العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 30 إلى 34]

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم} [النور: 30] يعني: يغضّوا أبصارهم عن جميع المعاصي.
من هاهنا صلةٌ.
وهو تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: يغضّوا أبصارهم عمّا لا يحلّ لهم من النّظر.
- حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن يونس بن عبيدٍ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جريرٍ البجليّ، عن أبيه قال: سألت رسول اللّه عليه السّلام عن النّظر فجأةً فقال: «اصرف بصرك».
[تفسير القرآن العظيم: 1/439]
- الرّبيع بن صبيحٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه: «ابن آدم، لك أوّل نظرةٍ فما بال الثّانية» ؟
قوله: {ويحفظوا فروجهم} [النور: 30] سعيدٌ عن قتادة قال: عن ما لا يحلّ لهم.
وهذه في الأحرار والمملوكين.
{ذلك أزكى لهم إنّ اللّه خبيرٌ بما يصنعون} [النور: 30] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
(وقوله جل وعز: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}

قال قتادة أي عما لا يحل لهم من ههنا لبيان الجنس
قال جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك فأمره صلى الله عليه وسلم يصرف بصره لأنه إذا لم يصرف بصره كان تاركا ما أمره الله جل وعز به وكان ناظرا نظرة ثانية اختيارا كما قال أبو سلمة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة). [معاني القرآن: 4/521-520]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ} [النور: 31] يعني يغضضن أبصارهنّ.
من هاهنا صلةٌ في تفسير السّدّيّ.
سعيدٌ عن قتادة قال: عمّا لا يحلّ لهم من النّظر.
{ويحفظن فروجهنّ} [النور: 31] ممّا لا يحلّ لهنّ وهذه في الحرّة والأمة.
قوله: {ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها} [النور: 31] هذه في الحرائر.
- وحدّثني شريكٌ وسفيان ويونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: {إلا ما ظهر منها} [النور: 31] قال: الثّياب.
وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن مثل ذلك.
- المعلّى بن هلالٍ، عن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: {ما ظهر منها} [النور: 31] قال: الكحل والخاتم.
الحسن بن دينارٍ عن قتادة مثل ذلك.
وقال السّدّيّ: {إلا ما ظهر منها} [النور: 31] يعني: إلا ما بدا في الوجه والكفّين.
- قال: وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن أمّ شبيبٍ، عن عائشة أنّها سئلت عن الزّينة الظّاهرة فقالت: القلب والفتخة.
قال حمّادٌ: يعني الخاتم.
وقالت بثوبها على ثوبها فشدّته.
[تفسير القرآن العظيم: 1/440]
قال يحيى: هذه الآية في الحرائر.
وأمّا الإماء
- فحدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ عمر بن الخطّاب رأى أمةً عليها قناعٌ فضربها بالدّرّة في حديث سعيدٍ.
وقال عثمان: فتناولها بالدّرّة وقال: اكشفي رأسك.
وقال سعيدٌ: ولا تشبّهي بالحرائر.
- قال: وحدّثني حمّادٌ ونصر بن طريفٍ، عن ثمامة بن أنس بن مالكٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: كنّ جواري عمر يخدمننا كاشفات الرّءوس، تضطرب ثديّهنّ باديةً خدامهنّ.
قوله: {وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ} [النور: 31] تسدل الخمار على جيبها وهو نحرها.
{ولا يبدين زينتهنّ} [النور: 31] وهذه الزّينة الباطنة.
{إلا لبعولتهنّ} [النور: 31] يعني أزواجهنّ.
{أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ أو نسائهنّ} [النور: 31] المسلمات يرين منها ما يرى ذو المحرم، ولا ترى ذلك منها اليهوديّة، ولا النّصرانيّة، ولا المجوسيّة.
قال: {أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال} [النور: 31] فهذه ثلاث حرمٍ بعضها أعظم من بعضٍ منهنّ الزّوج الّذي يحلّ له كلّ شيءٍ منها فهذه حرمةٌ ليست لغيره.
ومنهنّ الأب، والابن، والأخ، والعمّ، والخال، وابن الأخ، وابن الأخت.
والرّضاع في هذا بمنزلة النّسب فلا يحلّ لها ولا في تفسير الحسن أن ينظر إلى الشّعر والصّدر والسّاق وأشباه ذلك.
نا الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: لا تضع المرأة خمارها عند أبيها ولا ابنها ولا أختها ولا أخيها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/441]
وقال ابن عبّاسٍ: ينظرون إلى موضع القرطين والقلادة والسّوارين والخلخالين.
قال يحيى: وهذه الزّينة الباطنة.
- حدّثني ابن لهيعة، عن بكير بن الأشجّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لا ينبغي أن يبدو من المرأة لذوي المحرم إلا السّوار والخاتم والقرط.
قال: وحدّثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ أنّه كان يقول: القصّة والقرطان، والقلادة، من الزّينة.
نا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم قال: {ولا يبدين زينتهنّ إلا لبعولتهنّ أو آبائهنّ} [النور: 31] أو أبنائهنّ والأخ وابن الأخ وابن الأخت والعمّ والخال.
قال: ما فوق الذّراع.
وحرمةٌ أخرى الثّالثة فيهم أبو الزّوج وابن الزّوج والتّابع الّذي قال اللّه: {غير أولي الإربة من الرّجال} [النور: 31] غير أولي الحاجة إلى النّساء.
وهم قومٌ كانوا بالمدينة فقراء طبعوا على غير شهوة النّساء.
نا عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: {غير أولي الإربة} [النور: 31] الّذين لا يهمّهم إلا بطونهم.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: ولا يخافون على النّساء.
نا سعيدٌ عن قتادة قال: هو الرّجل الأحمق الّذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرّجل.
نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: هو الكبير الّذي لا يطيق النّساء.
[تفسير القرآن العظيم: 1/442]
وقال الحسن: يتبع الرّجل منهم الرّجل يخدمه بطعام بطنه.
ومملوك المرأة لا بأس أن تقوم بين يدي هؤلاء في درعٍ ضيّقٍ، وخمارٍ ضيّقٍ بغير جلبابٍ.
- وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن سعيد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرّحمن أنّ عمر بن الخطّاب قال: لا تخلو المرأة مع الرّجل إلا أن يكون محرمًا وإن قيل: حمؤها، إنّما حمؤها الموت.
قال: وحدّثني أبو بكر بن عيّاشٍ، عن المغيرة، عن الشّعبيّ قال: لا تضع المرأة خمارها عند مملوكها فإن فجأها فلا شيء.
وبعضهم يقول: {أو ما ملكت أيمانهنّ} [النور: 31] الإماء وليس العبيد.
- قال ابن لهيعة، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه قال: لا تضع المرأة خمارها عند عبد سيّدها.
قوله: {أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء} [النور: 31] نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: الغلام الّذي لم يبلغ الحلم.
سعيدٌ عن قتادة قال: الّذي لم يبلغ الحلم ولا النّكاح.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: لم يدروا ما هنّ لصغرٍ قبل الحلم.
قال: وأمّا أبو زوجها، وابن زوجها، والتّابع غير أولي الإربة،
[تفسير القرآن العظيم: 1/443]
ومملوكها فإنّهم لا ينظرون إلى ما ينظر إليه الابن، والأب، والأخ، وابن الأخ، وابن الأخت، والعمّ، والخال، ومن كان له رضاعٌ، لأنّ المرأة قد كانت تحلّ لابن زوجها قبل نكاح الأب إيّاها، وقد كانت تحلّ لأبي زوجها قبل أن تحلّ للتّابع.
فليس هؤلاء مثل هؤلاء في الحرمة، فلا يجوز لهم أن ينظروا إلى الزّينة الباطنة ولكن ينظرون إليها وعليها درعٌ وخمارٌ لأنّها قد كانت تحلّ لهم في حالٍ.
وكذلك مملوك المرأة، لأنّه إذا أعتق حلّت له.
فهؤلاء مثل الأجنبيّين في الدّخول عليها.
كما قال عمر بن الخطّاب: لا تسافر المرأة مع حموها.
قال يحيى: ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرمٍ لم تكن تحلّ له قبل ذلك ولا تحلّ له أبدًا، وأمّا من كانت تحلّ له ثمّ صارت لا تحلّ له بعد فلا تسافر معه.
قوله: {ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ} [النور: 31] نا سعيد عن قتادة قال: كانت المرأة تضرب برجليها إذا مرّت بالمجلس لتسمع قعقعة الخلخالين.
وبعضهم يقول: تضرب إحدى رجليها بالأخرى حتّى يسمع صوت الخلخالين فنهين عن ذلك.
قوله: {وتوبوا إلى اللّه جميعًا أيّها المؤمنون} [النور: 31] من ذنوبكم.
{لعلّكم تفلحون} [النور: 31] لكي تفلحوا فتدخلوا الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/444]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولا يبدين زينتهنّ...}

الزينة: الوشاح والدّملّج {إلاّ ما ظهر منها} مثل الكحل والخاتم والخضاب {وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ} يقول لتخمّر نحرها وصدرها بخمار. وذلك أن نساء الجاهلية كنّ يسدلن خمرهن من ورائهن فينكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار.ثم قال مكرّراً {ولا يبدين زينتهنّ} يعني الوشاح والدّملوج لغة {إلاّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ} من النسب إلى قوله: {أو ما ملكت أيمانهنّ}.
وقوله: {أو نسائهنّ} يقول: نساء أهل دينهنّ. يقول: لا بأس أن تنظر المسلمة إلى جسد المسلمة. ولا تنظر إليها يهوديةّ ولا نصرانيّة.
ورخّص أن يرى ذلك من لم يكن له في النساء أرب، مثل الشيخ الكبير والصبيّ الصغير الذي لم يدرك، والعنيّن. وذلك قوله: {أو التّابعين غير أولي الإربة}: التبّاع والأجراء
(... يقال إرب وأرب).
وقوله: {لم يظهروا على عورات النّساء} لم يبلغوا أن يطيقوا النساء. وهو كما تقول: ظهرت على القرآن أي أخذته وأطقته. وكما تقول للرجل: صارع فلان فلاناً وظهر عليه أي أطاقه وغلبه.
وقوله: {ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ} يقول: لا تضربنّ رجلها بالأخرى فيسمع صوت الخلخال. فذلك قوله: {ليعلم ما يخفين}
وفي قراءة عبد الله (ليعلم ما سرّ من زينتهن).
وأمّا قوله: {غير أولي الإربة} فإنه يخفض لأنه نعت للتابعين، وليسوا بموقّتين فلذلك صلحت (غير) نعتاً لهم وإن كانوا معرفةً. والنصب جائز قد قرأ به عاصم وغير عاصم.
ومثله {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} والنصب فيهما جميعاً على القطع لأن (غير) نكرة. وإن شئت جعلته على الاستثناء فتوضع (إلا) في موضع (غير) فيصلح. والوجه الأول أجود). [معاني القرآن: 2/250-249]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو آباء بعولتهنّ} جمع بعلٍ وهو أزواجهن " أو إخوانهن " أي إخواتهن). [مجاز القرآن: 2/65]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غير أولي الإربة} مجازه مجاز الإربة الذين لهم في النساء إربة وحاجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أملكهم لإربة أي لشهوته وحاجته إلى النساء). [مجاز القرآن: 2/65]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقل لّلمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ أو نسائهنّ أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ وتوبوا إلى اللّه جميعاً أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون}
وقال: {أو الطّفل الّذين لم يظهروا} جعل {الطفل} جماعة كما قال: {ويولّون الدّبر} ). [معاني القرآن: 3/14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({إخوانهن}: اخوتهن.
{غير أولي الإربة}: الإربة: الحاجة والمعنى الذي ليس له في النكاح حاجة (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أملكهم لإربه) من ذلك. وقال بعضهم هو المعتوه). [غريب القرآن وتفسيره: 271-270]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا يبدين زينتهنّ} يقال: الدّملج والوشاحان، ونحو ذلك.
{إلّا ما ظهر منها} يقال: الكف والخاتم. ويقال: الكحل والخاتم.
{أو إخوانهنّ} يعني الإخوة.
{أو نسائهنّ} يعني المسلمات. ولا ينبغي للمسلمة أن تنجرد بين يدي كافرة.
{أو التّابعين غير أولي الإربة} يريد الأتباع الذين ليست هم إربة في النساء، أي حاجة، مثل الخصي والخنثى والشيخ الهرم.
{أو الطّفل} يريد الأطفال. يدلك على ذلك قوله: {الّذين لم يظهروا على عورات النّساء} أي لم يعرفوها ولم يفهموها.
{ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ} أي لا يضربن بإحدى الرّجلين على الأخرى، ليصيب الخلخال الخلخال، فيعلم أن عليها خلخالين). [تفسير غريب القرآن: 304-303]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلّا ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلّا لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ أو نسائهنّ أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ وتوبوا إلى اللّه جميعا أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون}
{ولا يبدين زينتهنّ إلّا ما ظهر منها} أي: لا يبدين زينتهنّ الباطنة، نحو المخنقة والخلخال والدّملج والسّوار.
والتي تظهر هي الثياب والوجه.
وقوله تعالى: (ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ) كانت المرأة ربما اجتازت وفي رجلها الخلخال، وربما كان فيها الخلاخل فإذا ضربت برجلها علم أنها ذات خلخال وزينة، وهذا يحرك من الشهوة فنهي عنه، كما أمرن ألا يبدين، لأن استماع صوته بمنزلة إبدائه). [معاني القرآن: 4/40-39]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}
روى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال القرط والدملج والسوار
ثم قال جل وعز: {إلا ما ظهر منها}
في هذا اختلاف
روى أبو الأحوص عن عبد الله قال الثياب وهذا مبدأ أبي عبيد
وروى نافع عن ابن عمر قال الوجه والكفان
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الوجه والكف
وبعضهم يقول عن ابن عباس الكحل والخضاب وكذلك قال مجاهد وعطاء
ومعنى الكحل والخضاب ومعنى الوجه والكف سواء
وروت أم شبيب عن عائشة قالت القلب والفتخة والفتخة الخاتم وجمعها فتخ وفتخات
قال أبو جعفر وهذا قريب من قول ابن عمر وابن عباس وهو أشبه بمعنى الآية من الثيباب لأنه من جنس الزينة الأولى
وأكثر الفقهاء عليه، ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تستر في الصلاة كل موضع منها يراه المرء وأنه لا يظهر منها إلا وجهها وكفاها والقلب السوار قال ذلك يحيى بن سليمان الجعفي
وقوله جل وعز: {أو نسائهن} يعني النساء المسلمات
ولا يجوز أن يبدين ذلك للمشركات لقوله سبحانه: {أو نسائهن}
ثم قال جل وعز: {أو ما ملكت أيمانهن}
فيه أقوال :
الأول أن لهن أن يبدين ذلك لعبيدهن وأن يروا شعورهن
وهذا القول معروف من قول عائشة وأم سلمة جعلتا العبد بمنزلة المحرم في هذا لأنه لا يحل أن يتزوج بسيدته ما دام مملوكا لها كما لا يحل ذلك لذوي المحارم ويقوي هذا قوله سبحانه: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم}
والقول الثاني أنه ليس لعبيدهن أن يروا منهن إلا ما يرى الأجنبي
كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال ولا ينظر عبدها إلى شعرها ولا نحرها وأما الخلخال فلا ينظر إليه إلا الزوج
وهو مذهب عبد الله بن مسعود ومجاهد وعطاء والشعبي
وروى أبو مالك عن ابن عباس خلاف هذا قال ينظر العبد إلى شعر مولاته ويكون التقدير على القول الثاني {أو ما ملكت أيمانهن} غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة ثم حذف كما قال الشاعر:

نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راض والرأي مختلف
على أن يزيد بن القعقاع وعاصما قرءا غير أولي الإربة بنصب غير فعلى هذا يجوز أن يكون الاستثناء منهما جميعا
والقول الثالث أن يكون أو ما ملكت أيمانهن للإماء خاصة قال ذلك سعيد بن المسيب وقيل الصغار خاصة
قال أبو جعفر هذا بعيد في اللغة لأن ما عامة
وقوله جل وعز: {أو التابعين غير أولي الإربة}
قال عطاء هو الذي يتبعك وهمه بطنه
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو المغفل وقيل الطفل
وقال الشعبي هو الذي لا أرب له في النساء
وقال عكرمة هو العنين
وهذه الأقوال متقاربة وهو الذي لا حاجة له في النساء نحو الشيخ الهرم والخنثى والمعتوه والطفل والعنين
والإربة والأرب الحاجة ومنه حديث وأيكم أملك لأربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رواه لإربه فقد أخطأ لأنه يقال قطعته إربا إربا أي عضوا عضوا
وقوله جل وعز: {أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء}
الطفل ههنا بمعنى الأطفال يدل على هذا قوله:{الذين لم يظهروا على عورات النساء}أي لم يطيقوا ذلك كما تقول ظهر فلان على فلان أي غلبه وقوى عليه). [معاني القرآن: 4/526-521]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}
قال أبو الجوزاء كن يضربن بأرجلهن لتبدو خلاخيلهن
وقال أبو مالك كن يجعلن في أرجلهن خرزا ويحركنها حتى يسمع الصوت
قال غيره فنهين عن ذلك لأنه يحرك من الشهوة). [معاني القرآن: 4/527]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (غير أولي الإربة) أي: غير
أولى الحاجة من شهوة الجماع. المشكاة: الكوة في الحائط غير نافذة منه، فهو أجمع للضوء). [ياقوتة الصراط: 377]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلَّا مَا ظَهَرَ}: قيل الكف والخاتم وقيل الكحل والخاتم.
{أو نِسَائِهِنَّ}: قيل: المسلمات لا الكافرات، وقيل: هو عام في كل النساء.
{غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ}: يعني الشيخ الهرم، والخصي، والخنثى، ونحوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 168]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِخْوَانهِـنَّ}: إخوتهـن.
{الاِرْبَـةِ}: الحاجـة). [العمدة في غريب القرآن: 219]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32] يعني: كلّ امرأةٍ ليس لها زوجٌ.
قال الحسن: هذه فريضةٌ.
قال: ونا عثمان، عن محمّد بن المنكدر، عن سليمان بن يسارٍ أنّ قومًا
[تفسير القرآن العظيم: 1/444]
نزلوا منزلا ثمّ ارتحلوا، وبغت امرأةٌ منهم فرفعت إلى عمر بن الخطّاب فجلدها عمر الحدّ وقال: استوصوا بها خيرًا وزوّجوها فإنّها من الأيامى.
- وحدّثني الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينهى عن التّبتّل نهيًا شديدًا ويقول: «تزوّجوا الولود الودود فإنّي مكاثرٌ بكم البشر يوم القيامة».
- وحدّثني خالدٌ، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من تزوّج فقد استكمل نصف الدّين، فليتّق اللّه في النّصف الباقي».
قوله: {والصّالحين من عبادكم} [النور: 32] أي: وأنكحوا الصّالحين من عبادكم، يعني المملوكين المسلمين.
{وإمائكم} [النور: 32] أي: وأنكحوا الصّالحين من إمائكم المسلمات.
وهذه رخصةٌ.
وليس على الرّجل بواجبٍ أن يزوّج أمته وعبده.
قوله: {إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله} [النور: 32] حدّثنا عبد العزيز بن أبي الرّوّاد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " اطلبوا الغنى في هذه الآية: {إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله} [النور: 32] ".
- حدّثنا سعيدٌ عن قتادة أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول: ما رأيت مثل رجلٍ لم يلتمس الغنى في الباءة واللّه يقول: {إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله} [النور: 32].
[تفسير القرآن العظيم: 1/445]
قال: {واللّه واسعٌ عليمٌ} [النور: 32] واسعٌ لخلقه عليمٌ بهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/446]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم...}

يعني الحرائر. والأيامى القرابات؛ نحو البنت والأخت وأشباههما. ثم قال {والصّالحين من عبادكم وإمائكم} يقول: من عبيدكم وإمائكم ولو كانت (وإماءكم) تردّه على الصّالحين لجاز.
وقوله: {إن يكونوا فقراء} للأحرار خاصة من الرجال والنساء). [معاني القرآن: 2/251]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" الأيامي " من الرجال والنساء الذين لا أزواج لهم ولهن، ويقال: رجل أيم وامرأة أيمة وأيم أيضاً، قال الشاعر:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيّمي=وإن كنت أفتى منكم أتأيّم).
[مجاز القرآن: 2/65]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله واللّه واسعٌ عليمٌ}
وقال: {من عبادكم} يريد "من عبيدكم" كما تقول: "هم عباد الله" و"عبيد الله"). [معاني القرآن: 3/14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الأيامى}: من النساء والرجال الذين لا أزواج لهم. واحدهم أيم). [غريب القرآن وتفسيره: 271]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأنكحوا الأيامى منكم} والأيامي من الرجال والنساء: هم الذين لا أزواج لهم. يقال: رجل أيّم، وامرأة أيّم، ورجل أرمل، وامرأة أرملة، ورجل بكر، وامرأة بكر: إذا لم يتزوجا. ورجل ثيب، وامرأة ثيب: إذا كانا قد تزوّجا.
{والصّالحين من عبادكم} أي من عبيدكم. يقال: عبد وعباد وعبيد. كما يقال: كلب وكلاب وكليب). [تفسير غريب القرآن: 304]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله واللّه واسع عليم}
قرئت من عبيدكم، وكلاهما جائز، وهذا لازم في الأيامى، والمعنى وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن أردن تحصّنا). [معاني القرآن: 4/40]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم}
قال الضحاك هن اللواتي لا أزواج لهن يقال رجل أيم وامرأة أيم وقد آمت تئيم
وقرأ الحسن والصالحين من عبيدكم يقال عبد وعباد وعبيد
وقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}
وكذا قوله: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} أي بالنكاح لأنه لم يجعل كل زوج مقصورا على زوج أبدا
والفقر الحاجة إلى الشيء المذكور بعقبه ومثله إنما الصدقات للفقراء أي للفقراء إلى الصدقات وقد يكون الرجل فقيرا إلى الشيء وليس بمسكين). [معاني القرآن: 4/528-527]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَيَامـى}: من الرجال والنساء). [العمدة في غريب القرآن: 219]

تفسير قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحًا حتّى يغنيهم اللّه من فضله} [النور: 33] حتّى يجدوا ما يتزوّجون.
قوله: {والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: 33] وليست بفريضةٍ إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه.
وقوله: {إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: 33] قال السّدّيّ: مالا.
نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن قال: إن علمتم عندهم مالا.
وقال قتادة: إن علمتم منهم صدقًا ووفاءً وأمانةً.
نا المعلّى، عن الأشعث، عن محمّد بن سيرين قال: إذا صلّوا وأقاموا الصّلاة.
قال يحيى: كان سفيان يكره أن يكاتب المملوك وليس له حيلةٌ، يكون عيالا على النّاس.
قال يحيى: نكره أن نكاتبه وليست له حرفةٌ ولا عملٌ إلا على مسألة النّاس.
فإن كانت له حرفةٌ أو عملٌ ثمّ تصدّق عليه من الفريضة أو التّطوّع فلا بأس على سيّده في ذلك.
فإن عجز فلم يؤدّ المكاتبة على نجومها كما اشترط سيّده فهو رقيقٌ إلا إن شاء سيّده أن يؤخّره.
فإن رجع مملوكًا وقد تصدّق عليه جعل سيّده ما أخذ منه من الصّدقة في المكاتبين.
وإذا كاتبه وعنده مالٌ لم يعلم به سيّده ثمّ أدّى مكاتبته فذلك المال للسّيّد.
وكلّ مالٍ أصابه في كتابته فهو له إذا أدّى كتابته وولاؤه لسيّده الّذي كاتبه.
وإن كانت مملوكته فولدت في مكاتبتها فأولادها بمنزلتها، إذا أدّت خرجوا أحرارًا معها، وإن عجزت فرجعت مملوكةً رجعوا مملوكين معها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/446]
- حدّثنا سعيدٌ وحمّادٌ عن قتادة أنّ ابن عمر وجابر بن عبد اللّه قالا: لمواليه شروطهم، فإن عجز ردّ في الرّقّ.
به يأخذ يحيى.
- وحدّثني بحر بن كنيزٍ، عن الزّهريّ قال: قضى عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وزيد بن ثابتٍ وعائشة وابن عمر وعمر بن عبد العزيز أنّه عبدٌ قنٌّ ما بقي عليه درهمٌ حياته وموته.
قال: ولو ترك مالا فهو عبدٌ أبدًا حتّى يؤدّى، لو لم يبق عليه إلا درهمٌ واحدٌ حتّى يوفّيه.
- وحدّثنا سعيدٌ، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم أنّ ابن مسعودٍ قال: إذا أدّى الثّلث أوقف رقبته فهو غريمٌ.
قال يحيى: يعني بالوقوف الثّمن.
وحدّثنا المسعوديّ، عن الحكم بن عتيبة قال: المكاتب تجرى فيه العتاقة في أوّل نجمٍ يؤدّى.
- وحدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن خلاسٍ أنّ عليًّا قال: إذا عجز استسعى سنتين فإن أدّى وإلا ردّ في الرّقّ.
لا يأخذ به يحيى.
- قال: وحدّثني عبد اللّه بن عمر العمريّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّ مكاتبًا له جاءه فقال: إنّي قد عجزت.
فقال له ابن عمر: لا تفعل فإنّي رادّك في الرّقّ.
فقال: إنّي قد عجزت.
فردّه في الرّقّ ثمّ أعتقه بعد ذلك.
قوله: {وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم} [النور: 33] سعيدٌ عن قتادة قال: أمروا أن يدع طائفةً من مكاتبيه أو يساغ له.
قال يحيى: وبلغني أنّ عليًّا قال: يدع له الرّبع.
- قال: وحدّثنا المبارك بن فضالة، عن عبيد اللّه بن عمر، عن فضالة أبي المبارك، عن أبيه قال: سألت عمر بن الخطّاب المكاتبة على أربعين ومائة وقيّةٍ، ففعل ولم يستزدني.
ثمّ أرسل إلى حفصة فقال: إنّي كاتبت غلامي، وإنّه ليس عندي اليوم شيءٌ، فابعثي لي بمائتي درهمٍ حتّى يأتيني شيءٌ، أو قال: يخرج عطائي.
فبعثت إليه بمائتي درهمٍ، فأخذها في يده ثمّ تلا هذه الآية: {والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم} [النور: 33] ثمّ قال: هاك
[تفسير القرآن العظيم: 1/447]
بارك اللّه لك.
فدفعها إليّ من قبل أن أؤدّي شيئًا.
فبارك اللّه لي حتّى أدّيت مكاتبتي، وعتقت، وفعلت.
قوله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} [النور: 33] يعني الزّنا.
{إن أردن تحصّنًا} [النور: 33] سعيدٌ عن قتادة قال: عفّةً وإسلامًا.
{لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا} [النور: 33] سعيدٌ عن قتادة قال: كان الرّجل يكره مملوكته على البغاء فيكثر ولدها.
قال يحيى: بلغني عن الزّهريّ قال: نزلت في أمةٍ لعبد اللّه بن أبيّ ابن سلولٍ كان يكرهها على رجلٍ من قريشٍ رجاء أن تلد منه، فيفدي ولده، فذلك العرض الّذي كان ابن أبيٍّ يبتغي.
قوله: {ومن يكرههنّ فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ غفورٌ رحيمٌ} [النور: 33] سعيدٌ عن قتادة قال: فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ لهنّ غفورٌ رحيمٌ وليست لهم.
وكذلك هي في حرف ابن مسعودٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/448]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والّذين يبتغون الكتاب...}

يعني المكاتبة. و(الذين) في موضع رفع كما قال {والّلذان يأتيانها منكم فآذوهما} والنصب جائز. وقوله: {إن علمتم فيهم خيراً} يقول إذا رجوتم عندهم وفاء وتأدية للمكاتبة {وآتوهم مّن مّال اللّه الّذي آتاكم} حثّ الناس على إعطاء المكاتبين. ... حدثنا حبّان عن الكلبي عن أبي صالح عن عليّ بن أبي طالب قال: يعطيه ثلث مكاتبته. يعني المولى يهب له ثلث مكاتبته.
وقوله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} البغاء: الزنى. كان أهل الجاهلية يكرهون الإماء ويلتمسون منهنّ الغلّة فيفجرن، فنهى أهل الإسلام عن ذلك {ومن يكرههنّ فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ} لهنّ {غفورٌ رّحيمٌ} ). [معاني القرآن: 2/251]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):({ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}مجازها إمائكم والفتى في موضعها العبد أيضاً والبغاء مصدر: البغي وهو الزناء).[مجاز القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فتياتكم}: إمائكم والفتى العبد.
{والبغاء}: الزنا). [غريب القرآن وتفسيره: 271]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والّذين يبتغون الكتاب} أي يريدون المكاتبة من العبيد والإماء، على أنفسهم.
{فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} عفافا وأمانة {وآتوهم من مال اللّه} أي أعطوهم، أوضعوا عنهم شيئا مما يلزمهم.
{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} أي لا تكرهوا الإماء على الزنا.
{لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا} أي لتأخذوا من أجورهم على ذلك.
{ومن يكرههنّ فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ غفورٌ رحيمٌ} يقال: للإماء). [تفسير غريب القرآن: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وعلى لفظ الأمر وهو إباحة:
كقوله: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً}، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}). [تأويل مشكل القرآن: 280]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحا حتّى يغنيهم اللّه من فضله والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا ومن يكرههنّ فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ غفور رحيم}
ومعنى {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا} أي: لا تكرهوهن على البغاء ألبتّة، وليس المعنى: لا تكرهوهن إن أردن تحصنا. وإن لم يردن فليس لنا أن نكرههنّ.
وقوله: {إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله} فحث اللّه - عزّ وجلّ - على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر.
ويروى عن عمر رحمه اللّه أنه قال: عجت لامرئ كيف لا يرغب في الباءة واللّه يقول {إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله}.
وقوله: {والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا}.
معنى {إن علمتم فيهم خيرا} قيل إن علمتم أداء ما يفارق عليه، أي علمتم أنهم يكتبون ما يؤدّونه.
ومعنى المكاتبة أن يكاتب الرجل عبده أو أمته
على أن يفارقه، أنه إذا أدّى إليه كذا وكذا من المال في كذا وكذا من النجوم فالعبد حر إذا أدّى جميع ما عليه، وولاؤه لمولاه الذي كاتبه، لأن مولاه جاد عليه بالكسب الذي هو في الأصل لمولاه.
وقوله: (وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم) هذا - عند أكثر الفقهاء - على الندب، للمولى أن يعطيه شيئا مما يفارقه عليه، أو من ماله ما يستعين به على قضاء نجومه، وله ألّا يفعل، وكذلك له أن يكاتبه إذا طلب المكاتبة وله ألّا يكاتبه.
ومخرج هذا الأمر مخرج الإباحة، كما قال: {وإذا حللتم فاصطادوا} لأنه حرّم عليهم الصيد ما داموا حرما.
وكذلك قوله: {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه} هذا بعد أن حظر عليهم البيع في وقت النداء إلى الصلاة، فهذا أباحه
فيه لأن العبد المملوك لا مال له، ولا يقدر على شيء، فأباح اللّه لهم أن يقدروه.
ويروى عن عمر أنه كاتب عبدا له يكنى أبا أميّة، وهو أول عبد كوتب في الإسلام، فأتاه بأول نجم فدفعه إليه عمر، وقال له: استعن به على مكاتبتك، فقال: لو أخرته إلى آخر نجم، فقال أخاف ألّا أدرك ذلك.
وقوله: {أو نسائهنّ ..} وذلك أنه لا يحل أن ترى المشركات ما يحل أن تراه المؤمنات من المؤمنات، يعنى بنسائهن نساء المؤمنات، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
وقوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة).
" غير " صفة للتابعين دليل على قوله: {أو ما ملكت أيمانهنّ}، معناه أيضا غير أولي الإربة من الرجال.
والمعنى لا يبدين زينتهن لمماليكهنّ ولا لتباعهنّ إلا أن يكونوا غير أولي إربة. والإربة الحاجة، ومعناه ههنا غير ذوي الحاجات
إلى النساء فأمّا خفض " غير " فصفة للتابعين، وإن كانت " غير " توصف بها النكرة، فإنّ التابعين ههنا ليس بمقصود إلى قوم بأعيانهم، إنما معناه لكل تابع غير أولي إربة.
ويجوز " غير " بنصب " غير " على ضربين:
أحدهما الاستثناء، المعنى لا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا أولي الإربة فلا يبدين زينتهن لهم، ويجوز أن يكون منصوبا على الحال، فيكون المعنى، والتابعين لا مريدين النساء أي في هذه الحال.
وقوله عزّ وجلّ: {أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء}.
ويقرأ " عورات " - بالفتح الواو - لأن فعلة يجمع على فعلات – بفتح العين - نحو قولك جفنة وجفنات، وصحفة وصحفات، فإذا كان نحو قولك لوزة وجوزة وعورة،
فالأكثر أن تسكن، وكذلك قوله بيضات، لثقل الحركة مع الواو والياء، ومن العرب من يلزم الأصل والقياس في هذا فيقول جوازات وبيضات.
وعلى هذا قرئ عورات. ومعنى لم يظهروا على عورات النساء، لم يبلغوا أن يطيقوا النساء، كما تقول: قد ظهر فلان على فلان إذا قوي عليه.
ويجوز أن يكون {لم يظهروا على عورات النساء}لم يدروا ما قباحة عورات النساء من غيرها). [معاني القرآن: 4/42-40]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا}
قيل هذا على الحض والندب لا على الحتم والوجوب ولولا الإذن لما علمنا أن ذلك يجوز وكتاب ومكاتبة بمعنى واحد كما يقال قتال ومقاتلة
ثم قال جل وعز: {إن علمتم فيهم خيرا}
قال أبو جعفر في هذا اختلاف
قال الحسن أي دينا وأمانة
وقال إبراهيم النخعي أي صدقا ووفاء
وقال عبيدة إن أقاموا الصلاة
وقال سعيد بن جبير إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير
قال أبو جعفر وأجمعها قول سعيد بن جبير لأنه إذا أراد بذلك الخير استعمل الوفاء كما يستعمل أهل الدين، والوفاء والصدق والأمانة ومن يقيم الصلاة ويرى لها حقا
وفي الآية قول آخر
قال مجاهد وعطاء الخير ههنا المال وهذا بعيد جدا لأنه كان يجب على هذا أن يقول إن علمتم لهم خيرا
وأيضا فإن العبد مال لمولاه فكيف يقال إن علمتم لهم مالا
وقال أشهب سئل مالك عن قوله جل وعز: {إن علمتم فيهم خيرا} فقال إنه ليقال الخير القوة والأداء
قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي قوة على الاحتراف والاكتساب ووفاء بما أوجب نفسه وصدق لهجة فأما المال وإن كان من الخير فليس هو في العبد وإنما يكون عنده أو له).
[معاني القرآن: 4/530-528]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}
قال أبو جعفر في هذا ثلاثة أقوال:
أحدهما أن يكون على الحض والندب
كما روى ابن بريدة عن أبيه قال حثهم على هذا
ويروى هذا عن عمر وعثمان والزبير وعن إبراهيم النخعي ويكون المعنى وأعطوهم ما يستعينون به على قضاء الكتابة بدفع إليهم أو بإسقاط عنهم
والقول الثاني أن يسقط المكاتب عن مكاتبه شيئا محدودا
روي عن علي بن أبي طلب قال الربع وكذا قال مجاهد
وعن ابن مسعود قال الثلث
والقول الثالث قال سعيد بن جبير قال يضع عنه شيئا من كتابته ولم يحدوه
قال أبو جعفر قيل أولاها القول الأول لجلالة من قال به وأيضا فإن قوله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} معطوف على قوله: {فكاتبوهم} فيجب في العربية أن يكون مثله على الحض والندب وأيضا فإن قول علي عليه السلام الربع وقول عبد الله الثلث لا يوجب أن يكون ذلك حتما واجبا ويحتمل أن يكون على الندب
وقوله جل وعز: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}
قال مجاهد نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول أمر أمته أن تزني فجاءته ببرد فأمرها أن تعود إلى الزنى فأبت فأنزل الله عز وجل: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}
وروى أبو سفيان عن جابر وعكرمة عن ابن عباس قال نزلت في عبد الله بن أبي أكره أمته على الزنى فأنزل الله جل وعز: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}
ويسأل عن قوله جل وعز: {إن أردن تحصنا}
فالجواب أن المعنى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء البتة
وقوله جل وعز: {إن أردن تحصنا} متعلق بقوله سبحانه: {وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا}
ومعنى قوله: {لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} لتبتغوا أجورهن مما يكسبن
وقوله تعالى: {ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}
قال مجاهد فإن الله للمكرهات من بعد إكراههن غفور رحيم). [معاني القرآن: 4/534-530]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}: ذلك للإماء المكرهات على الزنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 168]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَتَيَاتكم}: الإِمَـاء.
{البَغَـاءِ}: الزنـا). [العمدة في غريب القرآن: 219]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد أنزلنا إليكم آياتٍ مبيّناتٍ} [النور: 34] الحلال، والحرام، والأمر، والنّهي والإحكام.
{ومثلا من الّذين خلوا من قبلكم} [النور: 34] أخبار الأمم السّالفة.
وقال السّدّيّ: سنن العذاب في الأمم الخالية.
قال: {وموعظةً للمتّقين} [النور: 34] قال قتادة: وهو القرآن.
- وحدّثني النّضر بن معبدٍ، عن أبي قلابة، عن أبي الدّرداء قال: نزل القرآن على ستّ آياتٍ: آيةٌ مبشّرةٌ، وآيةٌ منذرةٌ، وآية فريضةٍ، وآية قصصٍ وإخبارٍ، وآيةٌ تأمرك، وآيةٌ تنهاك). [تفسير القرآن العظيم: 1/448]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولقد أنزلنا إليكم آياتٍ مّبيّناتٍ...}

قرأ يحيى بن وثّاب (مبيّناتٍ) بالكسر. والناس بعد {مبيّناتٍ} بفتح الياء، هذه والتي في سورة النساء الصغرى. فمن قال {مبيّنات} جعل الفعل واقعاً عليهنّ، وقد بيّنهن الله وأوضحهنّ {ومبيّنات}: هاديات واضحات). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبيّنات ومثلا من الّذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتّقين}
يقرأ بالفتح والكسر - فمن قرأ مبيّناب بالفتح فالمعنى أنه ليس فيها لبس، ومن قرأ بالكسر فالمعنى أنها تبيّن لكم الحلال من الحرام). [معاني القرآن: 4/43]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات}
قال قتادة يعني القرآن فيه بيان الحلال من الحرام
ويقرأ مبينات بكسر الياء أي بينات هاديات). [معاني القرآن: 4/534]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 35 إلى 45]

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}


تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {اللّه نور السّموات والأرض} [النور: 35] يعني هدى السّموات والأرض.
{مثل نوره} [النور: 35] يعني مثل هداه.
وهو تفسير السّدّيّ.
{كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ} [النور: 35] قال قتادة: منيرٌ ضخمٌ.
{يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ يكاد زيتها يضيء ولو لم
[تفسير القرآن العظيم: 1/448]
تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 35] أمّا قوله: {مثل نوره} [النور: 35]
- حدّثني أشعث، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: {اللّه نور السّموات والأرض مثل نوره} [النور: 35] لا مثل لنور اللّه، مثل نور المؤمن كمشكاةٍ.
قال يحيى: يقول مثل نوره الّذي أعطى المؤمن في قلبه كمشكاةٍ.
- قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عمر قال: المشكاة: الكوّة في البيت الّتي ليست بنافذةٍ.
وهي بلسان الحبشة.
وهي مثل صدر المؤمن.
- أشعث، عن عاصمٍ الجحدريّ، عن سليمان بن قتّة، عن ابن عبّاسٍ قال: المشكاة الرّزونة في البيت.
قال يحيى: وهي بالفارسيّة.
قال: {فيها مصباحٌ} [النور: 35] وهو النّور الّذي في قلب المؤمن.
قال: {المصباح في زجاجةٍ} [النور: 35] صافيةٍ.
والزّجاجة القنديل.
وهو مثل قلب المؤمن.
قلبٌ صافٍ.
{الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ} [النور: 35] قال قتادة: منيرٌ ضخمٌ.
{يوقد} [النور: 35] من قرأها بالياء يعني المصباح، ومن قرأها بالتّاء: توقد يعني الزّجاجة بما فيها.
فكذلك قلب المؤمن يتوقّد نورًا.
{من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ} [النور: 35] وهي مثل المؤمن.
{لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} [النور: 35] قال بعضهم: لا شرقيّةٌ تصيبها الشّمس إذا أشرقت ولا تصيبها إذا غربت، ولا غربيّةٌ تصيبها الشّمس إذا غربت ولا تصيبها إذا أشرقت ليس يغلب عليها الشّرق دون الغرب، ولا الغرب دون الشّرق، ولكن يصيبها الشّرق والغرب.
وقال قتادة: لا يفيء عليها ظلٌّ شرقيٌّ ولا غربيٌّ.
كنّا نحدّث أنّها ضاحيةٌ للشّمس.
وهي أصفى الزّيت، وأعذبه، وأطيبه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/449]
وقال بعضهم: لا تصيبها في شرقٍ ولا في غربٍ.
هي في سفح جبلٍ، وهي شديدة الخضرة، وهي مثل المؤمن.
لا شرقيّةٌ، لا نصرانيّةٌ تصلّي إلى الشّرق، ولا غربيّةٌ، ولا يهوديّةٌ تصلّي إلى المغرب، إلى بيت المقدس.
الموضع الّذي نزل فيه القرآن غربيّه بيت المقدس.
{يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ} [النور: 35] يكاد زيت الزّجاجة يضيء ولو لم تمسسه نارٌ وهو مثل قلب المؤمن يكاد أن يعرف الحقّ من قبل أن يبيّن له فيما يذهب إليه قلبه من موافقة الحقّ فيما أمر به وفيما يذهب إليه من كراهية ما نهي عنه.
وهو مثلٌ لقوله: {ولو لم تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ} [النور: 35] قال مجاهدٌ: نور النّار على الزّيت في المصباح، فكذلك قلب المؤمن، إذا تبيّن له صار نورًا على نورٍ كما صار المصباح حين جعلت فيه النّار نورًا على نورٍ.
فكذلك قلب المؤمن نورًا على نورٍ، نور الزّجاجة، ونور الزّيت، ونور المصباح.
{يهدي اللّه لنوره} [النور: 35] قال السّدّيّ: يعني لدينه.
وقال في قوله: {نورٌ على نورٍ} [النور: 35] يعني: نبيًّا من نسل نبيٍّ.
قال: {من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 35] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/450]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كمشكاةٍ...}

المشكاة الكوّة التي ليست بنافذة، وهذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن والإيمان فيه. وقوله: {الزّجاجة} اجتمع القراء على ضمّ الزجاجة. وقد يقال زجاجة وزجاجة.
وقوله: {كوكبٌ درّيٌّ} يخفض أوله ويهمز، ... حدثني بذلك المفضّل الضبيّ قال قرأها عاصم كذلك {درّيء} بالكسر. وقال أبو بكر بن عيّاش: قرأها عاصم {درّيء} بضم الدال والهمز. وذكر عن الأعمش أنه قرأ {درّيء} و{درّي} بهمزٍوغير همز رويا عنه جميعاً ولا تعرف جهة ضمّ أوله وهمزه لا يكون في الكلام فعيل إلاّ عجمياً. فالقراءة إذا ضممت أوّله بترك الهمز. وإذا همزته كسرت أوّله. وهو من قولك: درأ الكوكب إذا انحط كأنه رجم به الشيطان فدمغه.
ويقال في التفسير: إنه واحد من الخمسة: المشتري وزحل عطارد والزهرة والمريّخ. والعرب قد تسمّى الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها الداراريّ بغير همز.
ومن العرب من يقول: كوكب درّي فينسبه إلى الدّرّ فيكسر أوّله ولا يهمز؛ كما قالوا: سخري وسخري، ولجّيّ ولجّيّ.
وقوله: {توقد من شجرةٍ} (تذهب إلى الزجاجة. إذا قال (توقد) . ومن قال (يوقد) ذهب إلى المصباح ويقرأ (توقّد) مرفوعة مشدّدة. ويقرأ (توقّد) بالنصب والتشديد.
من قال (توقّد) ذهب إلى الزجاجة. ومن قال (توقّد) نصبا ذهب إلى المصباح) وكلّ صواب.
وقوله: {شجرةٍ مّباركةٍ زيتونةٍ لاّ شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} وهي شجرة الزيت تنبت على تلعة من الأرض، فلا يسترها عن الشمس شيء. وهو أجود لزيتها فيما ذكر.
والشرقيّة: التي تأخذها الشمس إذا شرقت، ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا.
والغربية التي تصيبها الشمس بالعشيّ ولا تصيبها بالغداة، فلذلك قال لا شرقيّة وحدها ولا غربيّةٍ وحدها ولكنها شرقية غربية.
وهو كما تقول في الكلام: فلان لا مسافر ولا مقيم إذا كان يسافر ويقيم، معناه؛ أنه ليس بمنفرد بإقامة ولا بسفر.
وقوله: {ولو لم تمسسه نارٌ} انقطع الكلام ها هنا ثم استأنف فقال {نّورٌ على نورٍ} ولو كان: نوراً على نورٍ كان صواباً تخرجه من الأسماء المضمرة من الزجاجة والمصباح).
[معاني القرآن: 2/253-252]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثل نوره كمشكاةٍ} وهي الكوة في الحائط التي ليست بنافذة، ثم رجع إلى المشكاة فقال: {كأنّها كوكبٌ درّيٌ} بغير همز أي مضيءٌ ويراد كالدر إذا ضممت أوله، فإن كسرت جعلته فعيلا من درأت وهو من النجوم الدراريء اللاتي يدرأن). [مجاز القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةّ ولا غربيّةٍ} مجازه لا بشرقية تضحى للشمس ولا تصيب ظلاً ولا بغربية في الظل ولا يصيبها الشرق ولكنها شرقية وغربية يصيبها الشرق والغرب وهو خير الشجر والنبات). [مجاز القرآن: 2/66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ يوقد من شجرةٍ مّباركةٍ زيتونةٍ لاّ شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ نّورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
وقال: {كمشكاةٍ} أي: كمثل مشكاةٍ.
وقال: {كوكبٌ درّيٌّ} إذا جعله من "الدرّ" و{درّيء} من "درأ" همزها وجعلها "فعّيل" وذلك من تلالئه. وقال بعضهم{درّيٌ} مثل (فعّيل).
وأمّا {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} فالمصباح في المعنى أن مثل ما أنار من الحق في بيانه كمثل المشكاة. ليس لله مثل تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 3/15-14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {المشكاة}: الكوة في الحائط ليست بنافذة.
{كوكب دريء}: من كسر الدال فهو من قولهم درأ من مطلعه أي طلع. ومن ضم الدال ولم يهمز أراد به مضيء كالدر.
{لا شرقية ولا غربية}: يقول: لا شرقية: لا تضحى للشرق، ولا غربية لا تضحى للغرب، ولكنها شرقية غربية يصيبها الشرق والغرب أي الشمس والظل.
يقولون: لا خير في شجرة في مقناه. لا يصيبها شمس ولا خير فيها مضحاة ((وهي التي تبرز للشمس ولا يصيبها الظل)).
المقناة ما كان في أسفل الجبل مما لا تصيبه الشمس والمضحاة ما كان أعلى الجبل مما تصيبه الشمس). [غريب القرآن وتفسيره: 273-371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اللّه نور السّماوات والأرض، مثل نوره} في قلب المؤمن.
{كمشكاةٍ} وهي: الكوّة غير النافذة. {فيها مصباحٌ} أي سراج {كوكبٌ درّيٌّ}: مضيء، منسوب إلى الدّر.
ومن قرأ: دري: بالهمز وكسر الدال، فإنه من الكواكب الدّراري وهن: اللائي يدرأن عليك، أي يطلعن. وتقديره: فعّيل، من «درأت» أي دفعت.
{لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} أي ليست في مشرقة أبدا، فلا يصيبها ظلّ.
ولا في مقنأة أبدا، فلا تصيبها الشمس. ولكنها قد جمعت الأمرين فهي شرقية غريبة: تصيبها الشمس في وقت وتصيبها الظل في وقت الظلّ في وقت.
{تتقلّب فيه القلوب والأبصار} أي تتقلب عمّا كانت عليه في الدنيا: من الشك والكفر، وتتفتّح فيه الأبصار من الأغطية). [تفسير غريب القرآن: 305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قول الله عز وجل:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
هذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن، وما أودعه بالإيمان والقرآن من نوره فيه. فبدأ فقال:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي بنوره يهتدي من في السموات والأرض.
ثم قال: {مَثَلُ نُورِهِ}، يعني في قلب المؤمن. كذلك قال المفسّرون. وكان أبيّ يقرأ: الله نور السموات والأرض مثل نور المؤمن، روى ذلك عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرّازي،
عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية.
كمشكاةٍ، وهي: الكوّة غير النافذة.
فيها مصباحٌ، أي سراج المصباح في قنديل، القنديل كأنه من شدة بياضه وتلألئه، كوكب درّي، يتوقّد ذلك المصباح بزيت من شجرة لا شرقيّةٍ، أي لا بارزة للشمس كلّ النهار ولا غربيّةٍ لا مستترة في الظلّ كلّ النهار. ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس في بعض النهار، والظلّ في بعض النهار. وإذا كان كذلك فهو أنضر لها، وأجود لحملها، وأكثر لنزلها، وأصفى لدهنها.
{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ} يسرج به من شدة صفائه. وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، يعني نور المصباح على نور الزّجاجة والدّهن، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}
ثم قال: هذا المصباح في بيوتٍ، يعني المساجد. وذكر أهلها فقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، يريد أن القلوب يوم القيامة تعرف أمره يقينا فتتقلّب عما كانت عليه من الشك والكفر، وأن الأبصار يومئذ ترى ما كانت مغطّاة عنه فتتقلّب عمّا كانت عليه. ونحوه قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.
ثم ضرب مثلا للكافرين، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً}، أي كالسراب يحسبه العطشان من البعد ماء يرويه {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}.
كذلك الكافر يحسب ما قدّم من عمله نافعه، حتى إذا جاءه، أي مات، لم يجد عمله شيئا، لأنّ الله، عزّ وجلّ، قد أبطله بالكفر ومحقه، ووجد الله عنده، أي عند عمله فوفّاه حسابه.
ثم ضرب مثلا آخر، فقال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}، يريد: أنه في حيرة من كفره كهذه الظلمات.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} في قلبه، {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 329-327]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم عزّ وجلّ أنه قد بيّن جميع أمر السماء، وأمر الأرض بيانا نيّرا لا غاية بعد نوره فقال:
(اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزّجاجة كأنّها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيء عليم}
{اللّه نور السّماوات والأرض} أي مدبّر أمرهما بحكمة بالغة وحجة نيّرة.
ثم مثل مثل نوره ذلك في القلوب بأبين النور الذي لم يدرك بالأبصار فقال:
{مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}.
فنوره يجوز أن يكون ما ذكرنا من تدبيره، وجائز أن يكون كتابه الذي بيّن به فقال: {قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين} وجائز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النور الذي قال مثل نوره، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المرشد والمبيّن والناقل عن الله ما هو نيّر، بيّن.
وقال: (كمشكاة)، وهي الكوّة، وقيل إنها بلغة الحبش، والمشكاة من كلام العرب، ومثلها - وإن كانت لغير الكوّة - الشكوة وهي معروفة، وهي الدقيق الصغير أو ما يعمل مثله.
{فيها مصباح المصباح في زجاجة}.
والمصباح السراج.
وقال: {المصباح في زجاجة}- لأن النور في الزّجاج.
وضوء النار أبين منه في كل شيء، وضوؤه يزيد في الزّجاج.
ثم وصف الزجاجة فقال:
{كأنّها كوكب درّيّ}.
و (درّيّ)، منسوب إلى أنه كالدّر، في صفائه وحسنه، وقرئت درّيّ ودرّيّ - بالكسر والفتح - وقد رويت بالهمز.
والنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه، لأنه ليس في كلام العرب شيء على فعّيل، ولكن الكسر جيّد بالهمز - يكون على وزن فعّيل، ويكون من النجوم الدّراري التي تدر.
أي ينحط ويسير متدافعا، ويجوز أن يكون درّيّ بغير همز مخففا من هذا.
قال أبو إسحاق: ولا يجوز أن يضم الدال ويهمز، لأنه ليس في الكلام
فعّيل، ومثال " درّيّ " فعليّ منسوب إلى الدّرّ، ومن كسر الدال قال درّيّ - فكان له، أن يهمز ولا يهمز، فمن همز أخذه من درأ يدرأ الكوكب إذا تدافع منقضّا، فتضاعف ضوءه، يقال: تدارأ الرجلان إذا تدافعا، ويكون وزنه على فعّيل.
ومن كسرها فإنما أصله الهمز فخفف، وبقيت كسرة الدال على أصلها.
ووزنه أيضا فعّيل كما كان وهو مهموز.
وقوله: {يوقد من شجرة مباركة} ويقرأ (توقد) بالتاء، فمن قرأ بالياء عنى به المصباح، وهو مذكر.
ومن قرأ بالتاء عنى به الزجاجة.
ويجوز " في زجاحة " بفتح الزاي وفيها وجهان آخران قرئ بهما - توقّد - بفتح الدال وضمها وتشديد القاف فيهما جميعا.
فمن قرأ توقّد، فالمعنى تتوقد الزجاجة، ومن قرأ توقّد فتحه لأنه فعل ماض.
ويكون المعنى: المصباح في زجاجة توقّد المصباح.
وقوله: {من شجرة مباركة زيتونة} وليس شيء في الشجر يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمّان
قال الشاعر:

بورك الميت الغريب كما=بورك نظم الرمان والزيتون

قوله عزّ وجلّ: {لا شرقيّة ولا غربيّة}.
أكثر التفسير أنها ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها فقط أو عند الغروب، أي ليس يسترها في وقت من النهار شيء، أي فهي شرقية غربيّة، أي تصيبها الشمس بالغداة، والعشى، فهو أنضر لها وأجود لزيتها وزيتونها.
وقال الحسن: إن تأويل قوله: {لا شرقيّة ولا غربيّة} أنها ليست من شجر الدّنيا أي هي من شجر الجنّة). [معاني القرآن: 4/43-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الله نور السموات والأرض}
هو تمثيل أي بنوره يهتدي أهل السموات والأرض
والتقدير الله ذو نور السموات والأرض
والهدي يمثل بالنور ثم قال جل وعز: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}
روى علي بن طلحة عن ابن عباس {الله نور السموات والأرض} قال: هادي أهل أهل السموات والأرض، كما هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه نار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء، كذا قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى ونورا على نور
كما قال إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله قبل أن تجيئه المعرفة حين رأى الكوكب هذا ربي من غير أن يخبره أحد أن له ربا فلما أخبره الله جل وعز أنه ربه ازداد هدى على هداه
قال ابن عباس هذا للمؤمن
وقال سعيد بن جبير أي مثل نور المؤمن
وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ مثل نور المؤمن
وقال زيد بن أسلم مثل نوره يعني القرآن
قال أبو جعفر ويجوز أن يكون المعنى مثل نوره للمؤمن ويكون معنى قول ابن عباس للمؤمن
ويجوز أن يكون معناه مثل نور المؤمن كمشكاة
قال ابن عباس وابن عمر المشكاة هي الكوة
وروى أبي بن كعب في قوله تعالى: {لا شرقية ولا غربية} أي تصيبها الشمس وقت الشروق فهي شرقية غربية
وقال عكرمة لا تخلو من الشمس وقت الشروق والغروب وذلك أصفى لدهنها
ثم قال تعالى: {يكاد زيتها يضيء} أي لصفائه ولو لم تمسسه نار تم الكلام). [معاني القرآن: 4/537-534]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {نور على نور}
قال الضحاك أي الإيمان والعمل
وقال غيره نور السراج على نور الزيت والقنديل
وقال أبي بن كعب مثله كمثل شجرة التفت بها الشجر لا تصيبها الشمس عل حال فهي خضراء ناعمة فكذا المؤمن نور على نور كلامه نور وعلمه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة
وقال السدي نور النار ونور الزيت لا يغير واحدا تغير صاحبه وكذا نور القرآن ونور الإيمان). [معاني القرآن: 4/537]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لا شرقية ولا غربية} قال الإمامان جميعا: معناه: لا شرقية كلها، ولا غربية كلها، هي شرقية وغربية، وهو أحسن ما يكون من الشجر تطلع عليها الشمس، وتغرب عليها الشمس). [ياقوتة الصراط: 378]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مثل نوره كمِشْكَاةٍ}: وهو الكوة غير النافذة.
{دُرِّيٌّ}: منسوب إلى الدر. في قراءة من قرأ ولم يهمز. ومن كسر وهمز نسبه إلى الدراري من الكواكب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169-168]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المِشْكَـاةُ}: الكوة التي لا منفذ لها.
{دُرِّيٌّ}: كلون البدر
{لَّا شَرْقِيَّةٍ}: هي شرقية
{وَلَا غَرْبِيَّةٍ}: وغربية). [العمدة في غريب القرآن: 220-219]

تفسير قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} [النور: 36] ابن مجاهدٍ عن أبيه قال: أن تبنى.
{ويذكر فيها اسمه} [النور: 36] سعيدٌ عن قتادة قال: هي المساجد.
- مندلٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من بنى مسجدًا ولو مثل مفحص قطاةٍ بني له بيتٌ في الجنّة».
- ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزّبير، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه:
[تفسير القرآن العظيم: 1/450]
«من بنى مسجدًا من ماله بنى اللّه له بيتًا في الجنّة».
سعيدٌ عن قتادة أنّ كعبًا قال: إنّ في التّوراة مكتوبًا: إنّ بيوتي في الأرض المساجد فمن توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ زارني في بيتي أكرمته، وحقٌّ على المزور كرامة الزّائر.
قوله: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال} [النور: 36] الغدوّ صلاة الصّبح، والآصال العشيّ، الظّهر والعصر.
وقد ذكر في غير هذه الآية المغرب والعشاء وجميع الصّلوات الخمس في غير آيةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/451]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال...}

قرأ الناس بكسر الباء. وقرأ عاصم (يسبّح) بفتح الباء. فمن قال {يسبّح} رفع الرجال بنيّة فعل مجدّد. كأنه قال يسبّح له رجال لا تلهيهم تجارة. ومن قال {يسبّح} بالكسر جعله فعلاً للرجال ولم يضمر سواه.
وأمّا وقوله: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} فإن دخول (في) لذكر المصباح الذي وصفه فقال: كمثل مصباح في مسجد. ولو جعلت (في)
لقوله: {يسبّح} كان جائزاً، كأنه: قال في بيوت أذن الله أن ترفع يسبح له فيها رجال.
وأمّا قوله: {أذن اللّه أن ترفع} أي تبنى). [معاني القرآن: 2/254-253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال}
جاء في التفسير أن تبنى، وقال الحسن: تأويل " أن ترفع " أن تعظّم.
و " في " من صلة قوله (كمشكاة).
المعنى كمشكاة في بيوت، أي في مساجد.
وقال الحسن يعنى به بيت المقدس.
ويجوز أن تكون " في " متصلة بـ (يسبّح)
ويكون فيها تكريرا على التوكيد، فيكون المعنى يسبح للّه رجال في بيوت أذن اللّه لأن ترفع.
وتقرأ (يسبّح) له فيها، فيكون رفع رجال ههنا على تفسير ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى على أنه لما قال: (يسبّح له فيها) كأنّه قيل: من يسبّح الله فقيل يسبّح رجال كما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة=ومختبط مما تطيح الطّوائح
(والآصال): واحدها أصل، وهي العشايا). [معاني القرآن: 4/46-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}
والمعنى كمشكاة في بيوت
وقيل المعنى المصباح في بيوت
وقيل المعنى يسبح له رجال في بيوت
قال الحسن في بيوت أي مساجد أذن الله أن ترفع أي تعظم وتصان
وقال عكرمة هي البيوت كلها
وقال مجاهد أن ترفع أي تبنى). [معاني القرآن: 4/538]

تفسير قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ} [النور: 37] التّجارة، الجالب، والبيع الّذي يبيع على يديه.
قال: {عن ذكر اللّه} [النور: 37] قال السّدّيّ: يعني عن الصّلوات الخمس.
قال: {وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة} [النور: 37] كانوا إذا سمعوا المؤذّن تركوا بيعهم وقاموا إلى الصّلاة.
وذكر اللّه في هذا الموضع الأذان والصّلاة، والصّلوات الخمس.
وإيتاء الزّكاة، الزّكاة المفروضة.
عاصم بن حكيمٍ، عن مسلمٍ أبي عبد اللّه، عن إبراهيم قال: قومٌ لا تلهيهم التّجارة عن وقت الصّلاة، وهم هؤلاء الّذين سمّى اللّه.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صفوان بن سليمٍ أنّ رسول اللّه رأى امرأةً في المسجد فقال: «يا أيّها النّاس كفّوا عليكم نساءكم فإنّما عذّبت بنو إسرائيل حين أرسلوا نساءهم إلى المساجد والأسواق».
- حمّاد بن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي عمرٍو الشّيبانيّ، عن ابن مسعودٍ قال: ما صلّت امرأةٌ في مكانٍ خيرٌ من قعر بيتها، إلا أن يكون المسجد الحرام ومسجد النّبيّ، إلا أن تخرج في منقليها.
قال حمّادٌ: المنقلان: الخفّان.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن أسيد بن سليمان السّاعديّ، عن سعيد بن المنذر، عن أمّ حميدٍ السّاعديّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «صلاة المرأة في بيتها
[تفسير القرآن العظيم: 1/451]
أفضل من صلاتها في حجرتها، وحجرتها خيرٌ لها من دارها، ودارها خيرٌ لها من مسجد عشيرتها، ومسجد عشيرتها خيرٌ لها من مسجدي».
همّامٌ عن قتادة أنّ كعبًا قال: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها وصلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في حجرتها.
ثمّ يتبعه قتادة: وما ستر امرأةٍ فهو خيرٌ لها.
قال يحيى: وهذا الحرف يقرأ على وجهين: {يسبّح له فيها} [النور: 36] في المسجد {رجالٌ} [النور: 37]، قال: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال {36} رجالٌ} [النور: 36-37] والحرف الآخر {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال} [النور: 36] ثمّ قال: {رجالٌ} [النور: 37] فهم الّذين يسبّحون له فيها بالغدوّ والآصال.
قوله: {يخافون يومًا تتقلّب فيه القلوب والأبصار} [النور: 37] قلوب الكفّار وأبصارهم.
وتقلّب القلوب أنّ القلوب انتزعت من أماكنها، فغصّت به الحناجر، فلا هي ترجع إلى أماكنها ولا هي تخرج وهو قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} [غافر: 18] وأمّا تقلّب الأبصار، فالزّرق بعد الكحل، والعمى بعد البصر). [تفسير القرآن العظيم: 1/452]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لاّ تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ...}

فالتجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل على يديه كذا جاء في التفسير.
وقوله: {تتقلّب فيه القلوب والأبصار} يقول: من كان في دنياه شاكاً أبصر ذلك في أمر آخرتته، ومن كان يشكّ ازداد قلبه بصرا؛ لأنه لم يره في دنياه: فذلك تقلّبها.
وأمّا قوله: {وإقام الصّلاة...}
فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت: أفعلت كقيلك: أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله: إقامةً وإجارةً وإجابةً لا يسقط منه الهاء. وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين، كان ينبغي أن يقال: أقمته إقواماً وإجوابا فلمّا سكّنت الواو وبعدها ألف الإفعال فسكّنتا سقطت الأولى منهما. فجعلوا فيها الهاء كأنها تكثير للحرف. ومثله ممّا أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم: وعدته عدة ووجدت في المال جدةٍ، وزنة ودية وما أشبه ذلك، لما أسقطت الواو من أوّله كثّر من آخره بالهاء.
وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله: {وإقام الصّلاة} لإضافتهم إيّاه، وقالوا: الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد. فلذلك أسقطوها في الإضافة.
وقال الشاعر:
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا=وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
يريد عدة الأمر فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها). [معاني القرآن: 2/254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار}
ومعنى: {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة}.
أي لا يشغلهم أمر عن ذلك.
ويروى أن ابن مسعود رأى قوما من أهل السوق، وقد نودي بالصّلاة فتركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصّلاة، فقال: هؤلاء من الذين قال اللّه - عز وجل - فيهم، {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه}.
وقوله: (وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة)
الكلام أقمت الصلاة إقامة، وأصلها أقمت إقواما، ولكن قلبت الواو أيضا فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء السّاكنين، فبقي أقمت الصلاة إقامة وأدخلت الهاء عوضا من المحذوف، وقامت الإضافة ههنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة.
وهذا إجماع من النحويين.
وقوله: {يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار}.
ويجوز تقلّب فيه القلوب والأبصار، في غير القرآن، ولا يجوز في القران " تقلّب، لأن القراءة سنة لا تخالف وإن جاز في العربية ذلك.
ومعنى تتقلب أي ترجف وتجف من الجزع والخوف، ومعناه أن من كان قلبه موقنا بالبعث والقيامة ازداد بصيرة، ورأى ما يحبّه مما وعد به، ومن كان قلبه على غير ذلك رأى ما يوقن معه بأمر القيامة والبعث، فعلم ذلك بقلبه وشاهده ببصره، فذلك تقلب القلوب والأبصار). [معاني القرآن: 4/47-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}
قال عطاء أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن حضور الصلاة في جماعة
وقال سالم جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال فيهم نزلت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة).
[معاني القرآن: 4/539-538]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}
أي تعرف القلوب الأمر عيانا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر ويزداد المؤمنون يقينا ويكشف عن الأبصار غطاؤها فتنظر ومثله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). [معاني القرآن: 4/540-539]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار}: أي تتقلب عما كانت عليه في الدنيا من الكفر، وتنكشف الأغطية عن الأبصار).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا} [النور: 38] ثواب ما عملوا، الجنّة.
{ويزيدهم من فضله} [النور: 38] فأهل الجنّة أبدًا في مزيدٍ.
حمّادٌ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن مطرّف بن عبد اللّه، عن كعبٍ قال: وجدت في التّوراة: إنّ بيوتي في الأرض المساجد فمن توضّأ في بيته ثمّ زارني في بيتي أكرمته وحقٌّ على المزور أن يكرم الزّائر، ووجدت في القرآن: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال {36} رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون
يومًا تتقلّب فيه القلوب والأبصار {37}
[تفسير القرآن العظيم: 1/452]
ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله واللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ {38}} [النور: 36-38] قوله: {بغير حسابٍ} [النور: 38] بغير أن يحاسب نفسه، أي: لا ينقص ما عند اللّه كما ينقص ما في أيدي النّاس.
وقال السّدّيّ: {بغير حسابٍ} [النور: 38] يقول: ليس فيه تباعةٌ فيما يرزق.
ويقول: أنا الملك أعطي من شئت بغير حسابٍ أخافه من أحدٍ، ليس فوقي ملكٌ يحاسبني.
وبعضهم يقول: لا أحدٌ يحاسبهم بما أعطاهم اللّه كقوله: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} [فصلت: 8] غير محسوبٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/453]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ} [النور: 39] قال مجاهدٌ: وهو القاع القرقرة.
وقال قتادة: بقيعةٍ من الأرض.
{يحسبه الظّمآن} [النور: 39] العطشان.
{ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا} [النور: 39] كقوله: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ لا يقدرون ممّا كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضّلال البعيد} [إبراهيم: 18] والعطشان مثل الكافر، والسّراب مثل عمله، يحسب أنّه يغني عنه شيئًا حتّى يأتيه الموت، فإذا جاءه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئًا إلا كما ينفع السّراب العطشان.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا مثل عمل الكافر، يرى أنّ له خيرًا وأنّه قادمٌ على خيرٍ حتّى إذا كان يوم القيامة لم يجد خيرًا قدمه.
قوله: {ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه} [النور: 39] ثواب عمله.
{واللّه سريع الحساب} [النور: 39] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/453]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ...}

القيعة جماع القاع واحدها قاع؛ كما قولوا: جارٌ وجيرة. والقاع من الأرض: المنبسط الذي لا نبت فيه، وفيه يكون السّراب. والسّراب ما لصق بالأرض، والآل الذي يكون ضحى كالماء بين السّماء والأرض.
وقوله: {حتّى إذا جاءه} يعني السّراب {لم يجده شيئاً} وهو مثل للكافر كان يحسب أنه على شيء فلمّا قدم على ربّه لم يجد له عملاً، بمنزلة السراب {ووجد اللّه} عند عمله
يقول: قدم على الله فوفّاه حسابه). [معاني القرآن: 2/254]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كسرابٍ بقيعة} السراب يكون نصف النهار وإذا اشتد الحر والآل يكون أول النهار يرفع كل شخص.
والقيعة والقاع واحد). [مجاز القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({كسراب بقيعة}: السراب الذي يرتفع إذا حميت الشمس {والقيعة} والقاع واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 273]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (السراب): ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار. و«الآل»: ما رأيته في أول النهار وآخره، الذي يرفع كل شيء.
{بقيعةٍ} والقيعة: القاع. قال ذلك أبو عبيدة.
وأهل النظر من أصحاب اللغة يذكرون: أن «القيعة» جمع «القاع»، قالوا: والقاع واحد مذكر، وثلاثة: أقواع، والكثيرة منها: قيعان وقيعة). [تفسير غريب القرآن: 305]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والّذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب}
والقيعة جمع قاع، مثل جار وجيرة، والقيعة والقاع ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري.
وذلك هو السّراب، والآل مثل السراب إلا أنه يرتفع وقت الضحى كالماء بين السماء والأرض.
{يحسبه الظّمآن ماء} يجوز يحسبه ويحسبه، ويجوز الظّمآن والظّمان، على تخفيف الهمزة.
وهو الشديد العطش يقال ظمئ الرجل يظمأ ظمأ فهو ظمآن، مثل عطش يعطش عطشا فهو عطشان.
وقوله: {حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا}.
أي حتى إذا جاء إلى السراب وإلى موضعه رأى أرضا لا ماء فيها.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الكافر يظن عمله قد نفعه عند اللّه، ظنه كظنّ الذي يظن أن السراب ماء، وأن عمله قد حبط وذهب.
وضرب الله هذا المثل للكافر فقال: إن أعمال الكفار كهذا السراب). [معاني القرآن: 4/47]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم مثل جل وعز عمل الكافر بعد المؤمن فقال {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة}
قال الفراء قيعة جمع قاع كما يقال جيرة وجار
وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد
والقاع والقيعة عند أهل اللغة ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبت). [معاني القرآن: 4/540]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يحسبه الظمآن ماء}
أي العطشان والسراب ما ارتفع نصف النهار فإذا رؤي من بعد ظن أنه ماء). [معاني القرآن: 4/541]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {حتى إذا جاءه لم يجده شيئا}
أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب لم يجده شيئا مما قدره ووجد أرضا لا ماء فيها
وفي الكلام حذف فكذلك مثل الكافر يتوهم أن عمله ينفعه حتى إذا جاءه أي مات لم يجد عمله شيئا لأن الله جل وعز قد محقه وأبطله بكفره ووجد الله عنده أي عند عمله فوفاه حسابه أي جزاءه، فمثل جل وعز عمل الكافر بما يوجد، ثم مثله بما يرى فقال:
قال جل وعز: {أو كظلمات في بحر لجي} ). [معاني القرآن: 4/541]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والقيعة}: جمع القاع في الكثير، ومثله قيعان. وأقواع جمع قاع في القليل. والقاع: وجه الأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَرَابٍ}: الذي تراه في وسط النهار عند شدة الحر كأنه ماء
{بقيعة}: يعني القاع وهو المكان الذي يعلوه الماء). [العمدة في غريب القرآن: 220]


تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أو كظلماتٍ} [النور: 40] هذا مثل قلب الكافر.
{في بحرٍ لجّيٍّ} [النور: 40]
[تفسير القرآن العظيم: 1/453]
قال قتادة: أي عميقٌ قعيرٌ.
أي غمرٌ.
{يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ} [النور: 40] ثمّ وصف ذلك الموج فقال: {من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ} [النور: 40] ظلمة البحر، وظلمة الموج وظلمة السّحاب، وظلمة اللّيل.
وقال السّدّيّ: يعني به الكافر يقول: قلبه مظلمٌ، في صدرٍ مظلمٍ، في جسدٍ مظلمٍ.
قلبه بالشّرك، وصدره بالكفر، وجسده بالشّكّ، وهو النّفاق.
قال: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} [النور: 40] من شدّة الظّلمة.
{ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نورٍ} [النور: 40] يعني الكافر.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا مثل عمل الكافر، في ضلالاتٍ متكسّعٌ فيها). [تفسير القرآن العظيم: 1/454]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {أو كظلماتٍ...}

والظلمات مثل لقب الكافر، أي أنه لا يعقل ولا يبصر، فوصف قلبه بالظلمات. ثم قال: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} فقال بعض المفسّرين: لا يراها، وهو المعنى؛ لأن أقل من الظلمات التي وصفها الله لا يرى فيها الناظر كفّه. وقال بعضهم إنما هو مثل ضربه الله فهو يراها ولكنه لا يرها إلاّ بطيئا؛ كما تقول: ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت. وهو وجه العربية. ومن العرب من يدخل كاد ويكاد في اليقين فيجعلها بمنزلة الظن إذا دخل، فيما هو يقين؛ كقوله: {وظنّوا مالهم من محيصٍ} في كثيرٍ من الكلام). [معاني القرآن: 2/255]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لجّيّءٍ} مضاف إلى اللجة وهي معظم البحر). [مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم يكد يراها} لباب كاد مواضعٌ: موضع للمقاربة، وموضع للتقديم والتأخير، وموضع لا يدنو لذلك وهو لم يدن لأن يراها ولم يرها فخرج مخرج لم يرها ولم يكد وقال في موضع المقاربة: ما كدت أعرف إلا بعد إنكار، وقال في الدنو: كاد العروس أن يكون أميراً، وكاد النعام يطير). [مجاز القرآن: 2/67]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {اللجي}: من اللجة وهو المعظم من البحر.
{لم يكد يراها}: قالوا لم يطمع وقالوا المعنى لم يرها ويكاد صلة في الكلام). [غريب القرآن وتفسيره: 273]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}،
يريد: أنه في حيرة من كفره كهذه الظلمات.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} في قلبه، {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 329] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو كظلمات في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور}
لأنه عزّ وجل وصف نوره الذي هو للمؤمنين، وأعلم أن قلوب المؤمنين وأعمالهم بمنزلة النور الّذي وصفه، وأنهم يجدونه عند اللّه يجازيهم عليه بالجنة، وأن أعمال الكافرين وإن مثلت بما يوجد فمثله كمثل السراب، وإن مثلت بما يرى فهي كهذه الظلمات التي وصف في قوله: (أو كظلمات في بحر لجّيّ) الآية.
وقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها}
معناه لم يرها ولم يكد، وقال بعضهم يراها من بعد أن كان لا يراها من شدة الظلمة، والقول الأول أشبه بهذا المعنى، لأن في دون هذه الظّلمات لا يرى الكف.
وقوله: {ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور} أي: من لم يهده اللّه إلى الإسلام لم يهتد). [معاني القرآن: 4/48-47]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قال جل وعز: {أو كظلمات في بحر لجي}
وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر
قال أبي بن كعب الكافر كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومصيره إلى ظلمة). [معاني القرآن: 4/542]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إذا أخرج يده لم يكد يراها}
قال أبو عبيدة أي لم يرها ولم يكد يراها
أي لا يراها إلا على بعد
قال أبو جعفر وأصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها وإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة). [معاني القرآن: 4/542]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (اللُّجِّيٍّ): من اللجة). [العمدة في غريب القرآن: 220]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّموات والأرض والطّير صافّاتٍ} [النور: 41] قال قتادة: صافّاتٌ بأجنحتها.
{كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41] تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41] الصّلاة للإنسان يعني المؤمن، {وتسبيحه} [النور: 41] التّسبيح لما سوى ذلك من خلقه.
{واللّه عليمٌ بما يفعلون} [النور: 41] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/454]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والطّير صافّاتٍ كلٌّ قد علم صلاته...}

وتسبيحه ترفع كلاًّ بما عاد إليه من ذكره وهي الهاء في (صلاته وتسبيحه) وإن شئت جعلت العلم لكل، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحها. وإن شئت: تسبيح الله وصلاته التي نصلّيها له وتسبيحها، وفي القول الأوّل: كلّ قد علم الله صلاته وتسبيحه، ولو أتت كلاًّ قد علم بالنصب على قولك: علم الله صلاة كلٍّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل على راجع ذكرهم، أنشدني بعض العرب:
كلاً قرعنا في الحروب صفاته=ففررتم وأطلتم الخذلانا

ولا يجوز أن تقول: زيداً ضربته. وإنما جاز في كلّ لأنها لا تأتي إلاّ وقبلها كلام، كأنها متّصلةٌ به؛ كما تقول: مررت بالقوم كلّهم ورأيت القوم كلاّ يقول ذلك، فلمّا كانت نعتاً مستقصىً به كانت مسبوقةً بأسمائها وليس ذلك لزيدٍ ولا لعبد الله ونحوهما؛ لأنها أسماء مبتدآتٌ.
وقد قال بعض النحويين: زيداً ضربته، فنصبه بالفعل كما تنصبه إذا كان قبله كلامٌ. ولا يجوز ذلك إلا أن تنوي التكرير، كأنه نوى أن يوقع ب: يقع الضرب على زيد قبل: أن يقع على الهاء، فلمّا تأخّر الفعل أدخل الهاء على التكرير، ومثله مّما يوضحه.
قولك: بزيدٍ مررت به. ويدخل على من قال زيدا ضربته على كلمة أن يقول: زيداً مررت به وليس ذلك بشيء لأنه ليس قبله شيء يكون طرفاً للفعل). [معاني القرآن: 2/256-255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والطّير صافّاتٍ}: قد صفّت أجنحتها في الطيران). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّماوات والأرض والطّير صافّات كلّ قد علم صلاته وتسبيحه واللّه عليم بما يفعلون}
ويجوز {والطير} على معنى: {يسبح له الخلق مع الطير} ولم يقرأ بها.
وقوله: {كلّ قد علم صلاته وتسبيحه}.
معناه كل قد علم اللّه صلاته وتسبيحه، والصلاة للناس، والتسبيح لغير الناس، ويجوز أن يكون (كلّ قد علم صلاته وتسبيحه) كل شيء قد علم صلاة نفسه وتسبيحها، ويجوز أن يكون كل إنسان قد علم صلاة الله، وكل شيء قد علم تسبيح اللّه.
والأجود أن يكون كل قد علم اللّه صلاته وتسبيحه.
ودليل ذلك قوله - {واللّه عليم بما يفعلون} ). [معاني القرآن: 4/49-48]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه}
حدثنا الفريابي قال أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله: {كل قد علم صلاته وتسبيحه} الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه). [معاني القرآن: 4/542-543]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وللّه ملك السّموات والأرض وإلى اللّه المصير} [النور: 42] البعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/454]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابًا} [النور: 43] ينشئ سحابًا.
{ثمّ يؤلّف بينه} [النور: 43] يجمع بعضه إلى بعضٍ.
{ثمّ يجعله ركامًا} [النور: 43] بعضه على بعضٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/454]
{فترى الودق} [النور: 43] المطر.
{يخرج من خلاله} [النور: 43] من خلل السّحاب.
{وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ} [النور: 43] ينزّل من تلك الجبال الّتي هي من بردٍ.
إنّ في السّماء جبالًا من بردٍ.
{فيصيب به من يشاء} [النور: 43] فيهلك الزّرع كقوله: {ريحٍ فيها صرٌّ} [آل عمران: 117] بردٌ.
وقال بعضهم: ريحٌ باردةٌ {أصابت} [آل عمران: 117] الرّيح {حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته} [آل عمران: 117] وما أصاب العباد من مصيبةٍ فبذنوبهم، وما يعفو اللّه عنه أكثر كقوله: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ} [الشورى: 30] نصر بن طريفٍ أنّ رجلًا قال لابن عبّاسٍ: بتنا اللّيلة نمطر الضّفادع.
فقال ابن عبّاسٍ: صدق، إنّ في السّماء بحارًا.
قوله: {ويصرفه عن من يشاء} [النور: 43] يصرف ذلك البرد عمّن يشاء.
{يكاد سنا برقه} [النور: 43] قال قتادة: أي ضوء برقه.
{يذهب بالأبصار} [النور: 43]
- حدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن سليمان بن عويمرٍ، عن عروة بن الزّبير قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشر إليه ولينعت».
- وحدّثني إبراهيم، عن عبد العزيز بن عمر، عن مكحولٍ قال: قال رسول اللّه: «اطلبوا استجابة الدّعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصّلاة، وعند نزول الغيث»). [تفسير القرآن العظيم: 1/455]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يزجي سحاباً...}

يسوقه حيث يريد. والعرب تقول: نحن نزجي المطي أي نسوقه.
وقوله: {يؤلّف بينه} يقول القائل: بين لا تصلح إلاّ مضافة إلى اثنين فما زاد، فكيف قال {ثمّ يؤلّف بينه} وإنما هو واحدٌ؟ قلنا: هو واحد في اللفظ ومعناه جميع؛ ألا ترى قوله: {ينشئ السّحاب الثقال} ألا ترى أن واحدته سحابة، فإذا ألقيت الهاء كان بمنزلة نخلةٍ ونخلٍ وشجرة وشجر، وأنت قائل: فلان بين الشجرة وبين النخل، فصلحت (بين) مع النخل واحده لأنه جمع في المعنى. والذي لا يصلح من ذلك قولك: المال بين زيد، فهذا خطأ حتى تقول: بين زيد وعمرو وإن نويت بزيد أنه اسم لقبيلة جاز ذلك؛ كما تقول: المال بين تميم تريد: المال بين بني تميم وقد قال الأشهب بن رميلة:
قفا نسأل منازل آل ليلى=بتوضح بين حومل أو عرادا
أراد بحومل منزلاً جامعاً فصلحت (بين) فيه لأنه أراد بين أهل حومل أو بين أهل عراد.
وقوله: {فترى الودق} الودق: المطر.
وقوله: {فيصيب به من يشاء} يعذّب به من يشاء.
قوله: {من جبالٍ فيها من بردٍ} والمعنى - والله أعلم - أن الجبال في السّماء من برد خلقةً مخلوقة. كما تقول في الكلام. الآدميّ من لحمٍ ودم فـ (من) ها هنا تسقط فتقول: الآدميّ لحمٌ ودمٌ، والجبال برد، وكذا سمعت تفسيره. وقد يكون في العربيّة أمثال الجبال ومقاديرها من البرد، كما تقول: عندي بيتان تبناً، والبيتان ليسا من التبن، إنما تريد: عندي قدر بيتين من التبن، فمن في هذا الموضع إذا أسقطت نصبت ما بعدها، كما قال {أو عدل ذلك صياماً} وكما قال {ملء الأرض ذهباً}.
وقوله: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} وقد قرأها أبو جعفر (يذهب بالأبصار) ). [معاني القرآن: 2/257-256]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألم تر أنّ الله يزجي سحاباً} أي يسوق). [مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ يجعله ركاماً} أي متراكما بعضه على بعض). [مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فترى الودق} أي القطر والمطر، قال عامر بن جوبن الطائي:
فلا مزنة ودقت ودقها=ولا أرض أبقل إبقالها).
[مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يخرج من خلاله} أي من بين السحاب، يقال: من خلاله ومن خلله، قال زيد الخيل:
ضربن بغمرة فخرجن منها=خروج الودق من خلل السّحاب).
[مجاز القرآن: 2/68]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سنا برقه} منقوص أي ضوء البرق " وسناء " الشرف ممدود). [مجاز القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يزجي سحابا}: يسوق.
{ركاما}: بعضه على بعض.
{الودق}: القطر.
{سنا برقه}: ضياؤه والإثنان سنوان). [غريب القرآن وتفسيره: 274-273]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يزجي سحاباً} أي يسوقه، {ثمّ يجعله ركاماً}: بعضه فوق بعض.
{فترى الودق} يعني المطر، {يخرج من خلاله} أي من خلله.
{سنا برقه}: ضوءه). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابا ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السّماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}
معنى: (يزجي) يسوق، (ثمّ يؤلّف بينه) أي يجعل القطع المتفرّقة من السحاب قطعة واحدة (ثمّ يجعله ركاما)، أي يجعل بعض السحاب يركب بعضا.
(فترى الودق يخرج من خلاله) الودق المطر، ويقرأ من خلله، وخلاله أعم وأجود في القراءة، وخلال جمع خلل وخلال، مثل جبل وجبال، ويجوز أن يكون السحاب جمع سحابة،
ويكون " بينه " أي بين جميعه، ويجوز أن يكون السحاب واحدا إلا أنه قال بينه لكثرته، ولا يجوز أن تقول جلست بين زيد حتى تقول وعمرو.
وتقول ما زلت أدور بين الكوفة، لأن الكوفة اسم يتضمّن أمكنة كثيرة، فكأنك تقول ما زلت أدور بين طرق الكوفة.
وقوله تعالى: {وينزّل من السّماء من جبال فيها من برد}.
ويجوز وينزل بالتخفيف، ومعنى {من السّماء من جبال فيها من برد} من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد.
المعنى هذا خاتم حديد في يدي.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون معنى " من جبال " من مقدار جبال من برد كما تقول عند فلان جبال مال تريد مقدار جبال من كثرته.
قوله: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}.
وقرأ أبو جعفر المدني: يذهب بالأبصار، ولم يقرأ بها غيره، ووجهها في العربيّة ضعيف، لأن كلام العرب: ذهبت به وأذهبته.
وتلك جائزة أيضا - أعني الضم في الياء في يذهب.
ومعنى {سنا برقه} ضوء برقه، وقرئت {سنا برقه يذهب بالأبصار}
على جمع برقة وبرق، والفرق بين برقه - بالضم -وبرقه بالفتح أن البرق المقدار من البرق، والبرقة أن يبرق الشيء مرة واحدة، كما تقول: غرفت غرفة واحدة تريد مرة واحدة.
والغرفة مقدار ما يغرف، وكذلك اللّقمة واللّقمة). [معاني القرآن: 4/49-50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله يزجي سحابا}
أي يسوقه ثم يؤلف بينه أي يجمع القطع المتفرقة حتى تتألف ثم يجعله ركاما أي بعضه فوق بعض فترى الودق يخرج من خلاله
الودق المطر يقال ودقت سرته تدق ودقا ودقة وكل خارج وادق كما قال:
فلا مزنة ودقت ودقها = ولا أرض أبقل إبقالها

وخلال جمع خلل يقال جبل وجبال). [معاني القرآن: 4/544-543]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد}
قيل المعنى من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد أي هذا خاتم حديد في يدي
كما يقال جبال من طين وجبال طين
وقيل إن المعنى من مقدار جبال ثم حذف كما تقول عند فلان جبال مال
والأخفش يذهب إلى أن من فيهما زائدة أي جبالا فيها برد
قال وقال بعضهم الجبال من برد فيها في السماء وتجعل الإنزال منها). [معاني القرآن: 4/544]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}
أي ضوء برقه وروى ربيعة بن أبيض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال البرق مخاريق الملائكة
وقال عبد الله بن عمرو هو ما يكون من جبال البرد
حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرف أنه قرأ يكاد سنا برقه
قال أحمد بن يحيى وهو جمع برقة
قال أبو جعفر البرقة المقدار من البرق والبرقة المرة الواحدة مثل غرفة وغرفة). [معاني القرآن: 4/545]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ثم يجعله ركاما} أي: ويجعل بعضه على بعض، ليثخن ويغلظ). [ياقوتة الصراط: 379-378]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (و{الودق}: المطر. والسنا: الضوء، مقصور). [ياقوتة الصراط: 379]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُزْجِي سحابا}: أي: يسوقه ويسيره.
{ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا}: أي يسوق بعضه فوق بعض.
{الْوَدْقَ}: المطر.
{سَنَا بَرْقِهِ}: ضوء برقه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُزْجِي}: يسوق
{رُكَامًا}: بعضه على بعض
{الْوَدْقَ}: المطر كبار القطر
(السَنَا): لمع البرق). [العمدة في غريب القرآن: 221-220]

تفسير قوله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يقلّب اللّه اللّيل والنّهار} [النور: 44] هو أخذ كلّ واحدٍ منهما من صاحبه كقوله: {يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل} [الحديد: 6]
[تفسير القرآن العظيم: 1/455]
قال: {إنّ في ذلك لعبرةً} [النور: 44] لآيةً.
وقال السّدّيّ: لمعرفةً.
{لأولي} [النور: 44] لذوي.
{الأبصار} [النور: 44] وهم المؤمنون أبصروا الهدى). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ} [النور: 45] يعني النّطفة، تفسير السّدّيّ.
- وحدّثنا همّامٌ، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ شيءٍ خلق من الماء».
أراه يعني الحيوان.
نحو قول السّدّيّ.
قوله: {فمنهم من يمشي على بطنه} [النور: 45] الحيّة.
{ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ} [النور: 45] أي: ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك.
وإنّما قال: فمنهم من يمشي على كذا، ومنهم من يمشي على كذا، ومنهم يمشي على كذا، خلق اللّه كثيرٌ.
قال: {ويخلق ما لا تعلمون} [النحل: 8] قوله: {يخلق اللّه ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [النور: 45] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واللّه خلق كلّ دآبّةٍ...}

و (خلق) وأصحاب عبد الله قرأوا (خالق) ذكر من أبي إسحاق السّبيعيّ - ... وهو الهمداني - أنه قال: صليت إلى جنب عبد الله بن معقل فسمعته يقول (واللّه خالق كلّ دابّة) والعوامّ بعد {خلق كلّ}.
وقوله: {كلّ دآبّةٍ مّن مّاء فمنهم مّن يمشي على بطنه} يقال: كيف قال {مّن يمشي} وإنما تكون (من) للناس وقد جعلها ها هنا للبهائم؟
قلت: لمّا قال {خالق كل دابّة} فدخل فيهم الناس كنى عنهم فقال (منهم) لمخالطتهم الناس، ثم فسّرهم بمن لمّا كنى عنهم كناية الناس خاصّة، وأنت قائل في الكلام: من هذان المقبلان لرجل ودابّته، أو رجلٍ وبعيره. فتقوله بمن وبما لاختلاطهما، ألا ترى أنك تقول: الرجل وأباعره مقبلون فكأنهم ناس إذا قلت: مقبلون). [معاني القرآن: 2/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فمنهم مّن يمشي على بطنه} فهذا من التشبيه لأن المشي لا يكون على البطن إنما يكون لمن له قوائم فإذا خلطوا ماله قوائم بما لا قوائم له جاز ذلك كما يقولون: أكلت خبزاً ولبناً ولا يقال: أكلت لبناً، ولكن يقال: أكلت الخبز قال الشاعر:
[مجاز القرآن: 2/68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: (واللّه خلق كلّ دابّة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق اللّه ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
{واللّه خالق كلّ دابّة من ماء}
ويقرأ، {واللّه خلق كلّ دابّة من ماء}، فدابّة اسم لكل حيوان مميز وغيره: فلما كان لما يعقل ولما لا يعقل قال (فمنهم)، ولوكان لما لا يعقل لقيل فمنها أو منهنّ.
ثم قال: {من يمشي على بطنه فقال (من) - وأصل من لما يعقل- لأنه لمّا خلط الجماعة فقيل فمنهم جعلت العبارة بمن، وقيل يمشي على بطنه، لأن كل سائر كان له رجلان أو أربع أو لم تكن له قوائم، يقال له ماش وقد مشى، ويقال لكل مستمر ماش، وإن لم يكن من الحيوان حتى يقال قد مشى. هذا الأمر.
(من ماء)، وإنما قيل من ماء كما قال اللّه سبحانه: {وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ} ). [معاني القرآن: 4/50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله خلق كل دابة من ماء}
يقال لكل شيء من الحيوان مميزا كان أو غير مميز دابة). [معاني القرآن: 4/546]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فمنهم من يمشي على بطنه}
ولم يقل فمنها ولا فمنهن لأنه غلب ما يميز، فلما وقعت الكناية على ما يكون لما يميز جاء ب من ولم يأت ب ما ألا ترى أنه قد خلط في أول الكلام ما يميز مع ما لا يميز).
[معاني القرآن: 4/546]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 46 إلى آخر السورة]

{لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لقد أنزلنا آياتٍ مبيّناتٍ} [النور: 46] القرآن، ما يبيّن اللّه فيه.
{واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} [النور: 46] إلى دينٍ مستقيمٍ.
والصّراط: الطّريق المستقيم إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويقولون آمنّا باللّه وبالرّسول وأطعنا ثمّ يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلك} [النور: 47] من بعد ما قالوا: {آمنّا باللّه وبالرّسول وأطعنا} [النور: 47] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وما أولئك بالمؤمنين {47} وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون {48}} [النور: 47-48] عن اللّه، وعن رسوله، وكتابه يعني المنافقين، يظهرون الإيمان ويسرّون الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين} [النور: 49] عاصم بن حكيمٍ وابن مجاهدٍ، عن مجاهدٍ قال: {مذعنين} [النور: 49]، سراعًا.
المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: كان الرّجل يكون له على الرّجل الحقّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/456]
على عهد النّبيّ، فإذا قال: انطلق معي إلى النّبيّ، فإن عرف أنّ الحقّ له ذهب معه، وإن عرف أنّه يطلب باطلًا أبى أن يأتي النّبيّ، فأنزل اللّه: {وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون {48} وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين {49} أفي قلوبهم مرضٌ أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله بل أولئك هم الظّالمون {50} إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون {51}} [النور: 48-51] فقال رسول اللّه: «من كان بينه وبين آخر خصومةٌ فدعاه إلى حكمٍ من حكّام المسلمين فلم يجب فهو ظالمٌ».
- وحدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: «من دعي إلى حكمٍ من حكّام المسلمين فلم يجب فهو ظالمٌ لا حقّ له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{مذعنين...}:

مطيعين غير مستكرهين. يقال: قد أذعن بحقّي وأمعن به واحدٌ، أي أقرّ به طائعاً). [معاني القرآن: 2/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يأتوا إليه مذعنين} أي مقرّين مستخذين منقادين، يقال: أذعن لي: انقاد لي). [مجاز القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مذعنين}: مستخذين). [غريب القرآن وتفسيره: 274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يأتوا إليه مذعنين} أي مقرين خاضعين). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعلا: {وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين}
جاء في التفسير " مسرعين "، والإذعان في اللغة الإسراع مع الطاعة.
تقول: قد أذعن لي بحقي، معناه قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه، وصار يسرع إليه). [معاني القرآن: 4/50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} [معاني القرآن: 4/546]
قال عطاء أي مسرعين وهم قريش يقال أذعن إذا جاء مسرعا طائعا غير مكره). [معاني القرآن: 4/547]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مذعنين}: أي: مقرين خاضعين). [ياقوتة الصراط: 379]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُذْعِنِين}: مقرين خاضعين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُذْعِنِينَ}: خاشعين). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير عمرٍو عن الحسن قال: كانوا يدعون إلى وثنٍ كان أهل الجاهليّة يتحاكمون إليه.
وقال في قوله: {أفي قلوبهم مرضٌ} [النور: 50] وهو الشّرك في قول الحسن.
وقال قتادة: نفاقٌ.
{أم ارتابوا} [النور: 50] فشكّوا في اللّه وفي رسوله على الاستفهام، أي قد فعلوا.
{أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله} [النور: 50] والحيف: الجور.
أي قد خافوا ذلك.
{بل أولئك هم الظّالمون} [النور: 50] ظلم النّفاق والشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله عزّ وجلّ:
{أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله...}

فجعل الحيف منسوبا إلى الله وإلى رسوله، وإنما المعنى للرّسول، ألا ترى أنه قال {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم} ولم يقل (ليحكما) وإنما بدئ بالله إعظاماً له، كما تقول: ما شاء الله وشئت وأنت تريد ما شئت، وكما تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك). [معاني القرآن: 2/258-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله}
والمعنى أم يخافون أن يحيف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقوله: {أم يخافون أن يحيف الله عليهم} افتتاح كلام ألا ترى أن قبله وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ولم يقل ليحكما بينهم
وهذا كما يقال قد أعتقك الله وأعتقتك وما شاء الله ثم شئت). [معاني القرآن: 4/547]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} [النور: 51] فهذا قول المؤمنين، وذلك القول الأوّل قول المنافقين). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{إنّما كان قول المؤمنين...}

ليس هذا بخبرٍ ماضٍ يخبر عنه، كما تقول: إنما كنت صبيّاً، ولكنه: إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا أن يقولوا سمعنا. وهو أدب من الله. كذا جاء التفسير).
[معاني القرآن: 2/258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم}
خبر فيه معنى الأمر والتحضيض
أي: إنما ينبغي أن يكونوا كذا
قرئ على بكر بن سهل عن عمرو بن هشام وهو البيروتي عن ابن أبي كريمة في قول الله جل عز ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
قال ومن يطع الله فيوحده ورسوله فيصدقه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما بقى من عمره فأولئك هم الفائزون
قال أبو جعفر والفوز في اللغة النجاة). [معاني القرآن: 4/548-547]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن يطع اللّه ورسوله ويخش اللّه} [النور: 52] فيما مضى من ذنوبه.
{ويتّقه} [النور: 52] فيما بقي.
{فأولئك هم الفائزون} [النور: 52] النّاجون من النّار إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم} [النور: 53] يعني المنافقين.
{لئن أمرتهم ليخرجنّ} [النور: 53] إلى الجهاد.
وأقسموا ولم يستثنوا، وفيهم
[تفسير القرآن العظيم: 1/457]
الضّعيف والمريض، ومن يوضع عنه الخروج.
قال اللّه: {قل لا تقسموا} [النور: 53] أي: لا تحلفوا.
ثمّ استأنف الكلام فقال: {طاعةٌ معروفةٌ} [النور: 53] خيرٌ.
وهذا إضمارٌ.
أي: خيرٌ ممّا تضمرون من النّفاق.
{إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} [النور: 53] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/458]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {قل لا تقسموا طاعةٌ معروفةٌ} مرفوعتان، لأنهما كلامان لم يقع الأمر عليهما فينصبهما،
مجاز {لا تقسموا} أي:لا تحلفوا وهو من القسم ثم جاءت طاعة معروفة ابتداء فرفعتا على ضمير يرفع به، أو ابتداء). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا تقسموا}: لا تحلفوا من القسم). [غريب القرآن وتفسيره: 274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ قل لا تقسموا}. وتمّ الكلام.
ثم قال: {طاعةٌ معروفةٌ}، أراد: هي طاعة معروفة.
وفي هذا الكلام حذف للإيجاز، يستدل بظاهره عليه. كأن القوم كانوا ينافقون ويحلفون في الظاهر على ما يضمرون خلافة، فقيل لهم: «لا تقسموا، هي طاعة معروفة، صحيحة لا نفاق فيها، لا طاعة فيها نفاق».
وبعض النحويين يقولون: الضّمير فيها: «لتكن منكم طاعة معروفة»). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ قل لا تقسموا طاعة معروفة إنّ اللّه خبير بما تعملون}
{قل لا تقسموا طاعة معروفة} تأويله طاعة معروفة أمثل من قسمكم لما لا تصدقون فيه.
والخبر مضمر،. وهو " أمثل " - وحذف لأن في الكلام دليلا عليه، لأنه قال: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ}.
واللّه عزّ وجلّ وراء ما في قلوبهم فقال: {قل لا تقسموا طاعة معروفة إنّ اللّه خبير بما تعملون}.
ويجوز: طاعة معروفة على معنى أطيعوا طاعة معروفة، لأنهم أقسموا إن أمروا أن يطيعوا فقيل أطيعوا طاعة معروفة، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فإن لم ترو فلا تقرأ بها، وهذا يعنى به المنافقون). [معاني القرآن: 4/51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا}
قل لا تقسموا تم الكلام ثم قال طاعة معروفة أي طاعة معروفة أمثل وهذا للمنافقين
أي لا تحلفوا على الكذب فالطاعة أمثل
ويجوز أن يكون المعنى لتكن منكم طاعة). [معاني القرآن: 4/549]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَقْسَمُوا ْ}: حلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} [النور: 54] يعني المنافقين.
ثمّ قال: {فإن تولّوا} [النور: 54] يعني: فإن أعرضتم عنهما، وهو تفسير السّدّيّ، عن اللّه وعن الرّسول.
{فإنّما عليه ما حمّل} [النور: 54] أي من البلاغ.
{وعليكم ما حمّلتم} [النور: 54] من طاعته.
وهذا تفسير الحسن.
- وحدّثني حمّادٌ وشريكٌ، عن سماك بن حربٍ، عن علقمة بن وائلٍ الحضرميّ قال: قام يزيد بن سلمة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أرأيت إذا كان علينا أمراءٌ يأخذوننا بالحقّ ومنعوناه فكيف نصنع؟ فأخذ الأشعث بثوبه فأجلسه في حديث حمّادٍ، ثمّ قام فعاد فأخذ الأشعث بثوبه فقال: لا أزال أسأله حتّى تغيب الشّمس أو تخبرني.
فقال رسول اللّه: «إنّما عليكم ما حمّلتم وعليهم ما حمّلوا».
قوله: {وإن تطيعوه} [النور: 54] يعني النّبيّ.
{تهتدوا وما على الرّسول إلا البلاغ المبين} [النور: 54] كقوله: {وما جعلناك عليهم حفيظًا} [الأنعام: 107] تحفظ عليهم أعمالهم حتّى تجازيهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/458]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{فإن تولّوا...}

واجه القوم ومعناه: فإن تتولّوا. فهي في موضع جزم. ولو كانت لقومٍ غير مخاطبين كانت نصباً، لأنها بمنزلة قولك: فإن قاموا. والجزاء يصلح فيه لفظ فعل ويفعل،
كما قال {فإن فاءوا فإنّ الله غفورٌ رحيم} ). [معاني القرآن: 2/258]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإن تولّوا} أي اعرضوا، {فإنّما عليه} أي على الرسول {ما حمّل}: من التبليغ، {وعليكم ما حمّلتم}: من القبول.
أي ليس عليه إلّا تقبلوا). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم}
والمعنى فإن تتولوا ثم حذف ويدل على أن بعده وعليكم ما حملتم ولم يقل وعليهم
والمعنى فإنما على النبي صلى الله عليه وسلم التبليغ وعليكم القبول وليس عليه أن تقبلوا). [معاني القرآن: 4/549]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم} [النور: 55] من الأنبياء والمؤمنين.
{وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم} [النور: 55] أي: سينصرهم بالإسلام حتّى يظهرهم على الدّين كلّه، فيكونوا الحكّام على أهل الأديان.
- عبد الرّحمن بن يزيد، عن سليم بن عامرٍ الكلاعيّ قال: سمعت المقداد بن الأسود يقول: سمعت رسول اللّه يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدرٍ ولا
[تفسير القرآن العظيم: 1/458]
وبرٍ إلا أدخله اللّه كلمة الإسلام بعزٍّ عزيزٍ أو ذلٍّ ذليلٍ، إمّا يعزّهم اللّه فيجعلهم من أهلها وإمّا يذلّهم اللّه فيدينون لها».
الفرات بن سلمان، عن ميمون بن مهران الجزريّ أنّ عمر بن عبد العزيز قال: اللّه أجلّ وأعظم من أن يتّخذ في الأرض خليفةً واحدًا واللّه يقول: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض} [النور: 55]، ولكنّي أثقلكم حملًا.
قال: {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55] كقوله: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم النّاس} [الأنفال: 26] فارس والرّوم.
{فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطّيّبات} [الأنفال: 26] قال: {يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] يقول: من أقام على كفره بعد هذا الّذي أنزلت: {فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] يعني فسق الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم...}

العدة قول يصلح فيها أن وجواب اليمين. فتقول: وعدتك أن آتيك، ووعدتك لآتينّك. ومثله {ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} وإنّ أن تصلح في مثله من الكلام. وقد فسّر في غير هذا الموضع.
وقوله: {وليبدّلنّهم} قرأها عاصم بن أبي النّجود والأعمش (وليبدّلنّهم) بالتشديد. وقرأ الناس {وليبدلنّهم} خفيفة وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بدّلت فمعناه غيّرت وغيّرت حالك ولم يأت مكانك آخر. فكل ما غيّر عن حاله فهو مبدّل بالتشديد. وقد يجوز مبدل بالتخفيف وليس بالوجه: وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت: قد أبدلته كقولك (أبدل لي) هذا الدراهم أي أعطني مكانه. وبدّل جائزةً فمن قال {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً} فكأنه جعل سبيل الخوف أمناً. ومن قال (وليبدلنّهم) بالتخفيف قال: الأمن خلاف الخوف فكأنه جعل مكان الخوف أمنا أي ذهب بالخوف وجاء بالأمن. وهذا من سعة العربية وقال أبو النجم:

* عزل الأمير للأمير المبدل *
فهذا يوضح الوجهين جميعاً). [معاني القرآن: 2/259-258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
{وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم}
وإنما جاءت اللام لأن " وعدته بكذا أو كذا " و " وعدته لأكرمنّه بمنزلة قلت لأن الوعد لا ينعقد إلا بقول.
ومعنى ليستخلفهم في الأرض، أي ليجعلنّهم يخلفون من بعدهم من المؤمنين فاستخلف الذّين من قبلهم.
وقرئت {كما استخلف الذين من قبلهم}.
{وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم}.
يعني به الإسلام.
{وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا} وقرئت {وليبدلنّهم}.
وقوله: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} يجوز أن يكن مستأنفا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، على معنى وعد اللّه المؤمنين في حال عبادتهم وإخلاصهم للّه - عزّ جل -
ليفعلنّ بهم.
ويجوز أن يكون استئنافا على طريق الثناء عليهم وتثبيتا كأنّه قال: يعبدني المؤمنون لا يشركون بي شيئا). [معاني القرآن: 4/51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض}
جاء باللام لأن معنى وعد وقال واحد
والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام). [معاني القرآن: 4/550]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأقيموا الصّلاة} [النور: 56] الصّلوات الخمس، وإقامتها أن تحافظ على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها.
{وآتوا الزّكاة} [النور: 56] يعني الزّكاة المفروضة.
{وأطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون} [النور: 56] لكي ترحموا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك رحمتم). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لعلّكم ترحمون} واجبة من الله).
[مجاز القرآن: 2/69]


تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض} [النور: 57] قال قتادة: سابقين في الأرض.
{ومأواهم النّار ولبئس المصير} [النور: 57] أي: لا تحسبنّهم يسبقوننا حتّى لا تقدر عليهم فنحاسبهم، وحسابهم أن يكون {ومأواهم النّار ولبئس المصير} [النور: 57] المرجع.
والمأوى، المنزل). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{لا تحسبنّ الّذين كفروا...}

قرأها حمزة (لا يحسبنّ) بالياء ها هنا. وموضع (الذين) رفع. وهو قليل أن تعطّل (أظنّ) من الوقوع على أن أو على اثنين سوى مرفوعها. وكأنه جعل {معجزين} اسماً،
وجعل {في الأرض} خبراً لهم؛ كما تقول: لا تحسبنّ الذين الذين كفروا رجالا في بيتك، وهم يريدون أنفسهم. وهو ضعيف في العربية.
والوجه أن تقرأ بالتاء لكون الفعل واقعاً على (الذين) وعلى (معجزين) كذلك قرأ حمزة في الأنفال (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا) ). [معاني القرآن: 2/259]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير}
القراءة بالتاء على معنى: لا تحسبنّ يا محمد الكافرين معجزين، أي قدرة اللّه محيطة بهم وقرئت: لا يحسبن على حذف المفعول الأول من يحسبن على معنى لا يحسبن الذين كفروا إياهم معجزين في الأرض، كما تقول زيد حسبه، فإنما تريد حسب نفسه قائما، وكأنه لا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم معجزين، وهذا في باب ظننت، تطرح فيه النفس يقال ظننتني أفعل، ولا يقال ظننت نفسي أفعل، ولا يجوز ضربتني، استغني عنها بضربت نفسي). [معاني القرآن: 4/52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض}
أي هم في قبضة الله عز وجل). [معاني القرآن: 4/550]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم} [النور: 58] تفسير مجاهدٍ: لم يحتلموا.
{ثلاث مرّاتٍ من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة} [النور: 58] وهو نصف النّهار عند القائلة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/459]
{ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعضٍ كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليمٌ حكيمٌ} [النور: 58] وهي السّاعات الّتي يخلو فيهنّ الرّجل بأهله لحاجته منها.
فأمّا قوله: {ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم} [النور: 58] فهم المملكون، الرّجال والنّساء الّذين يخدمون الرّجل في بيته ومن كان من الأطفال من المملوكين.
{والّذين لم يبلغوا الحلم} [النور: 58] قال: الّذين لم يبلغوا الحلم منكم، يعني الأطفال الّذين يحسنون الوصف إذا رأوا شيئًا.
وكذلك من كان مثلهم من المملوكين، إلا الصّغار الّذين لا يحسنون الوصف إذا رأوا شيئًا من الأحرار والمملوكين فلا ينبغي لها ولا الكبار، والّذين يحسنون الوصف أن يدخلوا هذه الثّلاث ساعاتٍ إلا بإذنٍ، إلا ألا يكون للرّجل إلى أهله حاجةٌ.
ولا ينبغي له إذا كانت له إلى أهله حاجةٌ أن يطأ أهله ومعه في البيت من هؤلاء أحدٌ.
فلذلك لا يدخلون في هذه الثّلاث ساعاتٍ إلا بإذنٍ.
قال: {ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ} [النور: 58] بعد هذه الثّلاث السّاعات أن يدخلوا بغير إذنٍ.
{طوّافون عليكم} [النور: 58] يدخلون بغير إذنٍ.
{بعضكم على بعضٍ كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليمٌ حكيمٌ} [النور: 58] حدّثني نصر بن طريفٍ وأشعث، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد قال: دخلت على ابن عبّاسٍ فأراني وصيفةً له خماسيّةً.
وقال نصرٌ: نحو الخماسيّة أو أصغر.
فقال: ما تدخل عليّ هذه في هذه الثّلاث السّاعات إلا بإذنٍ.
نصر بن طريفٍ، عن يونس، عن الحسن قال: إذا كانوا معك في البيت فهو إذنهم.
وحدّثنا الحسن بن دينارٍ قال: قال رجلٌ للحسن: إنّا قومٌ تجّارٌ نسافر ونشتري الجواري فننزل في الخباء، فنكون جميعًا.
أفيغشى الرّجل منّا جاريةً من جواريه في الخباء وهنّ فيه فغضب وقال: لا). [تفسير القرآن العظيم: 1/460]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم...}

يعني الرجال والنساء. ثم قال {والّذين لم يبلغوا الحلم} الصبيان (ثلاث مرّاتٍ) ثم فسرهنّ فقال {مّن قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم مّن الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء} عند النوم. ثم قال {ثلاث عوراتٍ لّكم} فنصبها عاصم والأعمش، ورفع غيرهما. والرفع في العربيّة أحبّ إليّ. وكذلك أقرأ. والكسائي يقرأ بالنصب؛ لأنه قد فسرها في المرات وفيما بعدها فكرهت أن تكرّ ثالثة واخترت الرفع لأنّ المعنى - والله أعلم - هذه الخصال وقت العورات ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ. فمعها ضمير يرفع الثلاث. كأنك قلت: هذه ثلاث خصال كما قال (سورة أنزلناها) أي هذه سورة، وكما قال {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك إلاّ القوم الفاسقون}.
وأمّا قوله: {طوّافون عليكم} فإنه أيضاً مستأنف كقولك في الكلام: إنما هم خدمكم، وطوّافون عليكم. ولو كان نصباً لكان صواباً تخرجه من (عليهم) لأنها معرفة {وطوّافون} نكرة ونصبه كما قال {ملعونين أينما ثقفوا} فنصب لأن في الآية قبلها ذكرهم معرفة، و{ملعونين} نكرة). [معاني القرآن: 2/260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ثلث عورات لكم}: ساعات. العورة والغفلة ومطرح الثياب والخلوة). [غريب القرآن وتفسيره: 274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم}يعني: العبيد والإماء، {والّذين لم يبلغوا الحلم منكم}يعني: الأطفال، {ثلاث مرّات}.
ثم بينهن، فقال: {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء} يريد: عند النوم.
ثم قال: {عوراتٍ لكم} يريد هذه الأوقات، لأنها أوقات التجرّد وظهور العورة: فأمّا قبل صلاة الفجر، فللخروج من ثياب النوم، ولبس ثياب النهار.
وأمّا عند الظهيرة، فلوضع الثياب للقائلة.
وأمّا بعد صلاة العشاء، فلوضع الثياب للنوم.
ثم قال: {ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ} أي بعد هذه الأوقات.
ثم قال {طوّافون عليكم}، يريد: إنهم خدمكم، فلا بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات الثلاثة، بغير إذن. قال اللّه عز وجل: {يطوف عليهم ولدانٌ مخلّدون} [ الواقعة: 17]
أي يطوفون عليهم في الخدمة.
وقال - النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلّم - في الهرّة: «ليست بنجس»، إنما هي من الطّوّافين عليكم والطّوّافات»
جعلها بمنزلة العبيد والإماء). [تفسير غريب القرآن: 307-305]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليم حكيم}
فأمر اللّه عزّ وجلّ بالاستئذان في الأوقات التي يتخفى فيها ويتكشفون، وبيّنها فقال: {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء)}.
يعنى به العتمة عشاء الآخرة، فأعلم أنها عورات فقال (ثلاث عورات لكم)، على معنى هي ثلاث عورات لكم، وقرئت " ثلاث عورات لكم "
والإسكان أكثر لثقل الحركة والواو.
تقول طلحة وطلحات، وجمرة وجمرات.
ويجوز في لوزة لوزات بحركة الواو، والأجود لوزات، ويجوز ثلاث عورات بالنصب، على معنى ليستأذنوكم ثلاث عورات، أي في أوقات ثلاث عورات.
وقوله: {ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ} أي ليس عليكم جناح ولا عليهم في أن لا يستأذنوا بعد أن يمضي كل وقت من هذه.
وقوله تعالى: (طوّافون عليكم) على معنى هم طوافون عليكم.
وقوله: (بعضكم على بعض) على معنى يطوف بعضكم على بعض). [معاني القرآن: 4/53-52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم}
في هذه الآية أقوال:
1 - روى ابن جريح عن مجاهد قال هم العبيد المملوكون
2 - وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الإناث
3 - وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال هي للنساء خاصة
أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت والنساء يستأذن في هذه الأوقات الخاصة
ولا يجوز في اللغة أن يقال للنساء الذين ولو كان للنساء خاصة لقيل اللاتي أو اللائي أو ما أشبه ذلك إلا أن يجتمع مذكر ومؤنث فيقال الذين لهم جميعا
وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين من أهل العراق سألاه عن قوله عز وجل: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} فقال إن الله جل وعز ستير يحب السترة ولم يكن للمسلمين يومئذ ستور ولا حجال فكان ولد الرجل وخادمه ويتيمه ربما دخل عليه وهو مع أهله فأمر الله جل وعز بالاستئذان فلما بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور والحجال رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان وفي بعض الروايات فترك الناس العمل بالآية
قال الشعبي ليست بمنسوخة
وأولى ما في هذا وأصحه إسنادا ما رواه عبد الملك عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول ثلاث آيات ترك الناس العمل بها
أ- قوله: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم}
ب- وقوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
ويقول فلان أنا أكرم من فلان وإنما أكرمهما أتقاهما
قال عطاء ونسيت الثالثة
قال أبو جعفر فهذا من ابن عباس على جهة الإنكار وهو مفسر لما رواه عكرمة في رواية من قال فترك الناس العمل بها
وقد روى ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال إني لآمر جاريتي هذه وأومأ إلى جارية بيضاء قصيرة أن تستأذن علي).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم بين المرات فقال سبحانه: {من قبل صلاة الفجر} لأنه الوقت الذي يلبس الناس فيه ثيابهم يخرجون من فرشهم،
{وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} لأنه وقت القائلة
{ومن بعد صلاة العشاء} قال الزهري وهي التي يسميها الناس العتمة
قال فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة فأما غيرهم فيستأذنوا كل وقت).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ثلاث عورات لكم}
أي أوقات الاستئذان ثلاث عورات
والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث عورات لكم
ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي في الدخول بغير إذن
طوافون عليكم أي يخدمونكم
بعضكم على بعض أي يطوف بعضكم على بعض). [معاني القرآن: 4/554-550]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثلاث عَوْرَاتٍ}: الغفلة، الخلوة، طرح الثياب). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم} [النور: 59] يعني من احتلم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/460]
{كذلك يبيّن اللّه} [النور: 59] هكذا يبيّن اللّه.
{لكم آياته واللّه عليمٌ} [النور: 59] بخلقه.
{حكيمٌ} [النور: 59] في أمره). [تفسير القرآن العظيم: 1/461]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم...}

يقول: لا يدخلنّ عليكم في هذه الساعات إلا بإذن ولا في غير هذه السّاعات إلاّ بإذن. وقوله: {كما استأذن الذين من قبلهم} يريد الأحرار). [معاني القرآن: 2/260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} في كل وقت {كما استأذن الّذين من قبلهم} يعني: الرجال).
[تفسير غريب القرآن: 307]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته واللّه عليم حكيم}
فالبالغ يستأذن في كل الأوقات، والطفل والمملوك يستأذن في الثلاث العورات).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا}
قال الزهري أي يستأذن الرجل على أمه وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 4/555-553]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {كما استأذن الذين من قبلهم}
يعني البالغين). [معاني القرآن: 4/555]

تفسير قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والقواعد من النّساء اللّاتي} [النور: 60] قد قعدت من المحيض والولد.
{لا يرجون نكاحًا} [النور: 60] لا يردنه.
تفسير مجاهدٍ.
قال يحيى: قد كبرن عن ذلك.
{فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجاتٍ بزينةٍ} [النور: 60] غير متزيّنةٍ ولا متشوّفةٍ.
وأمّا الّتي قعدت من المحيض ولم تبلغ هذا الحدّ فلا.
والجلباب: الرّداء الّذي يكون فوق الثّياب، وإن كان كساءً، أو ساجًا أو ما كان من ثوبٍ.
سعيدٌ عن قتادة قال: القواعد من النّساء الّتي لا تحيض ولا تحدّث نفسها بالأزواج، رخّص لها أن تضع جلبابها.
- ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: {فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجاتٍ بزينةٍ} [النور: 60] قال: تضع الجلباب.
قال: فلقيت سليمان بن يسارٍ فقال: تضع الخمار إن شاءت.
- وقال عكرمة عن ابن عبّاسٍ: لا ينبغي أن يبدو من المرأة لذوي المحرم إلا السّوار والخواتم والقرط.
ذكره ابن لهيعة، عن بكير بن الأشجّ، عن عكرمة.
قال: {وأن يستعففن} [النور: 60] يعني {اللّاتي لا يرجون نكاحًا} [النور: 60] عن ترك الجلباب.
{خيرٌ لهنّ واللّه سميعٌ عليمٌ} [النور: 60] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/461]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{والقواعد من النّساء الّلاتي لا يرجون نكاحاً...}

لا يطمعن في أن يتزوّجن من الكبر {فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ} و{من ثيابهنّ} وهو الرداء. فرخّص للكبيرة أن تضعه، لا تريد لذلك التزيّن. ثم قال {وأن يستعففن} فلا يضعن الأردية {خيرٌ لّهنّ} وفي قراءة عبد الله (أن يضعن من ثيابهم) ). [معاني القرآن: 2/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والقواعد من النّساء} هن اللواتي قد قعدن عن الولد ولا يحضن قال الشماخ:
أبوال النساء القواعد). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {متبرّجاتٍ} التبرج أن يظهرن محاسنهن مما ينبغي لهن أن يظهرنها). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {والقواعد من النساء}: اللاتي قعدن عن الولد.
{والتبرج}: أن تظهر المرأة ما لا ينبغي أن تظهره من محاسنها). [غريب القرآن وتفسيره: 275-274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والقواعد} يعني: العجز. واحدها: قاعد.
ويقال: «إنما قيل لها قاعد: لقعودها عن المحيض والولد».
وقد تقعد عن المحيض والولد: ومثلها يرجو النكاح، أي يطمع فيه.
ولا أراها سميت قاعدا، إلا بالقعود. لأنها إذا أسنّت: عجزت عن التصرف وكثرة الحركة، وأطالت القعود، فقيل لها: «قاعد» بلا هاء، ليدل بحذف الهاء على انه قعود كبر.
كما قالوا: «امرأة حامل» بلا هاء، ليدل بحذف الهاء على أنه حمل حبل. وقالوا في غير ذلك: قاعدة في بيتها، وحاملة على ظهرها.
{فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ} يعني: الرداء.
{وأن يستعففن}: فلا يلقين الرداء، خيرٌ لهنّ. والعرب تقول: «امرأة واضع»: إذا كبرت فوضعت الخمار. ولا يكون هذا إلا في الهرمة). [تفسير غريب القرآن: 307-308]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والقواعد من النّساء اللّاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة وأن يستعففن خير لهنّ واللّه سميع عليم}
القواعد جمع قاعدة، وهي التي قعدت عن الزواج.
{اللّاتي لا يرجون نكاحا} أي لا يردنه، ولا يرجونه، وقيل أيضا اللاتي قد قعدن عن الحيض.
{فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة}
قال ابن مسعود: أن يضعن الملحفة والرّداء.
{وأن يستعففن خير لهنّ}.
أي أن لا يضعن الرداء والملحفة خير لهن من أن يضعنه). [معاني القرآن: 4/53]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا}
قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى اللواتي قعدن عن الولد
وقال غيره يراد بهذا العجوز الكبيرة التي قعدت عن التصرف لأنها قد تقعد عن الولد وفيها بقية
قال ربيعة هي التي إذا رأيتها استقذرتها). [معاني القرآن: 4/555]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن}
روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال يعني الرداء
قال أبو جعفر والمعروف من قراءة عبد الله أن يضعن من ثيابهن). [معاني القرآن: 4/556]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن يستعففن خير لهن}
قال مجاهد أي يلبسن الجلباب خير لهن). [معاني القرآن: 4/556]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] يعني من كان به شيءٌ من مرضٍ.
تفسير السّدّيّ.
وتفسير الكلبيّ: أنّ أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعزلون الأعمى والأعرج والمريض فلا يؤاكلونهم.
وكانت الأنصار فيهم تنزّهٌ وتكرّمٌ.
فقالوا: إنّ الأعمى لا
[تفسير القرآن العظيم: 1/461]
يبصر طيّب الطّعام، والأعرج لا يستطيع الزّحام عند الطّعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصّحيح، فاعزلوا لهم طعامهم على ناحيةٍ.
وكانوا يرون أنّ عليهم في مؤاكلتهم جناحًا.
وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون: لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم، فاعتزلوا مؤاكلتهم.
فأنزل اللّه: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] ليس عليهم في ذلك ولا على الّذين تأثّموا من أمرهم عليهم في ذلك حرجٌ.
وبعضهم يقول: كان قومٌ من أصحاب النّبيّ يغزون ويخلّفون على منازلهم من يحفظها، فكانوا يتأثّمون أن يأكلوا منها شيئًا، فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
وقال بعضهم: كانوا يخلّفون عليها الأعرج والأعمى والمريض والزّمنى الّذين لا يخرجون في الغزو، فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
سعيدٌ عن قتادة قال: منعت البيوت زمانًا.
كان الرّجل لا يتضيّف أحدًا ولا يأكل في بيت غيره تأثّمًا من ذلك.
قال يحيى: بلغني أنّ ذلك حين نزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29] قال قتادة: فكان أوّل من رخّص اللّه له الأعمى، والأعرج، والمريض.
ثمّ رخّص لعامّة المؤمنين فقال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] ممّا تحبّون.
هكذا.
{أو صديقكم} [النور: 61] قال قتادة: فلو أكلت من بيت صديقك من غير مؤامرته لكان اللّه قد أحلّ لك ذلك.
قوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61]
ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: كان النّاس يغزون على عهد رسول
[تفسير القرآن العظيم: 1/462]
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيخلّفون الضّمناء على خزائنهم، فكانوا يتحرّجون أن يصيبوا منها شيئًا، فأحلّ اللّه لهم أن يصيبوا منها.
وقال بعضهم: هم المملوكون الّذين هم خزنةٌ على بيوت مواليهم.
وقال الحسن: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] خزانته ممّا كنتم عليه أمناء.
وحدّثنا الحسن بن دينارٍ، عن الحسن أنّه سأله رجلٌ فقال: الرّجل يدخل على الرّجل، يعني صديقه، فيخرج الرّجل من بيته ويرى الآخر الشّيء من الطّعام في البيت، أيأكل منه؟ فقال: كل من طعام أخيك.
وقال الحسن بن دينارٍ: كنّا في بيت قتادة فأتينا ببسرٍ، فأخذ رجلٌ منّا بسراتٍ ثمّ قال: يا أبا الخطّاب، إنّي قد أخذت من هذا البسر.
فقال: هو لك حلالٌ وإن لم تذكره لي لأنّك مؤاخيّ.
قال يحيى: لم يذكر اللّه في هذه الآية بيت الابن، فرأيت أنّ النّبيّ عليه السّلام إنّما قال: «أنت ومالك لأبيك».
من هذه الآية، لأنّه قال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم} [النور: 61] ولم يقل: أو بيوت أبنائكم، ثمّ ذكر ما بعد ذلك من القرابة حتّى ذكر الصّديق ولم يذكر الابن.
قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} [النور: 61] سعيدٌ عن قتادة قال: كان بنو كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أنّ محرّمًا عليه أن يأكل وحده في الجاهليّة، حتّى إن كان الرّجل ليسوق الذّود والحفّل وهو جائعٌ حتّى يجد من يؤاكله ويشاربه.
وكان الرّجل يتّخذ الخيال إلى جنبه إذا لم يجد من يؤاكل ويشارب، فأنزل اللّه هذه الآية.
قوله: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلّموا على أنفسكم} [النور: 61] يعني على أهل دينكم، تفسير السّدّيّ، بعضكم على بعضٍ.
{تحيّةً من عند اللّه مباركةً طيّبةً كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون} [النور: 61] لكي تعقلوا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/463]
سعيدٌ عن قتادة قال: إذ دخلت فسلّم على أهلك فهم أحقّ من سلّمت عليه.
فإذا دخلت بيتًا لا أحد فيه فقل: سلامٌ علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، فإنّه كان يؤمر بذلك.
حدّثنا أنّ الملائكة تردّ عليه.
وإن دخل على قومٍ سلّم عليهم، وإذا خرج من عندهم سلّم، وإن مرّ بهم أو لقيهم سلّم عليهم، وإن كان رجلًا واحدًا، سلّم عليهم، وقوله: {فسلّموا على أنفسكم} [النور: 61] على إخوانكم.
وإذا دخل الرّجل بيته سلّم عليهم، وإذا دخل المسجد قال: بسم اللّه سلامٌ على رسول اللّه صلّى اللّه على محمّدٍ وسلّم.
اللّهمّ اغفر لي ذنبي وافتح لي باب رحمتك.
فإن كان مسجدًا كثير الأهل سلّم عليهم يسمع نفسه، وإن كانوا قليلًا أسمعهم التّسليم، وإن لم يكن فيه أحدٌ قال: السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، السّلام علينا من ربّنا.
وإن دخل بيتًا غير مسكونٍ ممّا قال اللّه: {فيها متاعٌ لكم} [النور: 29] وهي الفنادق ينزلها الرّجل المسافر ويجعل فيها متاعه، فإذا دخل البيت قال: السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين.
السّلام علينا من ربّنا.
- خالدٌ عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والرّاكب على القاعد، والصّغير على الكبير، والقليل على الكثير».
قال يحيى: يعني ويسلّم راكب الدّابّة على راكب البعير، ويسلّم الفارس على صاحب الحمار والبغل.
- خالدٌ، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللّه: «إذا سلّم رجلٌ على القوم فردّ رجلٌ منهم أجزأ عنهم، وإذا كانوا ناسًا فسلّم رجلٌ منهم على المجلس أجزأ عنهم».
وكان الحسن يقول: كنّ النّساء يسلّمن على الرّجال، ولا يسلّم الرّجال على النّساء.
وكان ابن عمر يسلّم على النّساء.
وحدّثني حيوة بن شريحٍ، عن زهرة بن معبدٍ أنّه سمع محمّد بن المنكدر وأبا حازمٍ يسلّمان على النّساء إذا مرّا عليهنّ.
- وحدّثني خداشٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ قال: انتهى رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/464]
صلّى اللّه عليه وسلّم إلينا ونحن غلمانٌ، فسلّم علينا.
- وحدّثنا قرّة بن خالدٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: «إنّ السّلام اسمٌ من أسماء اللّه».
وحدّثني الخليل بن مرّة أنّ مسعود قال: السّلام اسمٌ من أسماء اللّه وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم، فإنّ المرء المسلم إذا مرّ بالقوم فسلّم عليهم فردّوا عليه كانت له عليهم فضيلة درجةٍ بأنّه ذكّرهم السّلام، فإن لم يردّوا عليه ردّ عليه من هو خيرٌ منهم وأطيب: الملائكة.
- وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن معاوية بن قرّة، عن رجلٍ أنّه كان يمشي مع أبي هريرة قال: فمررنا بقومٍ فسلّمنا عليهم قال: فلا أدري أشغلهم الحديث أو ما منعهم من أن يردّوا السّلام.
فقال أبو هريرة بيده: سلام ربّي والملائكة أحبّ إليّ، سلام ربّي والملائكة أحبّ إليّ.
- وحدّثني المبارك والحسن، عن الحسن قال: قال رسول اللّه: «للمسلم على أخيه من المعروف ستّ خصالٍ يسلّم عليه إذا لقيه، ويشمّته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا تغيّب عنه، ويشهد جنازته إذا مات».
- وحدّثني عبد الرّحمن بن يزيد، عن مكحولٍ قال: " بينما رسول اللّه جالسٌ إذ دخل رجلٌ فقال: السّلام عليكم.
فقال رسول اللّه: وعليكم السّلام، عشرٌ، أي عشر حسناتٍ.
ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه، فقال رسول اللّه: وعليكم السّلام ورحمة اللّه، عشرون حسنةً.
ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
فقال رسول اللّه: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، ثلاثون حسنةً.
ثمّ قال: هكذا يتفاضل النّاس، من قعد فليسلّم، ومن قام فليسلّم.
قال: ثمّ قام رجلٌ فلم يسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أسرع ما نسي هذا ".
- وحدّثني حمّادٌ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا لقيتم اليهوديّ أو النّصرانيّ فلا تبدءوه بالسّلام.
وإذا لقيتموه في طريقٍ فاضطرّوه إلى أضيقه».
- سعيدٌ عن قتادة أنّ رجلًا من اليهود مرّ على النّبيّ وهو في نفرٍ من أصحابه فقال: السّام عليكم.
فقال رسول اللّه: «وعليكم السّلام».
فجاء جبريل إلى النّبيّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/465]
فأخبره أنّه قال: السّام عليكم.
فقال رسول اللّه: " إذا سلّم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا: وعليك ما قلت ".
- حمّادٌ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما حسدكم اليهود على شيءٍ ما حسدوكم على السّلام وآمين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{لّيس على الأعمى حرجٌ...}

إلى آخر الآية، كانت الأنصار يتنزّهون عن مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض، ويقولون: نبصر طيّب الطعام ولا يبصره فنسبقه إليه، والأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصحيح، والمريض يضعف عن الأكل. فكانوا يعزلونهم. فنزل: ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج. و(في) تصلح مكان (على) ها هنا تقول: ليس على صلة الرحم وإن كانت قاطعة إثم، وليس فيها إثم، لا تبالي أيّهما قلت.
ثم قال {ولا على المريض حرجٌ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} إلى آخر الآية. لمّا أنزل الله {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً} ترك الناس مؤاكلة الصّغير والكبير ممّن أذن الله في الأكل معه ومنه، فقال: وليس عليكم {في أنفسكم} في عيالكم أن تأكلوا منهم ومعهم إلى قوله {أو صديقكم} معناه: أو بيوت صديقكم،
وقبلها {أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مّفاتحه} يعني بيوت عبيدكم وأموالهم فذلك قوله (مفاتحه) خزائنه وواحد المفاتح مفتح إذا أردت به المصدر وإذا كان من المفاتيح التي يفتح بها - وهو الإقليد - فهو مفتح ومفتاح.
وقوله: {فسلّموا على أنفسكم} إذا دخل على أهله فليسلّم. فإن لم يكن في بيته أحد فليقل السّلام علينا من ربّنا، وإذا دخل المسجد قال: السلام على رسول الله، السّلام علينا وعلى خيار عباد الله الصالحين، ثم قال: {تحيّةً مّن عند اللّه} أي من أمر الله أمركم بها تفعلون تحيّة منه وطاعةً له. ولو كانت رفعاً على قولك: هي تحيّةٌ من عند الله (كان صواباً) ).
[معاني القرآن: 2/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" ولا على المريض حرجٌ " وأصله الضيق). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أو ما ملكتم مفاتحه " أو ما ملكتم إنفاذه وإخراجه لا يزاحم في شيء منه). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أشتاتاً " شتى وشتات واحد). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أشتاتا}:متفرقين واحدهم شت وشت ويقال للإثنين شتان وللجميع شتى مثل تترى ولا يقال إلا للإثنين فما فوقهما). [غريب القرآن وتفسيره: 275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ليس على الأعمى حرجٌ}: في مؤاكلة الناس. وكذلك الباقون: وإن اختلفوا فكان فيهم الرّغيب والزّهيد.
وقد بينت هذا في كتاب «المشكل»، واختلاف المفسرين فيه.
{ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} يريد: من أموال نسائكم ومن ضمّته منازلكم.
{أو ما ملكتم مفاتحه} يعني: بيوت العبيد. لأن السيد يملك منزل عبده.
{ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعاً} أي مجتمعين. {أو أشتاتاً} أي مفترقين. وكان المسلمون يتحرجون من مؤاكلة أهل الضّرّ -: خوفا من أن يستأثروا عليهم - ومن الاجتماع على الطعام: لاختلاف الناس في مأكلهم، وزيادة بعضهم على بعض. فوسّع اللّه عليهم.
{فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم}. قال ابن عباس: «أراد المساجد، إذا دخلتها فقل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين».
وقال الحسن: «ليسلم بعضكم على بعض. كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}). [تفسير غريب القرآن: 309-308]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وبعض المفسّرين يقول في قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، أي على أهليكم، جعلهم أنفسهم على التّشبيه.
وقال: ابن عباس في تفسير ذلك: البيوت: المساجد، إذا دخلتها سلّمت على نفسك وعلى عباد الله الصالحين). [تأويل مشكل القرآن: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الحرج: الإثم، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} أي إثم {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ}، أي إثم). [تأويل مشكل القرآن: 484] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}.
كان المسلمون في صدر الإسلام حين أمروا بالنصيحة ونهوا عن الخيانة وأنزل عليهم: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}. أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق- أدقّوا النظر وأفرطوا في التوقّي، وترك بعضهم مؤاكلة بعض:
فكان الأعمى لا يؤاكل الناس، لأنه لا يبصر الطعام فيخاف أن يستأثر، ولا يؤاكله الناس يخافون لضرره أن يقصر.
وكان الأعرج يتوقّى ذلك، لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يتفسّح في مجلسه، ويأخذ أكثر من موضعه، ويخاف الناس أن يسبقوه لضعفه.
وكان المريض يخاف أن يفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض: من رائحة تتغيّر، أو جرح يبضّ، أو أنف يذنّ، أو بول يسلس، وأشباه ذلك.
فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس، وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح.
وأما عائشة رضي الله عنها، فإنها قالت: كان المسلمون يوعبون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المغازي، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضّمنى، وهم الزّمنى، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في منازلنا. فكانوا يتوقّون أن يأكلوا من منازلهم حتى نزلت هذه الآية.
وإلى هذا يذهب قوم، منهم الزّهري.
ثم قال الله عز وجل: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} أراد: ولا عليكم أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم وأزواجكم.
وقال بعضهم: أراد: أن تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الأولاد كسبهم، وأموالهم كأموالهم. يدلك على هذا:
أن الناس لا يتوقّون أن يأكلوا من بيوتهم، وأن الله سبحانه عدّد القرابات وهم أبعد نسبا من الولد، ولم يذكر الولد.
وقال المفسرون في قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. أراد: ما أغنى عنه ماله وولده، فجعل الولد كسبا.
ثم قال: {أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}، يعني العبيد، لأن السيد يملك منزل عبده. هذا على تأويل ابن عباس.
وقال غيره: أو ما خزنتموه لغيركم. يريد الزّمنى الذين كانوا يخزنون للغزاة {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا} من منازل هؤلاء إذا دخلتموها، وإن لم يحضروا ولم يعلموا، من غير أن تتزوّدوا وتحملوا، ولا جناح عليكم أن تأكلوا جميعا أو فرادى، وإن اختلفتم: فكان فيكم الزّهيد، والرّغيب، والصحيح، والعليل.
وهذا من رخصته للقرابات وذوي الأواصر- كرخصته في الغرباء والأباعد لمن دخل حائطا وهو جائع: أن يصيب من ثمره، أو مرّ في سفر بغنم وهو عطشان: أن يشرب من رسلها، وكما أوجب للمسافر على من مرّ به الضيافة، توسعة منه ولطفا بعباده، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق، وضيق النظر). [تأويل مشكل القرآن: 334-332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم تحيّة من عند اللّه مباركة طيّبة كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون}
الحرج في اللغة الضيق، ومعناه في الدّين الإثم، وجاء في التفسير أن أهل المدينة قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يؤاكلون هؤلاء، فقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك خوفا من تمكن الأصحاء في الطعام، وقلّة تمكن هؤلاء، فقيل لهم ليس في مؤاكلتهم حرج، وقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك تقززا، وقيل أيضا إنّهم كانوا إذا خرجوا مع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - خلّفوا هؤلاء فكانوا يتحوبون أن يأكلوا مما يحفظونه فأعلمو أنه ليس عليهم جناح، وقيل أيضا إنه كان قوم يدعونهم إلى طعامهم فربما صاروا إلى منازلهم فلم يجدوا فيها طعاما، فيمضون بهم إلي آبائهم.
وجميع ما ذكروا جيّد بالغ إلا ما ذكروا من ترك المؤاكلة تقززا، فإني لا أدري كيف هو.
وقوله: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}.
معنى {أشتاتا} متفرقين متوحّدين.
ونصب " جميعا " على الحال، ويروى أن حيا من العرب كان الرجل منهم لا يأكل وحده، وهم حيّ من كنانة، يمكث
الرجل يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا، وربما كانت معه الإبل الحفّل، وهي التي ملء أخلافها اللبن فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه.
وقوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم} معناه فليسلّم بعضكم على بعض، فالسلام قد أمر الله به، وقيل أيضا: إذا دخلتم بيوتا وكانت خالية فليقل الداخل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين.
وقوله عزّ وجلّ: (تحيّة من عند اللّه) معناه النصب على المصدر، لأن قوله فسلموا، معناه تحيوا، ويحيي بعضكم بعضا، تحيّة من عند اللّه.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن السلام مبارك طيّب). [معاني القرآن: 4/55-53]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان
المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} إلى آخر الآية
قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي
يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه
والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن
قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} ما بال هؤلاء ذكروا ههنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك
ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله الآية: {ليس على الأعمى حرج}
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شيء
والقول الآخر قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله: {جميعا أو أشتاتا} وذلك لما أنزل الله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} فقال المسلمون إن الله عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله جل وعز بعد ذلك: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج} إلى قوله: {أو ما ملكت مفاتحه} وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته
قال أبو جعفر والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}
قال أبو جعفر فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام
وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح الله جل وعز لهم الأكل مع غيرهم
وهذا معنى رواية صالح عنه). [معاني القرآن: 4/559-556]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( فأما قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم}
فقيل معناه من بيوت عيالكم
وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم
واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد
ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد
وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس أو ما ملكتم مفاتحه يعني العبيد
وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة
وقرأ سعيد بن جبير أو ما ملكتم مفاتحه بضم الميم وتشديد اللام
وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة
وقيل ليس على الأعمى حرج أي في الغزو وكذا الأعرج المريض
ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم
أي من بيوت أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له
وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء
وذكر فيهم الخص والعام لأن قوله: {أو بيوت إخوانكم} عام). [معاني القرآن: 4/561-595]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم}
روى عمر بن دينار عن ابن عباس فإذا دخلتم بيوتا قال المساجد
فسلموا على أنفسكم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال ماهان: إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا
وقال الحسن فسلموا على أنفسكم ليسلم بعضكم على بعض كما قال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم}
قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم
قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر:
قد جعلت نفسي في الأديم
يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه
والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند الله مباركة طيبة
ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال تحية من عند الله مباركة طيبة). [معاني القرآن: 4/563-562]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَشْتَاتًا}: متفرقين). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ} [النور: 62] الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وكلّ شيءٍ تكون فيه الخطبة.
{لم يذهبوا حتّى يستأذنوه إنّ الّذين يستأذنونك أولئك الّذين يؤمنون باللّه ورسوله} [النور: 62] أي: مخلصين غير منافقين.
{فإذا استأذنوك لبعض شأنهم} [النور: 62] كما أمر اللّه عن الغائط والبول.
{فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62] وقد أوجب اللّه على النّبيّ والإمام بعده أن يأذن لهم ولكن زاد اللّه بذلك إكرام النّبيّ عليه السّلام وإعظام منزلته.
فإذا كانت لرجلٍ حاجةٌ قام حيال الإمام وأمسك بأنفه وأشار بيده.
قال: {واستغفر لهم اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [النور: 62] قال يحيى: وسمعت سعيدًا يذكر عن قتادة أنّها نسخت الآية في براءةٍ: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [التوبة: 43] وهي عنده في الجهاد، لأنّ المنافقين كانوا يستأذنونه في المقام عن الغزو بالعلل، فرخّص اللّه للمؤمنين أن يستأذنوا إذا كان لهم عذرٌ.
وقال مجاهدٌ: {وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ} [النور: 62] على أمر طاعةٍ، وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ...}

كان المنافقون يشهدون الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم فيذكّرهم ويعيبهم بالآيات التي تنزل فيهم، فيضجرون من ذلك. فإن خفي لأحدهم القيام قام). [معاني القرآن: 2/261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ} يريد: يوم الجمعة، {لم يذهبوا حتّى يستأذنوه}: لم يقوموا إلا بإذنه.
ويقال: بل نزل هذا في حفر الخندق، وكان قوم يتسلّلون منه بلا إذن). [تفسير غريب القرآن: 309]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتّى يستأذنوه إنّ الّذين يستأذنونك أولئك الّذين يؤمنون باللّه ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إنّ اللّه غفور رحيم}
قال بعضهم كان ذلك في الجمعة، فهو - واللّه أعلم - أن اللّه عزّ وجل أمر المؤمنين إذا كانوا مع نبيّه - صلى الله عليه وسلم - فيما يحتاج فيه إلى الجماعة، نحو الحرب للعدو، أو ما يحضرونه مما يحتاج إلى الجمع فيه، لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
وكذلك ينبغي أن يكونوا مع أئمّتهم لا يخالفونهم ولا يرجعون عنهم في جمع من جموعهم إلا بإذنهم، وللإمام أن يأذن، وله أن لا يأذن، على قدر ما يرى من الحظّ في ذلك لقوله تعالى: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم}فجعل المشيئة إليه في الإذن.
(واستغفر لهم اللّه) أي استغفر لهم بخروجهم عن الجماعة إذا رأيت أنّ لهم عذرا). [معاني القرآن: 4/55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}
قال سعيد بن جبير إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها استأذنوه قبل أن يذهبوا
وقال مجاهد هذا في الغزو ويوم الجمعة
وقال قتادة والضحاك وإذا كانوا معه على أمر جامع أي على أمر طاعة
قال أبو جعفر قول سعيد بن جبير أولاها أي إذا احتاج الإمام إلى جمع المسلمين لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه فالإمام مخير في الإذن لمن رأى الإذن له
فأما إذا انتقض وضوءه يوم الجمعة فلا وجه لمقامه في المسجد ولا معنى لاستئذانه الإمام في ذلك لأنه لا يجوز له منعه). [معاني القرآن: 4/564-563]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم}
قال قتادة وقد قال سبحانه: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} فنسخت هذه يعني التي في سورة النور التي في سورة براءة). [معاني القرآن: 4/565-564]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63] تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه قال: أمرهم أن يدعوه يا رسول اللّه في لينٍ وتواضعٍ ولا يقولوا: يا محمّد.
وقال قتادة: أمر اللّه أن يهاب نبيّه، وأن يعظّم ويسوّد، وأمروا أن يجيبوه لما دعاهم إليه من الجهاد والدّين.
[تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قوله: {قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذًا} [النور: 63] سعيدٌ عن قتادة قال: أي عن نبيّ اللّه وعن كتابه وذكره.
وقال مجاهدٌ: خلفًا يعني التّخلّف، أي: فرارًا من الجهاد في سبيل اللّه.
يعني المنافقين يلوذ بعضهم ببعضٍ استتارًا من النّبيّ حتّى يذهبوا.
قال: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره} [النور: 63] عن أمر اللّه، يعني المنافقين.
{أن تصيبهم فتنةٌ} [النور: 63] بليّةٌ.
يقول: فليحذروا أن تصيبهم فتنةٌ، بليّةٌ.
{أو يصيبهم عذابٌ أليمٌ} [النور: 63] أي: يستخرج اللّه ما في قلوبهم من النّفاق حتّى يظهروه شركًا فيصيبهم بذلك العذاب الأليم، القتل). [تفسير القرآن العظيم: 1/467]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم...}

أي يستتر (هذا بهذا) وإنّما قالوا: لو إذا لأنها مصدر لاوذت، ولو كانت مصدراً للذت لكانت لياذاً أي لذت لياذاً، كما تقول: قمت إليه قياماً، وقامتك قواماً طويلا. وقوله: {لاّ تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يقول: لا تدعوه يا محمد كما يدعو يعضكم بعضاً. لكن وقّروه فقولوا: يا نبيّ الله يا رسول الله يا أبا القاسم). [معاني القرآن: 2/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لواذاً} مصدر " لاوذته " من الملاوذة). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الّذين يخالفون عن أمره} مجازه يخالفون أمره سواء، وعن زائدة). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لواذا}: ملاوذة). [غريب القرآن وتفسيره: 275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يعني: فخّموه وشرفوه، وقولوا: يا رسول اللّه، ويا نبي اللّه، ونحو هذا. ولا تقولوا: يا محمد، كما يدعو بعضكم بعضا بالأسماء.
{قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذاً} أي من يستتر بصاحبه في استلاله، ويخرج. يقال: لاذ فلان بفلان، [إذا استتر به].
و«اللواذ»: مصدر «لاوذت به»، فعل اثنين ولو كان مصدرا ل «لذت» لكان «لياذا». هذا قول الفراء). [تفسير غريب القرآن: 309]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(عن) تزاد قال تعالى: {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: الإشراك والكفر والإثم، كقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، أي: شرك.
وقال: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} يعني الشرك.
وقال: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} أي: في الإثم.
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}، أي: كفر وإثم). [تأويل مشكل القرآن: 473] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذا فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}
أي لا تقولوا: يا محمد كما يقول أحدكم لصاحبه، ولكن قولوا يا رسول الله ويا نبي اللّه بتبجيل وتوقير وخفض صوت.
أعلمهم اللّه عزّ وجلّ فضل النبي عليه السلام على سائر البريّة في المخاطبة.
وقوله: (قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذا).
أظهرت الواو في (لواذا) على معنى لاوذت لواذا، ومعنى لواذا ههنا الخلاف - أي، يخالفون خلافا، ودليل ذلك قوله: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره}.
فأمّا مصدر لذت فقولك: لذت به لياذا). [معاني القرآن: 4/56-55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}
قال مجاهد قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم
وقال قتادة أمروا أن يفخموه ويشرفوه
ويروى عن ابن عباس كان يقول دعوة الرسول عليكم واجبة فاحذروها وهذا قول حسن لكون الكلام متصلا لأن الذي قبله والذي بعده نهي عن مخالفته أي لا تتعرضوا لما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس). [معاني القرآن: 4/566-565]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا}
قال مجاهد أي خلافا
وقيل حيادا كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه
وقيل لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
وقول مجاهد يدل عليه فليحذر الذين يخالفون عن أمره
و{لواذ} مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ
وزعم أبو عبيدة أن قوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره}
معناه يخالفون أمره
قال أبو جعفر وهذا القول خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان، وعن في موضعها غير زائدة
والمعنى يخالفون بعد ما أمر كما قال الشاعر:
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
وحقيقة عن ههنا إن شئت خلافهم أن تأمر فخلافهم عن أمره وهذا مذهب الخليل وسيبويه كذا قالا في قوله جل وعز: {ففسق عن أمر ربه} ). [معاني القرآن: 4/567-566]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا}: أي يتسللون ويمضون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لِوَاذًا}: ملاوذة وتستراً). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألا إنّ للّه ما في السّموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه} [النور: 64] من النّفاق، يعني المنافقين.
{ويوم يرجعون إليه} [النور: 64] يقول للنّبيّ: يوم يرجع المنافقون إليه يوم القيامة.
{فينبّئهم بما عملوا} [النور: 64] من النّفاق والكفر.
{واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 64]
- ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال: رأيت رسول اللّه وهو يقرأ هذه الآية، خاتمة النّور، فجعل إصبعه تحت عينه فقال: بكلّ شيءٍ بصيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/467]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة