العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 07:06 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [ الآية (177) ]

تفسير سورة البقرة
[ الآية (177) ]


{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:06 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا شعبة، عن زبيدٍ، عن مرة، قال: قال عبد الله: إذا كان العبد في صلاته فإنه يقرع باب الملك، وأنه من يدأب قرع باب الملك يوشك أن يفتح له.
- قال: وقال مرة: قال عبد الله: فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على العلانية.
- قال: وقال مرة: قال عبد الله في هذه الآية: {اتقوا الله حق تقاته} [سورة آل عمران، الآية: 102] أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى.
- قال: وقال مرة: قال عبد الله في هذه الآية: {وآتى المال على حبه} [سورة البقرة: الآية: 177] وأنت حريص شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر).[الزهد لابن المبارك: 2/ 12-14]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال مرّة: «وسئل ابن مسعودٍ عن قول الله: {وآتى المال على حبه} فقال: أن يعطيه صحيحًا شحيحًا يأمل العيش ويخشى الفقر»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 85-86]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال: «كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 66]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن زيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {وآتى المال على حبه} قال: «أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 66]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر في قوله تعالى: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} قال: «البأساء: البؤس، والضراء: الزمانة في الجسد، وحين البأس قال: حين القتال»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 66]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان الثوري في قوله عز وجل: «{البأساء}: الفقر، {الضراء}: المضرة {وحين البأس}: القتال»). [تفسير الثوري: 55]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا مصعب بن ماهان، عن سفيان الثّوريّ، عن زبيد الإياميّ، عن مرّة، عن عبد اللّه، في قوله عزّ وجلّ: {وآتى المال على حبّه} قال: «تؤتيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تأمل العيش، وتخشى الفقر»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 648]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا وكيعٌ، عن عليّ بن صالحٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: من عمل بهذه الآية فقد استكمل البر: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 284]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين}:


اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ليس البرّ الصّلاة وحدها، ولكنّ البرّ الخصال الّتي أبيّنها لكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} يعني الصّلاة. يقول ليس البرّ أن تصلّوا، ولا تعملوا، فهذا منذ تحوّل من مكّة إلى المدينة، ونزلت الفرائض، وحدّ الحدود، فأمر اللّه بالفرائض وعمل بها».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ ما ثبت في القلوب من طاعة اللّه».
- حدّثني المثنى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «هذه الآية نزلت بالمدينة: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} يعني الصّلاة»، يقول: {ليس البرّ} حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «هذه الآية نزلت بالمدينة: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} يعني الصّلاة، يقول: ليس البرّ أن تصلّوا ولا تعملوا غير ذلك».
- قال ابن جريجٍ، وقال مجاهدٌ: «{ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} يعني السّجود {ولكنّ البرّ} ما ثبت في القلب من طاعة اللّه».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ: أنّه قال فيها: قال: يقول: «ليس البرّ أن تصلّوا ولا تعملوا غير ذلك. وهذا حين تحوّل من مكّة إلى المدينة، فأنزل اللّه الفرائض، وحّد الحدود بالمدينة وأمر بالفرائض أن يؤخذ بها».
وقال آخرون: عنى اللّه بذلك اليهود، والنّصارى، وذلك أنّ اليهود تصلّي فتوجّه قبل المغرب، والنّصارى تصلّي فتوجّه قبل المشرق، فأنزل اللّه فيهم هذه الآية يخبرهم فيها أنّ البرّ غير العمل الّذي يعملونه ولكنّه ما بيّنّه في هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: «كانت اليهود تصلّي قبل المغرب، والنّصارى تصلّي قبل المشرق فنزلت: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب}».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: «{ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر} ذكر لنا أنّ رجلاً سأل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن البرّ، فأنزل اللّه هذه الآية، وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا الرّجل فتلاها عليه. وقد كان الرّجل قبل الفرائض إذا شهد أنّ لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا عبده ورسوله ثمّ مات على ذلك يرجى له ويطمع له في خيرٍ؛ فأنزل اللّه: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} وكانت اليهود توجّهت قبل المغرب، والنّصارى قبل المشرق {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر} الآية».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: «كانت اليهود تصلّي قبل المغرب، والنّصارى قبل المشرق، فنزلت: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب}».
وأولى هذين القولين بتأويل الآية القول الّذي قاله قتادة والرّبيع بن أنسٍ: «أن يكون عنى بقوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} اليهود، والنّصارى؛ لأنّ الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم والخبر عنهم وعمّا أعدّ لهم من أليم العذاب، وهذا في سياق ما قبلها، فتأويلها إذ كان الأمر كذلك، ليس البرّ أيّها اليهود، والنّصارى أن يولّي بعضكم وجهه قبل المشرق وبعضكم قبل المغرب {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب} الآية».
فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه} وقد علمت أنّ البرّ فعلٌ، ومن اسمٌ، فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟
قيل: إنّ معنى ذلك غير ما توهّمته، وإنّما معناه: ولكنّ البرَّ برُّ من آمن باللّه واليوم الآخر، فوضع من موضع الفعل اكتفاءً بدلالته ودلالة صلته الّتي هي له صفةٌ من الفعل المحذوف كما تفعله العرب فتضع الأسماء مواضع أفعالها الّتي هي بها مشهورةٌ، فتقول: الجود حاتمٌ والشّجاعة عنترة وإنّما الجود حاتمٌ، والشّجاعة عنترة، ومعناها: الجود جود حاتمٍ فتستغني بذكر حاتمٍ إذ كان معروفًا بالجود من إعادة ذكر الجود بعد الّذي قد ذكرته فتضعه موضع جوده لدلالة الكلام على ما حذفته استغناءً بما ذكرته عمّا لم تذكره، كما قيل: {واسأل القرية الّتي كنّا فيها} والمعنى: أهل القرية، وكما قال الشّاعر، وهو ذو الخرق الطّهويّ:


حسبت بغام راحلتي عناقًا ....... وما هي ويب غيرك بالعناق

يريد بغام عناقٍ أو صوت عناقٍ كما يقال: حسبت صياحي أخاك، يعني به حسبت صياحي صياح أخيك.
وقد يجوز أن يكون معنى الكلام: ولكنّ البارّ من آمن باللّه، فيكون البرّ مصدرًا وضع موضع الاسم). [جامع البيان: 3/ 74-77]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وآتى المال على حبّه} وأعطى ماله في حين محبّته إيّاه وضنّه به وشحّه عليه.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا، عن زبيدٍ، عن مرّة بن شراحيل البكيليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: «{وآتى المال على حبّه} أن يؤتيه وهو صحيحٌ شحيحٌ يأمل العيش ويخشى الفقر».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قالا جميعًا، عن سفيان، عن زبيدٍ الياميّ، عن مرّة، عن عبد اللّه: {وآتى المال على حبّه} قال: «وأنت شحيحٌ تأمل العيش وتخشى الفقر».
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن زبيدٍ الياميّ، عن مره عن عبد اللّه أنّه قال في هذه الآية {وآتى المال على حبّه} قال: «وأنت حريصٌ صحيحٌ تأمل العيش وتخشى الفقر».
- حدّثنا أحمد بن نعمة المصريّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا اللّيث، قال: حدّثنا إبراهيم بن أعين، عن شعبة بن الحجّاج، عن زبيدٍ الياميّ، عن مرّة الهمدانيّ، قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ في قول اللّه: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى} قال: «حريصًا شحيحًا يأمل العيش ويخشى الفقر».
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبيّ: «سمعته يسأل، هل على الرّجل حقٌّ في ماله سوى الزّكاة؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة}».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو الكلبيّ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا أبو حمزة، قال: قلت للشّعبيّ: «إذا زكّى الرّجل ماله أيطيب له ماله؟ فقرأ هذه الآية: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} إلى {وآتى المال على حبّه} إلى آخرها». ثمّ قال: حدّثتني فاطمة بنت قيسٍ أنّها قالت: يا رسول اللّه إنّ لي سبعين مثقالاً من ذهبٍ، فقال: «اجعليها في قرابتك».
- حدّثنا الرّبيع، قال: حدّثنا أسدٌ بن موسى، قال: حدّثنا شريك بن عبد اللّه، عن أبي حمزة، عن عامرٍ، عن فاطمة بنت قيسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «في المال حقٌّ سوى الزّكاة وتلا هذه الآية: {ليس البرّ} إلى آخر الآية».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، قال: حدّثنا أبو حمزة، فيما أعلم عن عامرٍ، عن فاطمة بنت قيسٍ، أنّها سمعته يقول: «إنّ في المال لحقًّا سوى الزّكاة».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي حيّان، قال: حدّثني مزاحم بن زفر، قال: «كنت جالسًا عند عطاءٍ، فأتاه أعرابيّ فقال له: إنّ لي إبلاً فهل عليّ فيها حقٌّ بعد الصّدقة؟ قال نعم قال: ماذا؟ قال: عارية الدلو، وطرق الفحل، والحلب».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، ذكره عن مرّة الهمدانيّ في: {وآتى المال على حبّه} قال: «قال عبد اللّه بن مسعودٍ تعطيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ تطيل الأمل وتخاف الفقر».
وذكر أيضًا عن السّدّيّ: «أنّ هذا شيءٌ واجبٌ في المال حقٌّ على صاحب المال أن يفعله سوى الّذي عليه من الزّكاة».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن زبيدٍ الياميّ، عن مرّة بن شراحيل، عن عبد اللّه في قوله: {وآتى المال على حبّه} قال: «أن يعطي الرّجل وهو صحيحٌ شحيحٌ يأمل العيش ويخاف الفقر».
فتأويل الآية: وأعطى المال وهو له محبٌّ حريصٌ على جمعه، شحيحٌ به ذوي قرابته فوصل به أرحامهم.
وإنّما قلت: عنى بقوله: {ذوي القربى} ذوي قرابةٍ مؤدّي المال على حبّه للخبر الّذي ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الذى ذكرناه عنه من أمره فاطمة بنت قيسٍ، وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم حين سئل: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «جهد المقلّ على ذي القرابة الكاشح».
وأمّا اليتامى والمساكين فقد بيّنّا معانيهما فيما مضى.
وأمّا ابن السّبيل فإنّه المجتاز بالرّجل.
ثمّ اختلف أهل العلم في صفته، فقال بعضهم: هو الضّيف ينزل بالرجل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وابن السّبيل} قال: «هو الضّيف» قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت».
قال: وكان يقال: حقّ الضّيافة ثلاث ليالٍ، فكلّ شيءٍ أصابه بعد ذلك صدقةٌ.
وقال بعضهم: هو المسافر يمرّ عليك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ: {وابن السّبيل} قال: «المجتاز من أرضٍ إلى أرضٍ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وقتادة، في قوله: {وابن السّبيل} قال: «الّذي يمرّ عليك وهو مسافرٌ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عمّن ذكره، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهدٍ، وقتادة مثله.
وإنّما قيل للمسافر ابن السّبيل لملازمته الطّريق، والطّريق هو السّبيل، فقيل لملازمته إيّاه في سفره ابنه كما يقال لطير الماء ابن الماء لملازمته إيّاه، وللرّجل الّذي أتت عليه الدّهور ابن الأيّام واللّيالي، ومنه قول ذي الرّمّة:


وردت اعتسافًا، والثّريّا كأنّها ....... على قمّة الرّأس ابن ماءٍ محلّق.

وأمّا قوله: {والسّائلين} فإنّه يعني به: المستطعمين الطّالبين.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن حصينٍ، عن عكرمة، في قوله: {والسّائلين} قال: «السائل الّذي يسألك».
وأمّا قوله: {وفي الرّقاب} فإنّه يعني بذلك: وفي فكّ الرّقاب من العبودة، وهم المكاتبون الّذين يسعون في فكّ رقابهم من العبودة بأداء كتاباتهم الّتي فارقوا عليها ساداتهم). [جامع البيان: 3/ 78-84]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وأقام الصّلاة} أدام العمل بها بحدودها، وبقوله: {وآتى الزّكاة} أعطاها على ما فرضها اللّه عليه.
فإن قال قائلٌ: وهل من حقٍّ يجب في مالٍ إيتاؤه فرضًا غير الزّكاة؟
قيل: قد اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: فيه حقوقٌ تجب سوى الزّكاة واعتلّوا لقولهم ذلك بهذه الآية، وقالوا: لمّا قال اللّه تبارك وتعالى: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى}
ومن سمّى اللّه معهم، ثمّ قال بعد: {وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة} علمنا أنّ المال الّذي وصف المؤمنين به أنّهم يؤتونه ذوي القربى، ومن سمّى معهم غير الزّكاة الّتي ذكر أنّهم يؤتونها؛ لأنّ ذلك لو كان مالاً واحدًا لم يكن لتكريره معنًى مفهومٍ. قالوا: فلمّا كان غير جائزٍ أن يقول تعالى ذكره قولاً لا معنى له، علمنا أنّ حكم المال الأوّل غير الزّكاة، وأنّ الزّكاة الّتي ذكرها بعده غيره. قالوا: وبعد فقد أبان تأويل أهل التّأويل صحّة ما قلنا في ذلك.
وقال آخرون: بل المال الأوّل هو الزّكاة، ولكنّ اللّه وصف إيتاء المؤمنين من أتوه ذلك في أوّل الآية، فعرف عباده بوصفه ما وصف من أمرهم المواضع الّتي يجب عليهم أن يضعوا فيها زكواتهم ثمّ دلّهم بقوله بعد ذلك: {وآتى الزّكاة} أنّ المال الّذي آتاه القوم هو الزّكاة المفروضة كانت عليهم، إذ كان أهل سهمانهم الّذين أخبر في أوّل الآية أنّ القوم أتوهم أموالهم.
وأمّا قوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} فإن يعني تعالى ذكره: والّذين لا ينقضون عهد اللّه بعد المعاهدة، ولكن يوفون به ويتمّونه على ما عاهدوا عليه من عاهدوه عليه.
- كما حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} قال: «فمن أعطى عهد اللّه ثمّ نقضه فاللّه ينتقم منه، ومن أعطى ذمّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ غدر بها فالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خصمه يوم القيامة».
وقد بيّنت العهد فيما مضى بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 3/ 84-86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والصّابرين في البأساء والضّرّاء}:
قد بيّنّا تأويل الصّبر فيما مضى قبل.
فمعنى الكلام: والمانعين أنفسهم في البأساء، والضّرّاء، وحين البأس ممّا يكرهه اللّه لهم الحابسيها على ما أمرهم به من طاعته.
ثمّ قال أهل التّأويل في معنى البأساء والضّرّاء بما؛
- حدّثني به الحسين بن عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، قال: حدّثني أبي، وحدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قالا جميعًا: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، أنّه قال: «أما البأساء فالفقر، وأمّا الضّرّاء فالسّقم».
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، وحدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحمّانيّ، قالا جميعًا: حدّثنا شريكٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه، في قوله: {والصّابرين في البأساء والضّرّاء} قال: «البأساء الجوع، والضّرّاء المرض».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه، قال: «البأساء: الحاجة، والضّرّاء: المرض».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «كنّا نحدّث أنّ البأساء: البؤس والفقر، وأنّ الضّرّاء: السّقم، وقد قال النّبيّ أيّوب صلّى اللّه عليه وسلّم: {أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين}».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {والصّابرين في البأساء والضّرّاء} قال: «البؤس: الفاقة، والفقر، والضّرّاء في النّفس من وجعٍ أو مرضٍ يصيبه في جسده».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {البأساء والضّرّاء} قال: «البأساء: البؤس، والضّرّاء: الزّمانة في الجسد».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عبيدٌ، عن الضّحّاك، قال: «البأساء الفقر والضّرّاء: المرض».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {والصّابرين في البأساء والضّرّاء} قال: «البأساء: البؤس والفقر، والضّرّاء: السّقم، والوجع».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبيد بن الطّفيل، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول في هذه الآية: «{والصّابرين في البأساء والضّرّاء} أما البأساء: الفقر، والضّرّاء: المرض».
وأمّا أهل العربيّة: فإنّهم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: البأساء، والضّرّاء مصدرٌ جاء على فعلاء ليس له أفعل لأنّه اسمٌ، كما قد جاء أفعل في الأسماء ليس له فعلاء نحو أحمد، وقد قالوا في الصّفة أفعل ولم يجئ له فعلاء، فقالوا: أنت من ذلك أوجل، ولم يقولوا وجلاء.
وقال بعضهم: هو اسمٌ للفعل، كأنّ البأساء البؤس، والضّرّاء الضّرّ، وهو اسمٌ يقع إن شئت لمؤنّثٍ وإن شئت لمذكّرٍ كما قال زهيرٌ:


فتنتج لكم غلمان أشأم كلّهم ....... كأحمر عادٍ ثمّ ترضع فتفطم

يعني فتنتج لكم غلمان شؤمٍ.
وقال بعضهم: لو كان ذلك اسمًا يجوز صرفه إلى مذّكرٍ ومؤنّثٍ لجاز إجراء أفعل في النّكرة، ولكنّه اسمٌ قام مقام المصدر؛ والدّليل على ذلك قولهم: لئن طلبت نصرتهم لتجدنّهم غير أبعد بغير إجراءٍ؛ وقال: إنّما كان اسمًا للمصدر لأنّه إذا ذكر علم أنّه يراد به المصدر.
وقال غيرهم: لو كان ذلك مصدرًا فوقع بتأنيثٍ لم يقع بتذكيرٍ، ولو وقع بتذكيرٍ لم يقع بتأنيثٍ؛ لأنّ من سمّي بأفعل لم يصرف إلى فعلى، ومن سمّي بفعلى لم يصرف إلى أفعل، لأنّ كلّ اسمٍ يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره، ولكنّهما لغتان، فإذا وقع بالتّذكير كان بأمرٍ أشأم، وإذا وقع البأساء، والضّرّاء، وقع الخلّة البأساء، والخلّة الضّرّاء، وإن كان لم يبن على الضّرّاء الأضرّ ولا على الأشأم الشّأماء، لأنّه لم يرد من تأنيثه التّذكير ولا من تذكيره التّأنيث، كما قالوا: امرأةٌ حسناء، ولم يقولوا: رجلٌ أحسن، وقالوا: رجلٌ أمرد، ولم يقولوا: امرأةٌ مرداء فإذا قيل الخصلة الضّرّاء والأمر الأشأم دلّ على المصدر، ولم يحتج إلى أن يكون اسمًا، وإن كان قد كفي من المصدر.
وهذا قولٌ مخالفٌ تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل البأساء، والضّرّاء، وإن كان صحيحًا على مذهب العربيّة وذلك أنّ أهل التّأويل تأوّلوا البأساء بمعنى البؤس، والضّرّاء بمعنى الضّرّ في الجسد، وذلك من تأويلهم مبنيّ على أنّهم وجّهوا البأساء والضّرّاء إلى أسماء الأفعال دون صفات الأسماء ونعوتها. فالّذي هو أولى بالبأساء والضّرّاء على قول أهل التّأويل أن تكون البأساء والضّرّاء أسماء أفعالٍ، فتكون البأساء اسمًا للبؤس، والضّرّاء اسمًا للضّرّ.
وأمّا الصّابرين فنصب، وهو من نعت من على وجه المدح، لأنّ من شأن العرب إذا تطاولت صفة الواحد الاعتراض بالمدح، والذّمّ بالنّصب أحيانًا وبالرّفع أحيانًا، كما قال الشّاعر:


إلى الملك القرم وابن الهمام ....... وليث الكتيبة في المزدحم.
وذا الرّأي حين تغمّ الأمور ....... بذات الصّليل، وذات اللّجم

فنصب ليث الكتيبة وذا الرّأي على المدح، والاسم قبلهما مخفوضٌ؛ لأنّه من صفة واحدٍ، ومنه قول الآخر:

فليت الّتي فيها النّجوم تواضعت ....... على كلّ غثٍّ منهم وسمين.
غيوث الحيا في كلّ محلٍ ولذبةٍ ....... أسود الشّرى يحمين كلّ عرين

وقد زعم بعضهم أنّ قوله: {والصّابرين في البأساء} نصب عطفًا على السّائلين، كأنّ معنى الكلام كان عنده: وآتى المال على حبّه ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السّبيل، والسّائلين، والصّابرين في البأساء، والضّرّاء.
وظاهر كتاب اللّه يدلّ على خطأ هذا القول، وذلك أنّ الصّابرين في البأساء، والضّرّاء هم أهل الزّمانة في الأبدان، وأهل الإقتار من الأموال، وقد مضى وصف القوم بإيتاء من كان ذلك صفته المال في قوله: {والمساكين، وابن السّبيل، والسّائلين} وأهل الفاقة والفقر هم أهل البأساء والضّرّاء؛ لأنّ من لم يكن من أهل الضّرّاء ذا بأساء لم يكن ممّن له قبول الصّدقة وإنّما له قبولها إذا كان جامعًا إلى ضرّائه بأساء، وإذا جمع إليها بأساء كان من أهل المسكنة الّذين قد دخلوا في جملة المساكين الّذين قد مضى ذكرهم قبل قوله: {والصّابرين في البأساء} وإذا كان كذلك ثمّ نصب الصّابرين في البأساء بقوله: {وآتى المال على حبّه} كان الكلام تكريرًا بغير فائدة معنًى، كأنّه قيل: وآتى المال على حبّه ذوي القربى، واليتامى والمساكين والمساكين، واللّه يتعالى عن أن يكون ذلك في خطابه عباده؛ ولكنّ معنى ذلك: ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر، الموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصّابرين في البأساء والضّرّاء والموفون رفعٌ لأنّه من صفة من، ومن رفعٌ فهو معربٌ بإعرابه والصّابرين نصب وإن كان من صفته على وجه المدح الّذي وصفنا قبل). [جامع البيان: 3/ 86-91]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وحين البأس}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وحين البأس} والصّابرين في وقت البأس، وذلك وقت شدّة القتال في الحرب.
- كما حدّثني الحسين بن عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه، في قول اللّه: {وحين البأس} قال: «حين القتال».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{وحين البأس} القتال».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: «{وحين البأس} أي عند مواطن القتال».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «{وحين البأس} القتال».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{وحين البأس} عند لقاء العدوّ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عبيدٌ، عن الضّحّاك: «{وحين البأس} القتال».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبيد بن الطّفيل أبو سيدان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول في قوله: {وحين البأس} قال: «القتال»). [جامع البيان: 3/ 91-92]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {أولئك الّذين صدقوا} من آمن باللّه واليوم الآخر، ونعتهم النّعت الّذي نعتهم به في هذه الآية، يقول: فمن فعل هذه الأشياء فهم الّذين صدقوا اللّه في إيمانهم وحقّقوا قولهم بأفعالهم، لا من ولّى وجهه قبل المشرق، والمغرب وهو يخالف اللّه في أمره وينقض عهده، وميثاقه ويكتم النّاس بيان ما أمره اللّه ببيانه ويكذّب رسله.
وأمّا قوله: {وأولئك هم المتّقون} فإنّه يعني: وأولئك الّذين اتّقوا عقاب اللّه فتجنّبوا عصيانه وحذروا وعيده فلم يتعدّوا حدوده وخافوه، فقاموا بأداء فرائضه.
وبمثل الّذي قلنا في قوله: {أولئك الّذين صدقوا} كان الرّبيع بن أنسٍ يقول.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {أولئك الّذين صدقوا} قال: «فتكلّموا بكلام الإيمان، فكانت حقيقته العمل صدقوا اللّه» قال: وكان الحسن يقول: «هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل، فإن لم يكن مع القول عملٌ فلا شيء»). [جامع البيان: 3/ 92-93]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}:
قوله: {ليس البرّ}:
قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: «ليس البرّ يعني: التّقوى»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 287]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب}:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد بن هشامٍ الحلبيّ، ثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن عامر بن شفيٍّ، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ، عن أبي ذرٍّ أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما الإيمان؟ فتلا عليه: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم} إلى آخر الآية ثمّ سأله أيضًا، فتلاها عليه. ثمّ سأله أيضًا فقال: «إذا عملت حسنةً أحبّها قلبك، وإذا عملت سيّئةً أبغضها قلبك».
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قوله: «{ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} يعني: الصّلاة، يقول: ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم أن تصلّوا ولا تعملوا فهذا منذ تحوّل من مكّة إلى المدينة، ونزلت الفرائض حدّت الحدود، فأمر اللّه بالفرائض، وعمل بها. وروي عن الضّحّاك ومقاتل بن حيّان نحو ذلك».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النّصارى تقبل قبل المشرق، فقال اللّه: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقة العمل»، وروي عن الحسن، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 287]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولكنّ البرّ}:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: «{ولكنّ البرّ} ما ثبت في القلوب من طاعة اللّه».
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، ثنا الفريابيّ، ثنا سفيان، حدّثني رجلٌ عن الضّحّاك بن مزاحمٍ في قوله: «{ولكنّ البرّ} من اتّقى أن تؤدّوا الفرائض على وجوهها».
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، قال: قال سفيان: ولكنّ البرّ من آمن باللّه قال: أنواع البرّ كلّها). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 287-288]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين} أنّه حقٌّ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 288]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وآتى المال على حبّه}:
وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: «{وآتى المال} يعني: أعطى المال». وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله: {على حبّه}:
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ والأحمسيّ، قالا، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش وسفيان، عن زبيدٍ، عن مرّة، عن عبد اللّه: {وآتى المال على حبّه} قال: «أن تؤتيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تأمل العيش وتخشى الفقر».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: «{وآتى المال على حبّه} يعني: على حبّه المال».
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا شريكٌ، عن أبي حمزة، عن الشّعبيّ، حدّثتني فاطمة بنت قيسٍ: «أنّها سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أفي المال حقٌّ سوى الزّكاة؟ قالت: فتلا علي: {وآتى المال على حبه}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 288]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ذوي القربى}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: «{ذوي القربى} يعني: قرابته»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 289]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واليتامى}:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن النّزّال، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يتم بعد الحلم».
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن إسماعيل، يعني: ابن أميّة، عن سعيدٍ المقبريّ، عن يزيد بن هرمز، قال: «كتب نجدة إلى ابن عبّاسٍ يسأله عن اليتيم متى ينقضي يتمه؟ قال: اكتب يا يزيد: ينقضي يتمه إذا أونس منه الرّشد»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 289]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والمساكين}:
- حدّثنا أبو إسحاق الهمدانيّ، وأحمد بن سنانٍ، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس المسكين بالطّوّاف ولا بالّذي تردّه اللّقمة، واللّقمتان ولا التّمرة ولا التّمرتان ولكنّ المسكين، المتعفّف الّذي لا يسأل النّاس شيئًا، ولا يفطن به فيتصدّق عليه».
- حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عمرٍو الغزّيّ، ثنا الفريابيّ، ثنا سفيان، عن إبراهيم الهجريّ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس المسكين بالطّواف الّذي تردّه اللّقمة واللّقمتان، ولكنّ المسكين الّذي لا يجد ما يغنيه، ويستحي أن يسأل النّاس، ولا يفطن له فيتصدّق عليه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 289]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وابن السّبيل}:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: «{ابن السّبيل} هو: الضّيف الّذي ينزل بالمسلمين». وروي عن سعيد بن جبيرٍ، وقتادة، نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرازق، أنبأ معمرٌ، عن سعيد بن جبيرٍ وقتادة [تحو] أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ وقتادة في قوله: {وابن السّبيل} قالا: «هو الّذي يمرّ عليك وهو مسافرٌ» وروي عن الحسن وأبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ والضّحّاك والزّهريّ والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 289-290]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والسّائلين}:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، وعمرو بن عبد اللّه الأودي، قالا: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرو بن عبد اللّه الأوديّ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان عن مصعب بن محمّدٍ، عن يعلى بن أبي يحيى مولى فاطمة، عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «للسّائل حقٌّ ولو جاء على فرسٍ».
- حدّثنا أبي، ثنا إسرائيل عن، أبي إسحاق، عن قيس بن كركمٍ قال: «سألت ابن عبّاسٍ عن السّائل قال: الّذي يسأل»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 290]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وفي الرّقاب}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: «{والسّائلين وفي الرّقاب} يعني: فكاك الرّقاب».
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا محمّد بن شعيبٍ، حدّثني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قول اللّه: {وفي الرّقاب} قال: «هم المكاتبون». وروي عن الحسن والزّهريّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 290]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأقام الصّلاة}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: «{وأقام الصّلاة} يعني وأتمّ الصّلاة المكتوبة». وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 290]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وآتى الزّكاة}:
وبه عن سعيدٍ في قوله: «{وآتى الزّكاة} يعني: الزّكاة المفروضة». وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 290]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: «{والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} فمن أعطي عهد اللّه ثمّ نقضه، انتقم منه، ومن أعطي ذمّة رسول اللّه ثمّ غدر بها، فرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خصمه يوم القيامة»، وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيدٍ في قول اللّه: «{والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} يعني: فيما بينهم وبين النّاس»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 291]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والصّابرين في البأساء}:
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن شريكٍ، عن السّدّيّ عن مرّة، عن عبد اللّه: {والصّابرين في البأساء} قال: «الفقر».
وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي العالية والحسن في أحد قوليه وسعيد بن جبيرٍ ومرّة الهمدانيّ ومجاهدٍ وقتادة والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: {البأساء} قال: «البلاء»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 291]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والضراء}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه في قوله: {والضّرّاء} قال: «الضّرّاء:
السّقم».
وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي العالية ومرّة وأبي مالكٍ والحسن ومجاهدٍ والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك والضّحّاك.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّازّق أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: {والضّرّاء} قال: «الزمانة في الجسد».
والوجه الثاني:
- حدثنا بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قال: «هذه الأمراض والجوع ونحو ذلك».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: «{والضّرّاء} يعني: حين البلاء والشّدّة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 291-292]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وحين البأس}:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه: {وحين البأس} قال: «
حين القتال».
وروي عن سعيد بن جبيرٍ والحسن ومجاهدٍ وأبي العالية وقتادة ومرّة ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ وأبي مالكٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 292]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أولئك الّذين صدقوا}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {أولئك الّذين صدقوا} يقول: «تكلّموا بكلام الإيمان وحقّقوا بالعمل». قال الرّبيع: فكان الحسن يقول: «الإيمان كلامٌ، فحقيقته العمل فإن لم يحقّق القول بالعمل لم ينفعه القول».
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: «{أولئك الّذين صدقوا} إيمانهم وصبروا على طاعة ربّهم». وفي رواية محمّد بن مزاحمٍ زيادةٌ، يعني: النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 292]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأولئك هم المتّقون}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء
بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: «{أولئك} يعني: الّذين فعلوا ما ذكر اللّه في هذه الآية هم الّذين صدقوا يعني المتّقون»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 292-293]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني الشّيخ أبو بكرٍ أحمد بن إسحاق من أصل كتابه، ثنا موسى بن أعين، ثنا عبد الكريم بن مالكٍ الجزريّ، عن مجاهدٍ، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه، أنّه سأل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن الإيمان، فتلا هذه الآية: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر} حتّى فرغ من الآية قال: ثمّ سأله أيضًا فتلاها، ثمّ سأله أيضًا فتلاها، ثمّ سأله فقال: «وإذا عملت حسنةً أحبّها قلبك، وإذا عملت سيّئةً أبغضها قلبك» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 299]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا إسماعيل بن محمّدٍ الفقيه بالرّيّ، ثنا محمّد بن الفرج الأزرق، ثنا أبو النّضر، ثنا شعبة، عن منصورٍ، وأخبرني أبو بكرٍ محمّد بن عبد اللّه الشّافعيّ ببغداد، ثنا إسحاق بن الحسن، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن منصورٍ، عن زبيدٍ، عن مرّة بن شراحيل، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وآتى المال على حبّه ذوي القربى} قال: «يعطي الرّجل وهو صحيحٌ شحيحٌ يأمل العيش ويخاف الفقر» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 299]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن إسحاق الصّفّار العدل، ثنا أبو نصرٍ أحمد بن محمّد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، في قول اللّه عزّ وجلّ: {والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس} قال عبد اللّه: «البأساء: الفقر، والضّرّاء: السّقم، وحين البأس، قال: حين القتل» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 299]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وآتى المال على حبّه}:
- قال ابن مسعودٍ: «أن تؤتيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تأمل العيش، وتخشى الفقر».
رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/ 316]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: ثنا يزيد بن هارون، أبنا سفيان بن حسينٍ، عن أبي عليٍّ الرّحبيّ، عن عكرمة قال: «سئل الحسين بن عليٍّ مستقبله من الشّام عن الإيمان فقرأ: {ليس البرّ أن تولّوا ...} الآية».
هذا إسناد ضعيف؟ لضعف أبي علي الرحبي، واسمه حسين بن قيس). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 180]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال إسحاق: أخبرنا عبد الرّزّاق، ثنا معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن مجاهدٍ، قال: «إنّ أبا ذرٍّ رضي الله عنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإيمان؟ فقرأ: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب}». هذا مرسلٌ صحيح الإسناد وله شاهدٌ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 474]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (أخبرنا يزيد بن هارون، أنا سفيان بن حسينٍ، عن أبي عليٍّ الرّحبيّ، عن عكرمة رضي الله عنه، قال: «سئل الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما، مقبله من الشّام عن الإيمان فقرأ: {ليس البرّ} الآية».
- وله طريقٌ أخرى في الإيمان). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين، وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والوفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}:
أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلا {ليس البر أن تولوا وجوهكم} حتى فرغ منها ثم سأله فتلاها وقال: «وإذا عملت حسنة أحبها قلبك وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك».
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده، وعبد بن حميد، وابن مردويه عن القاسم بن عبد الرحمن قال: «جاء رجل إلى أبي ذر فقال: ما الإيمان؟ فتلا عليه هذه الآية {ليس البر أن تولوا وجوهكم} حتى فرغ منها، فقال الرجل: ليس عن البر سألتك، فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني فقرأ عليه هذه الآية فأبى أن يرضى كما أبيت أن ترضى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادن»، فدنا فقال: «المؤمن إذا عمل الحسنة سرته رجاء ثوابها وإذا عمل السيئة أحزنته وخاف عقابه».
وأخرج عبد الرزاق، وابن راهويه، وعبد بن حميد عن عكرمة قال: «سئل الحسن بن علي مقبله من الشام عن الإيمان فقرأ {ليس البر} الآية».
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة قال: «كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت {ليس البر أن تولوا وجوهكم} الآية».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: «{ليس البر أن تولوا وجوهكم} يعني في الصلاة يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا فهذا حين تحول من مكه إلى المديته ونزلت الفرائض وحد الحدود فأمر الله بالفرائض والعمل بها».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «هذه الآيه نزلت بالمدينه {ليس البر أن تولوا وجوهكم} يعني الصلاة تبدل ليس البر أن تصلوا ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ليس البر} الآية، قال: «ذكر لنا أن رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله هذه الآية فدعا الرجل فتلاها عليه وقد كان الرجل قبل الفرائض إذ شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له في خير فأنزل الله {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} وكانت اليهود توجهت قبل المغرب والنصارى قبل المشرق {ولكن البر من آمن بالله} الآية».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: «كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت {ليس البر أن تولوا وجوهكم} الآية».
وأخرج أبو عبيد في فضائله والثعلبي من طريق هرون عن ابن مسعود وأبي بن كعب أنهما قرآ (ليس البر بأن تولوا).
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أبي ميسرة قال: «من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان {ليس البر} الآية».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد: «{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر} ما ثبت في القلوب من طاعة الله».
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: «في قراءتنا مكان ليس البر أن تولوا ولا تحسبن أن البر»). [الدر المنثور: 2/ 138-141]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين}:
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب: أنهم بينما هم جلوس عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يمشي حسن الشعر عليه ثياب بياض فنظر القوم بعضهم إلى بعض ما نعرف هذا وما هذا بصاحب سفر ثم قال: يا رسول الله آتيك؟ قال: «نعم»، فجاءه فوضع ركبتيه عند ركبتيه ويديه على فخذيه فقال: ما الإسلام؟، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت»، قال: فما الإيمان؟، قال: «أن تؤمن بالله وملائكته» (ولفظ ابن مردويه: أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين
والجنة والنار والبعث بعد الموت والقدر كله)، قال: فما الإحسان؟، قال: «أن تعمل لله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك»، قال: فمتى الساعة؟، قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل»، قال: فما أشراطها؟، قال: «إذا العراة الحفاة العالة رعاء الشاء تطاولوا في البنيان وولدت الإماء أربابهن»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي بالرجل»، فطلبوه فلم يروا شيئا فمكث يومين أو ثلاثة ثم قال: «يا ابن الخطاب أتدري من السائل كذا وكذا؟»، قال: الله ورسوله أعلم، قال: «ذاك جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم».
وأخرج أحمد والبزارعن ابن عباس قال: «جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا كفيه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله حدثني عن الإسلام، قال: «الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله»، قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت، قال: يا رسول الله حدثني عن الإيمان، قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وباليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، والموت والحياة بعد الموت، وتؤمن بالجنة والنار والحساب والميزان، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره»، قال: فإذ فعلت فقد آمنت، قال: يا رسول الله حدثني ما الإحسان؟ قال: «الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه فإن لا تراه فإنه يراك».
وأخرج البزار عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه إذا جاءه رجل ليس عليه ثياب السفر يتخلل الناس حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده على ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: «شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، قال: فإذا فعلت فأنا مؤمن؟، قال: «نعم»، قال: صدقت، قال: يا محمد ما الإحسان؟ قال: «أن تخشى الله كأنك تراه فإن لم تراه فإن يراك»، قال: فإذا فعلت فأنا محسن؟ قال: «نعم»، قال: صدقت، قال: يا محمد متى الساعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل»، وأدبر الرجل فذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي بالرجل»، فاتبعوه يطلبونه فلم يروا شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وأبي ذر قالا: إنا لجلوس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في مجلسه محتب إذ أقبل رجل من أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا وأنقى الناس ثوبا فقال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان»، قال: فإذا فعلت هذا فقد أسلمت؟، قال: «نعم»، قال: صدقت، فقال: يا محمد أخبرني ما الإيمان؟، قال: «الإيمان بالله وملائكته والكتاب والنبيين وتؤمن بالقدر كله»، قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟، قال: «نعم»، قال: صدقت.
وأخرج أحمد والنسائي عن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله ما الذي بعثك الله به؟ قال: «بعثني الله بالإسلام»، قلت: وما الإسلام؟، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة»). [الدر المنثور: 2/ 141-144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وآتى المال على حبه}:
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: «{وآتى المال} يعني أعطى المال {على حبه} يعني على حب المال».
وأخرج ابن المبارك في الزهد ووكيع وسفيان بن عينية وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود {وآتى المال على حبه} قال: «يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر».
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود مرفوعا، مثله.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن المطلب: أن قيل: يا رسول الله ما آتى المال على حبه؟ فكلنا نحبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تؤتيه حين تؤتيه ونفسك حين تحدثك بطول العمر والفقر».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا إلا وقد كان لفلان».
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل الذي ينفق أو يتصدق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع»). [الدر المنثور: 2/ 144-146]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ذوي القربى}:
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: «{ذوي القربى} يعني قرابته».
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح».
وأخرج أحمد والدارمي والطبراني عن حكيم بن حزام: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصدقات أيهما أفضل؟ قال: «على ذي الرحم الكاشح».
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن حبان والحاكم وصححه عن ميمونة أم المؤمنين قال: أعتقت جارية لي فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أما لو أعطيتها بعض أخوالك كان أعظم لأجرك».
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس: أن ميمونة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جارية تعتقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيها أختك ترعى عليها وصلي بها رحما فإنه خير لك».
وأخرج ابن المنذر عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: يا رسول الله إن لي مثقالا من ذهب، قال: «اجعليها في قرابتك».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه والحاكم والبيهقي في "سننه" عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتجزئ عني من الصدقة النفقة على زوجي وأيتام في حجري قال: «لك أجران: أجر الصدقة وأجر القرابة»). [الدر المنثور: 2/ 146-148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وابن السبيل}:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين».
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: «ابن السبيل الذي يمر عليك وهو مسافر»). [الدر المنثور: 2/ 148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {والسائلين}:
أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {والسائلين} قال: «السائل الذي يسألك».
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن أبي حاتم عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للسائل حق وإن جاء على فرس».
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا السائل وإن كان على فرس».
وأخرج ابن أبي شيبه عن سالم بن أبي الجعد قال: «قال عيسى بن مريم: للسائل حق وإن جاء على فرس مطوق بالفضة».
وأخرج ابن سعد والترمذي وصححه، وابن خزيمة، وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن بجيد عن جدته أم بجيد وكانت ممن تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئا أعطيه إياه فقال لها: «إن لم
تجدي إلا ظلفا محرقا فادفعيه إليه»، ولفظ ابن خزيمة: «ولا تردي سائلك ولو بظلف».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن سعد من طريق عمرو بن معاذ الأنصاري عن جدته حواء قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ردوا السائل ولو بظلف محرق».
وأخرج ابن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن قال: «كان يقال: ردوا السائل ولو بمثل رأس القطاة».
وأخرج أبو نعيم والثعلبي والديلمي والخطيب في رواة مالك بسند واه عن ابن عمر مرفوعا: «هدية الله للمؤمن السائل على بابه».
وأخرج ابن شاهين، وابن النجار في تاريخه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على هدايا الله عز وجل إلى خلقه؟» قلنا: بلى، قال: «الفقير هو هدية الله قبل ذلك أو ترك»). [الدر المنثور: 2/ 148-150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وفي الرقاب}:
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: «{وفي الرقاب} يعني فكاك الرقاب»). [الدر المنثور: 2/ 150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وأقام الصلاة وآتى الزكاة}:
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: «{وأقام الصلاة} يعني وأتم الصلاة المكتوبة {وآتى الزكاة} يعني الزكاة المفروضة»
وأخرج الترمذي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي والدارقطني، وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في المال حق سوى الزكاة ثم قرأ {ليس البر أن تولوا وجوهكم} الآية».
وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: سئل في المال حق بعد الزكاة؟ قال: «نعم، تحمل على النجيبة».
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي: «أنه سئل هل على الرجل في ماله حق سوى الزكاة؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية {وآتى المال على حبه ذوي القربى} إلى آخر الآية».
وأخرج عبد بن حميد عن ربيعة بن كلثوم قال: حدثني أبي قال لي مسلم بن يسار: «إن الصلاة صلاتان وإن الزكاة زكاتان والله إنه لفي كتاب الله أقرأ عليك به قرآنا، قلت له: أقرأ، قال: فإن الله يقول في كتابه {ليس البر أن تولوا وجوهكم} إلى قوله: {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فهذا وما دونه تطوع كله {وأقام الصلاة} على الفريضة {وآتى الزكاة} فهاتان فريضتان»). [الدر المنثور: 2/ 151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}:
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} قال: «فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه ومن أعطى ذمة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: «{والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} يعني فيما بينهم وبين الناس»). [الدر المنثور: 2/ 152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس}:
أخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال: «{البأساء والضراء} السقم {وحين البأس} حين القتال».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: «كنا نحدث أن البأساء البؤس والفقر والضراء السقم والوجع وحين البأس عند مواطن القتال».
وأخرج الطستي عن ابن عباس: «أن نافع بن الأزرق سأله عن البأساء والضراء قال: البأساء الخصب والضراء الجدب، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟، قال: نعم أما سمعت قول زيد بن عمرو:

إن الإله عزيز واسع حكم ....... بكفه الضر والبأساء والنعم» ). [الدر المنثور: 2/ 152-153]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {أولئك الذين صدقوا}:
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: «{أولئك} يعني الذين فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية هم الذين صدقوا».
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: {أولئك الذين صدقوا} قال: «تكلموا بكلام الإيمان فكانت حقيقته العمل صدقوا الله» قال: وكان الحسن يقول: «هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء».
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي عامر الأشعري قال: قلت يا رسول الله ما تمام البر؟ قال: «تعمل في السر عمل العلانية».
وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي شيبان قال: «سألت زيد بن رفيع فقلت: يا أبا جعفر ما تقول في الخوارج في تكفيرهم الناس؟ قال: كذبوا بقول الله عز وجل {ليس البر أن تولوا وجوهكم} الآية، فمن آمن فهو مؤمن ومن كفر بهن فهو كافر»). [الدر المنثور: 2/ 153]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 11:27 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لّيس البرّ أن تولّوا وجوهكم...}
إن شئت رفعت "البرّ" , وجعلت "أن تولوا" في موضع نصب,
وإن شئت نصبته وجعلت "أن تولّوا" في موضع رفع؛ كما قال: {فكان عاقبتهما أنّهما في النّار} في كثير من القرآن, وفي إحدى القراءتين "ليس البرّ بأن"، فلذلك اخترنا الرفع في "البرّ"، والمعنى في قوله: {ليس البرّ بأن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} , أي: ليس البرّ كله في توجّهكم إلى الصلاة , واختلاف القبلتين , {ولكنّ البرّ من آمن باللّه}, ثم وصف ما وصف إلى آخر الآية, وهي من صفات الأنبياء لا لغيرهم.
وأمّا قوله: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه} , فإنه من كلام العرب أن يقولوا: إنما البرّ الصادق الذي يصل رحمه، ويخفى صدقته , فيجعل الاسم خبرا للفعل والفعل خبراً للاسم؛ لأنه أمر معروف المعنى.
فأمّا الفعل الذي جعل خبراً للاسم فقوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم}, فـ (هو) كناية عن البخل. فهذا لمن جعل "الذين" في موضع نصبٍ , وقرأها "تحسبنّ" بالتاء, ومن قرأ بياء جعل "الذين" في موضع رفع، وجعل (هو) عماداً للبخل المضمر، فاكتفى بما ظهر في "يبخلون" من ذكر البخل؛ ومثله في الكلام:

هم الملوك وأبناء الملوك لهم ....... والآخذون به والساسة الأول

قوله: به يريد: بالملك، وقال آخر:

إذا نهي السفيه جرى إليه ....... وخالف والسفيه إلى خلاف

يريد : إلى السفه.
وأما الأفعال التي جعلت أخباراً للناس , فقول الشاعر:

لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ....... ولكنما الفتان كلّ فتىً ندي

فجعل "أن" خبراً للفتيان.
وقوله: {من آمن باللّه} , (من) في موضع رفع، وما بعدها صلة لها، حتى ينتهي إلى قوله: {والموفون بعهدهم}, فتردّ "الموفون" على "من" , و"والموفون" من صفة "من" ؛ كأنه: من آمن , ومن فعل , وأوفى, ونصبت{الصابرين}؛ لأنها من صفة "من" , وإنما نصبت لأنها من صفة اسم واحد، فكأنه ذهب به إلى المدح؛ والعرب تعترض من صفات الواحد إذا تطاولت بالمدح أو الذمّ , فيرفعون إذا كان الاسم رفعاً, وينصبون بعض المدح ؛ فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدحٍ مجدّدٍ غير متبع لأوّل الكلام؛ من ذلك قول الشاعر:

لا يبعدن قومى الذين هم ....... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معتركٍ ....... والطيّبين معاقد الأزر

وربما رفعوا (النازلون) , و(الطيبون)، وربما نصبوهما على المدح، والرفع على أن يتبع آخر الكلام أوّله, وقال بعض الشعراء:

إلى الملك القرم وابن الهمام ....... وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغمّ الأمور ....... بذات الصليل وذات الّلجم

فنصب (ليث الكتيبة) , و(ذا الرأي) على المدح والاسم قبلهما مخفوض؛ لأنه من صفة واحدٍ، فلو كان الليث غير الملك لم يكن إلا تابعاً, كما تقول مررت بالرجل والمرأة، وأشباهه, قال: , وأنشدني بعضهم:

فليت التي فيها النجوم تواضعت ....... على كل غثّ منهم وسمين
غيوث الحيا في كل محلٍ ولزبةٍ ....... أسود الشّرى يحمين كلّ عرين

فنصب, ونرى أنّ قوله: {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة}, أنّ نصب "المقيمين" على أنه نعت للراسخين، فطال نعته , ونصب على ما فسّرت لك, وفي قراءة عبد الله : "والمقيمون - والمؤتون" , وفي قراءة أبيّ : "والمقيمين" , ولم يجتمع في قراءتنا وفي قراءة أبيّ إلا على صوابٍ, و الله أعلم.
حدّثنا الفرّاء قال: وقد حدثني أبو معاوية الصرير , عن هشام بن عروة , عن أبيه, عن عائشة : أنها سئلت عن قوله: {إنّ هذان لساحران}, وعن قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} , وعن قوله: {والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة} , فقالت: يا ابن أخي , هذا كان خطأ من الكاتب.
وقال فيه الكسائيّ: "والمقيمين" موضعه خفض يردّ على قوله: {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}: ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هم , والمؤتون الزكاة, قال: وهو بمنزلة قوله: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين},
وكان النحويّون يقولون: "المقيمين" مردودة على {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك... إلى المقيمين} , وبعضهم:{لكن الراسخون في العلم منهم}, ومن "المقيمين" , وبعضهم "من قبلك" , ومن قبل "المقيمين".
وإنما امتنع من مذهب المدح - يعني الكسائيّ - الذي فسّرت لك ؛ لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم يتمم الكلام في سورة النساء, ألا ترى أنك حين قلت: {لكن الراسخون في العلم منهم }, إلى قوله:{والمقيمين ... والمؤتون}, كأنك منتظر لخبره وخبره في قوله: {أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً} , والكلام أكثره على ما وصف الكسائي, ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام في الناقص , وفي التامّ كالواحد؛ ألا ترى أنهم قالوا في الشعر:

حتى إذا قملت بطونكم ....... ورأيتم أبناءكم شبّوا
وقلبتم ظهر المجنّ لنا ....... إنّ اللئيم العاجز الخبّ

فجعل جواب {حتى إذا}بالواو، وكان ينبغي ألا يكون فيه واو، فاجتزئ بالإتباع , ولا خبر بعد ذلك, وهذا أشدّ ما وصفت لك.
ومثله في قوله: {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها}
, ومثله, وفي قوله: {فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم} جعل بالواو, وفي قراءة عبد الله :{فلمّا جهّزهم بجهازهم وجعل السّقاية}, وفي قراءتنا بغير واو, وكلٌّ عربيّ حسن.
وقد قال بعضهم:{وآتى المال على حبه ذوي القربى ...والصابرين}, فنصب الصابرين على إيقاع الفعل عليهم, والوجه أن يكون نصباً على نيّة المدح؛ لأنه من صفة شيء واحد, والعرب تقول في النكرات كما يقولونه في المعرفة , فيقولون: مررت برجل جميل وشابّاً بعد، ومررت برجل عاقل وشرمحاً طوالا؛ وينشدون قوله:

ويأوي إلى نسوةٍ بائساتٍ ....... وشعثاً مراضيع مثل السّعالي

(وشعثٍ) , فيجعلونها خفضا بإتباعها أوّل الكلام، ونصباً على نية ذمّ في هذا الموضع). [معاني القرآن: 1/ 103-108]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله}, فالعرب تجعل المصادر صفاتٍ، فمجاز البرّ ها هنا: مجاز صفة ل(من آمن بالله)، وفي الكلام: ولكن البارّ من آمن بالله، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي= على وعلٍ في ذي القفارة عاقل
{والموفون بعهدهم}: رفعت على موالاة قوله: {ولكنّ البرّ من آمن بالله}, وفي وفعل {والموفون بعهدهم}, ثم أخرجوا :{والصّابرين في البأساء} من الأسماء المرفوعة، والعرب تفعل ذلك إذا كثر الكلام؛ سمعت من ينشد بيت خرنق بنت هفّان من بني سعد بن ضبيعة، رهط الأعشى:

لا يبعدن قومي الذين هم ....... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معتركٍ ....... والطيبين معاقد الأزر

فيخرجون البيت الثاني من الرفع إلى النصب، ومنهم من يرفعه على موالاة أوله في موضع الرفع). [مجاز القرآن: 1/ 65-66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لّيس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}
قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين}, ثم قال: {وآتى المال على حبّه} , {وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة} , فهو على أول الكلام :{ولكنّ البرّ برّ من آمن باللّه وأقام الصلاة وآتى الزكاة} , ثم قال: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين}, فـ{الموفون} رفع على "ولكنّ الموفين" يريد "برّ الموفين" , فلما لم يذكر "البرّ" , أقام {الموفون} مقام البرّ كما قال: {وسأل القرية} فنصبها على {اسأل} , وهو يريد "أهل القرية"، ثم نصب {الصّابرين} على فعل مضمر كما قال: {لّكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون} , ثم قال: {والمقيمين}, فنصب على فعل مضمر , ثم قال: {والمؤتون الزّكاة} , فيكون رفعاً على الابتداء , أو بعطفه على "الراسخين", قال الشاعر:

لا يبعدن قومي الذين هم ....... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معتركٍ ....... والطّيّبون معاقد الأزر

ومنهم من يقول "النازلون" و"الطيبين",
ومنهم من يرفعهما جميعاً, وينصبهما جميعاً كما فسرت لك, ويكون {الصّابرين} معطوفاً على {ذوي القربى} , {وآتى الصّابرين}.
وقال: {في البأساء والضّرّاء} , فبناه على "فعلاء" وليس له "أفعل" لأنه اسم، كما قد جاء "أفعل" في الأسماء ليس معه "فعلاء" نحو "أحمد".
وقد قالوا "أفعل" في الصفة ولم يجئ له "فعلاء"، قالوا: "أنت من ذاك أوجل" و"أوجر" , ولم يقولوا: "وجلاء" ولا "وجراء" , وهما من الخوف, ومنه "رجلٌ أوجل" و"أوجر").
[معاني القرآن: 1/ 124]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن {ليس البر أن تولوا ... ولكن البر} يرفع ويخفف.
الأعرج {ليس البر ... ولكن البر} يثقل وينصب، وهي قراءة أبي عمرو.
وقراءة أخرى {ليس البر أن تولوا} بالنصب، ولا بأس بها؛ وهي قراءة أصحاب عبد الله يصيرون {أن تولوا} اسم {ليس} و{البر} خبرًا.
وإذا رفعت {البر} صيرته الاسم، و{أن تولوا} الخبر؛ وكل حسن). [معاني القرآن لقطرب: 261]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {البأساء والضراء} فكان الحسن يقول: البأساء من البؤس، والضراء الوجع؛ وهو عند العرب: الضر؛ وقالوا أيضًا: مسته تضرة أي ضر؛ وضرارة وضارورة وضيرورة؛ كلها في معنى واحد.
وأما السراء: فالسرور، وقال بعضهم: مسهم الضرى والسرى فقصر؛ يريد: الضراء والسراء.
وقال النابغة:
غرائر لم يلقين بأساء قبلها = لدى ابن الجلاح ما يثقن بوافد). [معاني القرآن لقطرب: 344]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ابن السّبيل}: الضّيف , و{والصّابرين في البأساء},أي: في الفقر,وهو من البؤس.
{والضّرّاء}: المرض والزّمانة والضر, ومنه يقال: ضرير بيّن الضّر, فأما الضّر - بفتح الضاد - فهو ضدّ النفع.
{وحين البأس}, أي : حين الشدّة, ومنه يقال: لا بأس عليك, وقيل للحرب: البأس). [تفسير غريب القرآن: 70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}
المعنى: ليس البر كله في الصلاة , {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه } إلى آخر الآية،
فقيل:إن هذا خصوص في الأنبياء وحدهم؛ لأن هذه الأشياء التي وصفت لا يؤديها بكليتها على حق الواجب إلا الأنبياء عليهم السلام, وجائز أن يكون لسائر الناس، لأن اللّه عزّ وجلّ قد أمر الخلق بجميع ما في هذه الآية.
ولك في البرّ وجهان:
1- لك أن تقرأ :{ليس البرّ أن تولّوا}, و {ليس البرّ أن تولّوا}, فمن نصب جعل أن مع صلتها الاسم، فيكون المعنى: ليس توليتكم وجوهكم البرّ كلّه، ومن رفع البر فالمعنى: ليس البّر كله توليتكم، فيكون البر اسم ليس، وتكون{أن تولّوا} الخبر.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر}
إذا شددت (لكنّ) نصبت البر، وإذا خففت رفعت البر، فقلت ولكن البر من آمن باللّه، وكسرت النون من التخفيف لالتقاء السّاكنين، والمعنى: ولكن ذا البر من آمن باللّه،
ويجوز أن تكون: ولكن البر بر من آمن باللّه، كما قال الشاعر:

وكيف تواصل من أصبحت ....... خلالته كأبي مرحب

المعنى كخلالة أبي مرحب, ومثله:{واسأل القرية الّتي كنّا فيها}
المعنى: وأسال أهل القرية.
وقوله عزّ وجلّ: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}.
في رفعها قولان:
الأجود أن يكون: مرفوعاً على المدح؛ لأن النعت إذا طال , وكثر رفع بعضه , ونصب على المدح.
المعنى: هم الموفون بعهدهم , وجائز أن يكون معطوفاً على من, المعنى: ولكن البر، وذو البر المؤمنون, والموفون بعهدهم.
وقوله عزّ وجلّ: {والصّابرين}
في نصبها وجهان: أجودهما: المدح كما وصفنا في النعت إذا طال.
المعنى: أعني الصابرين،
قال بعض النحويين: إنه معطوف على ذوي القربى.
كأنه قال: وآتي المال على حبه ذوي القربى , والصابرين , وهذا لا يصلح إلا أن يكون: والموفون رفع على المدح للمضمرين؛ لأن ما في الصلة لا يعطف عليه بعد المعطوف على الموصول.
ومعنى {وحين البأس},أي: شدة الحرب، يقال: قد بأس الرجل يبأس بأساً وباساً, وبؤساً, يا هذا إذا افتقر, وقد بؤس الرجل ببؤس، فهو بئيس ؛ إذا اشتدت شجاعته). [معاني القرآن: 1/ 246-248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وابن السبيل}: المسافر المحتاج، وقيل: الضيف الغريب, {في البأساء}: في الفقر , {والضراء}: الزمانة، والضر بالضم: الوجع والمرض، والضر بالفتح: ضد النفع, {وحين البأس}: حين الشدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:01 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما جاء على اتّساع الكلام والاختصار قوله تعالى جدّه: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} إنّما يريد أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كما كان عاملاً في الأهل لو كان ها هنا.
ومثله: {بل مكر الليل والنهار} وإنّما المعنى بل مكركم في الليل والنهار. وقال عزّ وجلّ: {ولكن البر من آمن بالله} وإنّما هو ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله واليوم الآخر.
ومثله في الاتّساع قوله عزّ وجلّ: {ومثل الّذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً} فلم يشبّهوا بما ينعق وإنّما شبّهوا بالمنعوق به. وإنّما المعنى مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع. ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى). [الكتاب: 1/ 212] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: سر ما إن زيداً يحبه من هند جاريته. فوصلت ما وهي في معنى الذي بإن، وما عملت فيه لأن إن إنما دخلت على الابتداء والخبر، والمعنى كذلك، وكذلك أخواتها. قال الله عز وجل: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة. وتقول على هذا: جاءني الذي كأن زيدا أخوه، ورأيت الذي ليته عندنا وكذلك كل شيءٍ يكون جملة. تقول: الذي إن تأته يأتك زيد، ورأيت الذي من يأته يكرمه. فإن قلت: رأيت الذي من يأتيه يكرمه جاز. تجعل من في موضع الذي. فكأنك قلت: رأيت الذي زيد يكرمه؛ لأن من صلتها: يأتيه، وخبرها: يكرمه. فأما قول الله عز وجل: {فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} فإن من الأولى في معنى الذي، ولا يكون الفعل بعدها إلا مرفوعاً. فأما الثانية فوجهها الجزم بالجزاء، ولو رفع رافع على معنى الذي كان جيداً؛ لأن تصييرها على معنى الذي لا يخرجها من الجزاء. ألا ترى أنك تقول: الذي يأتيك فله درهم. فلولا أن الدرهم يجب بالإتيان لم يجز دخول الفاء؛ كما لا يجوز: زيد فله درهم، وعبد الله فمنطلق.وقال الله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم}. فقد علمت أن الأجر إنما وجب بالإنفاق. فإذا قلت: الذي يأتيك له درهم لم تجعل الدرهم له بالإتيان. فإذا كانت في معنى الجزاء جاز أن تفرد لها وأنت تريد الجماعة؛ كما يكون من وما، قال الله عز وجل: {والذي جاء بالصدق وصدق به}. فهذا لكل من فعل، ولذلك قال: {وأولئك هم المتقون}. فهذه أصول، ونرجع إلى المسائل إن شاء الله). [المقتضب: 3/ 194-196] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:


ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ....... فــإنــمــا هــــــي إقـــبـــالٌ وإدبــــــار

أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:


وكيف تواصل من أصبحت ....... خــلالــتـــه كـــأبــــي مـــرحــــب

يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:


وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ....... على وعلٍ فـي ذي الفقـارة عاقـل

واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:


مـا إن يمـس الأرض إلا منـكـبٌ ....... منه وحرف الساق طي المحمل

وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/ 230-232] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال أعرابي أنشدنيه أبو العالية:


ألا تسـأل ذا العـلـم مــا الــذي ....... يحل من التقبيل في رمضان؟
فقـال لـي المكـي: أمـا لزوجـةٍ ....... فـسـبــع، وأمــــا خــلــةٍ فـثـمـانـي

قوله: "خلةٍ" يريد ذات خلة، ويكون سماها المصدر، كما قالت الخنساء:


............فإنما هي إقبال وإدبار

يجوز أن تكون نعتتها بالصدر لكثرته منها، ويجوز أن تكون أرادت ذات إقبال وإدبار، فحذفت المضاف وأقامت المضاف إليه مقامه، كما قال عز وجل: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} فجائز أن يكون المعنى بر من آمن بالله، وجائز أن يكون ذا البر من آمن بالله، والمعنى يؤول إلى شيء واحد.
وفي هذا الشعر عيب، وهو الذي يسميه النحويون العطف على عاملين، وذلك أنه عطف "خلةٌ" على اللام الخافضة لزوجة، وعطف "ثمانيا" على "سبع"، ويلزم من قال هذا أن يقول: مر عبد الله بزيد وعمرو وخالد، ففيه هذا القبح، وقد قرأ بعض القراء وليس بجائز عندنا: (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٍ) فجعل "آيات" في موضع نصب وخفضها لتاء الجميع فحملها على "إن" وعطفها بالواو، وعطف "اختلافا" على "في" ولا أرى ذا في القرآن جائزاٌ لإنه ليس بموضع ضرورة، وأنشد سيبويه لعدي بن زيد العبادي:


أكل امرئ تحسبين امرأ ....... ونــار تـوقــد بالـلـيـل نـــارا

فعطف على "امرئ" وعلى المنصوب الأول.
"قال أبو الحسن: وفيه عيب آخر أن "أما" ليست من العطف في شيء، وقد أجرى"خلة" بعدها مجراها بعد حروف العطف حملاً على المعنى، فكأنه قال: لزوجةٍ كذا ولخلة كذا). [الكامل: 1/ 374-376]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "وإن عاهدوا أوفوا" أوفى، أحسن اللغتين، يقال وفى وأوفى. قال الشاعر – فجمع بين اللغتين:


أمـا ابـن بيـض فقـد أوفــى بذمـتـه .......كما وفى بقلاص النجم حاديها

وفي القرآن: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ}، وقال الله تبارك وتعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} وقال عز وجل: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}.
فهذا كله على أوفى. وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما روي من أنه قتل مسلمًا بمعاهد، وقال: «أنا أولى من أوفى بذمته».
وقال السموأل في اللغة الأخرى:


وفيت بأدرع الكندي إني ....... إذا عاهدت أقوامًا وفيـت

وقال المكعبر الضبي:


وفيت وفاء لهم ير الناس مثله ....... بتعشـار إذ تحبـو إلــي الأكـابـر

). [الكامل: 2/ 718-719] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (


هل أبذل المال على حبه ....... فيهم وآتـي دعـوة الداعـي

لم يقل الضبي فيه شيئًا والمعنى فيه أي أبذل المال على حبي إياه وحاجتي إليه وإنما يريد ذلك في صعوبة الزمان لأن الناس في ذلك الوقت يشحون على أموالهم أكثر مما يشحون في غير ذلك الوقت. وقال الله تعالى: {وآتى المال على حبه} وقال جل ذكره: {حتى تنفقوا مما تحبون} ). [شرح المفضليات: 571]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (الكلام على الأمة والمال
...
قال وحدّثنا أبو بكر بن الأنباريّ، رحمه اللّه، قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشامٌ، قال: حدّثنا قتادة، عن مطرّف بن عبد اللّه، عن أبيه، أنّه أتى على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ: (ألهاكم التّكاثر) فقال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو تصدّقت فأمضيت، أو لبست فأبليت " قال أبو بكر: المال عند العرب الإبل والغنم، والفضّة: الرّقة والورق، والذّهب: النّضر والنّضير والعقيان
قال: وحدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، قال: المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة، وما نقص من ذلك فلا يقع عليه مال.
قال: وأنشدنا أبو العباس:


ألا يـــــــا قـــــــرّ لاتــــــــك ســامـــريًـــا ....... فـتـتـرك مـــن يـــزورك فـــي جــهــاد
أتـعـجــب أن رأيــــت عــلــى ديــنًــا ....... وأن ذهــب الطـريـف مــع الـتــلاد
مـــلأت يـــدي مـــن الـدنـيـا مـــرارًا ....... فما طمع العواذل في اقتصادي
ولا وجــبــت عــلــى زكـــــاة مـــــالٍ ....... وهــل تـجـب الـزكـاة عـلـى جــواد

). [الأمالي: 2/ 301-302]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ليس البرّ} الآية: قرأ أكثر السبعة برفع الراء، و «البرّ» اسم ليس، قال أبو علي: «ليس بمنزلة الفعل فالوجه أن يليها الفاعل ثم المفعول».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «مذهب أبي علي أن ليس حرف»، والصواب الذي عليه الجمهور أنها فعل، وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص «ليس البرّ» بنصب الراء، جعل أن تولّوا بمنزلة المضمر، إذ لا يوصف كما لا يوصف المضمر، والمضمر أولى أن يكون اسما يخبر عنه، وفي مصحف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ليس البرّ بأن تولوا، وقال الأعمش: إن في مصحف عبد الله: لا تحسبن البر، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: «الخطاب بهذه الآية للمؤمنين»، فالمعنى ليس البر الصلاة وحدها، وقال قتادة والربيع: «الخطاب لليهود والنصارى لأنهم اختلفوا في التوجه والتولي، فاليهود إلى بيت المقدس والنصارى إلى مطلع الشمس، وتكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليها، فقيل لهم ليس البر ما أنتم فيه ولكن البر من آمن بالله». قرأ قوم «ولكنّ البرّ» بشد النون ونصب البر، وقرأ الجمهور «ولكن البر» والتقدير ولكن البر بر من، وقيل: التقدير ولكن ذو البر من، وقيل: البرّ بمنزلة اسم الفاعل تقديره ولكن البار من، والمصدر إذا أنزل منزلة اسم الفاعل فهو ولا بد محمول على حذف مضاف، كقولك رجل عدل ورضى.
والإيمان التصديق، أي صدق بالله تعالى وبهذه الأمور كلها حسب مخبرات الشرائع.
وقوله تعالى: {وآتى المال على حبّه} الآية، هذه كلها حقوق في المال سوى الزكاة، وبها كمال البر، وقيل هي الزكاة، وآتى معناه أعطى، والضمير في حبّه عائد على المال فالمصدر مضاف إلى المفعول، ويجيء قوله: {على حبّه} اعتراضا بليغا أثناء القول، ويحتمل أن يعود الضمير على الإيتاء أي في وقت حاجة من الناس وفاقة، وفإيتاء المال حبيب إليهم، ويحتمل أن يعود الضمير على اسم الله تعالى من قوله: {من آمن باللّه} أي من تصدق محبة في الله تعالى وطاعاته، ويحتمل أن يعود على الضمير المستكن في آتى أي على حبه المال، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، والمعنى المقصود: أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو شحيح صحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى، كما قال صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والشح في هذا الحديث هو الغريزي الذي في قوله تعالى:{وأحضرت الأنفس الشّحّ}»[النساء: 128]، وليس المعنى أن يكون المتصدق متصفا بالشح الذي هو البخل، و{ذوي القربى} يراد به قرابة النسب.
واليتم في الآدميين من قبل الأب قبل البلوغ، وقال مجاهد وغيره: «ابن السّبيل المسافر لملازمته السبيل».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا كما يقال ابن ماء للطائر الملازم للماء»، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة ابن زنى» أي الملازم له، وقيل: لما كانت السبيل تبرزه شبه ذلك بالولادة فنسب إليها، وقال قتادة: «ابن السّبيل الضيف»، والأول أعم، {وفي الرّقاب}: يراد به العتق وفك الأسرى وإعطاء أواخر الكتابات، {وأقام الصّلاة} أتمها بشروطها، وذكر الزكاة هنا دليل على أن ما تقدم ليس بالزكاة المفروضة، والموفون عطف على من في قوله: {من آمن}، ويحتمل أن يقدر وهم الموفون، والصّابرين نصب على المدح أو على إضمار فعل، وهذا مهيع في تكرار النعوت، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «والموفين» على المدح أو على قطع النعوت، وقرأ يعقوب والأعمش والحسن والموفون «والصابرون»، وقرأ الجحدري بعهودهم، والبأساء الفقر والفاقة، والضّرّاء المرض ومصائب البدن، وحين البأس وقت شدة القتال.
هذا قول المفسرين في الألفاظ الثلاثة، وتقول العرب: بئس الرجل إذا افتقر، وبؤس إذا شجع.
ثم وصف تعالى أهل هذه الأفعال البرة بالصدق في أمورهم أي هم عند الظن بهم والرجاء فيهم كما تقول: صدقني المال وصدقني الربح، ومنه عود صدق، وتحتمل اللفظة أيضا صدق الإخبار، ووصفهم الله تعالى بالتقى، والمعنى هم الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية من العمل الصالح). [المحرر الوجيز: 1/ 419-422]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}
اشتملت هذه الآية الكريمة، على جمل عظيمةٍ، وقواعد عميمةٍ، وعقيدةٍ مستقيمةٍ، كما قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبيد بن هشامٍ الحلبيّ، حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن عامر بن شفي، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ، عن أبي ذرٍّ: «أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الإيمان؟ فتلا عليه: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم} إلى آخر الآية. قال: ثمّ سأله أيضًا، فتلاها عليه ثمّ سأله. فقال: «إذا عملت حسنةً أحبّها قلبك، وإذا عملت سيّئةً أبغضها قلبك». وهذا منقطعٌ؛ فإنّ مجاهدًا لم يدرك أبا ذرٍّ؛ فإنّه مات قديمًا.
وقال المسعوديّ: حدّثنا القاسم بن عبد الرّحمن، قال: «جاء رجلٌ إلى أبي ذرٍّ، فقال: ما الإيمان؟ فقرأ عليه هذه الآية: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم} حتّى فرغ منها. فقال الرّجل: ليس عن البرّ سألتك. فقال أبو ذرٍّ: «جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عمّا سألتني عنه، فقرأ عليه هذه الآية، فأبى أن يرضى كما أبيت أنت أن ترضى فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -وأشار بيده -: «المؤمن إذا عمل حسنةً سرته ورجا ثوابها، وإذا عمل سيّئةً أحزنته وخاف عقابها».
رواه ابن مردويه، وهذا أيضًا منقطعٌ، واللّه أعلم.
وأمّا الكلام على تفسير هذه الآية، فإنّ اللّه تعالى لمّا أمر المؤمنين أوّلًا بالتّوجّه إلى بيت المقدس، ثمّ حوّلهم إلى الكعبة، شقّ ذلك على نفوس طائفةٍ من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل اللّه تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أنّ المراد إنّما هو طاعة اللّه عزّ وجلّ، وامتثال أوامره، والتّوجّه حيثما وجّه، واتّباع ما شرع، فهذا هو البرّ والتّقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التّوجّه إلى جهةٍ من المشرق إلى المغرب برٌّ ولا طاعةٌ، إن لم يكن عن أمر اللّه وشرعه؛ ولهذا قال: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر} الآية، كما قال في الأضاحيّ والهدايا: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم} [الحجّ: 37].
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: «ليس البرّ أن تصلّوا ولا تعملوا». فهذا حين تحوّل من مكّة إلى المدينة ونزلت الفرائض والحدود، فأمر اللّه بالفرائض والعمل بها. وروي عن الضّحّاك ومقاتلٍ نحو ذلك.
وقال أبو العالية: «كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النّصارى تقبل قبل المشرق، فقال اللّه تعالى: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل». وروي عن الحسن والرّبيع بن أنسٍ مثله.
وقال مجاهدٌ: «ولكنّ البرّ ما ثبت في القلوب من طاعة اللّه، عزّ وجلّ».
وقال الضّحّاك: «ولكنّ البرّ والتّقوى أن تؤدّوا الفرائض على وجوهها».
وقال الثّوريّ: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه} الآية، قال: «هذه أنواع البرّ كلّها». وصدق رحمه اللّه؛ فإنّ من اتّصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلّها، وأخذ بمجامع الخير كلّه، وهو الإيمان باللّه، وهو أنّه لا إله إلّا هو، وصدّق بوجود الملائكة الّذين هم سفرةٌ بين اللّه ورسله {والكتاب} وهو اسم جنسٍ يشمل الكتب المنزّلة من السّماء على الأنبياء، حتّى ختمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كلّ خيرٍ، واشتمل على كلّ سعادةٍ في الدّنيا والآخرة، ونسخ اللّه به كلّ ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء اللّه كلّهم من أوّلهم إلى خاتمهم محمّدٍ صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقوله: {وآتى المال على حبّه} أي: أخرجه، وهو محب له، راغبٌ فيه. نصّ على ذلك ابن مسعودٍ وسعيد بن جبيرٍ وغيرهما من السّلف والخلف، كما ثبت في الصّحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «أفضل الصّدقة أن تصدّق وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تأمل الغنى، وتخشى الفقر».
وقد روى الحاكم في مستدركه، من حديث شعبة والثّوريّ، عن منصورٍ، عن زبيد، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«{وآتى المال على حبّه} أن تعطيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تأمل الغنى وتخشى الفقر». ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه.
قلت وقد رواه وكيع عن الأعمش، وسفيان عن زبيدٍ، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ، موقوفًا، وهو أصحّ، واللّه أعلم.
وقال تعالى: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا * إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا} [الإنسان: 8، 9].
وقال تعالى: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} [آل عمران: 92] وقوله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ} [الحشر: 9] نمط آخر أرفع من هذا ومن هذا وهو أنّهم آثروا بما هم مضطرّون إليه، وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبّون له.
وقوله: {ذوي القربى} وهم: قرابات الرّجل، وهم أولى من أعطى من الصّدقة، كما ثبت في الحديث: «الصّدقة على المساكين صدقةٌ، وعلى ذوي الرّحم ثنتان: صدقةٌ وصلةٌ». فهم أولى النّاس بك وببرّك وإعطائك. وقد أمر اللّه تعالى بالإحسان إليهم في غير ما موضعٍ من كتابه العزيز.
{واليتامى} هم: الّذين لا كاسب لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغارٌ دون البلوغ والقدرة على التّكسّب، وقد قال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن النّزّال بن سبرة، عن عليٍّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يتم بعد حلم».
{والمساكين} وهم: الّذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيعطون ما تسدّ به حاجتهم وخلّتهم. وفي الصّحيحين عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده التمرة والتّمرتان واللّقمة واللّقمتان، ولكنّ المسكين الذي لا يجد غنًى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه».
{وابن السّبيل} وهو: المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفرًا في طاعةٍ، فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضّيف، كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «ابن السّبيل هو الضّيف الذي ينزل بالمسلمين»، وكذا قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وأبو جعفرٍ الباقر، والحسن، وقتادة، والضّحّاك والزّهريّ، والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان.
{والسّائلين} وهم: الّذين يتعرّضون للطّلب فيعطون من الزّكوات والصّدقات، كما قال الإمام أحمد:حدّثنا وكيع وعبد الرّحمن، قالا حدّثنا سفيان، عن مصعب بن محمّدٍ، عن يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها -قال عبد الرّحمن: حسين بن عليٍّ -قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «للسّائل حقٌّ وإن جاء على فرسٍ». رواه أبو داود.
{وفي الرّقاب} وهم: المكاتبون الّذين لا يجدون ما يؤدّونه في كتابتهم.
وسيأتي الكلام على كثيرٍ من هذه الأصناف في آية الصّدقات من براءةٍ، إن شاء اللّه تعالى. وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، حدّثنا شريكٌ، عن أبي حمزة، عن الشّعبيّ، حدّثتني فاطمة بنت قيسٍ: «أنّها سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أفي المال حقٌّ سوى الزّكاة؟ قالت: فتلا عليّ {وآتى المال على حبّه}».
ورواه ابن مردويه من حديث آدم بن أبي إياسٍ، ويحيى بن عبد الحميد، كلاهما، عن شريك، عن أبي حمزة عن الشّعبيّ، عن فاطمة بنت قيسٍ، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «في المال حقٌّ سوى الزّكاة» ثمّ تلا {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} إلى قوله: {وفي الرّقاب}».
وقد أخرجه ابن ماجه والتّرمذيّ وضعّف أبا حمزة ميمونًا الأعور، قال: وقد رواه بيانٌ وإسماعيل بن سالمٍ عن الشّعبيّ.
وقوله: {وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة} أي: وأتمّ أفعال الصّلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشّرعيّ المرضيّ.
وقوله: {وآتى الزّكاة} يحتمل أن يكون المراد به زكاة النّفس، وتخليصها من الأخلاق الدّنيّة الرّذيلة، كقوله: {قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها} [الشّمس:9، 10] وقول موسى لفرعون: {هل لك إلى أن تزكّى * وأهديك إلى ربّك فتخشى} [النّازعات: 18، 19] وقوله تعالى: {وويلٌ للمشركين * الّذين لا يؤتون الزّكاة} [فصّلت: 6، 7].
ويحتمل أن يكون المراد زكاة المال كما قاله سعيد بن جبيرٍ ومقاتل بن حيّان، ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين إنّما هو التّطوّع والبرّ والصّلة؛ ولهذا تقدّم في الحديث عن فاطمة بنت قيسٍ: أنّ في المال حقًّا سوى الزّكاة، واللّه أعلم.
وقوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} كقوله: {الّذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق} [الرّعد: 20] وعكس هذه الصّفة النّفاق، كما صحّ في الحديث: «آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». وفي الحديث الآخر:«إذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».
وقوله: {والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس} أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضّرّاء. {وحين البأس} أي: في حال القتال والتقاء الأعداء، قاله ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وأبو العالية، ومرّة الهمدانيّ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان، وأبو مالكٍ، والضّحّاك، وغيرهم.
وإنّما نصب {والصّابرين} على المدح والحثّ على الصّبر في هذه الأحوال لشدّته وصعوبته، واللّه أعلم، وهو المستعان وعليه التّكلان.
وقوله: {أولئك الّذين صدقوا} أي: هؤلاء الّذين اتّصفوا بهذه الصّفات هم الّذين صدقوا في إيمانهم؛ لأنّهم حقّقوا الإيمان القلبيّ بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الّذين صدقوا {وأولئك هم المتّقون} لأنّهم اتّقوا المحارم وفعلوا الطّاعات). [تفسير ابن كثير: 1/ 485-489]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة