العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الحج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 08:07 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير سورة الحج [من الآية (30) إلى الآية (33) ]

{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 08:08 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) )

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن مهدي، عن الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن وائل بن ربيعة قال: سمعت ابن مسعودٍ يقول: شهادة الزّور تعدل بالشّرك باللّه، ثمّ قرأ ابن مسعودٍ هذه الآية: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}). [الجامع في علوم القرآن: 1/133]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله إلا ما يتلى عليكم قال إلا الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه). [تفسير عبد الرزاق: 2/37-38]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
يعني تعالى ذكره بقوله {ذلك} هذا الّذي أمر به من قضاء التّفث، والوفاء بالنّذور، والطّواف بالبيت العتيق، هو الفرض الواجب عليكم يا أيّها النّاس في حجّكم {ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه} يقول: ومن يجتنب ما أمره اللّه باجتنابه في حال إحرامه تعظيمًا منه لحدود اللّه أن يواقعها، وحرمه أن يستحلّها، فهو خيرٌ له عند ربّه في الآخرة.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، في قوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه} قال: " الحرمة: مكّة والحجّ والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها ".
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومن يعظّم حرمات اللّه} قال: " الحرمات: المشعر الحرام، والبيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، هؤلاء الحرمات.
وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام} يقول جلّ ثناؤه: وأحلّ اللّه لكم أيّها النّاس الأنعام أن تأكلوها إذا ذكّيتموها، فلم يحرّم عليكم منها بحيرةً، ولا سائبةً، ولا وصيلةً، ولا حامًا، ولا ما جعلتموه منها لآلهتكم. {إلاّ ما يتلى عليكم} يقول: إلاّ ما يتلى عليكم في كتاب اللّه، وذلك: الميتة، والدّم، ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير اللّه به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردّية، والنّطيحة، وما أكل السّبع، وما ذبح على النّصب، فإنّ ذلك كلّه رجسٌ.
- كما حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إلاّ ما يتلى عليكم} قال: " إلاّ الميتة، وما لم يذكر اسم اللّه عليه ".
- حدّثنا الحسن قال: حدّثنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
وقوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} يقول: فاتّقوا عبادة الأوثان، وطاعة الشّيطان في عبادتها، فإنّها رجسٌ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} يقول تعالى ذكره: " فاجتنبوا طاعة الشّيطان في عبادة الأوثان ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {الرّجس من الأوثان} قال: " عبادة الأوثان ".
وقوله: {واجتنبوا قول الزّور} يقول تعالى ذكره: واتّقوا قول الكذب، والفرية على اللّه بقولكم في الآلهة: {ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} وقولكم للملائكة: هي بنات اللّه، ونحو ذلك من القول، فإنّ ذلك كذبٌ، وزورٌ، وشركٌ باللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {قول الزّور} قال: " الكذب ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {واجتنبوا قول الزّور حنفاء للّه غير مشركين به} يعني: " الافتراء على اللّه، والتّكذيب ".
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن وائل بن ربيعة، عن عبد اللّه، قال: " تعدل شهادة الزّور بالشّرك " وقرأ: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن وائل بن ربيعة، قال: " عدلت شهادة الزّور الشّرك ثمّ قرأ هذه الآية: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا سفيان العصفريّ، عن أبيه، عن خريم بن فاتكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " عدلت شهادة الزّور بالشّرك باللّه "، ثمّ قرأ: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن سفيان العصفريّ، عن فاتك بن فضالة، عن أيمن بن خريمٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قام خطيبًا فقال: " أيّها النّاس عدلت شهادة الزّور بالشّرك باللّه " مرّتين ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور} ".
ويجوز أن يكون مرادًا به: اجتنبوا أن ترجسوا أنتم أيّها النّاس من الأوثان بعبادتكم إيّاها.
فإن قال قائلٌ: وهل من الأوثان ما ليس برجسٍ حتّى قيل: فاجتنبوا الرّجس منها؟ قيل: كلّها رجسٌ. وليس المعنى ما ذهبت إليه في ذلك، وإنّما معنى الكلام: فاجتنبوا الرّجس الّذي يكون من الأوثان، أي: عبادتها، فالّذي أمر جلّ ثناؤه به بقوله: {فاجتنبوا الرّجس} منها اتّقاء عبادتها، وتلك العبادة هي الرّجس، على ما قاله ابن عبّاسٍ، ومن ذكرنا قوله قبل). [جامع البيان: 16/533-537]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ومن يعظم حرمات الله قال الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه). [تفسير مجاهد: 423-424]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله واجتنبوا قول الزور يعني الكذب). [تفسير مجاهد: 424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق.
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ذلك ومن يعظم حرمات الله} قال: الحرمة الحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها). [الدر المنثور: 10/471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عطاء وعكرمة {ذلك ومن يعظم حرمات الله} قالا: المعاصي). [الدر المنثور: 10/471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ومن يعظم حرمات الله} قال: الحرمات المشعر الحرام والبيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام). [الدر المنثور: 10/471-472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجة، وابن أبي حاتم عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لن تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها - يعني مكة - فإذا ضيعوا ذلك هلكوا). [الدر المنثور: 10/472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} يقول: اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الاوثان {واجتنبوا قول الزور} يعني الافتراء على الله والتكذيب به). [الدر المنثور: 10/472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن أيمن بن خريم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكا بالله ثلاثا ثم قرأ {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} ). [الدر المنثور: 10/472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن داود، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك الأسدي قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما انصرف قائما قال: عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثلاثا ثم تلا هذه الآية {واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به} ). [الدر المنثور: 10/472-473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس - فقال: ألا وقول الزور، إلا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت). [الدر المنثور: 10/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي عن ابن مسعود قال: شهادة الزور تعدل بالشرك بالله، ثم قرأ {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} ). [الدر المنثور: 10/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {واجتنبوا قول الزور} قال: الكذب). [الدر المنثور: 10/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {واجتنبوا قول الزور} يعني الشرك بالكلام، وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت فيقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك). [الدر المنثور: 10/474]

تفسير قوله تعالى: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فكأنما خر من السماء قال هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق). [تفسير عبد الرزاق: 2/38]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: {حنفاء} قال: متبعين [الآية: 31].
سفيان [الثوري] عن السدي قال: الحجاج). [تفسير الثوري: 212]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ}.
يقول تعالى ذكره: اجتنبوا أيّها النّاس عبادة الأوثان، وقول الشّرك، مستقيمين للّه على إخلاص التّوحيد له، وإفراد الطّاعة والعبادة له، خالصًا دون الأوثان والأصنام، غير مشركين به شيئًا من دونه، فإنّه من يشرك باللّه شيئًا من دونه، فمثله في بعده من الهدى، وإصابة الحقّ، وهلاكه، وذهابه عن ربّه، مثل من خرّ من السّماء، فتخطفه الطّير فهلك، أو هوت به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ، يعني من بعيدٍ، من قولهم: أبعده اللّه وأسحقه، وفيه لغتان: أسحقته الرّيح، وسحقته، ومنه قيل للنّخلة الطّويلة: نخلةٌ سحوقٌ، ومنه قول الشّاعر:
كانت لنا جارةٌ فأزعجها = قاذورةٌ تسحق النّوى قدما
ويروى: تسحق.
يقول: فهكذا مثل المشرك باللّه في بعده من ربّه، ومن إصابة الحقّ، كبعد هذا الواقع من السّماء إلى الأرض، أو كهلاك من اختطفته الطّير منهم في الهواء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فكأنّما خرّ من السّماء} قال: " هذا مثلٌ ضربه اللّه لمن أشرك باللّه في بعده من الهدى وهلاكه {فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ} ".
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {في مكانٍ سحيقٍ} قال: " بعيدٌ ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقيل: {فتخطفه الطّير} وقد قيل قبله: {فكأنّما خرّ من السّماء} وخرّ فعلٌ ماضٍ، وتخطفه مستقبلٌ، فعطف بالمستقبل على الماضي، كما فعل ذلك في قوله: {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه} وقد بيّنت ذلك هناك). [جامع البيان: 16/537-539]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {حنفاء لله غير مشركين به} قال: حجاجا لله غير مشركين به، وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين فلما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين: حجوا الآن غير مشركين بالله). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق قال: كان الناس يحجون وهم مشركون فكانوا يسمونهم حنفاء الحجاج فنزلت {حنفاء لله غير مشركين به} ). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق قال: كان ناس من مضر وغيرهم يحجون البيت وهم مشركون وكان من لا يحج البيت من المشركين يقولون: قولوا حنفاء، فقال الله {حنفاء لله غير مشركين به} يقول: حجاجا غير مشركين به). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن السدي قال: ما كان في القرآن من حنفاء قال: مسلمين، وما كان حنفاء مسلمين فهم حجاج). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {حنفاء} قال: حجاجا.
وأخرج عن الضحاك مثله). [الدر المنثور: 10/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {حنفاء} قال: متبعين). [الدر المنثور: 10/474-475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء}، قال: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه). [الدر المنثور: 10/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {في مكان سحيق} قال: بعيد). [الدر المنثور: 10/475]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا سفيان، عن جابر، عن عطاء، في قوله: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [سورة الحج: 32] قال: هي المعاصي). [الزهد لابن المبارك: 2/94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب}.

يقول تعالى ذكره: هذا الّذي ذكرت لكم أيّها النّاس وأمرتكم به من اجتناب الرّجس من الأوثان، واجتناب قول الزّور، حنفاء للّه، وتعظيم شعائر اللّه، وهو استحسان البدن، واستسمانها، وأداء مناسك الحجّ على ما أمر اللّه جلّ ثناؤه، من تقوى قلوبكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمّد بن زيادٍ، عن محمّد بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} قال: " استعظامها، واستحسانها، واستسمانها ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: " " الاستسمان والاستعظام ".
وبه، عن عنبسة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله، إلاّ أنّه قال: والاستحسان ".
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ الواسطيّ، قال: أخبرنا إسحاق، عن أبي بشرٍ، وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: " استعظام البدن، واستسمانها، واستحسانها ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن محمّد بن أبي موسى، قال: " الوقوف بعرفة من شعائر اللّه، وبجمعٍ من شعائر اللّه، ورمي الجمار من شعائر اللّه، والبدن من شعائر اللّه، ومن يعظّمها فإنّها من شعائر اللّه في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} فمن يعظّمها فإنّها من تقوى القلوب.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: " الشّعائر: الجمار، والصّفا والمروة من شعائر اللّه، والمشعر الحرام والمزدلفة، قال: والشّعائر تدخل في الحرم، هي شعائر، وهي حرمٌ.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب: أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ تعظيم شعائره، وهي ما جعله أعلامًا لخلقه فيما تعبّدهم به من مناسك حجّهم، من الأماكن الّتي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، والأعمال الّتي ألزمهم عملها في حجّهم: من تقوى قلوبهم، لم يخصّص من ذلك شيئًا، فتعظيم كلّ ذلك من تقوى القلوب، كما قال جلّ ثناؤه، وحقٌّ على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك.
وقال: {إنّها من تقوى القلوب} وأنّث ولم يقل: ( فإنّه )، لأنّه أريد بذلك: فإنّ تلك التّعظيمة مع اجتناب الرّجس من الأوثان من تقوى القلوب، كما قال جلّ ثناؤه: {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ}.
وعني بقوله: {فإنّها من تقوى القلوب} فإنّها من وجل القلوب من خشية اللّه، وحقيقة معرفتها بعظمته، وإخلاص توحيده). [جامع البيان: 16/539-541]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن يعظم شعائر الله يعني استعظام البدن واستسمانها واستحسانها). [تفسير مجاهد: 424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب * لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق * ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: البدن). [الدر المنثور: 10/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام، وفي قوله {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: إلى أن تسمى بدنا). [الدر المنثور: 10/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: استعظام البدن واستسمانها واستحسانها {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: ظهورها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هديا، فإذا سميت هديا ذهبت المنافع {ثم محلها} يقول: حين يسمى إلى البيت العتيق). [الدر المنثور: 10/475-476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن موسى في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الوقوف بعرفة من شعائر الله وبجمع من شعائر الله والبدن من شعائر الله ورمي الجمار من شعائر الله والحلق من شعائر الله، فمن يعظمها {فإنها من تقوى القلوب (32) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: لكم في كل مشعر منها منافع إلى أن تخرجوا منه إلى غيره {ثم محلها إلى البيت العتيق} قال: محل هذه الشعائر كلها الطواف بالبيت العتيق). [الدر المنثور: 10/476-477]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله قال: حرمات الله اجتناب سخط الله واتباع طاعته، فذلك شعائر الله). [الدر المنثور: 10/477]

تفسير قوله تعالى: (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني شبيب عن شعبة عن الحكم عن مجاهد في قول الله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمى}، قال: في ألبانها وأوبارها وأشعارها حتى تصير بدناً). [الجامع في علوم القرآن: 2/25]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: ألبانها وأصوافها وأشعارها وركوبها فإذا صارت بدنًا ذهبت المنافع [الآية: 33].
سفيان [الثوري] في قوله: {إلى أجل مسمى} قال: إذا دعيت وسمّيت البدن). [تفسير الثوري: 212]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {البيت العتيق} قال: أعتقه اللّه عزّ وجلّ من كلّ جبّارٍ، ما أراده جبّارٌ قطّ إلا قصمه اللّه عزّ وجلّ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 56] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله: {فيها منافع إلى أجلٍ مسمى} قال: الأجل المسمّى إذا قلّدت البدن). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق}.
اختلف أهل التّأويل في معنى المنافع الّتي ذكر اللّه في هذه الآية، وأخبر عباده أنّها إلى أجلٍ مسمًّى، على نحو اختلافهم في معنى الشّعائر الّتي ذكرها جلّ ثناؤه في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} فقال الّذين قالوا عنى بالشّعائر البدن: معنى ذلك: لكم أيّها النّاس في البدن منافع.
ثمّ اختلف أيضًا الّذين قالوا هذه المقالة في الحال الّتي لهم فيها منافع، وفي الأجل الّذي قال عزّ ذكره: {إلى أجلٍ مسمًّى} فقال بعضهم: الحال الّتي أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ لهم فيها منافع، هي الحال الّتي لم يوجبها صاحبها، ولم يسمّها بدنةً، ولم يقلّدها. قالوا: ومنافعها في هذه الحال: شرب ألبانها، وركوب ظهورها، وما يرزقهم اللّه من نتاجها وأولادها. قالوا: والأجل المسمّى الّذي أخبر جلّ ثناؤه أنّ ذلك لعباده المؤمنين منها إليها، هو إلى إيجابهم إيّاها، فإذا أوجبوها بطل ذلك، ولم يكن لهم من ذلك شيءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " ما لم يسمّ بدنًا ".
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " الرّكوب واللّبن والولد، فإذا سمّيت بدنةً، أو هديًا ذهب ذلك كلّه ".
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في هذه الآية: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " لكم في ظهورها وألبانها وأوبارها، حتّى تصير بدنًا ".
- قال: حدّثنا ابن أبى عديٍّ قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، بمثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيحٍ، وليثٍ، عن مجاهدٍ: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " في أشعارها، وأوبارها، وألبانها قبل أن تسمّيها بدنةً ".
- قال: حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ} مسمًّى قال: " في البدن: لحومها وألبانها، وأشعارها، وأوبارها، وأصوافها قبل أن تسمّى هديًا ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله، وزاد فيه: وهي الأجل المسمّى.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، أنّه قال في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} قال: " منافع في ألبانها، وظهورها، وأوبارها {إلى أجلٍ مسمًّى} إلى أن تقلّد ".
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، مثل ذلك.
- حدّثني يعقوب، قال: قال ابن عليّة: سمعت ابن أبي نجيحٍ، يقول في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " إلى أن توجبها بدنةً ".
- قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قتادة: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} يقول: " في ظهورها وألبانها، فإذا قلّدت فمحلّها إلى البيت العتيق ".
وقال آخرون ممّن قال: الشّعائر البدن في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} والهاء في قوله: {لكم فيها} من ذكر الشّعائر، ومعنى قوله: {لكم فيها منافع} لكم في الشّعائر الّتي تعظّمونها للّه منافع بعد اتّخاذكموها للّه بدنًا أو هدايا، بأن تركبوا ظهورها إذا احتجتم إلى ذلك، وتشربوا ألبانها إن اضطررتم إليها. قالوا: والأجل المسمّى الّذي قال جلّ ثناؤه: {إلى أجلٍ مسمًّى} إلى أن تنحر.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " هو ركوب البدن، وشرب لبنها إن احتاج ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاء بن أبي رباحٍ في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " إلى أن تنحر.
قال: له أن يحمل عليها المعيي، والمنقطع به من الضّرورة، كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيّدها أن يحمل عليها، ويركب غير منهوكه " قلت لعطاءٍ: ما؟ قال: " الرّجل الرّاجل، والمنقطع به، والمتبع وإن نتجت، أن يحمل عليها ولدها، ولا يشرب من لبنها إلاّ فضلاً عن ولدها، فإن كان في لبنها فضلٌ فليشرب من أهداها ومن لم يهدها ".
وأمّا الّذين قالوا: معنى الشّعائر في قوله: {ومن يعظّم شعائر اللّه}. شعائر الحجّ، وهي الأماكن الّتي ينسك عندها للّه، فإنّهم اختلفوا أيضًا في معنى المنافع الّتي قال اللّه: {لكم فيها منافع} فقال بعضهم: معنى ذلك: لكم في هذه الشّعائر الّتي تعظّمونها منافع بتجارتكم عندها، وبيعكم، وشرائكم بحضرتها، وتسوّقكم. والأجل المسمّى: الخروج من الشّعائر إلى غيرها، ومن المواضع الّتي ينسك عندها إلى ما سواها في قول بعضهم.
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن سليمان الضّبّيّ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي رزينٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {لكم فيها منافع} قال: " أسواقهم، فإنّه لم يذكر منافع إلاّ للدّنيا ".
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن محمّد بن أبي موسى، قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: " والأجل المسمّى: الخروج منه إلى غيره ".
وقال آخرون منهم: المنافع الّتي ذكرها اللّه في هذا الموضع: العمل للّه بما أمر من مناسك الحجّ. قالوا: والأجل المسمّى: هو انقضاء أيّام الحجّ الّتي ينسك للّه فيهنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، " في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} فقرأ قول اللّه: {ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} لكم في تلك الشّعائر منافع إلى أجلٍ مسمًّى، إذا ذهبت تلك الأيّام لم تر أحدًا يأتي عرفة يقف فيها يبتغي الأجر، ولا المزدلفة، ولا رمي الجمار، وقد ضربوا من البلدان لهذه الأيّام الّتي فيها المنافع، وإنّما منافعها إلى تلك الأيّام، وهي الأجل المسمّى، ثمّ محلّها حين تنقضي تلك الأيّام إلى البيت العتيق ".
قال أبو جعفرٍ: وقد دلّلنا قبل على أنّ قول اللّه تعالى ذكره: {ومن يعظّم شعائر اللّه} معنيّ به: كلّ ما كان من عملٍ أو مكانٍ جعله اللّه علمًا لمناسك حجّ خلقه، إذ لم يخصّص من ذلك جلّ ثناؤه شيئًا في خبرٍ ولا عقلٍ وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ معنى قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى}: في هذه الشّعائر منافع إلى أجلٍ مسمًّى، فما كان من هذه الشّعائر بدنًا وهديًا، فمنافعها لكم من حين تملكون، إلى أن أوجبتموها هدايا وبدنًا، وما كان منها أماكن ينسك للّه عندها، فمنافعها التّجارة للّه عندها، والعمل لله بما أمر به إلى الشّخوص عنها، وما كان منها أوقاتًا فأن يطاع اللّه فيها بعمل أعمال الحجّ، وبطلب المعاش فيها بالتّجارة، إلى أن يطاف بالبيت في بعضٍ، أو يوافى الحرم في بعضٍ، ويخرج من الحرم في بعضٍ.
وقد اختلف الّذين ذكرنا اختلافهم في تأويل قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} في تأويل قوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} فقال الّذين قالوا: عني بالشّعائر في هذا الموضع البدن: معنى ذلك: ثمّ محلّ البدن إلى أن تبلغ مكّة، وهي الّتي بها البيت العتيق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} إلى " مكّة ".
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} " يعني محلّ البدن حين تسمّى إلى البيت العتيق ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: {ثمّ محلّها} " حين تسمّى هديًا، إلى البيت العتيق قال: الكعبة، أعتقها من الجبابرة ".
فوجّه هؤلاء تأويل ذلك إلى: ثمّ منحر البدن والهدايا الّتي أوجبتموها إلى أرض الحرم. وقالوا: عنى بالبيت العتيق أرض الحرم كلّها. وقالوا: وذلك نظير قوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام}، والمراد: الحرم كلّه.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثمّ محلّكم أيّها النّاس من مناسك حجّكم إلى البيت العتيق أن تطوفوا به يوم النّحر بعد قضائكم ما أوجبه اللّه عليكم في حجّكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن محمّد بن أبي موسى: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} قال: " محلّ هذه الشّعائر كلّها الطّواف بالبيت ".
وقال آخرون: معنى ذلك: ثمّ محلّ منافع أيّام الحجّ إلى البيت العتيق بانقضائها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} " حين تنقضي تلك الأيّام، أيّام الحجّ إلى البيت العتيق ".
وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: ثمّ محلّ الشّعائر الّتي لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى إلى البيت العتيق، فما كان من ذلك هديًا أو بدنًا فبموافاته الحرم في الحرم، وما كان من نسكٍ فبالطّواف بالبيت.
وقد بيّنّا الصّواب في ذلك من القول عندنا في معنى الشّعائر). [جامع البيان: 16/542-549]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لكم فيها منافع في البدن في لحومها وألبانها وأشعارها وأصوافها وأوبارها إلى أجل مسمى إلى أن تسمى بدنا). [تفسير مجاهد: 424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام، وفي قوله {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: إلى أن تسمى بدنا). [الدر المنثور: 10/475] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: استعظام البدن واستسمانها واستحسانها {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: ظهورها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هديا، فإذا سميت هديا ذهبت المنافع {ثم محلها} يقول: حين يسمى إلى البيت العتيق). [الدر المنثور: 10/475-476] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك وعطاء في الآية قال: المنافع فيها الركوب عليها إذا احتاج وفي أوبارها وألبانها، والأجل المسمى: إلى أن تقلد فتصير بدنا {ثم محلها إلى البيت العتيق} قالا: إلى يوم النحر تنحر بمنى). [الدر المنثور: 10/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة في قوله {ثم محلها إلى البيت العتيق} قال: إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها). [الدر المنثور: 10/476]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن موسى في قوله {ذلك ومن يعظم شعائر الله} قال: الوقوف بعرفة من شعائر الله وبجمع من شعائر الله والبدن من شعائر الله ورمي الجمار من شعائر الله والحلق من شعائر الله، فمن يعظمها {فإنها من تقوى القلوب (32) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} قال: لكم في كل مشعر منها منافع إلى أن تخرجوا منه إلى غيره {ثم محلها إلى البيت العتيق} قال: محل هذه الشعائر كلها الطواف بالبيت العتيق). [الدر المنثور: 10/476-477] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 08:09 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه} [الحج: 30] تفسير مجاهدٍ الحرمات: مكّة، والحجّ، والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/369]
قوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} [الحج: 30] في سورة المائدة من: {الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب} [المائدة: 3].
وقد فسّرنا ذلك كلّه في سورة المائدة.
قال: {غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ} [المائدة: 1] وقد فسّرت ذلك في المائدة.
قوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} [الحج: 30] اجتنبوا الأوثان فإنّها رجسٌ.
قوله: {واجتنبوا قول الزّور} [الحج: 30] يعني اجتنبوا الأوثان فإنّها رجسٌ، وقول الزّور: الكذب على اللّه يعني الشّرك.
حدّثني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: الكذب). [تفسير القرآن العظيم: 1/370]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم...}

في سورة المائدة. من المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 2/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الزّور} الكذب). [مجاز القرآن: 2/50]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ لّه عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وقال: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان} وكلها رجسٌ، والمعنى: فاجتنبوا الرجس الذي يكون منها أي: عبادتها). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يعظّم حرمات اللّه} يعني رمي الجمار، والوقوف بجمع وأشباه ذلك. وهي شعائر اللّه.
{وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم} يعني في سورة المائدة من الميتة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة). [تفسير غريب القرآن: 292]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خير له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وحرمات اللّه الحجّ والعمرة وسائر المناسك، وكل ما فرض الله فهو من حرمات اللّه، والحرمة ما وجب القيام به وحرم تركه والتفريط فيه.
وموضع (ذلك) رفع، المعنى الأمر ذلك.
وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم}.
" ما " في موضع نصب أي إلا ما يتلى عليكم من الميتة والدم والمنخنقة والموقوذة وسائر ما تلي تحريمه.
وقوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}. " من " ههنا لتخليص جنس من أجناس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
وقوله: {واجتنبوا قول الزّور}.
الزور الكذب، وقيل إنه ههنا الشرك باللّه، وقيل أيضا شهادة الزور.
وهذا كله جائز.
والآية تدل - واللّه أعلم - على أنهم نهوا أن يحرموا ما حرم أصحاب الأوثان نحو قولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا}، ونحو نحرهم البحيرة والسائبة، فأعلمهم اللّه أنّ الأنعام محللة إلّا ما حرّم اللّه منها، ونهاهم الله عن قول الزور أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ليفتروا على اللّه كذبا). [معاني القرآن: 3/425-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}
قال مجاهد الحج والعمرة
وقال عطاء المعاصي
قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شيء واحد إلا أن حرمات الله جل وعز ما فرضه وأمر به ونهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنه الذي يحرم تركه). [معاني القرآن: 4/404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم}
قيل الصيد للمحرم
وروى معمر عن قتادة قال الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه
وقال غيره هو ما يتلى في سورة المائدة من قوله جل وعز: {حرمت عليكم الميتة الدم ولحم الخنزير} إلى قوله: {وما أكل السبع إلا ما ذكيتم}
قال أبو جعفر وقول قتادة جامع لهذا لأن هذه المحرمات أصناف الميتة). [معاني القرآن: 4/405-404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}
الرجس النتن ومن ههنا لبيان الجنس أي الذي هو وثن). [معاني القرآن: 4/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {واجتنبوا قول الزور}
قال عبد الله بن مسعود عدل الله عز وجل شهادة الزور بالشرك ثم تلا هذه الآية
وقال مجاهد الزور الكذب
وقيل الشرك، والمعاني متقاربة وكل كذب زور وأعظم ذلك الشرك
والذي يوجب حقيقة المعنى لا تحرموا ما كان أهل الأوثان يحرمونه من قولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} ومن تحريم السائبة وما أشبه ذلك من الزور كما قال تعالى: {افتراء على الله} ). [معاني القرآن: 4/406-405]

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {حنفاء للّه} [الحج: 31] مخلصين للّه.
وقال بعضهم: حجّاجًا، أي: للّه مخلصين.
{غير مشركين به} [الحج: 31] قوله: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} [الحج: 31] في البعد من اللّه.
{فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح} [الحج: 31] يعني تذهب به الرّيح.
{في مكانٍ} [الحج: 31] يعني تذهب به الرّيح.
تفسير السّدّيّ.
{سحيقٍ} [الحج: 31] قال مجاهدٌ: بعيدٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/370]
وقال الحسن: شبّه اللّه أعمال المشركين بالشّيء يخرّ من السّماء فتخطفه الطّير، فلا يصل إلى الأرض.
أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ، يعني بعيدٍ فيذهب فلا يوجد له أصلٌ، ولا يرى له أثرٌ.
يعني أنّه ليس لأعمال المشركين عند اللّه قرارٌ لهم به عنده خيرٌ في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/371]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فتخطفه الطّير...}

ممّا ردّ من يفعل على فعل. ولو نصبتها فقلت: فتخطفه الطير كان وجهاً. والعرب قد تجيب بكأنّما. وذلك أنها في مذهب يخيّل إليّ وأظنّ فكأنها مردودة على تأويل (أنّ) ألا ترى أنك تقول: يخيّل إليّ أن تذهب فأذهب معك. وإن شئت جعلت في (كأنّما) تأويل جحد؛ كأنك قلت: كأنك عربيّ فتكرم، والتأويل: لست بعربيّ فتكرم). [معاني القرآن: 2/225]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سحيقٍ} والسحيق البعيد وهو من قولهم أبعده الله وأسحقه وسحقته الريح، ومنه نخلة سحوقٌ أي طويلة ويقال: بعد وسحقٌ وقال ابن قيس الرقيات:
كانت لنا جارةً فأزعجها=قاذورةٌ يسحق النّوى قدما
وقالوا: يسحق، والقاذورة: المتقذر الذي لا يخالط الناس لا تراه إلا معتزلاً من الناس، والنوى: من السفر). [مجاز القرآن: 2/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (السحيق): البعيد). [غريب القرآن وتفسيره: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} هذا مثل ضربه اللّه لمن أشرك به، في هلاكه وبعده من الهدى.
(السحيق) البعيد. ومنه يقال: بعدا وسحقا، وأسحقه اللّه). [تفسير غريب القرآن: 293]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق}
{حنفاء للّه} منصوب على الحال، وتأويله مسلمين لا يميلون إلى دين غير الإسلام.
وقوله: {غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير}.
ويقرأ فتخطفه الطير وفتخطّفه. وقرأ الحسن فتخطّفه بكسر التاء والخاء والطاء.
فمن قرأ فتخطفه بالتخفيف فهو من خطف يخطف، والخطف الأخذ بسرعة، ومن قرأ فتخطّفه - بكسر الطاء والتشديد - فالأصل فتختطفه فأدغم التاء في الطاء وألقى حركة التاء على الخاء ففتحها، ومن قال بكسر الخاء والطاء، كسر الخاء لسكونها وسكون الطاء، ومن كسر التاء والخاء والطاء - وهي قراءة الحسن - فهو على أن الأصل تختطفه.
وهذا مثل ضربه الله للكافر في بعده عن الحق - فأعلم اللّه أن بعد من أشرك به من الحق كبعد من خرّ من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح في مكان سحيق -
أي: بعيد ). [معاني القرآن: 3/425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {حنفاء لله غير مشركين به} قال مجاهد أي متبعين ثم قال جل وعز: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير} أي: هو في البعد من الحق كذي
يقال خطفه يخطفه واختطفه يختطفه إذا أخذه بسرعة). [معاني القرآن: 4/407-406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال مجاهد أي بعيد). [معاني القرآن: 4/407]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والسحيق): البعيد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّحِيقُ}: البعـيد). [العمدة في غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} [الحج: 32] يعني من إخلاص القلوب.
تفسير السّدّيّ.
وتفسير مجاهدٍ: استعظام البدن واستحسانها واستسمانها.
- قال: وحدّثني الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزريّ، عن طارق بن أحمد قال: كنت عند ابن عمر إذ جاءه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرّحمن أيّ الشّعائر أعظم؟ قال: أو في شكٍّ أنت منه؟ هذا أعظم الشّعائر، يعني البيت.
وتفسير الحسن: شعائر اللّه، دين اللّه كلّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/371]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإنّها من تقوى القلوب...}

يريد: فإن الفعلة؛ كما قال {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} ومن بعده جائز. ولو قيل: فإنه من تقوى القلوب كان جائزاً). [معاني القرآن: 2/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب}
شعائر اللّه المعالم التي ندب إليها وأمر بالقيام بها، واحدتها شعيرة.
فالصفا والمروة من شعائر اللّه، " الذي يعنى به هنا البدن). [معاني القرآن: 3/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك ومن يعظم شعائر الله}
قال مجاهد عن ابن عباس هو تسمين البدن وتعظيمها وتحسينها
وقال غيره شعائر الله رمي الجمار وما أشبه ذلك من مناسك الحج
قال أبو جعفر وهذا لا يمتنع وهو مذهب مالك بن أنس أن المنفعة بعرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر وفي المشعر الحرام إلى أن تطلع الشمس وفي رمي الجمار إلى انقضاء أيام منى وهذه كلها شعائر والمنفعة فيها إلى وقت معلوم ثم محلها كلها إلى البيت العتيق فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر بالبيت العتيق فقد حل، وواحد الشعائر شعيرة لأنها أشعرت أي جعلت فيها علامة تدل على أنها هدي
ثم قال تعالى: {فإنها من تقوى القلوب} أي فإن الفعلة). [معاني القرآن: 4/408-407]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} [الحج: 33]
- حدّثني يحيى، قال: حدّثني المعلّى، عن محمّد بن عبيد اللّه، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الأجل المسمّى إلى أن تقلّد وتشعر.
هي البدن ينتفع بظهورها ويستعان بها.
{ثمّ محلّها} [الحج: 33] إذا قلّدت وأشعرت.
{إلى البيت العتيق} [الحج: 33] وقال السّدّيّ: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} [الحج: 33] يقول: إلى أن تقلّد فإذا قلّدت لم تركب لها ظهورٌ، ولم يشرب لها لبنٌ.
نا حمّادٌ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: هي البدن ينتفع بها حتّى تقلّد.
[تفسير القرآن العظيم: 1/371]
- نا هشامٌ وهمّامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً فقال: " اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنّها بدنةٌ، قال: اركبها ويلك أو ويحك ".
- نا خداشٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أنس بن مالكٍ: " أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً قد جهده المشي....
اركبها.
قال: إنّها بدنةٌ.
قال: اركبها وإن كانت ".
نا المعلّى، عن حميدٍ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
- نا نصر بن طريفٍ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل على بدنه الرّجل العقب.
- نا ابن لهيعة، عن أبي الزّبير قال: سئل جابر بن عبد اللّه عن ركوب البدنة فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «اركبها بالمعروف حتّى تجد ظهرًا».
حدّثني حمّادٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: البدنة، إن احتاج سائقها فإنّه يركبها غير فادحٍ، ويشرب من فضل ريّ فصيلها.
- حدّثنا هشامٌ وهمّامٌ، عن قتادة، عن أبي حسّانٍ الأعرج، عن ابن عبّاسٍ قال: دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببدنةٍ عند صلاة الظّهر، ثمّ دعا بنعلٍ فقلّدها، ثمّ أشعرها في جانب سنامها الأيمن، ثمّ سلت عنها الدّم، ثمّ صلّى صلاة الظّهر، ثمّ ركب راحلته حتّى إذا استوت به البيداء أهلّ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/372]
- وحدّثنا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان إذا أشعر بدنته أشعرها من جانب السّنام الأيسر إلا القلوصين الصّعبين فإنّه كان يطعنهما بالحربة هذا من الأيمن وهذا من الأيسر يقرنهما، فيطعن بالحربة هذا هكذا وهذا هكذا ويستقبل بهما القبلة ويقول: بسم اللّه واللّه أكبر إذا أشعرهما.
- نا عثمان، عن عائشة ابنة سعد بن مالكٍ أنّ أباها كان يقلّد نعلًا.
- نا حمّادٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر قال: كلّ هديٍ لا يوقف به بعرفة فهو أضحيةٌ.
- نا حمّادٌ، عن الحجّاج بن أرطأة، عن عطاءٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقف بالبدن بعرفة.
قوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33]
نا حمّادٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن عطاءٍ قال: كلّ هديٍ دخل الحرم ثمّ عطف فقد بلغ محلّه إلا هدي المتعة فإنّه لا بدّ له من أن يهريق دمًا يوم النّحر.
نا الرّبيع بن صبيحٍ، عن عطاءٍ قال: كلّ هديٍ قدم مكّة فإنّه ينحره حيث شاء من مكّة إلا هدي المتعة فإن نحره كان عليه الهدي يوم النّحر، وإن قدم في عشر ذي الحجّة فليس له أن ينحره دون يوم النّحر إلا أن يخاف أن يعطب فينحره وقد أجزأ عنه، إلا هدي المتعة وهدي المحصر بالحجّ.
- نا عبد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: إذا أعطبت البدنة فإن شاء أبدلها وإن شاء لم يبدلها إلا نذرًا أو جزاء صيدٍ.
وعطبت بدنةٌ لابن عمر فأكل منها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/373]
- نا حمّادٌ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت: إذا عطب الهدي فكلوه ولا تدعوه للكلاب والسّباع.
فإن كان واجبًا فاهدوا مكانه هديًا آخر، وإن كان تطوّعًا فإن شئتم فاهدوا، وإن شئتم فلا تهدوا.
- نا حمّادٌ، عن أبي التّيّاح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث بالبدن مع رجلٍ وأمره فيها بأمرٍ.
فلمّا قفّى رجع فقال: يا رسول اللّه ما أصنع بما أزحف عليّ منها؟ قال: انحرها واصبغ نعالها في دمائها ثمّ اضرب به صفحتها اليمنى، ربّما قال حمّادٌ: اليمنى وربّما لم يقل، ولا تأكل منها أنت ولا أهل رفقتك وحل بينها وبين النّاس يأكلونها.
قال يحيى: وهذا في التّطوّع.
- وكذلك حدّثني ابن أبي ذئبٍ، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: في البدنة التّطوّع إذا أصيبت ينحرها، ويجعل أخفافها في دمها، ولا يأكل منها.
- حدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ أنّ عمر بن الخطّاب قال: إذا أكلت من التّطوّع فأبدل). [تفسير القرآن العظيم: 1/374]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مّسمًّى...}

يعني البدن. يقول: لكم أن تنتفعوا بألبانها وركوبها إلى أن تسمّى أو تشعر فذلك الأجل المسمّي.
وقوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} ما كان من هدىٍ للعمرة أو للنذر فإذا بلغ البيت نحر. وما كان للحجّ نحر بمنى. جعل ذلك بمنى لتطهر مكّة.
وقوله: {العتيق} أٌعتق من الجبابرة. ... حدثني حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: العتيق: أعتق من الجبابرة. ويقال: من الغرق زمن نوح). [معاني القرآن: 2/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق }
يعنى أن لكم في البدن - قبل أن تعلموها، وتسموها هديا إلى بيتي - منافع.
فإذا أشعرتموها - والإشعار أن يشق في السنام حتى يدمى ويعلق عليها نعلا ليعلم أنها بدنة، فأكثر النّاس لا يرى الانتفاع بها إذا جعلت بدنة، لا بلبنها ولا بوبرها ولا بظهرها، يقول لا يعطى لبنها ووبرها وظهرها أحدا لأنها بدنة فلا ينتفع بها غير أهل اللّه إلاّ عند الضرورة المخوف معها الموت.
وبعضهم يقول: إنّ له أن ينتفع بها فيركبها المعيي وينتفع بمنافعها إلى وقت محلها - مكان نحرها -.
والحجة في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجل يسوق بدنة فأمره - صلى الله عليه وسلم - بركوبها، فقال: إنها بدنة فأمره الثانية وأمره الثالثة، وقال له في الثالثة: اركبها ويحك، فهذا - يجوز أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه مضطرا في ركوبها من شدة الإعياء، وجائز على ظاهر الحديث أن يكون ركوبها جائزا.
ومن أجاز ركوبها والانتفاع بها يقول: ليس له أن يهزلها وينضيها لأنها بدنة). [معاني القرآن: 3/426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى}
قال أبو جعفر في هذا قولان غير قول مالك
أحدهما أن عروة قال في البدن المقلدة يركبها ويشرب من ألبانها
والثاني قال مجاهد هي البدن من قبل أن تقلد ينتفع بركوبها وأوبارها وألبانها وإذا صارت هديا لم يكن له أن يركبها إلا من ضرورة
قال أبو جعفر وقول مجاهد عند قوم أولى لأن الأجل المسمى عنده أن تجعل هديا وتقلد والأجل المسمى ليس موجودا في قول عروة
وقد احتج من قال بقول عروة بقول النبي صلى الله عليه وسلم اركبها ويلك
واحتج عليه بأنه لم يقل له وهل يحرم ركوب البدن
ولعل ذلك من ضرورة ويبين هذا حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا). [معاني القرآن: 4/409-408]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 08:11 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي


التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والزور: الباطل والكذب). [إصلاح المنطق: 124]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومن حرف من الأضداد، تكون لبعض الشيء، وتكون لكله، فكونها للتبعيض لا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونها بمعنى (كل)، شاهده قول الله عز وجل: {ولهم فيها من كل الثمرات}، معناه كل الثمرات، وقوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم}، معناه يغفر لكم ذنوبكم. وقوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}، معناه: وعدهم الله كلهم مغفرة؛ لأنه قدم وصف قوم يجتمعون في استحقاق هذا الوعد. وقول الله عز وجل في غير هذا الموضع: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، معناه: ولتكونوا كلكم أمة تدعو إلى الخير، قال الشاعر:

أخو رغائب يعطاها ويسألها = يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
أراد: يأبى الظلامة لأنه نوفل زفر. ومستحيل أن تكون
(مِنْ) هاهنا تبعيضا إذ دخلت على ما لا يتبعض، والعرب تقول: قطعت من الثوب قميصا، وهم لا ينوون أن القميص قطع من بعض الثوب دون بعض؛ إنما يدلون بـ(من) على التجنيس، كقوله عز وجل: {فاجتبوا الرجس من الأوثان} معناه: فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس، واجتنبوا الرجس من جنس الأوثان؛ إذ كان يكون من هذا الجنس ومن غيره من الأجناس.
وقال الله عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء}، فـ (مِنْ)، ليست هاهنا تبعيضا؛ لأنه لا يكون بعض القرآن شفاء وبعضه غير شفاء، فـ(مِنْ) تحتمل تأويلين: أحدهما التجنيس، أي ننزل الشفاء من جهة القرآن، والتأويل الآخر أن تكون (من) مزيدة للتوكيد، كقوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، وهو يريد يغضوا أبصارهم، وكقول ذي الرمة:
إذا ما امرؤ حاولن يقتتلنه = بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل
تبسمن عن نور الأقاحي في الثرى = وفترن من أبصار مضروجة نجل
أراد: وفترن أبصار مضروجة.
وكان بعض أصحابنا يقول: من ليست مزيدة للتوكيد في قوله: {من كل الثمرات}، وفي قوله: {من أبصارهم} وفي قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم}. وقال: أما قوله: {من كل الثمرات}، فإن (من) تبعيض، لأن العموم في جميع الثمرات لا يجتمع لهم في وقت واحد؛ إذ كان قد تقدم منها ما قد أكل، وزال وبقي منها ما يستقبل ولا ينفد أبدا، فوقع التبعيض لهذا المعنى.
قال: وقوله: {يغضوا من أبصارهم} معناه: يغضوا بعض أبصارهم. وقال: لم يحظر علينا كل النظر، إنما حظر علينا بعضه، فوجب التبعيض من أجل هذا التأويل.
قال: وقوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} من هاهنا مجنسة، وتأويل الآية: يغفر لكم من إذنابكم، وعلى إذنابكم، أي يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم، كما يقول الرجل: اشتكيت من دواء شربته، أي من أجل الدواء.
وقال بعض المفسرين: من في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} مبعضة، لأنه ذكر أصحاب نبيه صلى الله عليه، وكان قد ذكر
قبلهم الذين كفروا فقال: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية}. وقال بعد: {منهم}؛ أي من هذين الفريقين، ومن هذين الجنسين). [كتاب الأضداد: 252-255] (م)

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: يَهْوِي: يصعد. ويهوي: ينزل). [الأضداد: 120] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي: هويت أهوي هويًا إذا سقطت إلى أسفل). [الغريب المصنف: 3/948] (م)

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) }

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) }



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1439هـ/31-07-2018م, 08:39 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 ذو القعدة 1439هـ/31-07-2018م, 08:40 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 ذو القعدة 1439هـ/31-07-2018م, 08:45 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "ذلك" يحتمل أن يكون في موضع رفع بتقدير: فرضكم ذلك، أو الواجب ذلك، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير: امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار، وأحسن الأشياء مضمرا أحسنها مظهرا، ونحو هذه الإشارة البليغة قول زهير:
هذا وليس كمن يعيا بخطته وسط الندي إذا ما ناطق نطقا
و "الحرمات" المقصودة هاهنا هي أفعال الحج المشار إليها في قوله سبحانه وتعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم}، ويدخل في ذلك تعظيم المواضع، قاله ابن زيد وغيره، ووعد على تعظيمها بعد ذلك تحريضا وتحريصا، ثم لفظ الآية -بعد ذلك- يتناول كل حرمة لله تعالى في جميع الشرع. وقوله تعالى: "فهو خير" ظاهره أنها ليست للتفضيل، وإنما هي عدة بخير، ويحتمل أن يجعل "خير" للتفضيل على تجوز في هذا الموضع.
وقوله تعالى: {وأحلت لكم الأنعام} إشارة إلى ما كانت العرب تفعله من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة، فأذهب الله تعالى جميع ذلك وأحل لهم جميع الأنعام إلا ما يتلى عليهم في كتاب الله تبارك وتعالى في غير موضع، ثم أمرهم باجتناب الرجس من الأوثان، والكلام يحتمل معنيين: أحدهما أن تكون "من" لبيان الجنس فيقع
[المحرر الوجيز: 6/243]
نهيه عن رجس الأوثان فقط، وتبقى سائر الأرجاس نهيها في غير هذا الموضع، والمعنى الثاني أن تكون "من" لابتداء الغاية، فكأنه نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم؛ إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان، فيكون هذا مما يتلى عليهم، ومن قال: إن "من" للتبعيض قلب معنى الآية وأفسده، والمروي عن ابن عباس، وابن جريج أن الآية نهي عن عبادة الأوثان.
و "الزور" عام في الكذب والكفر، وذلك أن كل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور، وقال ابن مسعود، وأيمن بن خريم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عدلت شهادة الزور بالشرك، وتلا هذه الآية، و"الزور" مشتق من الزور وهو الميل، ومنه في جانب فلان زور، ويظهر أن الإشارة في زور أقوالهم في تحريم وتحليل ما كانوا قد شرعوه في الأنعام). [المحرر الوجيز: 6/244]

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "حنفاء" معناه: مستقيمين أو مائلين إلى الحق بحسب أن لفظة "الحنف" من الأضداد، تقع على الاستقامة وتقع على الميل. و"حنفاء" نصب على الحال. وقال قوم: "حنفاء" معناه: حجاجا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا تخصيص لا حجة معه.
[المحرر الوجيز: 6/244]
و "غير مشركين" يجوز أن يكون حالا أخرى، ويجوز أن تكون صفة لقوله: "حنفاء".
ثم ضرب الله تعالى مثلا للمشرك بالله سبحانه وتعالى أظهره في غاية السقوط ويحتمل الهول والانبتات من النجاة، بخلاف ما ضرب للمؤمن في قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله}، ومثله قول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلئن أخر من السماء إلى الأرض أهون علي من أن أكذب عليه، الحديث.
وقرأ نافع وحده: "فتخطفه الطير" بفتح الخاء وشد الطاء على حذف تاء التفعل، وقرأ الباقون: "فتخطفه الطير" بسكون الخاء وتخفيف الطاء، وقرأ الحسن -فيما روي عنه-: "فتخطفه" بكسر التاء والخاء وفتح الطاء مشددة، وقرأ الحسن أيضا وأبو رجاء بفتح التاء وكسر الخاء، والطاء وشدها، وقرأ الأعمش: "من السماء تخطفه" بغير فاء وعلى نحو قراءة الجماعة. وعطف المستقبل على الماضي لأنه بتقدير: فهو نخطفه الطير. وقرأ أبو جعفر: "الرياح".
و "السحيق": البعيد، ومنه قولهم: أسحقه الله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: فأقول سحقا سحقا، ومنه "نخلة سحوق" للبعيدة في السماء). [المحرر الوجيز: 6/245]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}
التقدير في هذا الموضع: الأمر ذلك. و"الشعائر" جمع شعيرة، وهي كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم، قالت فرقة: قصد بالشعائر في هذه الآية الهدي والأنعام المشعرة، ومعنى "تعظيمها" التسمين والاهتبال بأمرها والمغالاة بها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وجماعة. وعود الضمير في "فإنها" على التعظمة والفعلة التي تضمنها الكلام، وقرئ "القلوب" بالرفع على أنها فاعلة بالمصدر الذي هو "تقوى"). [المحرر الوجيز: 6/246]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم اختلف المتأولون في قوله تعالى: {لكم فيها منافع} الآية، فقال مجاهد وقتادة: أراد أن للناس في أنعامهم منافع من الصوف واللبن وغير ذلك ما لم يبعثها ربها هديا، فإذا بعثها فهو "الأجل المسمى"، وقال عطاء بن أبي رباح: أراد: لكم في الهدي المبعوث منافع من الركوب والاحتلاب لمن اضطر، و"الأجل المسمى": نحرها، وتكون "ثم" لترتيب الجمل، لأن "المحل" قبل "الأجل"، ومعنى الكلام عند هاتين الفرقتين: ثم محلها إلى موضع النحر، فذكر البيت لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره، وقال ابن زيد، وابن عمر، والحسن: تلك الشعائر في هذه الآية مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك، وفي الآية التي تأتي أن البدن من الشعائر، و"المنافع": التجارة وطلب الرزق، ويحتمل أن يريد كسب الأجر والمغفرة، وبكل احتمال قالت فرقة، و"الأجل": الرجوع إلى مكة وطواف الإفاضة.
وقوله تعالى: "ثم محلها" مأخوذ من إحلال المحرم معناه، ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق، فالبيت -على هذا التأويل- مراد بنفسه، قاله مالك في (الموطأ) ). [المحرر الوجيز: 6/246]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 06:58 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 07:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور (30) حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ (31)}.
يقول تعالى: هذا الّذي أمرنا به من الطّاعات في أداء المناسك، وما لفاعلها من الثّواب الجزيل.
{ومن يعظّم حرمات اللّه} أي: ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيمًا في نفسه، {فهو خيرٌ له عند ربّه} أي: فله على ذلك خيرٌ كثيرٌ وثوابٌ جزيلٌ، فكما على فعل الطّاعات ثوابٌ جزيلٌ وأجرٌ كبيرٌ، وكذلك على ترك المحرّمات و [اجتناب] المحظورات.
قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ في قوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه} قال: الحرمة: مكّة والحجّ والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها. وكذا قال ابن زيدٍ.
وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} أي: أحللنا لكم جميع الأنعام، وما جعل اللّه من بحيرةٍ، ولا سائبةٍ، ولا وصيلةٍ، ولا حامٍ.
وقوله: {إلا ما يتلى عليكم} أي: من تحريم {الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع [إلا ما ذكّيتم]} الآية [المائدة: 3]، قال ذلك ابن جريرٍ، وحكاه عن قتادة.
وقوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}: "من" هاهنا لبيان الجنس، أي: اجتنبوا الرّجس الّذي هو الأوثان. وقرن الشّرك باللّه بقول الزّور، كقوله: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} [الأعراف: 33]، ومنه شهادة الزّور. وفي الصّحيحين عن أبي بكرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى، يا رسول اللّه. قال: "الإشراك باللّه وعقوق الوالدين -وكان متّكئًا فجلس، فقال:-ألا وقول الزّور، ألا وشهادة الزّور". فما زال يكرّرها، حتّى قلنا: ليته سكت.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاريّ، أنبأنا سفيان بن زيادٍ، عن فاتك بن فضالة، عن أيمن بن خريمٍ قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطيبًا فقال: "يا أيّها النّاس، عدلت شهادة الزّور إشراكًا باللّه" ثلاثًا، ثمّ قرأ: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وهكذا رواه التّرمذيّ، عن أحمد بن منيعٍ، عن مروان بن معاوية، به ثمّ قال: "غريبٌ، إنّما نعرفه من حديث سفيان بن زيادٍ. وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث، ولا نعرف لأيمن بن خريمٍ سماعًا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم".
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، حدّثنا سفيان العصفريّ، عن أبيه، عن حبيب ابن النّعمان الأسديّ، عن خريم بن فاتكٍ الأسديّ قال: صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصّبح، فلمّا انصرف قام قائمًا فقال: "عدلت شهادة الزّور الإشراك باللّه، عزّ وجلّ"، ثمّ تلا هذه الآية: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور حنفاء للّه غير مشركين به}.
وقال سفيان الثّوريّ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن وائل بن ربيعة، عن ابن مسعودٍ أنّه قال: تعدل شهادة الزّور بالشّرك باللّه، ثمّ قرأ هذه الآية). [تفسير ابن كثير: 5/ 419-420]

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {حنفاء للّه} أي: مخلصين له الدّين، منحرفين عن الباطل قصدًا إلى الحقّ؛ ولهذا قال {غير مشركين به}
ثمّ ضرب للمشرك مثلًا في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى فقال: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} أي: سقط منها، {فتخطفه الطّير}، أي: تقطعه الطّيور في الهواء، {أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ} أي: بعيدٍ مهلكٍ لمن هوى فيه؛ ولهذا جاء في حديث البراء: "إنّ الكافر إذا توفّته ملائكة الموت، وصعدوا بروحه إلى السّماء، فلا تفتح له أبواب السّماء، بل تطرح روحه طرحًا من هناك". ثمّ قرأ هذه الآية، وقد تقدّم الحديث في سورة "إبراهيم" بحروفه وألفاظه وطرقه.
وقد ضرب [اللّه] تعالى للمشرك مثلًا آخر في سورة "الأنعام"، وهو قوله: {قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إنّ هدى اللّه هو الهدى [وأمرنا لنسلم لربّ العالمين]} [الأنعام: 71] ). [تفسير ابن كثير: 5/ 420]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب (32) لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق (33)}.
يقول تعالى: هذا {ومن يعظّم شعائر اللّه} أي: أوامره، {فإنّها من تقوى القلوب} ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام.
وقال أبو أمامة بن سهلٍ: كنّا نسمّن الأضحيّة بالمدينة، وكان المسلمون يسمّنون. رواه البخاريّ.
وعن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "دم عفراء أحبّ إلى اللّه من دم سوداوين". رواه أحمد، وابن ماجه.
قالوا: والعفراء هي البيضاء بياضًا ليس بناصعٍ، فالبيضاء أفضل من غيرها، وغيرها يجزئ أيضًا؛ لما ثبت في صحيح البخاريّ، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين.
وعن أبي سعيدٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحّى بكبشٍ أقرن فحيل يأكل في سوادٍ، وينظر في سوادٍ، ويمشي في سوادٍ.
رواه أهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ، أي: بكبشٍ أسود في هذه الأماكن.
وفي سنن ابن ماجه، عن أبي رافعٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحّى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين. قيل: هما الخصيان. وقيل: اللّذان رضّ خصياهما، ولم يقطعهما، واللّه أعلم.
وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابرٍ: ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بكبشين أقرنين أملحين موجوءين [والموجوءين قيل: هما الخصيين] .
وعن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن نستشرف العين والأذن، وألّا نضحّي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء.
رواه أحمد، وأهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ.
ولهم عنه، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن نضحي بأعضب القرن والأذن.
وقال سعيد بن المسيّب: العضب: النصف فأكثر.
وقال بعض أهل اللّغة: إن كسر قرنها الأعلى فهي قصماء، فأمّا العضب فهو كسر الأسفل، وعضب الأذن قطع بعضها.
وعند الشّافعيّ أنّ التّضحية بذلك مجزئةٌ، لكن تكره.
وقال [الإمام] أحمد: لا تجزئ الأضحيّة بأعضب القرن والأذن؛ لهذا الحديث.
وقال مالكٌ: إن كان الدّم يسيل من القرن لم يجزئ، وإلّا أجزأ، واللّه أعلم.
وأمّا المقابلة: فهي الّتي قطع مقدّم أذنها، والمدابرة: من مؤخّر أذنها. والشّرقاء: هي الّتي قطعت أذنها طولًا قاله الشّافعيّ. والخرقاء: هي الّتي خرقت السّمة أذنها خرقًا مدوّرًا، واللّه أعلم.
وعن البراء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ظلعها، والكسيرة الّتي لا تنقي".
رواه أحمد، وأهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ.
وهذه العيوب تنقص اللّحم، لضعفها وعجزها عن استكمال الرّعي؛ لأنّ الشّاء يسبقونها إلى المرعى، فلهذا لا تجزئ التّضحية بها عند الشّافعيّ وغيره من الأئمّة، كما هو ظاهر الحديث.
واختلف قول الشّافعيّ في المريضة مرضًا يسيرًا، على قولين.
وروى أبو داود، عن عتبة بن عبدٍ السّلمي؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيّعة، والكسراء .
فالمصفرّة قيل: الهزيلة. وقيل: المستأصلة الأذن. والمستأصلة: المكسورة القرن. والبخقاء: هي العوراء. والمشيّعة: هي الّتي لا تزال تشيّع خلف الغنم، ولا تتبع لضعفها. والكسراء: العرجاء.
فهذه العيوب كلّها مانعةٌ [من الإجزاء، فإن طرأ العيب] بعد تعيين الأضحيّة فإنّه لا يضرّ عيبه عند الشّافعيّ خلافًا لأبي حنيفة.
وقد روى الإمام أحمد، عن أبي سعيدٍ قال: اشتريت كبشًا أضحّي به، فعدا الذّئب فأخذ الألية. فسألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "ضحّ به" ولهذا [جاء] في الحديث: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نستشرف العين والأذن. أي: أن تكون الهدية أو الأضحيّة سمينةً حسنةً ثمينةً، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود، عن عبد اللّه بن عمر قال: أهدى عمر نجيبًا، فأعطي بها ثلاثمائة دينارٍ، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي أهديت نجيبًا، فأعطيت بها ثلاثمائة دينارٍ، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنًا؟ قال: "لا انحرها إيّاها".
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: البدن من شعائر اللّه.
وقال محمّد بن أبي موسى: الوقوف ومزدلفة والجمار والرّمي والبدن والحلق: من شعائر اللّه.
وقال ابن عمر: أعظم الشّعائر البيت). [تفسير ابن كثير: 5/ 420-423]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {لكم فيها منافع} أي: لكم في البدن منافع، من لبنها، وصوفها وأوبارها وأشعارها، وركوبها.
{إلى أجلٍ مسمًّى}: قال مقسم، عن ابن عبّاسٍ [في قوله]: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: ما لم يسمّ بدنًا.
وقال مجاهدٌ في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى}، قال: الرّكوب واللّبن والولد، فإذا سمّيت بدنةً أو هديًا، ذهب ذلك كلّه. وكذا قال عطاءٌ، والضّحّاك، وقتادة، [ومقاتلٌ] وعطاءٌ الخراسانيّ، وغيرهم.
وقال آخرون: بل له أن ينتفع بها وإن كانت هديًا، إذا احتاج إلى ذلك، كما ثبت في الصّحيحين عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً، قال: "اركبها". قال: إنّها بدنة. قال: "اركبها، ويحك"، في الثّانية أو الثّالثة.
وفي روايةٍ لمسلمٍ، عن جابرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها".
وقال شعبة، عن زهير بن أبي ثابتٍ الأعمى، عن المغيرة بن حذف، عن عليٍّ؛ أنّه رأى رجلًا يسوق بدنةً ومعها ولدها، فقال: لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم النّحر فاذبحها وولدها.
وقوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} أي: محل الهدي وانتهاؤه إلى البيت العتيق، وهو الكعبة، كما قال تعالى: {هديًا بالغ الكعبة} [المائدة: 95]، وقال {والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه} [الفتح: 25].
وقد تقدّم الكلام على معنى "البيت العتيق" قريبًا، وللّه الحمد.
وقال ابن جريج، عن عطاءٍ: كان ابن عبّاسٍ يقول: كلّ من طاف بالبيت، فقد حلّ، قال اللّه تعالى: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} ). [تفسير ابن كثير: 5/ 423]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة