العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:06 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (55) إلى الآية (59) ]

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:55 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (55) : قوله تعالى: {إنّ شرّ الدّوابّ عند الله الّذين كفروا فهم لا يؤمنون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ - في قوله عزّ وجلّ: {إنّ شرّ الدّوابّ عند الله الّذين كفروا فهم لا يؤمنون} إلى آخر الآية - قال: ستّة رهطٍ من اليهود، قال أيّوب: سماهم، منهم ابن تابوت). [سنن سعيد بن منصور: 5/222]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه الّذين كفروا فهم لا يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ شرّ ما دبّ على الأرض عند اللّه الّذين كفروا بربّهم فجحدوا وحدانيّته، وعبدوا غيره. يقول: {فهم لا يؤمنون} يفهم لا يصدّقون رسل اللّه ولا يقرّون بوحيه وتنزيله). [جامع البيان: 11/234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه الّذين كفروا فهم لا يؤمنون (55)
قوله تعالى: إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا ابن نميرٍ عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه قال ابن عبّاسٍ: هم نفرٌ من قريشٍ من بني عبد الدّار). [تفسير القرآن العظيم: 5/1719]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 55 - 58.
أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: نزلت {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} في ستة رهط من اليهود منهم ابن تابوت). [الدر المنثور: 7/150]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّةٍ وهم لا يتّقون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه الّذين كفروا، الّذين عاهدت منهم يا محمّد، يقول: أخذت عهودهم ومواثيقهم أن لا يحاربوك ولا يظاهروا عليك محاربًا لك كقريظة ونظرائهم ممّن كان بينك وبينهم عهدٌ وعقدٌ، ثمّ ينقضون عهودهم ومواثيقهم، كلّما عاهدوا دافعوك وحاربوك وظاهروا عليك، وهم لا يتّقون اللّه ولا يخافون في فعلهم ذلك أن يوقع بهم وقعةً تجتاحهم وتهلكهم.
- كالّذي حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {الّذين عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم} قال: قريظة مالئوا على محمّدٍ يوم الخندق أعداءه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوه). [جامع البيان: 11/235]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّةٍ وهم لا يتّقون (56)
قوله تعالى: الّذين عاهدت منهم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم قريظة يوم الخندق مالؤوا على محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- أعداءه). [تفسير القرآن العظيم: 5/1719]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم بنو قريظة مالؤوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق). [تفسير مجاهد: 266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم} قال: قريظة يوم الخندق مالؤا على محمد صلى الله عليه وسلم أعداءه). [الدر المنثور: 7/150]

تفسير قوله تعالى: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير في قوله تعالى {فشرد بهم من خلفهم} قال أنذر بهم من خلفهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/261]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء قال نسخها قوله تعالى فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/221] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هشيمٌ، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: ... شرّد: فرّق "). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شرّد فرّق هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/307]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (شرّد فرّق
أشار به إلى قوله تعالى: {فإمّا تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلّهم يذكرون} (الأنفال: 57) وفسّر لفظ: شرد بقوله: فرق، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال الزّجاج: تفعل بهم فعلا من القتل والتفريق، قال: وهو بذال معجمة ومهملة لغتان، وفي التّفسير: أي نكل بهم، كذا فسره ابن عيينة، وقال ابن عبّاس والحسن والضّحّاك والسّديّ وعطاء الخراساني: معناه غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم). [عمدة القاري: 18/246]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (شرّد) يريد قوله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} [الأنفال: 57] قال أبو عبيدة أي (فرق). وقال عطاء: غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلًا ليخاف من سواهم العدو). [إرشاد الساري: 7/133]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {فشرّد بهم من خلفهم} قال: نكّل بهم من خلفهم). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 101]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلّهم يذّكرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فإمّا تلقينّ في الحرب هؤلاء الّذين عاهدتهم فنقضوا عهدك مرّةً بعد مرّةٍ من قريظة فتأسرهم {فشرّد بهم من خلفهم} يقول: فافعل بهم فعلاً يكون مشرّدًا من خلفهم من نظرائهم ممّن بينك وبينه عهدٌ وعقدٌ.
والتّشريد: التّطريد والتّبديد والتّفريق.
وإنّما أمر بذلك نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يفعل بالنّاقض العهد بينه وبينهم إذا قدر عليهم فعلاً يكون إخافةً لمن وراءهم ممّن كان بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبينه عهدٌ، حتّى لا يجترئوا على مثل الّذي اجترأ عليه هؤلاء الّذين وصف اللّه صفتهم في هذه الآية من نقض العهد.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} يعني: نكّل بهم من بعدهم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فشرّد بهم من خلفهم} يقول: نكّل بهم من وراءهم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} يقول: عظ بهم من سواهم من النّاس.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} يقول: نكّل بهم من خلفهم من بعدهم من العدوّ، لعلّهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ: {فشرّد بهم من خلفهم} قال: أنذر بهم من خلفهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: نكّل بهم من خلفهم من بعدهم.
قال ابن جريجٍ، قال عبد اللّه بن كثيرٍ: نكّل بهم من وراءهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلّهم يذّكّرون} أي نكّل بهم من وراءهم لعلّهم يعقلون.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول في قوله: {فشرّد بهم من خلفهم} يقول: نكّل بهم من بعدهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} قال: أخفهم بما تصنع بهؤلاء وقرأ: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم}.
وأمّا قوله: {لعلّهم يذّكّرون} فإنّ معناه: كي يتّعظوا بما فعلت بهؤلاء الّذين وصفت صفتهم، فيحذروا نقض العهد الّذي بينك وبينهم، خوف أن ينزل بهم منك ما نزل بهؤلاء إذا هم نقضوه). [جامع البيان: 11/235-238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلّهم يذّكّرون (57)
قوله تعالى: فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: فشرّد بهم من خلفهم يقول: نكّل بهم.
وروي عن الحسن والضّحّاك والسّدّيّ وعطاءٍ الخراسانيّ وابن عيينة مثل ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا نعيم بن حمّادٍ ومحمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ قالا: ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن أيّوب عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فشرّد بهم من خلفهم يقول: أنذر بهم.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة فشرّد بهم من خلفهم يقول: عظ بهم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ أنا ابن زيدٍ في قوله فشرّد بهم من خلفهم قال: أخفهم بهم، كما تصنع بهؤلاء وقرأ: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم
قوله تعالى: من
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: من خلفهم قال: الّذين خلفهم.
قوله تعالى: من خلفهم
[الوجه الأول]
- حدثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: فشرّد بهم من خلفهم يعني نكّل بهم من بعدهم. وروي عن الحسن والضّحّاك والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: فشرّد بهم من خلفهم يقول: من سواهم من النّاس.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق فشرّد بهم من خلفهم يقول: نكّل بهم من ورائهم، يعني: العرب كلّها.
قوله تعالى: لعلّهم يذّكرون
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباط عن السّدّيّ لعلّهم يذّكرون يقول: لعلّهم يحذرون أن ينكّثوا، فيصنع بهم مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا أبو غسّان محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه لعلّهم يذّكرون لعلهم يعقلون). [تفسير القرآن العظيم: 5/1719-1720]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فشرد بهم من خلفهم} قال: نكل بهم من بعدهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فشرد بهم من خلفهم} قال: نكل بهم من وراءهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فشرد بهم من خلفهم} قال: نكل بهم الذين خلفهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {فشرد بهم من خلفهم} قال: أنذرهم
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فشرد بهم من خلفهم} قال: اصنع بهم كما تصنع بهؤلاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {لعلهم يذكرون} يقول: لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: دخل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فإن الله قد أذن لك في قريظة وأنزل فيهم {وإما تخافن من قوم خيانة} الآية). [الدر المنثور: 7/150-151]

تفسير قوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين}.
يقول تعالى ذكره: وإمّا تخافنّ يا محمّد من عدوٍّ لك بينك وبينه عهدٌ وعقدٌ أن ينكث عهده وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر. {فانبذ إليهم على سواءٍ} يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إيّاهم أنّك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتّى تصير أنت وهم على سواءٍ في العلم بأنّك لهم محاربٌ، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. {إنّ الله لا يحبّ الخائنين} الغادرين بمن كان منه في أمانٍ وعهدٍ بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إيّاه أنّه له حربٌ وأنّه قد فاسخه العقد.
فإن قال قائلٌ: وكيف يجوز نقض العهد بخوف الخيانة والخوف ظنٌّ لا يقينٌ؟
قيل: إنّ الأمر بخلاف ما إليه ذهبت، وإنّما معناه: إذا ظهرت آثار الخيانة من عدوّك وخفت وقوعهم بك، فألق إليهم مقاليد السّلم وآذنهم بالحرب. وذلك كالّذي كان من بني قريظة؛ إذ أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومحاربتهم معه بعد العهد الّذي كانوا عاهدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المسالمة، ولن يقاتلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فكانت إجابتهم إيّاه إلى ذلك موجبًا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خوف الغدر به وبأصحابه منهم، فكذلك حكم كلّ قومٍ أهل موادعةٍ للمؤمنين ظهر لإمام المسلمين منهم من دلائل الغدر مثل الّذي ظهر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من قريظة منها، فحقّ على إمام المسلمين أن ينبذ إليهم على سواءٍ ويؤذنهم بالحرب.
ومعنى قوله: {على سواءٍ} أي حتّى يستوي علمك وعلمهم بأنّ كلّ فريقٍ منكم حربٌ لصاحبه لا سلم.
وقيل: نزلت الآية في قريظة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فانبذ إليهم على سواءٍ} قال قريظة.
وقد قال بعضهم: السّواء في هذا الموضع: المهل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: إنّه ممّا تبيّن لنا أنّ قوله: {فانبذ إليهم على سواءٍ} أنّه على مهلٍ، كما حدّثنا بكير عن مقاتل بن حيّان في قول اللّه: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ}.
وأمّا أهل العلم بكلام العرب، فإنّهم في معناه مختلفون، فكان بعضهم يقول: معناه: فانبذ إليهم على عدلٍ، يعني حتّى يعتدل علمك وعلمهم بما عليه بعضكما لبعضٍ من المحاربة. واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الرّاجز:
واضرب وجوه الغدّر الأعداء = حتّى يجيبوك إلى السّواء
يعني إلى العدل.
وكان آخرون يقولون: معناه الوسط، من قول حسّان:
يا ويح أنصار الرّسول ورهطه = بعد المغيّب في سواء الملحد
بمعنى في وسط اللّحد.
وكذلك هذه المعاني متقاربةٌ؛ لأنّ العدل وسطٌ لا يعلو فوق الحقّ ولا يقصر عنه، وكذلك الوسط عدلٌ، واستواء الفريقين فيما عليه بعضهم لبعضٍ بعض المهادنة عدلٌ من الفعل ووسطٌ. وأمّا الّذي قاله الوليد بن مسلمٍ من أنّ معناه المهل، فما لا أعلم له وجهًا في كلام العرب). [جامع البيان: 11/238-240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين (58)
قوله تعالى: وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ قال: من عاهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إنّ خفت أن يختانونك ويغدروا فتأتيهم فانبذ إليهم على سواءٍ
قوله تعالى: فانبذ إليهم على سواءً
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فانبذ إليهم على سواءٍ قال: قريظة.
قوله تعالى: إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين
- حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان ثنا الحسن بن عطيّة ثنا موسى بن أبي حبيبٍ عن عليّ بن حسينٍ قال: لا تقاتل عدوّك حتّى تنبذ إليهم على سواءٍ إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين). [تفسير القرآن العظيم: 5/1721]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء يعني بني قريظة). [تفسير مجاهد: 266-267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وإما تخافن من قوم خيانة} قال: قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {وإما تخافن من قوم خيانة} الآية
قال: من عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خفت أن يختانوك ويغدروا فتأتيهم فانبذ إليهم على سواء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: لا تقاتل عدوك حتى تنبذ إليهم على سواء {إن الله لا يحب الخائنين}.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن سليم بن عامر رضي الله عنه قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير حتى يكون قريبا من أرضهم فإذا انقضت المدة أغار عليهم فجاءه عمرو بن عبسة فقال: الله أكبر وفاء لا غدر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمرها أو ينبذ إليهم على سواء قال: فرجع معاوية بالجيوش.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال: ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء، من عاهدته فوفى بعهده مسلما كان أو كافرا فإنما العهد لله ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها مسلما كان أو كافرا ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلما كان أو كافرا). [الدر المنثور: 7/151-152]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم) بكسر الألف من إنّهم وبالتّاء في تحسبنّ بمعنى: ولا تحسبنّ يا محمّد الّذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم. ثمّ ابتدئ الخبر عن قدرة اللّه عليهم، فقيل: إنّ هؤلاء الكفرة لا يعجزون ربّهم إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم بأنفسهم فيفوتوه بها.
وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا} بالياء في يحسبنّ، وكسر الألف من إنّهم، وهي قراءةٌ غير حميدةٍ لمعنيين: أحدهما خروجهما من قراءة القرّاء وشذوذها عنها، والآخر بعدها من فصيح كلام العرب، وذلك أنّ يحسب يطلب في كلام العرب منصوبًا وخبره، كقوله: عبد اللّه يحسب أخاك قائمًا ويقوم وقام، فقارئ هذه القراءة أصحب يحسب خبرًا لغير مخبرٍ عنه مذكورٍ، وإنّما كان مراده: ظنّي ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا أنّهم لا يعجزوننا، فلم يفكّر في صواب مخرج الكلام وسقمه، واستعمل في قراءته ذلك كذلك ما ظهر له من مفهوم الكلام. وأحسب أنّ الّذي دعاه إلى ذلك الاعتبار بقراءة عبد اللّه، وذلك أنّه فيما ذكر في مصحف عبد اللّه: ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّهم سبقوا إنّهم لا يعجزون وهذا فصيحٌ صحيحٌ إذا أدخلت أنّهم في الكلام؛ لأنّ يحسبنّ عاملةٌ في أنّهم، وإذا لم يكن في الكلام أنّهم كانت خاليةً من اسمٍ تعمل فيه.
وللّذي قرأ من ذلك من القرّاء وجهان في كلام العرب وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم: أحدهما أن يكون أريد به: ولا يحسبنّ الّذين كفروا أن سبقوا، أو أنّهم سبقوا، ثمّ حذف أنّ أنّهم، كما قال جلّ ثناؤه: {ومن آياته يريكم البرق خوفًا وطمعًا} بمعنى: أن يريكم. وقد ينشد في نحو ذلك بيتٌ لذي الرّمّة:
أظنّ ابن طرثوثٍ عيينة ذاهبًا = بعاديّتي تكذابه وجعائله
بمعنى: أظنّ ابن طرثوثٍ أن يذهب بعاديّتي تكذابه وجعائله. وكذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء، يوجّه سبقوا إلى سابقين على هذا المعنى.
والوجه الثّاني على أنّه أراد إضمار منصوبٍ بـ (يحسب) كأنّه قال: ولا يحسب الّذين كفروا أنّهم سبقوا، ثمّ حذف الهمز وأضمر.
وقد وجّه بعضهم معنى قوله: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف المؤمن من أوليائه، وأنّ ذكر المؤمن مضمرٌ في قوله: يخوّف إذ كان الشّيطان عنده لا يخوّف أولياءه.
وقرأ ذلك بعض أهل الشّام: ولا تحسبنّ الّذين كفروا بالتّاء من تحسبنّ سبقوا أنّهم لا يعجزون بفتح الألف من أنّهم بمعنى: ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّهم لا يعجزون.
ولا وجه لهذه القراءة يعقل إلاّ أن يكون أراد القارئ بـ لا الّتي في يعجزون لا الّتي تدخل في الكلام حشوًا وصلةً. فيكون معنى الكلام حينئذٍ: ولا تحسبنّ الّذين كفروا سبقوا أنّهم يعجزون. ولا وجه لتوجيه حرفٍ في كتاب اللّه إلى التّطويل بغير حجّةٍ يجب التّسليم لها وله في الصّحّة مخرجٌ.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ: (لا تحسبنّ) بالتّاء {الّذين كفروا سبقوا إنّهم} بكسر الألف من {إنّهم لا يعجزون} بمعنى: ولا تحسبنّ أنت يا محمّد الّذين جحدوا حجج اللّه وكذّبوا بها سبقونا بأنفسهم، ففاتونا، إنّهم لا يعجزوننا: أي يفوتوننا بأنفسهم، ولا يقدرون على الهرب منّا.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون يقول: لا يفوتون). [جامع البيان: 11/241-244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون (59)
قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ سبقوا إنّهم لا يعجزون يقول: لا يفوتونا. وروي عن السّدّيّ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/1721]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 59.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إنهم لا يعجزون} يقول: لا يفوتونا). [الدر المنثور: 7/153]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:21 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) )

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ شرّ الدّوابّ عند الله الّذين كفروا} مجاز الدواب أنه يقع على الناس وعلى البهائم، وفي آية أخرى:
{وما من دابّةٍ في الأرض إلاّ على الله رزقها } [11: 6] ). [مجاز القرآن: 1/248]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه الّذين كفروا فهم لا يؤمنون}
عنى أن هؤلاء لا يؤمنون أبدا، كما قال لنوح: {أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن} ). [معاني القرآن: 2/419]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} [آية: 56]
قال مجاهد يعني بني قريظة). [معاني القرآن: 3/164]
تفسير قوله تعالى: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم مّن خلفهم...}
يريد: إن أسرتهم يا محمد فنكّل بهم من خلفهم ممن تخاف نقضه للعهد {فشرّد بهم}. {لعلّهم يذّكّرون} فلا ينقضون العهد. وربما قرئت {من خلفهم} بكسر {من}، وليس لها معنى أستحبّه مع التفسير). [معاني القرآن: 1/414]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإمّا تثقفنّهم في الحرب} مجازه مجاز فإن تثقفنّهم.
{فشرّد بهم من خلفهم} مجازه فأخف واطرد بهؤلاء الذين تثقفنهم الذين بعدهم، وفرّق بينهم). [مجاز القرآن: 1/248]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {فشرد بهم من خلفهم}.
وقراءة أخرى "من خلفهم" لم يسم لنا صاحبها). [معاني القرآن لقطرب: 616]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فشرد بهم من خلفهم}: فرق بهم، من التفرقة). [غريب القرآن وتفسيره: 159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإمّا تثقفنّهم} أي تظفر بهم.
[تفسير غريب القرآن: 179]
{فشرّد بهم من خلفهم} أي افعل بهم فعلا من العقوبة والتّنكيل يتفرق بهم من وراءهم من أعدائك. ويقال: شرّد بهم، سمّع بهم، بلغة قريش. قال الشاعر:
أطوّف في الأباطح كلّ يوم مخافة أن يشرّد بي حكيم
ويقال: شرّد بهم، أي نكلّ بهم. أي اجعلهم عظة لمن وراءهم وعبرة). [تفسير غريب القرآن: 180]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلّهم يذّكّرون}
[معاني القرآن: 2/419]
معناه افعل بهم فعلا من القتل تفرق به من خلفهم.
وقوله عزّ وجلّ: {تثقفنّهم} معناه تصادفنهم وتلقينّهم). [معاني القرآن: 2/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإنما تثقفنهم في الحرب} [آية: 57]
أي تصادفهم وتظفر بهم فشرد بهم من خلفهم
قال سعيد بن جبير أي أنذر بهم من خلفهم وقال أبو عبيد هي لغة قريش شرد بهم سمع بهم
وقال الضحاك أي نكل بهم
والتشريد في اللغة التبديد والتفريق). [معاني القرآن: 3/164]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَثْقَفَنَّهُمْ} تظفر بهم.
{فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} أي افعل بهم فعلا من العقوبة والتنكيل، يتفرق به من ورائهم من أعدائك. وقيل: معناه سَمع بهم، وقيل: نكل
بهم: أي اجعلهم عظة لغيرهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 92-93]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَشَرِّدْ}: فرق). [العمدة في غريب القرآن: 144]

تفسير قوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً...}
يقول: نقض عهد {فانبذ إليهم} بالنقض {على سواء} يقول: افعل كما يفعلون سواءً. ويقال في قوله: {على سواء}: جهرا غير سرّ. وقوله: {تخافنّ} في موضع جزم. ولا تكاد العرب تدخل النون الشديدة ولا الخفيفة في الجزاء حتى يصلوها بـ {ما}، فإذا وصلوها آثروا التنوين. وذلك أنهم وجدوا لـ {إمّا} وهي جزاء شبيها بـ {إمّا} من التخيير، فأحدثوا النون ليعلم بها تفرقة بينهما؛ ثم جعلوا أكثر جوابها بالفاء؛ كذلك جاء التنزيل؛ قال: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد}، {فإمّا نرينّك بعض الذي نعدهم} ثم قال: {فإلينا يرجعون} فاختيرت الفاء لأنهم إذا نوّنوا في {إمّا} جعلوها صدرا للكلام ولا يكادون يؤخّرونها. ليس من كلامهم: اضربه إمّا يقومنّ؛ إنما كلامهم أن يقدّموها، فلمّا لزمت التقديم صارت كالخارج من الشرط، فاستحبوا الفاء فيها وآثروها، كما استحبّوها في قولهم: أمّا أخوكم فقاعد، حين ضارعتها). [معاني القرآن: 1/414]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء} مجاز وإما وإن، ومعناها وإما توقننّ منهم خيانة أي غدراً، وخلافاً وغشّاً، ونحو ذلك.
{فانبذ إليهم} مجازه: فألق إليهم وأظهر لهم أنهم حربٌ وعدوٌ وأنك ناصب لهم حتى يعلموا ذلك فتصيروا على سواء وقد أعلمتهم ما علمت منهم، يقال: نابذتك على سواءٍ). [مجاز القرآن: 1/249]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فانبذ إليهم على سواء} فالسواء الوسط؛ كقوله {في سواء الجحيم} أي في وسط الحجحيم، و{إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} أي عدل ووسط.
قال حسان بن ثابت:
.............. = حتى أغيب في سواء الملحد
وقال الآخر:
[معاني القرآن لقطرب: 623]
ومشجج أما سواء قذاله = فبدا وغير ساره المعزاء
ساره؛ أي سائره.
وقوله عز وجل {فانبذ إليهم على سواء} المعنى فيه: ألق إليهم، وأظهر أنك عدو مناصب؛ حتى يعلموا فيصيروا على سواء). [معاني القرآن لقطرب: 624]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فانبذ إليهم على سواء}: أظهر أنك عدو لهم {على سواء} على العدل والحق). [غريب القرآن وتفسيره: 159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فانبذ إليهم على سواءٍ}: ألق إليهم نقضك العهد، لتكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء). [تفسير غريب القرآن: 180]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الخيانة: أن يؤتمن الرجل على شيء، فلا يؤدي الأمانة فيه.
يقال لكل خائن: سارق، وليس كل سارق خائنا.
والقطع يجب على السارق، ولا يجب على الخائن، لأنه مؤتمن.
قال النّمر بن تولب:
وإنَّ بني ربيعةَ بعد وَهْبٍ = كراعي البيتِ يحفظُه فَخَانَا
ويقال: لناقض العهد: خائن، لأنه أمن بالعهد وسكن إليه، فغدر ونكث.
قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58].
أي: نقضا للعهد.
[تأويل مشكل القرآن: 477]
وكذلك قوله: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13] أي غدر ونكث). [تأويل مشكل القرآن: 478]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين}
أي نقضا للعهد.
{فانبذ إليهم على سواء}.
أي انبذ عهدهم الذي عاهدتهم عليه أي ارم به.
على سواء، أي لتكون وهم سواء في العداوة.
{إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين}.
أي الذين يخونون في عهدهم وغيره.
وقوله: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم}.
معناه عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم، فجوزي هؤلاء بالقتل والسبي كما جوزي آل فرعون بالإغراق والإهلاك، كذا قال بعض أهل اللغة، في الدأب أنه العادة.
وقال أبو إسحاق: وحقيقة الداب إدامة العمل، تقول: فلان يداب في كذا وكذا أي يداوم عليه ويواظب، ويتعب نفسه فيه.
وهذا التفسير معنى العادة إلا أن هذا أبين وأكشف). [معاني القرآن: 2/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإما تخافن من قوم خيانة} [آية: 58]
أي غشا ونقضا للعهد فانبذ إليهم على سواء أي ألق إليهم نقض عهدهم لتكون أنت وهم على سواء في العلم يقال نبذت إليه على سواء أي أعلمته أني قد عرفت منه ما أخفاه
وروى عمر بن عنبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان بينه وبين قوم عهد إلى مدة فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء). [معاني القرآن: 3/165]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} أي ألقي إليهم نقضك العهد، لتكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 93]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَانبِذْ}: أظهر). [العمدة في غريب القرآن: 144]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون...}
بالتاء لا اختلاف فيها. وقد قرأها حمزة بالياء. ونرى أنه اعتبرها بقراءة عبد الله. وهي في قراءة عبد الله {ولا يحسبنّ الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون}
[معاني القرآن: 1/414]
فإذا لم تكن فيها (أنّهم) لم يستقم للظنّ ألا يقع على شيء. ولو أراد: ولا يحسب الذين كفروا أنهم لا يعجزون لاستقام، ويجعل لا (صلة) كقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} يريد: أنهم يرجعون. ولو كان مع {سبقوا)}{أن} استقام ذلك، فتقول {ولا يحسب الذين كفروا أن سبقوا}.
فإن قال قائل: أليس من كلام العرب عسيت أذهب، وأريد أقوم معك، و{أن} فيهما مضمرة، فكيف لا يجوز أن تقول: أظن أقوم، وأظن قمت؟ قلت: لو فعل ذلك في ظننت إذا كان الفعل للمذكور أجزته وإن كان اسما؛ مثل قولهم: عسى الغوير أبؤساً، والخلقة لأن، فإذا قلت ذلك قلته في أظن فقلت: أظن أقوم، وأظن قمت؛ لأن الفعل لك، ولا يجوز أظن يقوم زيد، ولا عسيت يقوم زيد؛ ولا أردت يقوم زيد؛ وجاز والفعل له لأنك إذا حوّلت يفعل إلى فاعل اتصلت به وهي منصوبة بصاحبها، فيقول: أريد قائما؛ والقيام لك. ولا تقول أريد قائما زيد، ومن قال هذا القول قال مثله في ظننت. وقد أنشدني بعضهم لذي الرّمّة:
أظنّ ابن طرثوث عتيبة ذاهبا =بعاديّتي تكذابه وجعائله
[معاني القرآن: 1/415]
فهذا مذهب لقراءة حمزة؛ يجعل {سبقوا} في موضع نصب: لا يحسبن الذين كفروا سابقين. وما أحبها لشذوذها). [معاني القرآن: 1/416]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يحسبنّ الذين كفروا سبقوا}مجازه: فاتوا.
{إنّهم لا يعجزون} لا يفوتون). [مجاز القرآن: 1/249]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة نافع {ولا تحسبن} بالتاء وكسر السين.
أبو جعفر {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا} بالياء وفتح السين، وهذه قراءة مرغوب عنها؛ مثل لا يحسبن زيد قام، وحسب القوم قاموا، وهم فاعلون، فتصير فعلوا في موضع مفعولين، ولكن يصير كأنه: لا يحسبن الذين كفروا أنهم سبقوا، أو أن سبقوا؛ فحذف "أن" كما حذفها في: أريد أكرمك، [وأحسب] تكرمني؛ يريد أن أكرمك وثمل {ومن آياته يريكم البرق}؛ كأنه قال "أن يريكم البرق" لأن هذا الكلام مثل: من محبته يشتمك، ومن رأيه ياتيك؛ وقد فسرنا هذا كله في سورة البقرة.
وقال الشاعر في مثل ذلك:
[معاني القرآن لقطرب: 616]
أظن ابن طرثوث عتيبة ذاهبا = بعاديتي تكذابه وجعائله
وهذا مثل: أظن عبد الله قائمًا؛ كأنه قال: أظن أنه قائم، فهذا شبيه بهذه القراءة.
ووجه آخر: كأنه أضمر المفعول الأول، كأنه قال: "ولا يحسبن الذين كفروا إياهم سبقوا" كما قالوا في آية أخرى {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} كأنه قال: يخوفكم أولياءه أو يخوف الناس أولياءه؛ لأنه لو كان هو المخوف لأوليائه لم يسهل المعنى، كما تقول: هو يعطي المال ويكسوا الثياب، والمعنى يعطي الناس المال ويكسوا الثياب.
[معاني القرآن لقطرب: 617]
وهذا كله حسن؛ وإن قرب من الأول، وهو أحسن منه لأنك تريد أن تضمر في {ولا يحسبن الذين كفروا} أحد المفعولين الذي لا يستغنى عنه؛ فيصير كقولك: ظننت نائمًا وحسبت قائمًا، يريد ظننتني نائمًا أو ظننتك؛ ولكن القراءة إذا جاءت طلب لها وجه تجوز عليه). [معاني القرآن لقطرب: 618]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا} أي فاتوا. ثم ابتدأ فقال: {إنّهم لا يعجزون}). [تفسير غريب القرآن: 180]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون}
معناها: لا يحسبنّ من أفلت من هذه الحرب قد سبق إلى الحياة.
والقراءة الجيدة {ولا تحسبنّ} بالتاء على مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكون " تحسبنّ " عاملة في الذين، ويكون {سبقوا} الخبر.
ويجوز فتح السين وكسرها، وقد قرأ بعض القراء، ولا يحسبن الذين كفروا، بالياء ووجهها ضعيف عند أهل العربية إلا أنّها جائزة على أن يكون المعنى، ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، لأنها في حرف ابن مسعود إنهم سبقوا، فإذا كانت كذلك فهو بمنزلة قولك: حسبت أن أقوم وحسبت أقوم على حذف {أن} وتكون أقوم وقام تنوب عن الاسم والخبر كما أنك إذا قلت: ظننت لزيد خير منك.
فقد نابت الجملة عن اسم الظنّ وخبره وفيها وجه آخر:
ولا يحسبن قبيل المؤمنين الّذين كفروا سبقوا.
ويجوز فيها أوجه لم يقرأ بها، يجوز {ولا يحسبنّ الذين كفروا سبقوا }
و {لا يحسبنّ الذين كفروا}.
أي لا يحسب المؤمنون الذين كفروا سبقوا.
ولكن القراءة سنة، لا يقرأ إلا بما قرأت به القراء.
ويجوز إنهم بكسر إنّ، ويجوز أنّهم.
فيكون المعنى: ولا يحسبن الّذين كفروا أنهم يعجزون.
ويكون {أن} بدلا من {سبقوا}.
قال أبو إسحاق: هذا الوجه ضعيف، لأن {لا } لا تكون لغوا في موضع يجوز أن تقع فيه غير لغو.
وقوله: {يعجزون} فتح النون الاختيار، ويجوز كسرها على أن يكون المعنى أنهم لا يعجزونني، بحذف النون الأولى لاجتماع النونين.
قال الشاعر:
رأته كالنعام يعلّ مسكا..=. يسوء الغاليات إذا فليني
يريد فلينني). [معاني القرآن: 2/421-422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا} [آية: 59]
قال أبو عبيدة أي فاتوا ثم قال جل وعز إنهم لا يعجزون روي عن ابن محيصن أنه قرأ لا يعجزون بالتشديد وكسر النون
[معاني القرآن: 3/165]
قال أبو جعفر هذا خطأ من جهتين:
إحداهما : أن معنى عجزه ضعفه وضعف أمره
والأخرى: أنه كان يجب أن يكون بنونين
ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه). [معاني القرآن: 3/166]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَبَقُوا} أي فاتوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 93]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:42 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) }


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) }

تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الحرب» و«النعل» و«القوس» إناث.
قال أبو عبد الله: قال الفراء في موضع آخر: الحرب مذكر). [المذكور والمؤنث: 75]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} أي: أدفع إليهم عهودهم، وأعلمهم أنا على الحرب.
{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، قال: لمن اتقى قتل الصيد.
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، قال: ساق القيامة، وساق الدنيا). [مجالس ثعلب: 11]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّ شرّ الدّوابّ إلى يتّقون المعنى المقصود تفضيل الدواب الذميمة كالخنزير والكلب العقور على الكافرين الذين حتم عليهم بأنهم لا يؤمنون، وهذا الذي يقتضيه اللفظ، وأما الكافر الذي يؤمن فيما يستأنفه من عمره فليس بشر الدواب، وقوله الّذين عاهدت منهم يحتمل أن يريد أن الموصوف ب شرّ الدّوابّ هم الذين لا يؤمنون المعاهدون من الكفار فكانوا شر الدواب على هذا بثلاثة أوصاف: الكفر والموافاة عليه والمعاهدة مع النقض، والّذين على هذا بدل البعض من الكل، ويحتمل أن يريد بقوله الّذين عاهدت الّذين الأولى، فتكون بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، والمعنى على هذا الذين عاهدت فرقة أو طائفة منهم، ثم ابتدأ يصف حال المعاهدين بقوله: ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّةٍ، والمعاهدة في هذه الآية المسالمة وترك الحرب، وأجمع المتأولون أن الآية نزلت في بني قريظة، وهي بعد تعم كل من اتصف بهذه الصفة إلى يوم القيامة، ومن قال إن المراد ب الدّوابّ الناس فقول لا يستوفي المذمة، ولا مرية في أن الدواب تعم الناس وسائر الحيوان، وفي تعميم اللفظة في هذه الآية استيفاء المذمة، وقوله في كلّ مرّةٍ يقتضي أن الغدر قد كان وقع منهم وتكرر ذلك،
وحديث قريظة هو أنهم عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ألا يحاربوه ولا يعينوا عليه عدوا من غيرهم، فلما اجتمعت الأحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة غلب على ظن بني قريظة أن النبي صلى الله عليه وسلم، مغلوب ومستأصل، وخدع حيي بن أخطب النضري كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة وعهدهم، فغدروا ووالوا قريشا وأمدوهم بالسلاح والأدراع، فلما انجلت تلك الحال عن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره الله بالخروج إليهم وحربهم فاستنزلوا، وضربت أعناقهم بحكم سعد بن معاذ، واستيعاب القصة في سيرة ابن هشام، وإنما اقتضبت منها ما يخص تفسير الآية). [المحرر الوجيز: 4/ 218-219]

تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلّهم يذّكّرون (57) وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين (58) ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون (59)
دخلت النون مع «إما» تأكيدا ولتفرق بينها وبين إما التي هي حرف انفصال في قولك جاءني إما زيد وإما عمرو «وتثقفهم» معناه وتحصلهم في ثقافك أو تلقاهم بحال ضعف تقدر عليهم فيها وتغلبهم، وهذا لازم من اللفظ لقوله في الحرب، وقيل ثقف أخذ بسرعة ومن ذلك قولهم: رجل ثقف لقف، وقال بعض الناس معناه تصادفنهم إلى نحو هذا من الأقوال التي لا ترتبط في المعنى، وذلك أن المصادف يغلب فيمكن التشريد به، وقد لا يغلب، والثقاف في اللغة ما تشد به القناة ونحوها، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إن قناتي لنبع ما يؤيسها = عض الثقاف ولا دهن ولا نار
وقال آخر: [البسيط]
تدعو قعينا وقد عضّ الحديد بها = عض الثقاف على صم الأنابيب
وقوله فشرّد معناه طرد وخوف وأبعده عن مثل فعلهم، والشريد المبعد عن وطن أو نحوه، والمعنى بفعل تفعله بهم من قتل أو نحوه يكون تخويفا لمن خلفهم أي لمن يأتي بعدهم بمثل ما أتوا به، وسواء كان معاصرا لهم أم لا، وما تقدم الشيء فهو بين يديه وما تأخر عنه فهو خلفه، فمعنى الآية فإن أسرت هؤلاء الناقضين في حربك لهم فافعل بهم من النقمة ما يكون تشريدا لمن يأتي خلفهم في مثل طريقتهم، والضمير في لعلّهم عائد على الفرقة المشردة، وقال ابن عباس: المعنى نكل بهم من خلفهم، وقالت فرقة «شرد بهم» معناه سمع بهم، حكاه الزهراوي عن أبي عبيدة، والمعنى متقارب لأن التسميع بهم في ضمن ما فسرناه أولا، وفي مصحف عبد الله «فشرذ» بالذال منقوطة، وهي قراءة الأعمش ولم يحفظ شرذ في لغة العرب ولا وجه لها إلا أن تكون الذال المنقوطة تبدل من الدال كما قالوا لحم خراديل وخراذيل، وقرأ أبو حيوة وحكاها المهدوي عن الأعمش بخلاف عنه: «من خلفهم» بكسر الميم من قوله من وخفض الفاء من قوله خلفهم والترجي في قوله لعلّهم بحسب البشر، ويذّكّرون معناه يتعظون). [المحرر الوجيز: 4/ 219-220]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإمّا تخافنّ الآية قال أكثر المؤلفين في التفسير: إن هذه الآية هي من بني قريظة، وحكاه الطبري عن مجاهد، والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله فشرّد بهم من خلفهم ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدهر، وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته فترتب فيهم هذه الآية وإنما كانت خيانتهم ظاهرة مشتهرة، فهذه الآية هي عندي فيمن يستقبل حاله من سائر الناس غير بني قريظة، وخوف الخيانة بأن تبدو جنادع الشر من قبل المعاهدين وتتصل عنهم أقوال وتتحسس من تلقائهم مبادئ الغدر، فتلك المبادئ معلومة والخيانة التي هي غايتهم مخوفة لا متيقنة، وحينئذ ينبذ إليهم على سواء، فإن التزموا السلم على ما يجب وإلا حوربوا، وبنو قريظة نبذوا العهد مرتين، وقال يحيى بن سلام: تخاف في هذه الآية بمعنى تعلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس كذلك، وقوله خيانةً يقتضي حصول عهد لأن من ليس بينك وبينه عهد فليست محاربته لك خيانة، فأمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إذا أحس من أهل عهد ما ذكرنا، وخاف خيانتهم أن يلقي إليهم عهدهم، وهو النبذ ومفعول قوله فانبذ محذوف تقديره إليهم عهدهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتقتضي قوة هذا اللفظ الحض على حربهم ومناجزتهم إن لم يستقيموا، وقوله على سواءٍ قيل معناه حتى يكون الأمر في بيانه والعلم به على سواء منك ومنهم، فتكونون فيه أي في استشعار الحرب سواء، وقيل معنى قوله على سواءٍ أي على معدلة أي فذلك هو العدل والاستواء في الحق، قال المهدوي: معناه جهرا لا سرا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا نحو الأول، وقال الوليد بن مسلم: على سواءٍ معناه على مهل كما قال تعالى: براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ [التوبة: 2].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واللغة تأبى هذا القول، وذكر الفراء أن المعنى انبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بيّن لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب، بل افعل بهم مثلما فعلوا بك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يعني موازنة ومقايسة، وقوله تعالى: إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين يحتمل أن يكون طعنا على الخائنين من الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يريد فانبذ إليهم على سواء حتى تبعد عن الخيانة، فإن الله لا يحب الخائنين فيكون النبذ على هذا التأويل لأجل أن الله لا يحب
الخائنين، والسواء في كلام العرب قد يكون بمعنى العدل والمعدلة، ومنه قوله تعالى: إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم [آل عمران: 64] ومنه قول الراجز: [الرجز]
فاضرب وجوه الغدر الأعداء = حتى يجيبوك إلى السواء
وقد يكون بمعنى الوسط، ومنه قوله تعالى: في سواء الجحيم [الصافات: 55]
ومنه قول حسان بن ثابت: [الكامل]
يا ويح أنصار النبي ورهطه = بعد المغيّب في سواء الملحد). [المحرر الوجيز: 4/ 220-223]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي «ولا تحسبن» بالتاء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبكسر السين غير عاصم فإنه فتحها، والّذين كفروا مفعول أول، وسبقوا مفعول ثان، والمعنى فأتوا بأنفسهم وأنجوها «إنهم لا يعجزون» بكسر ألف «إن» على القطع والابتداء، ويعجزون معناه مفلتون ويعجزون طالبهم، فهو معدى عجز بالهمزة تقول عجز زيد وأعجزه غيره وعجزه أيضا، قال سويد: [الوافر]
وأعجزنا أبو ليلى طفيل = صحيح الجلد من أثر السلاح
وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في حرب النبي صلى الله عليه وسلم، كقريش في بدر وغيرهم، فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون، وقيل معناه لا يعجزون في الدنيا، وقيل المراد في الآخرة، قال أبو حاتم وقرأ مجاهد وابن كثير وشبل «ولا تحسبن» بكسر التاء، وقرأ الأعرج وعاصم وخالد بن الياس «تحسبن» بفتح التاء من فوق وبفتح السين، وقرأ الأعمش «ولا يحسب» بفتح السين والياء من تحت وحذف النون، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى «ولا يحسبنّ» بياء من تحت وسين مكسورة ونون مشددة، وقرأ حفص عن عاصم وابن عامر وحمزة «ولا يحسبن» بالياء على الكناية عن غائب وبفتح السين، فإما أن يكون في الفعل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون التقدير ولا يحسبن أحد، ويكون قوله الّذين كفروا مفعولا أولا وسبقوا مفعولا ثانيا، وإما أن يكون الّذين كفروا هم الفاعلون، ويكون المفعول الأول مضمرا وسبقوا مفعول ثان، وتقدير هذا الوجه ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا، وإما أن يكون الّذين كفروا هو الفاعل وتضمر «أن» فيكون التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، وتسد أن سبقوا مسد المفعولين،
قال الفارسي: ويكون هذا كما تأوله سيبويه في قوله عز وجل قال أفغير اللّه تأمرونّي أعبد [الزمر: 64] التقدير أن أعبد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ونحوه قول الشاعر: [الطويل]
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى = ... ... ... ...
قال أبو علي: وقد حذفت «أن» وهي مع صلتها في موضع الفاعل، وأنشد أحمد بن يحيى في ذلك:
[الطويل]
وما راعنا إلا يسير بشرطة = وعهدي به قينا يفش بكير
وقرأ ابن عامر وحده من السبعة «أنهم لا يعجزون» بفتح الألف من «أنهم»، ووجهه أن يقدر بمعنى لأنهم لا يعجزون أي لا تحسبن عليهم النجاة لأنهم لا ينجون، وقرأ الجمهور «يعجزون» بسكون العين، وقرأ بعض الناس فيما ذكر أبو حاتم «يعجزون» بفتح العين وشد الجيم، وقرأ ابن محيصن «يعجزون» بكسر النون ومنحاها يعجزوني بإلحاق الضمير، قال الزجّاج: الاختيار فتح النون ويجوز كسرها على المعنى أنهم لا يعجزونني، وتحذف النون الأولى لاجتماع النونين، كما قال الشاعر: [الوافر]
تراه كالثغام يعل مسكا = يسوء الفاليات إذا فليني
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: البيت لعمرو بن معد يكرب وقال أبو الحسن الأخفش في قول متمم بن نويرة: [الكامل]
ولقد علمت ولا محالة أنّني = للحادثات فهل تريني أجزع
هذا يجوز على الاضطرار، فقال قوم حذف النون الأولى وحذفها لا يجوز لأنها موضع الإعراب، وقال أبو العباس المبرد: أرى فيما كان مثل هذا حذف الثانية، وهكذا كان يقول في بيت عمرو بن معديكرب، وفي مصحف عبد الله «ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا أنهم لا يعجزون»، قال أبو عمرو الداني بالياء من تحت وبغير نون في يحسب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذكرها الطبري بنون). [المحرر الوجيز: 4/ 223-225]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:08 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:08 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه الّذين كفروا فهم لا يؤمنون (55) الّذين عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّةٍ وهم لا يتّقون (56) فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلّهم يذّكّرون (57)}
أخبر تعالى أنّ شرّ ما دبّ على وجه الأرض هم الّذين كفروا فهم لا يؤمنون، الّذين كلّما عاهدوا عهدًا نقضوه، وكلّما أكّدوه بالأيمان نكثوه، {وهم لا يتّقون} أي: لا يخافون من اللّه في شيءٍ ارتكبوه من الآثام). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 78]

تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإمّا تثقفنّهم في الحرب} أي: تغلبهم وتظفر بهم في حربٍ، {فشرّد بهم من خلفهم} أي: نكّل بهم، قاله: ابن عبّاسٍ، والحسن البصريّ، والضحاك، والسدي، وعطاء الخراساني، وابن عيينة،
ومعناه: غلّظ عقوبتهم وأثخنهم قتلًا ليخاف من سواهم من الأعداء، من العرب وغيرهم، ويصيروا لهم عبرةً {لعلّهم يذّكّرون}
وقال السّدّيّ: يقول: لعلّهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 78-79]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين (58)}
يقول تعالى لنبيّه، صلوات اللّه وسلامه عليه {وإمّا تخافنّ من قومٍ} قد عاهدتهم {خيانةً} أي: نقضًا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود، {فانبذ إليهم} أي: عهدهم {على سواءٍ} أي: أعلمهم بأنّك قد نقضت عهدهم حتّى يبقى علمك وعلمهم بأنّك حربٌ لهم، وهم حربٌ لك، وأنّه لا عهد بينك وبينهم على السّواء، أي: تستوي أنت وهم في ذلك، قال الرّاجز. فاضرب وجوه الغدر [الأعداء] حتّى يجيبوك إلى السّواء
وعن الوليد بن مسلمٍ أنّه قال في قوله: {فانبذ إليهم على سواءٍ} أي: على مهلٍ، {إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين} أي: حتّى ولو في حق الكفارين، لا يحبّها أيضًا.
قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة عن أبي الفيض، عن سليم بن عامرٍ، قال: كان معاوية يسير في أرض الرّوم، وكان بينه وبينهم أمدٌ، فأراد أن يدنو منهم، فإذا انقضى الأمد غزاهم، فإذا شيخٌ على دابّةٍ يقول: اللّه أكبر [اللّه أكبر] وفاءً لا غدرًا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ومن كان بينه وبين قومٍ عهدٌ فلا يحلّنّ عقدةً ولا يشدّها حتّى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواءٍ" قال: فبلغ ذلك معاوية، فرجع، وإذا الشّيخ عمرو بن عبسة، رضي اللّه عنه.
وهذا الحديث رواه أبو داود الطّيالسيّ، عن شعبة وأخرجه أبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن حبّان في صحيحه من طرقٍ عن شعبة، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الزّبيريّ، حدّثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن أبي البختريّ عن سلمان -يعني الفارسيّ -رضي اللّه عنه: أنّه انتهى إلى حصنٍ -أو: مدينةٍ -فقال لأصحابه: دعوني أدعوهم كما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعوهم، فقال: إنّما كنت رجلًا منهم فهداني اللّه عزّ وجلّ للإسلام، فإذا أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فأدّوا الجزية وأنتم صاغرون، فإن أبيتم نابذناكم على سواءٍ، {إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين} يفعل بهم ذلك ثلاثة أيّامٍ، فلمّا كان اليوم الرّابع غدا النّاس إليها ففتحوها بعون اللّه).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 79-80]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون (59) وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل اللّه يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون (60)}
يقول تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا تحسبنّ} يا محمّد {الّذين كفروا سبقوا} أي: فاتونا فلا نقدر عليهم، بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا، كما قال تعالى: {أم حسب الّذين يعملون السّيّئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون} [العنكبوت: 4] أي: يظنّون، وقال تعالى: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير} [النّور: 57]، وقال تعالى {لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد متاعٌ قليلٌ ثمّ مأواهم جهنّم وبئس المهاد} [آل عمران: 196، 197]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 80]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة