العودة   جمهرة العلوم > المنتديات > منتدى جمهرة العلوم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 05:55 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي مسائل في الوسوسة وحديث النفس وردّ كيد الشيطان

مسائل في الوسوسة وحديث النفس ورد كيد الشيطان

عناصر الموضوع:
معنى (الشيطان)
إطافة الشيطان بآدم عليه السلام قبل نفخ الروح فيه ودخوله في جوفه
ذكر أسماء إبليس وأسماء أولاده
الوسوسة أصل كل معصية وبلاء
ذكر أمثلة لشرور الشيطان
أمثلة لوسوسة الشيطان للإنسان
مراتب إغواء الشيطان للإنسان
ذكر بعض حيل الشيطان
صفة وسوسة الشيطان للإنسان
... - حديث أم المؤمنين صفية بنت حيي
... - حديث أبي هريرة: (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط...)
... - حديث آخر عن أبي هريرة
... - حديث أنس بن مالك
...- حديث آخر عن أنس بن مالك
...- حديث الحكم بن عمير الثمالي
...- أثر أبي ثعلبة الخشني
... - حديث ابن عباس: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم...)
... - أثر ابن عباس: (ما من مولود إلا وعلى قلبه الوسواس...)
... - أثر سعيد بن جبير
... - أثر مجاهد بن جبر
... - أثر عكرمة مولى ابن عباس
...- أثر قتادة السدوسي
... - أثر يحيى بن أبي كثير
... - أثر عروة بن رويم
... - أثر مقاتل بن سليمان
...- أثر ثور الصنعاني
... - أثر سليمان بن طرخان التيمي

أقوال المفسرين في شأن الوسوسة
تعاظم الشيطان وتصاغره
... - حديث: لا تقل تعس الشيطان
دخول الشيطان في جوف الإنسان
...- أحاديث في دخول الشيطان في بدن الإنسان
... - حديث أم المؤمنين صفية بنت حيي
...- حديث أبي سعيد الخدري

إنكار الفلاسفة دخول الجني في بدن الإنسي
الوسواس في الوضوء
... - أثر عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه
... - أثر إبراهيم التيمي
...- أثر عمرو بن مرة

ما يفعله من ابتلي بالوسوسة
علاج الوسوسة
طريق النجاة من الوسواس الخناس
... - حديث منكر
وجوب دوام الاستعاذة والحذر من كيد الشيطان
الاستعاذة تكون بالقول والقصد والعمل
ما يعتصم به العبد من الشيطان
حديث النفس ووسوستها
... - حديث أبي هريرة : (إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ... )
... - حديث: (اللهم اعمر قلبي من وساوس ذكرك ...)
تفسير لَمَّةِ الملَك وَلَمَّةِ الشَّيطَانِ
... - اشتقاق لفظ الملَك
الفرق بين الخاطرة والوسوسة والإلهام


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:02 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

معنى (الشيطان)

قالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابنُ دُرَيْدٍ الأَزْدِيُّ (ت:321هـ): (اختلفُوا في اشتقاقِ الشَّيطانِ، فَقَالَ قومٌ مِنْ أَهلِ اللُّغَةِ: اشتقاقُه من شَاطَ يَشيط وتشيّط، إذا لَفَحَتْهُ النارُ فأثَّرَتْ فيهِ، والنُّون فيه زائدةٌ، قال الراجز:
كشائطِ الرُبِّ عليه الأشْكَلِ
قال أبو بكر: هذا الرَّجَزُ لأبي النجم، وإنما يصفُ فَحلاً منَ الإبل قد جَسِدَ ولَبدَ خَطرُه على فخذيه فشبّه برُبِّ السمن الذي قد نالت منه النارُ فاسوادّ، والياء فيه أصلية، والشُّكلة: بياض في حُمرة؛ وعين شَكْلاء إذا كان في بياضها حُمرة، ومن قال: إن النون فيه أصلية؛ فهو من شَطَنَ فهو شاطن، أي بعُد عن الخير.
وقرأ الحسن: وما تنزّلتْ به الشّياطونَ.
قال أبو بكر: هذا خلاف الخطِّ). [جمهرة اللغة: شطن ]
قالَ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَزْهَرِيُّ (ت: 370هـ): (قال الليث:الشيطانُ فَيْعَالٌ مِن شَطَنَ، أي بَعُدَ.
قال، ويقال: شَيْطَنَ الرجل، وتَشَيْطَنَ، إذا صار كالشيْطان وَفَعَلَ فِعْلَهُ.
وقال رؤبة:

شَاقٍ لِبَغْيِ الكَلِبِ المُشَيْطِنِ
وقال غيره: الشيْطان: فعلان، من شَاطَ يشِيطُ، إذا هلك واحترق، مثل هيمان وغيمان، من هام وغام.
قلت: والأول أكبر، والدليل على أنه من شَطَنَ قول أمية بن أبي الصلت يذكر سليمان النبي:
أَيُّما شَاطِنٍ عَصاهُ عَكاهُ
أراد: أيّمَا شيطان). [تهذيب اللغة: شطن]
قالَ أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ (ت: 489هـ): (وقولُه: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} [الناس: 5] هو الشيطانُ، والشيطانُ كلُّ مُتمَرِّدٍ كان جِنِّيًّا أو إِنْسِيًّا). [تفسير القرآن: 6/308]
قالَ ابنُ الأَثِيرِ المبارَكُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَزَرِيُّ (ت:606هـ): (إنْ جَعَلت نُون الشيطان أصليَّة كان من الشَّطن: البُعْد: أي بَعُد عن الخير أو من الحَبْل الطويل كأنَّه طالَ في الشَّرّ.
وإن جَعَلتها زَائدَة كان من شاط يَشيطُ إذا هلَك أو من اسْتَشَاط غَضَباً إذا احْتدَّ في غَضَبه والتَهَب). [النهاية في غريب الحديث: ]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:03 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

إطافة الشيطان بآدم عليه السلام قبل نفخ الروح فيه ودخوله في جوفه

قالَ أَبُو دَاوُودَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُودَ بنِ الجَارُودِ الطَّيَالِسِيُّ (ت:204هـ): (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ تَرَكَهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَلِمَ أَنَّهُ خَلْقٌ لا يَتَمَالَكُ). [مسند أبي داوود الطيالسي: 3/512]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذا الحديث رواه أبو داوود الطيالسي وأحمد ومسلم وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وابن حبان كلهم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به).
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ (ت: 276هـ):(روَى يَزِيدُ بنُ هارونَ السُّلَمِيُّ عن سعيدٍ قالَ قَتادَةُ: (كانَ إبليسُ يَنْظُرُ إلى آدمَ، ويقولُ: لأمرٍ مَا خُلِقْتَ! ويَدْخُلُ مِن فِيهِ، ويَخْرُجُ مِن دُبُرِهِ. فقالَ للملائكةِ: لا تَرْهَبُوا مِن هذا؛ فإنَّ ربَّكم صَمَدٌ، وهذا أجْوَفُ) ). [تفسير غريب القرآن: 544]
قالَ أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (وعن قَتادةَ قالَ: كانَ إِبليسُ -لَعَنَه اللهُ- يَنظرُ إلى آدَمَ عليه السلامُ، ودَخَلَ في فِيهِ، وخرَجَ مِن دُبُرِه. يعني: حينَ كان صَلصالاً، فقالَ للملائكةِ: لا تَرْهَبوا مِن هذا؛ فإنَّ رَبَّكم صَمَدٌ، وهذا أَجْوَفُ).[بحر العلوم: 3/525]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (ورواه ابن جرير في تفسيره والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر كلهم من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود في خبر طويل، وإسناده ضعيف.
وروى نحوه ابن جرير في تاريخه من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس).


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:03 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ذكر أسماء إبليس وأسماء أولاده

قالَ ابنُ أَبي الدُّنيَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ القُرَشِيُّ (ت:281هـ): (حَدَّثَنا بشْرُ بنُ الوليدِ الكِندِيُّ حدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ طَلحةَ عَن زُبَيْدٍ عَن مُجَاهِدٍ قَالَ: لإِبْلِيسَ خَمْسَةٌ مِنْ وَلَدِهِ قَدْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ ثُمَّ سَمَّاهُم فَذَكَرَ: ثَبْرٌ والأَعْوَرُ وَمِسْوَطٌ وَدَاسِمٌ وَزَلنْبورُ.
-فَأَمَّا ثَبْرٌ فهو صَاحِب المصِيبَات الَّذِي يَأْمر بالثُّبورِ وشَقِّ الجُيوبِ وَلَطْمِ الخُدُودِ وَدَعْوى الجاهِلِيَّةِ.
-وَأَمَّا الأَعْوَرُ فَهو صَاحِبُ الزِّنَا الَّذي يَأْمُرُ بهِ وَيُزَيِّنُه.
-وَأَمَّا مِسْوَطُ فَهُوَ صَاحِبُ الكَذِبِ الَّذي يَسْمَعُ فَيَلْقَى الرَّجُلَ فيُخْبرُه بالخَبَرِ فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ إِلَى القَوْمِ فَيَقُولُ لَهُمْ: قَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَمَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ حَدَّثَنِي بكَذَا وَكَذَا.
-وأَمَّا دَاسِمٌ فَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ مَعَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ يُرِيهِ العَيْبَ فِيهِمْ وَيُغْضِبه عَلَيْهِم.
-وَأَمَّا زَلَنْبُورُ فَهُوَ صَاحِبُ السُّوقِ الَّذِي يَرْكُزُ رَايَتَهُ فِي السُّوقِ). [مكائد الشيطان: ]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (محمد بن طلحة بن مصرف مختلف فيه، وثقه أحمد والعجلي، واختلفت الرواية فيه عن ابن معين،
وضعفه النسائي، وقال أبو داوود وابن حبان: كان يخطئ، وقال ابن سعد: كانت له أحاديث منكرة، وقد أخرج البخاري بعض حديثه في الصحيح.
وكذلك بشر بن الوليد مختلف فيه).
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حدَّثَنَا القَاسِمُ، قالَ: ثَنا الحُسَينُ، قالَ: ثَني حَجَّاجٌ، عَنِ ابنِ جُرَيجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} [الكهف: 50] قال: ذُرِّيَّتُهُ: هُمُ الشَّياطِينُ، وَكَانَ يَعُدُّهُمْ: زَلَنْبُورُ صَاحِبُ الأَسْوَاقِ ويضَع رايتَه في كلِّ سُوق ما بينَ السَّماء والأرضِ، وثَبْرٌ صاحِبُ المصَائب، والأعور صَاحبُ الزّنا ومِسوط صَاحبُ الأخبارِ يَأَتي بها فيُلقِيها في أفواهِ النَّاسِ، ولا يَجِدون لهَا أصلاً، ودَاسِمٌ الذي إِذا دَخَل الرَّجُلُ بَيْتَهُ وَلم يُسَلِّمْ وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ بَصَّرَهُ مِنَ المتَاعِ مَا لَمْ يُرْفَعْ، وَإِذَا أَكَلَ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ أَكَلَ مَعَهُ). [جامع البيان:18/43]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الحسين هو ابن داوود المصيصي المعروف بسنيد صاحب التفسير مضعف في روايته خصوصاً عن حجاج بن محمد المصيصي).
قالَ أَبُو الشَّيْخِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الأَصْبَهَانِيُّ (ت:369هـ):(حَدَّثَنَا الوليدُ قال: حدَّثني الحسنُ بنُ أحمدَ بنِ ليثٍ حدَّثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ حدَّثنا سَعيدُ بنُ سالمٍ القدَّاح حدَّثنا ابنُ جُرَيجٍ عن مُجَاهدٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في قَوْلِهِ عزَّ وجلَّ: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: 50] قال: (باضَ إبليسُ خمسَ بَيضَاتٍ: زَلَنبور ودَاسِم وثَبر وَمِسْوَط والأَعْوَر؛ فَأَمَّا الأَعْوَرُ فصاحبُ الزِّنَا، وَأَمَّا ثَبْرٌ فصاحبُ المصائبِ، وأَمَّا مِسْوَطٌ فَصاحِبُ أَخْبارِ الكَذِبِ يُلْقِيهَا عَلَى أَفْواهِ النَّاسِ وَلا يَجِدُونَ لَها أَصْلاً، وأَمَّا دَاسِم فهو صَاحِبُ البيوتِ إِذَا دَخَل الواحدُ بيتَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ دَخَلَ مَعَهُ، وَإِذَا أكل ولَمْ يُسَمِّ أَكَلَ مَعَهُ، وَيُرِيهِ مِن مَتَاعِ البيْتِ مَا لا يُحْصِي مَوْضِعَهُ، وأَمَّا زَلَنْبورُ فَصَاحِبُ الأَسْوَاقِ يَضَعُ رَايَتَهُ فِي كُلِّ سُوقٍ بينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).[العظمة:5/ ]
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ ابْنُ خَالويهِ (ت: 370هـ): (ولإبْلِيسَ أَسْمَاءُ: المَارِدُ، والشَّيْطَانُ، والمُوَسْوِسُ، والرَّجِيمُ، واللَّعِينُ والغَرُورُ، والمَارِجُ، والأجْدَعُ، والمُذْهِبُ، والمُهَذِّبُ، والأزْيَبُ، وهَيَاهٌ، والخَيْتَعُورُ، والشَّيْصَبَانُ، والدُّلمزُ، وأَوْهَدُ، والدُّلامِزُ، والعِكَبُّ، والكَعَنْكَعُ، والقَازُّ، والسَّفِيهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن: 4]. وَأَسْمَاءُ أوْلادِهِ: زَلَنْبُورُ، والأَعْوَرُ، ومِسْوَطٌ، وثَبْرٌ، ودَاسِمٌ).[إعراب ثلاثين سورة: 239-240]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أكثر ما ذكره ألقاب وأوصاف، وبعضها أسماء لبعض الجن زعمتها بعض العرب، وأما ما ذكر من أسماء أولاده فمأثور عن مجاهد رحمه الله).


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:04 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الوسوسة أصل كل معصية وبلاء

قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الآيَةِ {برَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس: 1-3] فَإِنْ كَانَ المَقْصُودُ أَنْ يَسْتَعِيذَ النَّاسُ برَبِّهِمْ وَمَلِكِهِمْ وَإِلَهِهِمْ مِنْ شَرِّ مَا يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِهِمْ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ الخَيْرُ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ وَيُطْلَبُ مِنْهُ دَفْعُ الشَّرِّ الَّذِي يَضُرُّهُمْ.
وَالوَسْوَاسُ أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ يَضُرُّهُمْ؛ لأَنَّهُ مَبْدَأٌ لِلْكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيَانِ وَعُقُوبَاتُ الرَّبِّ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى ذُنُوبهِمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لأَحَدِهِمْ ذَنْبٌ فَكُلُّ مَا يُصِيبُهُ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِ وَإِذَا ابْتُلِيَ بمَا يُؤْلِمُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ دَرَجَتَهُ وَيَأْجُرُهُ إذَا قُدِّرَ عَدَمُ الذُّنُوب مُطْلَقًا لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بوَاقِعٍ مِنْهُمْ فَإِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَاطِئِينَ التَّوَّابُونَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 72، 73].
فَغَايَةُ المُؤْمِنِينَ الأنْبيَاءِ فَمَنْ دُونَهِمْ هِيَ التَّوْبَةُ:
-قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 37].
-وَقَالَ نُوحٌ: {رَب إنِّي أَعُوذُ بكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ (47)} [هود: 47].
-وَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة: 128].
وَقَالَ مُوسَى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الغَافِرِينَ (155)} [الأعراف: 155].
وَدُعَاءُ نَبيِّنَا بمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرٌ مَعْرُوفٌ.
فَكَانَ الوَسْوَاسُ مَبْدَأَ كُلِّ شَرٍّ فَإِنْ كَانُوا قَدِ اسْتَعَاذُوا برَبِّهِمْ وَمَلِكِهِمْ وَإِلَهِهِمْ مِنْ شَرِّهِ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ وَسْوَاسُ الجِنِّ وَالإِنْسِ، وَسَائِرُ شَرِّ الإِنْسِ إنَّمَا يَقَعُ بذُنُوبهِمْ فَهُوَ جَزَاءٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ كَالشَّرِّ الَّذِي يَقَعُ مِنَ الجِنِّ بغَيْرِ الوَسْوَاسِ، وَكَمَا يَحْصُلُ مِنَ العُقُوبَاتِ السَّمَاوِيَّةِ.
وَهُمْ لَمْ يَسْتَعِيذُوا هُنَا مِنْ شَرِّ المَخْلُوقَاتِ مُطْلَقًا كَمَا اسْتَعَاذُوا فِي سُورَةِ الفَلَقِ بَلْ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي يَكُونُ مَبْدَؤُهُ فِي نُفُوسِهِمْ.
وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ رَب النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إلَهِ النَّاسِ يَسْتَعِيذُونَ بهِ لِيُعِيذَهُمْ وَلِيُعِيذَ مِنْهُمْ وَهَذَا أَعَمُّ المَعْنَيَيْنِ فَذَلِكَ يَحْصُلُ بإِعَاذَتِهِ مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ المُوَسْوِسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوَسْوِسُ بظُلْمِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَبإِغْوَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَبإِعَانَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ.
فَمَا حَصَلَ لإِنْسِيٍّ شَرٌّ مِنْ إنْسِيٍّ إلا كَانَ مَبْدَؤُهُ مِنَ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ وَإِلا فَمَا يَحْصُلُ مِنْ أَذَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الوَسْوَاسِ بَلْ كَانَ مِنَ الوَحْيِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بهِ مَلائِكَتَهُ كَانَ عَدْلاً كَإِقَامَةِ الحُدُودِ وَجِهَادِ الكُفَّارِ وَالاقْتِصَاصِ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَهَذِهِ الأمُورُ فِيهَا ضَرَرٌ وَأَذًى لِلظَّالِمِينَ مِنَ الإِنْسِ لَكِنْ هِيَ بوَحْيِ اللَّهِ لا مِنَ الوَسْوَاسِ، وَهِيَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي حَقِّ عِبَادِهِ حَتَّى فِي حَقِّ المُعَاقَب فَإِنَّهُ إذَا عُوقِبَ كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَإِلا كَانَ تَخْفِيفًا لِعَذَابهِ فِي الآخِرَةِ بالنِّسْبَةِ إلَى عَذَاب مَنْ لَمْ يُعَاقَبْ فِي الدُّنْيَا.
وَلِهَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً فِي حَقِّ العَالَمِينَ باعْتِبَارِ مَا حَصَلَ مِنَ الخَيْرِ العَامِّ بهِ وَمَا حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ بهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
-وَباعْتِبَارِ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ رَحْمَةٌ فَمِنْ قِبَلِهَا وَإِلا كَانَ هُوَ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ.
-وَباعْتِبَارِ أَنَّهُ قَمَعَ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ فَنَقَصَ شَرُّهُمْ وَعَجَزُوا عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بدُونِهِ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ؛ فَكَانَ تَعْجِيلُ مَوْتِهِمْ خَيْرًا مِنْ طُولِ عُمْرِهِمْ فِي الكُفْرِ لَهُمْ وَلِلنَّاسِ.
فَكَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ بكُلِّ اعْتِبَارٍ فَلا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ وَمِنْ أَمْثَالِهِ مِنَ الأنْبيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمُ المُؤْمِنِينَ وَهُمْ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ كَانُوا يَفْعَلُونَ بأَعْدَائِهِمْ مَا هُوَ أَذًى وَعُقُوبَةٌ وَأَلَمٌ لَهُمْ؛ فَلَمْ تَبْقَ الاسْتِعَاذَةُ مِنَ النَّاسِ إلا مِمَّا يَأْتِي بهِ الوَسْوَاسُ إلَيْهِمْ؛ فَيُسْتَعَاذُ برَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إلَهِ النَّاسِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ لِلْمُسْتَعِيذِ وَمِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ لِسَائِرِ النَّاسِ حَتَّى لا يَحْصُلَ مِنْهُمْ شَرٌّ لِلْمُسْتَعِيذِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ شَرٌّ إلا مِنَ الوَسْوَاسِ كَانَتِ الاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ الَّذِي يُوَسْوِسُ لَهُمْ تَحْصِيلاً لِلْمَقْصُودِ، وَكَانَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَأَقْرَبَ إلَى العَدْلِ، وَكَانَ مَخْرَجًا لِأَنْبيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُسْتَعَاذَ مِنْ شَرِّهِمْ وَأَنْ يُقْرَنُوا بالوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَفْضِيلاً لِلْجِنِّ عَلَى الإِنْسِ وَهَذَا لا يَقُولُهُ عَاقِلٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّرِّ كُلِّهِ مِنَ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ فَلا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الاسْتِعَاذَةِ مِنْ وَسْوَاسِ النَّاسِ فَإِنَّهُ تَابعٌ لِوَسْوَاسِ الجِنِّ.
قِيلَ: بَلِ الوَسْوَسَةُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنَ الجِنِّ وَنَوْعٌ مِنْ نُفُوسِ الإِنْسِ، كَمَا قَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] فَالشَّرُّ مِنَ الجِهَتَيْنِ جَمِيعًا، وَالإِنْسُ لَهُمْ شَيَاطِينُ كَمَا لِلْجِنِّ شَيَاطِينُ). [مجموع الفتاوى:17/514-517] (م)
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(فَصْلٌ: وَبهَذَا يَتَبَيَّنُ فَضْلُ هَذِهِ الاسْتِعَاذَةِ وَالَّتِي قَبلَهَا كَمَا جَاءَتْ بذَلِكَ الأحَادِيثُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعِذِ المُسْتَعِيذُونَ بمِثْلِهِمَا؛ فَإِنَّ الوَسْوَاسَ أَصْلُ كُلِّ كُفْرٍ وَفُسُوقٍ وَعِصْيَانٍ فَهُوَ أَصْلُ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ فَمَتَى وُقِيَ الإِنْسَانُ شَرَّهُ وُقِيَ عَذَابَ جَهَنَّمَ وَعَذَابَ القَبْرِ وَفِتْنَةَ المَحْيَا وَالمَمَاتِ وَفِتْنَةَ المَسِيحِ الدَّجَّالِ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ إنَّمَا تَحْصُلُ بطَرِيقِ الوَسْوَاسِ وَوُقِيَ عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعَذَّبُ عَلَى الذُّنُوب، وَأَصْلُهَا مِنَ الوَسْوَاسِ.
ثُمَّ إنْ دَخَلَ فِي الآيَةِ وَسْوَاسُ غَيْرِهِ بحَيْثُ يَكُونُ قَوْلُهُ: {مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ} [الناس: 4] اسْتِعَاذَةً مِنَ الوَسْوَاسِ الَّذِي يَعْرِضُ لَهُ وَالَّذِي يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بسَبَبهِ فَقَدْ وُقِيَ ظُلْمَهُمْ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُرِيدُ وَسْوَاسَهُ؛ فَهُمْ إنَّمَا يُسَلِّطُونَ عَلَيْهِ بذُنُوبهِ وَهِيَ مِنْ وَسْوَاسِهِ قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].
وَقَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30].
وَقَالَ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: 79] ).[مجموع الفتاوى:17/518] (م)
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (فأصْلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وبلاءٍ إنما هو الوَسوسةُ، فلهذا وَصَفَه بها لتكونَ الاستعاذةُ من شَرِّها، أهمَّ من كلِّ مُستعاذٍ منه، وإلا فشَرُّه بغيرِ الوَسوسةِ حاصلٌ أيضًا). [بدائع الفوائد: 2/258]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:05 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ذكر أمثلة لشرور الشيطان

قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (و إلا فشَرُّه بغيرِ الوَسوسةِ حاصلٌ أيضًا؛ فمِنْ شَرِّه أنه لِصٌّ سارقٌ لأموالِ الناسِ فكُلُّ طعامٍ أو شَرابٍ لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليه فله فيه حَظٌّ بالسَّرِقَةِ والخطْفِ، وكذلك يَبيتُ في البيتِ إذا لم يُذْكَرْ فيه اسمُ اللهِ، فيَأْكُلُ طعامَ الإنسِ بغيرِ إذنِهم، ويَبيتُ في بُيوتِهم بغيرِ أَمْرِهم، فيَدخُلُ سارقًا ويَخرُجُ مُغيرًا ويَدُلُّ على عَورتِهم، فيَأْمُرُ العبدَ بالمَعصِيَةِ، ثم يُلْقِي في قلوبِ الناسِ يَقظةً ومَنامًا أنه فَعَلَ كذا وكذا.
ومن هذا: أنَّ العبْدَ يَفْعَلُ الذنبَ لا يَطَّلِعُ عليه أحدٌ من الناسِ فيُصْبحُ والناسُ يَتَحَدَّثُون به. وما ذاك إلا أنَّ الشيطانَ زَيَّنَه له وأَلقاهُ في قَلْبه، ثم وَسْوَسَ إلى الناسِ بما فَعَلَ، وأَلقاهُ إليهم، فأَوْقَعَه في الذنْبِ، ثم فَضَحَه به، فالربُّ تعالى يَسْتُرُه، والشيطانُ يَجْهَدُ في كَشْفِ سِتْرِه وفضيحتِه، فيَغْتَرُّ العبْدُ ويقولُ: هذا ذنْبٌ لم يَرَهُ إلا اللهُ، ولم يَشْعُرْ بأنَّ عَدُوَّه ساعٍ في إذاعتِه وفَضيحتِه، وقَلَّ مَن يَتَفَطَّنُ من الناسِ لهذه الدقيقةِ.
ومن شَرِّه أنه إذا نامَ العبْدُ عَقَدَ على رأسِه عُقَدًا تَمْنَعُه من اليَقَظَةِ.
كما في صحيحِ البخاريِّ، عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ، عن أبي هُريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ: ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ مَكَانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإِلَّا أَصْبَحَ خَبيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ)).
ومِن شَرِّه: أنه يَبُولُ في أُذُنِ العبْدِ حتى يَنامَ إلى الصباحِ، كما ثَبَتَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه ذُكِرَ عندَه رجلٌ نامَ ليلَه حتى أَصْبَحَ، قالَ: ((ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ ))أَوْ قَالَ:(( فِي أُذُنِهِ)). رواه البخاريُّ.
ومن شَرِّه: أَنَّه قَعَدَ لابنِ آدَمَ بطُرُقِ الخيرِ كلِّها، فما من طرُقِ الخيرِ من طريقٍ إلا والشيطانُ مُرْصِدٌ عليه يَمنَعُه بجَهْدِه أن يَسلُكَه، فإن خالَفَه وسَلَكَه ثَبَّطَه فيه وَعَوَّقَه وشَوَّشَ عليه بالمُعارِضاتِ والقواطِعِ، فإنْ عَمِلَه وفَرَغَ منه قَيَّضَ له ما يُبْطِلُ أَثَرَه ويَرُدُّه على حافِرَتِه.
ويَكْفِي من شرِّه أنه أَقْسَمَ باللهِ ليَقْعُدَنَّ لبَنِي آدَمَ صِراطَه المُستقيمَ، وأَقْسَمَ ليَأْتِيَنَّهُم من بينِ أَيديهِم ومن خَلْفِهم وعن أيمانِهم وعن شَمَائِلِهم، ولقد بَلَغَ شرُّه أن أَعْمَلَ المَكيدةَ وبالَغَ في الحِيلةِ حتى أَخْرَجَ آدَمَ من الجَنَّةِ.
ثم لم يَكْفِه ذلك حتى استَقْطَعَ من أولادِه شُرْطَةً للنارِ، من كلِّ ألْفٍ تِسْعَمائةٍ وتسعةً وتِسعينَ.
ثم لم يَكْفِه ذلك حتى أَعْمَلَ الحِيلةَ في إبطالِ دَعوةِ اللهِ من الأرضِ، وقَصَدَ أن تكونَ الدعوةُ له وأن يُعْبَدَ من دونِ اللهِ فهو ساعٍ بأَقْصَى جَهْدِه على إطفاءِ نُورِ اللهِ وإبطالِ دَعوتِه، وإقامةِ دعوةِ الكفْرِ والشرْكِ، ومَحْوِ التوحيدِ وأَعلامِه من الأرضِ.
ويَكفي من شرِّه أنه تَصَدَّى لإبراهيمَ خليلِ الرحمنِ حتى رَمَاهُ قَوْمُه بالمَنْجَنيقِ في النارِ، فرَدَّ اللهُ كَيْدَه عليه،
وجَعَلَ النارَ على خَليلِه بَرْدًا وسَلامًا.
وتَصَدَّى للمسيحِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أَرادَ اليهودُ قَتْلَه وصَلْبَه، فرَدَّ اللهُ كَيْدَه، وصانَ المسيحَ ورَفَعَه إليه، وتَصَدَّى لزَكَرِيَّا ويَحْيَي حتى قُتِلا.
واسْتَثَارَ فِرعونَ حتى زَيَّنَ له الفَسادَ العظيمَ في الأرضِ ودَعْوَى أنه رَبُّهُم الأعلى.
وتَصَدَّى للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظَاهَرَ الكُفَّارَ على قَتْلِه بجَهْدِه، واللهُ تعالى يَكْبتُه ويَرُدُّه خاسئًا.
وتَفَلَّتَ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشِهابٍ من نارٍ يُريدُ أن يَرْمِيَه به وهو في الصلاةِ، فجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: ((أَلْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ)).
وأعانَ اليهودَ على سِحْرِهم للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذا كان هذا شأنَه وهِمَّتَه في الشرِّ فكيفَ الخَلاصُ منه إلا بمَعونةِ اللهِ وتأييدِه وإعاذتِه.
ولا يُمْكِنُ حَصْرُ أَجناسِ شَرِّه فَضْلاً عن آحَادِها، إذ كلُّ شرٍّ في العالَمِ فهو السببُ فيه). [بدائع الفوائد: 2/258-260]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:06 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

أمثلة لوسوسة الشيطان للإنسان

قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (ومن وَسْوَستِه ما ثَبَتَ في الصحيحِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ وَلْيَنْتَهِ)) ). [بدائع الفوائد: 2/]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وفي الصحيحِ، أنَّ أصحابَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالُوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ أَحدَنا ليَجِدُ في نفسِه ما لأَنْ يَخِرَّ من السماءِ إلى الأرْضِ أحَبُّ إليه من أن يَتكلَّمَ به فقالَ: ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الوَسْوَسَةِ)) ). [بدائع الفوائد: 2/257]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (ومِن وَسْوَسَتِه أيضًا أن يَشْغَلَ القلْبَ بحديثِه حتى يُنْسِيَه ما يُريدُ أن يَفعلَه، ولهذا يُضافُ النِّسيانُ إليه إضافتَه إلى سببه، قالَ تعالى حِكايةً عن صاحبِ موسى أنه قالَ: {فإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}[الكهف:63] ).[بدائع الفوائد: 2/257]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقالَ الإمامُ أحمدُ: حدَّثنَا وَكِيعٌ، عن سُفْيانَ، عن مَنْصُورٍ، عن ذَرِّ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُحدِّثُ نفسي بالشيءِ لأَنْ أَخِرَّ مِن السماءِ أَحَبُّ إلَيَّ مِن أَنْ أَتَكَلَّمَ بهِ.
قالَ: فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ: ((اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الحَمْدُ للَّهِ الذي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الوَسْوَسَةِ)).
ورواهُ أبو دَاوُدَ والنَّسائِيُّ مِن حديثِ مَنْصُورٍ، زادَ النَّسائِيُّ: والأعمشِ، كلاهما عن ذَرٍّ، بهِ).[تفسير القرآن العظيم: 8/3913]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:06 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

مراتب إغواء الشيطان للإنسان

قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ):({الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} [الناس: 5] وَسوسةُ الشيطانِ في صَدْرِ الإنسانِ بأنواعٍ كثيرةٍ منها إفسادُ الإيمانِ والتشكيكُ في العقائدِ، فإن لم يَقْدِرْ على ذلك أَمَرَه بالمعاصي، فإن لم يَقْدِرْ على ذلك ثَبَّطَهُ عن الطاعاتِ، فإن لم يَقْدِرْ على ذلك أَدْخَلَ عليه الرياءَ في الطاعاتِ ليُحْبطَها، فإن سَلِمَ من ذلك أَدْخَلَ عليه العُجْبَ بنفسِه واستكثارَ عمَلِه، ومن ذلك أنه يُوقِدُ في القَلْبِ نارَ الحسَدِ والحقْدِ والغَضَبِ حتى يَقودَ الإنسانَ إلى شَرِّ الأعمالِ وأَقْبَحِ الأحوالِ). [التسهيل: 227]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (ولا يُمْكِنُ حَصْرُ أَجناسِ شَرِّه فَضْلاً عن آحَادِها، إذ كلُّ شرٍّ في العالَمِ فهو السببُ فيه، ولكن يَنْحَصِرُ شرُّه في سِتَّةِ أَجناسٍ، لا يَزالُ بابنِ آدمَ حتى يَنالَ منه واحدًا منها أو أَكْثَرَ.
الشرُّ الأوَّلُ: شرُّ الكفْرِ والشرْكِ ومُعاداةِ اللهِ ورسولِه، فإذا ظَفِرَ بذلك من ابنِ آدمَ بَرَدَ أنينُه واستراحَ من تَعَبه معه، وهو أوَّلُ ما يُريدُ من العَبْدِ، فلا يَزالُ به حتى يَنالَه منه، فإذا نالَ ذلك صَيَّرَه من جُنْدِه وعَسْكَرِه واستنابَه على أَمثالِه وأَشكالِه فَصارَ من دُعاةِ إبليسَ ونُوَّابه، فإنْ يَئِسَ منه من ذلك وكان مِمَّنْ سَبَقَ له الإسلامُ في بَطْنِ أمِّه نَقَلَه إلى:
المَرتَبَةِ الثانيةِ: من الشرِّ وهي البدعةُ، وهي أَحَبُّ إليه من الفُسوقِ والمعاصي؛ لأن ضَرَرَها في نفْسِ الدِّينِ وهو ضَرَرٌ مُتَعَدٍّ، وهي ذَنْبٌ لا يُتابُ منه، وهي مُخالِفَةٌ لدعوةِ الرسُلِ، ودُعاءٌ إلى خِلافِ ما جاءوا به، وهي بابُ الكفْرِ والشرْكِ، فإذا نالَ منه البدعةَ وجَعلَه من أهلِها بَقِيَ أيضًا نائبَه وداعيًا من دُعاتِه، فإن أَعْجَزَه من هذه المَرتبةِ، وكان العبْدُ مِمَّنْ سبَقَتْ له من اللهِ مَوهبةُ السنَّةِ ومُعادَاةُ أهْلِ البدَعِ والضلالِ نَقَلَه إلى:
المَرتبةِ الثالثةِ: من الشرِّ وهي الكبائرُ على اختلافِ أنواعِها، فهو أَشَدُّ حِرْصًا على أن يُوقِعَه فيها، ولا سِيَّمَا إن كان عالِمًا مَتبوعًا فهو حريصٌ على ذلك ليُنَفِّرَ الناسَ عنه، ثم يُشِيعَ من ذنوبه ومعاصِيه في الناسِ، ويَستنيبَ منهم مَن يُشيعُها ويُذيعُها تَدَيُّنًا وتَقَرُّبًا بزَعْمِه إلى اللهِ تعالى، وهو نائبُ إبليسَ ولا يَشْعُرُ، و{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:19] هذا إذا أَحَبُّوا إشاعتَها وإذاعتَها، فكيف إذا تَوَلَّوْا هم إشاعتَها وإذاعتَها لا نَصيحةً منهم، ولكن طاعةً لإبليسَ ونِيابةً عنه، كلُّ ذلك ليُنَفِّرَ الناسَ عنه، وعن الانتفاعِ به.
وذُنوبُ هذا ولو بَلَغَتْ عَنانَ السماءِ أَهْوَنُ عندَ اللهِ من ذُنوبِ هؤلاءِ، فإنها ظُلْمٌ منه لنَفْسِه، إذا اسْتَغْفَرَ اللهَ وتابَ إليه قَبلَ اللهُ تَوْبَتَه وبَدَّلَ سَيِّئَاتِه حَسناتٍ.
وأمَّا ذنوبُ أولئكَ فظُلْمٌ للمؤمنينَ، وتَتَبُّعٌ لعَورَتِهم وقَصْدٌ لفَضِيحَتِهم، واللهُ سبحانَه بالمِرْصَادِ لا تَخْفَى عليه كَمَائِنُ الصدورِ ودَسائسُ النفوسِ، فإن عَجَزَ الشيطانُ عن هذه المَرتَبَةِ نَقَلَه إلى:
المَرْتَبَةِ الرابعةِ: وهي الصغائرُ التي إذا اجْتَمَعَتْ فرُبَّما أَهْلَكَتْ صاحبَها، كما قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِيَّاكُمْ وَمُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْمٍ نَزَلُوا بفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ)) وذَكَرَ حديثًا معناه: أنَّ كلَّ واحدٍ منهم جاءَ بعُودِ حَطَبٍ حتى أَوْقَدُوا نارًا عظيمةً، فطَبَخُوا واشْتَوَوْا، ولا يَزالُ يَسْهُلُ عليه أمْرُ الصغائرِ حتى يَستهينَ بها، فيكونُ صاحِبُ الكبيرةِ الخائفُ منها أحْسَنَ حالاً منه، فإنْ أَعْجَزَه العَبْدُ من هذه المَرتَبَةِ نَقَلَه إلى:
المَرْتَبَةِ الخامِسَةِ: وهي إشغالُه بالمُباحاتِ التي لا ثَوابَ فيها ولا عِقابَ، بل عاقِبَتُها فَوْتُ الثوابِ الذي ضَاعَ عليه باشتغالِه بها، فإنْ أَعْجَزَه العبْدُ من هذه المَرْتَبَةِ وكان حافظًا لوَقْتِه شَحيحًا به يَعْلَمُ مِقدارَ أَنفاسِه وانقطاعَها وما يُقابلُها من النعيمِ والعَذابِ نَقَلَه إلى:
المَرْتَبَةِ السادسةِ: وهو أن يَشغلَه بالعَمَلِ المفضولِ عمَّا هو أَفضَلُ منه ليُزيحَ عنه الفَضيلةَ ويَفوتَه ثوابُ العملِ الفاضلِ، فيَأْمُرُه بفِعْلِ الخيرِ المفضولِ ويَحُضُّه عليه، ويُحَسِّنُه له إذا تَضَمَّنَ تَرْكَ ما هو أَفْضَلُ وأعلى منه، وقَلَّ مَن يَتَنَبَّهُ لهذا من الناسِ، فإنه إذا رأى فيه دَاعِيًا قَوِيًّا ومُحَرِّكًا إلى نوعٍ من الطاعةِ لا يَشُكُّ أنه طاعةٌ وقُربةٌ، فإنه لا يَكادُ يقولُ: إن هذا الداعيَ من الشيطانِ، فإنَّ الشيطانَ لا يَأْمُرُ بخيرٍ ويَرَى أنَّ هذا خيرٌ، فيقولُ: هذا الداعي من اللهِ. وهو مَعذورٌ ولم يَصِلْ عِلْمُه إلى أنَّ الشيطانَ يَأْمُرُ بسبعينَ بابًا من أبوابِ الخيرِ، إمَّا ليَتَوَصَّلَ بها إلى بابٍ واحدٍ من الشرِّ، وإما ليُفَوِّتَ بها خَيرًا أعظَمَ من تلك السبعينَ بابًا وأَجَلَّ وأَفْضَلَ.
وهذا لا يُتَوَصَّلُ إلى مَعرفتِه إلا بنورٍ من اللهِ يَقْذِفُه في قلْبِ العبْدِ يكونُ سببُه تجريدُ مُتابعةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشِدَّةُ عِنايتِه بمَراتِبِ الأعمالِ عندَ اللهِ وأَحَبِّها إليه، وأَرْضَاها له، وأَنْفَعُها وأَعَمُّها للعَبْدِ نصيحةً للهِ ورسولِه ولكتابه ولعِبادِه المؤمنين خاصَّتِهم وعامَّتِهم.
ولا يَعْرِفُ هذا إلا مَن كان من وَرَثَةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونُوَّابه في الأمَّةِ وخُلفائِه في الأرْضِ، وأكثَرُ الخلْقِ مَحجوبون عن ذلك، فلا يَخْطِرُ بقلوبهِم، واللهُ يَمُنُّ بفَضْلِه على مَن يَشاءُ من عِبادِه.
فإذا أَعْجَزَه العبْدُ من هذه المَراتِبِ الستِّ وأُعْيِيَ عليه سَلَّطَ عليه حِزْبَه من الإنْسِ والجِنِّ بأنواعِ الأَذَى والتكفيرِ والتضليلِ والتبديعِ والتحذيرِ منه وقَصْدِ إخمالِه وإطفائِه ليُشَوِّشَ عليه قلبَه، ويَشْغَلَ بحرْبهِ فِكْرَه ولِيَمْنَعَ الناسَ من الانتفاعِ به، فيُبْقِي سَعْيَه في تَسليطِ المُبطِلينَ من شياطينِ الإنْسِ والجِنِّ عليه لا يَفْتُرُ ولا يَنِي، فحينئذٍ يَلْبَسُ المؤمنُ لأْمَةَ الحرْبِ ولا يَضَعُها عنه إلا الموتُ، ومتى وَضَعَها أُسِرَ أو أُصيبَ فلا يَزالُ في جِهادٍ حتى يَلْقَى اللهَ.
فتَأَمَّلْ هذا الفَصْلَ وتَدَبَّرْ مَوْقِعَه وعظيمَ مَنْفَعَتِه، واجْعَلْه مِيزانَك تَزِنُ به الناسَ وتَزِنُ به الأعمالَ فإنه طِلْعُكَ على حَقَائِقِ الوُجودِ ومَراتِبِ الخلْقِ، واللهُ المُستعانُ وعليه التُّكلانُ، ولو لم يكنْ في هذا التعليقِ إلا هذا الفَصْلُ لكان نافعًا لِمَن تَدَبَّرَه ووَعَاهُ).[بدائع الفوائد: 2/260-262]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:07 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ذكر بعض حيل الشيطان

في تفسير سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيِّ (ت: 283هـ): (قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4]
قِيلَ لِسَهْلٍ: مَا الوَسْوَسَةُ؟ فقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ دُونَ اللهِ تعَالَى فهُوَ وَسْوَسَةٌ، وإِنَّ القَلْبَ إِذَا كَانَ معَ اللهِ تَعَالَى فهُوَ قَائِلٌ عَنِ اللهِ تَعَالَى، وإِذَا كَانَ مَعَ غَيْرِهِ فهُوَ قَائِلٌ معَ غَيْرِهِ.
ثُمَّ قالَ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيا لَمْ يَنْجُ مِنَ الوَسْوَسَةِ، ومَقَامُ الوَسْوَسَةِ مِنَ العَبْدِ مَقَامُ النَّفْسِ الأمَّارَةِ بالسُّوءِ، وهو ذِكْرُ الطَّبْعِ، فوَسْوَسَةُ العَدُوِّ فِي الصُّدُورِ، كمَا قَالَ: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [الناس: 5، 6] يَعْنِي فِي صُدُورِ الجِنِّ وَالإنْسِ جَمِيعًا، ووَسْوَسَةُ النَّفْسِ فِي القَلْبِ. قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ (16)} [ق: 16] وإنَّ مَعْرِفَةَ النَّفْسِ أَخْفَى مِنْ مَعْرِفَةِ العَدُوِّ، ومَعْرِفَةَ العَدُوِّ أَجْلَى مِنْ مَعْرِفَةِ الدُّنْيا، وأَسْرُ العَدُوِّ مَعْرِفَتُهُ، فإِذَا عَرَفْتَهُ فَقَدْ أَسَرْتَهُ، وإِنْ لَمْ تَعْرِفْ أَنَّهُ العَدُوُّ وأَسَرَكَ فإِنَّمَا مَثَلُ العَبْدِ وَالعَدُوِّ وَالدُّنْيا كَمَثَلِ الصَّيَّادِ وَالطَّيْرِ والحُبُوبِ، فَالصَّيَّادُ إِبْلِيسُ، وَالطَّيْرُ العَبْدُ، وَالحُبُوبُ الدُّنْيا، ومَا مِنْ نَظْرَةٍ إِلا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهَا مَطْمَعٌ، فإِنْ كُنْتَ صَائِمًا فأَرَدْتَ أَنْ تُفْطِرَ قَالَ لَكَ: مَا يَقُولُ النَّاسُ؟ أَنْتَ قَدْ عُرِفْتَ بالصَّوْمِ، تَرَكْتَ الصِّيَامَ؟!
فإِنْ قُلْتَ: مَا لِي وَلِلنَّاسِ؟ قالَ لك: صَدَقْتَ، أَفْطِرْ؛ فإِنَّهُمْ سَيَضَعُونَ أَمْرَكَ عَلَى الحِسْبَةِ وَالإخْلاصِ فِي فِطْرِكَ، وإِنْ كُنْتَ عُرِفْتَ بالعُزْلَةِ فخَرَجْتَ قَالَ: مَا يَقُولُ النَّاسُ؟ تَرَكْتَ العُزْلَةَ؟!
فإنْ قُلْتَ: مَا لِي وَلِلنَّاسِ؟ قالَ: صَدَقْتَ، اخْرُجْ؛ فإِنَّهُمْ سَيَضَعُونَ أَمْرَكَ عَلَى الإخْلاصِ وَالحِسْبَةِ.
وكَذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ، يَرُدُّكَ إِلَى النَّاسِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيَأْمُرُكَ بالتَّوَاضُعِ لِلشُّهْرَةِ عِنْدَ النَّاسِ. ولَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ العُبَّادِ كَانَ لا يَغْضَبُ، فأَتَاهُ الشَّيْطَانُ وقَالَ: إِنَّكَ إِنْ تَغْضَبْ وتَصْبرْ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكَ؛ فَفَطِنَ بهِ العَابدُ فقَالَ: وكَيْفَ يَجِيءُ الغَضَبُ؟ قالَ: آتِيكَ بشَيْءٍ فأَقُولُ: لِمَنْ هُوَ؟ فَقُلْ: هُوَ لِي، فأَقُولُ: بَلْ هُوَ لِي. فأَتَاهُ بشَيْءٍ وقَالَ العَابدُ: هُوَ لِي، فقَالَ الشَّيْطَانُ: لا، بَلْ هُوَ لِي. فقَالَ العَابدُ: إِنْ كَانَ لَكَ فَاذْهَبْ بهِ. ولَمْ يَغْضَبْ، فرَجَعَ الشَّيْطَانُ خَائِبًا حَزِينًا، أَرَادَ أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ حَاجَتَهُ، فَعَرَفَهُ وَاتَّقَى غُرُورَهُ.
ثُمَّ قالَ سَهْلٌ: عَلَيْكَ بالإخْلاصِ تَسْلَمْ مِنَ الوَسْوَسَةِ، وإِيَّاكَ وَالتَّدْبيرَ؛ فإِنَّهُ دَاءُ النَّفْسِ، وعَلَيْكَ بالاقتِدَاءِ؛ فإِنَّهُ أَسَاسُ العَمَلِ، وإيَّاكَ وَالعُجْبَ؛ فإنَّ أَدْنَى بَابٍ مِنْهُ لَمْ تَسْتَتِمَّهُ حَتَّى تَدْخُلَ النَّارَ، وعَلَيْكَ بالقُنُوعِ وَالرِّضَا؛ فإِنَّ العَيْشَ فِيهِمَا، وَإِيَّاكَ وَالائْتِمَارَ عَلَى غَيْرِكَ؛ فإنَّهُ لَيُنْسِيكَ نَفْسَكَ، وَعَلَيْكَ بالصَّمْتِ؛ فأَنْتَ تَعْرِفُ الأحْوَالَ فِيهِ، وعَلَيْكَ بتَرْكِ الشَّهَوَاتِ تَنْقَطِعُ بهِ عَنِ الدُّنْيا، وعَلَيْكَ بسَهَرِ اللَّيْلِ تَمُوتُ نَفْسُكَ مِنَ مَيْلَةِ طَبْعِكَ وتُحْيِي قَلْبَكَ، وإِذَا صَلَّيْتَ فَاجْعَلْهَا وَدَاعًا، وخَفِ اللهَ يُؤَمِّنْكَ، وَارْجُهُ يُؤَمِّلْكَ، وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ يَكْفِكَ، وعَلَيْكَ بالخَلْوَةِ تَنْقَطِعُ الآفَاتُ عَنْكَ. ولَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: لَوْلا مَخَافَةُ الوَسْوَاسِ لَرَحَلْتُ إِلَى بلادٍ لا أَنِيسَ بهَا، وهَلْ يُفْسِدُ النَّاسَ إِلا النَّاسُ). [تفسير التستري: 211]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:14 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

صفة وسوسة الشيطان للإنسان

حديث أم المؤمنين صفية بنت حيي
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ (ت: 256هـ): (حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ بنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً؛ فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ؛ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا؛ فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ ))
فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ!
قَالَ: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبكُمَا سُوءًا)) أَوْ قَالَ: ((شَيْئًا))). [صحيح البخاري:كتاب بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذا الحديث رواه عبد الرزاق وإسحاق بن راهويه وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود وابن ماجة والنسائي وغيرهم من طرق عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية بنت حيي رضي الله عنهم.
ورواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ومسلم في صحيحه وأبو داوود وأبو يعلى والطحاوي والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك بنحوه مختصراً).
قالَ هُودُ بْنُ مُحَكَّمٍ الهوارِيُّ (ت: ق3): (قالَ تعالَى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}[الناس: 5] ذَكَرُوا أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بهِ رَجُلٌ ومَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا فُلانُ، هَذِه فُلانَةُ))، فقالَ الرجلُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَفَأَظُنُّ بكَ هذا؟ أو كما قالَ. فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ)) ).[تفسير كتاب الله العزيز: 4/545]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وفي الصَّحِيحِ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ)). وهذا يُصَحِّحُ ما قالَه مُقاتِلٌ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/263]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وفي الصحيحينِ من حديثِ الزُّهْرِيِّ، عن عليِّ بنِ حُسينٍ، عن صَفِيَّةَ بنتِ حُيَيٍّ قالَتْ: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فأَتَيْتُه أَزُورُه ليلاً، فحَدَّثْتُه، ثم قُمْتُ فانْقَلَبْتُ، فقام معي ليَقْلِبَنِي، وكان مَسْكَنُها في دارِ أُسامةَ بنِ زيدٍ، فمَرَّ رجلان من الأنصارِ، فلَمَّا رَأَيَا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ)) فقالا: سُبحانَ اللهِ ! يا رسولَ اللهِ ! فقالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلوبكُمَا سُوءًا))أو قالَ:((شَيْئًا)) ).[بدائع الفوائد: 2/257]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ): (وثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنْ أنَسٍ في قِصَّةِ زِيَارَةِ صَفِيَّةَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ وهو مُعْتَكِفٌ، وخُروجِه مَعَها ليلاً لِيَرُدَّها إلى مَنْزِلِها، فلَقِيَهُ رَجُلانِ مِن الأَنْصَارِ، فلَمَّا رَأَيَا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ أَسْرَعَا، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ: ((عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ)). فقالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ! فقالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبكُمَا شَيْئاً، أَوْ قَالَ: شَرًّا)) ).[تفسير القرآن العظيم: 8/3911]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).[اللباب: 20/578]

حديث أبي هريرة: (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط...)
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وفي الصحيحِ أيضًا، عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبي هريرة قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا نُودِيَ بالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَقَلْبهِ فَيَقُولَ: اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا، حَتَّى لا يَدْرِيَ أَثَلاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا؟ فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَثَلاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)) ). [بدائع الفوائد: 2/257]

حديث آخر عن أبي هريرة: (إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فأبسَّ به...)
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ (ت: 241هـ): (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي المَسْجِدِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَأَبَسَّ بهِ كَمَا يُبسُّ الرَّجُلُ بدَابَّتِهِ فَإِذَا سَكَنَ لَهُ زَنَقَهُ أَوْ أَلْجَمَهُ )).
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنْتُمْ تَرَوْنَ ذَلِكَ أَمَّا المَزْنُوقُ فَتَرَاهُ مَائِلاً كَذَا لا يَذْكُرُ اللَّهَ، وَأَمَّا المَلْجُومُ فَفَاتِحٌ فَاهُ لا يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ).[مسند الإمام أحمد:14/105]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الإبساسُ من الأضداد يطلق على دعاء الدابة بلطف وهو المراد هنا فيقال لها: بس بس حتى تسكن وتنقاد، والناقة البسوس التي لا تدر إلا بالإبساس قال ابن دريد: (بسَّ بالناقة وأبَسَّ بها إذا دعاها للحلب).
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: إنما ذكر الحلب من باب التمثيل.
ويطلق الإبساس على زجر الدابة لتسير، ومنه حديث: (( يخرج قوم من المدينة إلى العراق واليمن والشام يبسون والمدينة خير لهم لو يعلمون )) .
قال أبو عبيد: ( قوله: (( يُبسُّونَ )) هو أَن يُقالَ في زَجْرِ الدَّابَّةِ إذا سِيقَتْ حِماراً أَو غَيْرَه بَسْ بَسْ وبسْ بسْ بفتح الباء وكَسرِها وأَكثر ما يُقال بالفتح وهو من كلام أَهل اليَمَن وفيه لغتانِ بَسَسْتُه وأَبْسَسْتُه).
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: لا يختص ذلك بأهل اليمن، وقال الأصمعي: لم أسمع الإبساس إلا في الإبل.
قوله: (زنقه): الزِّنَاق حَبْلٌ يُدَارُ من تحت حنك الدابة بإحكام فتقاد به.
وقوله: (ألجمه) أي جعل الحبل في فيه كما يوضع اللجام في فم الفرس.
قال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة.....تحت العجاج وخيل تعلك اللجما).
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ): (وقالَ الإمامُ أحمدُ: حدَّثنَا أبو بكرٍ الحَنَفِيُّ، حدَّثنَا الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ، عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ: (( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي المَسْجِدِ جَاءَه الشَّيْطَانُ فأَبَسَّ بهِ كَمَا يُبسُّ الرَّجُلُ بدَابَّتِه، فإِذَا سَكَنَ لَهُ زَنَقَهُ أَوْ أَلْجَمَهُ)).
قالَ أبو هُرَيْرَةَ: وأنتم تَرَونَ ذلك، أما المَزْنُوقُ فتَرَاهُ مَاثِلاً -كَذَا- لا يَذْكُرُ اللَّهَ، وأمَّا المُلْجَمُ فَفَاتِحٌ فَاهُ، لا يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ. تفرَّدَ بهِ أحمدُ). [تفسير القرآن العظيم: 8/3912][(ماثلاً) لعل الصواب: مائلاً]

حديث أنس بن مالك
قالَ أبُو يَعْلَى أحمدُ بنُ عليِّ بنِ المُثَنَّى الموصِلِيُّ: (حدَّثنَا محمدُ بنُ بَحْرٍ حدَّثَنَا عَدِيُّ بنُ أبي عُمَارَةَ حَدَّثَنَا زيادٌ النُّمَيريُّ عن أنسِ بنِ مالكٍ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيطَانَ واضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْب ابنِ آدَمَ فَإِنْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ وَإِنْ نَسِيَ التَقَمَ قَلْبَهُ؛ فَذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ))). [مسند أبي يعلى: ح رقم:4301]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبيُّ (ت: 427هـ): (أنْبَأَنِي عبدُ اللهِ بنُ حامدٍ الوَزَّانُ الأَصْفَهَانِيُّ، أخبَرَنا أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ عيسى، أخْبَرَنا أبو عبدِ اللهِ أمَيَّةُ بنُ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ الباهليُّ بالبَصرَةِ، أخْبَرَنا محمَّدُ بنُ عبدِ المَلِكِ بنِ أبي الشَّوارِبِ، أخْبَرَنا عدِيُّ بنُ أبي عمَّارٍ الجَرْمِيُّ، حدَّثَني زيادٌ النُّمَيْرِيِّ، عن أنَسِ بنِ مالِكٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَنَسَ، وَإِذَا نَسِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ التَقَمَ قَلْبَهُ)) ).[الكشف والبيان: 10/341]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ الغَازِي، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ عَلِيٍّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ المُثَنَّى، نا مُحَمَّدُ بْنُ بُجَيْرٍ، نا عَدِيُّ بْنُ أَبي عُمَارَةَ، نا زَيْدٌ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَإِنْ نَسِيَ التَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ)) ). [الوسيط: 4/575] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وعن أَنَسٍ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وَإِذَا نَسِيَ اللهَ التَقَمَ قَلْبَهُ فَوَسْوَسَ)) ).[الجامع لأحكام القرآن: 20/262]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ): (وقالَ الحافظُ أبو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ: حدَّثنَا محمدُ بنُ بَحْرٍ، حدَّثنَا عَدِيُّ بنُ أَبي عُمَارَةَ، حدَّثنَا زِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ أنَسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابنِ آدَمَ، فإِنْ ذَكَرَ خَنَسَ، وإِنْ نَسِيَ التَقَمَ قَلْبَهُ، فذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ)). غريبٌ).[تفسير القرآن العظيم: 8/3911]
قال عليُّ بنُ أبي بكرِ بنِ سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ): (وعن أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإنْ نَسِيَ التَقَمَ قَلْبَه، فذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ)). رَوَاهُ أبو يَعلَى، وفيه عَدِيُّ بنُ أبي عُمَارَةَ، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/149]
قالَ أَحْمَدُ بنُ أَبي بَكْرِ بنِ إِسْمَاعِيلَ البُوصِيرِيُّ (ت: 840هـ ): (وَقَالَ أَبُو يَعْلَى المَوصِلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ أَبي عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ نَسِيَ التَقَمَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ )).
هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ بَعْضِ رُوَاتِهِ رَوَاهُ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا وَالبَيْهَقِيُّ.
خَطْمُهُ بفَتْحِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ المُهْمَلَةِ , هُوَ فَمُهُ.
لكن لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ). [إتحاف الخيرة: ]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا في مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ شَاهِينَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الذِّكْرِ، والبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الإِيمَانِ) عَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ نَسِيَ التَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ)) ). [الدر المنثور: 15/807]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَأَخْرَجَ ابنُ أبي الدنيا في مكايدِ الشيطانِ وَأبو يَعْلَى وَابنُ شَاهِينَ وَالبيهقيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أنسٍ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ نَسِيَهُ التَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ))). [فتح القدير: 5/764]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وعنْ أنسٍ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ نَسِيَهُ التَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ)). أَخْرَجَهُ ابنُ أبي الدنيا في مَكَايِدِ الشيطانِ وَأبو يَعْلَى وَابنُ شَاهِينَ وَالبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ). [فتح البيان: 15/467]
قال محمد ناصر الدين الألبانيُّ (ت:1420هـ): (ضعيف، رواه ابن شاهين في " الترغيب " ( 284/2 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 6/268 ) وأبو يعلى واللفظ له ( 204/1 ) والبيهقي في " الشعب " ( 1/326 - هندية ) من طريق عدي بن أبي عُمارة الذراع: حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك مرفوعا.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره ( 9/307 ): (غريب).
وقال الهيثمي ( 7/149 ): (رواه أبو يعلى، وفيه عدي بن أبي عُمارة وهو ضعيف).
قلت: وشيخه زياد النميري ضعيف أيضا كما في " التقريب " ولذلك أشار المنذري إلى تضعيف الحديث في (الترغيب والترهيب) ( 2/230 - 231 ) وصرح بذلك الحافظ كما يأتي.
وقد عزاه صاحب المشكاة (2281) للبخاري تعليقاً من حديث ابن عباس مرفوعاً، وهو خطأ من وجوه عديدة: الأول: أنه عند البخاري في آخر التفسير عن ابن عباس موقوفاً، وهذا مرفوع.
والثاني: أنه بلفظ (الوسواس: إذا ولد خنسه الشيطان، فإذا ذكر الله عز وجل ذهب، وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه). فهذا غير حديث الترجمة كما هو ظاهر.
الثالث: قال الحافظ في صورة تعليق البخاري لهذا الحديث: (قوله: وقال ابن عباس: الوسواس.. كذا لأبي ذر، ولغيره) ويذكر عن ابن عباس، وكأنه أولى لأن إسناده إلى ابن عباس ضعيف.. ").[السلسلة الضعيفة: رقم 1367]

حديث آخر عن أنس بن مالك
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ لِلْوَسْوَاسِ خَطْماً كَخَطْمِ الطَّائِرِ، فَإِذَا غَفَلَ ابْنُ آدَمَ وَضَعَ ذَلِكَ المِنْقَارَ فِي أُذُنِ القَلْبِ يُوَسْوِسُ، فَإِنِ ابْنُ آدَمَ ذَكَرَ اللَّهَ نَكَصَ وَخَنَسَ؛ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ الوَسْوَاسَ الخَنَّاسَ)) ). [الدر المنثور: 15/807-808]
قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (وأَخْرَجَ ابنُ شاهينَ عن أَنَسٍ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
تعالى عليه وسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ لِلْوَسْوَاسِ خَطَمًا كَخَطَمِ الطَّائِرِ فَإِذَا غَفَلَ ابْنُ آدَمَ وَضَعَ ذَلِكَ المِنْقَارَ فِي أُذُنِ القَلْبِ يُوَسْوِسُ فَإِنْ ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى نَكَصَ وَخَنَسَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ الوَسْوَاسَ الخَنَّاسَ)) ).[روح المعاني: 29/286-287]

حديث الحكم بن عمير الثمالي
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَن الحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ الثُّمَالِيِّ، عَن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الحَذَرَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَإِيَّاكُمْ وَالوَسْوَاسَ الخَنَّاسَ، فَإِنَّمَا يَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) ).[الدر المنثور: 15/806]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الحكم بن عمير ويقال: بن عمرو الثمالي صحابي جليل من أهل بدر، ولكن رويت عنه أحاديث مناكير.
وهذا الحديث رواه ابن جرير في تفسير سورة الأحزاب فقال: (حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال ثنا بقية قال ثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمرو وكان من أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم...) فذكره مطولاً، وقال ابن كثير: (هذا حديث غريب جداً، وله شواهد من وجوه أخرى)
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: فيه بقية بن الوليد يدلس تدليس التسوية).

أثر أبي ثعلبة الخشني
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (ورَوَى شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، عن أَبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، قالَ: سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يُرِيَنِي الشَّيْطَانَ ومَكَانَه مِنِ ابْنِ آدَمَ فَرَأَيْتُه، يَدَاهُ في يَدَيْهِ، ورِجْلاهُ في رِجْلَيْهِ، ومَشَاعِبُهُ في جَسَدِهِ؛ غَيْرَ أَنَّ لَه خَطْمًا كَخَطْمِ الكَلْبِ، فإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ وَنَكَسَ، وإِذَا سَكَتَ عن ذِكْرِ اللهِ أَخَذَ بقَلْبهِ.
فعَلَى مَا وَصَفَ أبو ثَعْلَبَةَ، أنَّه مُتَشَعِّبٌ في الجَسَدِ، أي: في كُلِّ عُضْوٍ مِنْه شُعْبَةٌ).[الجامع لأحكام القرآن: 20/263]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري:(ذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول).

حديث ابن عباس مرفوعاً وموقوفاً: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم...)
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن سعيد، عن ابنِ عبَّاسٍ، في قَوْلِهِ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] قالَ: الشيطانُ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدَمَ، فإِذَا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ.
قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن عثمانَ بنِ الأسودِ، عن مُجَاهِدٍ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] قالَ: يَنْبَسِطُ، فإذا ذُكِرَ اللهُ خَنَسَ وانْقَبَضَ، فإذا غَفَلَ انْبَسَطَ).[جامع البيان: 24/754]
قالَ مَحْمُودُ بنُ حَمْزَةَ بنِ نَصْرٍ الكِرْمَانِيُّ (ت: 525هـ): (وجاءَ في الحديثِ: ((إنَّ الشَّيْطَانَ جَاثِمٌ على قَلْبِ ابنِ آدَمَ؛ فإذا ذَكَرَ اللهَ تَنَحَّى وخَنَسَ، وإذا غَفَلَ التَقَمَ قَلْبَهُ فحَدَّثَهُ ومَنَّاهُ)) ).[غرائب التفسير: 2/1415]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ):(قالَ ابنُ عبَّاسٍ: الشيطانُ جَاثِمٌ على قلْبِ ابنِ آدَمَ، فإذا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ، فإذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ).[زاد المسير: 9/279]
قال ابنُ الأثيرِ المباركُ بنُ محمدٍ الجَزَريُّ (ت: 606هـ): ( (خ- ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: الوَسْوَاسُ: إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ ثَبَتَ عَلَى قَلْبهِ، ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ بغَيْرِ إِسْنَادٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ)) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[شَرْحُ الغَرِيبِ]:(خَنَسَهُ) الخُنُوسُ: التَّأَخُّرُ وَالانْقِبَاضُ).[جامع الأصول: 2/443-446]

قَالَ حُسَيْنُ بنُ أَبي العِزِّ الهَمَذَانِيُّ (ت: 643هـ):(وفي الحديثِ: ((الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ تَنَحَّى وخَنَسَ، وإِذَا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ إِلَيْهِ)) ). [الفريد: 4/755]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وفي الخَبَرِ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ)). أي: تأَخَّرَ وأَقْصَرَ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/262]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقالَ سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قولِه: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4]. قالَ: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ على قَلْبِ ابنِ آدَمَ، فإِذَا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ، فإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وكذا قالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ).[تفسير القرآن العظيم: 8/3912]
قالَ حَيْدَرُ بْنُ عَلِيٍّ القَاشِيُّ (ت: 776هـ): (عَنِ البُخَارِيِّ –تَعْلِيقًا- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَإِذَا غَفَلَ وَسَوَسَ)) ).[المعتمد في المنقول: 2/509]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4]. قَالَ: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ). [الدر المنثور: 15/808]
قال ابنُ الدَّيْبَع عبدُ الرحمن بنُ عليٍّ الشيبانيُّ الزَّبيديُّ (ت: 944هـ): (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ)). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقًا).[تيسير الوصول: 1/202]
قال محمدُ بنُ سليمانَ المغربيُّ (ت: 1094هـ): (وفي روايةٍ، رَفَعَهُ: ((الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ علَى قَلْبِ ابنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ)). للبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا). [جمع الفوائد3/228]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وَابنُ جريرٍ وَابنُ مَرْدُويَه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قولِهِ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4]. قَالَ: الشيطانُ جَاثٍ على قلبِ ابنِ آدمَ، فإِذا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ). [فتح القدير: 5/764]

أثر ابن عباس: (ما من مولود إلا وعلى قلبه الوسواس...)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ وَعَلَى قَلْبهِ وَسْوَاسٌ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ، وَهُوَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ).[تفسير عبد الرزاق: 2/410]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ (ت: 256هـ): (ويُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {الوَسْوَاسِ}[الناس: 4]: إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وإذا لم يَذْكُرِ اللهَ ثَبَتَ على قَلْبهِ).[صحيح البخاري: 5/312]
-قال محمدُ بنُ يوسف بنِ عليٍّ الكِرْمانيُّ (ت: 786هـ): (قَوْلُهُ: (خَنَسَهُ) قالَ الصَّغَانِيُّ: الأَوْلَى نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ مَكَانَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، وإِنْ سَلِمَتِ اللَّفْظَةُ مِنَ الانْقِلابِ والتَّصْحِيفِ فَالمَعْنَى -واللَّهُ أَعْلَمُ - أَخَّرَهُ وَأَزَالَهُ عَنْ مَكَانِهِ لِشِدَّةِ نَخْسِهِ وطَعْنِهِ بإِصْبُعِهِ فِي خَاصِرَتِهِ). [شرح الكرماني: 17/219]
-قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قولُهُ: (ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: الوَسْوَاسِ: إذا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فإذا ذُكِرَ اللهُ [عز وجل] ذَهَبَ، فإذا لم يَذْكُرِ اللهَ ثَبَتَ على قَلْبهِ).
قالَ ابنُ جَرِيرٍ: ثنا أبو كُرَيْبٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عن حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قال: ما مِنْ مَوْلُودٍ إلا علَى قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فإذا عَمِلَ بذِكْرِ اللهِ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ.
ورَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، به.
وكذا رَوَاهُ عَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ، عنِ الأعمَشِ، عن حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، به. وحَكِيمٌ ضَعِيفُ الحَدِيثِ.
وقد رُوِيَ عن مَنْصُورٍ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وفي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا.
قَرَأْتُهُ على أَحْمَدَ بنِ بلغاقَ، أَخْبَرَكُمْ إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، حُضُورًا، أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَرَكَاتٍ الخُشُوعِيَّ، أَخْبَرَهُ. ح وقَرَأْتُ على إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحمَّدِ بنِ القاسِمِ القَزْوِينِيِّ أنَّ جَدَّهُ أَخْبَرَهُ قَالا: أنا يَحْيَى بنُ مَحْمُودٍ، أنا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ الحَدَّادُ، أنا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِبراهيمَ بنِ مُصْعَبٍ، أنا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، ثنا أَبي، ثنا ابنُ حُمَيْدٍ، ثنا جَرِيرٌ، عن مَنْصُورٍ، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4]، قالَ: الشَّيْطَانُ يَحُطُّ فَاهُ على قَلْبِ ابنِ آدَمَ، فإذَا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ، وإذا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ).[تغليق التعليق: 7/381-382]
-قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قولُهُ: (وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: الوَسْوَاسُ إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشيطانُ فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ذَهَبَ، وإذا لم يَذكُرِ اللهَ ثَبَتَ علَى قَلْبهِ) كذا لأبي ذَرٍّ ولغيرِهِ، ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ وكَأَنَّهُ أَوْلَى؛ لأنَّ إِسْنَادَهُ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ ضعيفٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ والحَاكِمُ، وفي إسنادِهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيرٍ، وهُو ضعيفٌ ولَفْظُهُ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ عَلَى قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فَإِذَا عَمِلَ فَذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإذا غَفَلَ وَسْوَسَ. ورُوِّينَاهُ في الذِّكْرِ لجَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وفي إسنادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ وفيه مَقالٌ، ولَفْظُه: يَحُطُّ الشَّيْطَانُ فَاهُ عَلَى قَلْبِ ابنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ وَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ. وأَخرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنصورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ ولَفْظُهُ: يُولَدُ الإنسانُ وَالشَّيْطَانُ جَاثِمٌ على قَلْبهِ، فإذا عَقَلَ وذَكَرَ اسمَ اللهِ خَنَسَ، وإذا غَفَلَ وَسْوَسَ.
وجاثِمٌ بجِيمٍ ومُثَلَّثَةٍ، وعَقَلَ الأُولَى بمُهْمَلَةٍ وقَافٍ والثَّانِيَةُ بمُعْجَمَةٍ وفاءٍ، ولأبي يَعْلَى مِن حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا، وإسنادُهُ ضَعِيفٌ، ولسعيدِ بْنِ مَنصورٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ قَالَ: سَأَلَ عِيسَى عليه السلامُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنِ ابْنِ آدَمَ فَإِذَا رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الحَيَّةِ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى ثَمَرَةِ القَلْبِ فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ، وإذا تَرَكَ مَنَّاهُ وحَدَّثَهُ.
قَالَ ابنُ التِّينِ: يُنْظَرُ في قَولِهِ: خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنَّ المَعْرُوفَ في اللُّغَةِ: خَنَسَ إِذَا رَجَعَ وانْقَبَضَ. وقَالَ عِيَاضٌ: كذا في جميعِ الرِّوَايَاتِ وهُو تصحيفٌ وتَغْيِيرٌ، ولَعَلَّهُ كَانَ فِيهِ نَخَسَهُ أي بنُونٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَاتٍ لِمَا جَاءَ في حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ يَعْنِي الماضِيَ في تَرْجَمَةِ عِيسَى عليه السلامُ. قَالَ: لَكِنَّ اللَّفْظَ المَرْوِيَّ عنِ ابن عَبَّاسٍ ليسَ فِيهِ نَخَسَ فَلَعَلَّ البُخارِيَّ أَشَارَ إلى الحديثَيْنِ مَعًا. كذا قَالَ، وادَّعَى فيه التصحيفَ ثُمَّ فَرَّعَ على مَا ظَنَّهُ مِنْ أَنَّهُ نَخَسَ، والتفريعُ لَيْسَ بصَحِيحٍ؛ لأنَّه لو أَشَارَ إلى حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ لم يَخُصَّ الحَدِيثَ بابنِ عَبَّاسٍ، ولعلَّ الروايةَ الَّتِي وَقَعَتْ له باللفظِ المَذْكُورِ، وتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ، ومَعْنَى يَخْنُسُهُ: يَقْبضُهُ أي: يَقْبضُ عَلَيْهِ وهُو بمَعْنَى قولِهِ في الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عنِ ابنِ فَارِسٍ وسَعِيدِ بنِ مَنصورٍ، وقد أَخْرَجَهُ ابنُ مَرْدَوَيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الوَسْوَاسُ هُو الشَّيْطَانُ يُولَدُ المَوْلُودُ، والوَسْوَاسُ عَلَى قَلْبهِ فهُوَ يَصْرِفُهُ حَيْثُ شَاءَ فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ وإذا غَفَلَ جَثَمَ على قَلْبهِ فَوَسْوَسَ وقَالَ الصَّغَانِيُّ: الأَوْلَى خَنَسَهُ مَكَانَ يَخْنُسُهُ، قَالَ: فإِنْ سَلِمَتِ اللَّفْظَةُ مِنَ التَّصْحِيفِ فَالمَعْنَى أَخَّرَهُ وأَزَالَهُ عَنْ مَكَانِهِ لِشِدَّةِ نَخْسِهِ وطَعْنِهِ بأُصْبُعِهِ). [فتح الباري: 8/741-742]
-قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الوَسْوَاسُ: إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ذَهَبَ وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ ثَبَتَ عَلَى قَلْبهِ).
كَذَا وَقَعَ هَذَا لِغَيْرِ أَبي ذَرٍّ، وَوَقَعَ لَهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ وَالأَوَّلُ أَوْلَى؛ لأَنَّ إِسْنَادَ الحَدِيثِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفٌ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَالحَاكِمُ، وَفِي إِسْنَادِهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ عَلَى قَلْبهِ الوَسْوَاسُ فَإِذَا عَمِلَ فَذَكَرَ اللَّهُ خَنَسَ وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).
قَوْلُهُ: (خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ)قَالَ الصَّاغَانِيُّ: الأَوْلَى: (نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ) مَكَانَ: (خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ) فَإِنْ سَلِمَتِ اللَّفْظَةُ مِن الانْقِلابِ وَالتَّصْحِيفِ فَالمَعْنَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: أَخَّرَهُ وَأَزَالَهُ عَنْ مَكَانِهِ لِشِدَّةِ نَخْسِهِ وَطَعْنِهِ فِي خَاصِرَتِهِ).[عمدة القاري: 20/10-11]
-قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ): ( (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ولأَبي ذَرٍّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (الوَسْوَاسُ إِذَا وُلِدَ) بضَمِّ الوَاوِ وَكَسْرِ اللاَّمِ (خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ) اعْتَرَضَهُ السَّفَاقِسِيُّ بأَنَّ المَعْرُوفَ في اللُّغَةِ، خَنَسَ إذا رَجَعَ وَانْقَبَضَ، وَقَالَ الصَّغَانِيُّ: الأَوْلَى نَخَسَهُ مَكَانَ خَنَسَهُ، فإن سَلِمَتِ اللَّفْظَةُ مِنَ الانْقِلابِ والتَّصْحِيفِ، فَالمَعْنَى أَزَالَهُ عن مَكَانِهِ؛ لِشِدَّةِ نَخْسِهِ وَطَعْنِهِ بإِصْبَعِهِ في خَاصِرَتِهِ (فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ) بضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (ثَبَتَ عَلَى قَلْبهِ) والتَّعْبيرُ بيُذْكَرُ أَوْلَى؛ لأنَّ إِسْنَادَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفٌ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الوَسْوَاسُ هُوَ الشَّيْطَانُ يُولَدُ المَوْلُودُ، وَالوَسْوَاسُ عَلَى قَلْبهِ؛ فَهُوَ يَصْرِفُهُ حَيْثُ شَاءَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وإذَا غَفَلَ جَثَمَ عَلَى قَلْبهِ فَوَسْوَسَ، وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ من طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ قَالَ: سَأَلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنِ ابْنِ آدَمَ، فَأَرَاهُ فَإِذَا رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الحَيَّةِ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى ثَمَرَةِ القَلْبِ، فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ، وإِذَا تَرَكَ مَنَّاهُ وَحَدَّثَهُ. وقَوْلُهُ: (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) هَلْ يَخْتَصُّ ببَنِي آدَمَ أَوْ يَعُمُّ بَنِي آدَمَ وَالجِنَّ فِيهِ قَوْلانِ، وَيَكُونُونَ قَدْ دَخَلُوا فِي لَفْظِ النَّاسِ تَغْلِيبًا).[إرشاد الساري: 7/444]
-قال عبيدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ سُلَيمانَ الجابريُّ (م): ( (ويُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [الوَسْوَاسِ] إذا وَلَدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ. فإذا ذُكِرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وإذا لَمْ يُذْكَرِ اللهُ ثَبَتَ على قَلْبهِ).
ش: أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ والحاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ: (2/ 541)، واللفظُ لابنِ جَرِيرٍ كِلاهُما مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بلَفْظِ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا عَلَى قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فَإِذَا عَقَلَ فَذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وإِذَا أَغْفَلَ وَسْوَسَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: [الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ]). وفي إسنادِهِ حَكِيمُ بنُ جُبَيْرٍ الأَسَدِيُّ الكُوفِيُّ ضَعِيفٌ. قالَ الحافِظُ: " أَخْرَجَ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ولَفْظُهُ: (يُولَدُ الإِنْسَانُ وَالشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبهِ، فَإِذَا عَقَلَ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ)، وجاثِمٌ بجِيمٍ ومُثَلَّثَةٍ، وعَقَلَ الأُولَى بمُهْمَلَةٍ وقافٍ والثانيةُ بمُعْجَمَةٍ وفَاءٍ. ولأَبي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا وإسنادُهُ ضَعِيفٌ". اهـ قُلْتُ: ويَبْدُو لي أنَّ الخَبَرَ بمَجْمُوعِ طُرُقِهِ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ لا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ لِغَيْرِهِ. واللهُ أَعْلَمُ).[إمداد القاري: 4/485]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ، قالَ: ثَنَا يَحْيَى بنُ عيسى، عن سُفْيَانَ، عن حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قالَ: ما مِن مولودٍ إلاَّ على قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فإِذَا عَقَلَ فذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ، قالَ: فذلك قولُه: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4]).[جامع البيان: 24/754]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ):( (الخَنَّاسِ) عن ابنِ عَبَّاسٍ رِوَايتانِ، إحداهما أنه يُوَسْوِسُ ويَجْثِمُ على صَدْرِ الإنسانِ، فإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ جلَّ وعزَّ يَخْنُسُ، والروايةُ الأُخْرَى أنه يُوَسْوِسُ فإذا أُطِيعَ انْخَنَسَ، والقولانِ مُتَّفِقَانِ).[إعراب القرآن: 5/315-316]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ ( ت: 352هـ): (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثَنَا آدَمُ، قَالَ: ثَنَا حِبَّانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِه: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4]. قَالَ: الوَاسْوَاسُ: الشَّيْطَانُ، يُولَدُ المَوْلُودُ والوَسْوَاسُ عَلَى قَلْبهِ، فهو يَصْرِفُهُ، فإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ؛ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ جَثَمَ عَلَى قَلْبهِ فوَسْوَسَ).[تفسير مجاهد: 797] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بمَكَّةَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عن حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا عَلَى قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ غَفَلَ وَسْوَسَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ).[المستدرك: 2/541]
-قال محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ الذَّهَبيُّ (ت: 748هـ): ( (سُفْيَانُ)، عن حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا على قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وإِنْ غَفَلَ وَسْوَسَ، وهو قَوْلُهُ: {الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4] (خ م) آخِرُ التَّفْسِيرِ).[تلخيص مستدرك الحاكم: 2/541]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (ويُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {الوَسْوَاسِ}[الناس: 4]: إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وإذا لم يَذْكُرِ اللهَ ثَبَتَ على قَلْبهِ).[التَّوْشِيحُ: 7/3163]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ المُنْذِرِ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ والضياءُ فِي (المختارةِ) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ عَلَى قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فَإِذَا عقَلَ فذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4]).[الدر المنثور: 15/808]
قال محمدُ بنُ سليمانَ المغربيُّ (ت: 1094هـ): (ويُذْكَرُ عَنِ ابنِ عباسٍ (الوَسْوَاسِ) إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشيطانُ فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ ثَبَتَ على قَلْبهِ. للبخاريِّ تَعْلِيقًا).[جمع الفوائد3/228]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَأَخْرَجَ ابنُ أبي الدنيا وَابنُ جريرٍ وَابنُ المنذرِ وَالحاكمُ وَصَحَّحَهُ وَابنُ مَرْدُويَه وَالضياءُ في المختارةِ وَالبيهقيُّ عنهُ [أي: ابن عباس] قَالَ: ما مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ على قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فإِذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذا غَفَلَ وَسْوَسَ، فذلكَ قولُهُ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4]. وَقدْ وَرَدَ في معنَى هذا غيرُهُ، وَظاهرُهُ أنَّ مُطْلَقَ ذِكْرِ اللَّهِ يَطْرُدُ الشيطانَ، وَإِنْ لمْ يكنْ على طريقِ الاستعاذةِ، وَلِذِكْرِ اللَّهِ سبحانَهُ فوائدُ جَلِيلَةٌ حَاصِلُهَا الفوزُ بخَيْرَي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).[فتح القدير: 5/765]
قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (أَخْرَجَ الضياءُ في المختارَةِ والحاكِمُ وصَحَّحَه وابنُ مُنذِرٍ وغيرُهم عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: ما مِن مَولودٍ يُولَدُ إلا على قَلْبه الوَسواسُ، فإذا عَقَلَ فذَكَرَ اللهَ تعالى خَنَسَ، فإذا غَفَلَ وَسْوَسَ، وله -على ما رُوِيَ عن قَتادةَ -خُرطومٌ كخُرطومِ الكلْبِ، ويقالُ: إنَّ رأسَه كرأسِ الحَيَّةِ).[روح المعاني: 29/286]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وعن ابْنِ عَبَّاسٍ في الآية قَالَ: الشيطانُ جَاثٍ على قلبِ ابنِ آدمَ، فإِذا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ وَإِذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ.
وَعنهُ قَالَ: ما مِنْ مولودٍ يُولَدُ إِلاَّ على قلبهِ الوسواسُ، فإِذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذا غَفَلَ وَسْوَسَ، فَذَلِكَ قولُهُ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4].
وقدْ وَرَدَ في معنَى هذا غيرُهُ، وَظاهرُهُ أنَّ مُطْلَقَ ذِكْرِ اللَّهِ يَطْرُدُ الشيطانَ وَإِنْ لمْ يكنْ على طريقِ الاستعاذةِ، وَلِذِكْرِ اللَّهِ سبحانَهُ فَوَائِدُ جليلةٌ، حَاصِلُهَا الفوزُ بخَيْرَي الدنيا وَالآخرةِ). [فتح البيان: 15/467]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَشْقَرُ: (1430هـ): (عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ عَلَى قَلْبهِ الوَسْوَاسُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ). نَعُوذُ باللَّهِ تَعَالَى مِن كَيْدِهِ وَوَسْوَسَتِهِ).[زبدة التفسير: 604]

لفظ آخر
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي دَاوُدَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4]. قَالَ: مَثَلُ الشَّيْطَانِ كَمَثَلِ ابْنِ عِرْسٍ، وَاضِعٌ فَمَهُ عَلَى فَمِ القَلْب فَيُوَسْوِسُ إِلَيْهِ، فَإِن ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ سَكَتَ عَادَ إِلَيْهِ، فَهُوَ الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ). [الدر المنثور: 15/807]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَقدْ أَخْرَجَ ابنُ أبي داودَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قولِهِ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] قَالَ: مَثَلُ الشيطانِ كَمَثَلِ ابنِ عِرْسٍ وَاضِعٌ فَمَهُ على فَمِ القلبِ فَيُوَسْوِسُ إِليهِ، فإِنْ ذَكَرَ خَنَسَ وَإِنْ سَكَتَ عَادَ إِليهِ، فهوَ الوسواسُ الخَنَّاسُ). [فتح القدير: 5/764]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وعن ابْنِ عَبَّاسٍ في قولِهِ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] قَالَ: مَثَلُ الشيطانِ كَمَثَلِ ابنِ عِرْسٍ وَاضِعٌ فَمَهُ على فَمِ القلبِ فَيُوَسْوِسُ إِليهِ، فإِنْ ذَكَرَ خَنَسَ وَإِنْ سَكَتَ عَادَ إِليهِ، فهوَ الوسواسُ الخَنَّاسُ).[فتح البيان: 15/467]

قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبيُّ (ت: 427هـ): (قالَ ابنُ عبَّاسٍ: أيْ: يُوَسْوِسُ على قلْبِ ابنِ آدَمَ، فإذا ذكَرَ اللهَ سبحانَه خنَسَ مِن قَلْبه فذَهَبَ، وإذا غفَلَ التَقَمَ قلْبَه فحَدَّثَه ومَنَّاهُ). [الكشف والبيان: 10/341]

أثر سعيد بن جبير
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ (ت: 604هـ): (عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ: إذا ذَكَرَ الإنسانُ رَبَّه خَنَسَ الشيطانُ ووَلَّى، فإذا غَفَلَ وسْوَسَ إليه).[التفسير الكبير: 32/181]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ (ت: 728هـ):(عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: إذا ذَكَرَ الإنسانُ ربَّه خَنَسَ الشيطانُ ووَلَّى، وإذا غَفَلَ وَسْوَسَ إليهِ). [غرائب القرآن: 30/225]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُودٍ النَّسَفِيُّ (ت: 710هـ): (رُوِيَ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ: إذَا ذَكَرَ الإنسانُ ربَّه خَنَسَ الشَّيطانُ ووَلَّى، وإذا غَفَل رَجَعَ ووَسْوَسَ إلَيْه) [مدارك التنزيل:3/2015]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (لم أجده مقطوعاً على سعيد بن جبير، وقد تقدم بمعناه من حديث سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وحكيم بن جبير ضعيف).

أثر مجاهد بن جبر
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ، قالَ: ثَنَا عيسَى؛ وحَدَّثَنِي الحَارِثُ، قالَ: ثَنَا الحسَنُ، قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ، في قَوْلِهِ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] قالَ: الشيطانُ يكونُ على قلبِ الإنسانِ، فإذا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ). [جامع البيان: 24/754]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(... قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن عثمانَ بنِ الأسودِ، عن مُجَاهِدٍ: {الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4] قالَ: يَنْبَسِطُ، فإذا ذُكِرَ اللهُ خَنَسَ وانْقَبَضَ، فإذا غَفَلَ انْبَسَطَ). [جامع البيان: 24/754]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ ( ت: 352هـ): (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثَنَا آدَمُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ، قَالَ: الوَسْوَاسُ: الشَّيْطَانُ، فَمُهُ عَلَى قَلْبِ الإنْسَانِ، فإِذَا ذَكَر اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ؛ خَنَسَ، فذَلِكَ قولُه: {الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4] ).[تفسير مجاهد: 797] (م)
قالَ أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (قالَ مُجاهِدٌ: هو مُنبَسِطٌ على قَلْبِ الإنسانِ؛ إذا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ وانقَبَضَ، فإذا غَفَلَ انبَسَطَ على قَلْبه. ويُقالُ: له خُنوسٌ كخُنوسِ القُنْفُذِ).[بحر العلوم: 3/528] (م)
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): ({لخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4]. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ وَانْقَبَضَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ انْبَسَطَ عَلَى القَلْبِ). [الوسيط: 4/575] (م)
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ وَانْقَبَضَ، وَإِذا لم يُذْكَرِ انْبَسَطَ على القلبِ).[فتح البيان: 15/466]

أثر عكرمة مولى ابن عباس
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الوسواسُ مَحَلُّهُ عَلَى فؤادِ الإِنْسَانِ وَفِي عينِهِ وَفِي ذَكَرِهِ، وَمَحَلُّهُ مِن المَرْأَةِ فِي عَيْنِهَا وَفِي فَرْجِهَا إِذَا أَقْبَلَتْ، وَفِي دُبُرِهَا إِذَا أَدْبَرَتْ، هَذِهِ مَجَالِسُهُ).[الدر المنثور: 15/809]

أثر قتادة السدوسي
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يُقَالُ: الخَنَّاسُ لَهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الكَلْبِ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الإِنْسَانِ، فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ). [تفسير عبد الرزاق: 2/410]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنَا بشْرٌ، قالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عن قَتَادَةَ: {مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] يعني الشيطانَ، يُوَسْوِسُ في صدْرِ ابنِ آدَمَ، ويَخْنُسُ إذا ذَكَرَ اللهَ).[جامع البيان: 24/755]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (قالَ قَتادةُ: الخنَّاسُ له خُرطومٌ كخُرطومِ الكلْبِ في صدْرِ الإنسانِ، فإذا ذكَرَ العبْدُ رَبَّه خنَسَ). [الكشف والبيان: 10/341]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): (وقالَ قَتَادةُ: الخَنَّاسُ له خُرطومٌ كخُرطومِ الكلْبِ في صَدْرِ الإنسانِ، فإذا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهَ خَنَسَ ويُقالُ: رأسُه كرأسِ الحَيَّةِ، واضِعٌ رأسَه على ثَمَرَةِ القلْبِ يُمَنِّيهِ ويُحَدِّثُه، فإذا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ وإذا لم يَذْكُر رَجَعَ فوَضَعَ رأسَه فذلك: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}[الناس: 5]).[معالم التنزيل: 727]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقالَ قَتادَةُ: {الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] الشيطانُ له خُرْطُومٌ كخُرْطُومِ الكَلْبِ في صَدْرِ الإنسانِ، فإِذَا غَفَلَ الإنسانُ وَسْوَسَ له، وإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ).[الجامع لأحكام القرآن: 20/262]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (قَالَ قتادةُ: إِنَّ الشيطانَ لهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الكلبِ في صدرِ الإِنسانِ، فإِذا غَفَلَ ابنُ آدمَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَسْوَسَ لهُ، وَإِذا ذَكَرَ العبدُ ربَّهُ خَنَسَ).[فتح القدير: 5/763]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الشيطانَ لهُ خرطومٌ كخرطومِ الكلبِ في صدرِ الإِنسانِ، فإِذا غَفَلَ ابنُ آدمَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَسْوَسَ لهُ، وَإِذا ذَكَرَ العبدُ رَبَّهُ خَنَسَ).[فتح البيان: 15/467]

أثر يحيى بن أبي كثير
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ قَالَ: إِنَّ الوَسْوَاسَ لَهُ بَابٌ فِي صَدْرِ ابْنِ آدَمَ يُوَسْوِسُ مِنْهُ). [الدر المنثور: 15/808]

أثر عروة بن رويم
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ ( ت: 352هـ): (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثَنَا آدَمُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو فُضَالَةَ، قَالَ: ثَنَا عُرْوَةُ بنُ رُوَيْمٍ اللَّخْمِيُّ، أنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ دَعَا رَبَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ إِبْلِيسَ مِن بَنِي آدَمَ، فتَجَلَّى لَهُ إِبْلِيسُ، فإِذَا رَأْسُه مِثْلُ رَأْسِ الحَيَّةِ، وَاضِعاً رَأْسَهُ عَلَى ثَمَرَةِ القَلْبِ، فإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ، خَنَسَ إِبْلِيسُ برَأْسِه، وإِذَا تَرَكَ الذِّكْرَ، مَنَّاهُ وحَدَّثَهُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4) يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)[الناس: 4، 5] ). [تفسير مجاهد: 797]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (وروى ابنُ فَضالَةَ عن عُروةَ بنِ رُويَمٍ: أنَّ عيسى ابنَ مَريمَ عليه السلامُ دَعَا اللهَ تعالى أنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشيطانِ مِنِ ابنِ آدَمَ، فجُلَّيَ له، فإذا رأسُه مثلُ الحيَّةِ، واضِعٌ رأسُه على ثَمَرَةِ قلْبه، فإذا ذكَرَ العبْدُ رَبَّه خنَسَ، وإذا لم يَذكُرْه وضَعَ رأْسَه عليه فمَنَّاهُ وحَدَّثَه). [الكشف والبيان: 10/341]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أبي الدُّنْيَا وَابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ، أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنِ ابْنِ آدَمَ، فَجُلِّيَ لَهُ، فَإِذَا رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الحَيَّةِ وَاضِعاً رَأْسَهُ عَلَى ثَمَرَةِ القَلْبِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى ثَمَرَةِ قَلْبهِ فَحَدَّثَهُ).[الدر المنثور: 15/808-809]

أثر مقاتل بن سليمان
قَالَ عَبْدُ الخَالِقِ بْنُ الحَسَنِ ابنُ أبي رُوبَا (ت:356 هـ): حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ ثابتٍ الثَّورِيُّ عن أبيه عن الهُذَيْلِ بنِ حَبِيبٍ عنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ البلخيِّ (ت:150هـ):({مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4] وهوَ الشَّيْطانُ في صُورَةِ خِنْزِيرٍ، مُعَلَّقٌ بالقَلْبِ في جَسَدِ ابْنِ آدَمَ، وهوَ يَجْرِي مَجْرَى الدَّمِ، سَلَّطَهُ اللَّهُ على ذلك مِنَ الإِنْسانِ، فَذلك قَوْلُهُ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} [الناس: 5] فإِذَا انْتَهَى ابْنُ آدَمَ وَسَوسَ في قَلْبهِ حَتَّى يَتَبَلَّعَ قَلْبَهُ، والخَنَّاسُ الَّذِي إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ ابْنُ آدَمَ خَنَسَ عن قَلْبهِ، فذَهَبَ عَنْهُ، وَيَخْرُجُ عن جَسَدِهِ). [تفسير مقاتل بن سليمان: 3/539]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (وقالَ مُقاتلٌ: إنَّ الشيطانَ في صُورةِ خِنْزِيرٍ، يَجرِي في جسَدِ العبْدِ مَجرَى الدَّمِ في العُروقِ سلَّطَه اللهُ عزَّ وجَلَّ على ذلك، فذلك قولُه عزَّ وجَلَّ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} [الناس: 5] ). [الكشف والبيان: 10/341]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (ورُوِيَ عن عبدِ الرحمنِ بنِ الأَسْوَدِ، أَوْ غَيْرِهِ من التابعين، أنَّه قالَ -وقد كبرَ سِنُّهُ -: مَا أَمِنْتُ الزِّنَى، وَمَا يُؤَمِّنُنِي أنْ يُدْخِلَ الشيطانُ ذَكَرَهُ فيُوتِدَه! فهذا القولُ يُنْبئُكَ أنه مُتَشَعِّبٌ في الجَسَدِ، وهذا معنَى قولِ مُقاتِلٍ).[الجامع لأحكام القرآن: 20/263]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (فَصْلٌ في الكلامِ عَلَى الشَّيْطَانِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الشَّيْطَانَ في سورَةِ خِنْزِيرٍ، يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ في عُرُوقِهِ، سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} [الناس: 5] ). [اللباب: 20/578] [هكذا في سورة، وهو خطأ طباعي صوابه: في صورة]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (قَالَ مقاتلٌ: إِنَّ الشيطانَ في صورةِ خِنْزِيرٍ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدمَ مَجْرَى الدمِ في عروقِهِ، سَلَّطَهُ اللَّهُ على ذلكَ، وَوَسْوَسَتُهُ هيَ الدعاءُ إِلى طَاعَتِهِ بكلامٍ خَفِيٍّ يَصِلُ إِلى القلبِ مِنْ غيرِ سَمَاعِ صَوْتٍ).[فتح القدير: 5/763]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (قالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الشيطانَ في صورةِ خنزيرٍ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدمَ مَجْرَى الدمِ في عُرُوقِهِ، سَلَّطَهُ اللَّهُ على ذلكَ).[فتح البيان: 15/467]

أثر ثور الصنعاني
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلى، قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عن أبيه، قالَ: ذُكِرَ لي أن الشيطانَ، أو قالَ: الوَسواسَ، يَنْفُثُ في قلبِ الإنسانِ عندَ الحُزْنِ وعندَ الفَرَحِ، وإذا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ).[جامع البيان: 24/755]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري:(ابن ثور هو محمد بن ثور الصنعاني أبو عبد الله العابد، وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وأثنى عليه في العبادة والفضل والصدق).

أثر سليمان بن طرخان التيمي
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقالَ المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عن أبيهِ: ذُكِرَ لي أَنَّ الشيطانَ الوَسْوَاسَ يَنْفُثُ في قَلْبِ ابنِ آدَمَ عندَ الحُزْنِ وعندَ الفَرَحِ، فإذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ).[تفسير القرآن العظيم: 8/3912]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (سليمان بن طرخان التيمي البصري أبو المعتمر، قال عنه ابن حجر: نزل في التيم فنسب إليهم ثقة عابد، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، ووثقه الإمام أحمد والنسائي وجماعة قال العجلي: تابعي ثقة، وقال يحيى بن معين: كان يدلس، وقال يحيى بن سعيد: مرسلاته شبه لا شيء).


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:15 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

أقوال المفسرين في شأن الوسوسة

قَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ ابْنُ خَالويهِ (ت: 370هـ): (وَذَلِكَ أنَّ إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللهُ يُوَسْوِسُ في قَلْبِ ابْنِ آدَمَ إذَا غَفَلَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى العَبْدُ خَنَسَ أيْ: تَأَخَّرَ).[إعراب ثلاثين سورة: 239] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): ({الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] الرَّجَّاعِ، وهو الشيطانُ جاثِمٌ على قلْبِ الإنسانِ، فإذا غفَلَ وَسْوَسَ وإذا ذكَرَ اللهَ سبحانَه انْخَنَسَ).[الكشف والبيان: 10/341]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): ({مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ}[الناس: 4]: يَعْنِي: ذَا الوَسْوَاسِ، وهو الشَّيْطَانُ، {الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4]: وهو الذي يَخْنُسُ ويَرْجِعُ إذا ذُكِرَ اللهُ، والشَّيْطَانُ جَاثِمٌ على قَلْبِ الإنسانِ، فإذا ذَكَرَ اللهَ تَنَحَّى وخَنَسَ، وإذا عَقَلَ التَقَمَ قَلْبَهُ فحَدَّثَهُ ومَنَّاهُ، وهو قَوْلُهُ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}[الناس: 5]).[الوجيز: 2/1243] (م)
قالَ هُودُ بْنُ مُحَكَّمٍ الهوارِيُّ (ت: ق3): ({مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] ذَكَرَ بَعْضُهم قالَ: إِنَّ الشيطانَ جاثِمٌ على قَلْبِ ابْنِ آدَمَ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ).[تفسير كتاب الله العزيز: 4/545] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُ أبي زَمَنِينَ (ت: 399هـ): ( قولُه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)}[الفلق: 1] إلَى قَوْلِه: {الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4]. قَالَ قَتَادَةُ: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابنِ آدَمَ، فإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ).[تفسير القرآن العزيز: 5/175] (م)
قالَ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ محمدُ بنُ الحُسَينِ الموسَوِيُّ (ت: 406هـ): (وَجَاءَ فِي الخَبَرِ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ فِي العَبْدِ فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ وَقَبَعَ وَانْقَبَضَ). [تلخيص البيان: 341]
قالَ أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ (ت: 489هـ): ({مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] هو الشيطانُ، والمعنى: مِن شَرِّ الشيطانِ ذي الوَسواسِ، ويُقالُ: سُمِّيَ وَسواسًا؛ لأنه يَجْثُمُ، فإنْ ذَكَرَ العبدُ ربَّه خَنَسَ ـ أي تَأَخَّرَ ـ وإن لم يَذْكُرْ: وَسْوَسَ. وفي روايةٍ: التَقَمَ ووَسْوَسَ أي القَلْبَ. وفيه خبرٌ صحيحٌ على هذا المعنى).[تفسير القرآن: 6/308]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): ({مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)}[الناس: 4] يعني: الشيطانَ، يكونُ مَصدرًا واسْمًا.
قالَ الزَّجَّاجُ: يعني: الشيطانَ ذا الوَسْواسِ، "الخَنَّاسِ": الرَّجَّاعِ وهو الشيطانُ جاثِمٌ على قلْبِ الإنسانِ، فإذا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإذا غَفَلَ وَسْوَسَ). [معالم التنزيل: 727]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ): (قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ الإِنْسَانِ، فَإِذَا غَفَلَ وَسَهَا وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ تعالى خَنَسَ الشَّيْطَانُ عَنْهُ وَتَأَخَّرَ.
وقالَ قَتَادَةُ: الخَنَّاسُ لَهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الكَلْبِ،
وَقِيلَ: كَخُرْطُومِ الخِنْزِيرِ فِي صَدْرِ الإنسانِ، فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ.
ويُقَالُ: رَأْسُهُ كَرَأْسِ الحَيَّةِ، وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى ثَمَرَةِ القَلْبِ يَمَسُّهُ وَيَجْذِبُهُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ تعالى خَنَسَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تعالى رَجَعَ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى القَلْبِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}[الناس: 5]: يَعْنِي بالكَلامِ الخَفِيِّ الذي يَصِلُ مَفْهُومُهُ إلى القلبِ منْ غيرِ سماعٍ، والمرادُ بالصَّدْرِ القلبُ).[لباب التأويل: 4/503]
قَالَ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ التُّرْكُمَانِيُّ (ت: 750هـ): (وفي التَّفْسِيرِ: لَهُ رَأْسٌ كَالحَيَّةِ يَجْثِمُ عَلَى قَلْبِ العَبْدِ، فإذا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى خَنَسَ، أي: تَأَخَّرَ وتَنَحَّى، وإذا تَرَكَ الذِّكْرَ رَجَعَ إلى القَلْبِ فوَسْوَسَ).[بهجة الأريب: 257]
قَالَ ابنُ الهائِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمَادٍ القَرَافِيُّ (ت: 815هـ): (وجاءَ في التفسيرِ: أنَّ له رَأْسًا كرأسِ الحيَّةِ يَجْثُمُ على القلْبِ يُوَسْوِسُ فيهِ، فإذَا ذَكَرَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ العبْدُ خَنَسَ، أيْ: تأخَّرَ وتَنَحَّى. وإذَا ترَكَ ذِكْرَ اللَّهِ رَجَعَ إلى القلْبِ فوسْوَسَ فيهِ).[التبيان: 356]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (قَالَ البَغَوِيُّ: لهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الكَلْبِ في صدرِ الإِنسانِ، وَيُقَالُ: رَأْسُهُ كرأسِ الحيَّةِ وَاضِعٌ رَأْسَهُ على يَمِينِ القلبِ، يُحَدِّثُهُ فإِذا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ، وَإِذا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ رَجَعَ وَوَضَعَ رَأْسَهُ خَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى).[نظم الدرر: 8/615]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:16 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

تعاظم الشيطان وتصاغره

حديث: لا تقل تعس الشيطان
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ (ت: 241هـ): (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَدِيفِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أبي تَمِيمَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَدِيفِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَثَرَ بالنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارُهُ فَقُلْتُ: (تَعِسَ الشَّيْطَانُ)
فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ تَعِسَ الشَّيْطَانُ تَعَاظَمَ وَقَالَ بقُوَّتِي صَرَعْتُهُ وَإِذَا قُلْتَ: باسْمِ اللَّهِ تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ )) ). [مسند الإمام أحمد: 34/199]
قالَ أَبُو دَاودَ سُلَيمَانُ بنُ الأشْعَثِ السَِّجِسْتانِيُّ (ت:275هـ):(حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ خَالِدٍ - يَعْنِى الحَذَّاءَ - عَنْ أَبي تَمِيمَةَ عَنْ أَبي المَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَعَثَرَتْ دَابَّتُهُ فَقُلْتُ تَعِسَ الشَّيْطَانُ؛ فَقَالَ: (( لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ وَيَقُولَ بقُوَّتِى وَلَكِنْ قُلْ: باسْمِ اللَّهِ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ ))). [سنن أبي داوود: ]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ الحَاكِمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حَدَّثَنا عَلِيُّ بنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بنُ نَجْدَةَ القُرَشِيُّ ثنا سَعِيدُ بنُ مَنصُورٍ ثنا مُحَمَّدُ بنُ حُمْرَانَ ثنا خَالدٌ الحَذَّاءُ عَن أَبي تَمِيمَةَ عَن أَبي المَلِيحِ بنِ أُسَامَةَ عَن أَبيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَعَثَرَ بَعِيرُنَا فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيطَانُ فَقَالَ لِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (( لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيطَانُ فَإِنَّهُ يَسْتَعْظِمُ حَتَّى يَكُونَ مَثْلَ البَيتِ وَيَقْوَى وَلَكِنْ قُلْ: باسْمِ اللهِ فَإِذَا قُلْتَ:باسْمِ اللهِ تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ))).[المستدرك:4/325 ]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ): (وقالَ الإمامُ أحمدُ: حدَّثنَا محمدُ بنُ جعفرٍ، حدَّثنَا شُعْبَةُ، عن عاصِمٍ: سَمِعْتُ أبا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ عن رَدِيفِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ، قالَ: عَثَرَ بالنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ حِمَارُه، فقلتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: (( لا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ؛ فإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ. تَعَاظَمَ وقالَ: بقُوَّتِي صَرَعْتُهُ. وإِذَا قُلْتَ: باسْمِ اللَّهِ. تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ)).
تَفَرَّدَ بهِ أَحْمَدُ، وإِسْنَادُه جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وفيهِ دَلالَةٌ علَى أَنَّ القَلْبَ مَتَى ذَكَرَ اللَّهَ تَصَاغَرَ الشَّيْطَانُ وغُلِبَ، وإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَاظَمَ وغَلَبَ).[تفسير القرآن العظيم: 8/3912]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذا الحديثُ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ في مَواضِعَ مِن كُتُبهِ، وَقَدْ سُئِلَ الدَّارَقُطْنِي عَنْ هذَا الحَدِيثِ فَقَالَ: (يَروِيهِ عاصِمٌ الأَحوَلُ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ حَمّاد بن سَلَمَة، عَن عاصِمٍ الأَحوَلِ، عَن أبي تَمِيمَة الهُجَيمِيِّ، مُرسَلاً، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم واسمُ أبي تَمِيمَة طَرِيفُ بن مُجالِدٍ.
وَخالَفَهُ زُهَيرُ بن مُعاوِيَة، فَرَواهُ عَن عاصِمٍ، عَن أبي تَمِيمَة، عَن رَدِيفِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم، أَو عمَّن حَدَّثَهُ عَن رِدفِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم ورَواهُ الثورِيُّ، وعَلِيُّ بن مُسهِرٍ، عَن عاصِمٍ، عَن أبي تَمِيمَة، عَن ردف النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم وكَذَلِك رَواهُ خالِدٌ الحَذّاءُ، عَن أبي تَمِيمَة وهُو الصَّوابُ).


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:17 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

دخول الشيطان في جوف الإنسان

قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وُجُودُ الجِنِّ ثَابتٌ بكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَاتِّفَاقِ سَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا. وَكَذَلِكَ دُخُولُ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ الإِنْسَانِ ثَابتٌ باتِّفَاقِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ}[البقرة: 275] وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ )).
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قُلْتُ لأبي: إنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ: إنَّ الجِنِّيَّ لا يَدْخُلُ فِي بَدَنِ المَصْرُوعِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ يَكْذِبُونَ هَذَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَمْرٌ مَشْهُورٌ فَإِنَّهُ يَصْرَعُ الرَّجُلَ فَيَتَكَلَّمُ بلِسَانٍ لا يَعْرِف مَعْنَاهُ وَيُضْرَبُ عَلَى بَدَنِهِ ضَرْبًا عَظِيمًا لَوْ ضُرِبَ بهِ جَمَلٌ لاثَّرَ بهِ أَثَرًا عَظِيمًا، وَالمَصْرُوعُ مَعَ هَذَا لا يُحِسُّ بالضَّرْبِ وَلا بالكَلامِ الَّذِي يَقُولُهُ، وَقَدْ يَجُرُّ المَصْرُوعَ وَغَيْرَ المَصْرُوعِ وَيَجُرُّ البسَاطَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَيُحَوِّلُ آلاتٍ وَيَنْقُلُ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ وَيُجْرِي غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ مَنْ شَاهَدَهَا أَفَادَتْهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بأَنَّ النَّاطِقَ عَلَى لِسَانِ الإِنْسِيِّ، وَالمُحَرِّكَ لِهَذِهِ الأَجْسَامِ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرُ الإِنْسَانِ.
وَلَيْسَ فِي أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ مَنْ يُنْكِرُ دُخُولَ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ المَصْرُوعِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّ الشَّرْعَ يُكَذِّبُ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِي الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ).[مجموع الفتاوى:24/277]

أحاديث في دخول الشيطان في بدن الإنسان
حديث أم المؤمنين صفية بنت حيي
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ (ت: 256هـ): (حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ بنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً؛ فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ؛ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا؛ فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ ))
فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ!
قَالَ: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبكُمَا سُوءًا )) أَوْ قَالَ: ((شَيْئًا)).[صحيح البخاري:كتاب بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تقدم بيان من روى الحديث من الأئمة).

حديث أبي سعيد الخدري
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ (ت: 241هـ): (حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنْ أبيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِي فِيهِ )) ).[مسند الإمام أحمد: 17/365]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذا الحديث روي بألفاظ:
الأول: ما تقدم ذكره.
والثاني: بلفظه دون قوله: (( في فيه)) أخرجه ابن أبي شيبة، ومسلم في صحيحه من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع به.
والثالث: بلفظ: ((إذا تثاوب أحدكم فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل مع التثاوب )). رواه عبد الرزاق عن معمر عن سهيل به، وعنه الإمام أحمد.
الرابع: بلفظ: ((إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ )) رواه أحمد ومسلم من طرق عن سهيل به.
الخامس: بلفظ: ((إذا تثاءب أحدكم فليسد بيده فاه فإن الشيطان يدخل )). رواه ابن خزيمة من طريق عبد العزيز الدراوردي عن سهيل به). (م)


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:18 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

إنكار الفلاسفة دخول الجني في بدن الإنسي

قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): ({الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}[الناس: 5] قيلَ: أُريدَ قلوبُهم مَجازًا.
وقالَ بعضُهم: إنَّ الشيطانَ يَدْخُلُ الصدرَ الذي هو بمنزِلةِ الدِّهليزِ، فيُلقِي ما يُريدُ إلقاءَه إلى القلبِ ويُوَصِّلُه إليه، ولا مانِعَ عَقْلاً مِن دُخولِه في جَوفِ الإنسانِ، وقد وَرَدَ السمْعُ كما سَمِعْتَ فوَجَبَ قَبولُه والإيمانُ به، ومِن ذلك أنَّ الشيطانَ ليَجْرِي مِنِ ابنِ آدمَ مَجْرَى الدمِ، ومِن الناسِ مَن حَمَلَه على التمثيلِ وقالَ في الآيةِ: إنها لا تَقْتَضِي الدخولَ كما يُنادِي عليه البيانُ الآتي.
وقالَ ابنُ سينا: (الوَسواسُ القُوَّةُ التي تُوقِعُ الوَسوسةَ وهي القوَّةُ المُتَخَيَّلَةُ بحَسَبِ صَيْرُورتِها مُستعمَلَةً للنفْسِ الحيوانيَّةِ، ثم إنَّ حَرَكَتَها تكونُ بالعكسِ، فإنَّ النفسَ وجهَتها إلى المبادئِ المفارِقَةِ، فالقوَّةُ المتخيَّلَةُ إذا أَخَذَتْها إلى الاشتغالِ بالمادَّةِ وعلائقِها فتلك القوَّةُ تَخْنِسُ، أي: تَتَحَرَّكُ بالعكْسِ، وتَجْذِبُ النفسَ الإنسانيَّةَ إلى العكسِ فلذلك تُسَمَّى خَنَّاسًا، ونحوَه ما قيلَ: إنه القُوَّةُ الوَهميَّةُ، فهي تُساعِدُ العقلَ في المُقَدِّماتِ، فإذا آلَ الأمرُ إلى النتيجةِ خَنَسَتْ وأَخَذَتْ تُوَسْوِسُه وتُشَكِّكُه) ا.هـ.
ولا يَخْفَى أنَّ تفسيرَ كلامِ اللهِ تعالى بأمثالِ ذلك مِن شَرِّ الوَسواسِ الخَنَّاسِ، والقاضي ذَكَرَ الأخيرَ عن سبيلِ التنظيرِ لا على وجهِ التمثيلِ والتفسيرِ بناءً على حُسْنِ الظنِّ به). [روح المعاني: 29/287] (م)


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:19 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الوسواس في الوضوء

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ (ت: 241هـ): (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الوَسْوَاسِ مِنْهُ )) ).[مسند الإمام أحمد: 34/180 ]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذا الحديث رواه عبد الرزاق وأحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجة والنسائي والحاكم وابن حبان والبيهقي وغيرهم من طرق عن معمر عن أشعث عن الحسن عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه مرفوعاً.
وأشعث هو ابن عبد الله بن جابر الحداني البصري ويقال له: أشعث الأعمى مختلف فيه.
قال الذهبي: (كان من علماء البصرة كأشعث الحمراني، وهو صالح الحديث، وقد وثقه النسائي وغيره، وفي حديثه وهم، أورده العقيلي في الضعفاء، وقال الدار قطني: يعتبر به).
والحديث صححه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء، وضعفه الألباني في عدة مواضع من كتبه).
-قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ قَايمَاز الذَّهَبِيُّ (ت:748هـ): (مَعْمَرٌ، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الوَسْوَاسِ مِنْهُ )).
قلتُ: مُرَادُهُ بالوَسْوَاسِ أَن يُصِيبَهُ مَسٌّ مِنَ الجَانِّ، وَمِنْهُ سُمِّيَ المسْرِفُ فِي المَاءِ مُوَسْوسًا، شُبِّهَ بالمجْنُونِ، وَلا سِيَّمَا إِذَا كَبَّرَ أَحَدُهُمْ للفَرِيضَةِ، عَافَاهُمُ اللهُ تَعَالَى). [سير أعلام النبلاء: 6/274]

أثر عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ المُزَنِيّ يَقُولُ: البَوْلُ فِي المُغْتَسَلِ يَأْخُذُ مِنْهُ الوَسْوَاسُ). [مصنف ابن أبي شيبة:1/112]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أبي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: البَوْلُ فِي المُغْتَسَلِ يَأْخُذُ مِنْهُ الوَسْوَاسُ). [الدر المنثور: 15/806]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (رواه البخاري في صحيحه معلقاً بلفظه وأسنده العقيلي في الضعفاء فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول فذكره.
ومحمد بن إسماعيل هو الصائغ توفي سنة ست وسبعين ومئتين).

أثر إبراهيم التيمي
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ العَوَّامِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ الوَسْوَاسُ مِنَ الوُضُوءِ). [مصنف ابن أبي شيبة:1/166]
-قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (رجال الإسناد إلى إبراهيم التيمي ثقات أئمة).
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (وأخبرَنا عبدُ اللهِ بنُ حامدٍ الأَصْفَهَانيُّ الوزَّانُ، أخبرَنا أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ، أخبرَنا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، أخبرَنا عثمانُ، أخبرَنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبرَنا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عن إبراهيمَ التَّيْمِيِّ، قالَ: أوَّلُ ما يَبدأُ الوَسواسُ مِن قِبَلِ الوُضوءِ).[الكشف والبيان: 10/341]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقالَ إبراهِيمُ التَّيْمِيُّ: أوَّلُ مَا يَبْدُو الوَسْوَاسُ مِن قِبَلِ الوُضُوءِ).[الجامع لأحكام القرآن: 20/262]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أبي شَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ الوَسْوَاسُ مِنَ الوُضُوءِ).[الدر المنثور: 15/806]

أثر عمرو بن مرة
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أبي شَيْبَةَ عَنْ عَمرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: مَا وَسَاوِسُهُ بأَوْلَعَ مِمَّنْ يَرَاهَا تَعْمَلُ فِيهِ). [الدر المنثور: 15/806-807]


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:20 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ما يفعله من ابتلي بالوسوسة

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ (ت: 875 هـ):(قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لِمَن ابْتُلِيَ بالوسوسةِ فِي الوُضُوءِ وَالصَّلاةِ وَشَبَهِهِمَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ الذِّكْرَ خَنَسَ؛ أَيْ: تَأَخَّرَ وَبَعُدَ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَأْسُ الذِّكْرِ، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ السادةُ الجِلَّةُ مِنْ صفوةِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَهْلُ تَرْبيَةِ السَّالِكِينَ وَتَأْدِيبِ المُرِيدِينَ قَوْلَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لأَهْلِ الخَلْوَةِ، وَأَمَرُوهُمْ بالمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، وَقَالُوا: أَنْفَعُ عِلاجٍ فِي دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى والإكثارُ مِنْهُ.
وَقَالَ السيِّدُ الجليلُ أَحْمَدُ بْنُ أبي الحَوَارِي: شَكَوْتُ إِلَى أبي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ الوَسْوَاسَ؛ فَقَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْكَ فَأَيُّ وَقْتٍ أَحْسَسْتَ بهِ فَافْرَحْ، فَإِنَّكَ إِذَا فَرِحْتَ بهِ انْقَطَعَ عَنْكَ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى الشَّيْطَانِ مِنْ سُرُورِ المُؤْمِنِ، وَإِنِ اغْتَمَمْتَ بهِ زَادَكَ (ت).
وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ: إِنَّ الوَسْوَاسَ إِنَّمَا يُبْتَلَى بهِ مَنْ كَمُلَ إِيمَانُهُ، فَإِنَّ اللِّصَّ لا يَقْصِدُ بَيْتاً خَرِباً - انْتَهَى (ت) وَرَأَيْتُ فِي مُخْتَصَرِ الطَّبَرِيِّ نَحْوَ هَذَا). [الجواهر الحسان: 5/642]


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:22 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

علاج الوسوسة

قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ):(وعلاجُ وَسوستِه بثلاثةِ أشياءَ:
واحدُها: الإكثارُ من ذِكْرِ اللهِ.
وثانيها: الإكثارُ من الاستعاذةِ باللهِ منه، ومِن أنْفَعِ شيءٍ في ذلك قراءةُ هذه السورةِ.
وثالثُها: مخالَفَتُه والعزْمُ على عِصيانِه). [التسهيل: 227]
قالَ مُحَمَّد جَمَال الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ):(السابعةُ: قالَ الإمامُ الغزاليُّ في الإحياءِ أيضاً في بيانِ تَسَلُّطِ الشيطانِ على القلْبِ بالوَسواسِ ومعنى الوَسوسةِ وسَببِ غَلَبَتِها ما مثالُهُ:
اعْلَمْ أنَّ القلبَ في مِثالِ قُبَّةٍ مَضْرُوبَةٍ لها أبوابٌ تَنْصَبُّ إليهِ الأحوالُ مِنْ كلِّ بابٍ، ومثالُهُ أيضاً مِثالُ هَدَفٍ تَنْصَبُّ إليهِ السِّهامُ مِن الجوانبِ، أوْ هوَ مِثالُ مِرآةٍ مَنصوبةٍ تَجتازُ عليها أَصنافُ الصُّوَرِ المُخْتَلِفَةِ، فتَتَرَاءَى فيها صُورةٌ بعدَ صورةٍ ولا يَخْلُو عنها، أوْ مِثالُ حَوْضٍ تَنْصَبُّ فيهِ مِياهٌ مُختلِفَةٌ مِنْ أنهارٍ مَفتوحةٍ إليهِ.
وإنَّما مَداخِلُ هذهِ الآثارِ المُتَجَدِّدَةِ في القلْبِ في كلِّ حالٍ، إمَّا مِن الظاهِرِ فالحَوَاسُّ الخَمسُ، وإمَّا مِن الباطنِ فالخيالُ والشهوةُ والغضَبُ والأخلاقُ المُرَكَّبَةُ مِنْ مِزاجِ الإنسانِ؛ فإنَّهُ إذا أَدْرَكَ بالحواسِّ شيئاً حَصَلَ منهُ أَثَرٌ في القلْبِ.
وكذلكَ إذا هَاجَتِ الشهوةُ مَثَلاً بسببِ كَثرةِ الأَكْلِ وسببِ قُوَّةٍ مِن المِزاجِ، حَصَلَ منها في القلبِ أَثَرٌ، وإنْ كَفَّ عن الإحساسِ فالخيالاتُ الحاصلةُ في النفْسِ تَبْقَى ويَنْتَقِلُ الخيالُ مِنْ شيءٍ إلى شيءٍ، وبحَسَبِ انتقالِ الخيالِ يَنتقِلُ القلْبُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ آخَرَ.
والمقصودُ أنَّ القلْبَ في التغَيُّرِ والتأَثُّرِ دائماً مِنْ هذهِ الأسبابِ.
وأَخُصُّ الآثارَ الحاصلةَ في هذهِ الخواطِرِ، وأَعْنِي بالخواطِرِ ما يَحْصُلُ فيهِ مِن الأفكارِ والأَذْكَارِ، وأعنِي بهِ إدراكاتِهِ عُلُوماً، إمَّا على سبيلِ التَّجَدُّدِ، وإمَّا على سبيلِ التذَكُّرِ؛ فإنَّها تُسَمَّى خواطرَ مِنْ حيثُ إنَّهُ تَخْطِرُ بعدَ أنْ كانَ القلبُ غافلاً عنها.
والخواطِرُ هيَ المُحَرِّكَاتُ للإراداتِ؛ فإنَّ النيَّةَ والعزْمَ والإرادةَ إنَّما تكونُ بعدَ خُطورِ المَنْوِيِّ بالبالِ لا محالةَ، فمَبدأُ الأفعالِ الخواطرُ، ثمَّ الخاطرُ يُحَرِّكُ الرغبةَ، والرغبةُ تُحَرِّكُ العزْمَ، والعزْمُ يُحَرِّكُ النِّيَّةَ، والنيَّةُ تُحرِّكُ الأعضاءَ.
والخَوَاطرُ المُحَرِّكَةُ للرغبةِ تَنقسمُ إلى ما يَدْعُو للشرِّ، أَعْنِي إلى ما يَضُرُّ في العاقبةِ، وإلى ما يَدعو إلى الخيرِ، أعنِي إلى ما يَنفعُ في الدارِ الآخرةِ، فهما خَاطرانِ مُختلِفانِ. فافْتَقَرَا إلى اسمَيْنِ مُختَلِفَيْنِ، فالخاطِرُ المحمودُ يُسَمَّى إلهاماً، والخاطرُ المذمومُ، أعني الدَّاعِيَ إلى الشرِّ، يُسَمَّى وَسْوَاساً.
ثمَّ إنَّكَ تَعلمُ أنَّ هذهِ الخواطِرَ حادثةٌ، ثمَّ إنَّ كُلَّ حادثٍ فلا بُدَّ لهُ مِنْ مُحْدِثٍ، ومهما اختَلَفَتِ الحوادثُ دَلَّ ذلكَ على اختلافِ الأسبابِ.
هذا ما عُرِفَ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تعالى في ترتيبِ المُسَبَّباتِ على الأسبابِ، فمَهْمَا استَنارَتْ حِيطانُ البيتِ بنُورِ النارِ، وأَظْلَمَ سَقْفُهُ واسودَّ بالدُّخَانِ، عَلِمْتَ أنَّ سببَ السَّوَادِ غيرُ سببِ الاستنارةِ، وكذلكَ لأَنْوَارِ القلْبِ وظُلمتِهِ سَببانِ مُختلِفانِ، فسببُ الخاطرِ الداعي إلى الخيرِ يُسَمَّى مَلَكاً، وسببُ الخاطِرِ الداعي إلى الشرِّ يُسَمَّى شَيطاناً، واللُّطْفُ الذي يَتَهَيَّأُ بهِ القلبُ لقَبولِ إلهامِ الخيرِ يُسَمَّى تَوْفِيقاً، والذي بهِ يَتَهَيَّأُ لقَبولِ وَسواسِ الشيطانِ يُسَمَّى إغواءً وخِذلاناً؛ فإنَّ المعانِيَ المُخْتَلِفَةَ تَفْتَقِرُ إلى أَسَامٍ مختلِفَةٍ.
والمَلَكُ عبارةٌ عنْ خَلْقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تعالى، شأنُهُ إفاضةُ الخيرِ، وإفادةُ العلْمِ، وكَشْفُ الحقِّ، والوعْدُ بالخيرِ، والأمرُ بالمعروفِ، وقدْ خَلَقَهُ وسَخَّرَهُ لذلكَ.
والشيطانُ عِبارةٌ عنْ خَلْقٍ شأنُهُ ضِدُّ ذلكَ، وهوَ الوعْدُ بالشرِّ، والأمْرُ بالفحشاءِ، والتخويفُ عندَ الهَمِّ بالخيرِ بالفَقْرِ. فالوَسوسةُ في مُقابَلَةِ الإلهامِ، والشيطانُ في مُقابَلَةِ المَلَكِ، والتوفيقُ في مُقابَلَةِ الخِذلانِ.
ثمَّ قالَ الغزاليُّ: ولا يَمْحُو وَسوسةَ الشيطانِ مِن القلبِ إلاَّ ذِكْرُ ما سِوَى ما يُوَسْوِسُ بهِ؛ لأنَّهُ إذا خَطَرَ في القلبِ ذِكْرُ شيءٍ انْعَدَمَ منهُ ما كانَ مِنْ قَبْلُ، ولكنَّ كلَّ شيءٍ سِوَى اللَّهِ تعالى، وسِوَى ما يَتَعَلَّقُ بهِ، فيَجوزُ أيضاً أنْ يكونَ مَجالاً للشيطانِ.
وذِكْرُ اللَّهِ هوَ الذي يُؤْمَنُ جانبُهُ، ويُعْلَمُ أنَّهُ ليسَ للشيطانِ فيهِ مَجالٌ، ولا يُعالَجُ الشيءُ إلاَّ بضِدِّهِ، وضِدُّ جميعِ وَساوِسِ الشيطانِ ذِكْرُ اللَّهِ بالاستعاذةِ، والتبَرُّؤُ عن الحَوْلِ والقُوَّةِ، وهوَ معنى قَوْلِكَ: أَعوذُ باللَّهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العظيمِ، وذلكَ لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ المُتَّقُونَ الغالبُ عليهم ذِكْرُ اللَّهِ تعالى.
وإنَّما الشيطانُ يَطُوفُ عليهم في أوقاتِ الفَلَتَاتِ على سبيلِ الخِلسةِ، قالَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
ثمَّ قالَ: فالوَسوسةُ هيَ هذهِ الخواطرُ، والخواطرُ مَعلومةٌ، فإِذَنِ الوَسواسُ معلومٌ بالمُشاهَدَةِ، وكلُّ خاطِرٍ فلهُ سَبَبٌ، ويَفتقِرُ إلى اسْمٍ يُعَرِّفُهُ، فَاسْمٌ سببُهُ الشيطانُ، ولا يُتَصَوَّرُ أنْ يَنْفَكَّ عنهُ آدَمِيٌّ، وإنَّما يَختلفونَ بعِصيانِهِ ومُتابعتِهِ، فقَدِ اتَّضَحَ بهذا النوْعِ مِن الاستبصارِ معنى الوَسوسةِ والإلهامِ، والمَلَكِ والشيطانِ، والتوفيقِ والخِذلانِ، انْتَهَى).[محاسن التأويل: 9/ 582-584]


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:24 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

طريق النجاة من الوسواس الخناس

قالَ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (تنبيهٌ: إذا كانَ هذا كلُّه خَطَرَ الوَسواسِ الخَنَّاسِ مِن الجِنَّةِ والناسِ، وهما عَدُوٌّ مُشْتَرَكٌ ومُتَرَبِّصٌ حاقِدٌ حاسِدٌ، فما طريقُ النَّجاةِ منه؟
الذي يَظْهَرُ واللَّهُ تَعَالَى أعْلَمُ: أنَّ طريقَ النَّجاةِ تَعْتَمِدُ على أمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: يُؤْخَذُ مِن عُموماتِ الكتابِ والسُّنَّةِ.
والثاني: سَمِعْتُهُ مِن الشيخِ رحمةُ اللَّهِ تعالى عَلَيْنَا وعليه.
أمَّا الأَوَّلُ فهو: إذا كانَتْ مُهِمَّةُ الوَسواسِ التشكيكَ والذَّبْذَبَةَ والترَدُّدَ، فإنَّ عُموماتِ التكليفِ تُلْزِمُ المسلِمَ بالعَزْمِ واليَقينِ والمُضِيِّ دُونَ تَرَدُّدٍ؛ كما في قولِه: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159]، وامْتَدَحَ بعْضَ الرُّسُلِ بالعَزْمِ وأمَرَ بالاقتداءِ بهم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
وقالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ)).
والقاعِدَةُ الفِقهيَّةُ: اليقينُ لا يُرْفَعُ بشَكٍّ.
والحديثُ: ((يَأْتِي الشَّيْطَانُ لِأَحَدِكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ؛ فَيَتَخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَلَمْ يُحْدِثْ، فَلا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً)).
ومِن هنا كانَتِ التكاليفُ كلُّها على اليقينِ، فالعقائدُ لا بُدَّ فيها مِن اليقينِ، والفُروعُ في العِباداتِ لا بُدَّ فيها مِن النِّيَّةِ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ)).
والشرْطُ في النيَّةِ الجَزْمُ واليقينُ، فلو نَوَى الصلاةَ على أنه إنْ حَضَرَ فُلانٌ تَرَكَها لا تَنْعَقِدُ نِيَّتُه، ولو نَوَى صَوْماً أنه إنْ شاءَ أَفْطَرَ لا يَنْعَقِدُ صَوْمُه.
ونَصَّ مالِكٌ في (المُوَطَّأِ) أنه إنْ نَوَى ليومِ الشكِّ في لَيلتِه الصومَ غَداً على أنه إنْ صَحَّ مِن رمضانَ فهو لرَمَضَانَ وإلاَّ فهو نافِلَةٌ، لا يَنْعَقِدُ صَوْمُه لا فَرْضاً ولا نَفْلاً حتى لو جاءَ رمضانُ لا يُعْتَبَرُ له منه، وعليه قَضاؤُه لعَدَمِ الجَزْمِ بالنيَّةِ.
والحَجُّ لو نَوَاهُ لَزِمَه، ولَزِمَهُ المُضِيُّ فيه، ولا يَمْلِكُ الخروجَ منه باختيارِه.
وهكذا المُعَامَلاتُ في جميعِ العُقودِ مَبْنَاهَا على الجَزْمِ حتى في المَزْحِ واللَّعِبِ يُؤَاخَذُ في البعْضِ كالنِّكاحِ والطلاقِ والعِتَاقِ.
فمِن هذا كلِّه كانَتْ دَوَافِعُ العزيمةِ مُسْتَقَاةً مِن التكاليفِ مِمَّا يَقْضِي على نوازِعِ الشكِّ والترَدُّدِ، ولم يَبْقَ في قلْبِ المؤمنِ مَجالٌ لشَكٍّ ولا مَحَلٌّ لوَسْوَسَةٍ.
وقد كانَ الشيطانُ يَفِرُّ مِن طريقِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
أمَّا الذي كُنْتُ سَمِعْتُه مِن الشيخِ -رحمةُ اللَّهِ تعالى عَلَيْنَا وعليه- فقولُه: لقد عَلَّمَنَا اللَّهُ كَيفيَّةَ اتِّقاءِ العَدُوِّ مِن الإِنْسِ ومِن الجِنِّ.
أمَّا العَدُوُّ مِن الإنْسِ ففي قَوْلِه تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} [فصلت: 34]؛ فدَلَّ على أنَّ مُقَابَلَةَ إساءةِ العَدُوِّ بالإحسانِ إليه تُذْهِبُ عَداوتَه وتُكْسِبُ صَداقتَه؛ كما قالَ تعالى: {ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السيِّئَةَ} [المؤمنون: 96].
وأمَّا عَدُوُّ الجِنِّ ففي قَوْلِه تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (36)} [فصلت: 36] وهو ما يَدُلُّ عليه ما تَقَدَّمَ مِن الآثارِ مِن أنَّ الشيطانَ يَخْنُسُ إذا سَمِعَ ذِكْرَ اللَّهِ.
وعلى قولِه رَحِمَه اللَّهُ فإنَّ شَيطانَ الجِنِّ يَنْدَفِعُ بالاستعاذةِ منه باللَّهِ، ويَكْفِيهِ ذلك؛ لأنَّ كَيْدَ الشيطانِ كانَ ضَعِيفاً، أمَّا شَيطانُ الإنْسِ فهو في حاجَةٍ إلى مُصَانَعَةٍ ومُدافَعَةٍ والصبرِ عليه، كما يُرْشِدُ إليه قَوْلُهُ تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت: 35] رَزَقَنَا اللَّهُ تعالَى وجميعَ المُسْلِمِينَ حَظًّا عظيماً في الدنيا والآخِرَةِ إنه المسؤولُ وخيرُ مأمولٍ). [تتمة أضواء البيان: 9/69-70]

حديث منكر
قالَ سُليمانُ بنُ أَحمدَ بنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ (ت:360هـ): (حدثنا عبدان بن أحمد ثنا سعيد بن أبي الربيع السمان ثنا سعيد بن عنبسة القطان ثنا المهاجر بن المنيب عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أشكو إليك وسوسة أجدها في صدري إني أدخل صلاتي فما أدري على شفع أنفتل أم على وتر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَإِذَا وَجَدتَ ذَلِكَ فَارفَعْ إِصبعَكَ السَّبَّابَةَ اليُمْنَى فَاطْعَنْهُ فِي فَخِذِكَ اليُسْرَى وَقُلْ: باسمِ اللهِ فَإنَّهَا سِكِّينُ الشَّيطَانِ))).[المعجم الكبير: 1/159-160، رقم:512 ]
- قال محمد ناصر الدين الألباني (ت:1420هـ): (منكر، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/159 - 160)، والعقيلي في "الضعفاء" (4/209)، والدولابي في "الكنى" (2/130) من طريق عنبسة بن سعيد: ثَنَا المُهَاجِرُ بن المُنِيبِ عَنْ أبي المَلِيحِ بن أُسَامَةَ عَنْ أبيهِ: أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ وَسْوَسَةً أَجِدُهَا فِي صَدْرِي، إِنِّي أَدْخُلُ فِي صَلاتِي، فَمَا أَدْرِي عَلَى شَفْعٍ أنْفَتِلُ أَمْ عَلَى وِتْرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:...فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مجهول، أورده العقيلي في ترجمة مهاجر بن المنيب، وقال: (مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به)، وأقره الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث. وقال في "المغني": (لا يعرف، وخبره منكر).
وعنبسة بن سعيد هو القطان صرحت بذلك رواية الطبراني، وهو ضعيف اتفاقاً، وبعضهم تركه.
وتابعه أبو سعيد عن مهاجر أبي المنيب... به مع بعض اختصار، أخرجه البزار في "مسنده: (1/279/580 - كشف الأستار) وقال: (لا نعلمه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه، وأبو سعيد - وهو الحسن بن دينار -ومهاجر أبو منيب بصري، وليسا بالقويين في الحديث).
قلت: لقد لطَّف القولَ في الحسن بن دينار، فحاله شر مما قال، فقد تركه وكيع وابن المبارك، وكذبه أحمد ويحيى وغيرهما كما تقدم تحت الحديث (6424)، ثم إنه قد خفي عليه أنه تابعه عنبسة القطان كما رأيت.
(تنبيه ): هناك بعض الأخطاء وقعت في بعض مصادر الحديث المذكورة:
أولاً: انقلب في "معجم الطبراني" اسم (عنبسة بن سعيد) إلى (سعيد بن عنبسة) ! فلا أدري أهكذا الرواية فيه فهو خطأ من أحد الرواة، أو هو خطأ مطبعي؟
ثانياً: زاد محققه الأخ حمدي أداة الكنية بين (المهاجر) و(المنيب) فصار هكذا (المهاجر بن [ أبي ] المنيب). وهذه الزيادة خطأ، لأن (أبو منيب) هي كنية المهاجر، كما في كتب الرجال، وكما تقدم في تعقيب البزار على الحديث، فليست هي كنية أبيه.
ثالثاً: سقط من إسناد "كنى الدولابي" قوله: "عن أبي المليح بن أسامة"، وبقيت فيه نسبة (الهذلي) الدالة عليه فصار هكذا:"عن مهاجر أبي المنيب الهذلي عن أبيه " !). [السلسلة الضعيفة:6432]


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:26 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

وجوب دوام الاستعاذة والحذر من كيد الشيطان

قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (فإِذا أَرَادَ الحقُّ إِعَانَةَ عَبْدٍ حَمَلَهُ على الاستعانةِ بالاستعاذةِ، فَيَسَّرَ عَلَيْهِ صِدْقَ التَّوَكُّلِ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ عَابداً صَادِقاً في العُبُودِيَّةِ، فيكونُ إِلَهُهُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بهِ، وَبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطِشُ بها، وَرِجْلَهُ التي يَمْشِي بها.
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى تَقْرِيباً ازْدَادَ لهُ عبادةً حتَّى يَنْفَكَّ مِنْ مَكْرِ الشيطانِ بالموتِ، كما قَالَ تعالى لأقربِ خَلْقِهِ إِليهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ (99)} [الحجر: 99].
وَمَن نَقَصَ مِنَ الأعمالِ شَيْئاً اعْتِمَاداً على أَنَّهُ وَصَلَ، فقدْ تَزَنْدَقَ، وَكانَ مَثَلُهُ مَثَلَ شَخْصٍ في بيتٍ مُظْلِمٍ أَسْرَجَ فيهِ سِرَاجاً فَأَضَاءَ، فَقَالَ: ما أَوْقَدْتُ السِّرَاجَ إِلاَّ لِيُضِيءَ البيتَ، فَقَدْ أَضَاءَ، فلا حَاجَةَ لي الآنَ إِلى السِّرَاجِ
فَأَطْفَأَهُ، فَعَادَ الظلامُ كما كانَ). [نظم الدرر: 8/618]


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:28 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الاستعاذة تكون بالقول والقصد والعمل


قالَ مُحَمَّد جَمَال الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ):(السادسةُ: قالَ الإمامُ الغزاليُّ في الإحياءِ في بيانِ تَفصيلِ ما يَنبغِي أنْ يَحْضُرَ في القلبِ عندَ كلِّ رُكْنٍ وشَرْطٍ مِنْ أعمالِ الصلاةِ ما مثالُهُ: وإذا قُلْتَ: أَعُوذُ باللَّهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ، فاعْلَمْ أنَّهُ عَدُوُّكَ ومُتَرَصِّدٌ لصَرْفِ قلْبكَ عن اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؛ حسَداً لكَ على مُناجاتِكَ معَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وسُجُودِكَ لهُ معَ أنَّهُ لُعِنَ بسَبَبِ سَجدةٍ واحدةٍ تَرَكَها ولم يُوَفَّقْ لها.
وإنَّ اسْتِعَاذَتَكَ باللَّهِ سبحانَهُ منهُ بتَرْكِ ما يُحِبُّهُ وتبديلِهِ بما يُحِبُّ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ، لا بمُجَرَّدِ قَوْلِكَ؛ فإنَّ مَنْ قَصَدَهُ سَبُعٌ أوْ عَدُوٌّ ليَفْتَرِسَهُ أوْ لِيَقْتُلَهُ فقالَ: أَعُوذُ منكَ بهذا الحِصْنِ الحَصينِ، وهوَ ثابتٌ على مَكانِهِ ذلكَ لا يَنْفَعُهُ، بلْ لا يُفيدُهُ إلاَّ بتبديلِ المكانِ؛ فكذلكَ مَنْ يَتَّبعُ الشهواتِ التي هيَ مَحَابُّ الشيطانِ ومَكارِهُ الرحمنِ، فلا يُغْنِيهِ مُجَرَّدُ القولِ، فلْيَقْتَرِنْ قولُهُ بالعزْمِ على التعَوُّذِ بحِصْنِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ عنْ شَرِّ الشيطانِ. وحِصْنُهُ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ؛ إذْ قالَ عزَّ وجلَّ فيما أَخْبَرَ عنهُ نَبيُّنا صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ حِصْنِي، فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَأبي))، والمُتَحَصِّنُ بهِ مَنْ لا مَعْبُودَ لهُ سِوَى اللَّهِ سُبحانَهُ، فأمَّا مَن اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ، فهوَ في مَيدانِ الشيطانِ لا في حِصْنِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ، انْتَهَى.
ومُلَخَّصُهُ أنَّ التَّعُوُّذَ ليسَ هوَ مُجَرَّدَ القولِ، بل القَوْلُ عِبارةٌ عمَّا كانَ لِلْمُتَعَوِّذِ مِن ابتعادِهِ بالفعْلِ عمَّا يَتَعَوَّذُ منهُ، فكانَ تَرجمةً لِحَالِهم.
وهذا المعنى كانَ يَلُوحُ لي مِنْ قَبْلِ أنْ أَرَاهُ في كلامِ حُجَّةِ الإسلامِ، حتَّى رَأَيْتُهُ فحَمِدْتُ اللَّهَ على المُوَافَقَةِ). [محاسن التأويل: 9/ 581-582]




رد مع اقتباس
  #21  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:29 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ما يعتصم به العبد من الشيطان


قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (ونَخْتِمُ الكلامَ على السورتين بذِكْرِ قاعدةٍ نافعةٍ فيما يَعْتَصِمُ به العَبْدُ من الشيطانِ، ويَسْتَدْفِعُ به شَرَّهُ ويَحْتَرِزُ به منه.
وذلك عشرةُ أسبابٍ:
أحدُها: الاستعاذةُ باللهِ من الشيطانِ، قالَ تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (36)}[فصلت:36] وفي مَوْضِعٍ آخَرَ: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}[الأعراف:200].
وقد تَقَدَّمَ أنَّ السمْعَ المرادُ به ههنا سَمْعُ الإباحةِ، لا مُجَرَّدُ السمْعِ العامِّ، وتَأَمَّلْ سِرَّ القرآنِ كيفَ أَكَّدَ الوَصْفَ بالسميعِ العليمِ بذِكْرِ صيغةِ (هو) الدالِّ على تأكيدِ النِّسبةِ واختصاصِها، وعَرَّفَ الوَصْفَ بالألِفِ واللامِ في سورةِ (حم) لاقتضاءِ المَقامِ لهذا التأكيدِ، وتَرَكَهُ في سورةِ الأعرافِ لاستغناءِ المَقامِ عنه؛ فإنَّ الأمْرَ بالاستعاذةِ في سورةِ (حم) وَقَعَ بعدَ الأمْرِ بأشَقِّ الأشياءِ على النفْسِ، وهو مُقابَلَةُ إساءةِ المسيءِ بالإحسانِ إليه، وهذا أمْرٌ لا يَقدِرُ عليه إلا الصابرونَ، ولا يُلَقَّاهُ إلا ذو حظٍّ عظيمٍ، كما قالَ اللهُ تعالى.
والشيطانُ لا يَدَعُ العبْدَ يَفعَلُ هذا، بل يُرِيه أنَّ هذا ذُلٌّ وعَجْزٌ ويُسَلِّطُ عليه عَدُوَّه فيَدْعُوه إلى الانتقامِ ويُزَيِّنُه له، فإنْ عَجَزَ عنه دَعاهُ إلى الإعراضِ عنه، وأن لا يُسيءَ إليه ولا يُحْسِنَ فلا يُؤْثِرُ الإحسانَ إلى المُسيءِ إلا مَن خالَفه، وآثَرَ اللهَ وما عندَه على حَظِّه العاجِلِ، فكان المَقامُ مَقامَ تأكيدٍ وتَحريضٍ فقالَ فيه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (36)}[فصلت:36].
وأمَّا في سورةِ الأعرافِ فإنه أَمَرَه أن يُعْرِضَ عن الجاهلينَ، وليس فيها الأمْرُ بمُقابَلَةِ إساءتِهم بالإحسانِ بل بالإعراضِ، وهذا سَهْلٌ على النفوسِ غيرُ مُسْتَعْصٍ عليها، فليس حِرْصُ الشيطانِ وسَعْيُه في دَفْعِ هذا كحِرْصِه على دَفْعِ المُقَابَلَةِ بالإحسانِ، فقالَ: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}[الأعراف:200].
وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُ الفَرْقِ بينَ هذين الموضعينِ وبينَ قولِه في (حم المؤمن): {فَاسْتَعِذْ باللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (56)}[غافر:56] وفي صحيحِ البخاريِّ، عن عَدِيِّ بنِ ثابتٍ، عن سليمانَ بنِ صُرَدٍ قالَ: كنتُ جالسًا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَجلان يَسْتَبَّانِ، فأحدُهما احْمَرَّ وجْهُه وانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُه، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ)).

الحِرْزُ الثاني: قراءةُ هاتينِ السورتينِ فإنَّ لهما تأثيرًا عَجِيبًا في الاستعاذةِ باللهِ من شَرِّه ودَفْعِه والتحصُّنِ منه.
ولهذا قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَعَوَّذَ المُتَعَوِّذُونَ بمِثْلِهِمَا)) وقد تَقَدَّمَ أنه كان يَتَعَوَّذُ بهما كلَّ ليلةٍ عندَ النومِ، وأَمَرَ عُقبةَ أن يَقرأَ بهما دُبُرَ كلِّ صلاةٍ، وتَقَدَّمَ قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مَنْ قَرَأَهُمَا مَعَ سُورَةِ الإِخْلاصِ ثَلاثًا حِينَ يُمْسِي وَثَلاثًا حِينَ يُصْبحُ كَفَتْهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)).

الحِرْزُ الثالثُ: قراءةُ آيةِ الكُرْسِيِّ، ففي الصحيحِ من حديثِ مُحَمَّدِ بنِ سيرينِ، عن أبي هُريرةَ قالَ: وَكَّلَنِي رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفْظِ زكاةِ رَمضانَ، فأتى آتٍ فجَعَلَ يَحْثُو من الطعامِ، فأَخَذْتُه فقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذَكَرَ الحديثَ فقالَ: (إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ولا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ).
فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ الشَّيْطَانُ)) وسنَذْكُرُ إن شاءَ اللهُ تعالى السرَّ الذي لأجْلِه كان لهذه الآيةِ العظيمةِ هذا التأثيرُ العظيمُ في التَّحَرُّزِ من الشيطانِ، واعتصامِ قارِئِها بها، في كلامٍ مُفْرَدٍ عليها وعلى أسرارِها وَكُنوزِها بعَوْنِ اللهِ وتأييدِه.

الحِرْزُ الرابعُ: قراءةُ سورةِ البقرةِ، ففي الصحيحِ من حديثِ سَهْلٍ، عن عبدِ اللهِ، عن أبي هُريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَإنَّ البَيْتَ الذي تُقْرَأُ فِيهِ البَقَرَةُ لا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ)).

الحِرْزُ الخامسُ: قِراءةُ خاتِمَةِ سورةِ البقرةِ، فقد ثَبَتَ في الصحيحِ من حديثِ أبي موسى الأنصاريِّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)) وفي التِّرمذيِّ، عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ بأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مَنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بهِمَا سُورَةَ البَقَرَةِ فَلا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبَهَا شَيْطَانٌ)).

الحِرْزُ السادسُ: أوَّلُ سورةِ حم المؤمِنِ إلى قولِه: {إِلَيْهِ المَصِيرُ (3)}[غافر:3] مع آيةِ الكُرْسِيِّ، في التِّرمذيِّ من حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرٍ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عن زُرارةَ بنِ مُصْعَبٍ، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ حم المؤمِنَ إلى {إِلَيْهِ المَصِيرُ}وآيةَ الكُرْسِيِّ، حينَ يُصبحُ حُفِظَ بهما حتى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بهِمَا حَتَّى يُصْبحَ)) وعبدُ الرحمنِ المُلَيْكِيُّ، وإن كان قد تُكُلِّمَ فيه من قِبَلِ حِفْظِه فالحديثُ له شَواهدُ في قراءةِ آيةِ الكرسيِّ، وهو مُحْتَمِلٌ على غَرابتِه.

الحِرْزُ السابعُ: لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَه لا شَريكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ مائةَ مرَّةٍ.
ففي الصحيحينِ من حديثِ سُمَيٍّ مولَى أبي بَكْرٍ، عن أبي صالِحٍ، عن أبي هُريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَن قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مِائةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ)) فهذا حِرْزٌ عظيمُ النفْعِ جليلُ الفائدةِ يَسيرٌ سَهْلٌ على مَن يَسَّرَه اللهُ عليه.

الحرْزُ الثامِنُ: وهو من أَنْفَعِ الحُروزِ من الشيطانِ كثرةُ ذكْرِ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - ففي التِّرْمِذِيِّ من حديثِ الحارِثِ الأشعريِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ ((إِنَّ اللهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بخَمْسِ كَلِماتٍ أن يَعْمَلَ بها ويَأْمُرَ بني إسرائيلَ أن يَعْمَلوا بها، وإنه كاد أن يُبْطِئَ بها؛ فقالَ عِيسى: إنَّ اللهَ أَمَرَك بخَمْسِ كلماتِ لتَعْمَلَ بها وتَأْمُرَ بني إسرائيلَ أن يَعْمَلوا بها فإِمَّا أن تَأْمُرَهُم وإِمَّا أن آمُرَهُم.
فقالَ يَحْيَى: أَخْشَى إن سَبَقْتَنِي بها أن يُخْسَفَ بي أو أُعَذَّبَ، فجَمَعَ الناسَ في بيتِ المَقدِسِ فامْتَلأَ وقَعَدوا على الشُّرَفِ فقالَ: إنَّ اللهَ أَمَرَني بخَمْسِ كلماتٍ أن أَعْمَلَ بهِنَّ وآمُرَكُم أن تَعملوا بهِنَّ:
أَوَّلُهُنَّ: أن تَعْبُدوا اللهَ ولا تُشْرِكوا به شيئًا، وأنَّ مَثَلَ مَن أَشْرَكَ باللهِ كمَثَلِ رجلٍ اشترى عَبْدًا من خالِصِ مالِه بذَهَبٍ أو وَرِقٍ فقالَ: هذه داري وهذا عَمَلِي، فاعْمَلْ وأَدِّ إليَّ؛ فكان يَعملُ ويُؤَدِّي إلى غيرِ سيِّدِه، فأَيُّكُمْ يَرْضَى أنْ يَكونَ عَبْدُه كذلك،

-وأنَّ اللهَ أَمَرَكم بالصلاةِ؛ فإذا صَلَّيْتُم فلا تَلْتَفِتوا؛ فإنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَه لوجْهِ عَبْدِه في صلاتِه ما لم يَلْتَفِتْ.
-وأَمَرَكُم بالصيامِ؛ فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رجُلٍ في عِصابةٍ معه صُرَّةٌ فيها مِسكٌ، فكُلُّهم يُعْجَبُ أو يُعْجِبُه رِيحُها، وإنَّ ريحَ الصائمِ أَطْيَبُ عندَ اللهِ من ريحِ المِسكِ.
-وأَمَرَكم بالصَّدَقَةِ؛ فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رجُلٍ أَسَرَه العدوُّ فأَوْثَقُوا يَدَه إلى عُنُقِه وقَدَّمُوه ليَضْرِبوا عُنُقَه، فقالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُم بالقليلِ والكثيرِ فَفَدَى نفسَه منهم.
-وأَمَرَكُم أن تَذْكُروا اللهَ؛ فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العدُوُّ في أَثَرِه سِراعًا حتى أَتَى على حِصْنٍ حَصينٍ فأَحْرَزَ نفسَه منه، كذلك العَبْدُ لا يُحْرِزُ نفسَه من الشيطانِ إلا بذِكْرِ اللهِ)).
قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَأَنَا آمُرُكُمْ بخَمْسٍ، اللهُ أَمَرَنِي بهِنَّ: السَّمْعُ، والطاعةُ، والجِهادُ، والهِجرةُ، والجَماعةُ، فإنَّ مَن فَارَقَ الجَماعةَ قِيدَ شِبْرٍ فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ من عُنُقِه إلا أنْ يُرَاجِعَ، ومَن ادَّعَى دَعْوَى الجاهليَّةِ فإنه من جثَاءِ جَهَنَّمَ)).
فقالَ رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، وإن صَلَّى وصَامَ، قالَ: ((وإِنْ صَلَّى وصَامَ، فادْعُوا بدَعْوَى اللهِ الذي سَمَّاكُمُ المسلمينَ المؤمنينَ عِبَادَ اللهِ)) قالَ التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسَنٌ غريبٌ صحيحٌ. وقالَ البخاريُّ: الحارثُ الأشعريُّ له صُحْبَةٌ، وله غيرُ هذا الحديثِ.
فقد أَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ أنَّ العبْدَ لا يُحْرِزُ نفسَه من الشيطانِ إلا بذِكْرِ اللهِ، وهذا بعينِه هو الذي دَلَّتْ عليه سورةُ: قُلْ أَعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، فإنه وَصَفَ الشيطانَ فيها بأنه الخَنَّاسُ، والخَنَّاسُ الذي إذا ذَكَرَ العبْدُ اللهَ انْخَنَسَ، وتَجَمَّعَ وانْقَبَضَ، وإذا غَفَلَ عن ذِكْرِ اللهِ التَقَمَ القلْبَ وأَلْقَى إليه الوَساوِسَ التي هي مَبادئُ الشرِّ كلِّه، فما أَحْرَزَ العبْدُ نَفْسَه من الشيطانِ بمِثْلِ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
الحِرْزُ التاسعُ: الوُضوءُ والصلاةُ، وهذا من أَعْظَمِ ما يُتَحَرَّزُ به منه، ولا سيَّما عندَ تَوَارُدِ قُوَّةِ الغضَبِ والشهوةِ، فإنها نارٌ تَغْلِي في قلْبِ ابنِ آدَمَ، كما في التِّرْمِذِيِّ من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: ((أَلا وَإِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ بشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بالأَرْضِ)).
وفي أَثَرٍ آخَرَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ نَارٍ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بالمَاءِ)) فما أَطفأَ العبْدُ جَمرةَ الغضَبِ والشهوةِ بمِثلِ الوُضوءِ والصلاةِ، فإنها نارٌ والوُضوءُ يُطفِئُها، والصلاةُ إذا وَقَعَتْ بخشوعِها والإقبالِ فيها على اللهِ أَذْهَبَتْ أَثَرَ ذلك كلِّه، وهذا أَمْرٌ تَجْرِبَتُه تُغْنِي عن إقامةِ الدليلِ عليه.
الحِرْزُ العاشِرُ: إمساكُ فضولِ النظَرِ والكلامِ والطعامِ ومُخالَطَةِ الناسِ، فإنَّ الشيطانَ إنما يَتَسَلَّطُ على ابنِ آدمَ، ويَنالُ منه غَرَضَه من هذه الأبوابِ الأربعةِ، فإنَّ فُضولَ النظَرِ يَدعو إلى الاستحسانِ ووقوعِ صورةِ المَنظورِ إليه في القلْبِ والاشتغالِ به والفِكرةِ في الظَّفَرِ به، فمَبدأُ الفِتنةِ من فُضولِ النظَرِ، كما في المُسْنَدِ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: ((النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ للهِ أَوْرَثَهُ اللهُ حَلاوَةً يَجِدُهَا فِي قَلْبهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)) أو كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فالحوادثُ العِظامُ إنما كلُّها من فُضولِ النظَرِ، فكم نَظرةٍ أَعْقَبَتْ حَسَراتٍ لا حَسرةً، كما قالَ الشاعرُ:

كلُّ الحوادثِ مَبْدَاها من النظَرِ.....ومُعْظَمُ النارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كم نَظرةٍ فتَكَتْ في قلْبِ صاحبها
.....فتْكَ السهامِ بلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ


وقالَ الآخَرُ:

وكنتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَك رائدًا.....لقَلْبكَ يومًا أَتْعَبَتْك المناظِرُ
رأيتَ الذي لا كُلُّه أنت قادِرُ.....عليه ولا عن بعضِه أنت صابرُ

وقالَ المتنَبِّي:

وأنا الذي جَلَبَ المَنِيَّةَ طَرْفُه.....فَمَنِ المَطالَبُ والقتيلُ القاتلُ

ولي في أبياتٍ:



يا راميًا بسهامِ اللحْظِ مُجْتَهِدًا.....أنت القتيلُ بما تَرْمِي فلا تُصِبِ
وباعِثَ الطرْفِ يَرتادُ الشفاءَ له.....تَوَقَّهُ إنه يَرْتَدُّ بالعَطَبِ
تَرجُو الشفاءَ بأحداقٍ بها مَرَضٌ.....فهل سَمِعْتَ ببُرْءٍ جاءَ من عَطَبِ
ومُفْنِيًا نفسَه في إِثرِ أَقْبَحِهم.....وصْفًا لِلَطْخِ جمالٍ فيه مُسْتَلَبِ
وواهبًا عُمْرَه في مِثلِ ذا سَفَهًا.....لو كنتَ تَعْرِفُ قدْرَ العُمْرِ لم تَهَبِ
وبائعًا طِيبَ عيْشٍ ماله خَطَرٌ.....بطَيْفِ عيشٍ من الآلامِ مُنْتَهَبِ
غُبنْتَ واللهِ غَبْنًا فاحشًا فلو اسـ.....تَرْجَعْتَ ذا العَقْدَ لم تُغْبَنْ ولم تَخِبِ
ووَارِدًا صَفْوَ عيشٍ كلُّه كَدَرٌ.....أمامَك الوردُ صَفْوًا ليس بالكَذِبِ
وحاطِبُ الليلِ في الظلماءِ مُنْتَصِبًا.....لكلِّ داهيةٍ تَدْنُ من العَطَبِ
شابَ الصِّبَا والتصابي بعدُ لم يَشِبِ.....وضاعَ وَقْتُك بينَ اللهوِ واللعبِ
وشَمْسُ عُمْرِكَ قد حانَ الغروبُ لها.....والضَيُّ في الأفُقِ الشرقيِّ لم يَغِبِ
وفازَ بالوَصْلِ مَن قد فازَ وانْقَشَعَتْ.....عن أُفْقِه ظُلماتُ الليلِ والسُّحُبِ
كم ذا التخلُّفِ والدنيا قَدِ ارْتَحَلَتْ.....ورُسْلُ ربِّك قد وافَتْكَ في الطلَبِ
ما في الديارِ وقد سارتْ ركائِبُ مَن.....تَهواهُ للصَّبِّ من سُكْنَى ولا أَرَبِ
فأَفْرِشِ الخَدَّ ذَيَّاك الترابَ وقُلْ.....ما قالَه صاحبُ الأشواقِ في الحُقَبِ
ما رَبْعُ مَيَّةَ مَحفوفًا يَطُوفُ به.....غَيلانُ أَشْهى له من رَبعِكَ الخَرِبِ
ولا الخدودُ إذا أُدْمِينَ من ضَرَجٍ.....أَشْهَى إلى نَاظِرِي من خَدِّكَ التَّرِبِ
منازِلاً كان يَهواها ويَأْلَفُها.....أيَّامَ كان منالُ الوَصْلِ عن كَثَبِ
فكُلَّمَا جُلِيَتْ تلك الرُّبوعُ له.....يَهْوِي إليها هَوِيَّ الماءِ في صَبَبِ
أَحْيَا له الشوقُ تَذكارَ العُهودِ بها.....فلو دعا القلْبُ للسُّلوانِ لم يُجَبِ
هذا وكَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يأْلَفُه.....وما له في سواها الدَّهْرَ من رَغَبِ
ما في الخِيامِ أخو وَجْدٍ يُريحُك إن.....بَثَثْتَه بعضَ شأنِ الحبِّ فاغْتَرِبِ
وأَسْرِ في غَمَرَاتِ الليلِ مُهْتَديًا.....بنفحَةِ الطِّيبِ لا بالنارِ والحطَبِ
وعادِ كلَّ أَخِي جُبْنٍ ومُعْجِزَةٍ.....وحارِبِ النفْسَ لا تُلقيكَ في الحَرَبِ
وخُذْ لنفسِكَ نورًا تَستضِيءُ به.....يومَ اقتسامِ الوَرَى الأنوارَ بالرُّتَبِ
فالجِسْرُ ذو ظُلماتٍ ليس يَقْطَعُه.....إلا بنورٍ يُنْجِي العبْدَ في الكُرَبِ


والمقصودُ أنَّ فُضولَ النظَرِ أصلُ البلاءِ.
وأمَّا فُضولُ الكلامِ فإنها تَفْتَحُ للعبْدِ أبوابًا من الشرِّ، كلُّها مَداخِلُ للشيطانِ، فإمساكُ فُضولِ الكلامِ يَسُدُّ عنه تلك الأبوابَ كلَّها، وكم من حَرْبٍ جَرَّتْها كلِمَةٌ واحدةٌ، وقد قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعاذٍ: ((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ في النَّارِ إلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)). وفي التِّرمذيِّ أنَّ رجلاً من الأنصارِ تُوُفِّيَ فقالَ بعضُ الصحابةِ: طُوبَى له. فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَمَا يُدْرِيكَ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بَمَا لا يَعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بمَا لا يَنْقُصُه)).
وأكثرُ المعاصي إنما تَوَلُّدُها من فُضولِ الكلامِ والنظَرِ، وهما أَوْسَعُ مَداخِلِ الشيطانِ؛ فإنَّ جَارِحَتَيْهِما لا يَمَلَّانِ ولا يَسْأَمَانِ، بخلافِ شَهوةِ البطْنِ فإنه إذا امْتَلأَ لم يَبْقَ فيه إرادةٌ للطعَامِ، وأمَّا العينُ واللسانُ فلو تُرِكَا لم يَفْتُرَا من النظَرِ والكلامِ فجِنَايَتُهما مُتَّسِعَةُ الأطرافِ كثيرةُ الشُّعَبِ عَظيمةُ الآفاتِ، وكان السلَفُ يُحَذِّرُونَ من فُضولِ النظَرِ كما يُحَذِّرونَ من فُضولِ الكلامِ، وكانوا يَقولون: ما شيءٌ أَحْوَجَ إلى طولِ السجْنِ من اللسانِ.
وأمَّا فُضولُ الطعامِ فهو داعٍ إلى أنواعٍ كثيرةٍ من الشرِّ فإنه يُحَرِّكُ الجَوارحَ إلى المَعاصي، ويُثْقِلُها عن الطاعاتِ، وحَسْبُك بهذين شَرًّا، فكم من معصيةٍ جَلَبَها الشِّبَعُ وفضولُ الطعامِ وكم من طاعةٍ حالَ دونَها، فمن وُقِيَ شرَّ بَطْنِه فقد وُقِيَ شرًّا عظيمًا، والشيطانُ أَعْظَمُ ما يَتَحَكَّمُ من الإنسانِ إذا مَلأَ بطْنَه من الطعامِ.
ولهذا جاءَ في بعضِ الآثارِ: ضَيِّقُوا مَجارِيَ الشيطانِ بالصوْمِ. وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ)) ولو لم يكنْ في الامتلاءِ من الطعامِ إلا أنه يَدْعُو إلى الغَفْلَةِ عن ذِكْرِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وإذا غَفَلَ القلْبُ عن الذكْرِ ساعةً واحدةً جَثَمَ عليه الشيطانُ ووَعَدَه ومَنَّاهُ وشَهَّاهُ وهَامَ به في كلِّ وادٍ؛ فإنَّ النفْسَ إذا شَبعَتْ تَحَرَّكَتْ وجالَتْ وطَافَتْ على أبوابِ الشهواتِ، وإذا جاعَتْ سَكَنَتْ وخَشَعَتْ وذَلَّتْ.
وأمَّا فُضولُ المُخالَطَةِ فهي الداءُ العُضالُ الجالِبُ لكلِّ شرٍّ، وكم سَلَبَت المُخالَطَةُ والمعاشَرَةُ من نِعمةٍ، وكم زَرَعَتْ عن عَداوةٍ، وكم غَرَسَتْ في القلْبِ من حَزَازَاتٍ تَزولُ الجبالُ الراسياتُ، وهي في القلوبِ لا تَزولُ، فُضولُ المخالطَةِ فيه خَسارةُ الدنيا والآخرةِ، وإنما يَنبغِي للعَبْدِ أن يَأْخُذَ من المخالَطَةِ بمِقدارِ الحاجةِ.
ويَجعلَ الناسَ فيها أربعةَ أقسامٍ متى خَلَطَ أحدَ الأقسامِ بالآخَرِ ولم يُمَيِّزْ بينَهما دَخَلَ عليه الشرُّ.
أحدُها: مَن مُخالَطَتُه كالغذاءِ لا يَسْتَغْني عنه في اليومِ والليلةِ، فإذا أَخَذَ حاجَتَه منه تَرَكَ الخُلطةَ، ثم إذا احتاجَ إليه خالَطَه، هكذا على الدوامِ، وهذا الضَّرْبُ أعَزُّ من الكِبريتِ الأحمَرِ، وهم العُلماءُ باللهِ وأَمْرِه ومَكايِدِ عَدُوِّه وأمراضِ القلوبِ وأَدْوِيَتِها، الناصحونَ للهِ ولكتابه ولرسولِه ولِخَلقِه، فهذا الضرْبُ في مُخالَطَتِهم الربْحُ كلُّه.
القِسمُ الثاني: مَن مُخالَطَتُه كالدواءِ يُحتاجُ إليه عندَ المَرضِ فما دُمْتَ صحيحًا فلا حاجةَ لك في خُلطتِه، وهم مَن لا يُسْتَغْنَى عن مُخالطَتِهم في مَصلحَةِ المعاشِ وقِيامِ ما أنت مُحتاجٌ إليه من أنواعِ المُعاملاتِ والمُشارَكاتِ، والاستشارةِ والعِلاجِ للأدواءِ ونحوَها، فإذا قَضَيْتَ حاجَتَكَ من مُخالَطَةِ هذا الضرْبِ بقِيَتْ مُخالطتُهم من:
القِسمِ الثالثِ: وهم مَن مَخالَطَتُه كالداءِ على اختلافِ مَراتبه وأنواعِه وقوَّتِه وضَعْفِه.
فمنهم مَن مُخالطَتُه كالداءِ العُضالِ والمَرَضِ المُزمِنِ، وهو مَن لا تَرْبَحُ عليه في دِينٍ ولا دنيا، ومع ذلك فلا بدَّ من أن تَخْسَرَ عليه الدينَ والدنيا، أو أحدَهما فهذا إذا تَمَكَّنَتْ مُخالَطَتُه واتَّصَلَتْ فهي مَرَضُ الموتِ المَخوفُ.
ومنهم مَن مُخالطتُه كوَجَعِ الضِّرْسِ يَشْتَدُّ ضَربًا عليك فإذا فارَقَكَ سكَنَ الألَمُ.
ومِنهم مَن مُخالَطَتُه حُمَّى الروحِ وهو الثقيلُ البَغيضُ العَقْلِ الذي لا يُحْسِنُ أن يَتكلَّمَ فيُفِيدَك ولا يُحْسِنُ أن يُنْصِتَ فيَستفيدَ منك، ولا يَعرِفُ نفسَه فيَضَعَها في مَنزِلتِها، بل إنْ تَكَلَّمَ فكلامُه كالعِصِيِّ تَنْزِلُ على قلوبِ السامعينَ مع إعجابه بكَلامِه وفَرَحِه به، فهو يُحَدِّثُ من فيه، كُلَّمَا تَحَدَّثَ ويَظُنُّ أنه مِسْكٌ يَطيبُ به المجلِسُ، فإن سَكَتَ فأَثْقَلُ من نصفِ الرَّحَا العظيمةِ التي لا يُطاقُ حَمْلُها، ولا جَرُّها على الأرْضِ.
ويُذْكَرُ عن الشافعيِّ - رَحِمَه اللهُ – أنه قالَ: ما جَلَسَ إلى جانبي ثقيلٌ، إلا وَجَدْتُ الجانِبَ الذي هو فيه أَنْزَلَ من الجانِبِ الآخَرِ.
ورأيْتُ يومًا عندَ شَيخِنا -قَدَّسَ اللهُ رُوحَه- رَجُلاً من هذا الضرْبِ، والشيخُ يَحملُه، وقد ضَعُفَت القُوَى عن حَمْلِه، فالتَفَتَ إليَّ، وقالَ: مُجالَسَةُ الثقيلِ حُمَّى الرِّبْعِ.
ثم قالَ: لكن قد أَدْمَنَتْ أَرواحُنا على الحُمَّى فصارَتْ لها عادةً أو كما قالَ.
وبالجُملةِ فمُخالَطَةُ كلِّ مخالِفٍ حُمّى للروحِ فعَرَضِيَّةٌ ولازِمَةٌ.
ومِن نَكَدِ الدنيا على العَبْدِ أن يُبْتَلَى بواحِدٍ من هذا الضَّرْبِ، وليس له بُدٌّ من مُعاشَرَتِه ومُخالَطَتِه فلْيُعَاشِرْه بالمعروفِ حتى يَجعَلَ اللهُ له فَرَجًا وَمَخْرَجًا.
القِسمُ الرابعُ: مَن مُخالَطَتُه الهُلْكُ كلُّه، ومُخالَطَتُه بمنزِلَةِ أَكْلِ السُّمِّ، فإن اتَّفَقَ لآكلِه تِرياقٌ، وإلا فأَحْسِنِ اللهَ فيه العزاءَ، وما أَكثَرَ هذا الضَّرْبَ في الناسِ، لا كَثَّرَهُمُ اللهُ، وهم أَهْلُ البدَع والضلالةِ الصادُّون عن سُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الداعون إلى خِلافِها، الذين يَصُدُّون عن سبيلِ اللهِ ويَبغونَها عِوَجًا، فيَجعلون البدْعَةَ سُنَّةً والسُّنَّةَ بدْعَةً، والمعروفَ مُنْكَرًا والمنكَرَ مَعروفًا:
-إن جَرَّدْتَ التوحيدَ بينَهم قالُوا: تَنَقَّصْتَ جَنابَ الأولياءِ والصالحينَ!.
-وإن جَرَّدْتَ المُتابَعَةَ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالُوا: أَهْدَرْتَ الأئمَّةَ المتبوعينَ!.
-وإنْ وَصَفْتَ اللهَ بما وَصَفَ به نفسَه، وبما وَصَفَه به رسولُه من غيرِ غُلُوٍّ ولا تَقصيرٍ قالُوا: أنت من المُشَبِّهِينَ!.
-وإنْ أَمَرْتَ بما أَمَرَ اللهُ به ورَسولُه من المعروفِ ونَهَيْتَ عمَّا نَهَى اللهُ عنه ورَسولُه من المُنْكَرِ قالُوا: أنت من المُفْتَنِين!.
-وإنِ اتَّبَعْتَ السنَّةَ وتَرَكْتَ ما خالَفَها قالُوا: أنت من أَهْلِ البدَعِ المُضِلِّينَ!.
-وإنِ انْقَطَعْتَ إلى اللهِ تعالى وخَلَّيْتَ بينَهم وبين جِيفةِ الدنيا قالُوا: أنت من المُبلِسِينَ!.
-وإن تَرَكْتَ ما أنت عليه واتَّبَعْتَ أهواءَهم فأنت عندَ اللهِ من الخاسرينَ وعندَهم من المنافقينَ!!.
فالحزْمُ كلُّ الحزْمِ التماسُ مَرضاتِ اللهِ تعالى ورسولِه بإغضابهم، وأن لا تَشتغلَ بإعتابهم ولا باستعتابهم، ولا تُبالِي بذَمِّهِم ولا بُغْضِهم، فإنه عينُ كمالِك كما قالَ:

وإذا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي من نَاقِصٍ.....فهي الشهادةُ لي بأنِّيَ فاضِلُ

وقالَ آخَرُ:

وقد زَادَنِي حُبًّا لنفسي أنني.....بَغيضٌ إلى كلِّ امرئٍ غيرِ طائلِ


فمَن كان بوَّابُ قلْبه وحارسُه من هذه المَداخلِ الأربعةِ التي هي أَصْلُ بلاءِ العالِمِ، وهي فُضولُ النظَرِ والكلامِ والطعامِ والمخالَطَةِ، واستَعْمَلَ ما ذَكَرْناه من الأسبابِ التسعَةِ التي تُحْرِزُه من الشيطانِ فقد أَخَذَ بنصيبه من التوفيقِ، وسَدَّ على نفسِه أبوابَ جَهنَّمَ، وفَتَحَ عليها أبوابَ الرحمةِ وانغَمَرَ ظاهِرُه وباطنُه، ويُوشِكُ أن يَحْمَدَ عندَ المَماتِ عاقِبَةَ هذا الدواءِ فعندَ المَماتِ يَحْمَدُ القومُ التُّقَى، وفي الصباحِ يَحْمَدُ القومُ السُّرَى.
واللهُ المُوَفِّقُ لا ربَّ غيرُه ولا إلهَ سِواهُ). [بدائع الفوائد: 2/267-276]


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:32 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

حديث النفس ووسوستها

حديث أبي هريرة: (إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت بها أنفسها...)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقد ثَبَتَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بهِ)). روَاهُ أبو هُرَيْرَةَ، أخْرَجَهُ مسلمٌ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/264]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الحديث متفق عليه، وفي رواية في صحيح البخاري: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بهِ أَوْ تَكَلَّمْ)) وهذا اللفظ رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم.
وفي لفظ آخر في صحيح البخاري: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ)).
وهذا اللفظ رواه الشافعي والحميدي وأحمد والنسائي وغيرهم).
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ –عَزَّ وَجَلَّ- تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بهِ)) ). [اللباب: 20/580]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وَقِيلَ: معنى مِن شرِّ الوسواسِ الوسوسةُ التي تكونُ منَ الجِنَّةِ والنَّاسِ، وهوَ حديثُ النَّفْسِ قَالَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بهِ)) ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 616]

حديث: (اللهم اعمر قلبي من وساوس ذكرك...)
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي دَاوُدَ فِي كِتَابِ (ذَمِّ الوَسْوَسَةِ) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبي طَلْحَةَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ اعْمُرْ قَلْبي مِنْ وَسَاوِسِ ذِكْرِكَ، وَاطْرُدْ عَنِّي وَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ)) ). [الدر المنثور: 15/807]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وجدت إسناده في كتاب آكام المرجان للشبلي نقلاً عن ابن أبي داوود قال: (حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد حدثنا أبو داود حدثنا فرج عن معاوية بن أبي طلحة...) فذكره.
وأبو داوود هو الطيالسي، وفرج هو ابن فضالة التنوخي ضعيف الحديث قال عنه البخاري: منكر الحديث، وهو من طبقة تبع الأتباع، وأما معاوية بن أبي طلحة فقد بحثت عن ترجمته فلم أجد أحداً بهذا الاسم، وتتبعت مرويات فرج بن فضالة فوجدته يروي عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة؛ فقد يكون ما هاهنا تصحيفًا والله تعالى أعلم).


رد مع اقتباس
  #23  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:38 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

تفسير لَمَّةِ الملَك وَلَمَّةِ الشَّيطَانِ

قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(فَالشَّيْطَانُ يُلْقِي فِي النَّفْسِ الشَّرَّ، وَالمَلَكُ يُلْقِي الخَيْرَ،وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا وَقَدْ وُكِّلَ بهِ قَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ وَقَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ )).
قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: (( وَإِيَّايَ إلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَفِي رِوَايَةٍ فَلا يَأْمُرُنِي إلا بخَيْرِ )) أَيْ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ.
وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَة يَرْوِيه فَأَسْلَمُ بالضَّمِّ، وَيَقُولُ: إنَّ الشَّيْطَانَ لا يُسْلِمُ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخْرَى: (( فَلا يَأْمُرُنِي إلا بخَيْرِ)) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ يَأْمُرُهُ بالشَّرِّ، وَهَذَا إسْلامُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ خُضُوعِهِ وَذِلَّتِهِ لا عَنْ إيمَانِهِ باللَّهِ كَمَا يَقْهَرُ الرَّجُلُ عَدُوَّهُ الظَّاهِرَ وَيَأْسِرُهُ، وَقَدْ عَرَفَ العَدُوُّ المَقْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ القَاهِرَ يَعْرِفُ مَا يُشِيرُ بهِ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ؛ فَلا يَقْبَلُهُ بَلْ يُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَيَحْتَاجُ لانْقِهَارِهِ مَعَهُ إلَى أَنَّهُ لا يُشِيرُ عَلَيْهِ إلا بخَيْرٍ لِذِلَّتِهِ وَعَجْزِهِ لا لِصَلاحِهِ وَدِينِهِ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلا يَأْمُرُنِي إلا بخَيْرِ)).
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً، وَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ المَلَكِ إيعَادٌ بالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بالحَقِّ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إيعَادٌ بالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بالحَقِّ).
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175] أَيْ يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ بمَا يَقْذِفُ فِي قُلُوبكُمْ مِنَ الوَسْوَسَةِ المُرْعِبَةِ كَشَيْطَانِ الإِنْسِ الَّذِي يُخَوِّفُ مِنَ العَدُوِّ فَيَرْجُفُ وَيَخْذُلُ، وَعَكْسُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَـبِّـتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12].
وَقَالَ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)} [الإسراء: 74].
وَالتَّثْبيتُ جَعْلُ الإِنْسَانِ ثَابتًا لا مُرْتَابًا، وَذَلِكَ بإِلْقَاءِ مَا يُثَبِّتُهُ مِنَ التَّصْدِيقِ بالحَقِّ وَالوَعْدِ بالخَيْرِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (لَمَّةُ المَلَكِ وَعْدٌ بالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بالحَقِّ) فمتى عَلِمَ القَلْبُ أَنَّ مَا أَخْبَرَ بهِ الرَّسُولُ حَقٌّ صَدَّقَهُ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَهُ بالتَّصْدِيقِ وَثقَ بوَعْدِ اللَّهِ فَثَبَتَ؛ فَهَذَا تَثْبيتٌ بالكَلامِ كَمَا يُثَبِّتُ الإِنْسَانُ الإِنْسَانَ فِي أَمْرٍ قَدِ اضْطَرَبَ فِيهِ بأَنْ يُخْبرَهُ بصِدْقِهِ وَيُخْبرَهُ بمَا يُبَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ مَنْصُورٌ؛ فَيَثْبُتُ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّثْبيتُ بالفِعْلِ بأَنْ يُمْسِكَ القَلْبَ حَتَّى يَثْبُتَ كَمَا يُمْسِكُ الإِنْسَانُ الإِنْسَانَ حَتَّى يَثْبُتَ.
وَفِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ سَأَلَ القَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْأَلِ القَضَاءَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ )) فَهَذَا المَلَكُ يَجْعَلُهُ سَدِيدَ القَوْلِ بمَا يُلْقِي فِي قَلْبهِ مِنَ التَّصْدِيقِ بالحَقِّ وَالوَعْدِ بالخَيْرِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ سَبَبٌ لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ، وَقَدْ ذَكَرَ إخْرَاجَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ فِي غَيْرِ آيَةٍ كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257].
وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} [الحديد: 9].
وَقَالَ: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بإِذْنِ رَبهِمْ} [إبراهيم: 1].
وَفِي الحَدِيثِ (( أَنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ ))
وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا بتَعْلِيمِهِ الخَيْرَ يُخْرِجُ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، وَلِهَذَا كَانَ الرَّسُولُ أَحَقَّ النَّاسِ بكَمَالِ هَذِهِ الصَّلاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيِّ} س[الأحزاب: 56].
وَالصَّلاةُ هِيَ الدُّعَاءُ إمَّا بخَبَرٍ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ، وَإِمَّا بصِيغَةِ الدُّعَاءِ؛ فَالمَلائِكَةُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (( وَالمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ))؛ فَبَيَّنَ أَنَّ صَلاتَهُمْ قَوْلُهُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.
وَفِي الأثَرِ: (( إنَّ الرَّبَّ يُصَلِّي فَيَقُولُ: سَبَقَتْ - أَوْ غَلَبَتْ - رَحْمَتِي غَضَبي ))
وَهَذَا كَلامُهُ سُبْحَانَهُ وهُوَ خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَسْبقُ الغَضَبَ وَتَغْلِبُهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لا يَدْعُو غَيْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَدْعُوهُ المَلائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الخَلْقِ، بَلْ طَلَبُهُ بأَمْرِهِ وَقَوْلِهِ وَقَسَمِهِ كَقَوْلِهِ: لأفْعَلَنَّ كَذَا، وَقَوْلِهِ: كُنْ فَيَكُونُ.
وَقَوْلُهُ: لأفْعَلَنَّ كَذَا قَسَمٌ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: {لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبعَكَ} [ص: 85].
وَقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)} [السجدة: 13].
وَقَوْلِهِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55].
وَقَوْلِهِ: {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)} [المجادلة: 21].
وَهَذَا وَعْدٌ مُؤَكَّدٌ بالقَسَمِ بخِلافِ قَوْلِهِ: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر: 51] فَإِنَّ هَذَا وَعْدٌ وَخَبَرٌ لَيْسَ فِيهِ قَسَمٌ، لَكِنَّهُ مُؤَكَّدٌ باللامِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ جَوَابَ قَسَمٍ.
وَقَوْلِهِ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20].
وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} [الأنفال: 7].
وَنَحْوُ ذَلِكَ وَعْدٌ مُجَرَّدٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُوحِي إلَى البَشَرِ تَارَةً وَحْيًا مِنْهُ وَتَارَةً يُرْسِلُ رَسُولاً فَيُوحِي إلَى الرَّسُولِ بإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، وَالمَلائِكَةُ رُسُلُ اللَّهِ). [مجموع الفتاوى:17/524-526]

اشتقاق لفظ الملَك
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(وَالمَلائِكَةُ رُسُلُ اللَّهِ، وَلَفْظُ المَلَكِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الكَلِمَةِ مَلأك عَلَى وَزْنِ مَفْعَلٍ، لَكِنْ لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمَالِ خُفِّفَتْ بأَنْ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الهَمْزَةِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا وَحُذِفَتِ الهَمْزَةُ وَمَلاك مَأْخُوذٌ مِنَ المَأْلُك وَالمَلأك بتَقْدِيمِ الهَمْزَةِ عَلَى اللامِ وَاللامِ عَلَى الهَمْزَةِ، وَهُوَ الرِّسَالَةُ، وَكَذَلِكَ الألُوكَةُ بتَقْدِيمِ الهَمْزَةِ عَلَى اللامِ، قَالَ الشَّاعِرُ:


أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلُكًا.....أَنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي
وَهَذَا بتَقْدِيمِ الهَمْزَةِ، لَكِنَّ المَلَكَ هُوَ بتَقْدِيمِ اللامِ عَلَى الهَمْزَةِ، وَهَذَا أَجْوَدُ؛ فَإِنَّ نَظِيرَهُ فِي الاشْتِقَاقِ الأكْبَرِ لاكَ يَلُوكُ إذَا لاكَ الكَلامَ وَاللِّجَامَ، وَالهَمْزُ أَقْوَى مِنَ الوَاوِ وَيَلِيهِ فِي الاشْتِقَاقِ الأوْسَطِ: أَكَلَ يَأْكُلُ؛ فَإِنَّ الآكِلَ يَلُوكُ مَا يُدْخِلُهُ فِي جَوْفِهِ مِنَ الغِذَاءِ وَالكَلامِ.
وَالعِلْمُ مَا يَدْخُلُ فِي البَاطِنِ وَيُغَذَّى بهِ صَاحِبُهُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (إنَّ كُلَّ آدِبٍ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى مَأْدُبَتُهُ، وَإِنَّ مَأْدُبَةَ اللَّهِ القُرْآنُ).
وَالآدِبُ: المُضيفُ، وَالمَأْدُبَةُ الضِّيَافَةُ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ مِنَ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ؛ فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ ضَيَّفَ عِبَادَهُ بالكَلامِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَيْهِمْ؛ فَهُوَ غِذَاءُ قُلُوبهِمْ وَقُوتُهَا، وَهِيَ أَشَدُّ انْتِفَاعًا بهِ وَاحْتِيَاجًا إلَيْهِ مِنَ الجَسَدِ بغِذَائِهِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (الرَّبَّانِيُّونَ همُ الَّذِينَ يُغَذُّونَ النَّاسَ بالحِكْمَةِ وَيُرَبُّونَهُمْ عَلَيْهَا).
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إنِّي أَبيتُ عِنْدَ رَبي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي )).
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ القُرْآنَ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَالنَّاسُ إلَى الغِذَاءِ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إلَى الشِّفَاءِ فِي القُلُوب وَالأبْدَانِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتِ المَاءَ فَشَرِبَ النَّاسُ وَسَقُوا وَزَرَعُوا وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبتُ كَلأ؛ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بهِ )).
فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا بُعِثَ بهِ لِلْقُلُوب كَالمَاءِ لِلأرْضِ تَارَةً تَشْرَبُهُ فَتَنْبُتُ وَتَارَةً تَحْفَظُهُ وَتَارَةً لا هَذَا وَلا هَذَا وَالأرْضُ تَشْرَبُ المَاءَ وَتَغْتَذِي بهِ حَتَّى يَحْصُلَ الخَيْرُ.
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رُوحٌ تَحْيَا بهِ القُلُوبُ فَقَالَ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)}[الشورى: 52].
وَإِذَا كَانَ مَا يُوحِيهِ إلَى عِبَادِهِ تَارَةً يَكُونُ بوَسَاطَةِ مَلَكٍ وَتَارَةً بغَيْرِ وَسَاطَةٍ فَهَذَا لِلْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ مُطْلَقًا لا يَخْتَصُّ بهِ الأنْبيَاءُ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بي وَبرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)} [المائدة: 111] وَإِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] الآيَةَ.
فَذَكَرَ أَنَّهُ يُوحِي إلَيْهِمْ فَإِلَى الإِنْسَانِ أَوْلَى، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12] ). [مجموع الفتاوى:17/527-529]


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 13 جمادى الأولى 1435هـ/14-03-2014م, 08:49 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الفرق بين الخاطرة والوسوسة والإلهام


قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} [الشمس: 7، 8]؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الفُجُورَ وَالتَّقْوَى لِلنَّفْسِ وَالفُجُورُ يَكُونُ بوَاسِطَةِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ إلْهَامُ وَسْوَاسٍ، وَالتَّقْوَى بوَاسِطَةِ مَلَكٍ وَهُوَ إلْهَامُ وَحْيٍ، هَذَا أَمْرٌ بالفُجُورِ وَهَذَا أَمْرٌ بالتَّقْوَى، وَالأمْرُ لا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بهِ خَبَرٌ.
وَقَدْ صَارَ فِي العُرْفِ لَفْظُ الإِلْهَامِ إذَا أُطْلِقَ لا يُرَادُ بهِ الوَسْوَسَةُ.
وَهَذِهِ الآيَةُ مِمَّا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ إلْهَامِ الوَحْي وَبَيْنَ الوَسْوَسَةِ؛ فَالمَأْمُورُ بهِ إنْ كَانَ تَقْوَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْ إلْهَامِ الوَحْيِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الفُجُورِ فَهُوَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ؛ فَيَكُونُ الفَرْقُ بَيْنَ الإِلْهَامِ المَحْمُودِ وَبَيْنَ الوَسْوَسَةِ المَذْمُومَةِ هُوَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ فَإِنْ كَانَ مَا أُلْقِيَ فِي النَّفْسِ مِمَّا دَلَّ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ تَقْوَى لِلَّهِ فَهُوَ مِنَ الإِلْهَامِ المَحْمُودِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فُجُورٌ فَهُوَ مِنَ الوَسْوَاسِ المَذْمُومِ، وَهَذَا الفَرْقُ مُطَّرِدٌ لا يَنْتَقِضُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَازِمٍ فِي الفَرْقِ بَيْنَ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فَقَالَ: مَا كَرِهَتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ مِنْهُ، وَمَا أَحَبَّتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ نَفْسِك فَانْهَهَا عَنْهُ). [مجموع الفتاوى:17/529-530]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(وَقَدْ تَكَلَّمَ النُّظَّارُ فِي العِلْمِ الحَاصِلِ فِي القَلْب عَقِبَ النَّظَرِ وَالاسْتِدْلالِ فَذَكَرُوا فِيهِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ فِي مُسْتَصْفَاهُ وَغَيْرُهُ: قَوْلُ الجَهْمِيَّة وَقَوْلُ القَدَرِيَّةِ وَقَوْلُ الفَلاسِفَةِ.
وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكَلامِ لا يَذْكُرُ إلا القَوْلَيْنِ: قَوْلَ الجَهْمِيَّةِ وَقَوْلَ القَدَرِيَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبهِمْ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَقْوَالِ مَنْ يَعْرِفُونَهُ تَكَلَّمَ فِي هَذَا، وَهُمْ لا يَعْرِفُونَ إلا هَؤُلاءِ، وَالمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ فُرُوعِ القَدَرِ؛ فَإِنَّ الحَاصِلَ فِي نَفْسٍ حَادِثٌ فِيهَا؛ فَالقَوْلُ فِيهِ كَالأقْوَالِ فِي أَمْثَالِهِ.
وَمَذْهَبُ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَأَبي الحَسَنِ الأشْعَرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ (المثبتة هو مذهب أهل السنة والجماعة)([1]) أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ العِبَادِ، لَكِنَّهُ لا يُثْبِتُ سَبَبًا وَلا قُدْرَةً مُؤَثِّرَةً وَلا حِكْمَةً لِفِعْلِ الرَّبِّ؛ فَأَنْكَرَ الطَّبَائِعَ وَالقُوَى الَّتِي فِي الأعْيَانِ، وَأَنْكَرَ الأسْبَابَ وَالحِكَمَ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ لِشَيْءِ سَبَبًا، بَلْ يَقُولُ هَذَا حَاصِلٌ بخَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ سَبَبًا وَهُمْ صَادِقُونَ فِي إضَافَتِهِ إلَى قَدَرِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُهُ خِلافًا لِلْقَدَرِيَّةِ لَكِنْ مِنْ تَمَامِ المَعْرِفَةِ إثْبَاتُ الأسْبَاب وَمَعْرِفَتُهَا.
وَأَمَّا القَدَرِيَّةُ مِنَ المُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِ العَبْدِ فَهُوَ فِعْلُهُ لا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَزَهُوقِ الرُّوحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَقَالُوا: هَذَا العِلْمُ مُتَوَلَّدٌ عَنْ نَظَرِ العَبْدِ أَوْ تَذَكُّرِ النَّظَرِ.
وَالمتفَلْسِفَةُ بَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: فِي أَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنَ الصُّوَرِ هُوَ مِنْ فَيْضِ العَقْلِ الفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ المَوَادِّ القَابلَةِ؛ فَقَالُوا: يَحْصُلُ فِي نُفُوسِ البَشَرِ مِنْ فَيْضِ العَقْلِ الفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ النَّفْسِ باسْتِحْضَارِ المُقَدِّمَتَيْنِ.
وَهَذَا القَوْلُ خَطَأٌ، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَالأوَّلُ أَقْرَبُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَحْقِيقُ الأمْرِ فِي ذَلِكَ.
وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بالإِنْسِ مَلائِكَةً وَشَيَاطِينَ يُلْقُونَ فِي قُلُوبهِمُ الخَيْرَ وَالشَّرَّ؛ فَالعِلْمُ الصَّادِقُ مِنَ الخَيْرِ، وَالعَقَائِدُ البَاطِلَةُ مِنَ الشَّرِّ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (لَمَّةُ المَلَكِ تَصْدِيقٌ بالحَقِّ وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تَكْذِيبٌ بالحَقِّ)، وَكَمَا قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القَاضِي: (( أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ ))
وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ المَلائِكَةَ تُوحِي إلَى البَشَرِ مَا تُوحِيهِ، وَإِنْ كَانَ البَشَرُ لا يَشْعُرُ بأَنَّهُ مِنَ المَلَكِ كَمَا لا يَشْعُرُ بالشَّيْطَانِ المُوَسْوِسِ لَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَلِّمُ البَشَرَ وَحْيًا، وَيُكَلِّمُهُ بمَلَكٍ يُوحِي بإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، وَالثَّالِثُ التَّكْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: المُرَادُ بالوَحْيِ هُنَا الوَحْيُ فِي المَنَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الفَرَجِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ المَنَامَ تَارَةً يَكُونُ مِنَ اللَّهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَهَكَذَا مَا يُلْقَى فِي اليَقَظَةِ.
وَالأنْبيَاءُ مَعْصُومُونَ فِي اليَقَظَةِ وَالمَنَامِ، وَلِهَذَا كَانَتْ رُؤْيَا الأنْبيَاءِ وَحْيًا كَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَقَرَأَ قَوْلَهُ: {إنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].
وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى رُؤْيَا كَانَتْ وَحْيًا؛ فَكَذَلِكَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُلْقِيَ فِي قَلْبهِ شَيْءٌ يَكُونُ وَحْيًا، وَالإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ نَفْسُهُ فِي يَقَظَتِهِ أَكْمَلَ مِنْهَا فِي نَوْمِهِ كَالمُصَلِّي الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ؛ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ النَّوْمِ فَلِمَاذَا لا يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ اليَقَظَةِ كَمَا أُوْحِيَ إلَى أُمِّ مُوسَى وَالحَوَارِيِّينَ وَإِلَى النَّحْلِ، لَكِنْ لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُطْلِقَ القَوْلَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ وَحْيٌ لا فِي يَقَظَةٍ وَلا فِي المَنَامِ إلا بدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الوَسْوَاسَ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ).[مجموع الفتاوى:17/530-532]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (وَالخواطرُ الواردةُ على الإِنسانِ قدْ تكونُ وَسْوَسَةً، وَقدْ تكونُ إِلْهَاماً.
وَالإِلهامُ تارةً يَكُونُ مِنَ اللَّهِ بلا وَاسطةٍ، وَتَارَةً يكونُ بوَاسِطَةِ المَلَكِ، وَيَكُونُ كلٌّ مِنْهُمَا في القلبِ، وَالوسوسةُ تَارَةً مِنَ الشيطانِ وَأُخْرَى مِنَ النفسِ، وَكِلاهُمَا يكونُ في الصدرِ، فإِنْ كانَ الإِنسانُ مُرَاقِباً دَفَعَ عَنْ نفسِهِ الضارَّ وَإِلاَّ هَجَمَت الوَارِدَاتُ عَلَيْهِ وَتَمَكَّنَتْ منهُ، وَيَتَمَيَّزُ خَيْرُ الخواطرِ مِنْ شَرِّهَا بقَانُونِ الشرعِ، على أنَّ الأمرَ مُشْكِلٌ فإِنَّ الشيطانَ يَجْتَهِدُ في التلبيسِ؛ فإِنْ وَافَقَ الشرعَ فَلْيَنْظُرْ فإِنْ كَانَ فِعْلُهُ ذلكَ الحينَ أَوْلَى مِنْ غيرِ تَفْوِيتٍ لِفَضِيلَةٍ أُخْرَى هيَ أَوْلَى منهُ بَادَرَ إِليهِ، وَإِنْ كانَ الخَاطِرُ دُنْيَوِيًّا وَأَدَّى الفِكْرُ إِلى أَنَّهُ نَافِعٌ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ للشرعِ زَادَ على شِدَّةِ تَأَمُّلِهِ الاستشارةَ لِمَنْ يَثِقُ بدِينِهِ وَعَقْلِهِ، ثمَّ الاستخارةَ لاحتمالِ أنْ تَتَوَافَقَ عَلَيْهِ العقولُ وَيكونُ فيهِ خَلَلٌ لتقصيرٍ وَقَعَ في النظرِ، وَقدْ جَعَلَ بَعْضُهُم قانونَ الخاطرِ الرَّحْمَانِيِّ أَنْ يَنْشَرِحَ لهُ الصدرُ وَتَطْمَئِنَّ إِليهِ النفسُ، وَالشيطانيِّ وَالنفسيِّ أَنْ يَنْقَبضَ عندَهُ الصدرُ وَتَقْلَقُ النفسُ بشهادةِ الحديثِ النَّبَوِيِّ في البرِّ وَالإِثْمِ، وَيُعْرَفُ الشيطانيُّ بالحملِ على مُطْلَقِ المخالفةِ، فإِنَّ الشيطانَ لا غَرَضَ لهُ في مخالفةٍ بعَيْنِهَا فَإِنْ حَصَلَ الذِّكْرُ زَالَ ذلكَ، وَالنَّفْسَانِيُّ مَلْزُومُ شيءٍ بعَيْنِهِ، سَوَاءٌ كانَ نَفْعاً أَوْ ضُرًّا، وَلا يَنْصَرِفُ عنهُ بالذِّكْرِ). [نظم الدرر: 8/616-617]
قالَ مُحَمَّد جَمَال الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ):(الخامسةُ: قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: الفرْقُ بينَ الإلهامِ المحمودِ وبينَ الوَسوسةِ المذمومةِ هوَ الكتابُ والسُّنَّةُ، فإنْ كانَ مَا أَلْقَى في النفْسِ ممَّا دَلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ على أنَّهُ تَقْوَى للَّهِ، فهوَ مِن الإلهامِ المحمودِ، وإنْ كانَ ممَّا دَلَّ على أنَّهُ فُجُورٌ، فهوَ مِن الوَسواسِ المذمومِ، وهذا الفرْقُ مُطَّرِدٌ لا يُنْقَضُ.
وقدْ ذَكَرَ أبو حَازِمٍ في الفَرْقِ بينَ وَسوسةِ النفْسِ والشيطانِ، فقالَ: ما كَرِهَتْهُ نفْسُكَ لنفْسِكَ فهوَ مِن الشيطانِ، فاستَعِذْ باللَّهِ منهُ، وما أَحَبَّتْهُ نفْسُكَ لنَفْسِكَ فهوَ مِنْ نفْسِكَ، فانْهَهَا عنهُ).[محاسن التأويل: 9/ 581]

(1) هكذا في الأصل، ولعل هذه الجملة مقحمة.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة