العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:20 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (132) إلى الآية (135) ]

{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:04 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: ولكلّ عاملٍ في طاعة اللّه أو معصيته منازل ومراتب من عمله، يبلّغه اللّه إيّاها، ويثيبه بها، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًّا فشرًّا. {وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون} يقول جلّ ثناؤه: وكلّ ذلك من عملهم يا محمّد بعلمٍ من ربّك يحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم إيّاه ومعادهم إليه). [جامع البيان: 9/ 564]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون (132)}
قوله تعالى: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {درجاتٌ}؛ يعني فضائل ورحمةً.
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن زيادٍ، أنبأ يحيى بن الضّريس، قال: سمعت يعقوب قال: قال ابن أبي ليلى: لهم ثوابٌ، يعني للجنّ فوجدنا تصديق قوله في كتاب اللّه: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن الضحاك قال: الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون.
- وأخرج ابن المنذر عن ليث قال: بلغني أن الجن ليس لهم ثواب.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ليث بن أبي سليم قال: مسلمو الجن لا يدخلون الجنة ولا النار وذلك أن الله أخرج أباهم من الجنة فلا يعيده ولا يعيد ولده.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي ليلى قال: للجن ثواب وتصديق ذلك في كتاب الله: {ولكل درجات مما عملوا}
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه، مثله.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الخلق أربعة، فخلق في الجنة كلهم وخلق في النار كلهم وخلقان في الجنة والنار، فأما الذين في الجنة كلهم فالملائكة وأما الذين في النار كلهم فالشياطين وأما الذين في الجنة والنار فالجن والإنس لهم الثواب وعليهم العقاب.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني والحاكم واللالكائي في السنة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ثعلبة الخشني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجن على ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: الجن ولد إبليس والإنس ولد آدم ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أنعم قال: الجن ثلاثة أصناف، صنف لهم الثواب وعليهم العقاب وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض وصنف حيات وكلاب، والإنس ثلاثة أصناف، صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة وصنف هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا وصنف في صور الناس على قلوب الشياطين.
- وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه، أنه سئل عن الجن هل يأكلون ويشربون ويموتون ويتناكحون فقال: هم أجناس فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون وهي هذه التي منها السعالي والغول وأشباه ذلك). [الدر المنثور: 6/ 206-208]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن أبي الزّناد عن أبيه عن خارجة عن أبيه زيد بن ثابتٍ أنّه كان يقرأ: ذرّيّة {قومٍ آخرين}.
قال ابن أبي الزّناد: وكان أبي يحدّث عن أبانٍ عن زيد بن ثابتٍ: ينشزها، وذرية). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 57]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: {وربّك الغنيّ ذو الرّحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيدٍ، عن زيد بن ثابتٍ، أنّه كان يقرأ: {كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين} ). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 92]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وربّك الغنيّ ذو الرّحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين}.
يقول جلّ ثناؤه: وربّك يا محمّد الّذي أمر عباده بما أمرهم به، ونهاهم عمّا نهاهم عنه، وأثابهم على الطّاعة وعاقبهم على المعصية، الغنيّ عن عباده، الّذين أمرهم بما أمر ونهاهم عمّا نهى، وعن أعمالهم وعبادتهم إيّاه، وهم المحتاجون إليه، لأنّه بيده حياتهم ومماتهم وأرزاقهم وأقواتهم ونفعهم وضرّهم، يقول عزّ ذكره: فلم أخلقهم يا محمّد، ولم آمرهم بما أمرتهم به وأنههم عمّا نهيتهم عنه، لحاجةٍ لي إليهم ولا إلى أعمالهم، ولكن لأتفضّل عليهم برحمتي وأثيبهم على إحسانهم إن أحسنوا، فإنّي ذو الرّأفة والرّحمة.
وأمّا قوله: {إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء} فإنّه يقول: إن يشأ ربّك يا محمّد الّذي خلق خلقه لغير حاجةٍ منه إليهم وإلى طاعتهم إيّاه {يذهبكم} يقول: يهلك خلقه هؤلاء الّذين خلقهم من ولد آدم {ويستخلف من بعدكم ما يشاء} يقول: ويأت بخلقٍ غيركم وأممٍ سواكم يخلفونكم في الأرض، {من بعدكم} يعني: من بعد فنائكم وهلاككم. {كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين}، كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلقٍ آخرين كانوا قبلكم.
ومعنى {من} في هذا الموضع: التّعقيب، كما يقال في الكلام: أعطيتك من دينارك ثوبًا، بمعنى: مكان الدّينار ثوبًا، لا أنّ الثّوب من الدّينار بعضٌ، كذلك الّذين خوطبوا بقوله: {كما أنشأكم} لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنّهم أنشئوا من أصلاب قومٍ آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنّهم أنشئوا مكان خلقٍ خلف قومٍ آخرين قد هلكوا قبلهم.
والذّرّيّة من قول القائل: ذرأ اللّه الخلق، بمعنى خلقهم فهو يذرؤهم، ثمّ ترك الهمزة فقيل: ذرا اللّه، ثمّ أخرج الفعيلة بغير همزٍ على مثال العلّيّة.
وقد روي عن بعض المتقدّمين أنّه كان يقرأ: (من ذريئة قومٍ آخرين) على مثال فعيلةٍ.
وعن آخر أنّه كان يقرأ: (ومن ذرية) على مثال علية.
والقراءة الّتي عليها القرّاء في الأمصار: {ذرّيّة} بضمّ الذّال وتشديد الياء على مثال علّيّة.
وقد بيّنّا اشتقاق ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته ههنا.
وأصل الإنشاء: الإحداث، يقال: قد أنشأ فلانٌ يحدّث القوم، بمعنى: ابتدأ وأخذ فيه). [جامع البيان: 9/ 564-566]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وربّك الغنيّ ذو الرّحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين (133)}
قوله تعالى: {كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عقبة بن مكرمٍ ثنا يونس بن بكيرٍ عن محمّد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة قال: سمعت أبان بن عثمان يقول: كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين، قال: الذّرّيّة الأصل، والذّرّيّة النّسل). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن جابر قال: ما من أهل بيت من المسلمين إلا وفي سقف بيتهم أهل بيت من الجن من المسلمين إذا وضع غداؤهم نزلوا فتغدوا معهم وإذا وضع عشاؤهم نزلوا فتعشوا معهم، قوله تعالى: {كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين}.
- أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: الذرية الأصل والذرية النسل). [الدر المنثور: 6/ 209]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين}.
يقول تعالى ذكره للمشركين به: أيّها العادلون باللّه الأوثان والأصنام، إنّ الّذي يوعدكم به ربّكم من عقابه على إصراركم على كفركم واقعٌ بكم، {وما أنتم بمعجزين} يقول: لن تعجزوا ربّكم هربًا منه في الأرض فتفوتوه، لأنّكم حيث كنتم في قبضته، وهو عليكم وعلى عقوبتكم بمعصيتكم إيّاه قادرٌ، يقول: فاحذروه، وأنيبوا إلى طاعته قبل نزول البلاء بكم). [جامع البيان: 9/566]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين (134)}
قوله: {إنّ ما توعدون لآتٍ، وما أنتم بمعجزين}
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن المصفّى ثنا محمّد بن حميرٍ، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطاء بن أبي رباحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا بني آدم، إن كنتم تعقلون فعدّوا أنفسكم من الموتى، والّذي نفسي بيده إنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين.
قوله: {وما أنتم بمعجزين}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وما أنتم بمعجزين}، يقول: بمسابقين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمل، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي وظننت أن شفري يلتقيان حتى
أقبض ولا رفعت طرفي وظننت أني واضعه حتى أقبض ولا لقمت لقمة فظننت أني أسيغها حتى أغص بالموت، يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم في الموتى والذي نفسي بيده {إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين}.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: {وما أنتم بمعجزين} قال: بسابقين). [الدر المنثور: 6/ 209-210]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عاملٌ فسوف تعلمون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لقومك من قريشٍ، الّذين يجعلون مع اللّه إلهًا آخر: {اعملوا على مكانتكم} يقول: اعملوا على حيالكم وناحيتكم.
- كما حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يا قوم اعملوا على مكانتكم} يعني على ناحيتكم.
يقال منه: هو يعمل على مكانته ومكينته.
وقرأ ذلك بعض الكوفيّين: (على مكاناتكم) على جمع المكانة.
والّذي عليه قرّاء الأمصار: {على مكانتكم} على التّوحيد.
{إنّي عاملٌ} يقول جلّ ثناؤه لنبيّه: قل لهم: اعملوا ما أنتم عاملون، فإنّي عاملٌ ما أنا عامله ممّا أمرني به ربّي. {فسوف تعلمون} يقول: فسوف تعلمون عند نزول نقمة اللّه بكم، أيّنا كان المحقّ في عمله، والمصيب سبيل الرّشاد، أنا أم أنتم؟
وقوله تعالى ذكره لنبيّه: قل لقومك: {يا قوم اعملوا على مكانتكم} أمرٌ منه له بوعيدهم وتهديدهم، لا إطلاق لهم في عمل ما أرادوا من معاصي اللّه). [جامع البيان: 9/ 567]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {من تكون له عاقبة الدّار}: فسوف تعلمون أيّها الكفرة باللّه عند معاينتكم العذاب، من الّذي تكون له عاقبة الدّار منّا ومنكم، يقول: من الّذي يعقّب دنياه ما هو خيرٌ له منها أو شرٌّ منها بما قدّم فيها من صالح أعماله أو سيّئها.
ثمّ ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه فقال: {إنّه لا يفلح الظّالمون} يقول: إنّه لا ينجح ولا يفوز بحاجته عند اللّه من عمل بخلاف ما أمره اللّه به من العمل في الدّنيا، وذلك معنى ظلم الظّالم في هذا الموضع.
وفي {من} الّتي في قوله: {من تكون} له وجهان من الإعراب: الرّفع على الابتداء، والنّصب بقوله: {تعلمون} لإعمال العلم فيه.
والرّفع فيه أجود، لأنّ معناه: فسوف تعلمون أيّنا له عاقبة الدّار، فالابتداء في من أصحّ وأفصح من إعمال العلم فيه). [جامع البيان: 9/ 568]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عاملٌ فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون (135)}
قوله: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{قل يا قوم اعملوا على مكانتكم}، قال: على ناحيتكم.
وروي عن مجاهدٍ والضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: {من تكون له عاقبة الدّار، إنّه لا يفلح الظالمون}
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: الظّالمون يعني لا أقبل ما كان في الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {على مكانتكم} قال: على ناحيتكم.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك {على مكانتكم} يعني على جديلتكم وناحيتكم). [الدر المنثور: 6/ 210]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:17 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}


تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}


تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)}

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (العامة {كما أنشأكم من ذرية قوم} بالضم.
زيد بن ثابت "ذرية" بالكسر؛ وهذا مثل قول العرب: علية وعلية.
وقد حكي عن زيد أيضًا "من ذرية" على فعلية؛ فتكون ذرية فعلية من ذر يذر؛ وكأن ذرية فعلية من ذرا يذروا؛ من قول الله عز وجل {تذروه الرياح} أو من ذرأ الخلق؛ أي خلقهم؛ فترك الهمز، كما قالوا: البرية والنبي فلم يهمزوا؛ وكل حسن). [معاني القرآن لقطرب: 528]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وربّك الغنيّ ذو الرّحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قوم آخرين}
{كما أنشأكم من ذرّيّة قوم آخرين} موضع الكاف نصب.
المعنى {ويستخلف من بعدكم ما يشاء} مثل ما أنشأكم.
يقال: أنشأ اللّه الخلق إذا خلقه وأبدأه، وكل من ابتدأ شيئا فقد أنشأه.
ومن ذلك قولك فأنشأ الشاعر يقول، أي ابتدأ من نفسه، والنشأ الصغار من الأولاد.
قال نصيب:
ولولا أن يقال صبا نصيب ....... لقلت بنفسي النشأ الصّغار
ولهذا يقال للصغار نشء حسن، ونشوء حسن، أي قد ظهر له ابتداء حسن). [معاني القرآن: 2/ 293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين}
الإنشاء ابتداء الخلق). [معاني القرآن: 2/ 492]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وما أنتم بمعجزين} أي فائتين، ويقال: أعجزني فلان فاتني وغلبني وسبقني، وأعجز مني، وهما سواء). [مجاز القرآن: 1/ 206]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {وما أنتم بمعجزين} ولن يعجز الله؛ فذلك عندنا من عجز عن الشيء، وقالوا أيضًا عجز عنه؛ وهي قليلة. وأما قوله عز وجل {معاجزين} فعاجز معاجزة للهارب.
[وزاد محمد بن صالح]:
عاجز هارب.
وأما {معجزين} فمن ثقل فمثبطين؛ عجز تعجيزًا: ثبط عن الأمر). [معاني القرآن لقطرب: 552]


تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار...}
(من تكون له) في موضع رفع، ولو نصبتها كان صوابا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {واللّه يعلم المفسد من المصلح}.
وقوله: {من تكون له عاقبة الدّار} إذا كان الفعل في مذهب مصدر مؤنثا مثل العاقبة، والموعظة، والعافية، فإنك إذا قدّمت فعله قبله أنّثته وذكّرته؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {فمن جاءه موعظةٌ من ربّه} بالتذكير، وقال: {قد جاءتكم موعظةٌ من ربّكم} بالتأنيث. وكذلك {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} {وأخذت} فلا تهابنّ من هذا تذكيرا ولا تأنيثا). [معاني القرآن: 1/ 356-357]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اعملوا على مكانتكم} أي على حيالكم وناحيتكم). [مجاز القرآن: 1/ 206]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) :
(الحسن وأبو عبد الرحمن {على مكاناتكم}.
أبو عمرو وأهل المدينة {على مكانتكم} يجعله واحدًا.
[معاني القرآن لقطرب: 528]
وقالوا في كلامهم: الرجل على مكينته ومكيثته؛ أي على اتئاده؛ وقالوا {على مكاناتكم} أي على حيالكم وناحيتكم). [معاني القرآن لقطرب: 529]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({على مكانتكم}: ناحيتكم). [غريب القرآن وتفسيره: 142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يا قوم اعملوا على مكانتكم} أي على موضعكم. يقال: مكان ومكانة. ومنزل ومنزلة. وتسع وتسعة. ومتن ومتنة. وعماد وعمادة). [تفسير غريب القرآن: 160]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون}
ومكاناتكم، المعنى اعملوا على تمكنكم.
ويجوز أن يكون المعنى اعملوا على ما أنتم عليه، ويقال للرجل إذا أمرته أن يثبت على حال: على مكانتك يا فلان، أي أثبت على ما أنت عليه.
فإن قال قائل فكيف يجوز أن يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقيموا على الكفر فيقول لهم: {اعملوا على مكانتكم}، فإنما معنى هذا الأمر المبالغة في الوعيد، لأن قوله لهم: {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون}.
قد أعلمهم أن من عمل بعملهم فإلى النار مصيره، فقال لهم: أقيموا على ما أنتم عليه إن رضيتم العذاب بالنار). [معاني القرآن: 2/ 293-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل عز: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} فيه قولان:
- أحدهما: أن المعنى على تمكنكم.
- والقول الآخر: أنه كما تقول "أثبت مكانك" أي اثبت على ما أنت عليه فإن قيل كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار فالجواب أن هذا تهدد كما قال جل وعز: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} ودل عليه قوله: {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} والمعنى على هذا اثبتوا على ما أنتم عليه إن رضيتم بالنار). [معاني القرآن: 2/ 493]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَكَانَتِكُمْ} أي موضعكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَكَانَتِكُمْ}: ناحيتكم). [العمدة في غريب القرآن: 131]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:12 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) }


تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) }


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) }


تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولكلٍّ درجاتٌ ... الآية} إخبار من الله عز وجل أن المؤمنين في الآخرة على درجات من التفاضل بحسب أعمالهم وتفضل الله عليهم، والمشركين أيضا على درجات من العذاب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولكن كل مؤمن قد رضي بما أعطي غاية الرضى، وقرأت الجماعة سوى ابن عامر «يعملون» على لفظ كل، وقرأ ابن عامر وحده «تعملون» على المخاطبة بالتاء). [المحرر الوجيز: 3/ 464]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وربّك الغنيّ ذو الرّحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين (133) إنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين (134) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عاملٌ فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون (135)}
الغنيّ صفة ذات لله عز وجل لأنه تبارك وتعالى لا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات، ثم تليت هذه الصفة بقوله ذو الرّحمة فأردف الاستغناء بالتفضل وهذا أجمل تناسق، ثم عقب بهذه الألفاظ المضمنة الوعيد المحذرة من بطش الله عز وجل في التعجيل بذلك وأما مع المهلة ومرور الجديدين، فكذلك عادة الله في الخلق، وأما «الاستخلاف» فكما أوجد الله تعالى هذا العالم الآدمي بالنشأة من ذرية قوم متقدمين أصلهم آدم عليه السلام، وقرأت الجماعة «ذرّية» بضم الذال وشد الراء المكسورة، وقرأ زيد بن ثابت بكسر الذال وكذلك في سورة آل عمران وحكى أبو حاتم عن أبان بن عثمان أنه قرأ «ذرية» بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة، وحكى عنه أبو الزناد أنه قرأ على المنبر «ذرية» بفتح الذال وسكون الراء على وزن فعلة، قال فسألته فقال أقرأنيها زيد بن ثابت، ومن في قوله من ذرّيّة للتبعيض وذهب الطبري إلى أنها بمعنى قولك أخذت من ثوبي دينارا بمعنى عنه وعوضه). [المحرر الوجيز: 3/ 464-465]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وتوعدون مأخوذ من الوعيد بقرينة وما أنتم بمعجزين والإشارة إلى هذا الوعيد المتقدم خصوصا. وأما أن يكون العموم مطلقا فذلك يتضمن إنفاذ الوعيد، والعقائد ترد ذلك، وبمعجزين معناه بناجين هربا أي يعجزون طالبهم). [المحرر الوجيز: 3/ 465]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يتوعدهم بقوله اعملوا أي فسترون عاقبة عملكم الفاسد، وصيغة افعل هاهنا بمعنى الوعيد والتهديد، وعلى مكانتكم معناه على حالكم وطريقتكم، وقرأ أبو بكر عن عاصم «على مكاناتكم» بجمع المكانة في كل القرآن، وقرأ الجميع بالإفراد في كل القرآن، ومن يتوجه أن يكون بمعنى الذي، فتكون في موضع نصب ب تعلمون، ويتوجه أن يكون استفهاما في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله تكون له، وعاقبة الدّار أي مآل الآخرة، ويحتمل أن يراد مآل الدنيا بالنصر والظهور ففي الآية إعلام بغيب، ثم جزم الحكم ب إنّه لا يفلح الظّالمون أي ينجح سعيهم، وقرأ حمزة والكسائي من «يكون له عاقبة» بالياء هاهنا وفي القصص على تذكير معنى العاقبة). [المحرر الوجيز: 3/ 465]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال: وقوله: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا} أي: ولكلّ عاملٍ من طاعة اللّه أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلّغه اللّه إيّاها، ويثيبه بها، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌّ.
قلت: ويحتمل أن يعود قوله: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا} [أي] من كافري الجنّ والإنس، أي: ولكلٍّ درجةٌ في النّار بحسبه، كقوله [تعالى] {قال لكلٍّ ضعفٌ [ولكن لا تعلمون]} [الأعراف: 38]، وقوله: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [النّحل: 88].
{وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون} قال ابن جريرٍ: أي وكلّ ذلك من عملهم، يا محمّد، بعلمٍ من ربّك، يحصيها ويثبتها لهم عنده، ليجازيهم عليها عند لقائهم إيّاه ومعادهم إليه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 342]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وربّك الغنيّ ذو الرّحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين (133) إنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين (134) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عاملٌ فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون (135)}
يقول [تعالى]: {وربّك} يا محمّد {الغنيّ} أي: عن جميع خلقه من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، {ذو الرّحمة} أي: وهو مع ذلك رحيمٌ بهم رؤوف، كما قال تعالى: {إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ} [البقرة: 143].
{إن يشأ يذهبكم} أي: إذا خالفتم أمره {ويستخلف من بعدكم ما يشاء} أي: قومًا آخرين، أي: يعملون بطاعته، {كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين} أي: هو قادرٌ على ذلك، سهلٌ عليه، يسيرٌ لديه، كما أذهب القرون الأول وأتى بالّذي بعدها كذلك هو قادرٌ على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين، كما قال تعالى: {إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس ويأت بآخرين وكان اللّه على ذلك قديرًا} [النّساء: 133]، وقال تعالى: {يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى اللّه واللّه هو الغنيّ الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ وما ذلك على اللّه بعزيزٍ} [فاطر: 15 -17]، وقال تعالى: {واللّه الغنيّ وأنتم الفقراء وإن تتولّوا يستبدل قومًا غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم} [محمّد: 38].
وقال محمّد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة قال: سمعت أبان بن عثمان يقول في هذه الآية: {كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين} الذّرّيّة: الأصل، والذّرّيّة: النّسل). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 342-343]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين} أي: أخبرهم يا محمّد أنّ الّذي يوعدون به من أمر المعاد كائنٌ لا محالة، {وما أنتم بمعجزين} أي: ولا تعجزون اللّه، بل هو قادرٌ على إعادتكم، وإن صرتم ترابًا رفاتًا وعظامًا هو قادرٌ لا يعجزه شيءٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ في تفسيرها: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن المصفّى، حدّثنا محمّد بن حميرٍ، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدري، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «يا بني آدم، إن كنتم تعقلون فعدّوا أنفسكم من الموتى. والّذي نفسي بيده إنّما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين»). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 343]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عاملٌ فسوف تعلمون} هذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ، أي: استمرّوا على طريقكم وناحيتكم إن كنتم تظنّون أنّكم على هدًى، فأنا مستمرٌّ على طريقتي ومنهجي، كما قال تعالى: {وقل للّذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنّا عاملون * وانتظروا إنّا منتظرون} [هودٍ: 121، 122].
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {على مكانتكم} أي: ناحيتكم.
{فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار إنّه لا يفلح الظّالمون} أي: أتكون لي أو لكم. وقد أنجز موعده له، صلوات اللّه عليه، فإنّه تعالى مكّن له في البلاد، وحكّمه في نواصي مخالفيه من العباد، وفتح له مكّة، وأظهره على من كذّبه من قومه وعاداه وناوأه، واستقرّ أمره على سائر جزيرة العرب، وكذلك اليمن والبحرين، وكلّ ذلك في حياته. ثمّ فتحت الأمصار والأقاليم والرّساتيق بعد وفاته في أيّام خلفائه، رضي اللّه عنهم أجمعين، كما قال اللّه تعالى: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي} [المجادلة: 20]، وقال {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافر: 51، 52]، وقال تعالى: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105]، وقال تعالى إخبارًا عن رسله: {فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظّالمين. ولنسكننّكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} [إبراهيم: 13، 14]، وقال تعالى: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ... الآية} [النّور: 55]، وقد فعل اللّه [تعالى] ذلك بهذه الأمّة، وله الحمد والمنّة أولا وآخرًا، باطنًا وظاهرًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 343]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة