العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الزمر

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الأولى 1434هـ/23-03-2013م, 10:25 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة الزمر الآيات من [8-10]


ســـــــورة الزمـــــر

وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)



  #2  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 09:37 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وجعل للّه أندادًا}
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن عبد الرّحيم، قال: حدّثنا عبد الله بن الزّبير بن عيسى الحميديّ، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا عمر بن سعيدٍ الثّوريّ، عن الأعمش، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول: «ليس أحدٌ أصبر على أذًى يسمعه من الله، يدعون له ندًّا، ثمّ هو يرزقهم ويعافيهم»، قال الأعمش: فقلت له: ممّن سمعته يا أبا عبد الله؟، قال: حدّثناه أبو عبد الرّحمن السّلميّ عند أبي موسى الأشعريّ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/237]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا مسّ الإنسان ضرٌّ دعا ربّه منيبًا إليه ثمّ إذا خوّله نعمةً منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل للّه أندادًا ليضلّ عن سبيله قل تمتّع بكفرك قليلاً إنّك من أصحاب النّار}.
يقول تعالى ذكره: وإذا مسّ الإنسان بلاءٌ في جسده من مرضٍ، أو عاهةٍ، أو شدّةٍ في معيشته، وجهدٌ وضيقٌ {دعا ربّه} يقول: استغاث بربّه الّذي خلقه من شدّة ذلك، ورغّب إليه في كشف ما نزل به من شدّة ذلك.
وقوله: {منيبًا إليه} يقول: تائبًا إليه ممّا كان من قبل ذلك عليه من الكفر به، وإشراك الآلهة والأوثان به في عبادته، راجعًا إلى طاعته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا مسّ الإنسان ضرٌّ} قال: الوجع والبلاء والشّدّة {دعا ربّه منيبًا إليه} قال: مستغيثًا به.
وقوله: {ثمّ إذا خوّله نعمةً منه} يقول تعالى ذكره: ثمّ إذا منحه ربّه نعمةً منه، يعني عافيةً، فكشف عنه ضرّه، وأبدله بالسّقم صحّةً، وبالشّدّة رخاءً والعرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مالٍ أو غيره: قد خوّله؛ ومنه قول أبي النّجم العجليّ:
أعطى فلم يبخل ولم يبخّل = كوم الذّرا من خول المخوّل
- وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى أنّه قال: سمعت أبا عمرٍو يقول في بيت زهيرٍ:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا = وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
قال معمرٌ: قال يونس: إنّما سمعناه:
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
قال: وهي بمعناها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {ثمّ إذا خوّله نعمةً منه}: إذا أصابته عافيةٌ أو خيرٌ.
وقوله: {نسي ما كان يدعو إليه من قبل} يقول: ترك دعاءه الّذي كان يدعو إلى اللّه من قبل أن يكشف ما كان به من ضرٍّ {وجعل للّه أندادًا} يعني: شركاء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {نسي} يقول: ترك، هذا في الكافر خاصّةً.
ولـ(ما) الّتي في قوله: {نسي ما كان} وجهان: أحدهما: أن يكون بمعنى الّذي، ويكون معنى الكلام حينئذٍ: ترك الّذي كان يدعوه في حال الضّرّ الّذي كان به، يعني به اللّه تعالى ذكره، فتكون (ما) موضوعةً عند ذلك موضع (من) كما قيل: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} يعني به اللّه، وكما قيل: {فانكحوا ما طاب لكم من النّساء} والثّاني: أن يكون بمعنى المصدر على ما ذكرت وإذا كانت بمعنى المصدر، كان في الهاء الّتي في قوله: {إليه} وجهان: أحدهما: أن يكون من ذكر ما والآخر: من ذكر الرّبّ.
وقوله: {وجعل للّه أندادًا} يقول: وجعل للّه أمثالاً وأشباهًا.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي جعلوها فيه له أندادًا، قال بعضهم: جعلوها له أندادًا في طاعتهم إيّاه في معاصي اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وجعل للّه أندادًا} قال: الأنداد من الرّجال: يطيعونهم في معاصي اللّه.
وقال آخرون: عنى بذلك أنّه عبد الأوثان، فجعلها للّه أندادًا في عبادتهم إيّاها.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى به أنّه أطاع الشّيطان في عبادة الأوثان، فجعل له الأوثان أندادًا، لأنّ ذلك في سياق عتّاب اللّه إيّاهم له على عبادتها.
وقوله: {ليضلّ عن سبيله} يقول: ليزيل من أراد أن يوحّد اللّه ويؤمن به عن توحيده، والإقرار به، والدّخول في الإسلام.
وقوله: {قل تمتّع بكفرك قليلاً} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لفاعل ذلك: تمتّع بكفرك باللّه قليلاً إلى أن تستوفي أجلك، فتأتيك منيّتك {إنّك من أصحاب النّار}: أي إنّك من أهل النّار الماكثين فيها.
وقوله: {تمتّع بكفرك}: وعيدٌ من اللّه وتهدّدٌ). [جامع البيان: 20/170-173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 8.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {دعا ربه منيبا إليه} قال: أي مخلصا إليه). [الدر المنثور: 12/636]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ {آناء اللّيل} قال: جوف اللّيل). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 242]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة} قال: يحذر عذاب الآخرة). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 481]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {أمّن} فقرأ ذلك بعض المكّيّين وبعض المدنيّين وعامّة الكوفيّين: (أمن) بتخفيف الميم؛ ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان: أحدهما: أن يكون الألف في أمّن بمعنى الدّعاء، يراد بها: يا من هو قانتٌ آناء اللّيل، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بيا، فتقول: أزيد أقبل، ويا زيد أقبل؛ ومنه قول أوس بن حجرٍ:
أبني لبينى لستم بيدٍ = إلاّ يدٌ ليست لها عضد
وإذا وجّهت الألف إلى النّداء كان معنى الكلام: قل تمتّع أيّها الكافر بكفرك قليلاً إنّك من أصحاب النّار، ويا من هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا إنّك من أهل الجنّة، ويكون في البيان عمّا للفريق الكافر عند اللّه من الجزاء في الآخرة، الكفاية عن بيان ما للفريق المؤمن، إذ كان معلومًا اختلاف أحوالهما في الدّنيا، ومعقولاً أنّ أحدهما إذا كان من أصحاب النّار لكفره بربّه أنّ الآخر من أصحاب الجنّة، فحذف الخبر عمّا له، اكتفاءٌ بفهم السّامع المراد منه من ذكره، إذ كان قد دلّ على المحذوف بالمذكور والثّاني: أن تكون الألف الّتي في قوله: أمّن ألف استفهام، فيكون معنى الكلام: أهذا كالّذي جعل للّه أندادًا ليضلّ عن سبيله، ثمّ اكتفى بما قد سبق من خبر اللّه عن فريق الكفر به من أعدائه، إذ كان مفهومًا المراد بالكلام، كما قال الشّاعر:
فأقسم لو شيءٌ أتانا رسوله.. سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
فحذف (لدفعناه) وهو مرادٌ في الكلام إذ كان مفهومًا عند السّامع مراده.
وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: {أمّن} بتشديد الميم، بمعنى: أم من هو؟ ويقولون: إنّما هي {أمّن} استفهامٌ اعترض في الكلام بعد كلامٍ قد مضى، فجاء بأم؛ فعلى هذا التّأويل يجب أن يكون جواب الاستفهام متروكًا من أجل أنّه قد جرى الخبر عن فريق الكفر، وما أعدّ له في الآخرة، ثمّ أتبع الخبر عن فريق الإيمان، فعلم بذلك المراد، فاستغنى بمعرفة السّامع بمعناه من ذكره، إذ كان معقولاً أنّ معناه: هذا أفضل أم هذا؟
والقول في ذلك عندنا أنّهما قراءتان قرأ بكلّ واحدةٍ علماء من القرّاء مع صحّة كلّ واحدةٍ منهما في التّأويل والإعراب، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين، والصّواب من القول عندنا فيما مضى قبل في معنى القانت، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع؛ غير أنا نذكر بعض أقوال أهل التّأويل في ذلك في هذا الموضع، ليعلم النّاظر في الكتاب اتّفاق معنى ذلك في هذا الموضع وغيره، فكان بعضهم يقول: هو في هذا الموضع قراءة القارئ قائمًا في الصّلاة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى، عن عبيد اللّه، أنّه قال: أخبرني نافعٌ، عن ابن عمر، أنّه كان إذا سئل عن القنوت، قال: لا أعلم القنوت إلاّ قراءة القرآن وطول القيام، وقرأ: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا}.
وقال آخرون: هو الطّاعة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أمّن هو قانتٌ} يعني بالقنوت: الطّاعة، وذلك أنّه قال: {ثمّ إذا دعاكم دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون} إلى {كلٌّ له قانتون} قال: مطيعون.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا} قال: القانت: المطيع.
وقوله: {آناء اللّيل} يعني: ساعات اللّيل.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل} ساعات الليل أوّله، وأوسطه، وآخره.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {آناء اللّيل} قال: ساعات اللّيل.
وقد مضى بياننا عن معنى (الآناء) بشواهده، وحكاية أقوال أهل التّأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {ساجدًا وقائمًا} يقول: يقنت ساجدًا أحيانًا، وأحيانًا قائمًا، يعني: يطيع؛ والقنوت عندنا الطّاعة، ولذلك نصب قوله: {ساجدًا وقائمًا} لأنّ معناه: أمّن هو يقنت آناء اللّيل ساجدًا طورًا، وقائمًا طورًا، فهما حالٌ من قانتٍ.
وقوله: {يحذر الآخرة} يقول: يحذر عذاب الآخرة.
- كما حدّثنا عليّ بن الحسن الأزديّ، قال: حدّثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يحذر الآخرة} قال: يحذر عذاب الآخرة.
{ويرجو رحمة ربّه} يقول: ويرجو أن يرحمه اللّه فيدخله الجنّة.
وقوله: {قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون} يقول تعالى ذكره: قل يا محمّد لقومك: هل يستوي الّذين يعلمون ما لهم في طاعتهم لربّهم من الثّواب، وما عليهم في معصيتهم إيّاه من التّبعات، والّذين لا يعلمون ذلك، فهم يخبطون في عشواء، لا يرجون بحسن أعمالهم خيرًا، ولا يخافون بسيّئها شرًّا؟ يقول: ما هذان بمتساويين.
- وقد روي عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ في ذلك ما: حدّثني محمّد بن خلفٍ، قال: حدّثني نصر بن مزاحمٍ، قال: حدّثنا سعدان الجريريّ، عن سعد أبي مجاهدٍ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، رضوان اللّه عليه {هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون} قال: نحن الّذين يعلمون، وعدوّنا الّذين لا يعلمون.
وقوله: {إنّما يتذكّر أولو الألباب} يقول تعالى ذكره: إنّما يعتبر حجج اللّه، فيتّعظ، ويتفكّر فيها، ويتدبّرها أهل العقول والحجى، لا أهل الجهل والنّقص في العقول). [جامع البيان: 20/174-178]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله آناء الليل يعني ساعات الليل أوله وأوسطه وآخره). [تفسير مجاهد: 556]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 9
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه تلا هذه الآية {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} قال: ذاك عثمان بن عفان، وفي لفظ نزلت في عثمان بن عفان). [الدر المنثور: 12/636-637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما} قال: نزلت في عمار بن ياسر.
وأخرج جويبر عن عكرمة، مثله). [الدر المنثور: 12/637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج جويبر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في ابن مسعود وعمار وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه). [الدر المنثور: 12/637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يحذر الآخرة} يقول: يحذر عذاب الآخرة). [الدر المنثور: 12/637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه، أنه كان يقرأ أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر عذاب الآخرة والله تعالى أعلم، أما قوله تعالى: {يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} ). [الدر المنثور: 12/637-638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الترمذي والنسائي، وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت فقال كيف تجدك قال: أرجو وأخاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الذي يرجو وأمنه الذي يخاف). [الدر المنثور: 12/638]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ}
- أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن أبي الأحوص، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يقول الله تبارك وتعالى: من أذهبت كريمتيه، فاحتسب وصبر لم أجعل له ثوابًا دون الجنّة "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/237]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا عباد الّذين آمنوا اتّقوا ربّكم للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةٌ وأرض اللّه واسعةٌ إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حسابٍ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لعبادي الّذين آمنوا: {يا عباد الّذين آمنوا} باللّه، وصدّقوا رسوله {اتّقوا ربّكم} بطاعته واجتناب معاصيه {للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةٌ}.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: للّذين أطاعوا اللّه حسنةٌ في هذه الدّنيا؛ وقال في من صلة حسنةٌ، وجعل معنى الحسنة: الصّحّة والعافية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةٌ} قال: العافية والصّحّة.
وقال آخرون: (في) من صلة (أحسنوا)، ومعنى الحسنة: الجنّة.
وقوله: {وأرض اللّه واسعةٌ} يقول تعالى ذكره: وأرض اللّه فسيحةٌ واسعةٌ، فهاجروا من أرض الشّرك إلى دار الإسلام.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وأرض اللّه واسعةٌ} فهاجروا واعتزلوا الأوثان.
وقوله: {إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حسابٍ} يقول تعالى ذكره: إنّما يعطي اللّه أهل الصّبر على ما لقوا فيه في الدّنيا أجرهم في الآخرة. {بغير حسابٍ} يقول: ثوابهم بغير حسابٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حسابٍ} لا واللّه ما هناكم مكيالٌ ولا ميزانٌ.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حسابٍ} قال: في الجنّة). [جامع البيان: 20/178-180]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وأرض الله واسعة يقول فهاجروا واعتزلوا عبادة الأوثان). [تفسير مجاهد: 556]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 10 - 14.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وأرض الله واسعة} قال: أرضي واسعة فهاجروا واعتزلوا الأوثان). [الدر المنثور: 12/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} قال: لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان). [الدر المنثور: 12/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} قال: بلغني أنه لا يحسب عليهم ثواب عملهم ولكن يزادون على ذلك). [الدر المنثور: 12/638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبدا أو أراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا ويحثه عليه حثا فإذا دعا قالت الملائكة عليهم السلام: صوت معروف قال جبريل عليه السلام: يا رب عبدك فلان اقض حاجته، فيقول الله تعالى: دعه إني أحب أن أسمع صوته، فإذا قال يا رب،، قال الله تعالى لبيك عبدي وسعديك، وعزتي لا تدعوني بشيء إلا استجبت لك ولا تسألني شيئا إلا أعطيتك، إما أن أعجل لك ما سألت وإما أن أدخر لك عندي أفضل منه وإما أن أدفع عنك من البلاء أعظم منه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتنصب الموازين يوم القيامة فيأتون بأهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى بأهل الصيام فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى بأهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ويصب عليهم الأجر صبا بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية أنهم كانوا في الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل، وذلك قوله {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ). [الدر المنثور: 12/639]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن عساكر، وابن مردويه عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا يرفع لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان يصب عليهم الأجر صبا، وقرأ {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ). [الدر المنثور: 12/639-640]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يود أهل البلاء يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض). [الدر المنثور: 12/640]


  #3  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 09:39 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي



تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {نسي ما كان يدعو إليه من قبل...}
يقول: ترك الذي كان يدعوه إذا مسّه، الضر يريد الله تعالى, فإن قلت: فهلاّ , قيل: نسي من كان يدعو؟ .
قلت: إن (ما) قد تكون في موضع (من) , قال الله :
{قل يأيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد} : يعني : الله, وقال : {فانكحوا ما طاب لكم من النّساء} : فهذا وجه. وبه جاء التفسير، ومثله: {أن تسجد لما خلقت بيديّ} , وقد تكون : {نسي ما كان يدعو إليه} يراد: نسي دعاءه إلى الله من قبل, فإن شئت جعلت الهاء التي في (إليه) لما , وإن شئت جعلتها لله وكلّ مستقيم.
وقوله:
{قل تمتّع بكفرك قليلاً} : فهذا تهدّد , وليس بأمر محض, وكذلك قوله: {فتمتّعوا فسوف تعلمون} , وما أشبهه.). [معاني القرآن: 2/416]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ثمّ إذا خوّله نعمةً منه }: كل مالك , وكل شيء أعطيته فقد خولته , قال أبو النجم:
أعطى فلم يبخل ولم يبخّل= كوم الذّرى من خول المخوّل
يريد الله تبارك وتعالى: وسمعت أبا عمرو يقول في بيت زهير:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا = وإن يسئلوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
قال يونس: إنما سمعنا:
= هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
: وهي معناها).
[مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.
وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ}.
ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:
إذا كنتَ متّخذا صاحبا = فلا تصحبنّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم). [تأويل مشكل القرآن: 273] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({خوله نعمة}: ملكه). [غريب القرآن وتفسيره: 325]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {وإذا مسّ الإنسان ضرّ دعا ربّه منيبا إليه ثمّ إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله قل تمتّع بكفرك قليلا إنّك من أصحاب النّار (8)}
{منيبا إليه} : أي: تائبا إليه.
{ثمّ إذا خوّله نعمة منه} : أي: أذهب الضّرّ عنه , وأنعم عليه.
{نسي ما كان يدعو إليه من قبل} : يقول: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى اللّه - جلّ وعزّ - , وجائز أن يكون معناه : نسي اللّه الذي كان يتضرع إليه من قبل.
ومثله:
{ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)}: فكانت (ما) تدل على اللّه، و " من " عبارة عن كل مميّز.
و(ما) يكون لكل نوع، تقول: ما عندك؟ فيكون الجواب : رجل , أو فرس , أو ما شئت من الأجناس، فيدخل المميز في (ما) من جهة دخولها على الأجناس.
{قل تمتّع بكفرك قليلا} : لفظ هذا لفظ أمر، ومعناه - التهديد والوعيد.
ومثله :
{فتمتّعوا فسوف تعلمون} , ومثله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}, ومثله قوله لمن يتهدده: عد لما أكره وحسبك، فأنت لست تأمره في المعنى , وإنّما تتوعده وتتهدده.). [معاني القرآن: 4/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه}
روى سعيد , عن قتادة قال : (مخلصا) .
قال أبو جعفر : يقال: أناب إذا رجع , وتاب .
وقوله جل وعز:
{ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل}
أي: أعطاه , وأباحه , وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا = وإن يسالوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
ثم قال:
{نسي ما كان يدعو إليه من قبل} :أي: نسي الذي كان يدعو الله جل وعز به من قبل , ويجوز أن يكون المعنى : نسي الله الذي كان يدعوه كما قال تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}
وفي قوله تعالى:
{قل تمتع بكفرك قليلا }: معنى التهديد .
وقوله جل وعز:
{وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}
قال السدي : (الأنداد من الرجال : يطيعهم في المعاصي , وقيل : عبد الأوثان).
وهذا أولى بالصواب ؛ لأن ذلك في سياق عتاب الله عز وجل إياهم على عبادتها).
[معاني القرآن: 6/154-156]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خوله}: أعطاه , ورزقه.). [ياقوتة الصراط: 444]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَوَّلَهُ}: ملكه). [العمدة في غريب القرآن: 261]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل...}
قرأها يحيى بن وثّاب بالتخفيف, وذكر ذلك , عن نافع , وحمزة , وفسّروها يريد: يا من هو قانت؟, وهو وجه حسن، العرب تدعو بألف، كما يدعون بيا, فيقولون: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل. قال الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ = إلاّ يدٍ ليست لها عضد
وقال الآخر:
أضمر بن ضمرة ماذا ذكر = ت من صرمة أخذت بالمرار
وهو كثير في الشعر فيكون المعنى مردوداً بالدعاء كالمنسوق، لأنه ذكر الناسي الكافر، ثم
قصّ قصة الصالح بالنداء، كما تقول في الكلام: فلان لا يصلّي , ولا يصوم, فيا من يصلّي , ويصوم , أبشر , فهذا هو معناه, والله أعلم.
وقد تكون الألف استفهاماً بتأويل أم؛ لأن العرب قد تضع (أم) في موضع الألف إذا سبقها كلام، قد وصفت من ذلك ما يكتفى به, فيكون المعنى أمن هو قانت (خفيف) كالأوّل الذي ذكر بالنسيان , والكفر.
ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف, وهو الوجه: أن تجعل أم إذا كانت مردودة على معنىً قد سبق قلتها بأم, وقد قرأ بها الحسن , وعاصم , وأبو جعفر المدنيّ يريدون: أم من, والعرب تقول: كان هذا حين قلت: أأخوك أم الذئب؟, تقال هذه الكلمة بعد المغرب إذا رأيت الشخص , فلم تدر ما هو, ومنه قولك: أفتلك أم وحشيّة؟, وقولك: أذلك أم جأب يطارد أتنا؟.
فإن قال قائل فأين جواب (أمّن هو) ؟: فقد تبيّن في الكلام أنه مضمر، وقد جرى معناه في أوّل الكلمة، إذ ذكر الضالّ ثم ذكر المهتدى بالاستفهام ؛ فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا أو أهذا أفضل أم هذا؟. ومن لم يعرف مذاهب العرب , ويتبيّن له المعنى في هذا , وشبهه لم يكتف ولم يشتف؛ ألا ترى قول الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أنّ معناه: لو أتانا رسول غيرك لدفعناه، فعلم المعنى ولم يظهر, وجرى قوله:
{أفمن شرح الله صدره للإسلام} على مثل هذا.
وقوله:
{آناء اللّيل ساجداً وقائماً} نصب على قوله: يقنت ساجداً مرّةً , وقائماً مرّةً، أي: مطيع في الحالين, ولو رفع كما رفع القانت كان صواباً, والقنوت: الطاعة). [معاني القرآن: 2/417]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أمّن هو قانتٌ} :أي : مصل, وأصل القنوت: الطاعة , {آناء اللّيل} : أي: ساعاته.). [تفسير غريب القرآن: 382]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} ولم يذكر ضدّ هذا؛ لأن في قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} دليلا على ما أراد.
وقال الشاعر:
أراك فما أدري أهمٌّ هممتُه = وذو الهمِّ قدمًا خاشعٌ متضائل
ولم يأت بالأمر الآخر.
وقال أبو ذؤيب:
عصيت إليها القلب إنّي لأمرِهِ = سميعٌ، فما أدري أَرُشْدٌ طِلابُها؟
أراد: أرشد هو أم غيّ؟ فحذف). [تأويل مشكل القرآن: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}.
هذا كلام مردود إلى ما قبله، محذوف منه الجواب للاختصار، على ما بيّنا في (باب المجاز).
وإنما ذكر الله تعالى قبل هذا الكلام قوما ركنوا إلى الدنيا ورضوا بها عوضا من الآخرة فقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} .
أي نؤتيهم ثواب أعمالهم في الدنيا، إذ كان عملهم لها وطلبهم ثوابها، وليس لهم في الآخرة إلا النار.
وحبط ما صنعوا فيها أي ذهب وبطل، لأنهم لم يريدوا الله بشيء منه.
ثم قايس بين هؤلاء وبين النبي صلّى الله عليه وسلم وصحابته فقال: أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه يعني محمدا، صلّى الله عليه وسلم. ويتلوه شاهدٌ منه أي من ربّه. (الهاء) مردودة إلى الله تعالى.
والشاهد من الله تعالى للنبي، صلّى الله عليه وسلم: جبريل عليه السلام، يريد أنه يتبعه ويؤيّده ويسدّده ويشهده.
ويقال: الشاهد: (القرآن) يتلوه يكون بعده تاليا شاهدا له.
وهذا أعجب إليّ؛ لأنّه يقول: ومن قبله كتاب موسى يعني التوراة.
إماماً ورحمةً قبل القرآن يشهد له بما قدّم الله فيها من ذكره.
والجواب هاهنا محذوف. أراد أفمن كانت هذه حاله كهذا الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إذ كان فيه دليل عليه.
ومثله قوله: { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، ولم يذكر الذي هو ضده؟ لأنه قال بعد: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
فالقانتون آناء الليل والنهار هم الذين يعلمون، وأضدادهم، هم الذين لا يعلمون، فاكتفى من الجواب بما تأخّر من القول، إذ كان فيه دليل عليه). [تأويل مشكل القرآن: 394-395] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت»
أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت؛ لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت).
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة؛ لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 451-452]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب (9)}
{أمّن هو قانت آناء اللّيل} : ساعات الليل، وأكثر القراءة بتشديد الميم على معنى : بل أم من هو قانت , والقانت المقيم على الطاعة، ودعاء القنوت الدعاء في القيام، فالقانت القائم بما يجب عليه من أمر اللّه، ويقرأ {أمن هو قانت} بتخفيف الميم، وتأويله: أمن هو قانت كهذا الذي ذكرنا ممن جعل للّه أندادا، وكذلك (أمّن) معناه بل أمن هو قانت كغيره، أي أمن هو مطيع كمن هو عاص.
{يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه} : معناه يحذر عذاب الآخرة.
{قل هل يستوي الّذين يعلمون}: أي: لا يستوي العالم والجاهل، وكذلك لا يستوي المطيع والعاصي , و{أولوا الألباب} : ذوو العقول، وواحد الألباب لب , وهي العقول.). [معاني القرآن: 4/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما}
أي: مصل , والقنوت: الطاعة.
قال الحسن , وقتادة : (آناء الليل ساعاته أوله , وأوسطه ,وآخره).
قال أبو جعفر : قال الأخفش : قراءة من قرأ :
{أمن هو} , بالتخفيف ضعيفة في العربية ؛ لأن ألف الاستفهام لا يعتمد على ما قبلها.
قال أبو جعفر : الذي قاله الأخفش حسن , يدل عليه: أن الذي في سورة النمل , لم يقرأ إلا مثقلا , ومعنى كلامه : أن الكلام معتمد على ما قبله ليس له خبر , وإنما دل عليه ما قبله ؛ لأنه قال جل وعز:
{وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}
فحذف الخبر ؛ لأن المعنى أمن هو مطيع كهذا؟! , أو أمن هو مطيع أفضل أم هذا ؟!
وهذا موضع أم التي بمعنى بل , كما قال:
أفتلك أم وحشية مسبوعة = خذلت وهادية الصوار قوامها
وقوله:
أذلك أم جاب يطارد آتنا = حملن فأدنى حملهن دروص
ومن قرأ بالتخفيف , فالخبر أيضا عنده محذوف , وهو شيء غامض في العربية , لا يأنس به إلا من درب بها كما قال:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أي : لدفعناه , فعلى هذا يقع الحذف
وقيل هو نداء : أي : يا من هو قائم آناء الليل .
وقوله جل وعز:
{يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}
قرأ سعيد بن جبير :
{يحذر عذاب الآخرة } , والمعنى واحد.
وقوله جل وعز:
{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}
أي: كما لا يستوي العالم والجاهل كذا لا يستوي المطيع والعاصي , وقيل : الذين يعلمون ما لهم في الطاعة , وما عليهم في المعصية , ثم قال:
{ إنما يتذكر أولو الألباب }:أي: العقول , ولب كل شيء : خالصه.). [معاني القرآن: 6/156-160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَانِتٌ}: قانت, {آناء الليل}: ساعاته). [العمدة في غريب القرآن: 261]

تفسير قوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل يا عباد الّذين آمنوا اتّقوا ربّكم للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة وأرض اللّه واسعة إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب (10)}
ذكر سعة الأرض ههنا : لمن كان يعبد الأصنام, وأمرنا بالمهاجرة عن البلد الذي يكره فيه على عبادتها، كما قال:
{ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها}: وقد جرى ذكر الأوثان في قوله: {وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله}
{إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب}: أي : من صبر على البلاء في طاعة اللّه , أعطي أجره بغير حساب.
جاء في التفسير : بغير مكيال , وغير ميزان.
يغرف له غرفا، وهذا وإن كان الثواب لا يقع على بعضه كيل , ولا وزن , مما يتنغم به الإنسان من اللذة , والسرور , والرّاحة، فإنه يمثل ما يعلم بحاسّة القلب بما يدرك بالنظر، فيعرف مقدار القلّة من الكثرة.).
[معاني القرآن: 4/347-348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة}
قيل: الحسنة : الجنة .
وقيل : المعنى لهم حسنة في الدنيا , أي : ثناء حسن , وطمأنينة بما لهم
وقوله جل وعز:
{وأرض الله واسعة} , قال مجاهد : أي: فهاجروا , واعتزلوا الأوثان.). [معاني القرآن: 6/160]

  #4  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 09:42 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي


التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله! إن الأنصار قد فضلونا إنهم آوونا وأنهم فعلوا بنا وفعلوا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألستم تعرفون ذلك لهم؟))
قالوا: نعم.
قال: ((فإن ذلك)).
ليس في الحديث غير هذا.
قال: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن يرفعه.
قوله: فإن ذاك، معناه والله أعلم: فإن معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مكافأة منكم لهم.
كحديثه الآخر: ((من أزلت عليه نعمة فليكافئ بها فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا)).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإن ذاك)) يريد هذا المعنى.
وهذا اختصار من كلام العرب يكتفى منه بالضمير لأنه قد
علم معناه وما أراد به القائل، وهو من أفصح كلامهم.
وقد بلغنا عن سفيان الثوري قال:
جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز من قريش يكلمه في حاجة له فجعل يمت بقرابته، فقال له عمر: فإن ذاك، ثم ذكر له حاجته، فقال له: لعل ذاك.
لم يزد على أن قال: فإن ذاك ولعل ذاك.
أي إن ذاك كما قلت، ولعل حاجتك أن تقضى.
وقال ابن قيس الرقيات:


بــكــرت عــلـــي عــواذلـــييـلـحـيـنـنـي وألــــــو مــهــنـــه
ويـقـلـن شـيــب قـــد عـــلاك وقد كبرت فقلت إنه

أي إنه قد كان كما تقلن.
والاختصار في كلام العرب كثير لا يحصى، وهو عندنا أعرب الكلام وأفصحه وأكثر ما وجدناه في القرآن.
من ذلك قوله سبحانه: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} إنما معناه والله أعلم فضربه: فانفلق.
ولم يقل: فضربه، لأنه حين قال: {أن اضرب بعصاك}، علم أنه قد ضربه.
ومنه قوله سبحانه: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام}.
ولم يقل: «فحلق ففدية من صيام».
اختصر واكتفي منه بقوله: {ولا تحلقوا رءوسكم} وكذلك قوله: {قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا} ولم يخبر عنهم في هذا الموضع أنهم قالوا: إنه سحر،
ولكن لما قال: {أسحر هذا}، علم أنهم قد قالوا: إنه سحر.
وكذلك قوله: {وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار * أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة}.
يقال في التفسير: معناه أهذا أفضل أم من هو قانت فاكتفى بالمعرفة بالمعنى.
وهذا أكثر من أن يحاط به). [غريب الحديث: 2/123-129]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }

قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (باب تسمية ساعات الليل
...
ويقال: مضت قويمة من الليل. ومضى قويم من الليل، ومضى إني من الليل، والجمع: آناء. ومنه قوله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل} ). [الأيام والليالي: 83]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا في صلاة الصبح بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان.
قال: حدثناه معاذ بن معاذ العنبري عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: قنت شهرا هو ههنا القيام قبل الركوع أو بعده في صلاة الفجر يدعو.
وأصل القنوت في أشياء:
فمنها القيام، وبهذا جاءت الأحاديث في قنوت الصلاة، لأنه إنما يدعو قائما.
ومن أبين ذلك الحديث الآخر:
قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)).
يريد طول القيام.
ومنه حديث ابن عمر:
قال: حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله
ابن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن القنوت فقال:
ما أعرف القنوت إلا طول القيام ثم قرأ: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما}.
وقد يكون القنوت في حديث ابن عمر هذا الصلاة كلها، ألا تراه يقول: ساجدا وقائما.
ومما يشهد على هذا الحديث المرفوع:
قال: حدثنيه إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم)).
يريد بالقانت المصلي ولم يرد القيام دون الركوع والسجود. وقد يكون القنوت أن يكون ممسكا عن الكلام في صلاته. ومنه حديث زيد بن أرقم قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال:
كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت هذه الآية: {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
قال: والقنوت أيضا الطاعة لله تعالى
قال: حدثني يحيى بن سعيد عن وائل بن داود عن عكرمة في قوله تعالى: {كل له قانتون}. قال: الطاعة). [غريب الحديث: 2/568-574]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) }

  #5  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:10 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

  #6  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

  #7  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:15 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار}
"الإنسان" في هذه الآية يراد به الكافر بدلالة ما وصفه به آخرا من اتخاذ الأنداد لله تبارك وتعالى، ولقوله تعالى: {تمتع بكفرك}.
وهذه آية بين تعالى بها على الكفار أنهم على كل حال يلجؤون في حال الضرورات إليه، وإن كان ذلك عن غير يقين منهم ولا إيمان، فلذلك ليس بمعتد به، و"منيبا" معناه: مقاربا مراجعا بصيرته.
وقوله تعالى: {ثم إذا خوله نعمة} يحتمل أن يريد: في كشف الضر المذكور، أو يريد أي نعمة كانت، واللفظ يعمهما، و"خوله" معناه: ملكه وحكمه فيها ابتداء منه لا مجازاة، ولا يقال في الجزاء: خول، ومنه الخول، ومنه قول زهير:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
هذه رواية، ويروى: يستخبلوا.
وقوله تعالى: {نسي ما كان يدعو إليه}. قالت فرقة: ما مصدرية، والمعنى: نسي دعاءه إليه في حال الضرر ورجع إلى كفره، وقالت فرقة: "ما" بمعنى الذي، والمراد بها الله سبحانه وتعالى، وهذا نحو قوله تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}، وقد تقع (ما) مكان (من) فيما لا يحصى كثرة من كلامهم. ويحتمل أن تكون "ما" نافية، ويكون قوله: {نسي} كلاما تاما، ثم نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصا لله ومقصودا به من قبل النعمة، أي في حال الضرر. ويحتمل أن تكون "ما" نافية، ويكون قوله: {من قبل} يريد: من قبل الضرر، فكأنه يقول: ولم يكن هذا الكافر يدعو في سائر زمنه قبل الضرر، بل ألجأه ضرره إلى الدعاء.
و"الأنداد": الأضداد التي تضاد وتزاحم وتعارض بعضها بعضا، قال قتادة: المراد: من الرجال يطيعونهم في معصية الله تعالى، وقال غيره: المراد: الأوثان. وقرأ الجمهور: "ليضل" بضم الياء، وقرأها بفتح الياء أبو عمرو، وعيسى، وابن كثير، وشبل.
ثم أمر تعالى نبيه أن يقول لهم - على جهة التهديد - قولا يخاطب به واحدا منهم: {تمتع بكفرك}، أي: تلذذ به، واصنع ما شئت "قليلا"، هو عمر هذا المخاطب. ثم أخبره أنه من أصحاب النار، أي: من سكانها والمخلدين فيها).[المحرر الوجيز: 7/ 376-377]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب * قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
وقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة: "أمن" بتخفيف الميم، وهي قراءة أهل مكة، والأعمش، وعيسى، وشيبة بن نصاح، ورويت عن الحسن، وضعفها الأخفش وأبو حاتم. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، والحسن، والأعرج، وقتادة، وأبو جعفر: "أمن" بتشديد الميم.
فأما الأولى فلها وجهان: أحدهما - وهو الأظهر - أن الألف تقرير واستفهام، وكأنه يقول: أهذا القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلا وهو من أصحاب النار؟ وفي الكلام حذف يدل عليه سياق الآيات مع قوله آخرا: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، ونظيره قول الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
ويوقف - على هذا التأويل - على قوله سبحانه: " يرجو رحمة ربه ".
والوجه الثاني أن تكون الألف نداء والخطاب لأهل هذه الصفات، كأنه يقول أصاحب هذه الصفات: قل هل يستوي؟ فهذا السؤال بـ"هل" هو للقانت، ولا يوقف - على هذا التأويل - على قوله سبحانه: {ويرجو رحمة ربه}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا المعنى صحيح إلا أنه أجنبي من معنى الآيات قبله وبعده. وضعفه أبو علي الفارسي، وقال مكي: إنه لا يجوز عند سيبويه، لأن حرف النداء لا يسقط مع المبهم، وليس كما قال مكي، أما مذهب سيبويه في أن حرف النداء لا يسقط مع المبهم فنعم; لأنه يقع الإلباس الكثير بذلك، وأما أن هذا الموضع سقط فيه حرف النداء فلا وألف ثابتة فيه ظاهرة.
وأما القراءة الثانية فإنها: (أم) دخلت على (من)، والكلام - على هذه القراءة - لا يحتمل إلا المعادلة بين صنفين، فيحتمل أن يكون ما يعادل (أم) متقدما في التقدير، كأنه يقول: "أهذا الكافر خير أم من"، ويحتمل أن تكون (أم) قد ابتدأ بها بعد إضراب مقدر، ويكون المعادل في آخر الكلام. والأول أبين.
و"القانت": المطيع، وبهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما، والقنوت في الكلام يقع على القراءة، وعلى طول القيام في الصلاة، وبهذا فسرها ابن عمر رضي الله عنهما، وروي عن ابن عباس أنه قال: "من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة فلينزه الله في سواد الليل ساجدا أو قائما"، ويقع القنوت على الدعاء وعلى الصمت عبادة، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القنوت: الطاعة، وقال جابر بن عبد الله: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت".
و"الآناء": الساعات، واحدها إنى كمعى، ومنه قولهم: "لن يعدو شيء إناه"، ومنه قوله تعالى: {غير ناظرين إناه} على بعض التأويلات في ذلك، ويقال في واحدها أيضا: "أنا" على وزن "قفا"، ويقال فيه: "إني" بكسر الهمزة وسكون النون، ومنه قال الهذلي:
حلو ومر كعطف القدح مرته ... في كل إني قضاه الليل ينتعل
وقرأ الضحاك: "ساجد وقائم" بالرفع فيهما.
وقوله تعالى: {يحذر الآخرة} معناه: يحذر حالها وهولها. وقرأ سعيد بن جبير: "يحذر عذاب الآخرة". و"أولو" معناه: أصحاب، واحدهم: ذو). [المحرر الوجيز: 7/ 377-380]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: [قل يا عبادي] بفتح الياء، وأسكنها أبو عمرو، وعاصم، والأعمش، وقرأ أبو عمرو، وعاصم أيضا، والأعمش، وابن كثير: "يا عباد" بغير ياء في الوصل. ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة. ووعد تعالى بقوله: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة}، ويحتمل أن يكون قوله: {في هذه الدنيا} متعلقا بـ"أحسنوا"، وكأنه يريد: أن الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة، وهي الجنة والنعيم، قاله مقاتل، ويحتمل أن يريد: إن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا، وهي العافية والطهور وولاية الله تعالى، قاله السدي، وكان قياس قوله أن يكون في هذه الدنيا متأخرا، ويجوز تقديمه. والقول الأول أرجح، وهو أن الحسنة في الآخرة. و"أرض الله" يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي الكلام فيها، وهذا حض على الهجرة، ولذلك وصف الله الأرض بالسعة. وقال قوم: أراد بالأرض هنا الجنة، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه.
ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره، والخروج عن الوطن، ونصرة الدين، وجميع الطاعات، بأن الأجر يوفى بغير حساب، وهذا يحتمل معنيين: أحدهما أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن النعيم ولا يتابع بذنوب، فيقع "الصابرون" في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام أنها تدخل الجنة دون حساب، في قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر" الحديث على اختلاف ترتيباته. والمعنى الثاني: أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا عد بل جزافا، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى، ومنه قول الشاعر:
ما تمنعي يقظى فقد تعطينه ... في النوم غير مصرد محسوب
وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين، حتى قال قتادة: ما ثم والله مكيال ولا ميزان، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت: {والله يضاعف لمن يشاء}، قال عليه الصلاة والسلام: "اللهم زد أمتي"، فنزلت: {فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، فقال: "اللهم زد أمتي" فنزلت هذه الآية، فقال: "رضيت يا رب"). [المحرر الوجيز: 7/ 380-382]

  #8  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

  #9  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا مسّ الإنسان ضرٌّ دعا ربّه منيبًا إليه} أي: عند الحاجة يضرع ويستغيث باللّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلا إيّاه فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم وكان الإنسان كفورًا} [الإسراء:67]. ولهذا قال: {ثمّ إذا خوّله نعمةً منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل} أي: في حال الرّفاهية ينسى ذلك الدّعاء والتّضرّع، كما قال تعالى: {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه} [يونس:12].
{وجعل للّه أندادًا ليضلّ عن سبيله} أي: في حال العافية يشرك باللّه، ويجعل له أندادًا. {قل تمتّع بكفرك قليلا إنّك من أصحاب النّار} أي: قل لمن هذه حاله وطريقته ومسلكه: تمتّع بكفرك قليلًا. وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ، كقوله: {قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار} [إبراهيم:30]، وقوله: {نمتّعهم قليلا ثمّ نضطرّهم إلى عذابٍ غليظٍ} [لقمان:24] ).[تفسير ابن كثير: 7/ 87]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم من هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب (9) }
يقول تعالى: أمّن هذه صفته كمن أشرك باللّه وجعل له أندادًا؟ لا يستوون عند اللّه، كما قال تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} [آل عمران:113]، وقال هاهنا: {أم من هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا} أي: في حال سجوده وفي حال قيامه؛ ولهذا استدلّ بهذه الآية من ذهب إلى أنّ القنوت هو الخشوع في الصّلاة، ليس هو القيام وحده كما، ذهب إليه آخرون.
قال الثّوريّ، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن ابن مسعودٍ أنّه قال: القانت المطيع للّه ولرسوله.
وقال ابن عبّاسٍ، والحسن، والسّدّيّ، وابن زيدٍ: {آناء اللّيل}: جوف اللّيل. وقال الثّوريّ، عن منصورٍ: بلغنا أنّ ذلك بين المغرب والعشاء.
وقال الحسن، وقتادة: {آناء اللّيل}: أوّله وأوسطه وآخره.
وقوله: {يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه} أي: في حال عبادته خائفٌ راجٍ، ولا بدّ في العبادة من هذا وهذا، وأن يكون الخوف في مدّة الحياة هو الغالب؛ ولهذا قال: {يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه}، فإذا كان عند الاحتضار فليكن الرّجاء هو الغالب عليه، كما قال الإمام عبد بن حميدٍ في مسنده.
حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا ثابتٌ عن أنسٍ قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على رجلٍ وهو في الموت، فقال له: "كيف تجدك ؟ " قال: أرجو وأخاف. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه اللّه عزّ وجلّ الّذي يرجو، وأمنه الّذي يخافه".
ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ في "اليوم واللّيلة"، وابن ماجه، من حديث سيّار بن حاتمٍ، عن جعفر بن سليمان، به. وقال التّرمذيّ: "غريبٌ. وقد رواه بعضهم عن ثابتٍ، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرسلًا".
وقال ابن أبي حاتمٍ، حدّثنا عمر بن شبّة، عن عبيدة النّميريّ، حدّثنا أبو خلف عبد اللّه بن عيسى الخزّاز، حدّثنا يحيى البّكّاء، أنّه سمع ابن عمر قرأ: {أم من هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه}؛ قال ابن عمر: ذاك عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه.
وإنّما قال ابن عمر ذلك؛ لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان باللّيل وقراءته، حتّى إنّه ربّما قرأ القرآن في ركعةٍ، كما روى ذلك أبو عبيدة عنه، رضي اللّه عنه، وقال الشاعر:
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به = يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا...
وقال الإمام أحمد: كتب إليّ الرّبيع بن نافعٍ: حدّثنا الهيثم بن حميدٍ، عن زيد بن واقدٍ، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرّة، عن تميمٍ الدّاريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من قرأ بمائة آيةٍ في ليلةٍ كتب له قنوت ليلةٍ".
وكذا رواه النّسائيّ في "اليوم واللّيلة" عن إبراهيم بن يعقوب، عن عبد اللّه بن يوسف والرّبيع بن نافعٍ، كلاهما عن الهيثم بن حميدٍ، به.
وقوله: {قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون} أي: هل يستوي هذا والّذي قبله ممّن جعل للّه أندادًا ليضلّ عن سبيله؟! {إنّما يتذكّر أولو الألباب} أي: إنّما يعلم الفرق بين هذا وهذا من له لب وهو العقل). [تفسير ابن كثير: 7/ 88-89]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل يا عباد الّذين آمنوا اتّقوا ربّكم للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةٌ وأرض اللّه واسعةٌ إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ (10) قل إنّي أمرت أن أعبد اللّه مخلصًا له الدّين (11) وأمرت لأن أكون أوّل المسلمين (12) }
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بالاستمرار على طاعته وتقواه {قل يا عباد الّذين آمنوا اتّقوا ربّكم للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةٌ} أي: لمن أحسن العمل في هذه الدّنيا حسنةٌ في دنياهم وأخراهم.
وقوله: {وأرض اللّه واسعةٌ} قال مجاهدٌ: فهاجروا فيها، وجاهدوا، واعتزلوا الأوثان.
وقال شريكٌ، عن منصورٍ، عن عطاءٍ في قوله: {وأرض اللّه واسعةٌ} قال: إذا دعيتم إلى المعصية فاهربوا، ثمّ قرأ: {ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} [النّساء:97].
وقوله: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ} قال الأوزاعيّ: ليس يوزن لهم ولا يكال، إنّما يغرف لهم غرفًا.
وقال ابن جريجٍ: بلغني أنّه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قطّ، ولكنّ يزادون على ذلك.
وقال السّدّيّ: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ} يعني: في الجنّة). [تفسير ابن كثير: 7/ 89]

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة