العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة فاطر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 12:37 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة فاطر [ من الآية (29) إلى الآية (35) ]

تفسير سورة فاطر
[ من الآية (29) إلى الآية (35) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 جمادى الأولى 1434هـ/23-03-2013م, 12:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا محمد بن يسار، عن قتادة، عن مطرف، وشعبة، عن يزيد الرشك، أنه سمع مطرفًا، يقول: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعلانية يرجون تجارةً لن تبور} [سورة فاطر: 29]، قال: هذه آية القراء). [الزهد لابن المبارك: 2/463]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن يزيد الرّشك، عن مطرّفٌ قال: {إنّ الّذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصّلاة} إلى آخر الآية، قال: هذه آية القرّاء). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 346]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً يرجون تجارةً لن تبور (29) ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنّه غفورٌ شكورٌ}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين يقرؤون كتاب اللّه الّذي أنزله على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {وأقاموا الصّلاة} يقول: وأدّوا الصّلاة المفروضة لمواقيتها بحدودها وقال: {وأقاموا الصّلاة} بمعنى: ويقيموا الصّلاة.
وقوله: {وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً} يقول: وتصدّقوا بما أعطيناهم من الأموال سرًّا في خفاءٍ وعلانيةً: جهارًا وإنّما معنى ذلك أنّهم يؤدّون الزّكاة ذلك المفروضة، ويتطوّعون أيضًا بالصّدقة منه بعد أداء الفرض الواجب عليهم فيه.
وقوله: {يرجون تجارةً لن تبور} يقول تعالى ذكره: يرجون بفعلهم ذلك تجارةً لن تبور: لن تكسد ولن تهلك؛ من قولهم: بارت السّوق: إذا كسدت وبار الطّعام، وقوله: {تجارةً} جوابٌ لأوّل الكلام). [جامع البيان: 19/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 29 - 31.
أخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس، أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي نزلت فيه {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة} الآية). [الدر المنثور: 12/284]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {يرجون تجارة لن تبور} قال: الجنة {لن تبور} لا تبيد {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال: هو كقوله (ولدينا مزيد) (طه 35) {إنه غفور} قال: لذنوبهم {شكور} لحسناتهم). [الدر المنثور: 12/285]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يرجون تجارة لن تبور} قال: لن تهلك). [الدر المنثور: 12/285]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير ومحمد بن نصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة}، قال كان مطرف بن عبد الله يقول: هذه آية القراء). [الدر المنثور: 12/285]

تفسير قوله تعالى: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ليوفّيهم أجورهم} يقول: ويوفّيهم اللّه على فعلهم ذلك ثواب أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا {ويزيدهم من فضله} يقول: وكي يزيدهم على الوفاء من فضله ما هو له أهلٌ وكان مطرّف بن عبد اللّه يقول: هذه آية القرّاء.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عمرو بن عاصمٍ، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، عن قتادة، قال: كان مطرّفٌ إذا مرّ بهذه الآية: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه} يقول: هذه آية القرّاء.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن يزيد، عن مطرّف بن عبد اللّه، أنّه قال في هذه الآية: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه} إلى آخر الآية، قال: هذه آية القرّاء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان مطرّف بن عبد اللّه يقول: هذه آية القرّاء {ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله}.
وقوله: {إنّه غفورٌ شكورٌ} يقول: إنّ اللّه غفورٌ لذنوب هؤلاء القوم الّذين هذه صفتهم، شكورٌ لحسناتهم.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {إنّه غفورٌ شكورٌ} إنّه غفورٌ لذنوبهم، شكورٌ لحسناتهم). [جامع البيان: 19/365-366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {يرجون تجارة لن تبور} قال: الجنة {لن تبور} لا تبيد {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال: هو كقوله (ولدينا مزيد) (طه 35) {إنه غفور} قال: لذنوبهم {شكور} لحسناتهم). [الدر المنثور: 12/285] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ مصدّقًا لما بين يديه إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ}.
يقول تعالى ذكره: {والّذي أوحينا إليك من الكتاب} يا محمّد، وهو هذا القرآن الّذي أنزله اللّه عليه {هو الحقّ} يقول: هو الحقّ عليك وعلى أمّتك أن تعمل به، وتتّبع ما فيه دون غيره من الكتب الّتي أوحيت إلى غيرك {مصدّقًا لما بين يديه} يقول: هو يصدّق ما مضى بين يديه، فصار أمامه من الكتب الّتي أنزلتها إلى من قبلك من الرّسل.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {والّذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ مصدّقًا لما بين يديه} للكتب الّتي خلت قبله.
وقوله: {إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه بعباده لذو علمٍ وخبرةٍ بما يعملون بصيرٌ بما يصلحهم من التّدبير). [جامع البيان: 19/366-367]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال أبو سعيد: أنزل الله في كتابه: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات}، أما المقتصد فأدى وبقى، وأما السابق فأدى كلا، وأما الظالم فلم يؤد شيئا). [الجامع في علوم القرآن: 1/99]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن أبي خالد [ ....... ] حج في الزمان الأول، فلما قضى نسكه قال: أتيت المدينة [ ............. صلى] الله عليه وسلم، وأتيت حرمه [ولقـ = ... ها] من [صحابة (؟) .......... ] صلى ركعتين ثم سلم، فقال: إنكم [ ........ .. ] صالحا ينفعني، فدخل رجلٌ من [ ............. ] الله، فقال [ .. .. ] أبو الدرداء، فحمد الرجل [ .................... ] الله، قال: [ ....... تي] أني دعوة ربي بعد ما [صليت ..........] يرحم غربتي وأن يرزقني جليسا صالحا [ .............. .. ] أسعد بدعائك منك لا جرم، والله [لأحدثك ............. صلى الله] عليه وسلم، ما حدثته قبلك [اتحـ .............. ] يقول: {ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصدٌ ومنه سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه [ذلك هو] الفضل الكبير}، فيجيء السابق فيدخل الجنة بغير حسابٍ، ويجيء المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا، ويوقف الظالم في طول الموقف فيحاسب بمظلمته، ثم يتلقاهم الله جميعا [برحمته]، فذلك حين يقولون: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ}). [الجامع في علوم القرآن: 2/3-4]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني معاوية بن صالحٍ عن أسد [بن وداعة] أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول في هذه الآية: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم [مقتصدٌ ومنهم] سابقٌ بالخيرات بإذن الله}، قال: سابقنا سابقٌ ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفورٌ له). [الجامع في علوم القرآن: 2/5]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن جابر عن مجاهد في قوله تعالى ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا قال مثل التي في الواقعة وكنتم أزوجا ثلاثة). [تفسير عبد الرزاق: 2/135]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله فمنهم ظالم لنفسه قال هو المنافق). [تفسير عبد الرزاق: 2/135]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن صاحب له عن عقبة بن صهبان أن عائشة قالت الظالم لنفسه أنا وأنت). [تفسير عبد الرزاق: 2/135]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال كان ابن عباس يقول فمنهم ظالم لنفسه قال الظالم كافر
قال عمرو وسمعت عبيد بن عمير يقول كلهم صالح). [تفسير عبد الرزاق: 2/135]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أبان عمن حدثه أن أبا الدرداء قال السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا ويحبس الظالم لنفسه ما شاء الله ثم يدخل الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 2/135]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وبلغني أن كعبا قال يدخل الجنة كلهم السابق والمقتصد والظالم لنفسه). [تفسير عبد الرزاق: 2/136]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر بن سليمان عن عوف عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال قرأ هذه الآية فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد حتى بلغ جنت عدن يدخلونها فقال كعب دخلوها ورب الكعبة). [تفسير عبد الرزاق: 2/136]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أبان بن أبي عياش قال دخل رجل مسجد دمشق فقام على باب المسجد فقال اللهم ارحم غربتي وآنس وحشتي وصل وحدتي وارزقني جليسا صالحا ينفعني ثم صلى ركعتين ثم جلس إلى شيخ فقال من أنت يا عبد الله فقال أنا أبو الدرداء فجعل يكبر ويحمد الله فقال له أبو الدرداء ما لك يا عبد الله قال دخلت هذه القرية وأنا غريب لا أعرف بها أحدا فقلت اللهم ارحم غربتي وآنس وحشتي وصل وحدتي وارزقني جليسا صالحا ينفعني قال فقال أبو الدرداء فأنا أحق أن أحمد الله إذ جعلني ذلك الجليس أما إني سأحدثك بشيء ما حدثت به أحدا غيرك أتحفك به سمعت رسول الله يقول يجيء السابقون يوم القيامة فيدخلون الجنة بغير حساب وأما المقتصدون فيحاسبون حسابا يسيرا ويجيء الظالم فيحبس حتى يصيبه كظ العذاب وسوء الحساب ثم يدخل الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 2/136]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عوفٍ عن عبد اللّه بن الحرث قال قرأ كعب: (ثم أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله) قال: في الجنة [الآية: 32].
سفيان [الثوري] عن جابرٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: هي بمنزلة الآية التي في الواقعة {وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون} [الآية: 7 - 11 من الواقعة]). [تفسير الثوري: 246-247]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو موسى محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الوليد بن عيزارٍ، أنّه سمع رجلاً، من ثقيفٍ يحدّث عن رجلٍ، من كنانة عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات} قال: هؤلاء كلّهم بمنزلةٍ واحدةٍ، وكلّهم في الجنّة.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه). [سنن الترمذي: 5/216]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {ثلّةٌ من الأوّلين (39) وثلةٌ من الآخرين} قال: مثل قوله: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 62] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الكتاب الّذي ذكر اللّه في هذه الآية أنّه أورثه الّذين اصطفاهم من عباده، ومن المصطفون من عباده، والظّالم لنفسه، فقال بعضهم: الكتاب: هو الكتب الّتي أنزلها اللّه من قبل الفرقان، والمصطفون من عباده: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والظّالم لنفسه: أهل الإجرام منهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب} إلى قوله: {الفضل الكبير} هم أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ورّثهم اللّه كلّ كتابٍ أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابًا يسيرًا، وسابقهم يدخل الجنّة بغير حسابٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ، عن عبد اللّه بن عيسى، عن يزيد بن الحارث، عن شقيقٍ أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه قال: هذه الأمّة ثلاثة أثلاثٍ يوم القيامة: ثلثٌ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، وثلثٌ يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلثٌ يجيئون بذنوبٍ عظامٍ، حتّى يقول: ما هؤلاء؟ وهو أعلم تبارك وتعالى، فتقول الملائكة: هؤلاء جاؤوا بذنوبٍ عظامٍ إلاّ أنّهم لم يشركوا بك، فيقول الرّبّ: أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي وتلا عبد اللّه هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا}.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ، قال: حدّثنا كعب الأحبار، أنّ الظّالم، لنفسه من هذه الأمّة، والمقتصد، والسّابق بالخيرات: كلّهم في الجنّة؛ ألم تر أنّ اللّه قال: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} إلى قوله: {كلّ كفورٍ}.
- حدّثني عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، عن عوفٍ، عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ، قال: سمعت كعبًا يقول: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه} قال: كلّهم في الجنّة، وتلا هذه الآية: {جنّات عدنٍ يدخلونها}.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاريّ، عن عوف بن أبي جميلة، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ، قال: حدّثنا كعبٌ، أنّ الظّالم من هذه الأمّة، والمقتصد، والسّابق بالخيرات كلّهم في الجنّة؛ ألم تر أنّ اللّه قال: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} إلى قوله: {لغوب}، {والّذين كفروا لهم نار جهنّم}. قال: قال كعبٌ: فهؤلاء أهل النّار.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن عوفٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن الحارث يقول: قال كعبٌ: إنّ الظّالم لنفسه، والمقتصد، والسّابق بالخيرات من هذه الأمّة كلّهم في الجنّة، ألم تر أنّ اللّه يقول: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} حتّى بلغ قوله: {جنّات عدنٍ يدخلونها}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا حميدٌ، عن إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث، عن أبيه، أنّ ابن عبّاسٍ، سأل كعبًا عن قوله تعالى: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} إلى قوله: {بإذن اللّه} فقال: تماسّت مناكبهم وربّ الكعبة، ثمّ أعطوا الفضل بأعمالهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ، عن أبي إسحاق السّبيعيّ، في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} قال: قال أبو إسحاق: أمّا ما سمعت منذ ستّين سنّةً، فكلّهم ناجٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم، قال: حدّثنا عمرٌو، عن محمّد ابن الحنفيّة، قال: إنّها أمّةٌ مرحومةٌ؛ الظّالم مغفورٌ له، والمقتصد في الجنان عند اللّه، والسّابق بالخيرات في الدّرجات عند اللّه.
وقال آخرون: الكتاب الّذي أورث هؤلاء القوم، هو شهادة أنّ لا إله إلاّ اللّه؛ والمصطفون هم أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ والظّالم لنفسه منهم هو المنافق، وهو في النّار؛ والمقتصد، والسّابق بالخيرات في الجنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو عمّارٍ الحسين بن حريثٍ المروزيّ، قال: حدّثنا الفضل بن موسى، عن حسين بن واقدٍ، عن يزيد، عن عكرمة، عن عبد اللّه {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات} قال: اثنان في الجنّة، وواحدٌ في النّار.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} إلى آخر الآية، قال: جعل أهل الإيمان على ثلاثة منازلٍ كقوله: {وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال}، {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين}، {والسّابقون السّابقون أولئك المقرّبون} فهم على هذا المثال.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ} الآية، قال: الاثنان في الجنّة، وواحدٌ في النّار، وهي بمنزلة الّتي في الواقعة: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين}، {وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال}، {والسّابقون السّابقون}.
- حدّثنا سهل بن موسى، قال: حدّثنا عبد المجيد، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه} قال: هم أصحاب المشأمة {ومنهم مقتصدٌ} قال: هم أصحاب الميمنة {ومنهم سابقٌ بالخيرات} قال: هم السّابقون من النّاس كلّهم.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، قال: قال عوفٌ، قال الحسن: أما الظّالم لنفسه فإنّه هو المنافق، سقط هذا وأمّا المقتصد والسّابق بالخيرات، فهما صاحبا الجنّة.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن عوفٍ، قال: قال الحسن: الظّالم لنفسه: المنافق.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} شهادة أنّ لا إله إلاّ اللّه {فمنهم ظالمٌ لنفسه} هذا المنافق في قول قتادة والحسن {ومنهم مقتصدٌ} قال: هذا صاحب اليمين {ومنهم سابقٌ بالخيرات} قال: هذا المقرّب قال قتادة: كان النّاس ثلاث منازلٍ في الدّنيا، وثلاث منازلٍ عند الموت، وثلاث منازلٍ في الآخرة. أما الدّنيا، فكانوا: مؤمنٌ، ومنافقٌ، ومشركٌ وأمّا عند الموت، فإنّ اللّه قال: {فأمّا إن كان من المقرّبين. فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيمٍ. وأمّا إن كان من أصحاب اليمين. فسلامٌ لك من أصحاب اليمين. وأمّا إن كان من المكذّبين الضّالّين. فنزلٌ من حميمٍ. وتصلية جحيمٍ}، وأمّا في الآخرة فكانوا أزواجًا ثلاثةً، {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة. وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة. والسّابقون السّابقون. أولئك المقرّبون}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه} قال: هم أصحاب المشأمة {ومنهم مقتصدٌ} قال: أصحاب الميمنة {ومنهم سابقٌ بالخيرات} قال: فهم السّابقون من النّاس كلّهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا قرّة، عن الضّحّاك في قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه} قال: سقط هذا {ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه} قال: سبق هذا بالخيرات، وهذا مقتصدٌ على أثره.

وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب تأويل من قال: عنى بقوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} الكتب الّتي أنزلت من قبل الفرقان.
فإن قال قائلٌ: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه، وأمة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لا يتلون غير كتابهم، ولا يعملون إلاّ بما فيه من الأحكام والشّرائع؟
قيل: إنّ معنى ذلك على غير الّذي ذهبت إليه، وإنّما معناه: ثمّ أورثنا الإيمان بالكتاب الّذين اصطفينا، فمنهم مؤمنون بكلّ كتابٍ أنزله اللّه من السّماء قبل كتابهم وعاملون به، لأنّ كلّ كتابٍ أنزل من السّماء قبل الفرقان، فإنّه يأمر بالعمل بالفرقان عند نزوله، وباتّباع من جاء به، وذلك عمل من أقرّ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وبما جاء به، وعمل بما دعاه إليه بما في القرآن، وبما في غيره من الكتب الّتي أنزلت قبله.
وإنّما قلنا: عنى بقوله {ثمّ أورثنا الكتاب} الكتب الّتي ذكرنا لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قال لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {والّذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ مصدّقًا لما بين يديه} ثمّ أتبع ذلك قوله {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} فكان معلومًا، إذ كان معنى الميراث إنّما هو انتقال معنًى من قومٍ إلى آخرين، ولم تكن أمّةٌ على عهد نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم انتقل إليهم كتابٌ من قومٍ كان قبلهم غير أمّته، أنّ ذلك معناه وإذ كان ذلك كذلك، فبيّن أنّ المصطفين من عباده هم مؤمنو أمّته؛ وأمّا الظّالم لنفسه، فإنّه لأن يكون من أهل الذّنوب والمعاصي الّتي هي دون النّفاق والشّرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله: {جنّات عدنٍ يدخلونها} فعمّ بدخول الجنّة جميع الأصناف الثّلاثة.
فإن قال قائلٌ: فإنّ قوله {يدخلونها} إنّما عنى به المقتصد والسّابق؟
قيل له: وما برهانك على أنّ ذلك كذلك من خبرٍ أو عقلٍ؟ فإن قال: قيام الحجّة أنّ الظّالم من هذه الأمّة سيدخل النّار، ولو لم يدخل النّار من هذه الأصناف الثّلاثة أحدٌ وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيدٌ؛ قيل: إنّه ليس في الآية خبرٌ أنّهم لا يدخلون النّار، وإنّما فيها إخبارٌ من اللّه تعالى ذكره أنّهم يدخلون جنّات عدنٍ، وجائزٌ أن يدخلها الظّالم لنفسه بعد عقوبة اللّه إيّاه على ذنوبه الّتي أصابها في الدّنيا، وظلمه نفسه فيها بالنّار، أو بما شاء من عقابه، ثمّ يدخله الجنّة، فيكون ممّن عمّه خبر اللّه جلّ ثناؤه بقوله {جنّات عدنٍ يدخلونها}.
وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو الّذي قلنا في ذلك أخبارٌ، وإن كان في أسانيدها نظرٌ، مع دليل الكتاب على صحّته على النّحو الّذي بيّنت.
ذكر الرّواية الواردة بذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: ثتا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، قال: ذكر أبو ثابتٍ قال: دخل رجلٌ المسجد، فجلس إلى جنب أبي الدّرداء، فقال: اللّهمّ آنس وحشتي، وارحم غربتي، ويسّر لي جليسًا صالحًا، فقال أبو الدّرداء: لئن كنت صادقًا لأنا أسعد به منك سأحدّثك حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّث به منذ سمعته ذكر هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات} فأمّا السّابق بالخيرات، فيدخلها بغير حسابٍ، وأمّا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغمّ والحزن، فذلك قوله: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الوليد بن العيزار، أنّه سمع رجلاً، من ثقيف حدّث عن رجلٍ، من كنانة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه} قال: وهؤلاء كلّهم بمنزلةٍ واحدةٍ، وكلّهم في الجنّة.
وعنّي بقوله: {الّذين اصطفينا من عبادنا} الّذين اخترناهم لطاعتنا واجتبيناهم.
وقوله: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} يقول: فمن هؤلاء الّذين اصطفينا من عبادنا، من يظلم نفسه بركوبه المآثم، واجترامه المعاصي، واقترافه الفواحش {ومنهم مقتصدٌ} وهو غير المبالغ في طاعة ربّه، وغير المجتهد فيما لربّه من خدمته، حتّى يكون عمله في ذلك قصدًا {ومنهم سابقٌ بالخيرات} وهو المبّرز في طاعة الله الّذي قد تقدّم المجتهدين في خدمة ربّه، وأداء ما ألزمه من فرائضه، فسبقهم بصالحات الأعمال، وهي الخيرات الّتي قال اللّه جلّ ثناؤه: {بإذن اللّه} يقول: بتوفيق اللّه إيّاه لذلك.
وقوله: {ذلك هو الفضل الكبير} يقول تعالى ذكره: سبوق هذا السّابق من سبقه بالخيرات بإذن اللّه، هو الفضل الكبير الّذي فضّل به من كان مقصّرًا عن منزلته في طاعة اللّه من المقتصد والظّالم لنفسه). [جامع البيان: 19/367-377]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الظالم لنفسه أصحاب المشأمة والمقتصد أصحاب الميمنة والسابق بالخيرات السابقون من الأمم كلها). [تفسير مجاهد: 532]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، حدّثني الأعمش، عن رجلٍ، قد سمّاه عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول في قوله عزّ وجلّ: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات} [فاطر: 32] قال: «السّابق والمقتصد يدخلان الجنّة بغير حسابٍ والظّالم لنفسه يحاسب حسابًا يسيرًا، ثمّ يدخل الجنّة» وقد اختلفت الرّوايات عن الأعمش في إسناد هذا الحديث فروي عن الثّوريّ، عن الأعمش، عن أبي ثابتٍ، عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه. وقيل عن شعبة، عن الأعمش، عن رجلٍ من ثقيفٍ، عن أبي الدّرداء. وقيل عن الثّوريّ أيضًا، عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابتٍ، عن أبي الدّرداء. «وإذا كثرت الرّوايات في الحديث ظهر أنّ للحديث أصلًا»). [المستدرك: 2/462]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، في سند مسدّد بن مسرهدٍ، أنبأ أبو المثنّى عن مسدّدٌ، ثنا المعتمر بن سليمان، حدّثني أبو شعيبٍ الصّلت بن عبد الرّحمن، حدّثني عقبة بن صهبان الحرّانيّ، قال: قلت لعائشة رضي اللّه عنها: يا أمّ المؤمنين، أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير} [فاطر: 32] فقالت عائشة رضي اللّه عنها: «أمّا السّابق فمن مضى في حياة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فشهد له بالحياة والرّزق، وأمّا المقتصد فمن اتّبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتّى يلحق بهم، وأمّا الظّالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتّبعنا وكلٌّ في الجنّة» صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/462]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه} [فاطر: 32] قال: «هؤلاء كلّهم بمنزلةٍ واحدةٍ، وكلّهم في الجنّة». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/329]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ} [فاطر: 32].
- عن أبي الدّرداء قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: " «{فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه} [فاطر: 32] قال: الّذين سبقوا فأولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، وأمّا الّذين اقتصدوا فأولئك الّذين يحاسبون حسابًا يسيرًا، وأمّا الّذين ظلموا أنفسهم فأولئك الّذين ظلموا أنفسهم في طول المحشر، ثمّ هم الّذين يتلقّاهم اللّه - عزّ وجلّ - برحمته فهم الّذين يقولون {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ (34) الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} [فاطر: 34 - 35]» ".
رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصّحيح وهي هذه إن كان عليّ بن عبد اللّه الأزديّ سمع من أبي الدّرداء فإنّه تابعيٌّ.
- وعن عليّ بن عبد اللّه الأزديّ عن الشّاميّ نفسه أنّه دخل مسجد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم [فصلّى ركعتين] وقال: اللّهمّ آنس وحشتي وارحم غربتي وصل وحدتي وائتني برجلٍ صالحٍ تنفعني به. فإذا رجلٌ إلى جنبه فلمّا أن فرغ قال الشّاميّ: من أنت؟ قال: أبو الدّرداء، ما هاجك على ما أرى؟ فأخبره بدعائه، فقال: لئن كنت صادقًا لأنا أسعد بدعائك منك، أفلا أحدّثك حديثًا أتحفك به؟ سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: " «قال اللّه عزّ وجلّ: ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فأمّا الّذين سبقوا فأولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حسابٍ» "، فذكر نحوه.
رواه الطّبرانيّ وأحمد باختصارٍ إلّا أنّه قال: عن الأعمش عن ثابتٍ أو أبي ثابتٍ أنّ رجلًا دخل المسجد مسجد دمشق، فذكر الحديث باختصارٍ، ولم يقل فيه عن اللّه - تبارك وتعالى، وثابت بن عبيدٍ ومن قبله من رجال الصّحيح وفي إسناد الطّبرانيّ رجلٌ غير مسمًّى.
- «وعن أبي الدّرداء قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات} [فاطر: 32] قال: " السّابق بالخيرات والمقتصد يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، والظّالم لنفسه يحاسب حسابًا يسيرًا ثمّ يدخل الجنّة» ".
رواه الطّبرانيّ عن الأعمش عن رجلٍ سمّاه، فإن كان هو ثابت بن عميرٍ الأنصاريّ كما تقّدم عند أحمد فرجال الطّبرانيّ رجال الصّحيح.
- وعن عوف بن مالكٍ عن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: " «أمّتي ثلاثة أثلاثٍ فثلثٌ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، وثلثٌ يحاسبون حسابًا يسيرًا ثمّ يدخلون الجنّة، وثلثٌ يمحّصون ويكشفون ثمّ تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون: لا إله إلّا اللّه وحده، فيقول: صدقوا، لا إله إلّا أنا، أدخلوهم الجنّة بقول لا إله إلّا اللّه وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التّكذيب فهي الّتي قال اللّه: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] وتصديقها في الّتي ذكر فيها الملائكة، قال اللّه - تبارك وتعالى - {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32] فجعلهم ثلاثة أفواجٍ وهم أصنافٌ كلّهم فمنهم ظالمٌ لنفسه فهذا الّذي يكشف ويمحّص ومنهم مقتصدٌ وهو الّذي يحاسب حسابًا يسيرًا ومنهم سابقٌ بالخيرات فهو الّذي يلج الجنّة بغير حسابٍ ولا عذابٍ بإذن اللّه يدخلونها جميعًا لم يفرّق بينهم يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا ولباسهم فيها حريرٌ {وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ - الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ - والّذين كفروا لهم نار جهنّم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كفورٍ} [فاطر: 34 - 36]» ".
رواه الطّبرانيّ، وفيه سلامة بن روحٍ وثّقه ابن حبّان وضعّفه جماعةٌ، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- «وعن أسامة بن زيدٍ {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ} [فاطر: 32]- الآية وقال النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " كلّهم من هذه الأمّة».
رواه الطّبرانيّ، وفيه محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى وهو سيّئ الحفظ.
- وعن عقبة بن صهبان قال: قلت لعائشة: أرأيت قول اللّه - تعالى - {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه} [فاطر: 32]- الآية؟ قالت: أمّا السّابق فقد مضى في حياة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وشهد له بالجنّة، وأمّا المقتصد فمن اتّبع آثارهم فعمل مثل أعمالهم حتّى يلحق بهم، وأمّا الظّالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتّبعنا، وكلّهم في الجنّة.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه الصّلت بن دينارٍ وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 7/95-97]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو داود الطّيالسيّ: ثنا الصّلت بن دينارٍ أبو شعيبٍ، ثنا عقبة بن صهبان الهنائيّ قال: "سألت عائشة- رضي اللّه عنها- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- (ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا) الآية. فقالت لي: يا بنيّ، كلّ هؤلاء في الجنّة، فأمّا السّابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فشهد له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحياة والرزق، وأما المقتصد فمن تبع أثره من أصحابه حتّى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم. قال: فجعلت نفسها معنا".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؟ لضعف الصّلت بن دينارٍ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/258]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال أبو داود: حدثنا الصّلت بن دينارٍ أبو شعيبٍ، ثنا عقبة بن صهبان الهنائيّ، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول اللّه عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} الآية. فقالت لي: يا بنيّ، كلّ هؤلاء في الجنّة. فأمّا السّابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فشهد له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحياة والرّزق. وأمّا المقتصد فمن اتّبع أثره من أصحابه حتّى يلحق به. وأمّا الظّالم لنفسه فمثلي ومثلك. قال: فجعلت نفسها رضي الله عنها معنا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 32 - 36.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ورثهم الله كل كتاب أنزل فظالمهم مغفور له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب). [الدر المنثور: 12/285-286]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: في هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة). [الدر المنثور: 12/286]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم، وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} فأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب.
وأمّا الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلقاهم الله برحمة فهم الذين يقولون {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور (34) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} قال البيهقي: إن أكثر الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا). [الدر المنثور: 12/286-287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة: أرأيت قول الله {ثم أورثنا الكتاب}، قالت: أما السابق فقد مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة.
وأمّا المقتصد فمن اتبع أمرهم فعمل بمثل أعمالهم حتى يلحق بهم.
وأمّا الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا، وكل في الجنة). [الدر المنثور: 12/287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلهم من هذه الأمة وكلهم في الجنة). [الدر المنثور: 12/287-288]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمتي ثلاثة أثلاث، فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكسفون ثم تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون: لا إله إلا الله وحده فيقول الله: أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب وهي التي قال الله وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وتصديقا في التي ذكر الملائكة قال الله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} فجعلهم ثلاثة أنواع {فمنهم ظالم لنفسه} فهذا الذي يكسف ويمحص {ومنهم مقتصد} وهو الذي يحاسب حسابا يسيرا {ومنهم سابق بالخيرات} فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بإذن الله، يدخلونها جميعا لم يفرق بينهم {يحلون فيها من أساور من ذهب} إلى قوله {لغوب} ). [الدر المنثور: 12/288-289]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: هذه الآية ثلاثة أثلاث يوم القيامة، ثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا وثلث يحبسون بذنوب عظام إلا أنهم لم يشركوا، فيقول الرب (أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي) ثم قرأ {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} ). [الدر المنثور: 12/289]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية قال: ألا أن سابقنا سابق ومقتصنا ناج وظالمنا مغفور له). [الدر المنثور: 12/289]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج العقيلي، وابن لال، وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سابقنا سابق ومتقصدنا ناج وظالمنا ناج وظالمنا مغفور له وقرأ عمر {فمنهم ظالم لنفسه} ). [الدر المنثور: 12/289-290]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن النجار عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له). [الدر المنثور: 12/290]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد برحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 12/290]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان: أنه نزع بهذه الآية قال: إن سابقنا أهل جهاد، ألا وأن مقتصدنا ناج أهل حضرنا ألا وأن ظالمنا أهل بدونا). [الدر المنثور: 12/290]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله {فمنهم ظالم لنفسه} قال: أشهد على الله أنه يدخلهم الجنة جميعا). [الدر المنثور: 12/290-291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن مردويه عن البراء قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} قال: كلهم ناج وهي هذه الأمة). [الدر المنثور: 12/291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله {ثم أورثنا الكتاب}، قال: هي مثل الذي في الواقعة (فأصحاب الميمنة) (وأصحاب المشئمة) (والسابقون) صنفان ناجيان وصنف هالك). [الدر المنثور: 12/291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله {فمنهم ظالم لنفسه}، قال {ظالم لنفسه} هو الكافر والمقتصد أصحاب اليمين). [الدر المنثور: 12/291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار أنه تلا هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} إلى قوله {لغوب} قال: دخلوها ورب الكعبة وفي لفظ قال: كلهم في الجنة، ألا ترى على أثره (والذين كفروا لهم نار جهنم) فهؤلاء أهل النار فذكر ذلك للحسن فقال: أبت ذلك عليهم الواقعة). [الدر المنثور: 12/291-292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال مسورون بالذهب والفضة مكللة بالدر وعليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة وعليهم تاج كتاج الملوك جرد مرد مكحلون). [الدر المنثور: 12/292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والديلمي عن حذيفة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث الله الناس على ثلاثة أصناف وذلك في قول الله {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} فالسابق بالخيرات يدخل الجنة بلا حساب والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا والظالم لنفسه يدخل الجنة برحمة الله). [الدر المنثور: 12/292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {ثم أورثنا الكتاب} قال: جعل الله أهل الإيمان على ثلاثة منازل كقوله (أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) (والسابقون السابقون) (أولئك المقربون) (الواقعة 8 - 11) فهم على هذا المثال). [الدر المنثور: 12/292-293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {فمنهم ظالم لنفسه} قال: الكافر). [الدر المنثور: 12/293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فمنهم ظالم لنفسه} قال: هذا المنافق {ومنهم مقتصد} قال: هذا صاحب اليمين {ومنهم سابق بالخيرات} قال: هذا المقرب قال قتادة: كان الناس ثلاث منازل عند الموت وثلاث منازل في الدنيا وثلاث منازل في الآخرة، فأما الدنيا فكانوا مؤمن ومنافق ومشرك.
وأمّا عند الموت فإن الله قال: (فأما إن كان من المقربين) (الواقعة 88) (وأما إن كان من أصحاب اليمين) (الواقعة 90) (وأما إن كان من المكذبين الضالين) (الواقعة 92).
وأمّا الآخرة فكانوا أزواجا ثلاثة (فأصحاب الميمنة) (وأصحاب المشئمة) (والسابقون السابقون أولئك المقربون) ). [الدر المنثور: 12/293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن الحسن {فمنهم ظالم لنفسه} قال: هو المنافق سقط والمقتصد والسابق بالخيرات في الجنة). [الدر المنثور: 12/293-294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبيهقي عن عبيد بن عمير في الآية قال: كلهم صالح). [الدر المنثور: 12/294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن صالح أبي الخليل قال: قال كعب يلومني أحبار بني إسرائيل: إني دخلت في أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة ثم تلا هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} حتى بلغ {جنات عدن يدخلونها} قال: قال فأدخلهم الله الجنة جميعا). [الدر المنثور: 12/294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: العلماء ثلاثة، منهم عالم لنفسه ولغيره فذلك أفضلهم وخيرهم، ومنهم عالم لنفسه محسن، ومنهم عالم لا لنفسه ولا لغيره فذلك شرهم). [الدر المنثور: 12/294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مسلم الخولاني قال: قرأت في كتاب الله إن هذه الأمة تصنف يوم القيامة على ثلاثة أصناف، صنف منهم يدخلون الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبهم الله حسابا يسيرا ويدخلون الجنة، وصنف يوقفون ويؤخذ منهم ما شاء الله ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه). [الدر المنثور: 12/294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل كعبا عن قوله {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}، نجوا كلهم ثم قال: تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم). [الدر المنثور: 12/295]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطها أمة كانت قبلها {فمنهم ظالم لنفسه} مغفور له {ومنهم مقتصد} في الجنان {ومنهم سابق} بالمكان الأعلى). [الدر المنثور: 12/295]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} قال: هم أصحاب المشئمة {ومنهم مقتصد} قال: هم أصحاب الميمنة {ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} قال: هم السابقون من الناس كلهم). [الدر المنثور: 12/295]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ذلك هو الفضل الكبير} قال: ذاك من نعمة الله). [الدر المنثور: 12/295]

تفسير قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {جنّات عدنٍ يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا ولباسهم فيها حريرٌ (33) وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: يقول تعالى ذكره: بساتين إقامةٌ يدخلونها هؤلاء الّذين أورثناهم الكتاب، الّذين اصطفينا من عبادنا يوم القيامة {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ} يلبسون في جنّات عدنٍ أسورةً من ذهبٍ {ولؤلؤًا ولباسهم فيها حريرٌ} يقول: ولباسهم في الجنّة حريرٌ). [جامع البيان: 19/377]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو عليٍّ الحسن بن عليّ بن داود المطرّز المصريّ، بمكّة، ثنا العبّاس بن محمّد بن العبّاس المصريّ، ثنا عمرو بن سوّادٍ السّرخسيّ، ثنا عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي السّمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: تلا قول اللّه عزّ وجلّ: {جنّات عدنٍ يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ} [فاطر: 33] فقال: «إنّ عليهم التّيجان إنّ أدنى لؤلؤةٍ منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب» هذا حديثٌ صحيح الإسناد كما حدّثناه أبو العبّاس، عن الدّوريّ، عن يحيى بن معينٍ أنّه قال: أصحّ إسناد المصريّين عمرٌو عن درّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ "). [المستدرك: 2/462]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله {جنات عدن يدخلونها} قال: دخلوها ورب الكعبة فأخبر الحسن بذلك فقال: أبت والله ذلك عليهم الواقعة). [الدر المنثور: 12/295]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلا قول الله {جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} فقال: إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب). [الدر المنثور: 12/296]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) )

قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، أنه ذكر هذه الآية: {الذين يمشون على الأرض هونًا} [سورة الفرقان:63] قال: إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت والله الأسماع والأبصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى، والله ما بالقوم من مرض، وإنهم لأصحاء القلوب، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [سورة فاطر:34] والله ما أحزنهم حزن الناس، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة، أبكاهم الخوف من النار، وإنه من لا يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد قل علمه، وحضر عذابه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 176-177]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني شبيب بن سعيدٍ، عن أبان، عن أبي رافع أنه قال: بلغنا أنه يجاء لابن آدم يوم القيامة بثلاثة دواوين: ديوان فيه الحسنات، وديوان فيه السيئات، وديوان فيه النعم، فيقال لأصغر تلك النعم: قومي فاستفي ثمنك من الحسنات، فتستوعب عمله ذلك كله، فتبقى ذنوبه والنعم كما هي، فمن ثم يقول العبد: {إن ربنا لغفورٌ شكورٌ}). [الجامع في علوم القرآن: 1/77-78]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني معاوية بن صالحٍ عن أسد [بن وداعة] أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول في هذه الآية: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم [مقتصدٌ ومنهم] سابقٌ بالخيرات بإذن الله}، قال: سابقنا سابقٌ ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفورٌ له). [الجامع في علوم القرآن: 2/5] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} اختلف أهل التّأويل في الحزن الّذي حمد اللّه على إذهابه عنهم هؤلاء القوم، فقال بعضهم: ذلك الحزن الّذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنّة من خوف النّار، إذ كانوا خائفين أن يدخلوها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني قتادة بن سعيد بن قتادة السّدوسيّ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ صاحب الدّستوائيّ، قال: حدّثنا أبي، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} قال: حزن النّار.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن يحيى بن المختار، عن الحسن {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}.
قال: إنّ المؤمنين قوم ذللٍ، ذلّت واللّه الأسماع والأبصار والجوارح، حتّى يحسبهم الجاهل مرضى، وما بالقوم مرضٌ، وإنّهم لأصحّة القلوب، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدّنيا علمهم بالآخرة، فقالوا: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن}، والحزن: واللّه ما حزنهم حزن الدّنيا، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنّة أبكاهم الخوف من النّار، وأنّه من لا يتعزّ بعزاء اللّه يقطع نفسه على الدّنيا حسراتٍ، ومن لم ير للّه عليه نعمةً إلاّ في مطعمٍ أو مشربٍ، فقد قلّ علمه، وحضر عذابه.
وقال آخرون: عنى به الموت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة، في قوله: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} قال: الموت.
وقال آخرون: عنى به حزن الخبز.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن حفصٍ يعني ابن حميدٍ، عن شمرٍ، قال: لمّا أدخل اللّه أهل الجنّة الجنّة، قالوا {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} قال: حزن الخبز.
وقال آخرون. عني بذلك: الحزن من التّعب الّذي كانوا فيه في الدّنيا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} قال: كانوا في الدّنيا يعملون وينصبون وهم في خوفٍ، أو يحزنون.
وقال آخرون: بل عني بذلك الحزن الّذي ينال الظّالم لنفسه في موقف القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، قال: ذكر أبو ثابتٍ أنّ أبا الدّرداء قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: أمّا الظّالم لنفسه، فيصيبه في ذلك المكان من الغمّ والحزن فذلك قوله: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن}.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الّذين أكرمهم بما أكرمهم به أنّهم قالوا حين دخلوا الجنّة {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} وخوف دخول النّار من الحزن، والجزع من الموت من الحزن، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن، ولم يخصّص اللّه إذ أخبر عنهم أنّهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعًا دون نوعٍ، بل أخبر عنهم أنّهم عمّوا جميع أنوع الحزن بقولهم ذلك، وكذلك ذلك، لأنّ من دخل الجنّة فلا حزن عليه بعد ذلك، فحمدهم على إذهابه عنهم جميع معاني الحزن.
وقوله: {إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هذه الأصناف الّذين أخبر أنّه اصطفاهم من عباده عند دخولهم الجنّة: إنّ ربّنا لغفورٌ لذنوب عباده الّذين تابوا من ذنوبهم، فساترها عليهم بعفوه لهم عنها، شكورٌ لهم على طاعتهم إيّاه وصالح ما قدّموا في الدّنيا من الأعمال.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} لحسناتهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن حفصٍ، عن شمرٍ {إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} غفر لهم ما كان من ذنبٍ، وشكر لهم ما كان منهم). [جامع البيان: 19/377-380]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو سعيدٍ أحمد بن يعقوب الثّقفيّ، ثنا الحسن بن المثنّى بن معاذٍ العنبريّ، حدّثني أبي، ثنا معاذ بن هشامٍ، عن أبيه، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} [فاطر: 34] قال: «الحزن النّار» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/463]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله أهل الجنة حين دخلوا الجنة {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: هم قوم كانوا في الدنيا يخافون الله ويجتهدون له في العبادة سرا وعلانية وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} غفر لنا العظيم وشكر لنا القليل من أعمالنا). [الدر المنثور: 12/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: حزن النار). [الدر المنثور: 12/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {الذي أذهب عنا الحزن} قال: ما كانوا يعملون). [الدر المنثور: 12/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وأبو نعيم، وابن مردويه عن صهيب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهاجرون هم السابقون المدلون على ربهم والذي نفس محمد بيده أنهم ليأتون يوم القيامة على عواتقهم السلاح فيقرعون باب الجنة فتقول لهم الخزنة من أنتم فيقولون: نحن المهاجرون فتقول لهم الخزنة: هل حوسبتم فيجثون على ركبهم ويرفعون أيديهم إلى السماء فيقولون: أي رب أبهذه نحاسب قد خرجنا وتركنا الأهل والمال والولد فيمثل الله لهم أجنحة من ذهب مخوصة بالزبرجد والياقوت فيطيرون حتى يدخلوا الجنة فذلك قوله {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} إلى قوله {ولا يمسنا فيها لغوب} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهم بمنازلهم في الجنة أعرف منهم بمنازلهم في الدنيا). [الدر المنثور: 12/297]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دخلوا الجنة {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: حزنهم هو الحزن). [الدر المنثور: 12/297]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن شمر بن عطية رضي الله عنه في قوله {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: الجوع). [الدر المنثور: 12/298]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: طلب الخبز في الدنيا فلا نهتم له كاهتمامنا له في الدنيا طلب الغداء والعشاء). [الدر المنثور: 12/298]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال: ينبغي لمن يحزن أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} وينبغي لمن يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم (قالوا أنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) (الطور الآية 26) ). [الدر المنثور: 12/298]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن شمر بن عطية رضي الله عنه في قوله {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: حزن الطعام {إن ربنا لغفور شكور} قال: غفر لهم الذنوب التي عملوها وشكر لهم الخير الذي دلهم عليه فعملوا به فأثابهم عليه). [الدر المنثور: 12/298]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رافع رضي الله عنه قال: يأتي يوم القيامة العبد بدواوين ثلاث، بديوان فيه النعم، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه حسناته، فيقال لأصغر نعمة عليه: قومي فاستوفي ثمنك من حسناته فتقوم فتستوهب تلك النعمة حسناته كلها وتبقى بقية النعم عليه وذنوبه كاملة، فمن ثم يقول العبد إذا أدخله الله الجنة {إن ربنا لغفور شكور} ). [الدر المنثور: 12/299]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إن ربنا لغفور شكور} يقول {غفور} لذنوبهم {شكور} لحسناتهم {الذي أحلنا دار المقامة من فضله} قال: أقاموا فلا يتحولون ولا يحولون {لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} قال: قد كان القوم ينصبون في الدنيا في طاعة الله وهم قوم جهدهم الله قليلا ثم أراحهم كثيرا فهنيئا لهم). [الدر المنثور: 12/299]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل الّذين أدخلوا الجنّة {إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ الّذي أحلّنا دار المقامة} أي ربّنا الّذي أنزلنا هذه الدّار، يعنون الجنّة؛ فدار المقامة: دار الإقامة الّتي لا نقلة معها عنها، ولا تحوّل؛ والميم إذا ضمّت من المقامة، فهي من الإقامة؛ فإذا فتحت فهي من المجلس والمكان الّذي يقام فيه، قال الشّاعر:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ.. ويوم سيرٍ إلى الأعداء تأويب
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله} أقاموا فلا يتحوّلون.
- وقوله: {لا يمسّنا فيها نصبٌ} يقول: لا يصيبنا فيها تعبٌ ولا وجعٌ {ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} يعني باللّغوب: العناء والإعياء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، قال: حدّثنا موسى بن عميرٍ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} قال: اللّغوب: العناء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا يمسّنا فيها نصبٌ} أي وجعٌ). [جامع البيان: 19/380-381]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم، وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} فأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب.
وأمّا الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلقاهم الله برحمة فهم الذين يقولون {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور (34) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} قال البيهقي: إن أكثر الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا). [الدر المنثور: 12/286-287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إن ربنا لغفور شكور} يقول {غفور} لذنوبهم {شكور} لحسناتهم {الذي أحلنا دار المقامة من فضله} قال: أقاموا فلا يتحولون ولا يحولون {لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} قال: قد كان القوم ينصبون في الدنيا في طاعة الله وهم قوم جهدهم الله قليلا ثم أراحهم كثيرا فهنيئا لهم). [الدر المنثور: 12/299] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله إن النوم مما يقر الله به أعيننا في الدنيا فهل في الجنة من نوم قال: لا إن النوم شريك الموت وليس في الجنة موت قال: يا رسول الله فما راحتهم فأعظم ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: ليس فيها لغوب كل أمرهم راحة فنزلت {لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} ). [الدر المنثور: 12/299-300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {لا يمسنا فيها نصب} أي وجع). [الدر المنثور: 12/300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لغوب} قال: إعياء). [الدر المنثور: 12/300]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 01:23 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة} [فاطر: 29] المفروضة.
{وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً} [فاطر: 29] السّرّ التّطوّع، والعلانية الزّكاة المفروضة، يستحبّ أن تعطى الزّكاة المفروضة علانيةً والتّطوّع سرًّا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/786]
ويقال: صدقة السّرّ تطوّعًا أفضل من صدقة العلانية.
- المعلّى، عن زبيدٍ الياميّ، عن مرّة الهمذانيّ، عن ابن مسعودٍ قال: إنّ فضل صلاة اللّيل على صلاة النّهار كفضل صدقة السّرّ على العلانية.
قال: {يرجون تجارةً لن تبور} [فاطر: 29] لن تفسد، وهي تجارة الجنّة، يعملون للجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/787]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يرجون تجارةً لّن تبور...}

جواب لقوله: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة} , {أولئك يرجون تجارةً لّن تبور} , فـ {يرجون}: جواب لأوّل الكلام.). [معاني القرآن: 2/369]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وأقاموا الصّلاة }: مجازه: ويقيمون الصلاة , ومعناه: وأداموا الصلاة لمواقيتها , وحدودها.
{ تجارةً لن تبور }: أي : لن تكسد وتهلك , ويقال: نعوذ بالله من بوار الأيم , ويقال: بار الطعام , وبارت السوق.). [مجاز القرآن: 2/155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29)}
{يرجون تجارة لن تبور}: أي: لن تفسد , ولن تكسد.). [معاني القرآن: 4/269]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَّن تَبُورَ}: لن تكسد.). [العمدة في غريب القرآن: 249]



تفسير قوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليوفّيهم أجورهم} [فاطر: 30] ثوابهم في الجنّة.
{ويزيدهم من فضله} [فاطر: 30] يضاعف لهم الثّواب.
قال الحسن: تضاعف لهم الحسنات، يثابون عليها في الجنّة.
{إنّه غفورٌ شكورٌ} [فاطر: 30] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/787]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ({ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنّه غفور شكور (30)}: غفور لذنوبهم , شكور لحسناتهم.).
[معاني القرآن: 4/269]



تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذي أوحينا إليك من الكتاب} [فاطر: 31]، يعني: القرآن.
{هو الحقّ مصدّقًا لما بين يديه} [فاطر: 31] التّوراة والإنجيل.
{إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ} [فاطر: 31] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/787]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({مصدّقا لما بين يديه}: أي: لما كان قبله, وما مضى.).
[مجاز القرآن: 2/155]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({والّذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ مصدّقاً لّما بين يديه إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ}
وقال: {هو الحقّ مصدّقاً}: لأن الحق معرفة.). [معاني القرآن: 3/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مصدّقاً لما بين يديه}: أي: لما قبله.). [تفسير غريب القرآن: 361]



تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} [فاطر: 32] اخترنا.
{من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33]
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن أبي الدّرداء قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية فقال: «أمّا السّابق فيدخل الجنّة بغير حسابٍ والمقتصد يحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم فيحبس في طول المحبس ثمّ يتجاوز اللّه عنه».
- الخليل بن مرّة، وإسرائيل بن يونس، عن جعفر بن يزيد العبديّ، وحدّثنيه النّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن جعفر بن يزيد أنّ رجلا بلغه، قال
[تفسير القرآن العظيم: 2/787]
الخليل: لا أدري، يعني: نفسه وقد كان كبيرًا أو، يعني: غيره، أنّ رجلا بلغه أنّه من أتى بيت المقدس ليصلّي فيه لم يشخصه ولم يعمله إلا الصّلاة فيه، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال:
فأتى بيت المقدس فصلّى فيه ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف إلى ساريةٍ، فقال: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق إليّ جليسًا صالحًا تنفعني به، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجلٌ شيخٌ موسومٌ فيه الخير من بعض أبواب المسجد حتّى انتهى إلى السّارية الّتي أنا عندها، فصلّى ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف فقال: يا عبد اللّه من أنت وما جاء بك؟ قلت: رجلٌ
غريبٌ من أهل العراق بلغني أنّه من أتى هذا المسجد لم يعمله ولم يشخصه إلا الصّلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال: فإنّ الأمر على ما بلغك، قلت: من أنت يا عبد اللّه؟ قال: أنا أبو الدّرداء، فرفعت يدي أحمد اللّه، فقال: يا عبد اللّه أذعرة أنا؟ قلت: لست بذعرةٍ ولكنّي رجلٌ غريبٌ قلت: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق عليّ جليسًا صالحًا
تنفعني به، فقد سمعت بالاسم، ولم أكن أعرف الوجه، قال: فأنا أحقّ بالحمد منك إذ أشركني اللّه في دعائك وجعلني ذلك الجليس، لا جرم لأحدّثنّك بحديثٍ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّثه أحدًا قبلك ولا أحدّث به أحدًا بعدك.
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33] حتّى أتمّ الآية، قال: فيجيء هذا السّابق بالخيرات فيدخل الجنّة بلا حسابٍ، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا ثمّ يتجاوز اللّه عنه، ويجيء هذا الظّالم
[تفسير القرآن العظيم: 2/788]
لنفسه فيوقف، ويعيّر، ويخزى، ويعرف ذنوبه ثمّ يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته، فهم الّذين قالوا: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير). [تفسير القرآن العظيم: 2/789]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال السّدّيّ: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} [فاطر: 32]، يعني: أصحاب الكبائر من أهل التّوحيد ظلموا أنفسهم بذنوبهم من غير شركٍ.
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: أهل الكبائر لا شفاعة لهم، أي: لا يشفعون لأحدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/789]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {فمنهم ظالمٌ لّنفسه...}: هذا الكافر , {ومنهم مّقتصدٌ}: فهؤلاء أصحاب اليمين , {ومنهم سابقٌ بالخيرات}: وهذه موافقٌ تفسيرها تفسير التي في الواقعة, فأصحاب الميمنة هم المقتصدون, ويقال: هم الولدان, وأصحاب المشأمة: الكفّار, والمشأمة النار, والسّابقون السّابقون : هؤلاء أهل الدرجات العلى , أولئك المقرّبون في جنات عدن.).
[معاني القرآن: 2/370]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير (32) جنّات عدن يدخلونها}
قال عمر بن الخطاب رحمه اللّه يرفعه: ((سابقنا سابق, ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.)).
والآية: تدل على أن المؤمنين مغفور لهم، لمقتصدهم , الظالم لنفسه منهم بعد صحة العقد.
وقد جاء في التفسير أن قوله: {فمنهم ظالم}: الكافر , وهو قول ابن عباس، وقد روي عن الحسن : أنه المنافق.
واللفظ يدل على ما قاله عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم , وما عليه أكثر المفسرين، لأن قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} : يدل على أن جملة المصطفين هؤلاء, وقال اللّه عزّ وجلّ: {قل الحمد للّه وسلام على عباده الّذين اصطفى}. ). [معاني القرآن: 4/268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}
قيل : إن الناجي هو : المقتصد , والسابق , وأن قوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها}: للمقتصد , والسابق : هذا مذهب ابن عباس , ومجاهد , وعكرمة , والحسن , وقتادة.
روى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس :{فمنهم ظالم لنفسه }, قال : (كافر) .
وعن ابن عباس : قال : (الكتاب : كل كتاب أنزل). وعنه : (كلهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم) , من رواية ابن أبي طلحة عنه , وهذا أولى ما قيل فيها .
وروى الثوري , عن جابر , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} إلى آخر الآية
قال: (هذا مثل قوله جل وعز: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون})
قال : (فنجت فرقتان)
قال مجاهد:{ فمنهم ظالم لنفسه}: أصحاب المشأمة . {ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}: السابقون : من الناس كلهم) .
وقال عكرمة:{ فمنهم ظالم لنفسه } : (كما قال :{فذوقوا فما للظالمين من نصير })
وقال الحسن , وقتادة : {فمنهم ظالم لنفسه }: (المنافق) .
قال قتادة : (الكتاب : شهادة أن لا إله إلا الله) .
وقيل : (إن الفرق الثلاث ناجية) , قال ذلك عمر, وأبو الدرداء , وإبراهيم النخعي , وكعب الأحبار .
وقال عثمان: (هم أهل باديتنا) , يعني : الظالم لنفسه .
قال عمر : (( سابقنا سابق , ومقتصدنا ناج , وظالمنا مغفور له.)).
وقال أبو الدرداء : السابق : (يدخل الجنة بغير حساب , والمقتصد : يحاسب حسابا يسيرا , والظالم لنفسه : يؤخذ منه , ثم ينجو فذلك).). [معاني القرآن: 5/455-458]



تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} [فاطر: 32] اخترنا.
{من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33]
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن أبي الدّرداء قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية فقال: «أمّا السّابق فيدخل الجنّة بغير حسابٍ والمقتصد يحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم فيحبس في طول المحبس ثمّ يتجاوز اللّه عنه».
- الخليل بن مرّة، وإسرائيل بن يونس، عن جعفر بن يزيد العبديّ، وحدّثنيه النّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن جعفر بن يزيد أنّ رجلا بلغه، قال
[تفسير القرآن العظيم: 2/787]
الخليل: لا أدري، يعني: نفسه وقد كان كبيرًا أو، يعني: غيره، أنّ رجلا بلغه أنّه من أتى بيت المقدس ليصلّي فيه لم يشخصه ولم يعمله إلا الصّلاة فيه، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال:
فأتى بيت المقدس فصلّى فيه ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف إلى ساريةٍ، فقال: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق إليّ جليسًا صالحًا تنفعني به، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجلٌ شيخٌ موسومٌ فيه الخير من بعض أبواب المسجد حتّى انتهى إلى السّارية الّتي أنا عندها، فصلّى ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف فقال: يا عبد اللّه من أنت وما جاء بك؟ قلت: رجلٌ
غريبٌ من أهل العراق بلغني أنّه من أتى هذا المسجد لم يعمله ولم يشخصه إلا الصّلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال: فإنّ الأمر على ما بلغك، قلت: من أنت يا عبد اللّه؟ قال: أنا أبو الدّرداء، فرفعت يدي أحمد اللّه، فقال: يا عبد اللّه أذعرة أنا؟ قلت: لست بذعرةٍ ولكنّي رجلٌ غريبٌ قلت: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق عليّ جليسًا صالحًا
تنفعني به، فقد سمعت بالاسم، ولم أكن أعرف الوجه، قال: فأنا أحقّ بالحمد منك إذ أشركني اللّه في دعائك وجعلني ذلك الجليس، لا جرم لأحدّثنّك بحديثٍ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّثه أحدًا قبلك ولا أحدّث به أحدًا بعدك.
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33] حتّى أتمّ الآية، قال: فيجيء هذا السّابق بالخيرات فيدخل الجنّة بلا حسابٍ، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا ثمّ يتجاوز اللّه عنه، ويجيء هذا الظّالم
[تفسير القرآن العظيم: 2/788]
لنفسه فيوقف، ويعيّر، ويخزى، ويعرف ذنوبه ثمّ يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته، فهم الّذين قالوا: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير). [تفسير القرآن العظيم: 2/789] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وحدّثنا حمّاد بن سلمة، عن القاسم الرّحّال، عن أبي قلابة أنّه تلا هذه الآية إلى قوله: {جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 33] فقال: دخلوها كلّهم.
إسماعيل بن مسلمٍ، عن أبي المتوكّل النّاجيّ أنّ حبرًا من الأحبار أتى كعبًا فقال: يا كعب، تركت دين موسى واتّبعت دين محمّدٍ؟ قال: لا، أنا على دين موسى واتّبعت دين محمّدٍ عليه السّلام، قال: ولم فعلت ذلك؟ قال: إنّي وجدت أمّة محمّدٍ يقسّمون يوم القيامة ثلاثة أثلاثٍ: فثلثٌ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، وثلثٌ يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلثٌ يقول اللّه لملائكته: قلّبوا عبادي
فانظروا ما كانوا يعملون، فيقلّبونهم، فيقولون: ربّنا نرى ذنوبًا كثيرةً وخطايا عظيمةً، فيقول: قلّبوا عبادي فانظروا ما كانوا يعملون، فيقلّبونهم إلى ثلاث مرارٍ فيقول في الرّابعة: قلّبوا ألسنتهم فانظروا ما كانوا يقولون فيقلّبون ألسنتهم فيقولون: ربّنا نراهم كانوا يخلصون لك لا يشركون بك شيئًا فيقول: عبادي أخلصوا لي ولم يشركوا بي شيئًا، اشهدوا يا ملائكتي أنّي قد غفرت لعبادي بما أخلصوا لي ولم يشركوا بي شيئًا، فقال
[تفسير القرآن العظيم: 2/789]
الحبر لكعبٍ: إن كنت صادقًا فأخبرني ما كسوة ربّ العالمين؟ فقال كعبٌ: واللّه لئن أخبرتك وأخذ عليه، لتؤمننّ، قال: نعم، قال: رداؤه الكبر، قال: صدقت، قال: وقميصه الرّحمة سبقت، وإزاره العزّة اتّزر بها أو قال: استتر بها، قال: صدقت فآمن.
- وحدّثني الصّلت بن دينارٍ، عن عقبة بن صهبان، قال: سألت عائشة عن هذه الآية فقالت: نعم يا بنيّ، كلّهم من أهل الجنّة، السّابق من مضى على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فشهد له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحياة والرّزق، والمقتصد من اتّبع أثره من أصحابه حتّى لحق به، والظّالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتّبعنا، فألحقت نفسها بنا من أجل الحدث الّذي أصابها.
- أبو أميّة، عن ميمون بن سياهٍ، عن شهر بن حوشبٍ، أنّ عمر بن الخطّاب قال: سابقنا سابقٌ، ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفورٌ له.
وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: السّابقون أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والمقتصد رجلٌ سأل عن أثار أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فاتّبعهم، والظّالم لنفسه منافقٌ قطع به دونهم، قال يحيى نراه، يعني: أنّ المنافق أقرّ به المؤمن فلم يدخل في الآية.
وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ أنّه قرأ هذا الحرف {فمنهم
[تفسير القرآن العظيم: 2/790]
ظالمٌ لنفسه} [فاطر: 32] فقال: سقط هذا.
قال يحيى: فلا أدري أيعني ما قال الحسن أنّه المنافق أم، يعني به: الجاحد.
وأخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: هو الجاحد والمنافق.
وقال: هي في سورة الواقعة، السّابقون هم السّابقون، يعني: {والسّابقون السّابقون} [الواقعة: 10] قال: من النّاس كلّهم، وهو تفسير السّدّيّ، فوصف صفتهم في أوّل سورة الواقعة، والمقتصد أصحاب اليمين، وهو المنزل الآخر في سورة الواقعة {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} [الواقعة: 27] فوصف صفتهم، والظّالم لنفسه أصحاب المشأمة.
قال يحيى: تفسير النّاس أنّ أصحاب اليمين هم الّذين يحاسبون حسابًا يسيرًا، وهو المقتصد في حديث أبي الدّرداء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: وهم أصحاب المنزل الآخر في سورة الرّحمن حيث يقول: {ومن دونهما جنّتان} [الرحمن: 62] فوصفهما ومنزل السّابقين المنزل الآخر في سورة الرّحمن في قوله: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} [الرحمن: 46] فوصفهما، حدّثنا بذلك عثمان، عن قتادة.
قوله عزّ وجلّ: {جنّات عدنٍ} [فاطر: 33] قد فسّرنا ذلك في غير هذه السّورة.
قوله: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [فاطر: 33] ليس من أهل
[تفسير القرآن العظيم: 2/791]
الجنّة أحدٌ إلا في يديه ثلاثة أسورةٍ: سوارٌ من ذهبٍ، وسوارٌ من فضّةٍ، وسوارٌ من لؤلؤٍ، قال هاهنا: {من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [فاطر: 33] وقال في آيةٍ أخرى: {وحلّوا أساور من فضّةٍ} [الإنسان: 21].
وحدّثني ابن لهيعة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو أنّ رجلا من أهل الجنّة بدا سواره لغلب على ضوء الشّمس».
قال عزّ وجلّ: {ولباسهم فيها حريرٌ} [فاطر: 33].
- حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي المهزّم، عن أبي هريرة قال: دار المؤمن درّةٌ مجوّفةٌ، فيها أربعون بيتًا، في وسطها شجرةٌ تنبت الحلل، ويأخذ بأصبعه أو قال بأصبعيه سبعين حلّةً منطّقةً باللّؤلؤ والمرجان.
وحدّثني يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ قال: إنّ المرأة من نساء أهل الجنّة من الحور العين ليرى مخّ ساقها من فوق سبعين حلّةً كما يبدو الشّراب الأحمر في الزّجاجة البيضاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/792]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {جنّات عدنٍ...}

ومعنى عدنٍ : إقامة بة, عدن بالموضع.). [معاني القرآن: 2/370]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({جنّات عدن يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير (33)}
فيها وجهان:
أحدهما : يحلّون فيها من أساور من ذهب , ومن لؤلؤ.
ويجوز : ولؤلؤا , على معنى: يحلون أساور؛ لأن معنى من أساور , كمعنى أساور., والتفسير على الخفض أكثر، على معنى : يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ.
وجاء في التفسير : أن ذلك الذهب في صفاء اللؤلؤ، كما قال عزّ وجلّ:{قوارير قوارير من فضة}، أي : هي قوارير ولكن بياضها كبياض الفضة، والفضة أصله.
ويجوز أن يكون يحلّون من أساور من ذهب، ويحلّون من لؤلؤ.
ويجوز على معنى : ويحلّون لؤلؤا.
وأساور : جمع إسورة , وأساور : وواحدها سوار, والأسوار من أساورة الفرس، وهو الجيّد الرمي بالسهام.
قال الشاعر:
ووتّر الأساور القياسا= صغديّة تنتزع الأنفاسا.). [معاني القرآن: 4/270]



تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا} [فاطر: 32] اخترنا.
{من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33]
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن أبي الدّرداء قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية فقال: «أمّا السّابق فيدخل الجنّة بغير حسابٍ والمقتصد يحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم فيحبس في طول المحبس ثمّ يتجاوز اللّه عنه».
- الخليل بن مرّة، وإسرائيل بن يونس، عن جعفر بن يزيد العبديّ، وحدّثنيه النّضر بن بلالٍ، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن جعفر بن يزيد أنّ رجلا بلغه، قال
[تفسير القرآن العظيم: 2/787]
الخليل: لا أدري، يعني: نفسه وقد كان كبيرًا أو، يعني: غيره، أنّ رجلا بلغه أنّه من أتى بيت المقدس ليصلّي فيه لم يشخصه ولم يعمله إلا الصّلاة فيه، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال:
فأتى بيت المقدس فصلّى فيه ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف إلى ساريةٍ، فقال: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق إليّ جليسًا صالحًا تنفعني به، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجلٌ شيخٌ موسومٌ فيه الخير من بعض أبواب المسجد حتّى انتهى إلى السّارية الّتي أنا عندها، فصلّى ما قضى اللّه له أن يصلّي ثمّ انصرف فقال: يا عبد اللّه من أنت وما جاء بك؟ قلت: رجلٌ
غريبٌ من أهل العراق بلغني أنّه من أتى هذا المسجد لم يعمله ولم يشخصه إلا الصّلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، قال: فإنّ الأمر على ما بلغك، قلت: من أنت يا عبد اللّه؟ قال: أنا أبو الدّرداء، فرفعت يدي أحمد اللّه، فقال: يا عبد اللّه أذعرة أنا؟ قلت: لست بذعرةٍ ولكنّي رجلٌ غريبٌ قلت: اللّهمّ ارحم غربتي، وآنس وحشتي، وصل وحدتي، وسق عليّ جليسًا صالحًا
تنفعني به، فقد سمعت بالاسم، ولم أكن أعرف الوجه، قال: فأنا أحقّ بالحمد منك إذ أشركني اللّه في دعائك وجعلني ذلك الجليس، لا جرم لأحدّثنّك بحديثٍ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّثه أحدًا قبلك ولا أحدّث به أحدًا بعدك.
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير {32} جنّات عدنٍ يدخلونها} [فاطر: 32-33] حتّى أتمّ الآية، قال: فيجيء هذا السّابق بالخيرات فيدخل الجنّة بلا حسابٍ، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا ثمّ يتجاوز اللّه عنه، ويجيء هذا الظّالم
[تفسير القرآن العظيم: 2/788]
لنفسه فيوقف، ويعيّر، ويخزى، ويعرف ذنوبه ثمّ يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته، فهم الّذين قالوا: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير). [تفسير القرآن العظيم: 2/789] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] وقد فسّرناه في حديث الخليل بن مرّة، عن جعفر بن زيدٍ، عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم الصّنف الثّالث الّذي يوقف ويخزى، ويعيّر، ثمّ يتجاوز اللّه عنه فيدخله الجنّة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/792]
وأخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كانوا في الدّنيا وهم محزونون مثل قوله: {إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين} [الطور: 26].
وقوله: {إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ} [فاطر: 34] غفر الذّنب الكبير وشكر العمل اليسير.
قال يحيى بلغني أنّ هؤلاء أصحاب الكبائر). [تفسير القرآن العظيم: 2/793]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {أذهب عنّا الحزن...}

الحزن للمعاش , وهموم الدنيا, ويقال: الحزن : حزن الموت, ويقال الحزن : بالجنة , والنار , لا ندري إلى أيّهما نصير.). [معاني القرآن: 2/370]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أذهب عنّا الحزن }: وهو الحزن مثل البخل والبخل , والنّزل والنّزل.). [مجاز القرآن: 2/155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفور شكور (34)}
ويجوز الحزن : مثل الرّشد , والرّشد، والعرب والعرب، ومعنى:{ أذهب عنا الحزن}: أذهب عنا كل ما يحزن، من حزن في مقاس.
وحزن لعذاب، أو حزن للموت، وقد أذهب اللّه عن أهل الجنة كل حزن.). [معاني القرآن: 4/270]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قوله جل وعز: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن}
وقال كعب: (هذه الأمة على ثلاث فرق كلها في الجنة) , ثم تلا : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه }, إلى قوله: {جنات عدن يدخلونها}, فقال : (ادخلوها ورب الكعبة , وبعد هذا للكفار) .
وهو قوله جل وعز: {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا}
قال محمد بن يزيد : الرجال أربعة: جواد , وبخيل, ومسرف , ومقتصد , فالجواد : الذي وجه نصيب آخرته , ونصيب دنياه جميعا إلى آخرته , والبخيل : الذي لا يعطي واحدة منهما حقا , والمسرف : الذي يجمعهما للدنيا , والمقتصد الذي يلحق بكل واحدة نصيبها , أي : عمله قصد , ليس بمجتهد .
قال أبو إسحاق : معنى: { أذهب عنا الحزن }: أي: الهم بالمعيشة , والخوف من العذاب , وتوقع الموت .
وكل ما قاله قد جاء في التفسير : فهو عام لجميع الحزن , والمقامة , والمقام واحد , والنصب :التعب , واللغوب: الإعياء واللغوب بفتح اللام ما يلغب منه
وقرأ الحسن : لا يقضى عليهم , فيموتون.
والمعنى على قراءته : لا يقضى عليهم الموت , ولا يموتون.). [معاني القرآن: 5/458-460]



تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الّذي أحلّنا} [فاطر: 35] يعني أنزلنا.
{دار المقامة من فضله لا يمسّنا} [فاطر: 35] قال السّدّيّ: لا يصيبنا.
{فيها نصبٌ} [فاطر: 35] تعبٌ.
{ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} [فاطر: 35] إعياءٌ.
- وحدّثني خالدٌ، عن نفيعٍ مولى أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، ما راحة أهل الجنّة فيها؟ فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " مه، مه، أو هل فيها لغوبٌ؟ كلّ أمرهم راحةٌ، فأنزل اللّه عند ذلك هذه الآية: {لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} [فاطر: 35] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/793]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {دار المقامة...}

هي الإقامة., والمقامة: المجلس الذي يقام فيه, فالمجلس مفتوح لا غير؛ كما قال الشاعر:
يومان يوم مقاماتٍ وأندية = ويوم سير إلى الأعداء تأويب
وقرأ السّلميّ : {لغوب} : كأنه جعله ما يلغب، مثل : لغوب , والكلام لغوب بضم اللام، واللغوب: والإعياء.). [معاني القرآن: 2/370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {دار المقامة}: ودار المقام واحد، وهما بمعنى الإقامة, (اللغوب): الإعياء.). [تفسير غريب القرآن: 361]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب (35)}
مثل الإقامة، تقول: أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما, أي: أحلّنا دار الخلود من فضله، أي : ذلك بتفضله لا بأعمالنا.
{لا يمسّنا فيها نصب}: أي : تعب.
{ولا يمسّنا فيها لغوب}:واللغوب : الإعياء من التعب.
وقد قرأ أبو عبد الرحمن السّلّمي لغوب - بفتح اللام - والضمّ أكثر، ومعنى لغوب شيء يلغب منه، أي لا نتكلف شيئا نعيا منه). [معاني القرآن: 4/270-271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال أبو إسحاق : معنى : {أذهب عنا الحزن }: أي: الهم بالمعيشة , والخوف من العذاب , وتوقع الموت .
وكل ما قاله , قد جاء في التفسير : فهو عام لجميع الحزن , والمقامة , والمقام واحد , والنصب التعب .
واللغوب : الإعياء, واللغوب بفتح اللام : ما يلغب منه.).[معاني القرآن: 5/460] (م)
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {نصب}: أي: كلال وتعب, و{لغوب}:فترة , وتوان.). [ياقوتة الصراط: 418]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((اللغوب): الإعياء.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لُغُوبٌ}: تعب الإعياء). [العمدة في غريب القرآن: 249]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 01:24 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
يا زيق ويحك كانت هفوة غبنا = فتيان شيبان أم بارت بك السوق
...
وقوله أم بارت بك السوق يعني كسدت يقال بارت عليه تجارته وبار بيعه وذلك إذا كسد من قول الله تعالى: {تجارة لن تبور} ). [نقائض جرير والفرزدق: 818]

تفسير قوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (قوله عز وجل: {هو الحق مصدقا} فإن الحق لا يكون صفة
لهو من قبل أن هو اسم مضمر والمضمر لا يوصف بالمظهر أبدا لأنه قد استغنى عن الصفة. وإنما تضمر الاسم حين يستغنى بالمعرفة فمن ثم لم يكن في هذا الرفع كما كان في هذا الرجل. ألا ترى أنك لو قلت مررت بهو الرجل لم يجز ولم يحسن ولو قلت مررت بهذا الرجل كان حسنا جميلا). [الكتاب: 2/87-88]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) }

تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) }

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال رجل من طيء يقال له الودك جاهلي يخاطب ناقته:
أقسمت أشكيك من أين ومن نصب = حتى تري معشرا بالعم أزوالا
...
و«النصب»: التعب). [النوادر في اللغة: 273] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

ترى فرسانها يردون إرداء إذا لغبوا
و(لَغِبُوا) لغة. و(يردون ترداء). (لَغَبَ يَلْغُب لُغُوبا)
...
(لَغَبُوا) أعيوا). [شرح أشعار الهذليين: 1/430]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (واللغوب: الإعياء وقد لغب يلغب لغوبًا). [شرح المفضليات: 646] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 06:43 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 06:44 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 4 صفر 1440هـ/14-10-2018م, 02:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور * والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير}
قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: "هذه آية القراء"، وهذا على أن "يتلون" بمعنى: يقرأون، وإن جعلناها بمعنى: يتبعون، صح معنى الآية، وكانت في القراء وغيرهم ممن اتصف بأوصاف الآية، و"كتاب الله" هو القرآن، و"إقامة الصلاة" إقامتها بجميع شروطها، و"النفقة" هي في الصدقات ووجوه البر، فالسر من ذلك هو التطوع، والعلانية هو المفروض، و"يرجون" جملة في موضع رفع خبر "إن"، و"تبور" معناها: تكسد ويتعذر ربحها، ويقال: "نعوذ بالله من بوار الأيم"). [المحرر الوجيز: 7/ 217-218]

تفسير قوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واللام في "ليوفيهم" متعلقة بفعل مضمر يقتضيه لفظ الآية، تقديره: وعدهم بألا تبور إن فعلوا ذلك كله وأطاعوه، ونحو هذا من التقدير. وقوله: "ويزيدهم" قالت فرقة: هو تضعيف الحسنات من العشر إلى السبعمائة، وتوفية الأجور - على هذا - هي المجازاة مقابلة. وقالت فرقة: إن التضعيف داخل في توفية الأجور، وأما الزيادة من فضله فهي; إما النظر إلى وجهه الكريم وإما الشفاعة في غيرهم، كما قال تبارك وتعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}، و"غفور" معناه: متجاوز عن الذنوب ساتر لها، و"شكور" معناه: مجاز على اليسير من الطاعة، مقرب لعبده به). [المحرر الوجيز: 7/ 218]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ثبت تعالى أمر نبيه بقوله: {والذي أوحينا إليك} الآية، و"مصدقا" حال مؤكدة، والذي بين يدي القرآن هو التوراة والإنجيل، وقوله تعالى: {إن الله بعباده لخبير بصير} وعيد). [المحرر الوجيز: 7/ 218]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير * وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور}
"أورثنا" معناه: أعطيناه فرقة بعد موت فرقة، والميراث - حقيقة أو مجازا - إنما يقال فيما صار لإنسان بعد موت آخر، والكتاب هنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، فكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن - وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة قبله - فكأنه ورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي كان في الأمم قبلهم.
و الذين اصطفينا يريد بهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وكأن اللفظ يحتمل أن يريد به جميع المؤمنين من كل أمة إلا أن عبارة توريث الكتاب لم تكن إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والأول لم يورثوه. و"اصطفينا": اخترنا وفضلنا، و"العباد" عام في جميع العالم، مؤمنهم وكافرهم.
واختلف الناس في عود الضمير من قوله تعالى: {فمنهم}، فقال ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم ما مقتضاه أن الضمير عائد على "الذين"، والأصناف الثلاثة هي كلها في أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه، فـ"الظالم لنفسه": العاصي المسرف. و"المقتصد": متقي الكبائر، وهو الجمهور من الأمة، و"السابق": المتقي على الإطلاق، وقالت هذه الفرقة: والأصناف الثلاثة في الجنة، وقاله أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، والضمير في "يدخلونها" عائد على الأصناف الثلاثة، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: دخلوا الجنة كلهم، وقال كعب الأحبار: استوت مناكبهم ورب الكعبة وتفاضلوا بأعمالهم، وفي رواية: تحاكت مناكبهم، وقال أبو إسحق السبيعي: أما الذي سمعت مذ ستين سنة، فكلهم ناج، وقال ابن مسعود: هذه الأمة يوم القيامة أثلاث: ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة، وثلث يجيئون بذنوب عظام، فيقول الله: ما هؤلاء؟ - وهو أعلم بهم - فتقول الملائكة: هم مذنبون إلا أنهم لم يشركوا، فيقول عز وجل: أدخلوهم في سعة رحمتي، وقالت عائشة رضي الله عنها في كتاب الثعلبي: السابق من أسلم قبل الهجرة، والمقتصد من أسلم بعدها، والظالم نحن، وقال الحسن: السابق من رجحت حسناته، والمقتصد من استوت بسيئاته، والظالم من خفت موازينه، وقال سهل بن عبد الله: السابق العالم، والمقتصد المتعلم، والظالم الجاهل. وقال ذو النون: الظالم الذاكر لله بلسانه فقط، والمقتصد الذاكر بقلبه، والسابق الذي لا ينساه. وقال الأنطاكي: الظالم صاحب الأقوال، والمقتصد صاحب الأفعال، والسابق صاحب الأحوال، وروى أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال: "كلهم في الجنة"، وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له"، وقال عليه الصلاة والسلام: "أنا سابق العرب، وسلمان سابق الفرس، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة"، أراد عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء رؤوس السابقين، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "سابقنا أهل جهاد، ومقتصدنا أهل حضرنا، وظالمنا أهل بدونا، لا يشهدون جماعة ولا جمعة".
وقال عكرمة، وقتادة، والحسن، ما مقتضاه أن الضمير في "منهم" عائد على "العباد"، والظالم لنفسه: الكافر والمنافق، والمقتصد: المؤمن العاصي، والسابق: التقي على الإطلاق، قالوا: وهذه الآية نظير قوله تعالى: {وكنتم أزواجا ثلاثة} والضمير في قوله تعالى: "يدخلونها" - على هذا القول - خاص على الفرقتين: المقتصد والسابق، والفرقة الظالمة في النار، قالوا: وبعيد أن يكون ممن يصطفى ظالم كما يقتضي التأويل الأول، وروي هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال بعض العلماء: قدم الظالم لأنه لا يتكل إلا على رحمة الله، والمقتصد هو المعتدل في أموره، لا يسرف في جهة من الجهات، بل يلزم الوسط. وقال عليه الصلاة والسلام: "خير الأمور أوساطها".
وقالت فرقة - لا معنى لقولها -: إن قوله تعالى: {الذين اصطفينا} هم الأنبياء، والظالم لنفسه منهم من وقع في صغيرة، وهذا قول مردود من غير ما وجه.
وقرأ الجمهور: "سابق بالخيرات"، وقرأ أبو عمران الجوني: "سباق".
وقوله تعالى: {بإذن الله} معناه: بأمره ومشيئته فيمن أحب من عباده، وقوله: {ذلك هو الفضل الكبير} إشارة إلى الاصطفاء وما يكون عنه من الرحمة.
وقال الطبري: السبوق بالخيرات هو الفضل الكبير، قال في كتاب الثعلبي: جمعهم في دخول الجنة لأنه ميراث، والبار والعاق سواء في الميراث مع صحة النسب، فكذلك هؤلاء مع صحة الإيمان). [المحرر الوجيز: 7/ 218-221]

تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "جنات" بالرفع على البدل من "الفضل"، وقرأ الجحدري: [جنات] بالنصب بفعل مضمر يفسره "يدخلونها"، وقرأ زر بن حبيش: "جنة عدن" على الإفراد، وقرأ أبو عمرو: "يدخلونها" على بناء الفعل للمجهول، ورويت عن ابن كثير، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الخاء.
و"أساور" جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، بضم السين وكسرها، وفي حرف أبي [أساوير]، وهو جمع أسوار، وقد يقال ذلك في الحلي، ومشهور أسوار أنه الجيد الرمي من جند الفرس، و"يحلون" معناه: نساء ورجالا، وقرأ عاصم - في رواية أبي بكر -: "ولؤلؤا" بالنصب عطفا على "أساور"، وكان عاصم - في رواية أبي بكر - يقرأ: "ولولؤا" بسكون الواو الأولى دون همز وبهمز الثانية، وروي عنه ضد هذا، وقرأ الباقون: "ولؤلؤ" بالهمز وبالخفض عطفا على "أساور"). [المحرر الوجيز: 7/ 221-222]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الحزن" في هذه الآية عام في جميع أنواع الأحزان، وخصص المفسرون في هذا هاهنا، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: حزن أهوال يوم القيامة وما يصيب هناك من ظلم نفسه من الغم والحزن، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: حزن جهنم، وقال عطية: حزن الموت، وقال قتادة: حزن الدنيا في الخوف ألا تتقبل أعمالهم، وقيل غير هذا مما هو جزء من الحزن، ولا معنى لتخصيص شيء من هذه الأحزان; لأن الحزن أجمع قد ذهب عنهم. وقولهم: {لغفور شكور} وصفوه بأنه تبارك وتعالى يغفر الذنوب، ويجازي على القليل من الأعمال الصالحة بالكثير من الثواب، وهذا هو شكره لا رب سواه).[المحرر الوجيز: 7/ 222]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب * والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}
"المقامة": الإقامة، من: أقام، والمقامة - بفتح الميم -: القيام، وهي من: قام، و"دار المقامة": الجنة. و"النصب" تعب البدن، و"اللغوب" تعب النفس اللازم من تعب البدن، وقال قتادة: اللغوب: الوجع، وقرأ الجمهور "لغوب" بضم اللام، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والسلمي: "لغوب" بفتح اللام، أي: شيء يعيينا، ويحتمل أن تكون مصدرا كالولوغ والوضوء).[المحرر الوجيز: 7/ 222-223]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 4 صفر 1440هـ/14-10-2018م, 08:10 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 4 صفر 1440هـ/14-10-2018م, 08:18 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً يرجون تجارةً لن تبور (29) ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنّه غفورٌ شكورٌ (30)}.
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين الّذين يتلون كتابه ويؤمنون به ويعملون بما فيه، من إقام الصّلاة، والإنفاق ممّا رزقهم اللّه في الأوقات المشروعة ليلًا ونهارًا، سرًّا وعلانيةً، {يرجون تجارةً لن تبور} أي: يرجون ثوابًا عند اللّه لا بدّ من حصوله. كما قدّمنا في أوّل التّفسير عند فضائل القرآن أنّه يقول لصاحبه: "إنّ كلّ تاجرٍ من وراء تجارته، وإنّك اليوم من وراء كلّ تجارةٍ"؛ ولهذا قال تعالى: {ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} أي: ليوفّيهم ثواب ما فعلوه ويضاعفه لهم بزياداتٍ لم تخطر لهم، {إنّه غفورٌ} أي: لذنوبهم، {شكورٌ} للقليل من أعمالهم.
قال قتادة: كان مطرف، رحمه اللّه، إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القرّاء.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثنا حيوة، حدّثنا سالم بن غيلان أنّه سمع درّاجا أبا السّمح يحدّث عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه تعالى إذا رضي عن العبد أثنى عليه سبعة أصنافٍ من الخير لم يعمله، وإذا سخط على العبد أثنى عليه سبعة أصنافٍ من الشّرّ لم يعمله، غريب جدا). [تفسير ابن كثير: 6/ 545-546]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ مصدّقًا لما بين يديه إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ (31)}.
يقول تعالى: {والّذي أوحينا إليك} يا محمّد من الكتاب، وهو القرآن {هو الحقّ مصدّقًا لما بين يديه} أي: من الكتب المتقدّمة يصدّقها، كما شهدت له بالتّنويه، وأنّه منزّلٌ من ربّ العالمين.
{إنّ اللّه بعباده لخبيرٌ بصيرٌ} أي: هو خبيرٌ بهم، بصيرٌ بمن يستحقّ ما يفضّله به على من سواه. ولهذا فضّل الأنبياء والرّسل على جميع البشر، وفضّل النّبيّين بعضهم على بعضٍ، ورفع بعضهم درجاتٍ، وجعل منزلة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فوق جميعهم، صلوات اللّه عليهم أجمعين). [تفسير ابن كثير: 6/ 546]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير (32)}.
يقول تعالى: ثمّ جعلنا القائمين بالكتاب العظيم، المصدّق لما بين يديه من الكتب، الّذين اصطفينا من عبادنا، وهم هذه الأمّة، ثمّ قسّمهم إلى ثلاثة أنواعٍ، فقال: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} وهو: المفرّط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرّمات. {ومنهم مقتصدٌ} وهو: المؤدّي للواجبات، التّارك للمحرّمات، وقد يترك بعض المستحبّات، ويفعل بعض المكروهات. {ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه} وهو: الفاعل للواجبات والمستحبّات، التّارك للمحرّمات والمكروهات وبعض المباحات.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين [اصطفينا من عبادنا]}، قال: هم أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورّثهم اللّه كلّ كتابٍ أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابًا يسيرًا، وسابقهم يدخل الجنّة بغير حسابٍ.
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالحٍ، وعبد الرّحمن بن معاوية العتبيّ قالا حدّثنا أبو الطّاهر بن السّرح، حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن الصّنعانيّ، حدّثني ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال ذات يوم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي". قال ابن عبّاسٍ: السّابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حسابٍ، والمقتصد يدخل الجنّة برحمة اللّه، والظّالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنّة بشفاعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهكذا روي عن غير واحدٍ من السّلف: أنّ الظّالم لنفسه من هذه الأمّة من المصطفين، على ما فيه من عوجٍ وتقصيرٍ.
وقال آخرون: بل الظّالم لنفسه ليس من هذه الأمّة، ولا من المصطفين الوارثين الكتاب.
قال ابن أبي حاتمٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا عليّ بن هاشم بن مرزوقٍ، حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} قال: هو الكافر. وكذا روى عنه عكرمة، وبه قال عكرمة أيضًا فيما رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ في قوله: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} قال: هم أصحاب المشأمة.
وقال مالكٌ عن زيد بن أسلم، والحسن، وقتادة: هو المنافق.
ثمّ قد قال ابن عبّاسٍ، والحسن، وقتادة: وهذه الأقسام الثّلاثة كالأقسام الثّلاثة المذكورة في أوّل سورة "الواقعة" وآخرها.
والصّحيح: أنّ الظّالم لنفسه من هذه الأمّة وهذا اختيار ابن جريرٍ كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، من طرقٍ يشدّ بعضها بعضًا، ونحن نورد منها ما تيسّر:
الحديث الأوّل: قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن الوليد بن العيزار، أنّه سمع رجلًا من ثقيف يحدّث عن رجلٍ من كنانة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه}، قال: "هؤلاء كلّهم بمنزلةٍ واحدةٍ وكلّهم في الجنّة". هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه وفي إسناده من لم يسمّ، وقد رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، من حديث شعبة، به نحوه.
ومعنى قوله: "بمنزلةٍ واحدةٍ" أي: في أنّهم من هذه الأمّة، وأنّهم من أهل الجنّة، وإن كان بينهم فرقٌ في المنازل في الجنّة.
الحديث الثّاني: قال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا أنس بن عياضٍ اللّيثيّ أبو ضمرة، عن موسى بن عقبة، عن [عليّ] بن عبد اللّه الأزديّ، عن أبي الدّرداء، رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "قال اللّه: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه}، فأمّا الّذين سبقوا فأولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، وأمّا الّذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابًا يسيرا، وأما الّذين ظلموا أنفسهم فأولئك الّذين يحبسون في طول المحشر، ثمّ هم الّذين تلافاهم برحمته، فهم الّذين يقولون: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ}.
طريقٌ أخرى: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، حدّثنا الحسين بن حفصٍ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن رجلٍ، عن أبي ثابتٍ، عن أبي الدّرداء قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه} قال: "فأمّا الظّالم لنفسه فيحبس حتّى يصيبه الهمّ والحزن، ثمّ يدخل الجنّة".
ورواه ابن جريرٍ من حديث سفيان الثّوريّ، عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابتٍ أنّه دخل المسجد، فجلس إلى جنب أبي الدّرداء، فقال: اللّهمّ، آنس وحشتي، وارحم غربتي، ويسّر لي جليسًا صالحًا. قال أبو الدّرداء: لئن كنت صادقًا لأنا أسعد بك منك، سأحدّثك حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم أحدّث به منذ سمعته منه، ذكر هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات}، فأمّا السّابق بالخيرات فيدخلها بغير حسابٍ وأمّا المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا، وأمّا الظّالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغمّ والحزن، وذلك قوله: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن}.
الحديث الثّالث: قال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن العبّاس، حدّثنا ابن مسعودٍ، أخبرنا سهل بن عبد ربّه الرّازّيّ، حدّثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أسامة بن زيدٍ: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات} الآية، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّهم من هذه الأمّة".
الحديث الرّابع: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عزيز، حدّثنا سلامة، عن عقيل، عن ابن شهابٍ، عن عوف بن مالكٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "أمّتي ثلاثة أثلاتٍ: فثلثٌ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ ولا عذابٍ، وثلثٌ يحاسبون حسابًا يسيرًا ثمّ يدخلون الجنّة، وثلثٌ يمحّصون ويكشفون، ثمّ تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون: "لا إله إلّا اللّه وحده". يقول اللّه عزّ وجلّ: صدقوا، لا إله إلّا أنا، أدخلوهم الجنّة بقولهم: "لا إله إلّا اللّه وحده" واحملوا خطاياهم على أهل النّار، وهي الّتي قال اللّه تعالى: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13]،وتصديقها في الّتي فيها ذكر الملائكة، قال اللّه تعالى: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} فجعلهم ثلاثة أنواعٍ، وهم أصنافٌ كلّهم، فمنهم ظالمٌ لنفسه، فهذا الّذي يكشف ويمحّص". غريبٌ جدًّا.
أثرٌ عن ابن مسعودٍ: قال ابن جريرٍ: حدّثني ابن حميدٍ، حدّثنا الحكيم بن بشيرٍ، عن عمرو بن قيسٍ، عن عبد اللّه بن عيسى، عن يزيد بن الحارث، عن شقيق أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه قال: هذه الأمّة ثلاثة أثلاثٍ يوم القيامة: ثلثٌ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ، وثلثٌ يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلثٌ يجيئون بذنوبٍ عظامٍ حتّى يقول: ما هؤلاء؟ -وهو أعلم تبارك وتعالى-فتقول الملائكة: هؤلاء جاءوا بذنوبٍ عظامٍ، إلّا أنّهم لم يشركوا بك فيقول الرّبّ عزّ وجلّ: أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي: وتلا عبد اللّه هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا [فمنهم ظالمٌ لنفسه]} الآية.
أثرٌ آخر: قال أبو داود الطّيالسيّ، عن الصّلت بن دينارٍ أبو شعيب، عن عقبة بن صهبان الهنائي قال: سألت عائشة، رضي اللّه عنها، عن قول الله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه} الآية، فقالت لي: يا بنيّ، هؤلاء في الجنّة، أمّا السّابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،، شهد له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحياة والرّزق، وأمّا المقتصد فمن اتّبع أثره من أصحابه حتّى لحق به، وأمّا الظّالم لنفسه فمثلي ومثلكم. قال: فجعلت نفسها معنا.
وهذا منها، رضي اللّه عنها، من باب الهضم والتّواضع، وإلّا فهي من أكبر السّابقين بالخيرات؛ لأنّ فضلها على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام.
وقال عبد اللّه بن المبارك، رحمه اللّه: قال أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه: في قوله تعالى: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} قال: هي لأهل بدونا، ومقتصدنا أهل حضرنا، وسابقنا أهل الجهاد. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال عوف الأعرابيّ: حدّثنا عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ قال: حدّثنا كعب الأحبار قال: إنّ الظّالم لنفسه من هذه الأمّة، والمقتصد والسّابق بالخيرات كلّهم في الجنّة، ألم تر أنّ اللّه تعالى قال: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير جنّات عدنٍ يدخلونها} إلى قوله: {والّذين كفروا لهم نار جهنّم} قال: فهؤلاء أهل النّار.
[و] رواه ابن جريرٍ من طرقٍ، عن عوفٍ، به. ثمّ قال:
حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، أخبرنا حميدٌ، عن إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث، عن أبيه أنّ ابن عبّاسٍ سأل كعبًا عن قوله: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} إلى قوله: {بإذن اللّه} قال: تماسّت مناكبهم ورب كعبٍ، ثمّ أعطوا الفضل بأعمالهم.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، حدّثنا عمرو بن قيسٍ، عن أبي إسحاق السّبيعي في هذه الآية: {ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا} الآية، قال أبو إسحاق: أمّا ما سمعت منذ ستّين سنةً فكلّهم ناجٍ.
ثمّ قال: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا الحكم، حدّثنا عمرٌو، عن محمّد بن الحنفيّة قال: إنّها أمّةٌ مرحومةٌ، الظّالم مغفورٌ له، والمقتصد في الجنان عند اللّه، والسّابق بالخيرات في الدّرجات عند اللّه.
ورواه الثّوريّ، عن إسماعيل بن سميع، عن رجلٍ، عن محمّد بن الحنفيّة، بنحوه.
وقال أبو الجارود: سألت محمّد بن عليٍّ -يعني: الباقر-عن قوله: {فمنهم ظالمٌ لنفسه} فقال: هو الّذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيّئًا.
فهذا ما تيسّر من إيراد الأحاديث والآثار المتعلّقة بهذا المقام. وإذا تقرّر هذا فإنّ الآية عامّةٌ في جميع الأقسام الثّلاثة من هذه الأمّة، فالعلماء أغبط النّاس بهذه النّعمة، وأولى النّاس بهذه الرّحمة، فإنّهم كما قال الإمام أحمد، رحمه اللّه:
حدّثنا محمّد بن يزيد، حدّثنا عاصم بن رجاء بن حيوة، عن قيس بن كثيرٍ قال: قدم رجلٌ من أهل المدينة إلى أبي الدّرداء -وهو بدمشق-فقال: ما أقدمك أي أخي؟ قال: حديثٌ بلغني أنّك تحدّث به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال أما قدمت لتجارةٍ؟ قال: لا. قال: أما قدمت لحاجةٍ؟ قال: لا؟ قال: أما قدمت إلّا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم. قال: فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك اللّه به طريقًا إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنّه ليستغفر للعالم من في السموات والأرض حتّى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. إنّ العلماء هم ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنّما ورّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍّ وافرٍ".
وأخرجه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه، من حديث كثير بن قيسٍ -ومنهم من يقول: قيس بن كثيرٍ-عن أبي الدّرداء. وقد ذكرنا طرقه واختلاف الرّواة فيه في شرح "كتاب العلم" من "صحيح البخاريّ"، وللّه الحمد والمنّة.
وقد تقدّم في أوّل "سورة طه" حديث ثعلبة بن الحكم، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يقول اللّه تعالى يوم القيامة للعلماء: إنّي لم أضع علمي وحكمي فيكم إلّا وأنا أريد [أن] أغفر لكم، على ما كان منكم، ولا أبالي"). [تفسير ابن كثير: 6/ 546-550]

تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({جنّات عدنٍ يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا ولباسهم فيها حريرٌ (33) وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ (34) الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ (35)}.
يخبر تعالى أنّ مأوى هؤلاء المصطفين من عباده، الّذين أورثوا الكتاب المنزّل من ربّ العالمين يوم القيامة {جنّات عدنٍ} أي: جنّات الإقامة يدخلونها يوم معادهم وقدومهم على ربّهم، عزّ وجلّ، {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا}، كما ثبت في الصّحيح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".
{ولباسهم فيها حريرٌ} ولهذا كان محظورًا عليهم في الدّنيا، فأباحه اللّه لهم في الدّار الآخرة، وثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "من لبس الحرير في الدّنيا لم يلبسه في الآخرة". وقال: " [لا تشربوا في آنية الذّهب والفضّة] هي لهم في الدّنيا ولكم في الآخرة".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمرو بن سوادٍ السّرحي، أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن لهيعة، عن عقيل بن خالدٍ، عن الحسن، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه؛ أنّ أبا أمامة حدّث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّثهم، وذكر حليّ أهل الجنّة فقال: "مسوّرون بالذّهب والفضّة، مكلّلة بالدّرّ، وعليهم أكاليل من درّ وياقوتٍ متواصلةٌ، وعليهم تاجٌ كتاج الملوك، شبابٌ جردٌ مردٌ مكحّلون"). [تفسير ابن كثير: 6/ 551]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} وهو الخوف من المحذور، أزاحه عنّا، وأراحنا ممّا كنّا نتخوّفه، ونحذره من هموم الدّنيا والآخرة.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "ليس على أهل "لا إله إلّا اللّه" وحشةٌ في قبورهم ولا في منشرهم، وكأنّي بأهل "لا إله إلّا الله" ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن} رواه ابن أبي حاتمٍ من حديثه.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا جعفر بن محمّدٍ الفريابيّ، حدّثنا يحيى بن موسى المروزيّ، حدّثنا سليمان بن عبد اللّه بن وهبٍ الكوفيّ، عن عبد العزيز بن حكيمٍ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ليس على أهل "لا إله إلّا اللّه" وحشةٌ في الموت ولا في قبورهم ولا في النّشور. وكأنّي أنظر إليهم عند الصّيحة ينفضون رؤوسهم من التّراب، يقولون: {الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ}
قال ابن عبّاسٍ، وغيره: غفر لهم الكثير من السّيّئات، وشكر لهم اليسير من الحسنات). [تفسير ابن كثير: 6/ 551-552]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله}: يقولون: الّذي أعطانا هذه المنزلة، وهذا المقام من فضله ومنّه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك. كما ثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لن يدخل أحدًا منكم عمله الجنّة". قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: "ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني اللّه برحمةٍ منه وفضلٍ".
{لا يمسّنا فيها نصبٌ ولا يمسّنا فيها لغوبٌ} أي: لا يمسّنا فيها عناءٌ ولا إعياءٌ.
والنصب واللّغوب: كلٌّ منهما يستعمل في التّعب، وكأنّ المراد ينفي هذا وهذا عنهم أنّهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم، واللّه أعلم. فمن ذلك أنّهم كانوا يدئبون أنفسهم في العبادة في الدّنيا، فسقط عنهم التّكليف بدخولها، وصاروا في راحةٍ دائمةٍ مستمرّةٍ، قال اللّه تعالى: {كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيّام الخالية} [الحاقّة: 24] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 552]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة