العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:06 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (60) إلى الآية (63) ]

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:56 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أسامة بن زيدٍ عن صالح بن كيسان عن عقبة بن عامرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} قال: الرمي [الآية: 60].
سفيان [الثوري] عن سعيد بن دينارٍ عن عكرمة قال: القوّة: الخيل الذّكور.
سفيان [الثوري] عن سعيد بن دينارٍ عن عكرمة {ومن رباط الخيل} قال: الإناث [الآية: 60].
سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {ترهبون به عدو الله وعدوكم} قال: تخزونهم به [الآية: 60]). [تفسير الثوري: 120]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (60) : قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ... } الآية]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي عليٍّ الهمداني، أنّه سمع عقبة بن عامرٍ، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} -: ((ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي)) قالها ثلاثًا). [سنن سعيد بن منصور: 5/223]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أسامة بن زيدٍ، عن صالح بن كيسان، عن رجلٍ لم يسمّه، عن عقبة بن عامرٍ، أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ هذه الآية على المنبر: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} قال: ألا إنّ القوّة الرّمي، ثلاث مرّاتٍ، ألا إنّ اللّه سيفتح لكم الأرض، وستكفون المؤنة، فلا يعجزنّ أحدكم أن يلهو بأسهمه.
وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أسامة بن زيدٍ، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامرٍ، وحديث وكيعٍ أصحّ، وصالح بن كيسان لم يدرك عقبة بن عامرٍ وقد أدرك ابن عمر). [سنن الترمذي: 5/121]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم}.
يقول تعالى ذكره: وأعدّوا لهؤلاء الّذين كفروا بربّهم، الّذين بينكم وبينهم عهدٌ، إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيّها المؤمنون باللّه ورسوله {ما استطعتم من قوّةٍ} يقول: ما أطقتم أن تعدّوه لهم من الآلات الّتي تكون قوّةً لكم عليهم من السّلاح والخيل. {ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم} يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدوّ اللّه وعدوّكم من المشركين.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو إدريس، قال: سمعت أسامة بن زيدٍ، عن صالح بن كيسان، عن رجلٍ، من جهينة يرفع الحديث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} ألا إنّ الرّمي هو القوّة، ألا إنّ الرّمي هو القوّة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا سعيد بن شرحبيل، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، وعبد الكريم بن الحارث، عن أبي عليٍّ الهمدانيّ، أنّه سمع عقبة بن عامرٍ، على المنبر يقول: قال اللّه: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل} ألا وإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول على المنبر قال اللّه: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} ألا إنّ القوّة الرّمي ألا إنّ القوّة الرّمي ثلاثًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا محبوبٌ وجعفر بن عونٍ ووكيعٌ وأبو أسامة وأبو نعيمٍ، عن أسامة بن زيدٍ، عن صالح بن كيسان، عن رجلٍ، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل} فقال: ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي ثلاث مرّاتٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أسامة بن زيدٍ، عن صالح بن كيسان، عن رجلٍ، عن عقبة بن عامرٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ هذه الآية على المنبر، فذكر نحوه.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا أسامة بن زيدٍ، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
- حدّثنا أحمد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه محمّد بن عبيدة، عن أخيه عبد اللّه بن عبيدة، عن عقبة بن عامرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، في قوله: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} ألا إنّ القوّة الرّمي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن شعبة بن دينارٍ، عن عكرمة، في قوله: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} قال: الحصون {ومن رباط الخيل} قال: الإناث.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن أبي سلمة، قال: لقي رجلٌ مجاهدًا بمكّة، ومع مجاهدٍ جوالقٌ، قال: فقال مجاهدٌ: هذا من القوّة، ومجاهدٌ يتجهّز للغزو.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} من سلاحٍ.
وأمّا قوله: {ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم}.
- قال ابن وكيعٍ: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثّقفيّ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم} قال: تخزون به عدوّ اللّه وعدوّكم.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عثمان، عن مجاهدٍ. عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن خصيفٍ، عن عكرمة وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم} قال: تخزون به عدوّ اللّه وعدوّكم. وكذا كان يقرأ بها ترهبون.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة وخصيفٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ترهبون به} تخزون به.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
يقال منه: أرهبت العدوّ ورهّبته، فأنا أرهبه وأرهّبه إرهابًا وترهيبًا، وهو الرّهب والرّهب، ومنه قول طفيلٍ الغنويّ:
ويل امّ حيٍّ دفعتم في نحورهم = بني كلابٍ غداة الرّعب والرّهب.

القول في تأويل قوله تعالى: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم}.
اختلف أهل التّأويل في هؤلاء الآخرين من هم وما هم، فقال بعضهم: هم بنو قريظة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وآخرين من دونهم} يعني من بني قريظة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وآخرين من دونهم} قال: قريظة.
وقال آخرون: من فارس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم} هؤلاء أهل فارس.
وقال آخرون: هم كلّ عدوٍّ للمسلمين غير الّذي أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشرّد بهم من خلفهم. قالوا: وهم المنافقون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} قال: أخفهم بهم لمّا تصنع بهؤلاء. وقرأ: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم} قال: هؤلاء المنافقون لا تعلمونهم لأنّهم معكم يقولون لا إله إلاّ اللّه ويغزون معكم.
وقال آخرون: هم قومٌ من الجنّ.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوّون به على جهاد عدوّه وعدوّهم من المشركين من السّلاح والرّمي وغير ذلك ورباط الخيل. ولا وجه لأن يقال: عنى بالقوّة معنًى دون معنًى من معاني القوّة، وقد عمّ اللّه الأمر بها.
فإن قال قائلٌ: فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد بيّن أنّ ذلك مرادٌ به الخصوص بقوله: ألا إنّ القوّة الرّمي؟
قيل له: إنّ الخبر وإن كان قد جاء بذلك فليس في الخبر ما يدلّ على أنّه مرادٌ بها الرّمي خاصّةً دون سائر معاني القوّة عليهم، فإنّ الرّمي أحد معاني القوّة؛ لأنّه إنّما قيل في الخبر: ألا إنّ القوّة الرّمي ولم يقل دون غيرها. ومن القوّة أيضًا السّيف والرّمح والحربة، وكلّ ما كان معونةً على قتال المشركين، كمعونة الرّمي أو أبلغ من الرّمي فيهم وفي النّكاية منهم، هذا مع وهي سند الخبر بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا قوله: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} فإنّ قول من قال: عنى به الجنّ، أقرب وأشبه بالصّواب؛ لأنّه جلّ ثناؤه قد أدخل بقوله: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم} الأمر بارتباط الخيل لإرهاب كلّ عدوٍّ للّه وللمؤمنين يعلمونهم، ولا شكّ أنّ المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لهم؛ لعلمهم بأنّهم مشركون وأنّهم لهم حربٌ، ولا معنى لأن يقال: وهم يعلمونهم لهم أعداءً، {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم}، ولكن معنى ذلك: إن شاء اللّه ترهبون بارتباطكم أيّها المؤمنون الخيل عدوّ اللّه وأعداءكم من بني آدم الّذين قد علمتم عداوتهم لكم لكفرهم باللّه ورسوله، وترهبون بذلك جنسًا آخر من غير بني آدم لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم اللّه يعلمهم دونكم؛ لأنّ بني آدم لا يرونهم. وقيل: إنّ صهيل الخيل يرهب الجنّ، وإنّ الجنّ لا تقرب دارًا فيها فرسٌ.
فإن قال قائلٌ: فإنّ المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون، فما تنكر أن يكون عني بذلك المنافقون؟
قيل: فإنّ المنافقين لم يكن تروعهم خيل المسلمين ولا سلاحهم، وإنّما كان يروعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم الّتي كانوا يستسرّون من الكفر، وإنّما أمر المؤمنون بإعداد القوّة لإرهاب العدوّ، فأمّا من لم يرهبه ذلك فغير داخلٍ في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون، وقيل: لا تعلمونهم، فاكتفي للعلم بمنصوبٍ واحدٍ في هذا الموضع؛ لأنّه أريد لا تعرفونهم، كما قال الشّاعر:
فإنّ اللّه يعلمني ووهبًا = وأنّا سوف يلقاه كلانا.

القول في تأويل قوله تعالى: {وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}.
يقول تعالى ذكره: وما أنفقتم أيّها المؤمنون من نفقةٍ في شراء آلة حربٍ من سلاحٍ أو حرابٍ أو كراعٍ أو غير ذلك من النّفقات في جهاد أعداء اللّه من المشركين يخلفه اللّه عليكم في الدّنيا، ويدّخر لكم أجوركم على ذلك عنده، حتّى يوفّيكموها يوم القيامة. {وأنتم لا تظلمون} يقول: يفعل ذلك بكم ربّكم فلا يضيّع أجوركم عليه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون} أي لا يضيع لكم عند اللّه أجره في الآخرة وعاجل خلفه في الدّنيا). [جامع البيان: 11/244-251]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون (60)
قوله تعالى: وأعدّوا لهم
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ قال: أمرهم بإعداد الخيل.
قوله تعالى: لهم
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: وأعدّوا لهم قال: الجهاد.
قوله تعالى: ما استطعتم من قوّةٍ
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ أخبرني عمرو بن الحارث أنّ أبا عليٍّ الهمدانيّ يعني ثمامة بن شفيّ حدّثه عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ألا إنّ القوّة الرّمي قالها ثلاثًا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن شعبة بن دينارٍ عن عكرمة في قوله: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة قال: الحصون.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة أنا جريرٌ عن أبي سنانٍ عن ليثٍ عن مجاهدٍ في قوله: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ قال: القوّة: ذكور الخيل.
وروي عن عكرمة مثل ذلك.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا محمّد بن المثنّى ثنا عبّاد بن جويرية العنزيّ ثنا الأوزاعيّ قال: سألت الزّهريّ عن قول اللّه: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ قال: قال سعيد بن المسيّب: القوّة: الفرس إلى السّهم فما دونه.
- وروي عن مقاتل بن حيّان أنّه قال: القوّة: السّلاح، وما سواه من قوّة الجهاد
- وروي عن السّدّيّ قال: السّلاح
- وروي عن أبي صخرٍ حميد بن زيادٍ أنّه قال: القوّة: العدّة، إعداد ما استطعت لهم من عدّةٍ.
- أخبرنا عليّ بن سهلٍ الرّمليّ- فيما كتب إليّ- ثنا ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة قال: لقي رجلٌ مجاهدًا وهو يتجهّز إلى الغزو ومعه جوالق، فقال مجاهدٌ: وهذا من القوّة.
قوله تعالى: ومن رباط الخيل
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن شعبة بن دينارٍ عن عكرمة في قوله: ومن رباط الخيل قال: الإناث. وروي عن مجاهدٍ وعمرو بن دينارٍ مثل ذلك.
الوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل حدّثنا محمّد بن عليٍّ حدّثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ومن رباط الخيل قال: هي الخيل
قوله تعالى: ترهبون به
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ثنا وكيعٌ عن إسرائيل عن عثمان بن المغيرة المثقفي عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم قال: تخزون به عدوّ اللّه وعدوّكم. وروي عن مجاهدٍ مثل ذلك.
قوله تعالى: عدوّ اللّه وعدوّكم
- قرأت على محمّدٍ ثنا محمّدٌ ثنا محمّدٌ عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم من المشركين.
قوله تعالى: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو عتبة بن الفرج الحمصيّ ثنا أبو حيوة يعني شريح بن يزيد المقرئ ثنا سعيد بن سنانٍ الكنديّ عن ابن عريب يعني يزيد بن عبد اللّه بن عريبٍ عن أبيه عن جدّه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في قول اللّه: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم قال: هم الجنّ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وآخرين من دونهم قريظة.
الوجه الثّالث:
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: وآخرين من دونهم قال: يعني: المنافقين.
الوجه الرّابع:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ في قوله: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم قال: أهل فارسٍ.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدنيّ ثنا سفيان في قوله: وآخرين من دونهم قال: قال ابن اليمان: هم الشّياطين الّتي في الدّور.
قوله تعالى: لا تعلمونهم اللّه يعلمهم
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ بن الفرج أنبأ ابن زيدٍ يعني عبد الرّحمن في قول اللّه: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم قال: هؤلاء المنافقون، لا تعلمونهم، لأنّهم معكم يقولون: لا إله إلا اللّه، ويغزون معكم.
قوله تعالى: اللّه يعلمهم
- قرأت على محمّدٍ ثنا محمّدٌ ثنا محمّدٌ عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: اللّه يعلمهم يقول: اللّه يعلم ما في قلوب المنافقين من النّفاق الّذي يسرّون.
قوله تعالى: وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم
- حدّثنا أحمد بن القاسم بن عطيّة ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ ثنا أبي عن أبيه حدّثنا الأشعث بن إسحاق عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان يأمر بأن لا يصّدّق إلا على أهل الإسلام حتّى نزلت وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم فأمر بالصّدقة بعدها على كلّ من سألك من كلّ دينٍ.
قوله تعالى: وأنتم لا تظلمون
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا أبو غسّان محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قوله: وأنتم لا تظلمون أي لا يضيع لكم عند اللّه أجره في الآخرة وعاجل خلفه في الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 5/1721-1724]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وآخرين من دونهم قال هم بنو قريظة). [تفسير مجاهد: 266]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو جعفرٍ محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا السّريّ بن خزيمة، ثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سعيد بن أبي أيّوب، حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} [الأنفال: 60] ألا إنّ القوّة الرّمي «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجه البخاريّ لأنّ صالح بن كيسان أوقفه»). [المستدرك: 2/358]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م د ت) عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: « {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} [الأنفال: 60]، ألا إنّ القوّة الرّمي - ثلاثاً». أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود.
وزاد الترمذي ومسلم: ألا إن الله سيفتح لكم الأرض، وستكفون المؤونة، فلا يعجزنّ أحدكم أن يلهو بأسهمه.
إلا أنّ مسلماً أفرد هذه الزيادة حديثاً برأسه.
[شرح الغريب]
(الرمي) هاهنا خاص، يريد به: رمي السهام عن القسي). [جامع الأصول: 2/147-148]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} [الأنفال: 60])
- عن عريبٍ المليكيّ «عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - في قوله {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم} [الأنفال: 60] أنّهم الجنّ، قال النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " لا تخبل بيتًا فيه عتيقٌ من الخيل».
رواه الطّبرانيّ، وفيه مجاهيل). [مجمع الزوائد: 7/27]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الحارث: حدثنا داود بن رشيدٍ، ثنا أبو حيوة شريح بن يزيد، عن سعيد بن سنانٍ، عن المليكيّ، عن أبيه، عن جدّه (رضي الله عنه) عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: (تبارك وتعالى): {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}، قال: هم الجنّ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الشّيطان لا يخبّل أحدًا في دارٍ فيها فرسٌ عتيقٌ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 60.
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب في كتاب فضل الرمي، والبيهقي في شعب الإيمان عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثا.
وأخرج ابن المنذر عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} ألا إن القوة الرمي ثلاثا إن الأرض ستفتح لكم وتكفون المؤنة فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بأسهمه.
وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه تلا هذه الآية {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} قال: ألا إن القوة الرمي.
وأخرج ابن المنذر عن مكحول رضي الله عنه قال: ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة فتعلموا الرمي فإني سمعت الله تعالى يقول {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} قال: فالرمي من القوة.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} قال: الرمي والسيوف والسلاح.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} قال: أمرهم بإعداد الخيل.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} قال: القوة ذكور الخيل والرباط الإناث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} قال: القوة ذكور الخيل ورباط الخيل الإناث
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في الآية قال: القوة الفرس إلى السهم فما دونه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {ترهبون به عدو الله وعدوكم} قال: تخزون به عدو الله وعدوكم.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبيّ مر بقوم وهم يرمون فقال: رميا بني إسمعيل لقد كان أبوكم راميا.
وأخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة والحاكم صححه والبيهقي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير والذي يجهز به في سبيل الله والذي يرمي به في سبيل الله، وقال: ارموا واركبوا وإن ترموا خير من أن تركبوا وقال: كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثة رمية عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق ومن علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإيمان عن حرام بن معاوية قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي اله عنه أن لا يجاورنكم خنزير ولا يرفع فيكم صليب ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر وأدبوا الخيل وامشوا بين الفرقتين.
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النّبيّ وقوم من أسلم يرمون فقال ارموا بني إسمعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم فسألهم فقالوا: يا رسول الله من كنت معه غلب، قال: ارموا وأنا معكم كلكم.
وأخرج أحمد والبخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون في السوق فقال ارموا يا بني إسمعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان - لأحد الفريقين - فأمسكوا بأيديهم فقال: ارموا، قالوا: يا رسول الله كيف نرمي وأنت مع بني فلان قال: ارموا وأنا معكم كلكم.
وأخرج الحاكم وصححه عن محمد بن إياس بن سلمة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على ناس ينتضلون فقال: حسن اللهم مرتين أو ثلاثا ارموا وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم قال: ارموا وأنا معكم جميعا فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا.
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم والقراب في فضل الرمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة، انتضالك بقوسك وتأديبك فرسك وملاعبتك أهلك فإنها من الحق وقال عليه السلام: انتضلوا واركبوا وأن تنتضلوا أحب إلي إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة، صانعه محتسبا والمعين به والرامي به في سبيل الله تعالى.
وأخرج الحاكم وصححه والقراب عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال: حاصرنا قصر الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله فله عدل محرر قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهما.
وأخرج ابن ماجة والحاكم والقراب عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى العدو بسهم فبلغ سهمه أو أخطأ أو أصاب فعدل رقبة.
وأخرج الحاكم عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه قال: لما كان يوم بدر قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكثبوكم فارموا بالنبل واستبقوا نبلكم.
وأخرج الحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: أنبلوا سعد ارم يا سعد رمى الله لك فداك أبي وأمي.
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة بنت سعد رضي الله عنها عن أبيها أنه قال: ألا هل أتى رسول الله أني * حميت صحابتي بصدور نبلي.
وأخرج الثقفي في فوائده عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تحضر الملائكة من اللهو شيئا إلا ثلاثة، لهو الرجل مع امرأته وإجراء الخيل والنضال.
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله الملائكة تشهد ثلاثا، الرمي والرهان وملاعبة الرجل أهله.
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن أبي الشعثاء جابر بن يزيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ارموا واركبوا الخيل وأن ترموا أحب إلي كل لهو لها بة المؤمن باطل إلا ثلاث خلال، رميك عن قوسك وتأديبك فرسك وملاعبتك أهلك فإنهن من الحق.
وأخرج النسائي والبزار والبغوي والبارودي والطبراني والقراب وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن عطاء بن أبي رباح قال: رايت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاري يرتميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر: كسلت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو إلا أربع خصال، مشي الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة
وأخرج القراب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة، الرامي والممد به والمحتسب له.
وأخرج القراب عن حذيفة رضي الله عنه قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى الشام: أيها الناس ارموا واركبوا والرمي أحب إلي من الركوب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يدخل بالسهم الواحد الجنة من عمله في سبيله ومن قوي به في سبيل الله عز وجل.
وأخرج القراب عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال نعم لهو المؤمن الرمي ومن ترك الرمي بعدما علمه فهو نعمة تركها.
وأخرج القراب عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لا أترك الرمي أبدا ولو كانت يدي مقطوعة بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني.
وأخرج القراب عن مكحول يرفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال كل لهو باطل إلا ركوب الخيل والرمي ولهو الرجل مع امرأته فعليكم بركوب الخيل والرمي والرمي أحبهما إلي.
وأخرج القراب من طريق مكحول عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال اللهو في ثلاث، تأديبك فرسك ورميك بقوسك وملاعبتك أهلك.
وأخرج القراب من طريق مكحول، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أهل الشام: أن علموا أولادكم السباحة والفروسية.
وأخرج القراب عن سليمان التيمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يكون الرجل سابحا راميا.
وأخرج القراب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمى بسهم في سبيل الله فأصاب أو أخطأ أو قصر فكأنما أعتق رقبة كانت فكاكا له من النار.
وأخرج القراب عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال: حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف فسمعته يقول من رمى بسهم في سبيل الله قصر أو بلغ كانت له درجة في الجنة.
وأخرج القراب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا أهل الصقع فمن بلغ منهم فله درجة في الجنة، قالوا: يا رسول الله ما الدرجة قال: ما بين الدرجتين خمسمائة عام.
وأخرج الطبراني والقراب عن أبي عمرة الأنصاري رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ أو قصر كان السهم نورا يوم القيامة.
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب اللهو إلى الله إجراء الخيل والرمي بالنبل ولعبكم مع أزواجكم.
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن سعد رضي الله عنه قال: عليكم بالرمي فإنه خير أو من خير لهوكم.
وأخرج أبو عوانة عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: تعلموا الرمي فإنه خير لعبكم.
وأخرج البزار، عن جابر رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مر على قوم وهم يرمون فقال: ارموا بني إسمعيل فإن أباكم كان راميا
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها.
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تحضر الملائكة من لهوكم إلا الرهان والنضال.
وأخرج البزار بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من رمى رمية في سبيل الله قصر أو بلغ كان له مثل أجر أربعة أناس من ولد إسمعيل اليوم.
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمى بسهم في سبيل الله كان له نور يوم القيامة.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل لهو يكره إلا ملاعبة الرجل امرأته ومشيه بين الهدفين وتعليمه فرسه
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرمي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي.
وأخرج ابن أبي الدنيا والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا الرمي فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة.
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشى بين العرضين كان له بكل خطوة حسنة.
وأخرج الطبراني في الصغير عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على أحدكم إذا ألح به همه أن يتقلد قوسه فينفي بها همه.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علموا أبناءكم السباحة والرمي والمرأة المغزل.
وأخرج ابن منده في المعرفة عن بكر بن عبد الله بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علموا أبناءكم السباحة والرمي والمرأة المغزل
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم في سبيل الله كان له عدل رقبة.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي أمامة رضي الله عنه، أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: من شاب شيبة في الإسلام كان له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب كان له عدل رقبة من ولد إسمعيل.
وأخرج أحمد عن مرة بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بلغ
العدو بسهم رفعه الله به درجة بين الدرجتين مائة عام ومن رمى بسهم في سبيل الله كان كمن أعتق رقبة.
وأخرج الخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليدخل بالسهم الواحد الجنة ثلاثة صانعه محسبا صنعته والرامي به والمقوي به.
وأخرج الواقدي عن مسلم بن جندب رضي الله عنه قال: أول من ركب الخيل إسمعيل بن إبراهيم عليهما السلام وإنما كانت وحشا لا تطاق حتى سخرت له
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الخيل وحشا لا تطاق حتى سخرت له.
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الخيل وحشا لا تركب فأول من ركبها إسمعيل عليه السلام فبذلك سميت العراب.
وأخرج أحمد بن سليمان والنجاد في جزئه المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الخيل وحشا كسائر الوحوش فلما أذن الله تعالى لإبراهيم وإسمعيل برفع القواعد من البيت قال الله عز وجل: إني معطيكما كنزا ادخرته لكما ثم أوحى الله إلى إسمعيل عليه السلام: أن اخرج فادع بذلك الكنز فخرج إسمعيل عليه السلام إلى أجناد وكان موطنا منه وما يدري ما الدعاء ولا الكنز فألهمه الله الدعاء فلم يبق على وجه الأرض فرس إلا أجابته فأمكنته من نواصيها وذللها له فاركبوها وأعدوها فإنها ميامين وإنها ميراث أبيكم إسمعيل عليه السلام.
وأخرج الثعلبي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الله أن يخلق الخيل قال للريح الجنوب: إني خالق منك خلقا فأجعله عزا لأوليائي ومذلة على أعدائي وجمالا لأهل طاعتي فقالت الريح: اخلق فقبض منها قبضة فخلق فرسا فقال له: خلقتك عربيا وجعلت الخير معقودا بناصيتك والغنائم مجموعة على ظهرك عطفت عليك صاحبك وجعلتك تطير بلا جناح فأنت للطلب وأنت للهرب وسأجعل على ظهرك رجالا يسبحوني ويحمدوني ويهللوني تسبحن إذا سبحوا وتهللن إذا هللوا وتكبرن إذا كبروا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من تسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة يكبرها صاحبها فتسمعه إلا تجيبه بمثلها ثم قال: سمعت الملائكة
صنعة الفرس وعاينوا خلقها قالت: رب نحن ملائكتك نسبحك ونحمدك فماذا لنا فخلق الله لها خيلا بلقا أعناقها كأعناق البخت فلما أرسل الله الفرس إلى الأرض واستوت قدماه على الأرض صهل فقيل: بوركت من دابة أذل بصهيلك المشركين أذل به أعناقهم وإملاء به آذانهم وأرعب به قلوبهم فلما عرض الله على آدم من كل شيء قال له: اختر من خلقي ما شئت فاختار الفرس قال له: اخترت لعزك وعز ولدك خالدا ما خلدوا وباقيا ما بقوا بركتي عليك وعليهم ما خلقت خلقا أحب إلي منك ومنهم.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، مثله سواء.
وأخرج مالك والبخاري ومسلم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر ورجل ربطها تغنيا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة والخيل ثلاثة خيل أجر وخيل وزر وخيل ستر، فأما خيل ستر فمن اتخذها تعففا وتكرما وتجملا ولم ينس حق بطونها وظهورها في عسره ويسره وأما خيل الأجر فمن ارتبطها في سبيل الله فإنها لا تغيب في بطونها شيئا إلا كان له أجر حتى ذكر أرواثها وأبوالها ولا تعدو في واد شوطا أو شوطين إلا كان في ميزانه وأما خيل الوزر فمن ارتبطها تبذخا على الناس فإنها لا تغيب في بطونها شيئا إلا كان وزر عليه حتى ذكر أرواثها وأبوالها ولا تعدو في واد شوطا أو شوطين إلا كان عليه وزر.
وأخرج مالك وأحمد بن حنبل والطيالسي، وابن شيبة والبخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن عروة البارقي رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، قيل: يا رسول الله وما ذاك قال: الأجر والغنيمة.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بإصبعه ويقول: الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة
وأخرج النسائي وأبو مسلم الكشي في "سننه" عن سلمة بن نفيل رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة قيل: يا رسول الله وما ذاك قال: الأجر والغنيمة.
وأخرج الطبراني والآجري في كتاب النصيحة عن أبي كبشة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة.
وأخرج الطبراني عن سوادة بن الربيع الجرمي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني بذود وقال عليك بالخيل فإن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل في نواصيها الخير والمغنم إلى يوم القيامة ونواصيها أذناها وأذنابها مذابها.
وأخرج ابن سعد في الطبقات، وابن منده في الصحابة عن يزيد بن عبد الله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها والمنفق عليها كباسط كفيه في الصدقة لا يقبضها وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير أبدا إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتسابا في سبيل الله فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأبوالها وأرواثها فلاح في موازينه يوم القيامة ومن ربطها رياء وسمعة وفخرا ومرحا فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها خسران في موازينه يوم القيامة
وأخرج أبو بكر بن عاصم في الجهاد والقاضي عمر بن الحسن الأشناني في بعض تاريخه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة وقلدوها ولا تقلدوها إلا وتار.
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن زياد بن مسلم الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الخيل ثلاثة فمن ارتبطها في سبيل الله وجهاد عدوه كان شبعها وجوعها وريها وعطشها وجريها وعرقها وأرواثها وأبوالها أجرا في ميزانه يوم القيامة ومن ارتبطها للجمال فليس له إلا ذاك ومن ارتبطها فخرا ورياء كان مثل نص في الأول وزرا في ميزانه يوم القيامة.
وأخرج الطبراني والآجري في الشريعة والنصيحة عن خباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل ثلاثة: ففرس للرحمن وفرس للإنسان وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فما أعد في سبيل الله وقوتل عليه أعداء الله وأما فرس الإنسان فما استبطن ويحمل عليه وأما فرس الشيطان فما قومر عليه، وأخرجه ابن أبي شيبة عن خباب موقوفا.
وأخرج أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال الخيل ثلاثة: فرس للرحمن وفرس للإنسان وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أي يراهن عليه وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها ستر من فقر.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد من طريق أبي عمر والشيباني رضي الله عنه عن رجل من الأنصار عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال الخيل ثلاثة: فرس يربطه الرجل في سبيل الله فثمنه أجر وعاريته أجر وعلفه أجر وفرس يعالق فيه الرجل ويراهن فثمنه وزر وعلفه وزر وفرس للبطنة فعسى أن يكون سددا من الفقر إن شاء الله تعالى.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البركة في نواصي الخيل.
وأخرج النسائي عن أنس رضي الله عنه قال لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل.
وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال ما كان شي أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل، ثم قال: اللهم غفرا إلا النساء.
وأخرج الدمياطي في كتاب الخيل عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حبس فرسا في سبيل الله كان سترة من النار.
وأخرج ابن أبي عاصم في الجهاد عن يزيد بن عبد الله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل وأبوالها وأرواثها كف من مسك الجنة.
وأخرج ابن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك.
وأخرج ابن ماجة، وابن أبي عاصم عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ارتبط فرسا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة.
وأخرج أحمد، وابن أبي عاصم عن تميم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمرى ء مسلم ينقي لفرسه الشعير ثم يعلفه عليه إلا كتب الله تعالى له بكل حبة حسنة.
وأخرج ابن ماجة، وابن أبي عاصم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة سيء الملكة، قالوا: يا رسول الله أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين وأيامى قال: بلى فأكرموهم بكرامة أولادكم وأطعموهم مما تأكلون، قالوا: فما ينفعنا في الدنيا قال: فرس تربطه تقاتل عليه في سبيل الله ومملوك يكفيك فإذا كفاك فهو أخوك.
وأخرج أبو عبد الله الحسين بن إسمعيل المحاملي عن سلمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم إلا حق عليه أن يرتبط فرسا إذا أطاق ذلك.
وأخرج ابن أبي عاصم عن سوادة بن الربيع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتبطوا الخيل فإن الخيل في نواصيها الخير.
وأخرج ابن أبي عاصم عن ابن الحنظلية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: من ارتبط فرسا في سبيل الله كانت النفقة عليه كالماد يده بصدقة لا يقطعها.
وأخرج أبو طاهر المخلص عن ابن الحنظلية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وصاحبها يعان عليها والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها.
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن أبي عاصم والحاكم عن ابن الحنظلية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المنفق على الخيل في سبيل الله كباسط يده بالصدقة لا يقبضها.
وأخرج البخاري والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديق موعود الله كان شبعه وريه وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ما من فرس عربي إلا يؤذن له عند كل سحر بدعوتين يقول: اللهم كما خولتني من خولتني من بني آدم فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا.
وأخرج الطبراني عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أطرق مسلما فرسا فأعقب له الفرس كتب الله له أجر سبعين فرسا يحمل عليها في سبيل الله وإن لم تعقب له كان له كأجر سبعين فرسا يحمل عليه في سبيل الله.
وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما تعاطى الناس بينهم شيئا قط أفضل من الطرق يطرق الرجل فرسه فيجري له أجره ويطرق الرجل فحله فيجري له أجره ويطرق الرجل كبشه فيجري له أجره
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن معاوية بن خديج رضي الله عنه، أنه لما افتتحت مصر كان لكل قوم مراغة يمرغون فيها خيولهم فمر معاوية بأبي ذر رضي الله عنه وهو يمرغ فرسا له فسلم عليه ووقف ثم قال: يا أبا ذر ما هذا الفرس قال: فرس لي لا أراه إلا مستجابا، قال: وهل تدعو الخيل وتجاب قال: نعم ليس من ليلة إلا والفرس يدعو فيها ربه فيقول: رب إنك سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي في يده: اللهم فاجعلني أحب إليه من أهله وولده فمنها المستجاب ومنها غير المستجاب ولا أرى فرسي هذا إلا مستجابا.
وأخرج أبو عبيدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فرسا من جدس حي من اليمن فأعطاه رجلا من الأنصار وقال: إذا نزلت فانزل قريبا مني فإني أسار إلى صهيله ففقده ليلة فسأل عنه فقال: يا رسول الله إنا خصيناه، فقال: مثلت به يقولها ثلاثا الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة أعرافها أدفاؤها وأذنابها مذابها التمسوا نسلها وباهوا بصهيلها المشركين.
وأخرج أبو عبيدة عن مكحول رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جز أذناب الخيل وأعرافها ونواصيها وقال أما أذنابها فمذابها وأما أعرافها فأدفاؤها وأما نواصيها ففيها الخير.
وأخرج أبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تهلبوا أذناب الخيل ولا تجزوا أعرافها ونواصيها فإن البركة في نواصيها ودفاؤها في أعرافها وأذنابها مذابها.
وأخرج أبو داود عن عتبة بن عبد الله السلمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها فأما أذنابها مذابها ومعارفها أدفاؤها ونواصيها معقود فيها الخير.
وأخرج ابن سعد عن أبي واقد أنه بلغه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قام إلى فرسه فمسح وجهه بكم قميصه فقالوا: يا رسول الله أبقميصك قال: إن جبريل عاتبني في الخيل.
وأخرج أبو داود في "المراسيل" عن نعيم بن أبي هند أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم "أتى بفرس فقام إليه يمسح وجهه وعينيه ومنخريه بكم قميصة . فقيل: يا رسول الله تمسح قميصك قال: إن جبريل عاتبني في الخيل " ..
وأخرج أبو عبيدة من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بطرف ردائه وجه فرسه وقال: إني عتبت الليلة في أذلة الخيل.
وأخرج أبو عبيدة عن عبد الله بن دينار رضي الله عنه قال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه فرسه بثوبه وقال: إن جبريل بات الليلة يعاتبني في أذلة الخيل.
وأخرج أبو داود في المراسيل عن الوضين بن عطاء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها.
وأخرج أبو داود في المراسيل عن مكحول رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا الخيل وجللوها
وأخرج الحسن بن عرفة عن مجاهد رضي الله عنه قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانا ضرب وجه فرسه ولعنه فقال هذه مع تلك إلا أن تقاتل عليه في سبيل الله فجعل الرجل يقاتل عليه ويحمل إلى أن كبر وضعف وجعل يقول: اشهدوا اشهدوا.
وأخرج أبو نصر يوسف بن عمر القاضي في "سننه" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في عين الفرس ربع ثمنه.
وأخرج محمد بن يعقوب الخلي في كتاب الفروسية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما من ليلة إلا ينزل ملك من السماء يحبس عن دواب الغزاة الكلال إلا دابة في عنقها جرس.
وأخرج ابن سعد وأبو داود والنسائي عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكنافها وقلدوها ولا تقلدوها الاوتار وعليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر أغر محجل أو أدهم أغر محجل.
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يمن الخيل في شقرها.
وأخرج الواقدي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخيل الشقر وإلا فالأدهم أغر محجل ثلاث طليق اليمنى.
وأخرج أبو عبيدة عن الشعبي رضي الله عنه في حديث رفعه أنه قال التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الأرثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى.
وأخرج الحسن بن عرفة عن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أبتاع فرسا، فقال له رسول الله: عليك به كميتا وأدهم أقراح أرثم محجل ثلاث طليق اليمنى.
وأخرج أبو عبيدة عن الشعبي في حديث رفعه أنه قال: التمسوا الحائج على الفرس الكميت الأرثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى .
وأخرج الحسن بن عرفة عن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن ابتاع فرسا . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك به كميتا أو أدهم أفرح أرثم محجل ثلاث طليق اليمنى " ..
وأخرج أبو عبيدة، وابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خير الخيل الحو.
وأخرج ابن عرفة عن نافع بن جبير رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال اليمن في الخيل في كل أحوى أحم.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل.
وأخرج أحمد والترمذي وصححه، وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير الخيل الأدهم الأقرح المحجل الأرثم طلق اليد اليمنى فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه النسبة.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أردت أن تغتزي فاشتري فرسا أدهم أغر محجلا مطلق اليمنى فإنك تغنم وتسلم.
وأخرج سعد والحرث بن أبي أسامة وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن قانع في معجمه والطبراني وأبو الشيخ، وابن منده والروياني في مسنده، وابن مردويه، وابن عساكر عن يزيد بن عبد الله بن عريب عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: في قوله {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} قال: هم الجن ولا يخبل الشيطان إنسانا في داره فرس عتيق.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الهدى عن أبيه عمن حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} قال: هم الجن فمن ارتبط حصانا من الخيل لم يتخلل منزله شيطان.
وأخرج ابن المنذر عن سليمان بن موسى رضي الله عنه في قوله {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} ولن يخبل الشيطان إنسانا في داره فرس عتيق.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وآخرين من دونهم} يعني الشيطان لا يستطيع ناصية فرس لأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال الخيل معقود في نواصيها الخير فلا يستطيعه شيطان أبدا.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وآخرين من دونهم} قال: قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} قال: يعني المنافقين {الله يعلمهم} يقول: الله يعلم ما في قلوب المنافقين من النفاق الذي يسرون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} قال: هؤلاء المنافقون لا تعلمونهم لأنهم معكم يقولون: لا إله إلا الله ويغزون معكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {وآخرين من دونهم} قال: أهل فارس.
وأخرج ابن أبي حاتم وابو الشيخ عن سفيان رضي الله عنه في قوله {وآخرين من دونهم} قال: قال ابن اليمان رضي الله عنه: هم الشياطين التي في الدور). [الدر المنثور: 7/153-187]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعضٍ والّذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيءٍ حتّى يهاجروا}؛ فكان الأعرابي لا يرث المهاجري، وقال: {وإن جنحوا للسلم فأجنح لها}؛
فنسختها الآية التي في براءة: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}). [الجامع في علوم القرآن: 3/73-74] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {وإن جنحوا للسلم} قال للصلح ونسختها قوله تعالى {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}). [تفسير عبد الرزاق: 1/261]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] أنه كان يقرأ (وإن جنحوا للسَّلم فاجنح لها) [الآية: 61]). [تفسير الثوري: 120]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هشيمٌ، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: ... {وإن جنحوا} [الأنفال: 61] : «طلبوا، السّلم والسّلم والسّلام واحدٌ»). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وإن جنحوا طلبوا قال أبو عبيدة في قوله وإن جنحوا للسّلم أي رجعوا إلى المسالمة وطلبوا الصّلح قوله السّلم والسّلم والسّلام واحدٌ ثبت هذا لأبي ذرٍّ وحده وقد تقدّم في تفسير سورة النّساء). [فتح الباري: 8/306]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وإن جنحوا طلبوا
أشار به إلى قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لهاوتوكل على الله} (الأنفال: 61) وفسّر: جنحوا، بقوله: طلبوا، وقال أبو عبيدة: أي إن رجعوا إلى المسالمة وطلبوا الصّلح، وفي التّفسير: أي وإن مالوا إلى المسالمة والمهادنة فاجنح لها أي، مل إليها واقبل منهم ذلك). [عمدة القاري: 18/246]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({وإن جنحوا}) أي (طلبوا السلم والسلم والسلام واحد) وهذا ثابت للأبوين للسلم للصلح). [إرشاد الساري: 7/133]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً وغدرًا، فانبذ إليهم على سواءٍ وآذنهم بالحرب. {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها} وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحرب، إمّا بالدّخول في الإسلام، وإمّا بإعطاء الجزية، وإمّا بموادعةٍ، ونحو ذلك من أسباب السّلم والصّلح {فاجنح لها} يقول: فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه.
يقال منه: جنح الرّجل إلى كذا يجنح إليه جنوحًا، وهي لتميمٍ وقيسٍ فيما ذكر عنها، تقول: يجنح بضمّ النّون. وآخرون: يقولون: يجنح بكسر النّون، وذلك إذا مال، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله = إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب
جوانح: موائل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وإن جنحوا للسّلم} قال: للصّلح. ونسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإن جنحوا للسّلم} إلى الصّلح {فاجنح لها} قال: وكانت هذه قبل براءةٍ، كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوادع القوم إلى أجلٍ، فإمّا أن يسلموا وإمّا أن يقاتلوا، ثمّ نسخ ذلك بعد في براءةٌ فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال: {قاتلوا المشركين كافّةً} ونبذ إلى كلّ ذي عهدٍ عهده، وأمره بقتالهم حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه ويسلموا، وأن لا يقبل منهم إلاّ ذلك، وكلّ عهدٍ كان في هذه السّورة وفي غيرها، وكلّ صلحٍ يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به فإنّ براءةٌ جاءت. بنسخ ذلك، فأمر بقتالهم على كلّ حالٍ حتّى يقولوا: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها} نسختها الآية الّتي في براءةٍ قوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} إلى قوله: {وهم صاغرون}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها} يقول: وإن أرادوا الصّلح فأرده.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها} أي إن دعوك إلى السّلم إلى الإسلام فصالحهم عليه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها} قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد.
فأمّا ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أنّ هذه الآية منسوخةٌ، فقول لا دلالة عليه من كتابٍ ولا سنّةٍ ولا فطرة عقلٍ.
وقد دللنا في غير موضعٍ من كتابنا هذا وغيره على أنّ النّاسخ لا يكون إلاّ ما نفى حكم المنسوخ من كلّ وجهٍ، فأمّا ما كان بخلاف ذلك فغير كائنٍ ناسخًا. وقول اللّه في براءةٍ: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} غير نافٍ حكمه حكم قوله. {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها} لأنّ قوله: {وإن جنحوا للسّلم} إنّما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودًا أهل كتابٍ، وقد أذن اللّه جلّ ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم.
وأمّا قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فإنّما عني به مشركو العرب من عبدة الأوثان الّذين لا يجوز قبول الجزية منهم، فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى، بل كلّ واحدةٍ منهما محكمةٌ فيما أنزلت فيه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإن جنحوا للسّلم} قال: قريظة.
وأمّا قوله: {وتوكّل على اللّه} يقول: فوّض إلى اللّه يا محمّد أمرك، واستكفه واثقًا به أنّه يكفيك.
- كالّذي حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وتوكّل على اللّه} إنّ اللّه كافيك.
وقوله: {إنّه هو السّميع العليم} يعني بذلك: إنّ اللّه الّذي تتوكّل عليه سميعٌ لما تقول أنت، ومن تسالمه وتتاركه الحرب من أعداء اللّه وأعدائك عند عقد السّلم بينك وبينه، ويشرط كلّ فريقٍ منكم على صاحبه من الشّروط، والعليم بما يضمره كلّ فريقٍ منكم للفريق الآخر من الوفاء بما عاقده عليه، ومن المضمر ذلك منكم في قلبه والمنطوي على خلافه لصاحبه). [جامع البيان: 11/251-255]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم (61)
قوله تعالى: وإن جنحوا
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السدي وإن جنحوا يقول: إن أرادوا الصّلح فأرده.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وإن جنحوا للسّلم قريظة.
قوله تعالى: للسّلم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: وإن جنحوا للسلم قال: الطّاعة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا إسماعيل بن رجاءٍ القرشيّ ثنا معقل بن عبيد اللّه عن عبد الكريم الجزريّ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: وإن جنحوا للسّلم يعني: بالخفض فاجنح لها فهو الصّلح.
- حدّثنا أبو عامرٍ إسماعيل بن عمرٍو الحمصيّ ثنا إبراهيم بن العلاء ثنا عبد الواحد بن ميسرة ثنا أو حفصٍ مبشّر بن عبيدٍ في قوله: وإن جنحوا للسّلم يعني بفتح السّين يعني الصّلح.
وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ وقتادة والثّوريّ قالوا: الصّلح، ولم يؤدّوا القراءة.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ، أنبأ ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ عن عبد اللّه وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها الآية نسختها هذه الآية قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر إلى قوله وهم صاغرون. وروي عن مجاهدٍ وعكرمة والحسن وقتادة وزيد بن أسلم وعطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
قوله تعالى: فاجنح لها
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن ابن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه قوله: وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها أي إن دعوك إلى السّلم على الإسلام فصالحهم عليه.
قوله تعالى: وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم
- وبه عن أبيه قوله: وتوكّل على اللّه إنّ اللّه كافيك، إنّه هو السّميع العليم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1725-1726]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن جنحوا للسلم فاجنح لها يعني الصلح يعني قريظة). [تفسير مجاهد: 267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 61.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وإن جنحوا للسلم} قال: قريظة.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} قال: نزلت في بني قريظة نسختها (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) (محمد الآية 35) إلى آخر الآية.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه أن النّبيّ كان يقرأ {وإن جنحوا للسلم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وإن جنحوا للسلم} قال: الطاعة
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} قال: إن رضوا فارض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} يقول: إذا أرادوا الصلح فأرده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قرأ وإن جنحوا للسلم يعني بالخفض وهو الصلح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مبشر بن عبيد رضي الله عنهما أنه قرأ وإن جنحوا للسلم يعني بفتح السين يعني الصلح.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} قال: نسختها هذه الآية (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) (التوبة الآية 29) إلى قوله (صاغرون).
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وإن جنحوا للسلم} أي الصلح {فاجنح لها} قال: كانت قبل براءة وكان النّبيّ يوادع الناس إلى أجل فإما أن يسلموا وإما أن يقاتلهم ثم نسخ ذلك في براءة فقال (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5) وقال: (قاتلوا المشركين كافة) (التوبة الآية 36) نبذ إلى كل ذي عهد عهده وأمره أن يقاتلهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويسلموا وأن لا يقبلوا منهم إلا ذلك وكل عهد كان في هذه السورة وغيرها وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتواعدون به فإن براءة جاءت بنسخ ذلك فأمر بقتالهم قبلها على كل حال حتى يقولوا لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 7/187-189]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: وإن يرد يا محمّد هؤلاء الّذين أمرتك بأن تنبذ إليهم على سواءٍ، إن خفت منهم خيانةً، وبمسالمتهم إن جنحوا للسّلم خداعك والمكر بك {فإنّ حسبك اللّه} يقول: فإنّ اللّه كافيكهم وكافيك خداعهم إيّاك؛ لأنّه متكفّلٌ بإظهار دينك على الأديان ومتضمّنٌ أن يجعل كلمته العليا وكلمة أعدائه السّفلى. {هو الّذي أيّدك بنصره} يقول: اللّه الّذي قوّاك بنصره إيّاك على أعدائه {وبالمؤمنين} يعني بالأنصار.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإن يريدوا أن يخدعوك} قال: قريظة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه} هو من وراء ذلك.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {هو الّذي أيّدك بنصره} قال: بالأنصار). [جامع البيان: 11/255-256]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين (62)
قوله تعالى: وإن يريدوا أن يخدعوك
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وإن يريدوا أن يخدعوك قريظة.
قوله تعالى: أن يخدعوك
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق وإن يريدوا أن يخدعوك قال: وإن كانوا يريدون خديعتك أو مكرًا بك فإنّ حسبك اللّه.
قوله تعالى: فإنّ حسبك اللّه
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا أبو غسّان محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه فإنّ حسبك اللّه هو من وراء ذلك.
قوله تعالى: هو الّذي أيّدك بنصره
- وبه عن يحيى بن عبّادٍ عن أبيه هو الّذي أيّدك بنصره يعني: بعد الضّعف
قوله تعالى: وبالمؤمنين
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن المفضّل عن أسباط عن السّدّيّ هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين قال: بالأنصار. وروي عن بشير بن ثابتٍ الأنصاريّ مثله). [تفسير القرآن العظيم: 5/1726]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن نجيح عن مجاهد وإن يريدوا أن يخدعوك يعني قريظة). [تفسير مجاهد: 267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 62 - 63.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وإن يريدوا أن يخدعوك} قال: قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} قال: الأنصار.
وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في قوله {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} الآية قال: نزلت في الأنصار.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} قال: هم الأنصار.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مكتوب على العرش: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي وذلك قوله {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين}). [الدر المنثور: 7/189-190]

تفسير قوله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: إن النعم تكفر، وإن الرحم لتقطع، والله ليؤلف بين القلوب، فإذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء أبدًا، ثم تلا: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} [سورة الأنفال: 63] ). [الزهد لابن المبارك: 2/163]


قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبد الله بن نميرٍ، قال: حدّثنا مالك بن مغولٍ، عن طلحة، عن مجاهدٍ، قال: إذا التقى الرّجل الرّجل فضحك في وجهه تحاتّت عنهما الذّنوب كما ينثر الرّيح الورق اليابس من الشّجر، قال: فقال رجلٌ إنّ هذا من العمل يسيرٌ، قال: فقال: ما سمعت قوله تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 433]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم}

- أخبرني محمّد بن آدم بن سليمان، عن حفصٍ وهو ابن غياثٍ، عن فضيل بن غزوان، قال: ضمّني إليه أبو إسحاق، فقال: إنّي لأحبّك في الله، حدّثني أبو الأحوص، عن عبد الله، قال: " لمّا أنزلت هذه الآية {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} [الأنفال: 63] قال: هم المتحابّون في الله "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/110]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ}.
يريد جلّ ثناؤه بقوله: {وألّف بين قلوبهم} وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج بعد التّفرّق والتّشتّت على دينه الحقّ، فصيّرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا، وإخوانًا بعد أن كانوا أعداءً.
وقوله: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: لو أنفقت يا محمّد ما في الأرض جميعًا من ذهبٍ وورقٍ وعرضٍ، ما جمّعت أنت بين قلوبهم بحيلك، ولكنّ اللّه جمّعها على الهدى، فائتلفت واجتمعت تقويةً من اللّه لك وتأييدًا منه ومعونةً على عدوّك. يقول جلّ ثناؤه: والّذي فعل ذلك وسبّبه لك حتّى صاروا لك أعوانًا وأنصارًا ويدًا واحدةً على من بغاك سوءًا هو الّذي إن رام عدوٌّ منك مرامًا يكفيك كيده وينصرك عليه، فثق به وامض لأمره وتوكّل عليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وألّف بين قلوبهم} قال: هؤلاء الأنصار ألّف بين قلوبهم من بعد حربٍ فيما كان بينهم.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن بشير بن ثابتٍ، رجلٌ من الأنصار أنّه قال في هذه الآية {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم}: يعني الأنصار.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وألّف بين قلوبهم} على الهدى الّذي بعثك به إليهم. {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم} بدينه الّذي جمعهم عليه، يعني الأوس والخزرج.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن إبراهيم الجزريّ، عن الوليد بن أبي مغيثٍ، عن مجاهدٍ، قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما. قال: قلت لمجاهدٍ: بمصافحةٍ يغفر لهما؟ فقال مجاهدٌ: أما سمعته يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} فقال الوليد لمجاهدٍ: أنت أعلم منّي.
- حدّثنا عبد الكريم بن أبي عميرٍ، قال: حدّثني الوليد، عن أبي عمرٍو، قال: حدّثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهدٍ، ولقيته، وأخذ، بيدي، فقال: إذا تراءى المتحابّان في اللّه فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه، تحاتّت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشّجر. قال عبدة: فقلت له: إنّ هذا ليسيرٌ، قال: لا تقل ذلك، فإنّ اللّه يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} قال عبدة: فعرفت أنّه أفقه منّي.
- حدّثني محمّد بن خلفٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدّثنا فضيل بن غزوان، قال: أتيت أبا إسحاق، فسلّمت عليه فقلت: أتعرفني؟ فقال فضيلٌ: نعم لولا الحياء منك لقبّلتك حدّثني أبو الأحوص، عن عبد اللّه، قال: نزلت هذه الآية في المتحابّين في اللّه: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم}.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا ابن عونٍ، عن عمير بن إسحاق، قال: كنّا نتحدّث أنّ أوّل ما يرفع من النّاس أو قال عن النّاس الألفة.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا أيّوب بن سويدٍ، عن الأوزاعيّ، قال: حدّثني عبدة بن أبى لبابة، عن مجاهدٍ، ثمّ ذكر نحو حديث عبد الكريم، عن الوليد.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة وابن نميرٍ وحفص بن غياثٍ، عن فضيل بن غزوان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: سمعت عبد اللّه يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} الآية، قال: هم المتحابّون في اللّه.
وقوله: {إنّه عزيزٌ حكيمٌ} يقول: إنّ اللّه الّذي ألّف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتّت كلمتهما وتعاديهما وجعلهم لك أنصارًا، عزيزٌ لا يقهره شيءٌ ولا يردّ قضاءه رادٌّ، ولكنّه ينفذ في خلقه حكمه. يقول: فعليه فتوكّل، وبه فثق {حكيمٌ} في تدبير خلقه). [جامع البيان: 11/256-259]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ (63)
قوله تعالى: وألّف بين قلوبهم
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق قوله: وألّف بين قلوبهم بالإسلام الّذي هداهم له.
قوله تعالى: لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن فضيلٍ عن أبيه وحفص بن غياثٍ عن فضيل بن غزوان قال: أتيت أبا إسحاق بعد ما ذهب بصره فقلت: يا أبا إسحاق، تعرفني؟ فقال: أي واللّه، إنّي لأعرفك وإنّي لأحبّك في اللّه ولولا الحياء منك لقبّلتك، ثمّ قال: حدّثنا أبو الأحوص عن عبد اللّه في قوله: لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم قال: نزلت في المتحابّين في اللّه.
قوله تعالى: ولكنّ اللّه ألّف بينهم
- حدّثنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ بالرّيّ أنبأ عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن ابن طاوسٍ عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ اللّه تعالى إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيءٌ ثمّ تلا لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ ثنا أبو أحمد الزّبيريّ ثنا مالك بن مغولٍ عن طلحة بن مصرّفٍ عن مجاهدٍ قال: إذا لقي الرّجل أخاه فصافحه تحاتّت الذّنوب بينهما كما ينثر الرّيح الورق، فقال رجلٌ: إنّ هذا من العمل ليسيرٌ، فقال:
ألم تسمع اللّه قال لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم؟
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق حدّثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم بدينه الّذي جمعهم عليه، يعني: الأوس والخزرج). [تفسير القرآن العظيم: 5/1726-1727]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّ الرّحم لتقطع، وإنّ النّعمة لتكفر، وإنّ اللّه إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيءٌ، ثمّ قرأ {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} [الأنفال: 63] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه».
- حدّثنا أبو بكرٍ إسماعيل بن محمّدٍ الفقيه بالرّيّ، ثنا أبو حاتمٍ محمّد بن إدريس، ثنا مالك بن إسماعيل النّهديّ، حدّثني محمّد بن فضيل بن غزوان، عن أبيه، وأخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الحافظ، ثنا محمّد بن عبد الوهّاب، ثنا يعلى بن عبيدٍ، حدّثني فضيل بن غزوان، قال: لقيت أبا إسحاق بعدما ذهب بصره، فقلت له: أتعرفني؟ فقال: إنّي لأعرفك وأحبّك، ثمّ قال: حدّثني أبو الأحوص، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، أنّه قال: " نزلت هذه الآية في المتحابّين في اللّه {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} [الأنفال: 63] الآية «هذا لفظ حديث أبي حاتمٍ» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/359]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا} [الأنفال: 63].
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - في قول اللّه - عزّ وجلّ -: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم} [الأنفال: 63]
قال: نزلت في المتحابّين في اللّه.
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح، غير سلم بن جنادة وهو ثقةٌ). [مجمع الزوائد: 7/27-28]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا سلم بن جنادة، ثنا محمّد بن فضيلٍ، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، في قول اللّه عزّ وجلّ: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم} [الأنفال: 63] قال: نزلت في المتحابّين في اللّه.
قال البزّار: لا نعلم رواه هكذا إلا فضيلٌ). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/50-51]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والنسائي والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن هذه الآية نزلت في المتحابين {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب واللفظ له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قرابة الرحم تقطع ومنة المنعم تكفر ولم نر مثل تقارب القلوب، يقول الله {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} وذلك موجود في الشعر قال الشاعر:
إذا مت ذو القربى إليك برحمه * فغشك واستغنى فليس بذي رحم
ولكن ذا القربى الذي إن دعوته * أجاب: ومن يرمي العدو الذي ترمي
ومن ذلك قول القائل:
ولقد صحبت الناس ثم خبرتهم * وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا * وإذ المودة أقرب الأسباب
قال البيهقي: هكذا وجدته موصولا بقول ابن عباس رضي الله عنهما ولا أدري قوله وذلك موجود في الشعر من قوله أو من قبل من قبله من الرواة.
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النعمة تكفر والرحم يقطع وإن الله تعالى إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ثم تلا {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: إذا لقي الرجل أخاه فصافحه تحاتت الذنوب بينهما كما ينثر الريح الورق، فقال رجل: إن هذا من العمل اليسير، فقال: ألم تسمع الله قال {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}.
وأخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة: إن يكن الدهر فرق بيننا فإن ألفة الله الذي ألف بين المسلمين قريب). [الدر المنثور: 7/190-192]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:23 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}


تفسير قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأعدّوا لهم مّا استطعتم مّن قوّةٍ ومن رّباط الخيل...}
يريد إناث الخيل. ... حدّثنا ابن أبي يحيى رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القوة: الرمي".
وقوله: {ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم وآخرين من دونهم}. ولو جعلتها نصبا من قوله: وأعدّوا لهم ولآخرين من دونهم كان صوابا؛ كقوله: {والظالمين أعدّ لهم عذابا أليما}. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {ترهبون به عدوّاً للّه وعدوّكم}؛ كما قرأ بعضهم في الصفّ {كونوا أنصاراً للّه} ). [معاني القرآن: 1/416]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ترهبون به عدوّ الله} أي تخيفون وترعبون أرهبته ورهبته سواء، والرّهب والرّهب واحد. قال طفيل بن عوف الغنويّ.
ويل أمّ حيٍّ دفعتم في نحورهم... بني كلابٍ غداة الرّعب والرّهب). [مجاز القرآن: 1/249]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ترهبون به عدو الله} فإنهم يقولون: أرهبت الرجل ورهبته.
[وقال محمد]
وهو الرهب والرهب لغتان، ويخفف أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 624]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {لا تعلمونهم} فتركه بغير مفعول ثان؛ صيره مثل لا تعرفونهم، التي يقتصر فيها على مفعول.
قال الشاعر:
فإن الله يعلمني ووهبا = وأنا سوف يلقاه كلانا
اقتصر "نا" على مفعول واحد كالآية). [معاني القرآن لقطرب: 626]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} أي من سلاح). [تفسير غريب القرآن: 180]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}
{وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم}.
{وآخرين} عطف على قوله {ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم}.
أي وترهبون آخرين من دونهم). [معاني القرآن: 2/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [آية: 60]
قال عكرمة القوة ذكور الخيل ورباط الخيل إناثها
وقال غيره القوة السلاح وروى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي))
60 - ثم قال عز وجل: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} [آية: 60]
أي وترهبون آخرين أي تخيفونهم
قال مجاهد هم بنو قريظة وقال ابن زيد هم المنافقون وقيل هم الجن وقال السدي أهل فارس). [معاني القرآن: 3 /166-167 ]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ قُوَّةٍ} أي من سلاح، وقيل هو القتل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 93]



تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها...}
إن شئت جعلت {لها} كناية عن السلم لأنها مؤنثة. وإن شئت جعلته للفعلة؛ كما قال {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} ولم يذكر قبله إلا فعلا، فالهاء للفعلة). [معاني القرآن: 1/416]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإن جنحوا للسّلم} أي رجعوا إلى المسالمة، وطلبوا الصلح وهو السلم مكسورة ومفتوحة ومتحركة الحروف بالفتحة واحد، قال رجل من أهل اليمن جاهلي:
أناثل إنني سلمٌ..=. لأهلك فاقبلي سلمي
فيها ثلاث لغات، وكذلك السلام أيضاً، وقد فرغنا منه في موضع قبل هذا ويقال للدلو سلم مفتوحة ساكنة اللام، ويقال: أخذته سلماً أي أسرته ولم أقتله ولكن استسلم لي، متحرك الحروف بالفتحة وكذلك السلم الذي تسلم فيه وهو السلف الذي تسلف فيه وهو متحرك الحروف والسلم شجر واحدته سلمة متحركة بالفتحة). [مجاز القرآن: 1/250]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم}
وقال: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها} فأنث {السّلم} وهو {الصلح} وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر). [معاني القرآن: 2/29]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وإن جنحوا للسلم} وقد فسرنا السلم والسلم بكل ما فيه في سورة البقرة.
وقوله {جنحوا} تميم تقول: جنح يجنح جنوحًا، وهو الميل إلى الشيء، وقيس تقول: جنح يجنح، وحكي عن بعضهم: يجنح، بالكسر؛ وقالوا: جنح يجنح إجناحًا، وقالوا: جنح الليل يجنح جنوحًا؛ إذا أقبل). [معاني القرآن لقطرب: 624]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وإن جنحوا للسلم}: مالوا إلى الصلح وطلبوه). [غريب القرآن وتفسيره: 159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإن جنحوا للسّلم} أي مالوا للصلح). [تفسير غريب القرآن: 180]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم}
السّلم: الصلح والمسالمة، يقال: سلم وسلم وسلم في معنى واحد.
أي إن مالوا إلى الصلح فمل إليه). [معاني القرآن: 2/422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} [آية: 61]
جنحوا مالوا وقال أبو عمرو والسلم الصلح والسلم الإسلام
وأبو عبيدة يذهب إلى أن السلم والسلم والسلم الصلح). [معاني القرآن: 3/167]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (وقوله: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}أي: إذا مالوا إلى
[ياقوتة الصراط: 239]
الصلح، فاجنح لها: أي فمل أنت: - أيضا - إلى الصلح، لأنه قال - جل وعز: {والصلح خير} ). [ياقوتة الصراط: 240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والسَلم} الصلح. و {جَنَحُوا} أي مالوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 93]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جَنَحُواْ}: مالوا
61- {السَّلْمِ}: الصلح). [العمدة في غريب القرآن: 144-145]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين}
وقال: {فإنّ حسبك اللّه} لأنّ "حسبك" اسم). [معاني القرآن: 2/29]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين}
أي إن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك، {فإنّ حسبك اللّه}
أي فإن الذي يتولى كفايتك اللّه.
{ومن اتبعك من المؤمنين}.
موضع {من}نصب ورفع، أما من نصب فعلى تأويل الكاف، المعنى فإن اللّه يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين، ومن رفع فعلى العطف على اللّه والمعنى: فإن حسبك اللّه وتبّاعك من المؤمنين.
{هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين}.
ومعنى {أيّدك}:قواك). [معاني القرآن: 2/423-422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن يريدوا أن يخدعوك} [آية: 62]
أي بإظهار الصلح فإن حسبك الله أي كافيك وهو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أي قواك وألف بين قلوبهم
وهذه من الآيات العظام لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنه حتى يستقيدها وكانوا أشد خلق الله حمية فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان أحدهم يقاتل أخاه على الإسلام
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد
بالأنبار قال نا نصر بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة قال أخبرنا بشير ابن ثابت من آل النعمان بن بشير في قوله: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} حتى بلغ {إنه عزيز حكيم} قال نزلت في الأنصار). [معاني القرآن: 3/168-167]

تفسير قوله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وألّف بين قلوبهم...}
بين قلوب الأنصار من الأوس والخزرج؛ كانت بينهم حرب، فلمّا دخل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح الله به وبالإسلام ذات بينهم). [معاني القرآن: 1/417]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وبالمؤمنين} وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم)
أي جمعهم على المودة على الإيمان.
وقوله: {لو أنفقت ما في الأرض جميعا}.
{جميعا}منصوب على الحال.
{ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم}
أعلم الله جلّ وعزّ أن تأليف قلوب المؤمنين من الآيات العظام وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى قوم أنفتهم شديدة، ونصرة بعضهم بعضا ومعاونته أبلغ نصرة ومعاونة، كان يلطم من القبيلة لطمة فيقاتل عنه حتى يدرك ثأره، فألّف الإيمان بين قلوبهم حتى قاتل الرجل أباه وأخاه وابنه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذا ما تولاه منهم إلا هو). [معاني القرآن: 2/423]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:51 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقد يكون علمتُ بمنزلة عرفت لا تريد إلاّ علم الأوّل فمن ذلك قوله تعالى: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت} وقال سبحانه: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} فهي ههنا بمنزلة عرفت كما كانت رأيت على وجهين). [الكتاب: 1/40] (م)
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب مالا يعمل فيه ما قبله من الفعل
الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره
لأنه كلامٌ قد عمل بعضه في بعض فلا يكون إلاّ مبتدأ لا يعمل فيه شيء قبله لأنّ ألف الاستفهام تمنعه من ذلك.
وهو قولك قد علمت أعبد الله ثمّ أم زيدٌ وقد عرفت أبو من زيدٌ وقد عرفت أيّهم أبوه وأما ترى أي برقٍ هاهنا. فهذا في موضع مفعول كما أنّك إذا قلت عبد الله هل رأيته فهذا الكلام في موضع المبنىّ على المبتدأ الذي يعمل فيه فيرفعه.
ومثل ذلك ليت شعري أعبد الله ثمّ أم زيدٌ وليت شعري هل رأيته فهذا في موضع خبر ليت. فإنّما أدخلت هذه الأشياء على قولك أزيدٌ ثمّ أم عمرو وأيّهم أبوك لما احتجت إليه من المعاني. وسنذكر ذلك في باب التسوية.
ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} وقوله تعالى: {فلينظر أيها أزكى طعاما}.
ومن ذلك قد علمت لعبد الله خيرٌ منك. فهذه اللام تمنع العمل كما تمنع ألف الاستفهام لأنّها إنّما هي لام الابتداء وإنما أدخلت عليه علمت لتؤكد وتجعله يقيناً قد علمته ولا تحيل على علم غيرك. كما أنّك إذا قلت قد علمت أزيدٌ ثمّ أم عمروٌ أردت أن تخبر أنّك قد علمت أيّهما ثمّ وأردت أن تسوى علم المخاطب فيهما كما استوى علمك في المسألة حين قلت أزيدٌ ثمّ
أم عمرٌ و. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاقٍ}.
ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت علمت كما تعمل عرفت ورأيت وذلك قولك قد علمت زيداً خيرا منك كما قال تعالى جدّه: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت} وكما قال جلّ ثناؤه: {لا تعلمونهم الله يعلمهم} كقولك لا تعرفونهم الله يعرفهم. وقال سبحانه: {والله يعلم المفسد من المصلح} ). [الكتاب: 1/235-237] (م)

قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الخيل» أنثى؛ تقول: «هذه خييلة»). [المذكور والمؤنث: 79]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن الأفعال ما يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما. وذلك قولك: أعطيت زيدا درهما، وكسوت زيدا ثوبا، وألبست زيدا جبة. ومنها ما يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما وذلك نحو: ظننت زيدا أخاك، وحسبت زيدا ذا الحفاظ، وخلت عبد الله يقوم في حاجتك. والفصل بين هذا والأول أن الأول فعل حقيقي يقع مفعولاه مختلفين. تقول: أعطيت زيدا، فتخبر أنه كان منك عطاءٌ، وإن شئت أن تذكره بعد ذكرته. فأما قولك: ظننت زيدا فلا يستقيم؛ لأن الشك إنما وقع في المفعول الثاني. فالثاني خبر عن الأول، والتقدير: زيد منطلق في طني، إلا أن تريد بظننت: اتهمت. فهذا من غير هذا الباب، وكذلك: إذا أردت بعلمت: عرفت. فهو من باب ما يتعدى إلى مفعول؛ كما قال عز وجل: {لا تعلمونهم الله يعلمهم} إنما هو: لا تعرفونهم الله يعرفهم. وكذلك: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت} ). [المقتضب: 3/188-189]

قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
تعوذ بالرقى من غير خبل = وتعقد في قلائدها التميم
أي تعوذ من العين لا تصيبها، والخبل الداء، والتميم جمع تميمة وهي التعاويذ وتجمع تميمة تمائم، قال الفرزدق:
وكيف يضل العنبري ببلدة = بها قطعت عنه سيور التمائم
غيره: وروى تعوذ بالرقى من كل عين، قال أحمد قوله: تعوذ بالرقى من غير خبل، يقال إن الجن تعبث بالخيل، وفي قول الله عز وجل: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم}، أراد الجن، ويقال: إن الجن لا تقرب دارًا فيها فرس إلا أن المريد منها ربما عبث بالخيل، فيعلق عليها لذلك التميم تحرزًا من أذاه). [شرح المفضليات: 44]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«السِّلْم» و«السَّلم» أنثى، وهي الصلح؛ قال الله عز وجل: {وإن جنحوا للسَّلْم فاجنح لها}، إن شئت جعلت الهاء للسِّلم، وإن شئت جعلتها لتأنيث الفعلة، كما تقول للرجل يعق أباه: لا تفلح بعدها أبدا، تريد هذه الفعلة.
قال الشاعر:
فلا تضيقن إن السِّلم آمنة = ملساء ليس بها وعث ولا ضيق).
[المذكور والمؤنث: 75]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والسلم مفتوح والسلم مكسور الصلح يذكران ويؤنثان والسلم الدلو قال الله جل وعز: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} ثم قال الشاعر:

(السلم تأخذ منها ما رضيت به = والحرب يكفيك من أنفاسها جرع) ).
[إصلاح المنطق: 361]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
جنيتم علينا الحرب ثم ضجعتم = إلى السلم لما أصبح الأمر مبهما
يقال ضجع إلى الأمر أي مال اليه. والسلم بالفتح والكسر الصلح وقد قرئ بهما وهي مؤنثة: قال الله جل ذكره: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}: بتأنيث السلم). [شرح المفضليات: 625]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال أحمد بن عبيد: الاحديداب في الذراعين هو التحنيب. والتجنيب في الرجلين بالجيم، وأجنح صدره أميل ومنه قد جنحت السفينة أي مالت إلى الأرض. ومنه قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} أي: مالوا). [شرح المفضليات: 725]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون (60) وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم (61)
المخاطبة في هذه الآية لجميع المؤمنين، والضمير في قوله لهم عائد على الذين ينبذ إليهم العهد، أو على الذين لا يعجزون على تأويل من تأول ذلك في الدنيا، ويحتمل أن يعيده على جميع الكفار المأمور بحربهم في ذلك الوقت ثم استمرت الآية في الأمة عامة، إذ الأمر قد توجه بحرب جميع الكفار وقال عكرمة مولى ابن عباس: «القوة» ذكور الخيل و «الرباط» إناثها، وهذا قول ضعيف،
وقالت فرقة: القوة الرمي واحتجت بحديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» ثلاثا، وقال السدي: القوة السلاح، وذهب الطبري إلى عموم اللفظة، وذكر عن مجاهد أنه رئي يتجهز وعنده جوالق فقال: هذا من القوة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو الصواب، والخيل والمركوب في الجملة والمحمول عليه من الحيوان والسلاح كله والملابس الباهية والآلات والنفقات كلها داخلة في القوة، وأمر المسلمون بإعداد ما استطاعوا من ذلك، ولما كانت الخيل هي أصل الحروب وأوزارها والتي عقد الخير في نواصيها وهي أقوى القوة وحصون الفرسان خصها الله بالذكر تشريفا على نحو قوله من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال [البقرة: 98] وعلى نحو قوله فاكهةٌ ونخلٌ ورمّانٌ [الرحمن: 68] وهذا كثير، ونحوه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، هذا في البخاري وغيره، وقال في صحيح مسلم «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا»، فذكرت التراب على جهة التحفي به إذ هو أعظم أجزاء الأرض مع دخوله في عموم الحديث الآخر،
ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحرب وأنكاه في العدو وأقربه تناولا للأرواح خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر والتنبيه عليها، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى يدخل بالسهم الواحد الثلاثة من المسلمين الجنة، صانعه والذي يحتسب في صنعته والذي يرمي به» وقال عمرو بن عنبسة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رمى بسهم في سبيل الله أصاب العدو أو أخطأ فهو كعتق رقبة» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا». ورباط الخيل جمع ربط ككلب وكلاب، ولا يكثر ربطها إلا وهي كثيرة، ويجوز أن يكون الرباط مصدرا من ربط كصاح صياحا ونحوه لأن مصادر الثلاثي غير المزيد لا تنقاس، وإن جعلناه مصدرا من رابط فكأن ارتباط الخيل واتخاذها يفعله كل واحد لفعل آخر له فترابط المؤمنون بعضهم بعضا. فإذا ربط كل واحد منهم فرسا لأجل صاحبه فقد حصل بينهم رباط، وذلك الذي حض في الآية عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من ارتبط فرسا في سبيل الله فهو كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها»، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة «ومن ربط» بضم الراء والباء وهو جمع رباط ككتاب وكتب، كذا نصه المفسرون وفي جمعه وهو مصدر غير مختلف نظر وترهبون معناه تفزعون وتخوفون، والرهبة الخوف، قال طفيل الغنوي: [البسيط]
ويل أم حيّ دفعتم في نحورهم = بني كلاب غداة الرعب والرهب
ومنه راهب النصارى، يقال رهب إذا خاف، ف ترهبون معدى بالهمزة، وقرأ الحسن ويعقوب «ترهّبون» بفتح الراء وشد الهاء معدى بالتضعيف، ورويت عن أبي عمرو بن العلاء، قال أبو حاتم: وزعم عمرو أن الحسن قرأ «يرهبون» بالياء من تحت وخففها، فهو على هذا المعدى بالتضعيف، وقرأ ابن عباس وعكرمة «تخزون به عدو الله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ذكرها الطبري تفسيرا لا قراءة، وأثبتها أبو عمرو الداني قراءة، وقوله عدوّ اللّه وعدوّكم ذكر الصفتين وإن كانت متقاربة إذ هي متغايرة المنحى، وبذكرهما يتقوى الذم وتتضح وجوه بغضنا لهم، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي «عدوا لله» بتنوين عدو وبلام في المكتوبة، والمراد بهاتين الصفتين من قرب وصاقب من الكفار وكانت عداوته متحركة بعد، ويجوز أن يراد بها جميع الكفار ويبين هذا من اختلافهم في قوله وآخرين من دونهم الآية، قال مجاهد الإشارة بقوله وآخرين إلى قريظة، وقال السدي: إلى أهل فارس،
وقال ابن زيد: الإشارة إلى المنافقين، وقالت فرقة: الإشارة إلى الجن، وقالت فرقة: هم كل عدو للمسلمين غير الفرقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرد بهم من خلفهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الخلاف إنما ينبغي أن يترتب على ما يتوجه من المعنى في قوله لا تعلمونهم فإذا حملنا قوله لا تعلمونهم على عمومه ونفينا علم المؤمنين بهذه الفرقة المشار إليها جملة واحدة وكان العلم بمعنى المعرفة لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد لم يثبت من الخلاف في قوله آخرين إلا قول من قال الإشارة إلى المنافقين وقول من قال: الإشارة إلى الجن، وإذا جعلنا قوله لا تعلمونهم محاربين أو نحو هذا مما تفيد به نفي العلم عنهم حسنت الأقوال، وكان العلم متعديا إلى مفعولين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا الوجه أشبه عندي، ورجح الطبري أن الإشارة إلى الجن وأسند في ذلك ما روي من أن صهيل الخيل ينفر الجن وأن الشيطان لا يدخل دارا فيها فرس الجهاد ونحو هذا، وفيه على احتماله نظر، وكان الأهم في هذه الآيات أن يبرز معناها في كل ما يقوي المسلمين على عدوهم من الإنس وهم المحاربون والذين يدافعون على الكفر ورهبتهم من المسلمين هي النافعة للإسلام وأهله، ورهبة الجن وفزعهم لا غناء له في ظهور الإسلام، بل هو تابع لظهور الإسلام وهو أجنبي جدا والأولى أن يتأول المسلمين إذا ظهروا وعزوا هابهم من جاورهم من العدو المحارب لهم، فإذا اتصلت حالهم تلك بمن بعد من الكفار داخلته الهيبة وإن لم يقصد المسلمون إرهابهم فأولئك هم الآخرون، ويحسن أن يقدر قوله لا تعلمونهم بمعنى لا تعلمونهم فازعين راهبين ولا تظنون ذلك بهم، والله تعالى يعلمهم بتلك الحالة، ويحسن أيضا أن تكون الإشارة إلى المنافقين على جهة الطعن عليهم والتنبيه على سوء حالهم وليستريب بنفسه كل من يعلم منها نفاقا إذا سمع الآية، ولفزعهم ورهبتهم غناء كثير في ظهور الإسلام وعلوه، وقوله من دونهم بمنزلة قولك دون أن يكون هؤلاء ف «دون» في كلام العرب و «من دون» يقتضي عدم المذكور بعدها من النازلة التي هي فيها القول، ومنه المثل: وأمر دون عبيدة الوذم تفضل تعالى بعدة المؤمنين على إنفاقهم في سبيل الله بأن النفقة لا بد أن توفى أي تجازى ويثاب عليها، ولزوم هذا هو في الآخرة، وقد يمكن أن يجازي الله تعالى بعض المؤمنين في الدنيا مجازاة مضافة إلى مجازاة الآخرة). [المحرر الوجيز: 4/ 225-230]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها الآية، الضمير في جنحوا هو للذين نبذ إليهم على سواء، وجنح الرجل إلى الأمر إذا مال إليه وأعطى يده فيه، ومنه قيل للأضلاع جوانح لأنها مالت على الحشوة وللخباء جناح وجنحت الإبل إذا مالت أعناقها في السير وقال ذو الرمة:
إذا مات فوق الرحل أحييت روحه = بذكراك والعيس المراسيل جنح
وجنح الليل إذا أقبل وأمال أطنابه على الأرض ومنه قول النابغة: [الطويل].
جوانح قد أيقنّ أن قبيله = إذا ما التقى الجمعان أول غالب
أي موائل. وقال لبيد: [الوافر]
جنوح الهالكيّ على يديه = مكّبا يجتلي نقب النصال
وقرأ جمهور الناس «للسّلم» بفتح السين وشدها وقرأ عاصم في رواية بكر «للسّلم» بكسرها وشدها وهما لغتان في المسالمة، ويقال أيضا «السّلم» بفتح السين واللام ولا أحفظها قراءة، وقرأ جمهور الناس «فاجنح» بفتح النون وهي لغة تميم، وقرأ الأشهب العقيلي «فاجنح» وهي لغة قيس بضم النون، قال أبو الفتح وهذه القراءة هي القياس، لأن فعل إذا كان غير متعد فمستقبله يفعل بضم العين أقيس قعد يقعد أقيس من جلس يجلس، وعاد الضمير في لها مؤنثا إذ السلم بمعنى المسالمة والهدنة، وقيل السلم مؤنثة كالحرب ذكره النحاس، وقال أبو حاتم يذكر السلم، وقال قتادة والحسن بن أبي الحسن وعكرمة وابن زيد: هذه الآية منسوخة بآيات القتال في براءة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد يحتمل ألا يترتب نسخها بها بأن يعنى بهذه من تجوز مصالحته وتبقى تلك في براءة في عبدة الأوثان وإلى هذا ذهب الطبري وما قالته الجماعة صحيح أيضا إذا كان الجنوح إلى سلم العرب مستقرا في صدر الإسلام فنسخت ذلك آية براءة ونبذت إليهم عهودهم، وروي عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون [آل عمران: 139] الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول بعيد من أن يقوله ابن عباس رضي الله عنه، لأن الآيتين مبينتان، وقوله وتوكّل على اللّه أمر في ضمنه وعد). [المحرر الوجيز: 4/ 230-232]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ (63) يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين (64)
الضمير في قوله وإن يريدوا عائد على الكفار الذين قيل فيهم، وإن جنحوا [الأنفال: 61] وقوله وإن يريدوا أن يخدعوك يريد بأن يظهروا له السلم ويبطنوا الغدر والخيانة، أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، فإنّ حسبك اللّه أي كافيك ومعطيك نصرة وإظهارا، وهذا وعد محض، وأيّدك معناه قواك، وبالمؤمنين يريد بالأنصار بقرينة قوله وألّف بين قلوبهم الآية، وهذه إشارة إلى العداوة التي كانت بين الأوس والخزرج في حروب بعاث فألف الله تعالى قلوبهم على الإسلام وردهم متحابين في الله، وعددت هذه النعمة تأنيسا لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي كما لطف بك ربك أولا فكذلك يفعل آخرا، وقال ابن مسعود: نزلت هذه الآية في المتحابين في الله إذا تراءى المتحابان فتصافحا وتضاحكا تحاتت خطاياهما، فقال له عبدة بن أبي لبابة إن هذا ليسير، فقال له لا تقل ذلك فإن الله يقول لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم قال عبدة: فعرفت أنه أفقه مني.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله تمثل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك بل تظاهرت أقوال المفسرين أنها في الأوس والخزرج كما ذكرنا، ولو ذهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان من جميعهم من التحاب حتى تكون ألفة الأوس والخزرج جزءا من ذلك لساغ ذلك، وكل تألف في الله فتابع لذلك التألف الكائن في صدر الإسلام، وقد روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «المؤمن مألفة لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والتشابه هو سبب الألفة فمن كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه). [المحرر الوجيز: 4/ 232-233]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطّاقة والإمكان والاستطاعة، فقال: {وأعدّوا لهم ما استطعتم} أي: مهما أمكنكم، {من قوّةٍ ومن رباط الخيل}
قال الإمام أحمد: حدّثنا هارون بن معروفٍ، حدّثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي عليٍّ ثمامة بن شفيّ، أنّه سمع عقبة بن عامرٍ يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول وهو على المنبر: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي"
رواه مسلمٌ، عن هارون بن معروفٍ، وأبو داود عن سعيد بن منصورٍ، وابن ماجه عن يونس بن عبد الأعلى، ثلاثتهم عن عبد اللّه بن وهبٍ، به
ولهذا الحديث طرقٌ أخر، عن عقبة بن عامرٍ، منها ما رواه التّرمذيّ، من حديث صالح بن كيسان، عن رجلٍ، عنه
وروى الإمام أحمد وأهل السّنن، عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ارموا واركبوا، وأن ترموا خيرٌ من أن تركبوا"
وقال الإمام مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالحٍ السّمّان، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الخيل لثلاثةٍ: لرجلٍ أجر، ولرجلٍ سترٌ، وعلى رجلٍ وزرٌ؛ فأمّا الّذي له أجرٌ فرجلٌ ربطها في سبيل اللّه، فأطال لها في مرجٍ -أو: روضةٍ -فما أصابت في طيلها ذلك من المرج -أو: الرّوضة -كانت له حسناتٌ، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفًا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسناتٍ له، ولو أنّها مرّت بنهرٍ فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به، كان ذلك حسناتٍ له؛ فهي لذلك الرّجل أجرٌ. ورجلٌ ربطها تغنّيًا وتعفّفًا، ولم ينس حقّ اللّه في رقابها ولا ظهورها، فهي له سترٌ، ورجلٌ ربطها فخرًا ورياءً ونواءً فهي على ذلك وزرٌ". وسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحمر فقال: "ما أنزل اللّه عليّ فيها شيئًا إلّا هذه الآية الجامعة الفاذّة: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره} [الزّلزلة: 7، 8].
رواه البخاريّ -وهذا لفظه -ومسلمٌ، كلاهما من حديث مالكٍ
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ، أخبرنا شريكٌ، عن الرّكين بن الرّبيع عن القاسم بن حسّان؛ عن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الخيل ثلاثةٌ: ففرسٌ للرّحمن، وفرسٌ للشّيطان، وفرسٌ للإنسان، فأمّا فرس الرّحمن فالّذي يربط في سبيل اللّه، فعلفه وروثه وبوله، وذكر ما شاء اللّه. وأمّا فرس الشّيطان فالّذي يقامر أو يراهن عليه، وأمّا فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي سترٌ من فقرٍ"
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنّ الرّمي أفضل من ركوب الخيل، وذهب الإمام مالكٌ إلى أنّ الرّكوب أفضل من الرّمي، وقول الجمهور أقوى للحديث، واللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ وهشامٌ قالا حدّثنا ليثٌ، حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن شماسة: أنّ معاوية بن حديجٍ مرّ على أبي ذرٍّ، وهو قائمٌ عند فرسٍ له، فسأله ما تعالج من فرسك هذا؟ فقال: إنّي أظنّ أنّ هذا الفرس قد استجيب له دعوته! قال: وما دعاء بهيمةٍ من البهائم؟ قال: والّذي نفسي بيده ما من فرسٍ إلّا وهو يدعو كلّ سحرٍ فيقول: اللّهمّ، أنت خوّلتني عبدًا من عبادك، وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحبّ إليه من أهله وماله وولده
قال: وحدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ؛ حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ، عن سويد بن قيسٍ؛ عن معاوية بن حديجٍ ؛ عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: "إنه ليس من فرسٍ عربيٍّ إلّا يؤذن له مع كلّ فجرٍ، يدعو بدعوتين، يقول: اللّهمّ، إنّك خوّلتني من خوّلتني من بني آدم، فاجعلني من أحبّ أهله وماله إليه" أو "أحبّ أهله وماله إليه".
رواه النّسائيّ، عن عمرو بن عليٍّ الفلّاس، عن يحيى القطّان، به
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا الحسين بن إسحاق التّستريّ، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا يحيى بن حمزة، حدّثنا المطعم بن المقدام الصّنعانيّ، عن الحسن بن أبي الحسن أنّه قال لابن الحنظليّة -يعني: سهلًا -: حدّثنا حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، ومن ربط فرسًا في سبيل اللّه كانت النّفقة عليه، كالمادّ يده بالصّدقة لا يقبضها"
والأحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة، وفي صحيح البخاري، عن عروة ابن أبي الجعد البارقيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم"
وقوله: "ترهبون" أي: تخوّفون {به عدوّ اللّه وعدوّكم} أي: من الكفّار {وآخرين من دونهم} قال مجاهدٌ: يعني: قريظة، وقال السّدّيّ: فارس، وقال سفيان الثّوريّ: قال ابن يمانٍ: هم الشّياطين الّتي في الدّور. وقد ورد حديثٌ بمثل ذلك، قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي، حدّثنا أبو حيوة -يعني: شريح بن يزيد المقرئ -حدّثنا سعيد بن سنانٍ، عن ابن عريبٍ -يعني: يزيد بن عبد اللّه بن عريبٍ -عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في قوله: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} قال: "هم الجنّ"
ورواه الطّبرانيّ، عن إبراهيم بن دحيم؛ عن أبيه، عن محمّد بن شعيبٍ؛ عن سعيد بن سنانٍ عن يزيد بن عبد اللّه بن عريبٍ، به، وزاد: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يخبل بيتٌ فيه عتيقٌ من الخيل"
وهذا الحديث منكرٌ، لا يصحّ إسناده ولا متنه.
وقال مقاتل بن حيّان، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هم المنافقون.
وهذا أشبه الأقوال، ويشهد له قوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} [التّوبة: 101].
وقوله: {وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لاتظلمون} أي: مهما أنفقتم في الجهاد، فإنّه يوفّى إليكم على التّمام والكمال، ولهذا جاء في حديثٍ رواه أبو داود: أنّ الدّرهم يضاعف ثوابه في سبيل اللّه إلى سبعمائة ضعفٍ كما تقدّم في قوله تعالى: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ} [البقرة:261].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن القاسم بن عطيّة، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، حدّثنا أبي، عن أبيه، حدّثنا الأشعث بن إسحاق، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان يأمر ألّا يتصدّق إلّا على أهل الإسلام، حتّى نزلت: {وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم} فأمر بالصّدقة بعدها على كلّ من سألك من كلّ دينٍ. وهذا أيضًا غريبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 80-83]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على اللّه إنّه هو السّميع العليم (61) وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك اللّه هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ (63)}
يقول تعالى: إذا خفت من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم عهدهم على سواءٍ، فإن استمرّوا على حربك ومنابذتك فقاتلهم، {وإن جنحوا} أي: مالوا {للسّلم} أي: المسالمة والمصالحة والمهادنة، {فاجنح لها} أي: فمل إليها، واقبل منهم ذلك؛ ولهذا لمّا طلب المشركون عام الحديبية الصّلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسع سنين؛ أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشّروط الأخر.
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، حدّثنا فضيل بن سليمان -يعني: النّميريّ -حدّثنا محمّد بن أبي يحيى، عن إياس بن عمرٍو الأسلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أنه سيكون بعدي اختلافٌ -أو: أمرٌ -فإن استطعت أن يكون السّلم، فافعل"
وقال مجاهدٌ: نزلت في بني قريظة.
وهذا فيه نظرٌ؛ لأنّ السّياق كلّه في وقعة بدرٍ، وذكرها مكتنفٌ لهذا كلّه.
وقول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وزيد بن أسلم، وعطاءٍ الخراسانيّ، وعكرمة، والحسن، وقتادة: إنّ هذه الآية منسوخةٌ بآية السّيف في "براءة": {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} الآية [التّوبة:29] فيه نظرٌ أيضًا؛ لأنّ آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأمّا إذا كان العدوّ كثيفًا، فإنّه تجوز مهادنتهم، كما دلّت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص، واللّه أعلم.
وقوله: {وتوكّل على اللّه} أي: صالحهم وتوكّل على اللّه، فإنّ اللّه كافيك وناصرك، ولو كانوا يريدون بالصّلح خديعةً ليتقوّوا ويستعدّوا، {فإنّ حسبك اللّه} أي: كافيك وحده). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 83-84]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر نعمته عليه بما أيّده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار؛ فقال: {هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم} أي: جمعها على الإيمان بك، وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} أي: لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإنّ الأنصار كانت بينهم حروبٌ كثيرةٌ في الجاهليّة، بين الأوس والخزرج، وأمورٌ يلزم منها التّسلسل في الشّرّ، حتّى قطع اللّه ذلك بنور الإيمان، كما قال تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون} [آل عمران: 103].
وفي الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنينٍ قال لهم: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلّالًا فهداكم اللّه بي، وعالةً فأغناكم اللّه بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم اللّه بي" كلّما قال شيئًا قالوا: اللّه ورسوله أمنّ.
ولهذا قال تعالى: {ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ} أي: عزيز الجناب، فلا يخيّب رجاء من توكّل عليه، حكيمٌ في أفعاله وأحكامه.
قال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أنبأنا عليّ بن بشرٍ الصّيرفيّ القزوينيّ في منزلنا، أنبأنا أبو عبد اللّه محمّد بن الحسن القنديليّ الإستراباذيّ، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن النّعمان الصّفّار، حدّثنا ميمون بن الحكم، حدّثنا بكر بن الشّرود، عن محمّد بن مسلمٍ الطّائفيّ، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قرابة الرّحم تقطع، ومنّة النّعمة تكفر، ولم ير مثل تقارب القلوب؛ يقول اللّه تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} وذلك موجودٌ في الشّعر:
إذا متّ ذو القربى إليك برحمه فغشّك واستغنى فليس بذي رحم
ولكنّ ذا القربى الذي إن دعوته أجاب ومن يرمي العدو الذي ترمي
قال: ومن ذلك قول القائل:
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرّب قاطعاوإذا المودّة أقرب الأسباب
قال البيهقيّ: لا أدري هذا موصولٌ بكلام ابن عبّاسٍ، أو هو من قول من دونه من الرّواة؟
وقال أبو إسحاق السّبيعيّ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، سمعته يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} الآية، قال: هم المتحابّون في اللّه، وفي روايةٍ: نزلت في المتحابّين في اللّه.
رواه النّسائيّ والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح
وقال عبد الرازق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ الرّحم لتقطع، وإنّ النّعمة لتكفر، وإنّ اللّه إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيءٌ، ثمّ قرأ: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم}
رواه الحاكم أيضًا.
وقال أبو عمرٍو الأوزاعيّ: حدّثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهدٍ -ولقيته فأخذ بيدي فقال: إذا تراءى المتحابّان في اللّه، فأخذ أحدهما بيد صاحبه، وضحك إليه، تحاتّت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشّجر. قال عبدة: فقلت له: إنّ هذا ليسيرٌ! فقال: لا تقل ذلك؛ فإنّ اللّه تعالى يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم} !. قال عبدة: فعرفت أنّه أفقه منّي
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا ابن يمانٍ عن إبراهيم الخوزيّ عن الوليد بن أبي مغيثٍ، عن مجاهدٍ قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما، قال: قلت لمجاهدٍ: بمصافحةٍ يغفر لهما؟ فقال مجاهدٌ: أما سمعته يقول: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم}؟ فقال الوليد لمجاهدٍ: أنت أعلم منّي.
وكذا روى طلحة بن مصرّف، عن مجاهدٍ.
وقال ابن عونٍ، عن عمير بن إسحاق قال: كنّا نحدّث أنّ أوّل ما يرفع من النّاس -[أو قال: عن النّاس] -الألفة.
وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، رحمه اللّه: حدّثنا الحسين بن إسحاق التّستريّ، حدّثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ، حدّثنا سالم بن غيلان، سمعت جعدًا أبا عثمان، حدّثني أبو عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ المسلم إذا لقي أخاه المسلم، فأخذ بيده، تحاتّت عنهما ذنوبهما، كما يتحاتّ الورق عن الشّجرة اليابسة في يوم ريحٍ عاصفٍ، وإلّا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحار). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 84-86]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة