيكم على أنفسكم} [يونس: 23] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/369]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث هن رواجع على أهلها المكر والنكث والبغي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر الآية 42 {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} الفتح الآية 10.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن نفيل الكناني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث قد فرغ الله من القضاء فيهن لا يبغين أحدكم فإن الله تعالى يقول {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} ولا يمكرن أحد فإن الله تعالى يقول (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) (النساء الآية 147) ولا ينكث أحد فإن الله يقول (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه) (الفرقان الآية 77).
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبغ ولا تكن باغيا فإن الله يقول {إنما بغيكم على أنفسكم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبغ ولا تكن باغيا فإن الله يقول {إنما بغيكم على أنفسكم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤخر الله عقوبة البغي فإن الله قال {إنما بغيكم على أنفسكم}
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة من البغي وقطيعة الرحم.
وأخرج أبو داود والبيهقي في الشعب عن عياض بن جابر، إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد.
وأخرج البيهقي في الشعب من طريق بلال بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يبغي على الناس إلا ولد بغي أو فيه عرق منه.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن رجاء بن حيوة، أنه سمع قاصا في مسجد منى يقول: ثلاث خلال هن على من عمل بهن البغي والمكر والنكث قال الله {إنما بغيكم على أنفسكم} {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} فاطر الآية 43 {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} الفتح الآية 10 ثم قال: ثلاث خلال لا يعذبكم الله ما عملتم بهن: الشكر والدعاء والاستغفار ثم قرأ (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) (فاطر الآية 43) (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) (الفتح الآية 10) و(ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (الأنفال الآية 33).
وأخرج أبو الشيخ عن مكحول قال: ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر والبغي والنكث، قال الله {إنما بغيكم على أنفسكم}
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما.
وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عمر رضي الله عنه، مثله.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه قال: ما من عبادة أفضل من أن يسأل وما يدفع القضاء إلا الدعاء وإن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه). [الدر المنثور: 7/643-646]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 04:35 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا أذقنا النّاس رحمةً مّن بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مّكرٌ...}
العرب تجعل {إذا} تكفى من فعلت وفعلوا. وهذا الموضع من ذلك: اكتفى بـ {إذا} من {فعلوا} ولو قيل {من بعد ضراء مستهم مكروا} كان صوابا. وهو في الكلام والقرآن كثير. ونقول: خرجت فإذا أنا بزيد. كذلك يفعلون بـ {إذ}؛ كقول الشاعر:
بينما هنّ الأراك معا = إذا أتى راكب على جمله
وأكثر الكلام في هذا الموضع أن تطرح (إذ) فيقال:

بينا تبغيّه العشاء وطوفه =وقع العشاء به على سرحان
ومعناهما واحد بـ (إذ) وبطرحها). [معاني القرآن: 1/459-460]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكرٌ في آياتنا} مجاز المكر ها هنا مجاز الجحود بها والرد لها.
{قل الله أسرع مكراً} أي أخذاً وعقوبة واستدراجاً لهم). [مجاز القرآن: 1/276]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {يكتبون ما يمكرون} بالياء.
[معاني القرآن لقطرب: 655]
والجحدري {تمكرون} بالتاء). [معاني القرآن لقطرب: 656]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا أذقنا النّاس رحمةً} يعني: فرجا من بعد كرب.
{إذا لهم مكرٌ في آياتنا} يعني: قولا بالطعن والحيلة يجعل لتلك الرحمة سببا آخر). [تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضُّرّ: الشدة والبلاء، فمن الشدّة: قحط المطر، قال الله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ}أي: مطرا من بعد قحط وجدب). [تأويل مشكل القرآن: 483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذا أذقنا النّاس رحمة من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكر في آياتنا قل اللّه أسرع مكرا إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون}
يعنى بالناس ههنا الكافرون.
وقوله: {إذا لهم مكر في آياتنا} جواب الجزاء،
وهو كقوله:{وإن تصبهم سيّئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون}المعنى وإن تصبهم سيئة قنطوا، وإذا أذقنا الناس رحمة مكروا.
فإذا تنوب عن جواب الشرط كما ينوب الفعل). [معاني القرآن: 3/12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم}
يراد بالناس ههنا الكفار كما قال تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود}
وقال الحسن ذلك المنافق
والرحمة ههنا الفرج ومن بعد ضراء أي من بعد كرب إذا لهم مكر في آياتنا أي يحتالون حتى يجعلوا سبب الرحمة في غير موضعه
قال مجاهد إذا لهم مكر في آياتنا استهزاء وتكذيب). [معاني القرآن: 3/284-285]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يسيّركم...}
قراءة العامّة. وقد ذكر عن زيد بن ثابت {ينشركم} قرأها أبو جعفر المدنيّ كذلك. وكلّ صواب إن شاء الله.
وقوله: {جاءتها ريحٌ عاصفٌ} يعني الفلك؛ فقال: جاءتها، وقد قال في أوّل الكلام {وجرين بهم} ولم يقل: وجرت، وكلّ صواب؛ تقول: النساء قد ذهبت، وذهبن. والفلك تؤنث وتذكر، وتكون واحدة وتكون جمعا. وقال في يس {في الفلك المشحون} فذكّر الفلك، وقال ها هنا: جاءتها، فأنث. فإن شئت جعلتها ها هنا واحدة، وإن شئت: جماعا. وإن شئت جعلت الهاء في {جاءتها} للريح؛ كأنك قلت: جاءت الريح الطيّبة ريح عاصف. والله أعلم بصوابه. والعرب تقول: عاصف وعاصفة، وقد أعصفت الريح، وعصفت. وبالألف لغة لبني أسد؛ أنشدني بعض بني دبير: حتى إذا
أعصفت ريح مزعزعة =فيها قطار ورعد صوته زجل).
[معاني القرآن: 1/460]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنّهم أحيط بهم} مجازه: دنوا للهلاك، ويقال: إنه محاط بك، والإدراك أي إنك مدرك فمهلك). [مجاز القرآن: 1/277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكان وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}
وقال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} وإنما قال: {وجرين بهم} لأن {الفلك} يكون واحدا وجماعة. قال: {في الفلك المشحون} وهو مذكر. وأما {حتّى إذا كنتم في الفلك} فجوابه قوله: {جاءتها ريحٌ عاصفٌ}.
وأما قوله: {دعوا اللّه} فجواب لقوله: {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} وإنما قال: {بهم} وقد قال: {كنتم} لأنه يجوز أن تذكر غائبا ثم تخاطب إذا كنت تعنيه، وتخاطب ثم تجعله في لفظ غائب كقول الشاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً = لدينا ولا مقليّةً أن تقلّت).
[معاني القرآن: 2/32]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة القراء {هو الذي يسيركم}.
وقراءة أبي جعفر المدني وعبد الله بن عامر {هو الذي ينشركم} بالشين). [معاني القرآن لقطرب: 655]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ريح عاصف} فقالوا في الفعل: عصفت الريح عصوفًا، وأعصفت إعصافًا لغتان؛ وهي معصفة ومعصف بغير هاء). [معاني القرآن لقطرب: 665]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أما قوله عز وجل {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة} وقوله {وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين} فترك المخاطبة هاهنا، ثم خاطب وكذلك {وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء} ترك المخاطبة، ثم خاطب؛ وكل ما في القرآن فعلى هذا ومثله، لعلم المخاطب بما يعني.
ومثل ذلك من كلامهم قول عنترة أنشدناه من نثق به:
شطت مزار العاشقين فأصبحت = عسيرا علي طلابك ابنة مخرم
فقال: شطت، فأخبر عن غائب ثم خاطبه فقال: طلابك، ولم يقل: طلابها؛ على ما ذكرنا من هذه الآي.
وكذلك قول أبي كبير الهذلي:
يا لهف نفسي كان جدة خالد = وبياض وجهك للتراب الأعفر
فترك المخاطبة ثم خاطب.
ومثل قول الأسود:
يا نضل إنك إن يطيف بعلبة = لكث جوانبها ووطب مسند
خير لنضلة من تمني فارس = شاك وعجلزة صنيع المرود
فقال: "إنك"، ثم قال: خير لنضلة، فترك مخاطبته.
وقال آخر:
فتيك التي لا وصل إ لا وصالها = ولا صرم إلا من صرمت يضير
فخاطبها، وقد ترك مخاطبتها أول البيت، لقوله فتيك.
ومثل ذلك قول الآخر:
[معاني القرآن لقطرب: 667]
وعنترة الفلحاء جاء ملامًا = كأنك فند من عماية أسود
فقال: كأنك، فخاطبه.
وثمل ذلك قول أوس:
لا زال مسك وريحان له أرج على = صداك بصافي اللون سلسال
يسقي صداه وممساه ومصبحه = رفها ورمسك مخفوف بأطلال
فخاطب، ثم ترك المخاطبة ثم خاطب.
فهذا كله حسن؛ لأنه لا ينقض معنى، ولا يفسده.
[وروى محمد بن صالح]:
فترك مخاطبته ثم خاطبه، وقال: الفلحاء، فوصفه بفعلاء، وهي صفة مرة لما كانت الهاء في اسمه فخاطبه، ثم ترك مخاطبته.
وهاذ حسن لأنه لا ينقض معنى ولا يفسد شيئًا.
[وعن محمد بن صالح نفسه يقال: رجل أفلح، وامرأة فلحاء، ونساء فلح؛ إذا انشقت شفته السفلى؛ وإذا انشقت العليا فهو أعلم، وامرأة علماء، ونساء علم]). [معاني القرآن لقطرب: 668]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أحيط بهم}: دنوا من الهلكة يقال قد أحيط بك أي إنك هالك). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} أي دنوا للهلكة. وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة).
[تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفرح: المسرّة، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} أي سرّوا). [تأويل مشكل القرآن: 491]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أي دنوا من الهلاك. وأصل هذا: أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة. وقال في موضع آخر: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب:
كقوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا}.
وقوله: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.
وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}، ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.
قال الشاعر:

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند = أقوت وطال عليها سالف الأبد
وكذلك أيضا تجعل خطاب الغائب للشاهد:
كقول الهذليّ:
يا ويحَ نفسي كان جِدَّةُ خالدٍ = وبياضُ وَجْهِكَ للتُّرَابِ الأَعْفَرِ)
. [تأويل مشكل القرآن: 289-290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيّبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كلّ مكان وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}
ويجوز هو الذي يسيركم، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
{حتّى إذا كنتم في الفلك}.
الفلك يكون واحدا ويكون جمعا، كما أن فعلا في قولك أسد، جمع أسد، وفعل وفعل من باب واحد، جاز أن يكون جمع الفلك فلكا.
{وجرين بهم}.
ابتداء الكلام خطاب، وبعد ذلك إخبار عن غائب لأن من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز أن يردّه إلى الغائب.
قال الشاعر:
شطت مزار العاشقين فأصبحت= عسرا على طلابك ابنة مخرم
ومثل الآية قول كثير.
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة= لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
وقرأ بعضهم: هو الذي ينشركم.
وأكثر ما جاء في التفسير في قوله: {وما كان النّاس إلّا أمّة واحدة} يعنى به آدم عليه السلام.
{فاختلفوا} اختلف هابيل وقابيل.
وقوله: {جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كلّ مكان} المعنى من كل أمكنة الموج.
{وظنّوا أنّهم أحيط بهم} يقال لكل من وقع من بلاء قد أحيط به، أي أحاط به البلاء وقيل أحاطت بهم الملائكة). [معاني القرآن: 3/13-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}
قيل المعنى حتى إذا كنتم في الفلك ثم حولت المخاطبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصار المعنى وجرين بهم يا محمد
وقيل العرب تقيم الغائب مقام الشاهد فتخاطبه مخاطبته ثم ترده إلى الغائب
وقوله عز وجل: {وظنوا أنهم أحيط بهم}
يقال لمن وقع في بلية قد أحيط به كأن البلاء أحاط به وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بموضع فقد هلك أهله). [معاني القرآن: 3/285]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (وقوله عز وجل: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) قال ثعلب والمبرد: خرج من المخاطبة إلى الإخبار، فالمخاطبة {حتى إذا كنتم في الفلك} . {وجرين بهم}: إخبار). [ياقوتة الصراط: 254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُحِيطَ بِهِمْ} دنوا من الهلكة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُحِيطَ بِهِمْ}: دنوا من الهلاك). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم...}
إن شئت جعلت خبر {البغي} في قوله {على أنفسكم} ثم تنصب {متاع الحياة الدينا} كقولك: متعةً في الحياة الدنيا. ويصلح الرفع ها هنا على الاستئناف؛
كما قال {لم يلبثوا إلا ساعة من نهارٍ بلاغ} أي ذلك {بلاغ} وذلك {متاع الحياة الدنيا} وإن شئت جعلت الخبر في المتاع. وهو وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/461]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون}
وقال: {إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحياة الدّنيا} أي: وذلك متاعٌ الحياة الدنيا. وأراد "متاعكم متاع الحياة الدّنيا"). [معاني القرآن: 2/32]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا}؛ كأنه قال: ذلك متاع.
وابن أبي إسحاق {متاع الحياة} بالنصب؛ على: إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا على أنفسكم؛ أي إنما طلبكم متاع، على مثل ما حكينا في {وعد الله} و{كتاب الله عليكم} مما مضى). [معاني القرآن لقطرب: 656]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون}
المعنى فلمّا أنجاهم بغوا، والبغي التّرامي في الفساد.
قال الأصمعي:
يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى فساد.
وبغت المرأة بغاء إذا فجرت.
وقوله: {إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا}.
وتقرأ {متاع الحياة الدنيا}، خبرا لقوله: {بغيكم على أنفسكم}.
ويجوز أن يكون خبر الابتداء {على أنفسكم}.
ويكون {متاع الحياة الدنيا} على إضمار هو.
ومعنى الكلام أن ما تنالونه بهذا الفساد والبغي إنما تتمتعون به في الدنيا {ثمّ إلينا مرجعكم}.
ومن نصب {متاع الحياة الدنيا} فعلى المصدر، المعنى تتمتعون متاع الحياة الدنيا، لأن قوله {إنما بغيكم على أنفسكم} يدل على أنهم يتمتعون.
ومعنى {بغيكم على أنفسكم} أي عملكم بالظلم عليكم يرجع، كما قال جلّ وعزّ: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} ). [معاني القرآن: 3/14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق}
البغي الترامي إلى الفساد قال الأصمعي يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى فساد
ثم قال جل وعز: {يا أيها إنما الناس بغيكم على أنفسكم}
أي عملكم بالظلم يرجع عليكم). [معاني القرآن: 3/286]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {متاع الحياة الدنيا}
أي ما تنالون بالبغي والفساد فإنما هو شيء تتلذذون به في الدنيا هذا قول أهل اللغة
وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا
كما يقال البغي مصرعة وقال جل وعز: {ثم بغي عليه لينصرنه الله}). [معاني القرآن: 3/286-287]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 04:38 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) }

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الطاغوت» أنثى، وربما بها إلى الجمع؛ قال الله عز وجل: {أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم}. قال: وهي فيما أحسب في قراءة أبي: {يخرجهم من النور إلى الظلمات}.
وهي مثل «الفلك» تذكر وتؤنث، ويذهب بها إلى الجمع؛ قال الله تعالى: {في الفلك المشحون} فجاء مذكرا. وقال الله عز وجل: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين}، وقال تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} ). [المذكور والمؤنث: 88] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (
هنالك لو نزلت بآل صخرٍ = قرى الأضياف شحماً من ذراها
هذا على مخاطبتين. قالت: هنالك لو نزلت للذي تخاطبه ثم خبرته فقالت: قرى الأضياف فتأويل هذا على ضربين، أحدهما على حذف المفعول كأنها قالت: لو نزلت به لرأيته يقري الأضياف، ويكون على أنها جعلته وغيره على مخاطبتين، تتحول من إحداهما إلى الأخرى كقول الله عز وجل: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}، وكقول عنترة: الكامل

شطّت مزار العاشقين فأصبحت = عسراً عليّ طلابك ابنة مخرم
ومثل هذا كثير جداً). [التعازي والمراثي: 125]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
من آل أبي موسى ترى القوم حوله
فقال: ترى، ولم يقل ترين، وكانت المخاطبة أولاً لامرأة، ألا تراه يقول:

ومما كنت مذ أبصرتني في خصومةٍ = أراجع فيهالا يا ابنة الخير قاضيًا
ثم حوّل المخاطبة إلى رجل، والعرب تفعل ذلك، قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}، فكأن التقدير والله أعلم كان للناس، ثم حولت المخاطبة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال عنترة بن شدّاد:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت = عسرًا عليّ طلابك ابنة مخرم
وقال جرير:

ما للمنازل لا تجيب حزننا = أصممن قدم المدى قبلينا
وترى العواذل يبتدرن ملامتي = وإذا أردن هواك عصينا
قال أولاً لرجل، ثم قال: سوى هوالك. وقال آخر:

فدىً لك والدي وسراة قومي = ومالي إنه منه أتاني
على تحويل المخاطبة). [الكامل: 2/572-573]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال:
سوى مساحيهن تقطيط الحقق
وقال آخر:
كفى بالنأي من أسماء كاف = وليس لحبها ما عشت شاف
وأما قوله:
وأمتعني على العشا بوليدة = فأبت بخير منك يا هوذ حامدا
فإنه كان يتحدث عنه، ثم أقبل عليه يخاطبه، وترك تلك المخاطبة.
والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد، ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة الغائب. قال الله جل وعز: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}. كانت المخاطبة للأمة، ثم صرفت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إخبارًا عنهم. وقال عنترة:

شطت مزار العاشقين فأصبحت = عسرًا علي طلابك ابنة محرم
فكان يحدث عنها ثم خاطبها. ومثل ذلك قول جرير:

وترى العواذل يبتدرن ملامتي = فإذا أردن سوى هواك عصينا
وقال الآخر:
فدى لك والدي وسراة قومي = ومالي إنه منه أتاني
وهذا كثير جدًا). [الكامل: 2/909-910]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال الفراء: يجوز أن يكون {يرونهم} بالياء لليهود، وإن كان قد تقدم خطابهم في قوله عز وجل: {قد كان لكم آية}، لأن العرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب، كقوله عز وجل: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}، أراد (بكم). وقال عز وجل في موضع آخر: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا * إن هذا كان لكم جزاء}، معناه كان لهم جزاء، فرجع من الغيبة إلى الخطاب، وقال الأعشى:

عنده البر والتقى وأسى الصد = ع وحمل لمضلع الأثقال
ووفاء إذا أجرت فما غر = ت حبال وصلتها بحبال
أريحي صلت يطل له القو = م ركودا قيامهم للهلال).
[كتاب الأضداد: 134] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قال الأصمعي: ميطي: تباعدي عني، يقال: مط عني، ولا يقال أمط، وحكاها أبو عبيدة وغيره من العلماء، وكذا روي بيت أوس.
فميطي بمياط: يقول اذهبي بقلب رجل ذهاب بقلوب النساء وتباعدي به.
وكنادها: قطعها كأنه يكفرها، ولا يصلها، وإذا كفر فقد قطع، وبه سمي كندة؛ لأنه كند أباه نعمه أي كفره واسمه عفير، وفي قوله ووصل الكريم كنادها قولان: أحدهما أراد مواصلة كريم، فالهاء في كنادها تعود على المواصلة، كما قال: غفرنا وكانت من سجيتنا الغفر، أراد بقوله الغفر: المغفرة، والقول الآخر: أراد وكنادك: خاطبها، ثم رجع إلى خطاب الغائب، والعرب تفعل هذا كثيرًا تخاطب ثم ترجع إلى الغائب، وتذكر غائبًا ثم ترجع إلى خطابه، من ذلك قول عنترة:

حلت بأرض الزائرين فأصبحت = عسرًا على طلابك ابنة مخرم
ذكر غائبة ثم رجع إلى خطابها، وقول الله عز وجل: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}، ومنه قول كثير:
أسيني بنا أو أحسني لا ملولة = لدينا ولا مقلية إ ن تقلت
ولم يقل إن تقليت ومنه قول الهذلي:
يا لهف نفسي كان جدة خلة = وبياض وجهك للتراب الأعفر).
[شرح المفضليات: 12] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قال الشاعر يصف فرسًا:
لها عكن ترد النبل خنسًا = وتهزأ بالمعابل والقطاع
أي: تستخف بها ولا تباليها، قال: أنت الوفي فخاطب، ثم قال: وإذا رماه الكاشحون رماهم، ترك الخطاب وجاء بغيبه كما قال الآخر:
إلى هوذة الوهاب أعملت مدحتي = أرجي عطاء فاضلاً من نوالكا
وقال الله عز وجل: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} ). [شرح المفضليات: 100]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وبلغني عن عبّاد بن كثير عن عقيل " بن خالد " عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه: " خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف وما غلب قوم قطّ يبلغون اثني عشر ألفًا إذا اجتمعت كلمتهم " وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم عن قلّة. وكانوا اثني عشر ألفًا فهزم المسلمون يومئذ وأنزل اللّه عز وجل: {ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم} الآية "
ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه وقالوا كان يقال: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، قال اللّه تعالى: {يا أيّها النّاس إنما بغيكم على أنفسكم}، والمكر، قال اللّه تعالى: {ولا يحيق المكر السّيئ إلا بأهله} والنّكث، قال عز وجل: {فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه} ). [عيون الأخبار: 2/111]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 04:38 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 04:41 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وإذا أذقنا النّاس الآية، المراد ب النّاس في هذه الآية الكفار وهي بعد تتناول من العاصين من لا يؤدي شكر الله تعالى عند زوال المكروه عنه ولا يرتدع بذلك عن معاصيه، وذلك في الناس كثير، و «الرحمة» هنا بعد الضراء، كالمطر بعد القحط والأمن بعد الخوف والصحة بعد المرض ونحو هذا مما لا ينحصر، و «المكر» الاستهزاء والطعن عليها من الكفار، واطراح الشكر والخوف من العصاة، ووصف مكر الله بالسرعة وإن كان الاستدراج بمهلهم لأنه متقين به واقع لا محالة، وكل آت قريب، قال أبو حاتم: قرأ الناس «أن رسلنا» بضم السين، وخفف السين الحسن وابن أبي إسحاق وأبو عمرو، وقال أبو علي أسرع من سرع ولا يكون من أسرع يسرع، قال ولو كان من أسرع لكان شاذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نار جهنم «لهي أسود من القار» وما حفظ للنبي صلى الله عليه وسلم فليس بشاذ.
وقرأ الحسن والأعرج ونافع وقتادة ومجاهد «تمكرون» بتاء على المخاطبة وهي قراءة أهل مكة وشبل وأبي عمرو وعيسى وطلحة وعاصم والأعمش والجحدري وأيوب بن المتوكل، ورويت أيضر عن نافع والأعرج، قال أبو حاتم: قال أيوب بن المتوكل: في مصحف أبيّ «يا أيها الناس إن الله أسرع مكرا وإن رسله لديكم يكتبون ما تمكرون»). [المحرر الوجيز: 4/ 464-465]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين (22)
هذه الآية تتضمن تعديد النعمة فيما هي الحال بسبيله من ركوب البحر، وركوبه وقت حسن الظن به للجهاد والحج متفق على جوازه، وكذلك لضرورة المعاش بالصيد فيه أو لتصرف التجر، وأما ركوبه لطلب الغنى والاستكثار فمكروه عند الأكثر، وغاية مبيحة أن يقول وتركه أحسن، وأما ركوبه في ارتجاجه فمكروه ممنوع وفي الحديث: «من ركب البحر في ارتجاجه فقد برئت منه الذمة».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «البحر لا أركبه أبدا». وقرأ جمهور القراء من السبعة وغيرهم «يسيركم» قال أبو علي وهو تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية، لأن العرب تقول: سرت الرجل وسيّرته ومنه قول الهذلي: [الطويل]
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها = وأول راض سنة من يسيرها
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا البيت اعتراض حتى لا يكون شاهدا في هذا. وهو أن يجعل الضمير كالظرف كما تقول سرت الطريق وهذه قراءة الجمهور من سير، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود، وفي مصحف أبي شيخ وقال عوف بن أبي جميلة قد كان يقرأ «ينشركم» فغيرها الحجاج بن يوسف «يسيركم»، قال سفيان بن أبي الزعل: كانوا يقرأون «ينشركم» فنظروا في مصحف ابن عفان فوجدوها «يسيركم»، فأول من كتبها كذلك الحجاج، وقرأ ابن كثير في بعض طرقه «يسيركم» من أسار، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة «ينشركم» بفتح الياء وضم الشين من النشر والبث، وهي قراءة زيد بن ثابت والحسن وأبي العالية وأبي جعفر وعبد الله بن جبير بن الفصيح وأبي عبد الرحمن وشيبة، وروي عن الحسن أنه قرأ «ينشركم» بضم الياء وكسر الشين وقال: هي قراءة عبد الله، قال أبو حاتم: أظنه غلط، والفلك جمع فلك وليس باسم واحد للجميع والفرد ولكنه فعل جمع على فعل، ومما يدل على ذلك قولهم فلكان في التثنية وقراءة أبي الدرداء وأم الدرداء «في الفلكي» على وزن فعليّ بياء نسب وذلك كقولهم أشقري وكدواري في دور الدهر وكقول الصلتان:
أنا الصلتاني ... ... ... = ... .... ... ...
وقوله وجرين علامة قليل العدد، وقوله بهم خروج من الحضور إلى الغيبة، وحسن ذلك لأن قولهم: كنتم في الفلك هو بالمعنى المعقول حتى إذا حصل بعضهم في السفن، و «الريح» إذا أفردت فعرفها أن تستعمل في العذاب والمكروه، لكنها لا يحسن في البحر أن تكون إلا واحدة متصلة لا نشرا، فقيدت المفردة «بالطيب» فخرجت عن ذلك العرف وبرع المعنى، وقرأ ابن أبي عبلة «جاءتهم ريح عاصف»، والعاصف الشديدة من الريح، يقال: عصفت الريح، وقوله وظنّوا على بابه في الظن لكنه ظن غالب مفزع بحسب أنه في محذور، وقوله دعوا اللّه أي نسوا الأصنام والشركاء وجردوا الدعاء لله، وذكر الطبري في ذلك عن بعض العلماء حكاية قول العجم:
هيا شراهيا ومعناه يا حي يا قيوم، قال الطبري: جواب قوله حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين: جاءتها ريحٌ عاصفٌ، وجواب قوله: وظنّوا أنّهم أحيط بهم: دعوا اللّه مخلصين). [المحرر الوجيز: 4/ 465-468]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون (23)
يبغون: أي يفسدون ويكفرون، والبغي: التعدي والأعمال الفاسدة، وأكد ذلك بقوله: بغير الحقّ، ثم ابتدأ بالرجز وذم البغي في أوجز لفظ، وقوله «متاع الحياة» رفع، وهذه قراءة الجمهور وذلك على خبر الابتداء، والمبتدأ بغيكم، ويصح أن يرتفع متاع على خبر ابتداء مضمر تقديره ذلك متاع أو هو متاع، وخبر «البغي» قوله على أنفسكم، وقرأ حفص عن عاصم وهارون عن ابن كثير وابن أبي إسحاق: «متاع» بالنصب وهو مصدر في موضع الحال من «البغي»، وخبر البغي على هذا محذوف تقديره:مذموم أو مكروه ونحو هذا، ولا يجوز أن يكون الخبر قوله على أنفسكم لأنه كان يحول بين المصدر وما عمل فيه بأجنبي، ويصح أن ينتصب متاع بفعل مضمر تقديره: تمتعون متاع الحياة الدنيا، وقرأ ابن أبي إسحاق: «متاعا الحياة الدنيا» بالنصب فيهما، ومعنى الآية إنما بغيكم وإفسادكم مضر لكم وهو في حالة الدنيا ثم تلقون عقابه في الآخرة، قال سفيان بن عيينة: إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا أي تعجل لكم عقوبته في الحياة الدنيا، وعلى هذا قالوا: البغي يصرع أهله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقالوا: الباغي مصروع، قال الله تعالى: ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه [الحج: 60] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أسرع عقوبة من بغي». وقرأت فرقة «فننبئكم» على ضمير المعظم المتكلم وقرأت فرقة: «فينبئكم»، على ضمير الغائب، والمراد الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 4/ 468-470]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:56 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذا أذقنا النّاس رحمةً من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكرٌ في آياتنا قل اللّه أسرع مكرًا إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون (21) هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين (22) فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون (23) }
يخبر تعالى أنّه إذا أذاق النّاس رحمةً من بعد ضرّاء مسّتهم، كالرّخاء بعد الشّدّة، والخصب بعد الجدب، والمطر بعد القحط ونحو ذلك {إذا لهم مكرٌ في آياتنا}.
قال مجاهدٌ: استهزاءٌ وتكذيبٌ. كما قال: {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه} [يونس: 12]، وفي الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم الصّبح على أثر سماءٍ -مطرٍ -أصابهم من اللّيل ثمّ قال: "هل تدرون ماذا قال ربّكم اللّيلة؟ " قالوا اللّه ورسوله أعلم. قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأمّا من قال: مطرنا بفضل اللّه ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب".
وقوله: {قل اللّه أسرع مكرًا} أي: أشدّ استدراجًا وإمهالًا حتّى يظنّ الظّانّ من المجرمين أنّه ليس بمعذّبٍ، وإنّما هو في مهلةٍ، ثمّ يؤخذ على غرّةٍ منه، والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله،ويحصونه عليه، ثم يعرضون على عالم الغيب والشّهادة، فيجازيه على الحقير والجليل والنّقير والقطمير). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 258-259]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (ثمّ أخبر تعالى أنّه: {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر} أي: يحفظكم ويكلؤكم بحراسته {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها} أي: بسرعة سيرهم رافقين، فبينما هم كذلك إذ {جاءتها} أي: تلك السّفن {ريحٌ عاصفٌ} أي: شديدةٌ {وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ} أي: اغتلم البحر عليهم {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} أي: هلكوا {دعوا اللّه مخلصين له الدّين} أي: لا يدعون معه صنمًا ولا وثنًا، بل يفردونه بالدّعاء والابتهال، كما قال تعالى: {وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلا إيّاه فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم وكان الإنسان كفورًا} [الإسراء: 67]، وقال هاهنا: {دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه} أي: هذه الحال {لنكوننّ من الشّاكرين} أي: لا نشرك بك أحدًا، ولنفردنّك بالعبادة هناك كما أفردناك بالدّعاء هاهنا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 259]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (
قال اللّه تعالى: {فلمّا أنجاهم} أي: من تلك الورطة {إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ} أي: كأن لم يكن من ذاك شيءٌ {كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه}، ثمّ قال تعالى: {يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم} أي: إنّما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرّون به أحدًا غيركم، كما جاء في الحديث: "ما من ذنبٍ أجدر أن يعجّل اللّه عقوبته في الدّنيا، مع ما يدخر اللّه لصاحبه في الآخرة، من البغي وقطيعة الرّحم".
وقوله: {متاع الحياة الدّنيا} أي: إنّما لكم متاعٌ في الحياة الدّنيا الدّنيئة الحقيرة {ثمّ إلينا مرجعكم} أي: مصيركم ومآلكم {فننبّئكم} أي: فنخبركم بجميع أعمالكم، ونوفّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 259]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة