العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:15 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الأنبياء

التفسير اللغوي لسورة الأنبياء

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 29]

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}

تفسير قوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {اقترب للنّاس حسابهم} [الأنبياء: 1] أي: إنّ ذلك قريبٌ.
- حدّثني أبو الأشهب والمبارك عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّما مثلي ومثل السّاعة كهاتين فما فضل إحداهما على الأخرى».
وجمع بين إصبعه الوسطى والّتي يقول النّاس: السّبّابة.
في حديث أبي الأشهب.
وقال المبارك: قال: كهاتين يعني: إصبعه الوسطى والّتي تلي الإبهام.
- نا خداشٌ، عن أبي عامرٍ، عن أبي عمران الجونيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «حين بعث إليّ، بعث إلى صاحب الصّور، فأهوى به إلى فيه وقدّم رجلًا، وأخّر أخرى، متى يؤمر ينفخ، ألا فاتّقوا النّفخة».
قوله: {وهم في غفلةٍ معرضون} [الأنبياء: 1] يعني المشركين في غفلةٍ من
[تفسير القرآن العظيم: 1/297]
الآخرة معرضون عن القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 1/298]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {اقترب للنّاس حسابهم} أي قربت القيامة {وهم في غفلةٍ}).
[تفسير غريب القرآن: 284]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {اقترب للنّاس حسابهم وهم في غفلة معرضون}
معناه اقتربت القيامة، ومثله: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}.
والمعنى - واللّه أعلم - اقترب للناس وقت حسابهم). [معاني القرآن: 3/383]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {اقترب} أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: يقال: اقترب الشيء وقرب بمعنى واحد.

تفسير قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربّهم محدثٍ} [الأنبياء: 2] يعني القرآن، تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: كلّما نزل من القرآن شيءٌ أعرضوا عنه.
قال: {إلا استمعوه وهم يلعبون} [الأنبياء: 2] يسمعونه بآذانهم ولا تقبله قلوبهم.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: لمّا نزلت هذه الآية، قال أناسٌ من أهل الضّلالة: زعم صاحبكم هذا أنّ السّاعة قد اقتربت، فتناهوا قليلًا.
قال يحيى: ليس يعني عن شركهم.
قال قتادة: ثمّ عادوا إلى أعمالهم، أعمال السّوء.
فلمّا نزل: {أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه} [النحل: 1] قال أناسٌ من أهل الضّلالة: يزعم هذا الرّجل أنّه قد أتى أمر اللّه، فتناهوا قليلًا ثمّ عادوا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى في سورة هودٍ: {ولئن أخّرنا عنهم العذاب إلى أمّةٍ معدودةٍ ليقولنّ ما يحبسه} [هود: 8] قال اللّه: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم} [هود: 8] يعني العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/298]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ما يأتيهم مّن ذكرٍ مّن رّبّهم مّحدثٍ...}

لو كان المحدث نصباً أو رفعاً لكان صواباً. النصب على الفعل: ما يأتيهم محدثاً. والرفع على الردّ على تأويل الذكر؛ لأنك لو ألقيت (من)
لرفعت الذكر. وهو كقولك: ما من أحد قائمٍ وقائمٌ وقائماً. النصب في هذه على استحسان الباء، وفي الأولى على الفعل). [معاني القرآن: 2/197-198]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث إلّا استمعوه وهم يلعبون}
الخفض القراءة، ويجوز في غير القراءة (محدثا ومحدث).
النصب على الحال، والرفع بإضمار هو). [معاني القرآن: 3/383]

تفسير قوله تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لاهيةً قلوبهم} [الأنبياء: 3] قال قتادة: غافلةً قلوبهم عنه.
قوله: {وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} [الأنبياء: 3] الّذين أشركوا، أسرّوا ذلك فيما بينهم يقول بعضهم لبعضٍ: {هل هذا} [الأنبياء: 3] يعنون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
{إلا بشرٌ مثلكم أفتأتون السّحر} [الأنبياء: 3] يعنون القرآن، أي:
[تفسير القرآن العظيم: 1/298]
أفتصدّقون به.
{وأنتم تبصرون} [الأنبياء: 3] أنّه سحرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/299]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لاهيةً قلوبهم...}

منصوبة على العطف على قوله: {وهم يلعبون} لأن قوله وهم يلعبون بمنزلة لاعبين. فكأنه: إلاّ استمعوه لاعبين لاهيةً قلوبهم. ونصبه أيضاً من إخراجه من الاسم المضمر في (يلعبون) يلعبون كذلك لاهيةً قلوبهم. ولو رفعت (لاهية) تتبعها يلعبون كان صواباً؛ كما تقول: عبد الله يلهوا ولاعبٌ. ومثله قول الشاعر:

* يقصد في أسوقها وجائر *
ورفع أيضاً على الاستئناف لا بالردّ على يلعبون.
وقوله: {وأسرّوا النّجوى} إنما قيل: وأسرّوا لأنها للناس وصفوا باللهو واللعب و(الذين) تابعة للناس مخفوضة؛ كأنك قلت: اقترب للناس الذين هذه حالهم. وإن شئت جعلت (الذين) مستأنفة مرفوعة، كأنك جعلتها تفسيراً للأسماء التي في أسرّوا؛ كما قال {فعموا وصمّوا ثمّ تاب الله عليهم ثم عموا وصمّوا كثير منهم} ). [معاني القرآن: 2/198]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأسرّوا النجوى الذّين ظلموا} خرج تقدير فعل الجميع هاهنا على غير المستعمل في المنطق لأنهم يقولون في الكلام وأسروا النجوى الذين ظلموا مجازه مجاز إضمار القوم فيه وإظهار كفايتهم فيه التي ظهرت في آخر الفعل ثم جعلوا {الذين} صفة الكناية المظهرة، فكان مجازه: " وأسرّ القوم الذين ظلموا النجوى " فجاءت " الذين " صفة لهؤلاء المضمرين، لأن فعلوا ذلك في موضع فعل القوم ذلك، وقال آخرون: بل قد تفعل العرب هذا فيظهرون عدد القوم في فعلهم إذا بدءوا بالفعل قال أبو عمرو الهذلي: " أكلوني البراغيث " يلفظ الجميع في الفعل وقد أظهر الفاعلين بعد الفعل ومجازه مجاز ما يبدأ بالمفعول قبل الفاعل لأن النجوى المفعولة جاءت قبل الذين أسروها والعرب قد تفعل ذلك وقال:
فجذّ حبل الوصل منها الواشي
" أسرّوا " من حروف الأضداد، أي أظهروا). [مجاز القرآن: 2/34]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا هل هذا إلاّ بشرٌ مّثلكم أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون}
قال: {وأسرّوا النّجوى} كأنه قال: {وأسرّوا} ثم فسره بعد فقال: "هم {الّذين ظلموا} أو جاء هذا على لغة الذين يقولون "ضربوني قومك"). [معاني القرآن: 3/6]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لاهية قلوبهم وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا هل هذا إلّا بشر مثلكم أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون }
{لاهية قلوبهم}معطوف على معنى {إلّا استمعوه وهم يلعبون} معناه استمعوه لاعبين
(لاهية قلوبهم) ويجوز أن يكون (لاهية قلوبهم) منصوبا بقوله (يلعبون).
{وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} في (أسرّوا) قولان أجودهما أن يكون (الّذين ظلموا) في موضع رفع بدلا من الواو من (أسرّوا) ومبيّنا عن معنى الواو.
والمعنى إلا استمعوه وهم يلعبون.
{وأسرّوا النّجوى}، ثم بين من هم هؤلاء فكان بدلا من الواو.
ويجوز أن يكون رفعا على الذم على معنى هم الذين ظلموا.
ويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى أعني الذين ظلموا.
وقوله: {هل هذا إلّا بشر مثلكم} بين ما أسروه، والمعنى قالوا سرّا هل هذا إلا بشر مثلكم، يعنون النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمهم الله عزّ وجلّ أنه يعلم القول في السماء والأرض، وأطلع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على قيلهم، وسرّهم). [معاني القرآن: 3/383-384]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل ربّي يعلم القول} يعني: السّرّ.
{في السّماء والأرض وهو السّميع العليم} [الأنبياء: 4] لا أسمع منه ولا أعلم منه). [تفسير القرآن العظيم: 1/299]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قال ربّي...}

و{قل ربّي} وكلّ صواب). [معاني القرآن: 2/199]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال ربّي يعلم القول في السّماء والأرض وهو السّميع العليم}
وقرئت (قل ربّي يعلم القول)، و (قال ربّي) ). [معاني القرآن: 3/384]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {بل قالوا أضغاث أحلامٍ} [الأنبياء: 5] يعنون القرآن، أي أخلاط أحلامٍ.
وقال بعضهم: كذب أحلامٍ.
وقال قتادة: فعل أحلامٍ.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {أضغاث أحلامٍ} [الأنبياء: 5] أهاويلها.
قال: {بل افتراه} [الأنبياء: 5] محمّدٌ.
{بل هو} [الأنبياء: 5] بل محمّدٌ.
{شاعرٌ فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون} [الأنبياء: 5] قال قتادة: كما أرسل موسى وعيسى فيما يزعم محمّدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/299]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أضغاث أحلامٍ بل افتراه بل هو شاعرٌ...}

ردّ ببل على معنى تكذيبهم، وإن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه خطاب وإخبار عن الجاحدين.
وقوله: {فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون} كالآيات التي جاء بها الأوّلون.
فقال الله {ما آمنت قبلهم مّن قريةٍ أهلكناها...}
ممّن جاءته آية فكيف يؤمن هؤلاء). [معاني القرآن: 2/199]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أضغاث أحلامٍ} واحدها ضغث وهو ما لم يكن له تأويل ولا تفسير، قال:
كضغث حلم غرّ منه حالمه). [مجاز القرآن: 2/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أضغاث أحلام}:واحدها ضغث وهو ما لم يكن له تأويل). [غريب القرآن وتفسيره: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون}
أي قالوا: الذي يأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - أضغاث أحلام. وجاء في التفسير أهاويل أحلام، والأضغاث في اللغة الأشياء المختلطة.
{بل افتراه بل هو شاعر} أي أخذوا ينقضون أقوالهم بعضها ببعض، فيقولون مرة: هذه أحلام.
ومرة هذا شعر ومرة مفترى
{فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون}فاقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال إذا كذّب بها،
فقال اللّه عزّ وجلّ: {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون }. [معاني القرآن: 3/384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَضْغاثُ}: لا تأويل له). [العمدة في غريب القرآن: 206]

تفسير قوله تعالى: {مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {ما آمنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها أفهم يؤمنون} [الأنبياء: 6] سعيدٌ، عن قتادة قال: يقول: إنّ الرّسل إذا جاءت بالآيات هلكت الأمم فهم لا يؤمنون عند ذلك يؤمنون.
أي: إنّ القوم إذا كذّبوا رسولهم وسألوه الآية، فجاءتهم الآية، فلم
[تفسير القرآن العظيم: 1/299]
يؤمنوا أهلكهم اللّه، أفهم يؤمنون إن جاءتهم آيةٌ؟ أي: لا يؤمنون إن جاءتهم الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/300]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أضغاث أحلامٍ بل افتراه بل هو شاعرٌ...}

ردّ ببل على معنى تكذيبهم، وإن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه خطاب وإخبار عن الجاحدين.
وقوله: {فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون} كالآيات التي جاء بها الأوّلون.
فقال الله {ما آمنت قبلهم مّن قريةٍ أهلكناها...}
ممّن جاءته آية فكيف يؤمن هؤلاء). [معاني القرآن: 2/199] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما آمنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها} أي ما آمنت بالآيات). [تفسير غريب القرآن: 284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون}
أي ما آمن أهل قرية أتتهم هذه الآيات حتى أوجب الله استئصالهم وإهلاكهم بالعذاب، واللّه جعل موعد هذه الأمة القيامة.
فقال:{بل السّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ}.
واللّه قد أعطاهم الآيات التي تبينوا بها نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن الذي دعوا أن يأتوا بسورة مثله، ومن انشقاق القمر، ومن قوله: {ليظهره على الدّين كلّه}
فظهر أهل الإسلام حتى صاروا أكثر من كل فرقة فليس أهل ملّة واحدة لهم كثرة أهل الإسلام، وأظهره اللّه أيضا بالحجة القاطعة). [معاني القرآن: 3/384-385]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر} [الأنبياء: 7] يعني أهل الكتاب عن ذلك، وهو أهل التّوراة والإنجيل في تفسير قتادة.
أهل التّوراة عبد اللّه بن سلامٍ وأصحابه المؤمنون، يعني من آمن منهم.
وقوله: {إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7] وهم لا يعلمون.
وهي كلمةٌ عربيّةٌ.
يقول: إن كنت لا تصدّق فاسأل، وهو يعلم أنّه قد كذّب). [تفسير القرآن العظيم: 1/300]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فاسألوا أهل الذّكر...}

أي أهل الكتب التوراة والإنجيل). [معاني القرآن: 2/199]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلّا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}
أي سلوا كل من يقر برسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من أهل التوراة والإنجيل.
{إن كنتم لا تعلمون} أي إن كنتم لم تعلموا أنّ الرسل بشر.
وهذا السؤال واللّه أعلم لمن كان مؤمنا من أهل هذه الكتب، لأن القبول يكون من أهل الصدق والثقة). [معاني القرآن: 3/385]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما جعلناهم جسدًا} [الأنبياء: 8] يعني النّبيّين.
{لا يأكلون الطّعام} [الأنبياء: 8] أي: ولكنّا جعلناهم جسدًا يأكلون الطّعام.
وقد قال المشركون: قال: {مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7] نا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ قال: جسدًا ليس فيه روحٌ.
قوله: {وما كانوا خالدين} [الأنبياء: 8] نا سعيدٌ، عن قتادة قال: وما كانوا يخلّدون في الدّنيا، لا يموتون). [تفسير القرآن العظيم: 1/300]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما جعلناهم جسداً لاّ يأكلون الطّعام...}

وحّد الجسد ولم يجمعه وهو عربيّ لأن الجسد كقولك شيئا مجسّدا لأنه مأخوذ من فعل فكفى من الجمع، وكذلك قراءة من قرأ {لبيوتهم سقفاً من فضّةٍ} والمعني سقوف،
ثم قال {لا يأكلون الطعام} يقول: لم نجعلهم جسداً إلاّ ليأكلوا الطعام {وما كانوا خالدين} بأكلهم وشربهم، يعني الرجال المرسلين،
ولو قيل: لا يأكل الطعام كان صوابا تجعل الفعل للجسد، كما تقول. أنتما شيئان صالحان، وشيء صالح وشيء صالحان.
ومثله {أمنةً نعاساً تغشى طائفةً} و{يغشى} مثله {إنّ شجرة الزقّوم طعام الأثيم} قال {كالمهل تغلي} للشجرة و(يغلي) للطعام،
وكذلك قوله: {ألم يك نطفةً من منيّ يمنى} وتمنى). [معاني القرآن: 2/199-200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطّعام} كقوله: {ما هذا إلّا بشرٌ مثلكم}.
فقال اللّه: ما جعلنا الأنبياء قبله أجساما لا تأكل الطعام ولا تموت، فنجعله كذلك). [تفسير غريب القرآن: 284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين}
{جسدا} هو واحد ينبئ عن جماعة، أي وما جعلناهم ذوي أجساد إلا ليأكلوا الطعام، وذلك أنهم قالوا: {مال هذا الرّسول يأكل الطّعام} فأعلموا أن الرسل أجمعين يأكلون الطعام، وأنهم يموتون وهو قوله تعالى:
{وما كانوا خالدين}. [معاني القرآن: 3/385]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام} قال ثعلب والمبرد جميعا: العرب إذا جاءت بين الكلام بجحدين كان الكلام إخبارا، فمعناه: وإنما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطعام، قالا: ومثله في الكلام: ما سمعت منك أقبل منك [أي] إنما سمعت منك لأقبل منك،
قالا: فإذا كان في أول الكلام جحد كان الكلام مجحودا جحدا حقيقيا، وهو مثل قولك: ما زيد بخارج، فإذا جمعت العرب الجحدين في أول الكلام كان أحدهما صله: ما قمت تريد: ما قمت، ومثله: ما إن قمت، تريد: ما قمت). [ياقوتة الصراط: 357-359]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ صدقناهم الوعد} [الأنبياء: 9] كانت الرّسل تحذّر قومها عذاب اللّه في الدّنيا وعذابه في الآخرة إن لم يؤمنوا.
فلمّا لم يؤمنوا صدق اللّه رسله الوعد، فأنزل العذاب على قومهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/300]
قال: {فأنجيناهم ومن نشاء} [الأنبياء: 9] يعني النّبيّ والمؤمنين.
{وأهلكنا المسرفين} [الأنبياء: 9] قال قتادة: المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/301]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا} [الأنبياء: 10] القرآن.
{فيه ذكركم} [الأنبياء: 10] فيه شرفكم، يعني: قريشًا، أي لمن آمن به.
{أفلا تعقلون} [الأنبياء: 10] يقوله للمشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/301]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كتاباً فيه ذكركم...}
شرفكم). [معاني القرآن: 2/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم} أي شرفكم وكذلك قوله: {وإنّه لذكرٌ لك ولقومك} ). [تفسير غريب القرآن: 284]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي شرفكم). [تأويل مشكل القرآن: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}
ففيه تأويلان:
أحدهما: أن تكون المخاطبة لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره من الشّكّاك، لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثّلهم: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون، يدلك على ذلك أنه قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا، يعني أهل الكتاب، فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد المشركون.
ومثل هذا قول الكميت في مدح رسول الله، صلّى الله عليه وسلم:

إلى السّراج المنير أحمد لا = يعدلني رغبةٌ ولا رَهَبُ
عنه إلى غيره ولو رفع النَّـ = ـاسُ إليَّ العيون وارتقبوا
وقيل: أفرطتَ، بل قصدتُ = ولو عنَّفني القائلون أو ثلبوا
لَجَّ بتفضيلك اللّسانُ ولو = أُكثرَ فيك اللَّجاجُ واللَّجَبُ
أنت المصفَّى المحضُ المهذَّب في النِّسْـ = ـبَةِ إنْ نصَّ قومك النَّسَبُ
فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم، والمراد أهل بيته، فورّى عن ذكرهم به، وأراد بالعائبين واللائمين بني أمية.
وليس يجوز أن يكون هذا للنبي، صلّى الله عليه وسلم، لأنه ليس أحد من المسلمين يسوءه مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا يعنّف قائلا عليه، ومن ذا يساوى به،
ويفضّل عليه، حتى يكثر في مدحه الضّجاج واللّجب؟.
وإن الشعراء ليمدحون الرجل من أوساط الناس فيفرطون ويفرّطون فيغلون وما يرفع الناس إليهم العيون ولا يرتقبون، فكيف يلام هذا على الاقتصاد في مدح من الإفراط في مدحه غير تفريط، ولكنه أراد أهل بيته.
والتأويل الآخر: أن الناس كانوا في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم أصنافا: منهم كافر به مكذّب، لا يرى إلا أن ما جاء به الباطل، وآخر: مؤمن به مصدّق يعلم أن ما جاء به الحق،
وشاك في الأمر لا يدري كيف هو، فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى.
فخاطب الله سبحانه هذا الصّنف من الناس فقال: فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم فسل الأكابر من أهل الكتاب والعلماء الذين يقرؤون الكتاب من قبلك، مثل: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الدّاري وأشباههم، ولم يرد المعاندين منهم فيشهدون على صدقه، ويخبرونك بنبوّته،
وما قدّمه الله في الكتب من ذكره فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} ، وهو يريد غير النبي، صلّى الله عليه وسلم.
كما قال في موضع آخر: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}
وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.
وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ}.
ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:
إذا كنت متّخذا صاحبا = فلا تصحبنَّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم.
وهذا، وإن كان جائزا حسنا، فإنّ المذهب الأول أعجب إليّ، لأنّ الكلام اتصل حتى قال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
وهذا لا يجوز أن يكون إلّا لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم). [تأويل مشكل القرآن: 269-274] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون }
أي فيه تذكرة لكم بما تلقونه من رحمة أو عذاب، كما قال عزّ وجلّ: {كلّا إنّها تذكرة}
وقد قيل {فيه ذكركم} فيه شرفكم). [معاني القرآن: 3/385]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فيه ذكركم} قال ثعلب: معناه: فيه شرفكم). [ياقوتة الصراط: 359]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فِيهِ ذِكْرُكُمْ}: أي شرفكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 155]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكم قصمنا} [الأنبياء: 11] أي أهلكنا.
{من قريةٍ كانت ظالمةً} [الأنبياء: 11] يعني مشركةً، يعني أهلها.
{وأنشأنا} [الأنبياء: 11] أي: وخلقنا.
{بعدها قومًا آخرين} [الأنبياء: 11] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/301]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {قصمنا} أهلكنا
). [مجاز القرآن: 2/35]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قصمنا}: أهلكنا). [غريب القرآن وتفسيره: 253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قصمنا من قريةٍ} أي أهلكنا. وأصل القصم: الكسر). [تفسير غريب القرآن: 284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين }
" كم " في موضع نصب بـ (قصمنا) ومعنى قصمنا أهلكنا وأذهبنا، يقال قصم اللّه عمر الكافر أي أذهبه). [معاني القرآن: 3/385-386]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَكَمْ قَصَمْنَا}: كم أهلكنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 155]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَصَمْنَا}: أهلكنا). [العمدة في غريب القرآن: 206]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فلمّا أحسّوا} [الأنبياء: 12] رأوا.
{بأسنا} [الأنبياء: 12] يعني عذابنا، يعني قبل أن يهلكوا.
رجع إلى قصّة من هلك.
{إذا هم منها} [الأنبياء: 12] من القرية.
{يركضون} [الأنبياء: 12] يفرّون من العذاب حين جاءهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/301]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إذا هم مّنها يركضون...}:
يهربون وينهزمون). [معاني القرآن: 2/200]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلمّا أحسّوا بأسنا} أي لقوه ورأوه، يقال: هل أحسست فلاناً، أي هل وجدته ورأيته ولقيته،
ويقال: هل أحسست مني ضعفاً، وهل أحسست من نفسك برءاً، قال الشاعر:
أحسن به فهن إليه شوس). [مجاز القرآن: 2/35]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذا هم منها يركضون} أي يهربون ويسرعون ويعدون ويعجلون، والمرأة تركض ذيلها برجلها إذا مشت، أي تحركه.
قال الأعشى:
والراكضات ذيول الخزّ آونةً=والرافلات على أعجازها العجل
العجل: القرب واحدتها عجلة). [مجاز القرآن: 2/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يركضون}: يعدون ويقال للبعير ركض برجله إذا ضرب ومنه قول الله جل وعز:{أركض برجلك}).[غريب القرآن وتفسيره: 253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إذا هم منها يركضون} أي يعدون. وأصل الرّكض: تحريك الرجلين، تقول: ركضت الفرس: إذا أعديته بتحريك رجليك فعدا. ولا يقال فركض.
ومنه قوله: {اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ} ). [تفسير غريب القرآن: 284]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( والبأس: الشدة بالعذاب، قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي عذابنا.
وقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} وقال: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} أي: يمنعنا من عذاب الله). [تأويل مشكل القرآن: 505]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {فلمّا أحسّوا بأسنا إذا هم منها يركضون} أي يهربون من العذاب). [معاني القرآن: 3/386]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَرْكُضُونَ}: أي يعدون. وأصل الركض تحريك الرجلين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 155]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَرْكُضُونَ}: يعدون). [العمدة في غريب القرآن: 206]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (يقول اللّه: {لا تركضوا} [الأنبياء: 13] قال مجاهدٌ: لا تفرّوا.
{وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} [الأنبياء: 13] يعني نعيمهم الّذي كانوا فيه.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: يقول: ارجعوا إلى دنياكم الّتي أترفتم فيها.
{ومساكنكم لعلّكم تسألون} [الأنبياء: 13] من دنياكم شيئًا، استهزاءً بهم.
أي: لا
[تفسير القرآن العظيم: 1/301]
تقدرون على ذلك، ولا يكون ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} أي إلى نعمكم التي أترفتكم).
[تفسير غريب القرآن: 284]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب المقلوب
ومن المقلوب: أن يوصف الشيء بضدّ صفته للتطيّر والتفاؤل، كقولهم للَّديغ: سَليم، تطيُّراً من السَّقَم، وتفاؤلا بالسَّلامة.
وللعطشان: ناهل أي سينهل. يعنون: يروى.
وللفلاة: مفازة. أي منجاة، وهي مهلكة.
وللمبالغة في الوصف، كقولهم للشمس: جَونة، لشدّة ضوئها.
وللغراب: أعور، لحدّة بصره.
وللاستهزاء، كقولهم للحَبَشيّ: أبو البيضاء. وللأبيض: أبو الجون.
ومن هذا قول قوم شعيب: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}.
كما تقول للرجل تستجهِله: يا عاقل، وتستخفُّه: يا حليم.
قال الشاعر:
فقلت لسيِّدنا: يا حليـ = ـم إنَّك لم تَأْسَ أَسْوًا رفيقا
قال قتادة: ومن الاستهزاء قول الله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}.
وفي قول عبيد بن الأبرص لكندة- طرف من هذا المعنى:
هلاَّ سألتَ جُموعَ كِنـ = ـدةَ يومَ ولّوا: أَيْنَ أَيْنَا؟
يستهزئ بهم حين انهزموا، يريد أين تذهبون؟ ارجعوا). [تأويل مشكل القرآن: 185-186] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلّكم تسألون }
جاء في التفسير أنه قيل لهم ذلك على جهة الاستهزاء بهم.
وقيل لعلكم تسألون شيئا مما أترفتم فيه.
ويجوز لعلكم تسألون فتجيبون عما تشاهدون إذا رأيتم ما نزل بمساكنكم وما أترفتم فيه). [معاني القرآن: 3/386]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قالوا يا ويلنا} [الأنبياء: 14] وهذا حين جاءهم العذاب.
{إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 14] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/302]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {قالوا يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين}

{ويل} كلمة تقال لكل من وقع في هلكة، وكذلك يقولها كل من وقع في هلكة). [معاني القرآن: 3/386]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه تبارك وتعالى: {فما زالت تلك دعواهم} [الأنبياء: 15] يعني قولهم: {يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 14] يعني: فما زال ذلك قولهم.
{حتّى جعلناهم حصيدًا خامدين} [الأنبياء: 15] نا سعيدٌ، عن قتادة قال: يقول: لمّا رأوا العذاب لم يكن لهم هجّيرى إلا قولهم: {يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 14]، {يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 14]، حتّى أهلكوا.
وقوله: {حتّى جعلناهم حصيدًا خامدين} [الأنبياء: 15] حتّى أهلكوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/302]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فما زالت تلك دعواهم...}

يعني قولهم: إنا كنّا ظالمين، أي لم يزالوا يردّدونها. وفي هذا الموضع يصلح التذكير. وهو مثل قوله: {ذلك من أنباء الغيب} و{تلك من أنباء الغيب} ). [معاني القرآن: 2/200]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حتّى جعلناهم حصيداً خامدين} مجاز الخامد مجاز الهامد كما يقال للنار إذا طفئت: خمدت النار.
والحصيد: مجازه مجاز المستأصل وهو يوصف بلفظ الواحد والاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء ،كأنه أجرى مجرى المصدر الذي يوصف به الذكر والأنثى والاثنان والجميع منه على لفظه، وفي آية أخرى: {كانتا رتقاً} مثله).
[مجاز القرآن: 2/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حصيدا خامدين}: مستأصلين وهو للواحد والاثنين سواء.
{لا يستحسرون}: لا يعيون ولا يملون، ومنه ناقة حسير وحسرت بعيري:
أتعبته). [غريب القرآن وتفسيره: 253-254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {خامدين} قد ماتوا فسكنوا وخمدوا). [تفسير غريب القرآن: 284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فما زالت تلك دعواهم حتّى جعلناهم حصيدا خامدين}
أي ما زالت الكلمة التي هي قولهم: {يا ويلنا إنا كنا ظالمين} دعواهم.
يجوز أن تكون (تلك) في موضع رفع اسم زالت و (دعواهم) في موضع نصب خبر زالت وجائز أن يكون (دعواهم) الاسم في موضع رفع، و (تلك) في موضع نصب على الخبر لا اختلاف بين النحويين في الوجهين).
[معاني القرآن: 3/386]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصِيداً}: مستأصلين). [العمدة في غريب القرآن: 206]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما لاعبين} [الأنبياء: 16] تفسير مجاهدٍ: ما خلقنا من جنّةٍ، ولا نارٍ، ولا موتٍ، ولا بعثٍ، ولا حسابٍ لاعبين.
وقال السّدّيّ: أي: إنّا لم نخلقهما وما بينهما باطلًا.
قال يحيى: أي: إنّما خلقناهما للبعث والحساب، والجنّة والنّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/302]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لو أردنا أن نتّخذ لهوًا} [الأنبياء: 17] واللّهو: المرأة بلسان اليمن، فيما حدّثنا الحسن بن دينارٍ عن الحسن.
[تفسير القرآن العظيم: 1/302]
قال السّدّيّ: لهوًا، يعني صاحبةً وولدًا.
قال: {لاتّخذناه من لدنّا} [الأنبياء: 17] قال مجاهدٌ والسّدّيّ: من عندنا.
{إن كنّا فاعلين} [الأنبياء: 17] قال قتادة والسّدّيّ: أي ما كنّا فاعلين، وذلك أنّ المشركين قالوا: إنّ الملائكة بنات اللّه.
وقد قال في آيةٍ أخرى: {أنّى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبةٌ} [الأنعام: 101] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/303]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لو أردنا أن نّتّخذ لهواً...}

... حدثني حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: اللهو: الولد بلغة حضرموت.
وقوله: {إن كنّا فاعلين} جاء في التفسير: ما كنا فاعلين و(إن) قد تكون في معنى (ما) كقوله: {إن أنت إلاّ نذيرٌ} وقد تكون إن التي في مذهب جزاء فيكون: إن كنّا فاعلين
وكنا لا نفعل. وهو أشبه الوجهين بمذهب العربيّة والله أعلم). [معاني القرآن: 2/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لو أردنا أن نتّخذ لهواً} أي ولدا. ويقال: امرأة. وأصل اللهو: النكاح. وقد ذكرت هذا في كتاب «تأويل المشكل».
{لاتّخذناه من لدنّا} أي من عندنا لا عندكم). [تفسير غريب القرآن: 285]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ}.
قال قتادة والحسن: اللهو: المرأة.
وقال ابن عباس: هو الولد.
والتفسيران متقاربان، لأن امرأة الرجل لَهْوُهُ، وولده لَهْوُهُ ولذلك يقال: امرأة الرجل وولده ريحانتاه.
وأصل اللهو: الجماع، فكنّي عنه باللهو، كما كني عنه بالسِّرِّ، ثم قيلَ للمرأة: لَهْوٌ؛ لأنها تُجَامع.
قال امرؤ القيس:
ألا زَعَمَتْ بَسباسَةُ اليوم أنّني = كَبَرْتُ وألا يُحْسِنَ اللهوَ أمثالي
أي النكاح.
ويروى أيضا: (وألا يحسن السرَّ أمثالي): أي النكاح.
وتأويل الآية: أن النّصارى لما قالت في المسيح وأمّه ما قالت، قال الله جل وعز: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا}، أي صاحبة وولدا، كما يقولون، لاتخذنا ذلك {مِنْ لَدُنَّا}، أي من عندنا، ولم نتّخذه من عندكم لو كنّا فاعلين ذلك، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجه يكونان عنده وبحضرته لا عند غيره.
وقال الله في مثل هذا المعنى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}، يعني الملائكة). [تأويل مشكل القرآن: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (لدن): بمعنى عند، قال تعالى: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} أي بلغت من عندي.
وقال: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أي من عندنا.
وقد تحذف منها النون، كما تحذف من (لم يكن) قال الشاعر:
مِن لَدُ لَحْيَيْهِ إِلَى مَنْحُورِهِ
أي: من عند لحييه.
وفيها لغة أخرى أيضا: لدى، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي عند الباب). [تأويل مشكل القرآن: 563] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لو أردنا أن نتّخذ لهوا لاتّخذناه من لدنّا إن كنّا فاعلين}
اللّهو في لغة حضرموت الولد، وقيل اللهو المرأة، وتأويله أن الولد لهو الدنيا، فلو أردنا أن نتخذ ذا لهو يلهى به.
ومعنى {لاتّخذناه من لدنّا} أي لاصطفيناه مما نخلق.
{إن كنّا فاعلين} معناه ما كنا فاعلين.
وكذلك جاء في التفسير.
ويجوز أن يكون للشرط أي: إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله. والقول الأول قول المفسرين، والقول الثاني قول النحويين، وهم أجمعون يقولون القول الأول ويستجيدونه.
لأن (إن) تكون في معنى النفي، إلا أن أكثر ما تأتي مع اللام تقول: إن كنت لصالحا، معناه ما كنت إلا صالحا). [معاني القرآن: 3/386-387]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا}: أي ولدا وقيل: امرأة، وأصل اللهو: النكاح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 155]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {بل نقذف بالحقّ} [الأنبياء: 18] بالقرآن.
{على الباطل} [الأنبياء: 18] على باطلهم، يعني شركهم.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: {بل نقذف بالحقّ} [الأنبياء: 18] وهو كتاب اللّه، قذفه اللّه على باطلهم.
قال: {فيدمغه فإذا هو زاهقٌ} [الأنبياء: 18] داحضٌ، أي: ذاهبٌ.
قال: {ولكم الويل} [الأنبياء: 18] العذاب.
{ممّا تصفون} [الأنبياء: 18] قال قتادة: ممّا تكذبون، لقولهم: إنّ الملائكة بنات اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {فيدمغه} أي يكسره. وأصل هذا إصابة الرأس والدماغ بالضرب وهو مقتل.

{فإذا هو زاهقٌ} أي زائل ذاهب). [تفسير غريب القرآن: 285]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {الويل}: كلمة جامعة للشر كله. قال الأصمعي: ويل تقبيح، قال الله تعالى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}. تقول العرب: له الويل، والأليل والأليل: الأنين.
وقد توضع في موضع التّحسّر والتّفجع، كقوله: {يَا وَيْلَنَا}. و{يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}.
وكذلك: ويح وويس، تصغير). [تأويل مشكل القرآن: 561] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل ممّا تصفون}
يعنى بالحق القرآن على باطلهم {فيدمغه} فيذهبه ذهاب الصغار والإذلال.
{فإذا هو زاهق} أي ذاهب.
{ولكم الويل ممّا تصفون} أي ممّا تكذبون في وصفكم في قولكم إنّ للّه ولدا). [معاني القرآن: 3/387]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَيَدْمَغُهُ}: أي يكسره، من دمغته: إذا ضربت دماغه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 155]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وله من في السّموات والأرض ومن عنده} [الأنبياء: 19] يعني الملائكة.
{لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} [الأنبياء: 19]
[تفسير القرآن العظيم: 1/303]
قال مجاهدٌ: ولا يحسرون أي: لا يعيون.
وقال قتادة: أي: ولا يعيون). [تفسير القرآن العظيم: 1/304]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لا يستحسرون} أي لا يفترون ولا يعيون ولا يملون، ويقال: حسرت البعير).
[مجاز القرآن: 2/36]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا يستحسرون} أي لا يعيون. والحسير: المنقطع به الواقف إعياء أو كلالا). [تفسير غريب القرآن: 285]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وله من في السّماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون}
أي هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد اللّه - عزّ وجلّ - عباد اللّه، وهم الملائكة.
وقوله: {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} أي لا يعيون، يقال حسر واستحسر إذا تعب وأعيا، فالملائكة لا يعيون). [معاني القرآن: 3/387]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولا يستحسرون} أي: لا يملون ولا يعيون ولا يفشلون). [ياقوتة الصراط: 359]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَا يَسْتَحْسِرُونَ}: أي لا يعيون ويقطعون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 155]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لا يسْتَحْسِرونَ}: لا يعيون). [العمدة في غريب القرآن: 206]

تفسير قوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون} [الأنبياء: 20] حدّثني حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ الطّويل، عن رجلٍ، عن ابن عبّاسٍ في تفسيرها قال: انظر إلى بصرك هل يئودك؟ أي: هل يثقل عليك؟ وانظر إلى سمعك هل يئودك؟ وانظر إلى نفسك هل يئودك؟ فكذلك الملائكة.
- نا الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزريّ عن من حدّثه، عن جابر بن عبد اللّه وأبي سعيدٍ الخدريّ أنّهما قالا: إنّ أهل الجنّة يلهمون الحمد والتّسبيح كما تلهمون النّفس.
نا ابن لهيعة، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه مثل ذلك.
- نا الحسن، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ أهل الجنّة يلهمون الحمد والتّسبيح كما تلهمون النّفس».
- وحدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أطّت السّماء وحقّ لها أن تئطّ، ليس فيها موضع شبرٍ إلا وعليه ملكٌ ساجدٌ أو راكعٌ».
- وفي حديث سعيدٍ، عن قتادة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّي أسمع أطيط السّماء وليس فيها موضعٌ إلا وعليه ملكٌ قائمٌ، أو راكعٌ أو ساجدٌ».
[تفسير القرآن العظيم: 1/304]
وحدّثني الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عطاءٍ قال: ليس في السّموات السّبع موضع شبرٍ إلا وعليه ملكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/305]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون}

أي لا يشغلهم عن التسبيح رسالة، ومجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا، لا يشغلنا عن النفس شيء، فكذلك تسبيحهم دائم). [معاني القرآن: 3/387-388]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم اتّخذوا آلهةً من الأرض هم ينشرون} [الأنبياء: 21] تفسير مجاهدٍ: هم يحيون الموتى، على الاستفهام.
أي: قد اتّخذوا آلهةً لا ينشرون ولا يحيون الموتى.
وقال قتادة: {هم ينشرون} [الأنبياء: 21] الموتى، أي إنّهم لا يبعثون الأموات.
وقال السّدّيّ: {هم ينشرون} [الأنبياء: 21] يعني هم يبعثون، أي يبعثون الأموات). [تفسير القرآن العظيم: 1/305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {هم ينشرون} أي يحيون الموتى).
[تفسير غريب القرآن: 285]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم اتّخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون}
و (ينشرون)، فمن قرأ (ينشرون) فمعناه أم اتخذوا آلهة يحيون الموتى.
يقال: أنشر اللّه الموتى ونشروا هم، ومن قرأ ينشرون بفتح الياء، فمعناه: أم اتخذوا آلهة لا يموتون يحيون أبدا). [معاني القرآن: 3/388]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {لو كان فيهما} [الأنبياء: 22] يعني: في السّموات وفي الأرض.
{آلهةٌ إلا اللّه} [الأنبياء: 22] غير اللّه.
وهو تفسير السّدّيّ.
{لفسدتا} [الأنبياء: 22] لهلكتا.
تفسير السّدّيّ.
{فسبحان اللّه ربّ العرش} [الأنبياء: 22] ينزّه نفسه عمّا يقولون.
{عمّا يصفون} [الأنبياء: 22] أي: عمّا يكذبون). [تفسير القرآن العظيم: 1/305]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ اللّه لفسدتا...}

إلاّ في هذا الموضع بمنزله سوى كأنك قلت: لو كان فيهما آلهة سوى (أو غير) الله لفسد أهلهما (يعني أهل السماء والأرض) ). [معاني القرآن: 2/200]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لو كان فيهما آلهة إلّا اللّه لفسدتا فسبحان اللّه ربّ العرش عمّا يصفون }
{فيهما} في السماء والأرض.
و {إلّا} في معنى " غير "، المعنى لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا.
ف " إلّا " صفة في معنى غير، فلذلك ارتفع ما بعدها على لفظ الذي قبلها قال الشاعر:
وكلّ أخ مفارقه أخوه=لعمر أبيك إلاّ الفرقدان
المعنى وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه.
وقوله: {فسبحان اللّه ربّ العرش عمّا يصفون} (سبحان اللّه) معناه تنزيه الله من السوء وقد فسرنا ذلك.
وهذا تفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 3/388]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23]
[تفسير القرآن العظيم: 1/305]
قال قتادة: أي: لا يسأل عمّا يفعل بعباده، والعباد يسألون عن أعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون}

أي لا يسأل في القيامة عن حكمه في عباده، ويسأل عباده عن أعمالهم سؤال موبّخ لمن يستحق التوبيخ، ومجازيا بالمغفرة لمن استحق ذلك، لأن اللّه عزّ وجلّ قد علم أعمال العباد، ولكن يسألهم إيجابا للحجة عليهم، وهو قوله: {وقفوهم إنّهم مسئولون}أي سؤال الحجة التي ذكرنا،
فأما قوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جانّ} فهذا معناه لا يسأل عن ذنبه ليستعلم منه، لأن الله قد علم أعمالهم قبل وقوعها وحين وقوعها وبعد وقوعها.
{عالم الغيب والشهادة} ). [معاني القرآن: 3/388-389]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم اتّخذوا من دونه آلهةً} [الأنبياء: 24] على الاستفهام، أي: قد اتّخذوا من دونه آلهةً.
وهذا الاستفهام وما أشباهه استفهامٌ على معرفةٍ.
قال: {قل هاتوا برهانكم} [الأنبياء: 24] يعني: بيّنتكم في تفسير قتادة.
وقال الحسن: حجّتكم على ما تقولون إنّ اللّه أمركم أن تتّخذوا من دونه آلهةً.
قال قتادة: أي: ليست عندهم بذلك بيّنةٌ ولا حجّةٌ.
وقال السّدّيّ يعني: حجّتكم بأنّ معه آلهةً.
قوله: {هذا ذكر من معي} [الأنبياء: 24] قال قتادة: يعني القرآن فيه ذكر من معي.
يعني ما فيه من الحلال والحرام.
{وذكر من قبلي} [الأنبياء: 24] يقول: من أخبار الأمم السّالفة وأعمالهم، يعني من أهلك اللّه من الأمم ومن نجّى من المؤمنين، ليس فيه اتّخاذ آلهةٍ دون اللّه.
وقال السّدّيّ: {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} [الأنبياء: 24] يقول: خبر من معي وخبر من كان قبلي.
[تفسير القرآن العظيم: 1/306]
قال: {بل أكثرهم لا يعلمون الحقّ فهم معرضون} [الأنبياء: 24] يعني بقوله: أكثرهم جماعتهم.
وقوله: {فهم معرضون} [الأنبياء: 24] يعني: عن القرآن.
وقال قتادة: عن كتاب اللّه وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/307]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {قل هاتوا برهانكم} أي حجّتكم.

{هذا ذكر من معي} يعني القرآن {وذكر من قبلي} يعني الكتب المتقدمة من كتب اللّه. يريد أنه ليس في شيء منها أنه اتخذ ولدا). [تفسير غريب القرآن: 285]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم اتّخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحقّ فهم معرضون}
قد أبان اللّه الحجة عليهم في تثبيت توحيده وأن آلهتهم لا تغني عنهم شيئا، ثم قيل لهم: هاتوا برهانكم بأنّ رسولا من الرسل أنبأ أمّتة بأنّ لهم إلها غير اللّه،
فهل في ذكر من معي وذكر من قبلي إلا توحيد الله عزّ وجلّ، وقد قرئت: هذا ذكر من معي وذكر من قبلي، ووجهها جيد.
ومعناه: هذا ذكر مما أنزل على ممّا هو معي، وذكر من قبلي.
قال أبو إسحاق: يريد بقوله {من معي} أي من الذي عندي، أو من الذي قبلي.
ثم بين فقال:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلّا نوحي إليه أنّه لا إله إلّا أنا فاعبدون}. [معاني القرآن: 3/389]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25] أي: لا تعبدوا غيري، بذلك أرسل الرّسل جميعًا.
ابن لهيعة....
يزيد بن أبي حبيبٍ أنّ عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ إدريس كان قبل نوحٍ، بعثه اللّه إلى قومه، يأمرهم أن يقولوا: لا إله إلا اللّه، ويعملوا ما شاءوا، فأبوا، فأهلكهم اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/307]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلّا نوحي إليه أنّه لا إله إلّا أنا فاعبدون}

و{نوحي إليه} ويجوز يوحي إليه أنّه لا إله إلّا أنا فاعبدون). [معاني القرآن: 3/389]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا} [الأنبياء: 26] سعيدٌ، عن قتادة قال: قالت اليهود: إنّ اللّه تبارك وتعالى صاهر الجنّ فكانت من بينهم الملائكة.
قال اللّه: {سبحانه} [الأنبياء: 26] ينزّه نفسه عمّا قالوا.
{بل عبادٌ مكرمون} [الأنبياء: 26] يعني الملائكة هم كرامٌ على اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/307]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {سبحانه بل عبادٌ مّكرمون...}

معناه: بل هم عباد مكرمون. ولو كانت: بل عبادا مكرمين مردودة على الولد أي لم نتّخذهم ولداً ولكن اتخذناهم عباداً مكرمين (كان صوابا) ). [معاني القرآن: 2/201]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون}يعنى الملائكة وعيسى ابن مريم عليه السلام.
والذي في التفسير أنهم الملائكة، ولو قرئت بل عبادا مكرمين لم يجز لمخالفة المصحف، وهي في العربية جائزة ويكون المعنى: بل اتخذ عبادا مكرمين، والرفع أجود وأحسن).[معاني القرآن: 3/389]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({لا يسبقونه بالقول} [الأنبياء: 27] فيقولون شيئًا لم يقبلوه عن اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/307]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {لا يسبقونه بالقول} لا يقولون حتى يقول ويأمر وينهي، ثم يقولون عنه.

ونحوه قوله: {لا تقدّموا بين يدي اللّه ورسوله}: أي لا تقدموا القول بالأمر والنهي قبله). [تفسير غريب القرآن: 285]

تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وهم بأمره يعملون {27} يعلم ما بين أيديهم} [الأنبياء: 27-28] من أمر الآخرة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/307]
{وما خلفهم} [الأنبياء: 28] من أمر الدّنيا إذا كانت الآخرة.
وتفسير السّدّيّ: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} [الأنبياء: 28] يعني: يعلم ما كان من قبل خلق الملائكة، وما كان بعد خلقهم.
قال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] لمن رضي عنه.
تفسير مجاهدٍ.
{وهم من خشيته مشفقون} [الأنبياء: 28] أي: خائفون في تفسير مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/308]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وهم من خشيته مشفقون} أي خائفون
). [تفسير غريب القرآن: 285]


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ومن يقل منهم إنّي إلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظّالمين} [الأنبياء: 29] وقال قتادة وغيره: هذه في إبليس خاصّةً لمّا قال ما قال دعا إلى عبادة نفسه.
وقال الحسن: ومن يقل ذلك منهم، إن قالوه ولا يقوله أحدٌ منهم.
وكان يقول: إنّ إبليس لم يكن منهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/308]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 30 إلى 50]

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أولم ير الّذين كفروا} [الأنبياء: 30] هذا على الخبر في تفسير الحسن.
وقال السّدّيّ: {أولم ير} [الأنبياء: 30] يعني: أو لم يعلم الّذين كفروا.
{أنّ السّموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما} [الأنبياء: 30] كانتا ملتزقتين إحداهما على الأخرى في تفسير الحسن، {ففتقناهما} [الأنبياء: 30] فوضع الأرض، ورفع السّماء.
وقال الكلبيّ: إنّ السّماء كانت رتقًا لا ينزل منها ماءً، ففتقها اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/308]
بالماء، وفتق الأرض بالنّبات.
وتفسير قتادة: كانتا جميعًا، ففصل اللّه بينهما بهذا الهواء فجعله بينهنّ.
وتفسير مجاهدٍ: كنّ مطبقاتٍ ففتقهنّ، أحسبه قال: بالمطر.
وقاله غيره.
قال مجاهدٌ: ولم تكن السّماء والأرض متماسّتين.
وفي حديث المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: كنّ منطبقاتٍ ففتقهنّ.
قوله: {وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون} [الأنبياء: 30] يعني المشركين.
وكلّ شيءٍ حيٍّ فإنّما خلق من الماء.
- حدّثني همّامٌ، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة أنّه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، إنّي إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني، فأنبئني عن كلّ شيءٍ.
فقال: «كلّ شيءٍ خلق من الماء»
- قلت: أنبئني بعملٍ إذا أخذت به دخلت الجنّة.
قال: «أفش السّلام، وأطب الكلام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيامٌ، وادخل الجنّة بسلامٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/309]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما...}

فتقت السماء بالقطر والأرض بالنبت (وقال) {كانتا رتقاً} ولم يقل: رتقين (وهو) كما قال {مهما جعلناهم جسداً}.
وقوله: {وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ} خفض ولو كانت: حيّا كان صوابا أي جعلنا كلّ شيء حيّاً من الماء). [معاني القرآن: 2/201]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنّ السّموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما} فالسموات جميع والأرض واحدة فخرج لفظ صفةٍ الجميع على تقدير لفظ صفة الواحد كما ترى ولم يجيء: " أنّ السموات والأرض كنّ رتقاً " ولا " ففتقاهن "، والعرب قد تفعل هذا إذا كان جميع مواتٍ أو جميع حيوانٍ ثم أشركوا بينه وبين واحد من الموات أو من الحيوان جعلوا لفظ صفتهما أو لفظ خبرهما على لفظ الاثنين،
وقال الأسود بن يعفر:

أن المنيّة والحتوف كلاهما=يوفى المخارم يرقبان سوادي
فجميع وواحد جعلهما اثنين،
وقال الراعي:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده= همّان باتا جنبةً ودخيلا
[مجاز القرآن: 2/36]
ثم جعل الاثنين جميعا فقال:
طرقا فتلك هماهمي أفريهما= قلصاً لواقح كالقسيّ وحولا
فجعل الهماهم وهي جميع واحدا وجعل الهمين جميعاً وهما اثنان وأنشدني غالبٌ أبو علي النفيلي للقطامي.
ألم يحزنك أن حبال قيسٍ=وتغلب قد تباينتا انقطاعا
فجعل " حبال قيس " وهي جميع وحبال تغلب وهي جميع اثنين). [مجاز القرآن: 2/37]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كانتا رتقاً} مجازه مجاز المصدر الذي يوصف بلفظه الواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر سواء،
ومعنى الرتق الذي ليس فيه ثقب ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر). [مجاز القرآن: 2/37]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أولم ير الّذين كفروا أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون}
وقال: {أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقاً} قال: {كانتا} لأنه جعلهما صنفين كنحو قول العرب: "هما لقاحان سودان"
وفي كتاب الله عز وجل: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا}.
وقال الشاعر:
رأوا جبلاً فوق الجبال إذا التقت = رؤوس كبيريهنّ ينتطحان
فقال "رؤوس" ثم قال "ينتطحان" وذا نحو قول العرب "الجزرات" و"الطرقات" فيجوز في ذا أن تقول: "طرقان" للاثنين و"جزران" للاثنين.
وقال الشاعر:
وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم = خضع الرّقاب نواكسي الأبصار
والعرب تقول: "مواليات" و"صواحبات يوسف". فهؤلاء قد كسروا فجمعوا "صواحب" وهذا المذهب يكون فيه المذكر "صواحبون"، ونظيره "نواكسي".
وقال بعضهم "نواكس" في موضع جرّ كما تقول "حجر ضبٍّ خربٍ"). [معاني القرآن: 3/6-7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({رتقا}: مسدودا والأنثى فيه والذكر والجميع سواء، والرتقة السداد
{ففتقناهما}: فتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات). [غريب القرآن وتفسيره: 254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كانتا رتقاً} أي كانتا شيئا واحدا ملتئما. ومنه يقال: هو يرتق الفتق، أي يسدّه. وقيل للمرأة: رتقاء.
{ففتقناهما} يقال: كانتا مصمتتين، ففتقنا السماء بالمطر، والأرض بالنبات). [تفسير غريب القرآن: 285-286]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرؤية: عِلْم، كقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} أي: ألم يعلموا).[تأويل مشكل القرآن: 499]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {أولم ير الّذين كفروا أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ أفلا يؤمنون}
قال (كانتا) لأن السّماوات يعبر عنها بلفظ الواحد، وأن السّماوات كانتا سماء واحدة، وكذلك الأرضون كانت أرضا واحدة، فالمعنى أن السّماوات كانتا سماء واحدة مرتتقة ليس فيها ماء، ففتق اللّه السماء فجعلها سبعا وجعل الأرض سبع أرضين.
وجاء في التفسير أن السماء فتقت بالمطر، والأرض بالنبات، ويدلّ على أنه يراد بفتقها كون المطر فيها قوله - عزّ وجلّ -: {وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ}.
وقيل {رتقا} ولم يقل رتقين، لأن الرتق مصدر.
المعنى كانتا ذواتي رتق فجعلتا ذواتي فتق.
ودلّهم بهذا على توحيده - جلّ وعزّ - ثم بكّتهم فقال: (أفلا يؤمنون) ). [معاني القرآن: 3/390-389]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {كانتا رتقا} أي: مصمتة، ففتقت السماء بالمطر، وفتقت الأرض بالنبات). [ياقوتة الصراط: 360-359]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كانتا رَتْقًا}: أي ملتئمة. {فَفَتَقْنَاهُمَا}: أي السماء بالمطر والأرض بالنبات. وقيل: فتق من السماء سبع سموات،
ومن الأرض سبع أرضين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَتْقاً}: مسدودة.
{فَفَتَقْنَاهما}: السماء بالمطر والأرض بالنبات). [العمدة في غريب القرآن: 206-207]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلنا في الأرض رواسي} [الأنبياء: 31] يعني الجبال.
{أن تميد بهم} [الأنبياء: 31] لأن لا تحرّك بهم.
{وجعلنا فيها فجاجًا سبلا} [الأنبياء: 31] قال قتادة: طرقًا أعلامًا.
{لعلّهم يهتدون} [الأنبياء: 31] لكي يهتدوا الطّرق.
[تفسير القرآن العظيم: 1/309]
وقال السّدّيّ: لعلّهم يعرفون الطّرق). [تفسير القرآن العظيم: 1/310]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {فجاجاً} الفجاج المسالك واحدها فج، وقال العجاج لحميد الأرقط: " الغجاج "، وتنازعا أرجوزتين على الطاء،

فقال له الحميد: الخلاط يا أبا الشعثاء، فقال له العجاج. الفجاج أوسع من ذلك يابن أخي، أي لا تخلط أرجوزتي بأرجوزتك). [مجاز القرآن: 2/37]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والفجاج): المسالك واحدها فج). [غريب القرآن وتفسيره: 254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك جعلوا (عسى) شكّا ويقينا، (ولعلّ) شكّا ويقينا. كقوله: {فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}،
أي ليهتدوا). [تأويل مشكل القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقول: {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلّهم يهتدون}
المعنى كراهة أن تميد بهم، وقال قوم: معناه ألا تميد بهم.
والمعنى كذلك، إلا أن " لا " لا تضمر والاسم المضاف يحذف، وكراهة أن تميد بهم يؤدي عن معنى ألّا تميد بهم.
ومعنى تميد في اللغة تدور، ويقال للذي يدار به إذا ركب البحر مائد. وميدى والرواسي تعني الجبال الثوابت.
(وجعلنا فيها فجاجا سبلا) فجاج: جمع فجّ، وهو كل منخرق بين جبلين، وسبلا: طرقا). [معاني القرآن: 3/390]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الفِجاج}: الطرق). [العمدة في غريب القرآن: 207]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلنا السّماء سقفًا محفوظًا} [الأنبياء: 32] على من تحتها، محفوظًا من كلّ شيطانٍ رجيم كقوله: {وحفظناها من كلّ شيطانٍ رجيمٍ} [الحجر: 17].
وإنّما كانت هاهنا محفوظًا لأنّه قال: {سقفًا محفوظًا} [الأنبياء: 32]، فوقع الحفظ فيها على السّقف، وفي الآية الأخرى على السّماء.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: هي سقفٌ محفوظٌ، وموجٌ مكفوفٌ.
قوله: {وهم عن آياتها} [الأنبياء: 32] تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: يعني الشّمس، والقمر، والنّجوم.
{معرضون} [الأنبياء: 32] لا يتفكّرون فيما يرون فيها، فيعرفون أنّ لهم معادًا فيؤمنوا.
وقال في آيةٍ أخرى: {قل انظروا ماذا في السّموات والأرض وما تغني الآيات والنّذر عن قومٍ لا يؤمنون} [يونس: 101] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/310]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وجعلنا السّماء سقفاً مّحفوظاً...}

ولو قيل: محفوظة يذهب بالتأنيث إلى السّماء وبالتذكير إلى السقف كما قال {أمنةً نعاساً تغشى} و(يغشى) وقيل (سقفاً) وهي سموات لأنها سقف على الأرض كالسّقف على البيت.
ومعنى قوله {مّحفوظاً}: حفظت (من الشياطين) بالنجوم.
وقوله: {وهم عن آياتها معرضون} فآياتها قمرها وشمسها ونجومها. قد قرأ مجاهد (وهم عن آياتها معرضون) فوحّد (وجعل) السماء بما فيها آية وكلٌ صواب). [معاني القرآن: 2/201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سقفاً محفوظاً} من الشياطين، بالنجوم.
{وهم عن آياتها معرضون} أي عمّا فيها: من الأدلة والعبر). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وجعلنا السّماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون}
حفظه اللّه من الوقوع على الأرض (إلا بإذنه) وقيل محفوظا، أي محفوظا بالكواكب كما قال عزّ وجلّ: {إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كلّ شيطان مارد }.
{وهم عن آياتنا معرضون}.
معناه وهم عن شمسها وقمرها ونجومها، وقد قرئت عن آيتها، وتأويله أن الآية فيها في نفسها أعظم آية لأنها ممسكة بقدرته عزّ وجلّ، وقد يقال للذي ينتظم علامات كثيرة آية،
يراد به أنه بجملته دليل على توحيد اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/390-391]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي خلق اللّيل والنّهار والشّمس والقمر كلٌّ في فلكٍ يسبحون} [الأنبياء: 33] قال قتادة: في فلك السّماء.
حدّثني الصّلت بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن عوفٍ البكاليّ قال: إنّ السّماء خلقت مثل القبّة، وإنّ الشّمس والقمر والنّجوم ليس منها شيءٌ لازقٌ، وإنّها تجري في فلكٍ دون السّماء، وإنّ أقرب الأرض إلى السّماء بيت المقدس باثني عشر ميلًا، وإنّ أبعد الأرض من السّماء الأبلّة.
- همّامٌ، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/310]
الشّمس والقمر وجوههما إلى السّماء، وأقفاؤهما إلى الأرض يضيئان في السّماء كما يضيئان في الأرض ثمّ تلا هذه الآية: {ألم تروا كيف خلق اللّه سبع سمواتٍ طباقًا {15} وجعل القمر فيهنّ نورًا وجعل الشّمس سراجًا {16}} [نوح: 15-16]
- وحدّثني ابن لهيعة، عن أبي قبيلٍ، عن يزيد بن أبي جحض قال: قلت لعبد اللّه بن عمرٍو: ما بال الشّمس تصلانا أحيانًا وتبرد أحيانًا؟ قال: أمّا في الشّتاء فهي في السّماء الخامسة، وأمّا في الصّيف فهي في السّماء السّابعة فقلت: إنّما كنّا نراها في هذه السّماء الدّنيا.
قال: لو كانت في هذه السّماء الدّنيا لم يقم لها شيءٌ.
الحسن، عن صاحبٍ له، عن الأعمش ذكره بإسناده قال: إنّ الشّمس أدنيت من أهل الأرض في الشّتاء لينتفعوا بها، ورفعت في الصّيف لئلا يؤذيهم حرّها.
قوله: {كلٌّ في فلكٍ يسبحون} [الأنبياء: 33] حدّثني المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: {يسبحون} [الأنبياء: 33] يدورون كما يدور فلك المغزل.
وتفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {يسبحون} [الأنبياء: 33]، يجرون كهيئة حديدة الرّحى.
وفي تفسير الحسن: إنّ الشّمس والقمر والنّجوم في طاحونةٍ بين السّماء والأرض كهيئة فلك المغزل يدورون فيها، ولو كانت ملتصقةً في السّماء لم تجر.
[تفسير القرآن العظيم: 1/311]
وقال الكلبيّ: {يسبحون} [الأنبياء: 33] يجرون.
قال: وأخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال في قوله: {الشّمس والقمر بحسبانٍ} [الرحمن: 5] قال: حسبانٌ كحسبان الرّحى). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقال: {في فلكٍ يسبحون...}

لغير الآدميّين للشمس والقمر والليل والنهار، وذلك أن السّباحة من أفعال الآدميين فقيلت: بالنون، كما قيل: {والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} لأنّ السجود من أفعال الآدميّين. ويقال: إن الفلك موج مكفوف يجرين فيه). [معاني القرآن: 2/201]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كلٌّ في فلكٍ يسبحون} الفلك: القطب الذي تدور به النجوم قال:
باتت تناصي الفلك الدوارا= حتى الصباح تعمل الأقتارا).
[مجاز القرآن: 2/38]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يسبحون} أي يجرون، و " كل " تقع صفته وخبره وفعله على لفظ الواحد لأن لفظه لفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع لأن معناه معنى الجميع وكذلك " كلاهما "
قال الشاعر:
أن المنيّة والحتوف كلاهما= يوفى المخارم يرقبان سوادي
قال " يوفى " على لفظ الواحد ثم عاد إلى المعنى فجعله اثنين فقال: يرقبان سوادي، ومعنى كل المستعمل يقع أيضاً على الآدميين فجاء هنا في غير جنس الآدميين والعرب قد تفعل ذلك قال النابغة الجعدي:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه= إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوّبوا
وفي رواية أخرى: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} وفي آية أخرى: {والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} وفي آية أخرى: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم} ). [مجاز القرآن: 2/38]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهو الّذي خلق اللّيل والنّهار والشّمس والقمر كلّ في فلك يسبحون}
{كلّ في فلك يسبحون} قيل يسبحون كما يقال لما يعقل، لأن هذه الأشياء وصفت بالفعل كما يوصف من يعقل، كما قالت العرب - في رواية جميع النحويين –
أكلوني البراغيث لما وصفت بالأكل قيل أكلوني.
قال الشاعر:
شربت بها والدّيك يدعو صباحه= إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا).
[معاني القرآن: 3/391]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون} [الأنبياء: 34] على الاستفهام، أي: لا يخلدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أفإن مّتّ فهم الخالدون...}

دخلت الفاء في الجزاء وهو (إن) وفي جوابه؛ لأن الجزاء متّصل بقرآن قبله. فأدخلت فيه ألف الاستفهام على الفاء من الجزاء. ودخلت الفاء في قوله (فهم) فإنه جواب للجزاء.
ولو حذفت الفاء من قوله (فهم) كان صواباً من وجهين أحدهما أن تريد الفاء فتضمرها، لأنها لا تغّير (هم) عن رفعها فهناك يصلح الإضمار.
والوجه الآخر أن يراد تقديم (هم) إلى الفاء فكأنّه قيل: أفهم الخالدون إن متّ). [معاني القرآن: 2/202]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون}
{أفإن متّ فهم الخالدون} يقرأ متّ بضم الميم، ومتّ بكسرها، وأكثر القراء بالضم.
وقد فسرنا ما في هذا الباب.
والفاء دخلت على " إن " جواب الجزاء، كما تدخل في قولك: إن زرتني فأنا أخوك، ودخلت الفاء على " هم " لأنها جواب (إن) ). [معاني القرآن: 3/391-392]

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً} [الأنبياء: 35] قال قتادة: بالشّدّة والرّخاء.
{فتنةً} [الأنبياء: 35] أي: بلاءٌ، أي: اختبارٌ.
{وإلينا ترجعون} [الأنبياء: 35] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت...}

ولو نوّنت في (ذائقة) ونصبت (الموت) كان صواباً. وأكثر ما تختار العرب التنوين والنصب في المستقبل. فإذا كان معناه ماضيا لم يكادوا يقولون إلاّ بالإضافة.
فأمّا المستقبل فقولك: أنا صائم يوم الخميس إذا كان خميساً مستقبلاً. فإن أخبرت عن صوم يوم خميس ماضٍ قلت: أنا صائم يوم الخميس فهذا وجه العمل.
ويختارون أيضاً التنوين. إذا كان مع الجحد. من ذلك قولهم: ما هو بتاركٍ حقّه، وهو غير تارك حقه، لا يكادون يتركون التنوين.
وتركه كثير جائز وينشدون قول أبي الأسود:
فألفيته غير مستعتب =ولا ذاكر الله إلا قليلا
فمن حذف النون ونصب قال: النّية التنوين مع الجحد، ولكنى أسقطت النون للساكن الذي لقيها وأعلمت معناها. ومن خفض أضاف). [معاني القرآن: 2/202]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا رآك الّذين كفروا} [الأنبياء: 36] يقوله للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{إن يتّخذونك إلا هزوًا أهذا الّذي يذكر آلهتكم} [الأنبياء: 36] يقوله بعضهم لبعضٍ أي: يعيبها ويشتمها.
قال اللّه: {وهم بذكر الرّحمن هم كافرون} [الأنبياء: 36] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أهذا الّذي يذكر آلهتكم...}

يريد: يعيب آلهتكم. وكذلك قوله: {سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} أي يعيبهم. وأنت قائل للرجل: لئن ذكرتني لتندمنّ وأنت تريد: بسوء قال عنترة:
لا تذكري مهري وما أطعمته = فيكون جلدك مثل جلد الأشهب
أي لا تعيبيني بأثرة مهري فجعل الذكر عيباً). [معاني القرآن: 2/202-203]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم يقال للخير: بلاء، وللشر: بلاء، لأنّ الاختبار الذي هو بلاء وابتلاء يكون بهما.
قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، أي نختبركم بالشر، لنعلم كيف صبركم؟ وبالخير، لنعلم كيف شكركم؟.
(فتنة) أي اختبارا. ومنه يقال: اللهم لا تبلنا إلا بالتي هي أحسن. أي لا تختبرنا إلا بالخير، ولا تختبرنا بالشر.
يقال من الاختبار: بلوته أبلوه بلوا، والاسم بلاء. ومن الخير: أبليته أبليه إبلاء.
ومنه يقال: يبلى ويولي.
قال زهير:
فأبلاهما خيرَ البلاء الذي يَبْلُو
أي: خير البلاء الذي يختبر به عباده.
ومن الشر: بلاه الله يبلوه بلاء). [تأويل مشكل القرآن: 469-470]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا رآك الّذين كفروا إن يتّخذونك إلّا هزوا أهذا الّذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرّحمن هم كافرون}
{أهذا الّذي يذكر آلهتكم} (هذا) على إضمار الحكاية، المعنى وإذا رآك الّذين كفروا إن يتّخذونك إلّا هزوا يقولون أهذا الذي يذكر آلهتكم.
والمعنى أهذا الذي يعيب آلهتكم يقال فلان يذكر الناس أي يغتابهم ويذكرهم بالعيوب، ويقال فلان يذكر اللّه، أي يصفه بالعظمة، ويثني عليه ويوحّده.
وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه.
قال الشاعر:
لا تذكري فرسي وما أطعمته= فيكون لونك مثل لون الأجرب
المعنى لا تذكري فرسي وإحساني إليه فتعيبيني بإيثاري إيّاه عليك). [معاني القرآن: 3/392]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أهذا الذي يذكر آلهتكم} أي: يعيبها، ويتنقصها). [ياقوتة الصراط: 360]

تفسير قوله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {خلق الإنسان من عجلٍ} [الأنبياء: 37] خلق آدم آخر ساعات النّهار من يوم الجمعة بعد ما خلق الخلق، فلمّا أحيا الرّوح عينيه ورأسه ولم يبلغ أسفله قال: ربّ استعجل بخلقي، قد غربت الشّمس.
هذا تفسير مجاهدٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/312]
- نا خداشٌ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خير يومٍ طلعت فيه الشّمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنّة، وفيه هبط منها، وفيه تقوم السّاعة، وفيه ساعةٌ، ثمّ قبض يده يقلّلها، لا يوافقها مسلمٌ يصلّي يسأل اللّه خيرًا إلا أعطاه إيّاه».
قال: فقال عبد اللّه بن سلامٍ: قد علمت أيّ ساعةٍ هي، هي آخر ساعات النّهار من يوم الجمعة، وهي السّاعة الّتي خلق اللّه فيها آدم.
قال اللّه: {خلق الإنسان من عجلٍ سأريكم آياتي فلا تستعجلون} [الأنبياء: 37] وقال قتادة: {خلق الإنسان من عجلٍ} [الأنبياء: 37] خلق عجولًا.
قال اللّه: {سأريكم آياتي فلا تستعجلون} [الأنبياء: 37] وذلك لمّا كانوا يستعجلون به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا خوّفهم به من العذاب، وذلك منهم استهزاءٌ وتكذيبٌ.
قال الحسن: يعني الموعد الّذي وعده اللّه في الدّنيا: القتل لهم، والنّصر عليهم، والعذاب لهم في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {خلق الإنسان من عجلٍ...}

وعلى عجلٍ كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة). [معاني القرآن: 2/203]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلق الإنسان من عجل} مجازه مجاز خلق العجل من الإنسان وهو العجلة والعرب تفعل هذا إذا كان الشيء من سبب الشيء بدءوا بالسبب،
وفي آية أخرى {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوّة}.
والعصبة هي التي تنوء بالمفاتيح، ويقال: إنها لتنوء عجيزتها، والمعنى أنها هي التي تنوء بعجيزتها،
قال الأعشى:
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته=وأن تعلمي أن المعان موفّق
أي أن الموفق معان، وقال الأخطل:
مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت=نجران اوبلغت سوآتهم هجر
وإنما السّوءة البالغة هجر، وهذا البيت مقلوب وليس بمنصوب). [مجاز القرآن: 2/38-39]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {خلق الإنسان من عجلٍ سأوريكم آياتي فلا تستعجلون}
وقال: {خلق الإنسان من عجلٍ سأوريكم آياتي فلا تستعجلون} يقول: "من تعجيلٍ من الأمر، لأنه قال: {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نّقول له كن}،
فهذا العجل كقوله: {فلا تستعجلوه} وقوله: {فلا تستعجلون} فإنّني {سأوريكم آياتي} ). [معاني القرآن: 3/7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خلق الإنسان من عجل}: روي عن ابن عباس أنه قال: العجل: الطين.
وأنشدوا هذا البيت:
النبع في الصخرة الصماء منبته = والنخل منبته في السهل والعجل
وقال بعضهم معناه: خلق الإنسان عجلا). [غريب القرآن وتفسيره: 255-254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {خلق الإنسان من عجلٍ} أي خلقت العجلة في الإنسان، وهذا من المقدم والمؤخر، وقد بينت ذلك في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من الإنسان، يعني العجلة.
كذلك قال أبو عبيدة. ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
[تأويل مشكل القرآن: 197-198]
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب، ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم.
وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.[تأويل مشكل القرآن: 199]
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، أو لاستقامة وزن البيت. فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}،
وحذف ومثلنا، لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة، كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي:اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون). [تأويل مشكل القرآن: 200-205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون}
قال أهل اللغة: المعنى خلقت العجلة من الإنسان، وحقيقته يدل عليها، { وكان الإنسان عجولا}، وإنما خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر الشيء خلقت منه، كما تقول: أنت من لعب، وخلقت من لعب، نريد المبالغة بوصفه باللعب). [معاني القرآن: 3/392]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خلق الإنسان من عجل} قال ثعلب: العجل: العجلة، والعجل - أيضا: الطين). [ياقوتة الصراط: 360]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}: أي خلقت العجلة في الإنسان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ عَجَلِ}: من طين). [العمدة في غريب القرآن: 207]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [الأنبياء: 38] هذا قول المشركين للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: متى هذا الّذي تعدنا به من أمر القيامة؟). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم...}

(متى) في موضع نصب، لأنك لو أظهرت جوابها رأيته منصوباً فقلت: الوعد يوم كذا وكذا (ولو) جعلت (متى) في موضع رفع كما تقول: متى الميعاد؟
فيقول: يوم الخميس ويوم الخميس. وقال الله {موعدكم يوم الزّينة} فلو نصبت كان صواباً. فإذا جعلت الميعاد في نكرة من الأيّام والليالي والشهور والسنين رفعت
فلقت: معادك يومٌ أو يومان، وليلة وليلتان كما قال الله {غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} والعرب تقول: إنما البرد شهران وإنما الصيف شهران. ولو جاء نصباً كان صواباً.
وإنّما اختاروا الرفع لأنك أبهمت الشهرين فصارا جميعاً كأنهما وقت للصّيف. وإنما اختاروا النصب في المعرفة لأنها حينٌ معلومٌ مسند إلى الذي بعده، فحسنت الصّفة،
كما أنك تقول: عبد الله دونٌ من الرجال، وعبد الله دونك فتنصب، ومثله اجتمع الجيشان فالمسلمون جانبٌ والكفّار جانب.
فإذا أضفت نصبت فقلت: المسلمون جانب صاحبهم، والكفّار جانب صاحبهم فإذا لم تضف الجانب صيرتهم هم كالجانب لا أنهم فيه فقس على ذا).[معاني القرآن: 2/203-204]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه تبارك وتعالى: {لو يعلم الّذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون} [الأنبياء: 39] وفيها تقديمٌ.
أي: أنّ الوعد الّذي كانوا يستعجلون به في الدّنيا هو يومٌ لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون لو يعلم الّذين كفروا). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولا هم ينصرون...}

وقوله: {فمن ينصرني من الله إن عصيته}: فمن يمنعني. ذلك معناه - والله أعلم - في عامّة القرآن). [معاني القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لو يعلم الّذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون}
أي حين لا يدفعون عن وجوههم النار، وجواب (لو) محذوف، المعنى لعلموا صدق الوعد، لأنهم قالوا {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}.
وجعل الله عزّ وجلّ الساعة موعدهم). [معاني القرآن: 3/392-393]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {بل تأتيهم بغتةً} [الأنبياء: 40] يعني: القيامة.
{فتبهتهم} [الأنبياء: 40] مباهتةً.
{فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون} [الأنبياء: 40] أي: ولا هم يؤخّرون). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(ثم قال: {بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون }

بغتة فجاءة وهم غافلون عنها، فتبهتم فتحيرهم). [معاني القرآن: 3/393]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم} [الأنبياء: 41] كذّبوهم واستهزءوا بهم، فحاق بهم.
{ما كانوا به يستهزئون} [الأنعام: 5] العذاب الّذي كانوا يكذّبون به، ويستهزئون بالرّسل إذا خوّفوهم به). [تفسير القرآن العظيم: 1/314]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل من يكلؤكم} [الأنبياء: 42]....
قال: من يحفظكم وهو قول قتادة.
قال: {باللّيل والنّهار من الرّحمن} [الأنبياء: 42] أي: هم من الملائكة كقوله: {يحفظونه من أمر اللّه} [الرعد: 11] أي: هم من أمر اللّه، وهم ملائكة اللّه، هم حفظةٌ من اللّه لبني آدم ولأعمالهم، يتعاقبون فيهم باللّيل والنّهار، ملائكةٌ باللّيل وملائكةٌ بالنّهار، فيجتمعون عند صلاة الصّبح، وعند صلاة العصر، فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم
وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلّون، يحفظون العباد ممّا لم يقدّر لهم، ويحفظون عليهم أعمالهم.
عبد القدّوس بن مسلمٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: ما من آدميٍّ إلا ومعه ملكان يحفظانه في ليله، ونهاره، ونومه، ويقظته من الجنّ، والإنس، والدّوابّ، والسّباع والهوامّ، وأحسبه قال: والطّير، كلّما أراده شيءٌ قال: إليك حتّى يأتي القدر.
حدّثني حمّادٌ، عن أبي غالب بن أبي أمامة قال: ما من آدميٍّ إلا ومعه ملكان أحدهما يكتب عمله، والآخر يقيه ممّا لم يقدّر عليه.
وتفسير الحسن أنّهم أربعة أملاكٍ يتعاقبونهم باللّيل والنّهار، يعني يصعد هذان، وينزل هذان.
[تفسير القرآن العظيم: 1/314]
قوله: {بل هم عن ذكر ربّهم معرضون} [الأنبياء: 42] يعني المشركين، معرضون عن القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قل من يكلؤكم...}.

مهموز (ولو) تركت همز مثله في غير القرآن قلت: يكلوكم بواو ساكنةٍ أو يكلاكم بألفٍ ساكنة؛ مثل يخشاكم: ومن جعلها واواً ساكنةً قال كلان بالألف تترك منها النّبرة.
ومن قال: يكلاكم قال: كليت مثل قضيت. وهي من لغة قريش. وكلٌّ حسن، إلا أنهم يقولون في الوجهين مكلوّةٌ بغير همز، ومكلوٌّ بغير همز أكثر ممّا يقولون مكليّة. ولوقيل مكلي في قول الذين يقولون كليت كان صواباً.
وسمعت بعض العرب ينشد قول الفرزدق:
وما خاصم الأقوام من ذي خصومةٍ =كورهاء مشني إليها حليلها
فبني على شنيت بترك النبرة. وقوله: {من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرّحمن} يريد: من أمر الرحمن، فحذف الأمر وهو يراد كما قال في موضع آخر {فمن ينصرني من الله}
يريد: من يمنعني من عذاب الله. وأظهر المعنى في موضع آخر فقال {فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا} ). [معاني القرآن: 2/204]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" قل من يكلؤكم " مجازه: يحفظكم ويمنعكم،
قال ابن هرمة:
إنّ سليمى والله يكلؤها= ضنّت بشيء ما كان يرزؤها).
[مجاز القرآن: 2/39]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يكلؤكم}: يحفظكم ويحرسكم). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الكلام على مذهب الاستفهام وهو تقرير كقوله سبحانه: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}، و{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}). [تأويل مشكل القرآن: 279] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قل من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرّحمن بل هم عن ذكر ربّهم معرضون}
معناه - واللّه أعلم - من يحفظكم من بأس الرحمن، كما قال: {فمن ينصرني من اللّه} أي من عذاب الله). [معاني القرآن: 3/393]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يكلؤكم} أي: يحفظكم). [ياقوتة الصراط: 361]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَكْلَؤُكم}: يحفظكم). [العمدة في غريب القرآن: 207]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم لهم آلهةٌ تمنعهم من دوننا} [الأنبياء: 43] أي: قد اتّخذوا آلهةً لا تمنعهم من دوننا.
{لا يستطيعون نصر أنفسهم} [الأنبياء: 43] لا تستطيع الآلهة لأنفسها نصرًا.
{ولا هم منّا يصحبون} [الأنبياء: 43] لا يصحبون من اللّه بخيرٍ في تفسير قتادة.
وقال الكلبيّ: {ولا هم منّا يصحبون} [الأنبياء: 43] ولا من عبدها منّا يجارون.
أي ليس لهم من يجيرهم، أي يمنعهم منّا.
وقال الحسن: لا تمنعهم من دون اللّه إن أراد عذابهم {ولا هم منّا يصحبون} [الأنبياء: 43] ولا من يعبدها منّا يجارون، أي ليس لهم من يجيرهم، أي يمنعهم منّا إن أراد اللّه عذابهم.
وكان يقول: إنّما تعذّب الشّياطين الّتي دعتهم إلى عبادة الأصنام، ولا تعذّب الأصنام.
قوله: {لا يستطيعون نصر أنفسهم} [الأنبياء: 43] لا يستطيعون تلك الأصنام نصر أنفسها إن أراد أن يعذّبها). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لا يستطيعون نصر أنفسهم...}

يعني الآلهة لا تمنع أنفسها {ولا هم مّنّا يصحبون} يعني الكفار يعني يجارون (وهي منّا لا تجار) ألا ترى أن العرب تقول (كان لنا جاراً) ومعناه يجيرك ويمنعك فقال (يصحبون) بالإجازة). [معاني القرآن: 2/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا هم منّا يصحبون} أي لا يجيرهم منها أحد، لأن المجير صاحب لجاره). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يصحبون} أي: يحفظون، ويمنعون). [ياقوتة الصراط: 361]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {بل متّعنا هؤلاء وآباءهم} [الأنبياء: 44] يعني: قريشًا.
{حتّى طال عليهم العمر} [الأنبياء: 44] لم يأتهم رسولٌ حتّى جاءهم محمّدٌ.
{أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] قال ابن عبّاسٍ: موت علمائها وفقهائها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قال يحيى: وبلغني عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ قال: موت عالمٍ أحبّ إلى إبليس من موت ألف عابدٍ.
- نا عمّارٌ، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «موت العالم ثلمةٌ في الإسلام لا يسدّها شيءٌ أبدًا».
نا سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ قال: ننقصها من أطرافها، قال: الموت.
وقال عكرمة وقتادة: ننقصها من أطرافها بالموت.
وقال الحسن في تفسير سعيدٍ: {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] بالفتوح على النّبيّ أرضًا فأرضًا أفلا تسمعه يقول: {أفهم الغالبون} [الأنبياء: 44] أي: ليسوا بالغالبين ولكنّ رسول اللّه هو الغالب.
- عمّارٌ، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «موت عالمٍ ثلمةٌ في الإسلام لا يسدّها شيءٌ أبدًا».
وقال السّدّيّ: {ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] يعني: أرض مكّة.
وقوله: {ننقصها} [الأنبياء: 44] يعني: إذا أسلم أحدٌ من الكفّار نقص منهم وزاد في المسلمين.
وهو قوله: {أفهم الغالبون} [الأنبياء: 44].
وفي تفسير عمرٍو، عن الحسن، عن الأحنف بن قيسٍ أنّ اللّه تبارك وتعالى يبعث نارًا قبل يوم القيامة تطرد النّاس من أطراف الأرض إلى
[تفسير القرآن العظيم: 1/316]
الشّام، تنزل معهم إذا نزلوا، وترتحل معهم إذا ارتحلوا، فتقوم عليهم القيامة بالشّام وهو قوله: {ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} أي نفتحها عليك.

{أفهم الغالبون} مع هذا ؟!). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {بل متّعنا هؤلاء وآباءهم حتّى طال عليهم العمر أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون}
{أفهم الغالبون} أي قد تبين لكم أنا ننقص الأرض من أطرافها، ولأن الغلبة لنا، وقد فسرنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها في سورة الرعد، أي فاللّه الغالب وهم المغلوبون،
أعني حزب الشيطان). [معاني القرآن: 3/393]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل إنّما أنذركم بالوحي} [الأنبياء: 45] قال قتادة: بالقرآن، أنذركم به عذاب الدّنيا وعذاب الآخرة،
يعني المشركين.
قوله: {ولا يسمع الصّمّ الدّعاء} [الأنبياء: 45] يعني النّداء، تفسير السّدّيّ.
{إذا ما ينذرون} [الأنبياء: 45] والصّمّ هاهنا الكفّار، صمّوا عن الهدى.
وقال السّدّيّ: عن الإيمان، وهو واحدٌ.
قال قتادة: إنّ الكافر أصمّ عن كتاب اللّه، لا يسمعه ولا يعقله). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولا يسمع الصّمّ الدّعاء...}

ترفع (الصمّ) لأن الفعل لهم. وقد قرأ أبو عبد الرحمن السّلمي {ولا تسمع الصّمّ الدّعاء}، نصب (الصم) بوقوع الفعل عليه). [معاني القرآن: 2/205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل إنّما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصّمّ الدّعاء إذا ما ينذرون}
{ولا يسمع الصّمّ الدّعاء إذا ما ينذرون}.
ويجوز ولا تسمع الصّمّ الدّعاء، والضم ههنا المعوضون عما يتلى
عليهم من ذكر اللّه فهم بمنزلة من لا يسمع كما قال الشاعر:
أصم عما ساءه سميع). [معاني القرآن: 3/393]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولئن مسّتهم نفحةٌ من عذاب ربّك} [الأنبياء: 46] قال قتادة: عقوبةٌ من عذاب ربّك.
قال يحيى: وهي النّفخة الأولى الّتي يهلك اللّه بها كفّار آخر هذه الأمّة بكفرهم وجحودهم.
{ليقولنّ} [الأنبياء: 46] إذا جاءهم العذاب.
{يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 46] وهي مثل الآية الأولى في أوّل السّورة.
{فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا} [الأعراف: 5] عذابنا {قل أغير اللّه} [الأنعام: 14]، {إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 46] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله تعالى: {ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك ليقولنّ يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين}
أي إن مسّتهم أدنى شيء من العذاب.
{ليقولنّ يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين} والويل ينادى به، وينادي به كل من وقع في هلكة). [معاني القرآن: 3/393-394]

تفسير قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونضع الموازين القسط} [الأنبياء: 47] يعني العدل.
{ليوم القيامة} [الأنبياء: 47]
- حدّثنا حمّادٌ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ قال: يوضع الميزان يوم القيامة، ولو وضع في كفّةٍ السّموات والأرض لوسعتهما.
فتقول الملائكة: ربّنا ما هذا؟ فيقول: أزن به لمن شئت من خلقي.
فتقول الملائكة: ربّنا ما عبدناك حقّ عبادتك.
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له بعض أهله، قال يحيى: أخبرني صاحبٌ لي، عن هشامٍ، عن الحسن أنّها عائشة: يا رسول اللّه هل يذكر الرّجل يوم القيامة حميمه؟ فقال: " ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحدٌ حميمه: عند الميزان حتّى ينظر أيثقل ميزانه أم يخفّ، وعند الصّراط حتّى ينظر أيجوز أو لا يجوز، وعند الصّحف حتّى ينظر
أيعطى كتابه بيمينه أم بشماله ".
قوله: {فلا تظلم نفسٌ شيئًا} [الأنبياء: 47] يقول: فلا تنقص من ثواب عملها شيئًا.
وهو تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: لا ينقص المؤمن من حسناته شيئًا ولا يزاد عليه من سيّئات غيره، ولا يزاد على الكافر من سيّئات غيره، ولا يجازى في الآخرة بحسنةٍ قد استوفاها في الدّنيا.
قال: {وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ} [الأنبياء: 47] أي: وزن حبّةٍ من خردلٍ.
{أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء: 47] يعني عالمين.
[تفسير القرآن العظيم: 1/318]
وقال الحسن: لا يعلم حساب مثاقيل الذّرّ والخردل إلا اللّه، ولا يحاسب العباد إلا هو.
- وحدّثني النّضر بن معبدٍ أنّ محمّد بن سيرين حدّثه قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأكل طعامه ومعه أبو بكرٍ إذ نزلت هذه السّورة: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] إلى آخرها، فأمسك أبو بكرٍ يده وقال: يا رسول اللّه ما من خيرٍ عملت إلا رأيت ولا من شرٍّ عملت إلا رأيت، فقال: «يا أبا بكرٍ ما رأيت ممّا تكره في الدّنيا فهو مثاقيل الشّرّ، وأمّا
مثاقيل الخير فتلقاك يوم القيامة، ولن يهتك اللّه ستر عبدٍ فيه مثقال ذرّةٍ من خيرٍ».
قال يحيى: وبلغني في الكافر أنّه ما عمل في الدّنيا من مثقال ذرّةٍ خيرًا يره في الدّنيا، وما عمل من مثقال ذرّةٍ شرًّا يره في الآخرة.
- أبو أميّة بن يعلى الثّقفيّ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس لا تغترّوا باللّه فإنّ اللّه لو كان مغفلًا شيئًا لأغفل الذّرّة والخردلة والبعوضة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/319]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ونضع الموازين القسط...}

القسط من صفة الموازين وإن كان موحّداً. وهو بمنزلة قولك للقوم: أنتم رضاً وعدل. وكذلك الحقّ إذا كان من صفة واحدٍ أو اثنين أو أكثر من ذلك كان واحداً.
وقوله: {ليوم القيامة} وفي يوم القيامة.
وقوله: عز وجل: {أتينا بها} ذهب إلى الحبّة، ولو كان أتينا به (كان صواباً) لتذكير المثقال. ولو رفع المثقال كما قال {وإن كان ذو عسرة فنظرةٌ} كان صواباً، وقرأ مجاهد (آتينا بها) بمدّ الألف يريد: جازينا بها على فاعلنا.
وهو وجه حسنٌ). [معاني القرآن: 2/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثقال حبّة} مجازه وزن حبة). [مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مثقال حبة}: وزن حبة). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}
{القسط} العدل، المعنى ونضع الموازين ذوات القسط، وقسط مثل عدل مصدر يوصف به، تقول ميزان قسط وميزانان قسط، وموازين - قسط.
والميزان في القيامة - جاء في التفسير - أن له لسانا وكفتين، وتمثّل الأعمال بما يوزن، وجاء في التفسير أنه يوزن خاتمة العمل، فمن كانت خاتمة عمله خيرا جوزي بخير، ومن كانت خاتمة عمله شرا فجزاؤه الشر.
وقوله: {وإن كان مثقال حبّة من خردل}.
نصب (مثقال) على معنى وإن كان العمل مثقال حبّة من خردل، ويقرأ وإن كان مثقال حبّة بالرفع على معنى وإن حصل للعبد مثقال حبة من خردل أتينا بها.
(أتينا بها) معناه جئنا بها، وقد قرئت آتينا بها على معنى جازينا بها وأعطينا بها، وأتينا بها أحسن في القراءة وأقرب في أمل العفو.
{وكفى بنا حاسبين}.
منصوب على وجهين، على التمييز، وعلى الحال، ودخلت الباء في وكفى بنا، لأنه خبر في معنى الأمر، المعنى اكتفوا باللّه حسيبا). [معاني القرآن: 3/394]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِثْقَال حبَّةٍ}: وزن حبّة). [العمدة في غريب القرآن: 207]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} [الأنبياء: 48] تفسير ابن مجاهدٍ: الكتاب.
وتفسير قتادة: يعني التّوراة.
وفرقانها، حلالها وحرامها، فرّق فيها حلالها وحرامها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/319]
وقال السّدّيّ: الفرقان يعني المخرج في الدّين من الشّبهة والضّلالة.
{وضياءً} [الأنبياء: 48] يعني نورًا.
{وذكرًا للمتّقين} [الأنبياء: 48] يذكرون به الآخرة.
وقال السّدّيّ: {وضياءً} [الأنبياء: 48] يعني ما في التّوراة من البيان). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء...}

هو من صفة الفرقان ومعناه - والله أعلم - آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وذكراً، فدخلت الواو كما قال {إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينةٍ الكواكب وحفظاً} جعلنا ذلك،
وكذلك {وضياء وذكراً} آتينا ذلك). [معاني القرآن: 2/205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتّقين}
جاء عن ابن عباس أنه يرى حذف الواو، وقال بعض النحويين معناه ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وعند البصريين أن الواو لا تزاد ولا تأتي إلّا بمعنى العطف.
وتفسير الفرقان: التوراة التي فيها الفرق بين الحلال والحرام، و (ضياء) ههنا مثل قوله: (فيه هدى ونور) ويجوز وذكرى للمتقين). [معاني القرآن: 3/394-395]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين يخشون ربّهم بالغيب} [الأنبياء: 49]
حدّثني حمّادٌ، عن يونس بن خبّابٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {هذا ما توعدون لكلّ أوّابٍ حفيظٍ {32} من خشي الرّحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ {33}} [ق: 32-33] قال: الرّجل يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر اللّه منها.
قوله: {وهم من السّاعة مشفقون} [الأنبياء: 49] خائفون من شرّ ذلك اليوم، وهم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أفأنتم له منكرون} [الأنبياء: 50] قال قتادة والسّدّيّ: يعني القرآن: {وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أفأنتم له منكرون} [الأنبياء: 50] يعني بذلك المشركين، على الاستفهام، أي قد أنكرتموه). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وهذا ذكرٌ مّباركٌ أنزلناه...}

المبارك رفع من صفة الذكر. ولو كان نصبا على قولك: أنزلناه مباركاً كان صواباً). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون}
المعنى هذا القرآن ذكر مبارك). [معاني القرآن: 3/395]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 51 إلى 86]

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل} [الأنبياء: 51] قال قتادة: هداه.
هداه صغيرًا في تفسير مجاهدٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/320]
وقال الحسن: النّبوّة.
{وكنّا به عالمين} [الأنبياء: 51] أنّه سيبلّغ عن اللّه الرّسالة ويمضي لأمره.
وهو كقوله: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده...}
هداه، إذ كان في السّرب حتّى بلّغه الله ما بلّغه. ومثله {ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها}: رشدها). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل} أي وهو غلام). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنّا به عالمين}
أي آتيناه هداه حدثا، وهو مثل قوله: (ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها) ). [معاني القرآن: 3/395]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إذ قال} [الأنبياء: 52] إبراهيم.
{لأبيه وقومه ما هذه التّماثيل} [الأنبياء: 52] قال مجاهدٌ: يعني الأصنام.
{الّتي أنتم لها عاكفون} [الأنبياء: 52] يعني: لها عابدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التّماثيل الّتي أنتم لها عاكفون}

" إذ " في موضع نصب، المعنى آتيناه رشده في ذلك الوقت، ومعنى التماثيل ههنا الأصنام، ومعنى العكوف المقام على الشيء). [معاني القرآن: 3/395]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين {53} قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلالٍ مبينٍ {54}} [الأنبياء: 53-54] يعني: بيّنٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قالوا أجئتنا بالحقّ أم أنت من اللّاعبين} [الأنبياء: 55] أهزءٌ هذا الّذي جئتنا به أم منك حقٌّ؟). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قال بل ربّكم ربّ السّموات والأرض الّذي فطرهنّ} [الأنبياء: 56] الّذي خلقهنّ وليست هذه الآلهة الّتي تعبدونها.
{وأنا على ذلكم من الشّاهدين} [الأنبياء: 56] أنّه ربّكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]

تفسير قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وتاللّه} [الأنبياء: 57] يمينٌ أقسم به.
{لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين} [الأنبياء: 57] قال قتادة: نرى أنّه قال ذلك حيث لا يسمعون.
استنفعوه ليوم عيدٍ لهم
[تفسير القرآن العظيم: 1/321]
يخرجون فيه من المدينة فأبى، فقال: {إنّي سقيمٌ} [الصافات: 89] اعتلّ لهم بذلك ثمّ قال لمّا ولّوا: {وتاللّه لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين} [الأنبياء: 57] فسمع وعيده لأصنامهم رجلٌ منهم استأخر من القوم، وهو الّذي قال: {سمعنا فتًى يذكرهم يقال له إبراهيم} [الأنبياء: 60] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وتاللّه لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين...}

كانوا أرادوا الخروج إلى عيد لهم، فاعتلّ عليهم إبراهيم، فتخلّف (وقال): إني سقيم، فلمّا مضوا كسر آلهتهم إلاّ أكبرها، فلمّا رجعوا قال قائل منهم: أنا سمعت إبراهيم يقول:
وتالله لأكيدنّ أصنامكم. وهو قوله: {سمعنا فتيً يذكرهم يقال له إبراهيم}: يذكرهم بالعيب (والشتم) وبما قال من الكيد). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وتاللّه لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين }
معناه - واللّه أعلم - وواللّه لأكيدن، ولا تصلح التاء في القسم إلا في الله، تقول: وحق اللّه لأفعلنّ، ولا يجوز تحق اللّه لأفعلن، وتقول وحق زيد لأفعلن، والتاء بدل من الواو،
ويجوز وباللّه لأكيدنّ أصنامكم.
وقراءة أهل الأمصار تاللّه، ولا نعلم أحدا من أهل الأمصار قرأ بالباء، ومعناها صحيح جيّد). [معاني القرآن: 3/395]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فجعلهم جذاذًا} [الأنبياء: 58] قال قتادة: قطعًا، قطّع أيديها وأرجلها
وفقأ أعينها، ونجر وجوهها.
{إلا كبيرًا لهم} [الأنبياء: 58] قال قتادة: يعني للآلهة وأعظمها في أنفسهم، ثمّ أوثق الفأس في يد كبير تلك الأصنام.
{لعلّهم إليه يرجعون} [الأنبياء: 58] قال قتادة: كادهم بذلك لعلّهم يبصرون فيؤمنوا.
وقال مجاهدٌ: ثمّ جعل إبراهيم الفأس الّتي أهلك اللّه بها أصنامهم مسندةً إلى صدر كبيرهم الّذي ترك.
فلمّا رجعوا فرأوا ما صنع بأصنامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فجعلهم جذاذاً...}

قرأها يحيى بن وثاب (جذاذاً) وقراءة الناس بعد (جذاذاً) بالضم فمن قال (جذاذاً) فرفع الجيم فهو واحد مثل الحطام والرفات. ومن قال (جذاذاً) بالكسر فهو جمع؛
كأنه جذيذ وجذاذ مثل خفيف وخفاف). [معاني القرآن: 2/206]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فجعلهم جذاذاً} أي مستأصلين قال جرير:

بني المهلّب جذّ الله دابرهم= أمسوا رمادا فلا أصلٌ ولا طرف
لم يبق منهم شيء ولفظ " جذاذ " يقع على الواحد والاثنين والجميع من المؤنث والمذكر سواء بمنزلة المصدر).[مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فجعلهم جذاذا}: أي استأصلهم. ويقال: جذ الله أصلهم، والجذاذ مثل الرفات مصدر،
وقد قرئت {جذاذا} وكأنه جمع جذيذ، بمعنى مجذوذ كالقتيل والجريح). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فجعلهم جذاذاً} أي فتاتا. وكلّ شيء كسرته: فقد جذذته.
ومنه قيل للسّويق: جذيذ). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فجعلهم جذاذا إلّا كبيرا لهم لعلّهم إليه يرجعون}
وجذاذا تقرأ بالضمّ والكسر فمن قرأ (جذاذا) فإن بنية كل ما كسّر وقطّع على فعال نحو الجذاذ والحطام والرفات، ومن قال جذاذ فهو جمع جذيذ وجذاذ نحو ثقيل وثقال وخفيف وخفاف.
ويجوز جذاذا على معنى القطاع والحصاد، ويجوز نجذذ على معنى جذيد وجذذ مثل جديد وجدد.
وقوله: {إلّا كبيرا لهم} أي كسّر هذه الأصنام إلّا أكبرها، وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إياه، لا في الخلقة، ويجوز أن يكون أعظمها خلقة.
ومعنى (لعلّهم إليه يرجعون) أي لعلهم باحتجاج إبراهيم عليهم به يرجعون فيعلمون وجوب الحجة - عليهم). [معاني القرآن: 3/396-395]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جُذَاذًا}: أي فتاتاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جُذَاذاً}: استأصلهم). [العمدة في غريب القرآن: 207]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)}

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنّه لمن الظّالمين {59} قالوا} [الأنبياء: 59-60] قال الّذي استأخر منهم وسمع وعيد إبراهيم أصنامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {قالوا سمعنا فتًى يذكرهم} أي: يغييهم وهذا كما يقال: لئن ذكرتني لتندمنّ يريد: بسوء). [تفسير غريب القرآن: 286]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( قوله: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم}
أي يذكرهم بالعيب، وقالوا للأصنام يذكرهم لأنهم جعلوها في عبادتهم إياها بمنزله ما يعقل، وإبراهيم يرتفع على وجهين:
أحدهما على معنى يقال له هو إبراهيم، والمعروف به إبراهيم، وعلى النداء على معنى يقال له يا إبراهيم). [معاني القرآن: 3/396]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {سمعنا فتًى يذكرهم يقال له إبراهيم {60} قالوا فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون {61}} [الأنبياء: 60-61] أنّه كسرها فتكون لكم عليه الحجّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/323]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {على أعين النّاس...}:

على رءوس الناس {لعلّهم يشهدون} عليه بما شهد به الواحد. ويقال: لعلّهم يشهدون أمره وما يفعل به). [معاني القرآن: 2/206]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأتوا به على أعين النّاس} أي أظهروه تقول العرب، إذا أظهر الأمر وشهر، كان ذلك على أعين الناس، أي بأعين الناس، ويقول بعضهم جاؤوا به على رؤوس الخلق).
[مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فأتوا به على أعين الناس}: أي أظهروه). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأتوا به على أعين النّاس} أي بمرأى من الناس: لا تأتوا به خفية). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون }
أي لعلهم يعرفونه بهذا القول فيشهدون عليه، فيكون ما ينزله به بحجة عليه، وجائز أن يكون لعلّهم يشهدون عقوبتنا إياه). [معاني القرآن: 3/396]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال قتادة: كرهوا أن يأخذوه إلا ببيّنةٍ فجاءوا به.
فـ {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم {62} قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون {63} فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظّالمون {64}} [الأنبياء: 62-64] قال قتادة: وهي هذه المكيدة الّتي كادهم بها.
وقال الحسن: إنّ كذبه في مكيدته إيّاهم موضوعٌ عنه.
وحدّثني همّامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر في حديث الشّفاعة حيث يأتون آدم، ثمّ نوحًا، ثمّ إبراهيم، ثمّ موسى، ثمّ عيسى، ثمّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ما يقول كلّ نبيٍّ منهم، فذكر في قول إبراهيم حين سألوه أن يشفع لهم: إنّي لست هنالكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب، ثلاث كذباتٍ كذبهنّ، قوله: {إنّي سقيمٌ}
[الصافات: 89] وقوله: {فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء: 63] وقوله لامرأته: إن سألوك من أنت منه، فقولي إنّك أختي). [تفسير القرآن العظيم: 1/323]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا...}

هذا، قال بعض الناس بل فعلّه كبيرهم مشدّدة يريد: فلعلّه
كبيرهم، وقال بعض الناس: بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون. فجعل فعل الكبير مسنداً إليه إن كانوا ينطقون وهم لا ينطقون. والمذهب الذي العوامّ عليه: بل فعله كما قال يوسف {أيّتها العير إنّكم لسارقون} ولم يسرقوا.
وقد أيّد الله أنبياءه بأكثر من هذا). [معاني القرآن: 2/207-206]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فسئلوهم إن كانوا ينطقون} فهذا من الموات وخرج مخرج الآدميين بمنزلة قوله: {رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} ويقال: سألت وسلت تسال لا يهمز فهو بلغة من قال سلته). [مجاز القرآن: 2/40]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}
وقال: {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} فذكّر الأصنام وهي من الموات لأنها كانت عندهم ممن يعقل أو ينطق). [معاني القرآن: 3/7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك قوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}. أراد: بل فعله الكبير، إن كانوا ينطقون فسلوهم، فجعل النطق شرطا للفعل، أي إن كانوا ينطقون فقد فعله، وهو لا يعقل ولا ينطق.
وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: ((إنّ إبراهيم كذب ثلاث كذبات ما منها واحدة إلا وهو يماحل بها عن الإسلام)).
فسمّاها كذبات، لأنها شاكهت الكذب وضارعته.
ولذلك قال بعض أهل السلف لابنه: (يا بني لا تكذبن ولا تشبّهن بالكذب).
فنهاه عن المعاريض، لئلا يجري على اعتيادها، فيتجاوزها إلى الكذب، وأحبّ أن يكون حاجزا من الحلال بينه وبين الحرام). [تأويل مشكل القرآن: 269-268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}يعني الصّنم العظيم.
{فاسألوهم إن كانوا ينطقون} قال بعضهم: إنما المعنى، بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون، وجاء في التفسير أن إبراهيم نطق بثلاث كلمات على غير ما يوجبه لفظها
لما في ذلك من الصلاح، وهي قوله: {فقال إني سقيم} وقوله {فعله كبيرهم هذا}.
وقوله إنّ سارّة أختي، والثلاث لهن وجه في الصدق بيّن.
فسارّة أخته في الدّين، وقوله (إني سقيم) فيه غير وجه أحدها إني مغتمّ بضلالتكم حتى أنا كالسقيم، ووجه آخر إني سقيم عندكم، وجائز أن يكون ناله في هذا الوقت مرض.
ووجه الآية ما قلناه في قوله: {بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}.
واحتج قوم بأن قول إبراهيم مثل قول يوسف لإخوته: {أيّتها العير إنّكم لسارقون} ولم يسرقوا الصّاع، وهذا تأويله - واللّه أعلم - إنكم لسارقون يوسف). [معاني القرآن: 3/397-396]

تفسير قوله تعالى: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال قتادة: كرهوا أن يأخذوه إلا ببيّنةٍ فجاءوا به.
فـ {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم {62} قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون {63} فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظّالمون {64}} [الأنبياء: 62-64] قال قتادة: وهي هذه المكيدة الّتي كادهم بها.
وقال الحسن: إنّ كذبه في مكيدته إيّاهم موضوعٌ عنه). [تفسير القرآن العظيم: 1/323] (م)

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ نكسوا على رءوسهم} [الأنبياء: 65] خزيًا قد حجّهم وقال قتادة: أصاب القوم خزية سوءٍ فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون {65}). [تفسير القرآن العظيم: 1/323]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثمّ نكسوا على رءوسهم...}

يقول: رجعوا عندما عرفوا من حجّة إبراهيم فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} (والعلم والظنّ بمنزلة اليمين. فلذلك لقيت العلم بما) فقال: {علمت ما هؤلاء}
كقول القائل: والله ما أنت بأخينا، وكذلك قوله: {وظنّوا ما لهم من محيصٍ}.
ولو أدخلت العرب (أن) قبل (ما) فقيل: علمت أن ما فيك خير وظننت أن ما فيك خير كان صواباً. ولكنهم إذا لقي شيئا من هذه الحروف أداة مثل (إن) التي معها اللام أو استفهام كقولك: اعلم لي أقام عبد الله أم زيد (أو لئن) ولو اكتفوا بتلك الأداة فلم يدخلوا عليها (أن) ألا ترى قوله: {ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} لو قيل: أن ليسجننّه كان صواباً؛ كما قال الشاعر:
وخبّرتما أن إنمّا بين بيشةٍ =ونجران أحوى والمحلّ خصيب
فأدخل أن على إنما فلذلك أجزنا دخولها على ما وصفت لك من سائر الأدوات). [معاني القرآن: 2/207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ نكسوا على رؤوسهم} مجازه: قلبوا، ويقال: نكست فلاناً على رأسه، إذا قهره وعلاه ونحو ذلك). [مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ نكسوا على رؤوسهم} أي ردوا إلى أول ما كانوا يعرفونها به: من أنها لا تنطق،
فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، فحذف «قالوا» اختصارا). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}
جاء في التفسير أنه أدركت القوم حيرة.
ومعنى: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}.
أي ثم نكسوا على رؤوسهم فقالوا لإبراهيم عليه السلام: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، فقد اعترفوا بعجز ما يعبدونه عن النطق). [معاني القرآن: 3/397]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قال} [الأنبياء: 66] لهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/323]
{أفتعبدون من دون اللّه ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضرّكم} [الأنبياء: 66] يعني أصنامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]

تفسير قوله تعالى: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون اللّه أفلا تعقلون} [الأنبياء: 67] وهي الّتي كادهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {أفّ لكم ولما تعبدون من دون اللّه أفلا تعقلون}

يقرأ (أفّ لكم) بغير تنوين، و (أفّ) بتنوين، ويجوز أفّ لكم وأفّ لكم - بالضم والتنوين وبترك التنوين - ويجوز أفّ لكم بالفتح.
فأمّا الكسر بغير تنوين فلالتقاء السّاكنين وهما الفاءان في قوله أف، لأن ما أصل الكلمة السكون لأنها بمنزلة الأصوات، وحذف التنوين لأنها معرفة لا يجب إعرابها، وتفسيرها (النّتن) لكم ولما تعبدون فمن نوّن جعله نكرة بمنزلة نتنا لكم ولما تعبدون من دون اللّه، وكسر لأن أصل التقاء السّاكنين الكسر، ولأن أكثر الأصوات مبني على الكسر نحو قوله غاق وجير وأمس وويه، ويجوز الفتح لالتقاء السّاكنين لثقل التضعيف والكسر، ويجوز الضم لضمة الألف كما قالوا: ردّ يا هذا ورد، ورد - بالكسر، ومن نوّن مع الضم فبمنزلة التنوين مع الكسر). [معاني القرآن: 3/398]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا حرّقوه} [الأنبياء: 68] بالنّار.
{وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين} [الأنبياء: 68] قال الحسن: فجمعوا الحطب زمانًا، حتّى إنّ الشّيخ الكبير الّذي لم يخرج من بيته قبل ذلك زمانًا كان يجيء بالحطب، فيلقيه، يتقرّب به إلى آلهتهم فيما يزعم، ثمّ جاءوا بإبراهيم فألقوه في تلك النّار.
قال يحيى: بلغني أنّهم رموا به في المنجنيق، فكان ذلك أوّل ما صنع المنجنيق). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]

تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 69]
- نا سفيان، عن الأعمش، عن شيخٍ، عن عليٍّ قال: قال اللّه: {يا نار كوني بردًا} [الأنبياء: 69] فكادت تقتله من البرد، وقال: {وسلامًا} [الأنبياء: 69] لا تضرّه.
وقال السّدّيّ: {وسلامًا} [الأنبياء: 69] يعني: وسلامةً من حرّ النّار ومن بردها.
نا سعيدٌ، عن قتادة أنّ كعبًا قال: ما انتفع بها يومئذٍ أحدٌ من النّاس، وما أحرقت منه يومئذٍ إلى وثاقه.
عمّارٌ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ قال: إنّ إبراهيم لمّا أرادوا أن يلقوه في النّار جاءت عامّة الخليقة إلى ربّها فقالت: يا ربّ، خليلك يلقى في النّار، فأذن لنا نطفئ عنه.
فقال: هو خليلي ليس لي في الأرض خليلٌ غيره وأنا إلهه ليس له إلهٌ غيري، فإن استغاثكم فأغيثوه وإلا فدعوه.
قال فجاء ملك القطر فقال: يا ربّ خليلك يلقى في النّار فأذن لي أطفئ عنه بالقطر.
فقال: هو خليلي ليس
[تفسير القرآن العظيم: 1/324]
لي في الأرض خليلٌ غيره، وأنا إلهه ليس له في الأرض إلهٌ غيري، فإن استغاثك فأغثه، وإلا فدعه.
قال: فألقي في النّار فقال تبارك وتعالى للنّار: {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 69] قال: فبردت على أهل المشرق والمغرب، فما أنضج بها يومئذٍ كراعٌ.
- نا سعيدٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن أمّ سيابة الأنصاريّة، عن عائشة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّثها أنّ إبراهيم لمّا ألقي في النّار كانت الدّوابّ كلّها تطفئ عنه النّار إلا الوزغة فإنّها كانت تنفخ عليه، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقتلها). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {كوني برداً وسلاماً} أي وسلامة. لا تكوني بردا مؤذيا مضرا). [تفسير غريب القرآن: 287]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بردا وسلاما} أي: سلامة، وهكذا قوله - عز وجل: (فسلام لك من أصحاب اليمين) أي: إنما وقعت سلامتهم من أجلك، والسلام - في اللغة: اسم من أسماء الله - جل وعز - والسلام: السلامة، والسلام: التسليم في الصلاة وغيرها، والسلام: الاستسلام، والسلام: شجر معروف، وواحدته: سلامة، فعبد الله بن سلام واحد من هذه، ولا يجعل السلام اسما من أسماء الجبار - جل وعز - في هذا النوع). [ياقوتة الصراط: 362-361]

تفسير قوله تعالى: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأرادوا به كيدًا} [الأنبياء: 70] بتحريقهم إيّاه.
{فجعلناهم الأخسرين} [الأنبياء: 70] في النّار، خسروا أنفسهم وخسروا الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]

تفسير قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونجّيناه ولوطًا إلى الأرض الّتي باركنا فيها} [الأنبياء: 71] يعني الأرض المقدّسة.
{للعالمين} [الأنبياء: 71] يعني جميع العالمين.
تفسير السّدّيّ.
هاجر من أرض العراق إلى أرض الشّام.
وقال قتادة: نجّاه اللّه من أرض العراق إلى أرض الشّام.
وكان يقال: إنّ الشّام عماد دار الهجرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ونجّيناه ولوطا إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين}

جاء في التفسير أنها من أرض الشام إلى العراق). [معاني القرآن: 3/398]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72] وتفسير الحسن: ابن ابنٍ في تفسير قتادة ومجاهدٍ وعطاءٍ، غير أنّ الحسن قال: عطيّةً.
[تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قال: {وكلًّا جعلنا صالحين} [الأنبياء: 72] يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً...}

النافلة ليعقوب خاصّة لأنه ولد الولد، كذلك بلغني). [معاني القرآن: 2/207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إسحق ويعقوب نافلةً} أي غنيمة،
قال لبيد بن ربيعة:
لله نافلة الأعزّ الأفضل). [مجاز القرآن: 2/40]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكلّا جعلنا صالحين} " وكل " يقع خبره على الواحد لأن لفظه لفظ الواحد ويقع خبره على خبر الجميع). [مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نافلة}: غنيمة). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} دعا بإسحاق فاستجيب له وزيد يعقوب نافلة كأنه تطوع من اللّه وتفضل بلا دعاء. وإن كان كلّ بفضله). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلّا جعلنا صالحين}
النافلة ههنا ولد الولد، يعني به يعقوب خاصة). [معاني القرآن: 3/398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَافِلَةً}: زيادةً). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلناهم أئمّةً يهدون بأمرنا} [الأنبياء: 73] يعني يدعون بأمرنا.
تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: يهتدى بهم في أمر اللّه.
قوله: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} [الأنبياء: 73] وهي الأعمال الصّالحة.
{وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة} [الأنبياء: 73] قال: {وكانوا لنا عابدين} [الأنبياء: 73] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(ومنها إرشاد بالدعاء، كقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، أي نبيّ يدعوهم.

وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، أي يدعون، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، أي تدعو). [تأويل مشكل القرآن: 444-443] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وكانوا لنا عابدين}
{إقام الصّلاة} إقام مفرد قليل في اللغة، تقول أقمت إقامة، قاما إقام الصلاة فجائز لأن الإضافة عوض من الهاء). [معاني القرآن: 3/398]

تفسير قوله تعالى: {وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولوطًا آتيناه حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 74] النّبوّة فيها الحكم والعلم.
{ونجّيناه من القرية الّتي كانت تعمل الخبائث} [الأنبياء: 74] يعني أنّ أهلها كانوا يعملون الخبائث، وكانوا ممّا يعملون إتيانهم الرّجال في أدبارهم.
قال: {إنّهم كانوا قوم سوءٍ فاسقين} [الأنبياء: 74] يعني مشركين والشّرك أعظم الفسق). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولوطاً آتيناه...}

نصب لوط من الهاء التي رجعت عليه من {آتيناه}، والنصب الآخ على إضمار {واذكر لوطا} أو {ولقد أرسلنا} أو ما يذكر في أوّل السورة وإن لم يذكر فإنّ الضمير إنما هو من الرسالة أو من الذكر ومثله {ولسليمان الرّيح} فنصب (الريح) بفعل مضمر معلوم معناه: إمّا سخّرنا، وإمّا آتيناه.
وكذلك قوله: {ونوحاً إذ نادى} فهو على ضمير الذكر.
وقوله: {وداود وسليمان} وجمع ما يأتيك من ذكر الأنبياء في هذه السورة نصبتهم على النسق على المنصوب بضمير الذكر). [معاني القرآن: 2/208-207]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجّيناه من القرية الّتي كانت تعمل الخبائث إنّهم كانوا قوم سوء فاسقين}
(لوطا) منصوب بفعل مضمر لأن قبله فعلا، فالمعنى وأوحينا إليهم وآتينا لوطا آتيناه حكما وعلما، والنصب ههنا أحسن من الرفع لأن قبل آتينا فعلا وقد ذكر بعض النحويين أنه منصوب على " واذكر لوطا "، وهذا جائز لأن ذكر إبراهيم قد جرى فحمل لوط على معنى واذكر). [معاني القرآن: 3/399-398]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وأدخلناه في رحمتنا} [الأنبياء: 75] يعني لوطًا، ورحمتنا هاهنا: الجنّة.
{إنّه من الصّالحين} [الأنبياء: 75] والصّالحون أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]

تفسير قوله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونوحًا إذ نادى من قبل} [الأنبياء: 76] وهذا حيث أمر بالدّعاء على قومه.
{فاستجبنا له فنجّيناه وأهله} [الأنبياء: 76] قال الحسن: {وأهله} [الأنبياء: 76] : أمّته المؤمنين، نجّيناه.
{من الكرب العظيم} [الأنبياء: 76] يعني: من الغرق والعذاب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/326]
وقال قتادة: نجا مع نوحٍ في السّفينة امرأته، وثلاثة بنين له، ونساؤهم سامٌ، وحامٌ، ويافث، ونساؤهم فجميعهم ثمانيةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجّيناه وأهله من الكرب العظيم}

منصوب على واذكر، وكذلك قوله: {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين} ). [معاني القرآن: 3/399]

تفسير قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونصرناه} [الأنبياء: 77] يعني نوحًا.
{من القوم} [الأنبياء: 77] يعني على القوم.
تفسير السّدّيّ.
{الّذين كذّبوا بآياتنا} [الأنبياء: 77] كقوله: {ربّ انصرني بما كذّبون} [المؤمنون: 26] فأغرقهم اللّه.
قال: {إنّهم كانوا قوم سوءٍ فأغرقناهم أجمعين} [الأنبياء: 77] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(«من» مكان «على»

قال الله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ}، أي على القوم). [تأويل مشكل القرآن: 577]

تفسير قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] وقعت فيه غنم القوم ليلًا فأفسدته.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: النّفش باللّيل والهمل بالنّهار.
قال قتادة: وذكر لنا أنّ غنم القوم وقعت في زرعٍ ليلًا، فرفع ذلك إلى داود فقضى بالغنم لصاحب الزّرع.
فقال سليمان: ليس كذلك، ولكن له نسلها ورسلها، وعوارضها، وجزازها، ويزرع له مثل ذلك الزّرع، حتّى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربّها، يعني صاحبها وقبض صاحب الزّرع زرعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] وفي تفسير الكلبيّ: أنّ أصحاب الحرث استعدوا على أصحاب
[تفسير القرآن العظيم: 1/327]
الغنم فنظر داود ثمن الحرث فإذا هو قريبٌ من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث.
فمرّوا بسليمان فقال: كيف قضى فيكم نبيّ اللّه؟ فأخبروه.
فقال: نعم ما قضى، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما.
فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه.
فأرسل إلى سليمان فدخل عليه، فعزم عليه داود بحقّ النّبوّة وبحقّ الملك، وحقّ الوالد لما حدّثتني كيف رأيت فيما قضيت.
فقال سليمان: قد عدل النّبيّ وأحسن، وغيره كان أرفق.
قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها، ولبنها، وأصوافها، وأولادها عامهم هذا وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الّذي أفسدت غنمهم، فإذا كان مثله حين أفسدوه قبضوا غنمهم.
قال له داود: نعم ما قضيت.
نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ قال: كان عنبًا.
وقال الكلبيّ: وكان الحرث عنبًا.
وتفسير مجاهدٍ: أنّ داود أعطى صاحب الحرث رقاب الغنم بأكلها الحرث.
وحكم سليمان بجزّة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعلى أهل الحرث رعيتها، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون كهيئته يوم أكل، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكنّا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] يعني داود وسليمان، لقضائهم شاهدين). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وحدّثني بحرٌ السّقّاء، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب وحرام بن محيّصة، عن البراء بن عازبٍ أنّ ناقةً له وقعت في حائط قومٍ فأفسدت فيه.
فاختصموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «ما أجد لكم إلا قضاء سليمان بن داود.
إنّه قضى على أهل المواشي حفظ مواشيهم باللّيل وقضى على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنّهار».
قال يحيى: إنّما في هذا الحديث أنّه يضمن ما يكون من الماشية باللّيل، وليس فيه كيف القضاء في ذلك الفساد اليوم.
وإنّما القضاء اليوم في ذلك الفساد ما بلغ الفساد من النّقصان.
وحدّثني عاصم بن حكيمٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ أنّ شاةً أكلت غزل حائكٍ قال: فأتوا شريحًا: قال: فقرأ شريحٌ هذه الآية: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] وقال: والنّفش لا يكون إلا باللّيل.
إن كان ليلًا ضمن، وإن كان نهارًا لم يضمن.
- قال: وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن زيادٍ، وحدّثني عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة كلاهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الدّابّة العجماء جبارٌ، والبئر جبارٌ، والمعدن جبارٌ، وفي الرّكاز الخمس».
[تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال يحيى: هي عندنا في حديث النّبيّ عليه السّلام في ناقة البراء بن عازبٍ أنّه بالنّهار، وأمّا إذا أفسدت باللّيل فصاحبها ضامنٌ.
واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم...}

النفش بالليل، وكانت غنماً لقوم وقعت في كرم آخرين؛ فارتفعوا إلى داود، فقضى لأهل الكرم بالغنم، ودفع الكرم إلى أهل الغنم فبلغ ذلك سليمان ابنه، فقال: غير هذا كان أرفق بالفريقين. فعزم عليه داود ليحكمنّ. فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الكرم فينتفعوا بألبانها وأولادها وأصوافها، ويدفع الكرم إلى أرباب الشاء فيقوموا عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد، فذكر أن القيمتين كانتا في هذا الحكم مستويتين: قيمة ما نالوا من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم. فذلك قوله: {ففهّمناها سليمان}. وقوله: {وكنّا لحكمهم}.
وفي بعض القراءة: (وكنّا لحكمهما شاهدين) وهو مثل قوله: {فإن كان له إخوةٌ} يريد: أخوين فما زاد. فهذا كقوله: {لحكمهم شاهدين} إذ جمع اثنين). [معاني القرآن: 2/208]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ نفشت فيه غنم القوم} النّفش أن تدخل في زرع ليلاً فتأكله وقالت: نفشت في جدادي، الجداد من نسج الثوب تعنى الغنم). [مجاز القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إذا نفشت فيه غنم القوم}: النفش أن تدخل بالليل في زرع أو غيره فتأكله وهي نافشة. والنشر بالنهار).[غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نفشت فيه غنم القوم}: رعت ليلا. يقال: نفشت الغنم بالليل، وهي إبل، نفش ونفّش ونفّاش. والواحد نافش. وسرحت.وسربت بالنهار). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين }
على معنى واذكر داوود وسليمان {إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم}النفش بالليل، والهمل بالنهار.
وجاء في التفسير أن غنما على عهد داوود وسليمان مرت بحرث لقوم فأفسدته، وروي أن الحرث كان حنطة، وروي أنه كان كرما، فأفسدت ذلك الحرث فحكم داود بدفع الغنم إلى أصحاب الكرم وحكم سليمان بأن يدفع الغنم إلى أصحاب الكرم فيأخذوا منافعها من ألبانها وأصوافها وعوارضها إلى أن يعود الكرم كهيئته وقت أفسد فإذا عاد الكرم إلى هيئته ردّت الغنم إلى أربابها ويدفع الكرم إلى صاحب الكرم.
قال أبو إسحاق: يجوز أن تكون عوارضها من أحد وجهين، إما أن يكون جمع عريض وعرضان، وهو اسم للحمل، وأكثر ذلك في الجدي، ويجوز أن يكون بما يعرض من منافعها حتى يعود الكرم كما كان، وهذا - واللّه أعلم - يدل على أن سليمان علم أن قيمة ما أفسدت الغنم من الكرم بمقدار نفع الغنم). [معاني القرآن: 3/399]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَفَشَتْ فِيهِ غنم القوم}: أي رعت ليلاً، يقال: نفشت بالليل، وسرحت بالنهار ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَفَشَتْ}: رعت ليلاً). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] وفي تفسير الكلبيّ: أنّ أصحاب الحرث استعدوا على أصحاب
[تفسير القرآن العظيم: 1/327]
الغنم فنظر داود ثمن الحرث فإذا هو قريبٌ من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث.
فمرّوا بسليمان فقال: كيف قضى فيكم نبيّ اللّه؟ فأخبروه.
فقال: نعم ما قضى، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما.
فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه.
فأرسل إلى سليمان فدخل عليه، فعزم عليه داود بحقّ النّبوّة وبحقّ الملك، وحقّ الوالد لما حدّثتني كيف رأيت فيما قضيت.
فقال سليمان: قد عدل النّبيّ وأحسن، وغيره كان أرفق.
قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها، ولبنها، وأصوافها، وأولادها عامهم هذا وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الّذي أفسدت غنمهم، فإذا كان مثله حين أفسدوه قبضوا غنمهم.
قال له داود: نعم ما قضيت.
نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ قال: كان عنبًا.
وقال الكلبيّ: وكان الحرث عنبًا.
وتفسير مجاهدٍ: أنّ داود أعطى صاحب الحرث رقاب الغنم بأكلها الحرث.
وحكم سليمان بجزّة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعلى أهل الحرث رعيتها، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون كهيئته يوم أكل، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/328] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] قال يحيى: كان هذا القضاء يومئذٍ، وقد تكون لأمّةٍ شريعةٌ ولأمّةٍ أخرى شريعةٌ غيرها، وقضاءٌ غير قضاء الأمّة الأخرى). [تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 79] يعني: أعطينا حكمًا وعلمًا، يعني: وعقلًا.
تفسير السّدّيّ، يعني بذلك: داود وسليمان.
قال: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير} [الأنبياء: 79] كانت جميع الجبال وجميع الطّير تسبح مع داود بالغداة والعشيّ ويفقه تسبيحها.
نا سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {يسبّحن} [الأنبياء: 79] قال: يصلّين، يفقه ذلك داود.
قوله: {وكنّا فاعلين} [الأنبياء: 79] أي: قد فعلنا ذلك بداود). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(قال اللّه عزّ وجلّ: {ففهّمناها سليمان وكلّا آتينا حكما وعلما وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير وكنّا فاعلين}

أي فهمناه القضية، والحكومة.
{وكلّا آتينا حكما وعلما}.
وقوله عزّ وجلّ: {وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير}.
ويجوز والطّير، على العطف على ما في يسبحن، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
{وكنّا فاعلين} أي وكنا نقدر على ما نريده، ونصب " الطير " من جهتين "
إحداهما على معنى وسخرنا الطير.
والأخرى على معنى يسبحن مع الطير). [معاني القرآن: 3/400-399]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم} [الأنبياء: 80] يعني دروع الحديد.
{لتحصنكم} [الأنبياء: 80] به، يعني: تجنّبكم.
{من بأسكم} [الأنبياء: 80] والبأس: القتال.
{فهل أنتم شاكرون} [الأنبياء: 80] فكان داود أوّل من عمل الدّروع، وكانت قبل ذلك صفائح). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لّكم لتحصنكم...}

و(ليحصنكم) و(لنحصنكم) فمن قال: (ليحصنكم) بالياء كان لتذكير اللّبوس. ومن قال: (لتحصنكم) بالتاء ذهب إلى تأنيث الصنعة. وإن شئت جعلته لتأنيث الدروع لأنها هي اللبوس.
ومن قرأ: (لنحصنكم)، بالنون يقول: لنحصنكم نحن: وعلى هذا المعنى يجوز (ليحصنكم) بالياء الله من بأسكم أيضاً). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعلّمناه صنعة لبوس لّكم} واللبوس: السلاح كلما من درع إلى رمح وقال الهذلي:
[مجاز القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {علّمناه صنعة لبوسٍ لكم} يعني الدّروع.
{لتحصنكم من بأسكم} أي من الحرب). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعلّمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}
وقرئت (لنحصنكم من بأسكم) بالنون، ويجوز (ليحصنكم) بالياء.
فمن قرأ بالياء أراد ليحصنكم هذا اللبوس، ويجوز على معنى ليحصنكم بالياء، فمن قرأ بالياء أراد ليحصنكم هذا اللبوس، ويجوز على معنى ليحصنكم اللّه من باسكم وهي مثل لنحصنكم – بالنون ومن قرأ بالتاء أراد لتحصنكم الصنعة.
فهذه الثلاثة الأوجه قد قرئ بهنّ، ويجوز فيها ثلاث لم يقرأ بهن، ولا ينبغي أن يقرأ بهن لأن القراءة سنة.
يجوز لنحصّنكم بالنون والتشديد، ولتحصّنكم بالتاء والتشديد.
وليحصّنكم بالياء مشددة الصاد في هذه الثلاث.
وعلّم الله داوود صنعة الدروع من الزرد، ولم تكن قبل داوود عليه السلام فجمعت الخفة والتحصين، كذا روي). [معاني القرآن: 3/400]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولسليمان الرّيح} [الأنبياء: 81] أي: وسخّرنا لسليمان الرّيح.
{عاصفةً} [الأنبياء: 81] لا تؤذيه.
{تجري بأمره} [الأنبياء: 81] مسخّرةً.
قوله: {تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها} [الأنبياء: 81] وهي أرض الشّام وأفضلها فلسطين.
قال: {وكنّا بكلّ شيءٍ عالمين} [الأنبياء: 81]
قال: حدّثني عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن عمر بن موسى، عن عقبة بن وسّاجٍ قال: ما ينقص من الأرض يزاد في الشّام، وما ينقص من الشّام يزاد بفلسطين.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: ما نقص من الأرض زيد في الشّام، وما نقص من الشّام زيد في فلسطين.
وذلك أنّه يقال: إنّها أرض المحشر والمنشر، وبها يجتمع النّاس.
- قال قتادة: وحدّث أبو قلابة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «رأيت فيما يرى النّائم كأنّ الملائكة حملت عمود الكتاب فوضعته بالشّام، فأوّلتها فضل الشّام، إنّ الفتن إذا وقعت كان الإيمان بالشّام».
الصّلت بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن نوفٍ البكاليّ قال: تخرب الأمصار قبل الشّام بأربعين عامًا، وإنّما ضمنت لأهلها برًّا وزيتًا حتّى تقوم السّاعة وإنّ بها قبر اثنين وسبعين نبيًّا، وإنّ إليها المحشر والمنشر، وإنّ بها الميزان، وإنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/331]
الصّخرة تخرج من تحتها أربعة أنهارٍ: سيحون، وجيحون، والنّيل، والفرات). [تفسير القرآن العظيم: 1/332]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {تجري بأمره إلى الأرض...}

كانت تجري بسليمان إلى كلّ موضع؛ ثم تعود به من يومه إلى منزله. فذلك قوله: {تجري بأمره إلى الأرض} ). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {عاصفةً} شديدة الحر.
وقال في موضع آخر: {فسخّرنا له الرّيح تجري بأمره رخاءً}، أي لينة. كأنها كانت تشتدّ إذا أراد، وتلين إذا أراد). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولسليمان الرّيح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها وكنّا بكلّ شيء عالمين}
وقرئت الرياح عاصفة، وقرئت الريح عاصفة - برفع الريح.
فمن قرأ الريح عاصفة بالنصب فهي عطف على الجبال.
والمعنى وسخرنا مع داود الجبال، وسخرنا لسليمان الريح، وعاصفة منصوب على الحال ومن قرأ الريح رفع كما تقول: لزيد المال، وهذا داخل في معنى التسخير،
لأنه إذا قال {تجري بأمره إلى الأرض} ففي الكلام دليل على أن اللّه جل ثناؤه - سخّرها). [معاني القرآن: 3/401-400]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن الشّياطين من يغوصون له} [الأنبياء: 82] وهذا على الجماعة.
{ويعملون عملا دون ذلك} [الأنبياء: 82] دون الغوص.
وكانوا يغوصون في البحر فيخرجون له اللّؤلؤ.
وقال في آيةٍ أخرى: {كلّ بنّاءٍ وغوّاصٍ} [ص: 37].
وقال قتادة: ورّث اللّه سليمان داود نبوّته، وملكه، وزاد سليمان على ذلك أنّ اللّه تبارك وتعالى سخّر له الرّيح والشّياطين.
قوله: {وكنّا لهم حافظين} [الأنبياء: 82] حفظهم اللّه عليه ألا يذهبوا ويتركوه، فكانوا مسخّرين له.
وقال الحسن: لم يسخّر له في هذه الأعمال وفيما يصفّد، يجعلهم في السّلاسل من الجنّ، إلا الكفّار منهم.
واسم الشّيطان لا يقع إلا على الكافر من الجنّ.
حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ قال: أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فقالوا له: زوبعة الشّيطان له عينٌ في جزيرةٍ في البحر، يردها كلّ سبعةٍ أيّامٍ يومًا.
فأتوها، فنزحوها ثمّ صبّوا فيها خمرًا.
فجاء لورده، فلمّا أبصر الخمر قال في كلامٍ له: ما علمت أنّك إذا شربك صاحبك لممًا يظهر عليه عدوّه، في أساجع.
لا أذوقك اليوم.
فذهب ثمّ رجع لظمأٍ آخر.
فلمّا رآها قال كما قال أوّل مرّةٍ.
ثمّ ذهب فلم يشرب.
ثمّ جاء لظمأٍ آخر لإحدى وعشرين ليلةً، قال: ما علمت أنّك لتذهبين الهمّ، في سجعٍ له.
فشرب منها، فسكر.
فجاءوا إليه، فأروه خاتم السّخرة فانطلق معهم إلى سليمان.
فأمرهم بالبناء، فقال زوبعة: دلّوني على بيض الهدهد.
فدلّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/332]
على عشّه.
فأكبّ عليه جمجمةً، يعني زجاجةً.
فجاء الهدهد فجعل لا يصل إليه، فانطلق، فجاء بالماس الّذي يثقب به الياقوت، فوضعه عليها، فقطّ الزّجاجة نصفين، ثمّ ذهب ليأخذه فأعجزه، فجاءوا بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون الجبال كأنّما يخطّون في نواحيها في طينٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/333]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويعملون عملاً دون ذلك...}

دون الغوص. يريد سوى الغوص. من البناء.
وقوله: {وكنّا لهم حافظين} للشياطين. وذلك أنهم كانوا يحفظون من إفساد ما يعملون فكان سليمان إذا فرغ بعض الشياطين من عمله وكّله بالعمل الآخر،
لأنه كان إذا فرغ ممّا يعمل فلم يكن له شغل كرّ على تهديم ما بنى فذلك قوله: {وكنّا لهم حافظين} ). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومن الشّياطين من يغوصون له} " ومن " يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث.
قال الفرزدق:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني=نكن مثل من يا دئب يصطحبان
وكذلك يقع على المؤنث كقوله " ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً "، وقد يجوز أن يخرج لفظ فعل: " من " على لفظ الواحد والمعنى على الجميع؛
كقولك: من يفعل ذلك، وأنت تسأل عن الجميع). [مجاز القرآن: 2/41]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنّا لهم حافظين}
وقال: {ومن الشّياطين من يغوصون له} فذكر الشياطين وليسوا من الإنس إلاّ أنّهم مثلهم في الطاعة والمعصية. ألا ترى أنك تقول "الشياطين يعصون" ولا تقول: "يعصين" ،
وإنما جمع {يغوصون} و{من} في اللفظ واحد لأن {من} في المعنى لجماعة.
قال الشاعر:
لسنا كمن جعلت إيادٍ دارها = تكريت تنظر حبّها أن يحصدا
وقال:
أطوف بها لا أرى غيرها = كما طاف بالبيعة الرّاهب
فجعل "الراهب" بدلا من {ما} كأنه قال "كالذي طاف" وتقول العرب: "إنّ الحقّ من صدّق الله" أي: "الحقّ حقّ من صدّق الله"). [معاني القرآن: 3/8-7]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنّا لهم حافظين}
يجوز أن يكون موضع " من " نصبا عطفا على الريح، ويجوز أن يكون " من " - في موضع رفع من جهتين:
إحداهما العطف على الريح، المعنى ولسليمان الريح وله من يغوصون من الشياطين، ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء، ويكون " له " الخبر.
وقوله: {ويعملون عملا دون ذلك}معناه سوى ذلك، أي سوى الغوص.
{وكنّا لهم حافظين}كان اللّه يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ} [الأنبياء: 83] قال قتادة: المرض.
وقال الحسن كقوله: {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ} [ص: 41] قال الحسن: إنّ إبليس قال: يا ربّ، هل من عبيدك عبدٌ إن سلطّتني عليه امتنع منّي؟ قال: نعم، عبدي أيّوب.
قال: فسلّطه عليه ليجهد جهده، ويضلّه بخباله وغروره فامتنع منه.
قال إبليس: يا ربّ، إنّه قد امتنع منّي، فسلّطني على ماله.
فسلّطه على ماله فجعل يهلك ماله صنفًا صنفًا ويأتيه فيقول: يا أيّوب هلك مالك في موضع كذا وكذا فيقول: الحمد للّه، اللّهمّ أنت أعطيته، وأنت أخذته منّي، إن تبق لي نفسي أحمدك على بلائك.
قال إبليس: يا ربّ إنّ أيّوب لا يبالي بماله، فسلّطني على جسده.
فسلّطه اللّه عليه فمكث سبع سنين وأشهرًا في العذاب حتّى وقعت الأكلة في جسده.
قال يحيى: وبلغني أنّ الدّودة كانت تقع من جسده فيردّها في مكانها ويقول: كلي ممّا رزقك اللّه.
قال الحسن: فدعا ربّه: {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ} [ص: 41] وقال في هذه الآية: {أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين} [الأنبياء: 83] فأوحى اللّه إليه أن: {اركض برجلك} [ص: 42] فركض برجله ركضةً وهو لا يستطيع القيام.
فإذا عينٌ فاغتسل منها، فأذهب اللّه تبارك وتعالى ظاهر دائه، ثمّ مشى على رجليه أربعين
[تفسير القرآن العظيم: 1/333]
ذراعًا، ثمّ قيل له: {اركض برجلك} [ص: 42] أيضًا، فركض برجله ركضةً أخرى، فإذا عينٌ، فشرب منها، فأذهب اللّه تبارك وتعالى باطن دائه، وردّ عليه أهله، وولده وأمواله من البقر، والغنم، والحيوان، وكلّ شيءٍ هلك بعينه.
ثمّ أبقاه اللّه فيها حتى وهب له من نسولها أمثالها، فهو قوله: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} [ص: 43] قال قتادة: أحيا اللّه له أهله بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم.
وقال الحسن: إنّ اللّه تبارك وتعالى أحيا ولد أيّوب بأعيانهم، وكانوا ماتوا قبل آجالهم تسليطًا من اللّه للشّيطان عليهم، فأحياهم اللّه، فوفّاهم آجالهم.
وإنّ اللّه تبارك وتعالى أبقاه فيهم حتّى أعطاه من نسولهم مثلهم.
وإنّ إبليس قال: يا أيّوب وهو يأتيه عيانًا، اذبح لي سخلةً من غنمك، قال: لا ولا كفًّا من ترابٍ.
- الصّلت بن دينارٍ، عن أبي عثمان النّهديّ قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: لا يبلغ عبدٌ الكفر والإشراك حتّى يذبح لغير اللّه، أو يصلّي لغير اللّه، أو يدعو غير اللّه.
وحدّثني أبو أميّة، عن الحسن قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى يحتجّ على النّاس يوم القيامة بثلاثةٍ من الأنبياء، فيجيء العبد فيقول: أعطيتني جمالًا في الدّنيا فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه له تبارك وتعالى: الجمال الّذي أعطيت في الدّنيا أفضل أو الجمال الّذي أعطي يوسف؟ فيقول العبد: لا، الجمال الّذي أعطي يوسف.
فيقول اللّه: إنّ يوسف كان يعمل بطاعتي، فيحتجّ عليه بذلك.
ويأتي العبد فيقول: ابتليتني في الدّنيا، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه له: البلاء الّذي ابتليت به في الدّنيا أشدّ أو البلاء الّذي ابتلي به أيّوب؟ فيقول العبد: البلاء الّذي ابتلي به أيّوب.
فيقول اللّه له تبارك وتعالى: قد كان أيّوب يعمل بطاعتي، فيحتجّ عليه بذلك.
ويجيء العبد فيقول: أعطيتني ملكًا في الدّنيا فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه تبارك وتعالى: الملك الّذي أعطيتك في الدّنيا أفضل أو الملك الّذي أعطي سليمان؟ فيقول العبد: الملك الّذي أعطي سليمان.
فيقول اللّه: قد كان سليمان يعمل بطاعتي، فيحتجّ اللّه عليه بذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/334]
وحدّثني أبو أميّة عن الحسن أنّ أيّوب لم يبلغه شيءٌ يقوله النّاس كان أشدّ عليه من قولهم: لو كان نبيًّا ما ابتلي بالّذي ابتلي به.
فدعا اللّه فقال: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي لم أعمل حسنةً في العلانية إلا عملت في الشّرّ مثلها فاكشف ما بي من ضرٍّ وأنت أرحم الرّاحمين.
فاستجاب اللّه له، فوقع ساجدًا، وأمطر عليه فراش الذّهب فجعل يلتقطه ويجمعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(والضُّرّ: الشدة والبلاء ... ومنه المرض، كقول أيوب عليه السّلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}،

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا}). [تأويل مشكل القرآن: 483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين}
(أيّوب) منصوب على معنى واذكر أيّوب). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين} [الأنبياء: 84] يعني أنّ الّذي كان ابتلي به أيّوب لم يكن من هوانه على اللّه، ولكنّ اللّه تبارك وتعالى أراد كرامته بذلك وجعل ذلك عزاءً للعابدين بعده فيما يبتلون به، وهو قوله عزّ وجلّ: {وذكرى للعابدين} [الأنبياء: 84] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وآتيناه أهله ومثلهم مّعهم...}

ذكر أنه كان لأيّوب سبعة بنين وسبع بناتٍ فماتوا في بلائه. فلمّا كشفه الله عنه أحيا الله له بنيه وبناته، وولد له بعد ذلك مثلهم.
فذلك قوله: {أهله ومثلهم مّعهم رحمةً} فعلنا ذلك رحمةً). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين}
أكثر التفاسير أن اللّه - جل ثناؤه - أحيا من مات من بنيه وبناته ورزقه مثلهم من الولد، وقيل {آتيناه أهله ومثلهم معهم} آتيناه في الآخرة). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصّابرين} [الأنبياء: 85]
- سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ الأشعريّ قال: إنّ ذا الكفل لم يكن نبيًّا ولكنّه كان عبدًا صالحًا، تكفّل بعمل رجلٍ صالحٍ عند موته كان يصلّي للّه كلّ يومٍ مائة صلاةٍ فأحسن اللّه عليه الثّناء.
عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: إنّ ذا الكفل كان رجلًا صالحًا وليس بنبيٍّ، تكفّل لنبيٍّ بأن يكفل له أمر قومه، ويقيمه لهم، ويقضي بينهم بالعدل). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلّ من الصّابرين}

هذا كله منصوب على (واذكر).
يقال إن ذا الكفل سمي بهذا الاسم لأنه تكفل بأمر نبّيّ في أمّته فقام بما يجب فيهم وفيه، ويقال إنه تكفل بعمل رجل صالح فقام به، والكفل في اللغة الكساء الذي يجعل وراء الرّحل على عجز البعير، وقيل الكفل أيضا النصيب،
قال اللّه عزّ وجلّ: {يؤتكم كفلين من رحمته} ). [معاني القرآن: 3/402-401]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأدخلناهم في رحمتنا} [الأنبياء: 86] يعني الجنّة.
{إنّهم من الصّالحين} [الأنبياء: 86] والصّالحون هم أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 87 إلى آخر السورة]

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}

تفسير قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وذا النّون} [الأنبياء: 87] يعني يونس.
وقال في آيةٍ أخرى: {كصاحب الحوت} [القلم: 48] والحوت، النّون.
{إذ ذهب مغاضبًا} [الأنبياء: 87] يعني مكابدًا لدين ربّه في تفسير الحسن.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} [الأنبياء: 87] قال قتادة: فظنّ أن لن نعاقبه بما صنع.
قال: وبلغنا أنّ يونس دعا قومه زمانًا إلى اللّه عزّ وجلّ، فلمّا طال ذلك وأبوا
[تفسير القرآن العظيم: 1/335]
أوحى اللّه إليه أنّ العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا.
فلمّا دنا الوقت تنحّى عنهم، فلمّا كان قبل الوقت بيومٍ جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فسمعه رجلٌ منهم، فانطلق إلى الملك فأخبره أنّه سمع يونس يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فلمّا سمع ذلك الملك دعا قومه، فأخبرهم بذلك وقال: إن كان هذا حقًّا فسيأتيكم العذاب غدًا، فاجتمعوا حتّى ننظر في أمرنا.
فاجتمعوا، فخرجوا من المدينة من الغد، فنظروا فإذا بظلمةٍ وريحٍ شديدةٍ قد أقبلت نحوهم.
فعلموا أنّه الحقّ، ففرّقوا بين الصّبيان وبين أمّهاتهم، وبين البهائم وبين أمّهاتها، ولبسوا الشّعر، وجعلوا الرّماد والتّراب على رءوسهم تواضعًا للّه وتضرّعوا إليه، وبكوا، وآمنوا.
فصرف اللّه عنهم العذاب.
واشترط بعضهم على بعضٍ ألا يكذب منهم أحدٌ كذبةً إلا قطعوا لسانه.
فجاء يونس من الغد، فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا النّاس داخلون وخارجون.
فقال: أمرني ربّي أن أخبر قومي أنّ العذاب يأتيهم فلم يأتهم، فكيف ألقاهم؟ فانطلق حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينةٌ في البحر، فأشار إليهم، فأتوه، فحملوه ولا يعرفونه.
فانطلق إلى ناحيةٍ من السّفينة، فتقنّع ورقد.
فما مضى إلا قليلًا حتّى جاءتهم ريحٌ كادت تغرق السّفينة.
فاجتمع أهل السّفينة، فدعوا اللّه ثمّ قالوا: أيقظوا الرّجل يدعو اللّه معنا ففعلوا.
فدعا اللّه معهم، فرفع اللّه تبارك وتعالى عنهم تلك الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق.
فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق، فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت.
فتفكّر العبد الصّالح يونس فقال: هذا من خطيئتي أو قال: من ذنبي أو كما قال.
فقال لأهل السّفينة: شدّوني وثاقًا وألقوني في البحر.
فقالوا: ما كنّا لنفعل وحالك حالك، ولكنّا نقترع، فمن
[تفسير القرآن العظيم: 1/336]
أصابته القرعة ألقيناه في البحر.
فاقترعوا، فأصابته القرعة، فقال: قد أخبرتكم، فقالوا: ما كنّا لنفعل ولكن اقترعوا الثّانية، فاقترعوا، فأصابته القرعة.
ثمّ اقترعوا الثّالثة فأصابته القرعة وهو قوله عزّ وجلّ: {فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 141] أي: من المقروعين.
ويقال: من المسهومين، يعني أنّه وقع السّهم عليه.
فانطلق إلى صدر السّفينة ليلقي نفسه في البحر، فإذا هو بحوتٍ فاتحٍ فاه، ثمّ انطلق إلى ذنب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى جانب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى الجانب الآخر، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، فلمّا رأى ذلك ألقى نفسه في البحر، فالتقمه الحوت.
فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى الحوت: إنّي لم أجعله لك رزقًا ولكن جعلت بطنك له سجنًا.
فمكث في بطن الحوت أربعين ليلةً.
{فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] كما قال اللّه: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/337]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] يعني ظلمة البحر، وظلمة اللّيل، وظلمة بطن الحوت.
وهو تفسير السّدّيّ.
{أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] يعني بخطيئته). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فظنّ أن لّن نّقدر عليه...}

يريد أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لاّ اله إلاّ أنت} يقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت ومِعاها (مقصور) الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وذا النّون إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لاّ إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
وقال: {إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه} أي: لن نقدر عليه العقوبة، لأنه قد أذنب بتركه قومه وإنما غاضب بعض الملوك ولم يغاضب ربه كان بالله عز وجل أعلم من ذلك). [معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وذا النّون}: ذا الحوت. والنون: الحوت.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} أي نضيق عليه. يقال: فلان مقدّر عليه، ومقتّر عليه في رزقه. وقال: {وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه}، أي ضيّق عليه في رزقه). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، أي لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-408] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوبا، ويحملهم التنزيه لهم، صلوات الله عليهم، على مخالفة كتاب الله جلّ ذكره، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة التي لا تخيل عليهم،
أو على من علم منهم- أنّها ليست لتلك الألفاظ بشكل، ولا لتلك المعاني بلفق.
كتأوّلهم في قوله تعالى: {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} أي: بشم من أكل الشجرة. وذهبوا إلى قول العرب: غوى الفصيل: إذا أكثر من اللبن حتى يبشم. وذلك غوى- بفتح الواو- يغوي غيّا. وهو من البشم غوي- بكسر الواو- يغوى غوى.
قال الشاعر يذكر قوسا:

معطّفة الأثناء ليس فصيلها = برازئها درّا ولا ميّت غوى
وأراد بالفصيل: السّهم. يقول: ليس يرزؤها درّا، ولا يموت بشما، ولو وجد أيضا في (عصى) مثل هذا السّنن لركبوه، وليس في (غوى) شيء إلا ما في (عصى) من معنى الذّنب؛
لأن العاصي لله التّارك لأمره غاو في حاله تلك، والغاوي عاص. والغيّ ضدّ الرّشد، كما أن المعصية ضد الطاعة.
وقد أكل آدم، صلّى الله عليه وسلم، من الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدائعه إيّاه بالله والقسم به إنه لمن الناصحين، حتى دلّاه بغرور. ولم يكن ذنبه عن إرصاد وعداوة وإرهاص كذنوب أعداء الله. فنحن نقول: (عصى وغوى)، كما قال الله تعالى، ولا نقول: آدم (عاص ولا غاو)، لأن ذلك لم يكن عن اعتقاد متقدّم ولا نيّة صحيحة،
كما تقول لرجل قطع ثوبا وخاطه: قد قطعه وخاطه، ولا تقل: خائط ولا خيّاط حتى يكون معاودا لذلك الفعل، معروفا به.
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها! وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.
أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟! هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ.
فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة،
واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}،
يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها.
وقالوا في قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}: إنه غاضب قومه! استيحاشا من أن يكون مع تأييد الله وعصمته وتوفيقه وتطهيره، يخرج مغاضبّا لربّه. ولم يذهب مغاضبا لربّه ولا لقومه، لأنّه بعث إليهم فدعاهم برهة من الدّهر فلم يستجيبوا، ووعدهم عن الله فلم يرغبوا، وحذّرهم بأسه فلم يرهبوا، وأعلمهم أنّ العذاب نازل عليهم لوقت ذكره لهم، ثم إن اعتزلهم ينتظر هلكتهم. فلما حضر الوقت أو قرب فكّر القوم واعتبروا، فتابوا إلى الله وأنابوا، وخرجوا بالمراضيع وأطفالها يجأرون ويتضرّعون، فكشف الله تعالى عنهم العذاب، ومتّعهم إلى حين.
فإن كان نبي الله، صلّى الله عليه وسلم، ذهب مغاضبا على قومه قبل أن يؤمنوا، فإنما راغم من استحق في الله أن يراغم، وهجر من وجب أن يهجر، واعتزل من علم أن قد حقّت عليه كلمة العذاب. فبأيّ ذنب عوقب بالتهام الحوت، والحبس في الظّلمات، والغمّ الطويل؟.
وما الأمر الذي ألام فيه فنعاه الله عليه إذ يقول: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} والمليم: الذي أجرم جرما استوجب به الّلوم.
ولم أخرجه من أولي العزم من الرّسل، حين يقول لنبيه، صلّى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
وإن كان الغضب عليهم بعد أن آمنوا، فهذا أغلظ مما أنكروا، وأفحش مما استقبحوا، كيف يجوز أن يغضب على قومه حين آمنوا، ولذلك انتخب وبه بعث، وإليه دعا؟!.
وما الفرق بين عدو الله ووليّه إن كان وليّه يغضب من إيمان مائة ألف أو يزيدون؟.
والقول في هذا أنّ المغاضبة: المفاعلة من الغضب، والمفاعلة تكون من اثنين، تقول: غاضبت فلانا مغاضبة وتغاضبنا: إذا غضب كلّ واحد منكما على صاحبه، كما تقول: ضاربته مضاربة، وقاتلته مقاتلة، وتضاربنا وتقاتلنا.
وقد تكون المفاعلة من واحد، فنقول: غاضبت من كذا: أي غضبت، كما تقول:سافرت وناولت، وعاطيت الرّجل، وشارفت الموضع، وجاوزت، وضاعفت، وظاهرت، وعاقبت.
ومعنى المغاضبة هاهنا: الأنفة، لأن الأنف من الشيء يغضب، فتسمّى الأنفة غضبا، والغضب أنفة، إذا كان كل واحد بسبب من الآخر، تقول: غضبت لك من كذا، وأنت تريد أنفت،
قال الشاعر:
غضبت لكم أن تساموا اللّفاء= بشجناء من رحم توصل
يروى مرة: (أنفت لكم)، ومرة: (غضبت لكم)، لأنّ المعنيين متقاربان.
وكذلك (العبد) أصله: الغضب. ثم قد تسمّى الأنفة عبدا.
وقال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
يريد: آنف.
وحكى أبو عبيد، عن أبي عمرو، أنه قال في قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: هو من الغضب والأنفة. ففسّر الحرف بالمعنيين لتقاربهما.
فكأنّ نبيّ الله، صلّى الله عليه وسلم، لمّا أخبرهم عن الله أنّه منزل العذاب عليهم لأجل، ثم بلغه بعد مضيّ الأجل أنّه لم يأتهم ما وعدهم- خشي أن ينسب إلى الكذب ويعيّر به، ويحقّق عليه، لاسيّما ولم تكن قرية آمنت عند حضور العذاب فنفعها إيمانها غير قومه، فدخلته الأنفة والحميّة، وكان مغيظا بطول ما عاناه من تكذيبهم وهزئهم وأذاهم واستخفافهم بأمر الله، مشتهيا لأن ينزل بأس الله بهم. هذا إلى ضيق صدره، وقلّة صبره على ما صبر على مثله أولوا العزم من الرّسل.
وقد روي في الحديث أنه كان ضيّق الصدر، فلما حمّل أعباء النّبوّة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثّقيل، فمضى على وجهه مضيّ الآبق النّادّ.
يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وذا النّون إذ ذهب مغاضبا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
{ذا النّون} يونس، والنون السمكة، والمعنى واذكر ذا النون، ويروى أنه ذهب مغاضبا قومه، وقيل إنه ذهب مغاضبا ملكا من الملوك.
{فظنّ أن لن نقدر عليه}.
أي ظن أن لن نقدّر عليه ما قدّرناه من كونه في بطن الحوت، ويقدر بمعنى يقدّر.
وقد جاء هذا في التفسير، وقد روي عن الحسن أنه قال عبد أبق من ربّه، وتأويل قول الحسن أنه هرب من عذاب ربّه، لا أن يونس ظن أن الهرب ينجيه من اللّه - عزّ وجلّ -
ولا من قدره.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت}.
{في الظلمات} وجهان، أحدهما يعنى به ظلمة الليل وظلمة البحر.
وظلمة بطن الحوت، ويجوز أن يكون {نادى في الظلمات} أن يكون أكثر دعائه وندائه كان في ظلمات الليل.
والأجود التفسير الأول لأنه في بطن الحوت لا أحسبه كان يفصل بين ظلمة الليل وظلمة غيره ولكنه أول ما صادف ظلمة الليل ثم ظلمة البحر ثم ظلمة بطن الحوت.
وجائز أن يكون الظلمات اتفقت في وقت واحد، فتكون ظلمة بطن الحوت في الليل والبحر نهاية في الشّدّة). [معاني القرآن: 3/402]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وذا النون إذ ذهب مغاضبا} قال ثعلب: معناه:
مغاضبا الملك). [ياقوتة الصراط: 363-362]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فظن أن لن نقدر عليه} هو من: التقدير، وليس هو من: القدرة، يقال: قدر الله لك الخير يقدره،
ويقدره تقديرا، بمعنى: قدره. قال: ومنه الخبر: ' فاقدروا له '، أي: ' قدروا له ' فهذا كله من التقدير، ونقول من القدرة: قدرت على الشيء اقدر عليه قدرة،
وفي لغة أخرى: قدرت عليه أقدر قدرة). [ياقوتة الصراط: 364-363]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وذَا النُّونِ}:أي ذا الحوت، وهو يونس صلوات الله عليه. {فظن أن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}: أي نضيق عليه).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه تبارك وتعالى: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88] فأوحى اللّه إلى الحوت أن يلقيه إلى البرّ.
قال اللّه: {فنبذناه بالعراء وهو سقيمٌ} [الصافات: 145] وهو ضعيفٌ مثل الصّبيّ الرّضيع.
فأصابته حرارة الشّمس، فأنبت اللّه عليه تبارك وتعالى {شجرةً من
[تفسير القرآن العظيم: 1/337]
يقطينٍ} [الصافات: 146] وهي القرع، فأظلّته فنام، فاستيقظ وقد يبست، فحزن عليها، فأوحى اللّه إليه: أحزنت على هذه الشّجرة وأردت أن أهلك مائة ألفٍ من خلقي أو يزيدون؟ فعلم عند ذلك أنّه قد ابتلي.
فانطلق، فإذا هو بذودٍ من غنمٍ.
فقال للرّاعي: اسقني لبنًا.
فقال: ما هاهنا شاةٌ لها لبنٌ.
فأخذ شاةً منها فمسح بيده على ظهرها، فدرّت فشرب من لبنها.
فقال له الرّاعي: من أنت يا عبد اللّه؟ أخبرني.
فقال له: أنا يونس.
فانطلق الرّاعي إلى قومه، فبشّرهم به.
فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم فلم يجدوا يونس.
فقالوا: إنّا قد شرطنا لربّنا ألا يكذب منّا أحدٌ إلا قطعنا لسانه.
فتكلّمت الشّاة بإذن اللّه فقالت: قد شرب من لبني.
وقالت شجرةٌ كان استظلّ تحتها: قد استظلّ بظلّي، فطلبوه فأصابوه، فرجع إليهم.
فكان فيهم حتّى قبضه اللّه.
وهي مدينةٌ يقال لها: نينوى من أرض الموصل، وهي على دجلةٍ.
- نا يحيى قال: وحدّثنا عثمان أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: في دجلة ركب السّفينة، وفيها التقمه الحوت ثمّ أفضى به إلى البحر.
فدار في البحر ثمّ رجع في دجلة، فثمّ نبذه بالعراء، وهو البرّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير السّدّيّ.
{فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88]
- نا يونس بن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن محمّد بن سعد بن مالكٍ، عن
[تفسير القرآن العظيم: 1/338]
أبيه، عن جدّه سعدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ".
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فإنّه لم يدع بها مسلمٌ ربّه في شيءٍ إلا استجاب اللّه له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكذلك ننجي المؤمنين...}

القراء يقرءونها بنونين، وكتابها بنون واحدة. وذلك أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تظهر السّاكنة على اللسان، فلمّا خفيت حذفت.
وقد قرأ عاصم - فيما أعلم - (نجّي) بنونٍ واحدةٍ ونصب (المؤمنين) كأنه احتمل اللحن ولا نعلم لها جهة إلاّ تلك؛ لأن ما لم يسمّ فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون أضمر المصدر في نجّي فنوى به الرفع ونصب (المؤمنين)
فيكون كقولك: ضرب الضرب زيداً، ثم تكنى عن الضرب فتقول: ضرب زيداً. وكذلك نجّي النجاء المؤمنين). [معاني القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} كتبت في المصاحف بنون واحدة،
وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية، كان يقرأ به أبو جعفر المدني،
وهو قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين:
ولو ولدت فقيرةُ جروَ كلب = لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا).
[تأويل مشكل القرآن: 54-55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}
{وكذلك ننجي المؤمنين}
الذي في المصحف بنون واحدة، كتبت، لأن النون الثانية تخفى مع الجيم، فأمّا ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له، لأن ما لا يسمّى فاعله لا يكون بغير فاعل.
وقد قال بعضهم: نجّي النجاء المؤمنين.
وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم، لا يجوز ضرب زيدا -، تريد ضرب الضرب زيدا لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أنه الذي ضربه ضرب، فلا فائدة في إضماره وإقامته مع الفاعل.
ورواية أبي بكر بن عياش في قوله نجّي المؤمنين يخالف قراءة أبي عمرو ننجي بنونين). [معاني القرآن: 3/403]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وزكريّا إذ نادى ربّه ربّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89] فاستجاب اللّه له). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه} [الأنبياء: 90] قال قتادة: كانت عاقرًا فجعلها اللّه ولودًا.
وقال سفيان عن بعض التّابعين قال: كان في لسانها طولٌ.
ووهب له منها يحيى.
قال: {إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات} [الأنبياء: 90] يعني الأعمال الصّالحة.
{ويدعوننا رغبًا ورهبًا} [الأنبياء: 90] يعني طمعًا وخوفًا.
{وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 90] نا عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: متواضعين). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأصلحنا له زوجه...}

يقول: كانت عقيماً فجعلناها تلد فذلك صلاحها ). [معاني القرآن: 2/210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}
{وأصلحنا له زوجه}
يروى أنها كانت عقيما فجعلها اللّه - عزّ وجلّ - ولودا، ويروى أنه كان في خلقها سوء فأصلح اللّه ذلك وحسن خلقها.
وقوله: {ويدعوننا رغبا ورهبا}.
وقرئت رغبا ورهبا، فالرّغب والرهب مصدران، ويجوز رغبا ورهبا، ولا أعلم أحدا قرأ بهما، أعني الرغب والرهب - في هذا الموضع.
والرّغب والرّغب مثل البخل والبخل، والرّشد والرّشد). [معاني القرآن: 3/403]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّتي أحصنت فرجها} [الأنبياء: 91] أحصنت جيب درعها عن الفواحش.
{فنفخنا فيها من روحنا} [الأنبياء: 91] وذلك أنّ جبريل تناول بأصبعه جيبها فنفخ فيه، فصار إلى بطنها فحملت.
قال: {وجعلناها وابنها آيةً للعالمين} [الأنبياء: 91] ولدته من غير رجلٍ، آيةً.
[تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قال قتادة: يقول: خلق لا والد له، آيةً، ووالدته ولدته من غير رجلٍ، آيةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أحصنت فرجها...}

ذكر المفسّرون أنه جيب درعها ومنه نفخ فيها.
وقوله:{وجعلناها وابنها آيةً} (ولم يقل آيتين) لأن شأنهما واحد. ولو قيل: آيتين لكان صواباً لأنها ولدت وهي بكر، وتكلّم عيسى في المهد؛ فتكون آيتين إذ اختلفتا).[معاني القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرّوح: النّفخ، سمّي روحا لأنه ريح تخرج عن الرّوح.
قالَ ذو الرُّمَّةِ وَذَكَرَ نَارًا قَدَحَهَا:

فلمَّا بَدَتْ كَفَّنْتُهَا وَهْيَ طَفْلَةٌ = بطَلْسَاءَ لَمْ تُكْمِلْ ذِرَاعًا وَلا شِبْرا
وقلتُ لهُ: ارفَعْهَا إِليكَ وَأَحْيِهَا = برُوحِكَ وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيْتَةً قَدْرَا
وظاهِرْ لها من يابسِ الشَّخْتِ واستَعِنْ = عَليها الصَّبا واجْعَلْ يَدَيْكَ لَهَا سِتْرَا
قوله: وأحيها بروحك، أي أحيها بنفخك.
والمسيح: روح الله، لأنه نفخة جبريل في درع مريم. ونسب الرّوح إلى الله لأنه بأمره كان. يقول الله: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}، يعني نفخة جبريل.
وقد يجوز أن يكون سمّي روح الله لأنه بكلمته كان، قال الله تعالى: كن، فكان). [تأويل مشكل القرآن: 487-486]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {والّتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين}
" التي " في موضع نصب، المعنى واذكر التي أحصنت فرجها.
ويروى في بعض التفسير أنه يعني جيبها.
{وجعلناها وابنها آية للعالمين} لو قيل آيتين لصلح، ولكن لما كان شأنهما واحدا، وكانت الآية فيهما جميعا معناها آية واحدة، وهي ولادة من غير فحل، جاز أن يقول آية).
[معاني القرآن: 3/404-403]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ هذه أمّتكم} [الأنبياء: 92] ملّتكم.
{أمّةً واحدةً} [الأنبياء: 92] يعني ملّةً واحدةً.
وقال قتادة: أي: دينكم دينٌ واحدٌ: الإسلام.
وقال السّدّيّ: {إنّ هذه أمّتكم} [الأنبياء: 92] يعني ملّتكم {أمّةً واحدةً} [الأنبياء: 92] يعني ملّةً واحدةً: الإسلام.
قال: {وأنا ربّكم فاعبدون} [الأنبياء: 92] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً...}

تنصب (أمّة واحدة) على القطع. وقد رفع الحسن {أمتكم أمةٌ واحدةٌ} على أن يجعل الأمة خبراً ثم يكرّ على الأمة الواحدة بالرفع على نيّة الخبر أيضاً؛
كقوله: {كلاّ إنّها لظى نزّاعةٌ للشّوى}.
وفي قراءة أبيّ فيما أعلم: (إنّها لإحدى الكبر نذيرٌ للبشر} الرفع على التكرير ومثله: (ذو العرش المجيد فعّالٌ لما يريد) ). [معاني القرآن: 2/211-210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون}
{أمّتكم} رفع خبر هذه، المعنى أن هذه أمتكم في حال اجتماعها على الحق، فإذا افترقت فليس من خالف الحق داخلا فيها، ويقرأ (أمة واحدة)، على أنه خبر بعد خبر،
ومعناه إن هذه أمة واحدة ليست أمما، ويجوز نصب (أمّتكم) على معنى التوكيد، قيل إن أمتكم كلها أمة واحدة). [معاني القرآن: 3/404]

تفسير قوله تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وتقطّعوا أمرهم بينهم} [الأنبياء: 93] يعني أهل الكتاب.
قال السّدّيّ: تفرّقوا دينهم الإسلام الّذي أمروا به فدخلوا في غيره.
- نا حمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «افترقت بنو إسرائيل على سبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنّة وسائرهم في النّار، ولتزيدنّ هذه الأمّة عليهم واحـ...
تفترق على واحدةٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنّة وسائرهم في النّار».
قال يحيى: وسمعت سفيان الثّوريّ يحدّث بهذا الحديث.
قال: {كلٌّ إلينا راجعون} [الأنبياء: 93] يعني البعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وتقطّعوا أمرهم بينهم} مجازه واختلفوا وتفرقوا).
[مجاز القرآن: 2/42]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وتقطعوا أمرهم بينهم}: إذا اختلفوا). [غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وتقطّعوا أمرهم بينهم} أي تفرقوا فيه واختلفوا). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأنا ربّكم فاعبدون * وتقطّعوا أمرهم بينهم}
المعنى أن الله أعلمهم أن أمر الحجة واحد، وأنهم تفرقوا، لأن تقطيعهم أمرهم بينهم تفرقة). [معاني القرآن: 3/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وتَقَطَّعُوا أَمْرَهم}: اختلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمنٌ فلا كفران لسعيه} [الأنبياء: 94] لعمله.
{وإنّا له كاتبون} [الأنبياء: 94] تكتب له حسناته حتّى يجزى بها الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {فلا كفران لسعيه} أي فلا كفر لعمله، وقال:

من الناس ناس لا تنام جدودهم= وجدّى ولا كفران الله نائم).
[مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلا كفران لسعيه} أي لا نجحد ما عمل). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون}
كفران: مصدر مثل الغفران والشكران، والعرب تقول: غفرانك لا كفرانك). [معاني القرآن: 3/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}: أي لا يجحد عمله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95]
- نا سفيان والمعلّى بن هلالٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ والمعلّى، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأها: وحرمٌ على قريةٍ أهلكناها وفسّرها في حديث سفيان والمعلّى قال: أي وجب على قريةٍ أهلكناها أنّهم لم يكونوا ليؤمنوا.
وقال سفيان: وجب عليهم أنّهم لا يؤمنون.
نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: {أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95] يعني: لا يتوبون.
وقال ابن عبّاسٍ: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها} [الأنبياء: 95] أي وجب عليه أنّها إذا هلكت لا يرجعون إلى دنياهم.
قال يحيى: والعامّة يقرءونها: {وحرامٌ} [الأنبياء: 95] وتفسيرها عندهم: حرامٌ عليهم أنّهم لا يرجعون.
وهي على الوجهين في التّفسير: إلى التّوبة وإلى الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/341]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها...}

قرأها ابن عباس. حدثني بذلك غير واحد. منهم هشيم عن داود عن عكرمة عن ابن عباس، وسفيان عن عمير وعن ابن عباس. وحدثني عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن سعيد بن جبير (وحرمٌ) وحدثني بعضهم عن يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعيّ (وحرمٌ علي) وأهل المدينة والحسن (وحرامٌ) بألف. وحرام أفشى في القراءة.
وهو بمنزلة قولك: حلّ وحلال، وحرم وحرام). [معاني القرآن: 2/211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} أي حرام عليهم أن يرجعوا. ويقال: حرام: واجب.
وقال الشاعر:
فإن حراما لا أرى الدهر باكيا= على شجوه إلا بكيت على عمرو أي واجبا.
ومن قرأ: «حرم» فهو بمنزلة حرام. يقال: حرم وحرام، كما يقال: حل وحلال). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}.
يريد أنهم يرجعون، فزاد (لا): لأنهم لا يرجعون). [تأويل مشكل القرآن: 245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون}
قرئت: حرم وحرام، هاتان أكثر القراءة، وقد قرئت حرم على قرية، وحرم على قرية.
وجاء في التفسير حرم في معنى حتم.
وجاء أيضا عن ابن عباس أنه قال: حتم عليهم ألا يرجعوا إلى دنياهم، وجاء عنه وعن قتادة أنهم لا يرجعون إلى توبة، وعند أهل اللغة حرم وحرام في معنى واحد، مثل: حل وحلال.
وظاهر "حرام عليهم أنهم لا يرجعون"، يحتاج إلى أن يبيّن، ولا أعلم أحدا من أهل اللغة، ولا من أهل التفسير بيّنه.
وهو - واللّه أعلم - أنه لما قال: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون}
أعلمنا أن اللّه عزّ وجلّ قد حرّم قبول أعمال الكافرين وبين ذلك بقوله: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
فالمعنى حرام على قرية أهلكناها أن نتقبل منهم عملا لأنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون، وحرم وحرم في معنى حرام.
إلا أنّ حراما اسم، وحرم وحرم فعل). [معاني القرآن: 3/405-404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ}: أي واجب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} [الأنبياء: 96] يعني: فلمّا فتحت يأجوج ومأجوج.
تفسير السّدّيّ: يموجون في الأرض فيفسدون فيها.
- نا يونس بن أبي إسحاق، عن سعيد بن عمرو بن جعدة، عن الزّهريّ قال: قالت أمّ سلمة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نائمًا في بيته فاستيقظ محمرّةً عيناه، فقال: «لا إله إلا اللّه ثلاثًا، ويلٌ للعرب من أمرٍ قد اقترب، قد فتح اليوم من يأجوج ومأجوج مثل هذا»، وعقد يونس بيده تسعين مفرجةً شيئًا.
حدّثني أبو أميّة، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي الضّيف، عن كعبٍ
[تفسير القرآن العظيم: 1/341]
الأحبار قال: إنّ يأجوج ومأجوج ينقرون كلّ يومٍ بمناقرهم في السّدّ فيسرعون فيه، فإذا أمسوا قالوا: نرجع غدًا فنفرغ منه.
فيصبحون وقد عاد كما كان.
فإذا أراد اللّه تبارك وتعالى خروجهم، قذف على ألسن بعضهم الاستثناء فقالوا: نرجع غدًا إن شاء اللّه فنفرغ منه، فيصبحون وهو كما تركوه، فينقرونه، فيخرجون على النّاس، فلا يأتون على شيءٍ إلا أفسدوه.
فيمرّ أوّلهم على البحيرة فيشربون ماءها، ويمرّ أوسطهم فيلحسون طينها ويمرّ آخرهم فيقول: قد كان هاهنا ماءٌ مرّةً فيقهرون النّاس، ويفرّ النّاس منهم في البرّيّة والجبال.
فيقولون: قد قهرنا أهل الأرض فهلمّوا إلى أهل السّماء.
فيرمون نبالهم إلى السّماء فترجع تقطر دمًا.
فيقولون: قد فرغنا من أهل الأرض وأهل السّماء.
فيبعث اللّه عليهم أضعف خلقه: النّغف وهي دودٌ تأخذهم في رقابهم فتقتلهم، حتّى تنتن الأرض من جيفهم.
ويرسل اللّه الطّير فتنقل جيفهم إلى البحر، ثمّ يرسل اللّه تبارك وتعالى السّماء فتطهّر الأرض.
وفي حديث عبد الرّحمن بن يزيد، عن عطاء بن يزيد: ويستوقد المسلمون من قسيّهم، وجعابهم، ونشابهم، وأترستهم سبع سنين.
قال كعبٌ: وتخرج الأرض زهرتها وبركتها، ويتراجع النّاس، حتّى إنّ الرّمّانة لتشبع السّكن.
قيل: وما السّكن؟ قال: أهل البيت.
قال: وتكون سلوةً من عيشٍ.
فبينما النّاس كذلك إذ جاءهم خبرٌ أنّ ذا السّويقتين صاحب الجيش قد غزا البيت.
فيبعث المسلمون جيشًا، فلا يصلون إليهم ولا يرجعون إلى أصحابهم حتّى يبعث اللّه تبارك وتعالى ريحًا طيّبةً يمانيّةً من تحت العرش، فتكفت روح كلّ مؤمنٍ.
ثمّ لا أجد مثل السّاعة إلا كرجلٍ أنتج مهرًا فهو ينتظر متى يركبه، فمن تكلّف من أمر السّاعة ما وراء هذا فهو متكلّفٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/342]
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ يأجوج ومأجوج يخرقونه كلّ يومٍ حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذين عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدًا، فيعيده اللّه كأشدّ ما كان، حتّى إذا بلغت مدّتهم وأراد اللّه أن يبعثهم على النّاس حفروا، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذين عليهم: ارجعوا
فستخرقونه إن شاء اللّه غدًا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على النّاس، فينشفون المياه ويتحصّن النّاس منهم في حصونهم، فيرمون نشابهم إلى السّماء فيرجع فيها كهيئة الدّم فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء، فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم فيقتلهم بها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده إنّ دوابّ
الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرًا ".
- نا سعيدٌ، عن قتادة أنّ أبا سعيدٍ الخدريّ قال: إنّ النّاس يحجّون، ويعتمرون ويغرسون بعد خروج يأجوج ومأجوج.
قوله: {وهم من كلّ حدبٍ ينسلون} [الأنبياء: 96] نا سعيدٌ، عن قتادة قال: من كلّ أكمةٍ ومن كلّ نجوٍ ينسلون يخرجون.
نا عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: جمع النّاس من كلّ مكانٍ جاءوا منه
[تفسير القرآن العظيم: 1/343]
يوم القيامة فهو حدبٌ.
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن نوفٍ البكاليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق الملائكة، والجنّ، والإنس فجزّأهم عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منها الملائكة، وجزءٌ واحدٌ الجنّ والإنس.
وجزّأ الملائكة عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم الكروبيّون الّذين يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، وجزءٌ منهم واحدٌ لرسالته، ولخزائنه، وما يشاء من أمره.
وجزّأ الجنّ والإنس عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم الجنّ والإنس جزءٌ واحدٌ، فلا يولد من الإنس مولودٌ إلا ولد من الجنّ تسعةٌ.
وجزّأ الإنس عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم يأجوج ومأجوج، وسائرهم بنو آدم.
قال يحيى: يعني ما سوى يأجوج ومأجوج من ولد آدم.
وكان الحسن يقول: الإنس كلّهم من عند آخرهم ولد آدم، والجنّ كلّهم من عند آخرهم ولد إبليس.
- نا الحسن بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عروة، عن رجلٍ من آل مسعودٍ الثّقفيّ قال: حدّثني أخي أو ابن أخي أو ابن عمّي قال: قلت لعبد اللّه بن عمرٍو: يأجوج ومأجوج الأذرع هم أم الأشبار؟ فقال: يابن أخي ما أجد من ولد آدم بأعظم منهم ولا أطول، ولا يموت الميّت منهم حتّى يولد له ألفٌ فصاعدًا.
فقلت: ما طعامهم؟ قال: هم في ماءٍ ما شربوا، وفي شجرٍ ما هضموا، وفي نساءٍ ما نكحوا.
حدّثني يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال: بلغني أنّ هؤلاء التّرك ممّا سقط من دون الرّدم من ولد يأجوج ومأجوج). [تفسير القرآن العظيم: 1/344]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وهم مّن كلّ حدبٍ ينسلون...}

الحدب كل أكمة (ومكانٍ مرتفعٍ) ). [معاني القرآن: 2/211]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ينسلون} يعجلون في مشيهم كما ينسل الذئب ويعسل قال الجعدي:
عسلان الذئب أمسى قارباً=برد الليل عليه فنسل).
[مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من كل حدب}: الحدب بلغة أهل الحجاز القبر وهو الجدث أيضاَ.
{ينسلون}: يخرجون والنسلان والنسول مشي سريع في استخفاء مثل نسلان الذئب). [غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهم من كلّ حدبٍ} أي من كل نشز من الأرض وأكمة.
{ينسلون} من النّسلان. وهو: مقاربة الخطو مع الإسراع، كمشي الذئب إذا بادر. والعسلان مثله). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(واو النّسق) قد تزاد حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له، كقوله:
{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}. والمعنى: قال لهم خزنتها.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ}.
وكقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}.
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحيِّ وانتحَى = بنا بطن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ
أراد انتحى.
وقال آخر:

حتَّى إذا قَمِلَتْ بطونُكم = ورأيتمُ أبناءَكمْ شَبُّوا
وَقَلَبْتمُ ظَهْرَ المجَنِّ لَنَا = إِنَّ اللَّئيمَ العَاجِزَ الخَبُّ
أراد: قلبتم). [تأويل مشكل القرآن: 252-254] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون }
بهمز وغير همز، وهما قبيلتان من خلق اللّه.
ويروى أن الناس عشرة أجزاء تسعة منهم يأجوج ومأجوج، وهما اسمان أعجميان، واشتقاق مثلهما من كلام العرب يخرج من أججت النار، ومن النار الأجاج وهو أشد وهو الشديد الملوحة، المحرق من ملوحته.
وقوله: {وهم من كلّ حدب ينسلون}
ورويت أيضا من كل جدث ينسلون، - بالجيم والثاء - والأجود في هذا الحرف، (حدب ينسلون) بالحاء، والحدب كل أكمة، و {ينسلون} يسرعون). [معاني القرآن: 3/405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وهم من كل حدب ينسلون} قال: الحدب: التلال، والآكام، واحدها: حدبة، وينسلون، أي يسرعون).
[ياقوتة الصراط: 365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِّن كُلِّ حَدَبٍ}: أي من كل نشز من الأرض وأكمة، {يَنسِلُونَ}: النسلان. مقاربة الخطى مع الإسراع، ومثله العسلان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحَدَبُ): القبر.
{يَنْسِلُونَ}: يخرجون). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واقترب الوعد الحقّ} [الأنبياء: 97] يعني النّفخة الآخرة.
{فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} [الأنبياء: 97] إلى إجابة الدّاعي إلى بيت المقدس.
{يا ويلنا} [الأنبياء: 97] يقولون: {قد كنّا في غفلةٍ من هذا} [الأنبياء: 97] يعنون تكذيبهم بالسّاعة.
{بل كنّا ظالمين} [الأنبياء: 97] لأنفسنا). [تفسير القرآن العظيم: 1/345]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واقترب الوعد الحقّ...}

معناه - والله أعلم -: حتى إذا فتحت اقترب. ودخول الواو في الجواب في (حتّى إذا) بمنزلة قوله: {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}.
وفي قراءة عبد الله {فلمّا جهّزهم بجهازهم جعل السّقاية} وفي قراءتنا بغير واو. ومثله في الصافات {فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه} معناه ناديناه،
وقال امرؤ القيس:
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى=بنا بطن خبتٍ ذي قفاف عقنقل
يريد انتحى.
وقوله: {فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} تكون (هي) عماداً يصلح في موضعها (هو) فتكون كقوله: {إنّه أنا الله العزيز الحكيم}
ومثله قوله: {فإنّها لا تعمى الأبصار} فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنّثة والتذكير للعماد. وسمعت بعض العرب يقول: كان مرّةً وهو ينفع الناس أحسابهم فجعل (هو) عماداً.
وأنشدني بعضهم:
بثوب ودينارٍ وشاة ودرهمٍ=فهل هو مرفوع بما هاهنا راس
وإن شئت جعلت (هي) للأبصار كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها؛
كما قال الشاعر:
لعمر أبيها لا تقول ظعينتي=ألا فرّعني مالك بن أبي كعب
فذكر الظعينة وقد كنى عنهما في (لعمر) ). [معاني القرآن: 2/212-211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واقترب الوعد الحقّ} يعني يوم القيامة). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصة أبصار الّذين كفروا يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين}
قال بعضهم: [لا يجوز طرح الواو].
والجواب عند البصريّين قوله: {يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا}
وههنا قول محذوف، المعنى حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا: {يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين}.
وجاء في التفسير أن خروج يأجوج ومأجوج من أعلام الساعة). [معاني القرآن: 3/405]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} [الأنبياء: 98]
نا سفيان، عن عبد الملك بن أبحر، عن عكرمة وهو تفسير قتادة: {حصب جهنّم} [الأنبياء: 98] حطب جهنّم يحصب بهم فيها.
{أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98] داخلون.
وتفسير الحسن: يعني الشّياطين الّذين دعوهم إلى عبادة الأوثان، لأنّهم بعبادتهم الأوثان عابدون للشّياطين وهو قوله عزّ وجلّ: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان} [يس: 60] وفي تفسير الكلبيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قام مقابل باب الكعبة ثمّ قرأ هذه الآية، فوجد أهل مكّة منها وجدًا شديدًا.
فقال ابن الزّبعرى: يا محمّد، أرأيت الآية الّتي قرأت آنفًا، أفينا وفي آلهتنا خاصّةً، أم في الأمم وآلهتهم معنا؟ فقال: لا، بل فيكم، وفي آلهتكم، وفي الأمم، وفي آلهتهم.
قال: خصمتك وربّ الكعبة.
قد علمت أنّ النّصارى يعبدون عيسى وأمّه، وأنّ طائفةً من النّاس يعبدون الملائكة، أفليس هؤلاء مع آلهتنا في النّار؟ فسكت رسول اللّه عليه السّلام، وضحكت قريشٌ وضجّوا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/345]
فذلك قوله: {ولمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون} [الزخرف: 57] يعني: يضجّون.
{وقالوا} [الزخرف: 58] يعني قريشًا {أآلهتنا خيرٌ أم هو} [الزخرف: 58] قال اللّه تبارك وتعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قومٌ خصمون} [الزخرف: 58] وقال هاهنا في هذه الآية في جواب قولهم: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {حصب جهنّم...}

ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمن الحطب. ... حدثني قيس بن الربيع عن محمد بن الحكم الكاهليّ عن رجل سمع عليّاً يقرأ (حطب) بالطاء. حدّثنا ... حدثني ابن أبي يحيى المدنيّ عن أبي الحويرث رفعه إلى عائشة أنها قرأت (حطب) كذلك.
وبإسنادٍ لابن أبي يحيى عن ابن عباس أنه قرأ (حضب) بالضاد. وكلّ ما هيّجت به النار أو أوقدتها به فهو حضب. وأمّا الحصب فهو في معنى لغة نجد: ما رميت به في النار،
كقولك: حصبت الرجل أي رميته). [معاني القرآن: 2/212]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حصب جهنّم} كل شيء ألقيته في نار فقد حصبتها، ويقال: حصب في الأرض أي ذهب فيها). [مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حصب جهنم}: كلما ألقيته في نار فقد حصبتها به، من حطب أو غيره وقرأ ابن عباس {حصب جهنم} بالضاد
والمعنى الواحد). [غريب القرآن وتفسيره: 257-256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حصب جهنّم}: ما ألقي فيها وأصله من الحصباء، وهي: الحصى. يقال: حصبت فلانا: إذا رميته حصبا -
بتسكين الصاد - وما رميت به: حصب، بفتح الصاد. كما تقول: نفضت الشجرة نفضا. وما وقع من ثمرها: نفض، واسم حصى الحجارة: حصب). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون}
قرئت على ثلاثة أوجه، حصب " جهنم، وحطب جهنّم، وحضب جهنم - بالضاد معجمة -. فمن قرأ حصب فمعناها كل ما يرمى به في جهنم ومن قال حطب فمعناه ما توقد به جهنم - كما قال عزّ وجلّ:
{وقودها النّاس والحجارة}، ومن قال. حضب - بالضاد معجمة - فمعناه ما تهيج به النار وتذكى به، والحضب الحيّة). [معاني القرآن: 3/406]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( و{حصب جهنم} أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: العرب تقول: هذا حصب النار وحضبها وحطبها، كله بمعنى واحد، وهو ما تأكله النار). [ياقوتة الصراط: 365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: ما ألقي فيها، وهو من الحصى، واسم حصى الجمار حصب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصَبُ}: حطب). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} [الأنبياء: 99] وفي كتاب اللّه أنّ الشّمس والقمر يسجدان للّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّموات ومن في الأرض والشّمس والقمر} [الحج: 18]
[تفسير القرآن العظيم: 1/346]
- حدّثني المعلّى، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن وهب بن جابرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ الشّمس تطلع من حيث يطلع الفجر، وتغيب من حيث يغيب الفجر، فإذا أرادت أن تطلع تقاعست حتّى تضرب بالعمد وتقول: يا ربّ، إنّي إذا طلعت عبدت دونك.
فتطلع على ولد آدم كلّهم، فتجري إلى المغرب فتغرب، فتسلّم، فيردّ عليها، وتسجد، فينظر إليها، ثمّ تستأذن، فيؤذن لها حتّى تأتي المشرق، والقمر كذلك.
حتّى يأتي عليها يومٌ تغرب فيه فتسلّم فلا يردّ عليها، وتسجد فلا ينظر إليها، ثمّ تستأذن فلا يؤذن لها.
فتقول: يا ربّ إنّ المشرق بعيدٌ ولا أبلغه إلا بجهدٍ، فتحبس حتّى يجيء القمر، فيسلّم فلا يردّ عليه، فيسجد فلا ينظر إليه، ويستأذن فلا يؤذن له، ثمّ يقال لهما: ارجعا من حيث جئتما.
فيطلعان من المغرب كالبعيرين المقترنين، وهو قوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} [الأنعام: 158] وهو طلوع الشّمس من المغرب.
قال: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} [الأنبياء: 99] يعني جهنّم ما دخلوها، لامتنعوا بآلهتهم.
قال: {وكلٌّ فيها خالدون} [الأنبياء: 99] العابدون والمعبودون). [تفسير القرآن العظيم: 1/347]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} فهو من الموات الذي خرج مخرج الآدميين).
[مجاز القرآن: 2/42]


تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لهم فيها زفيرٌ} [الأنبياء: 100] قال الحسن: الزّفير اللّهب، ترفعهم بلهبها، حتّى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع الحديد فهووا إلى أسفلها سبعين خريفًا.
وقال قتادة: إنّ أهل النّار يدعون مالكًا فيذرهم مقدار أربعين عامًا لا يجيبهم ثمّ يقول: {إنّكم ماكثون} [الزخرف: 77] ثمّ يدعون ربّهم فيذرهم قدر عمر الدّنيا مرّتين، ثمّ يجيبهم: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] قال: فما نبسوا بعدها بكلمةٍ، ولا كان إلا الزّفير والشّهيق في نار جهنّم.
فشبّه أصواتهم بأصوات الحمير، أوّله زفيرٌ وآخره شهيقٌ قوله: {وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100]
[تفسير القرآن العظيم: 1/347]
- قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: إذا خرج من خرج من النّار وبقي في النّار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نارٍ فيها مسامير من نارٍ، ثمّ جعلت التّوابيت في توابيت أخر، تلك التّوابيت في توابيت أخر، فلا يرون أنّ أحدًا يعذّب في النّار غيرهم ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {لهم فيها زفيرٌ وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100]
قال الحسن: ذهب الزّفير بسمعهم فلا يسمعون معه شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] وهم عيسى وعزيرٌ، والملائكة. وقال مجاهدٌ: {أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] عيسى، وعزيرٌ، والملائكة.
وقال قتادة: إنّ اليهود قالت: ألستم تزعمون أنّ عزيرًا في الجنّة، وأنّ عيسى في الجنّة، وقد عبدا من دون اللّه؟ فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] فعيسى وعزيرٌ ممّن سبقت لهم الحسنى وهي الجنّة.
وما عبدوا من الحجارة، والخشب، ومن الجنّ، وعبادة بعضهم بعضًا، فهم وما عبدوا حصب جهنّم.
- قال يحيى: حدّثني أبي وبحر بن كنيزٍ السّقّاء وخالد ودرست، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الشّمس والقمر ثوران عقيران في النّار».
قال درست ثمّ قال يزيد الرّقاشيّ: ألستم تقرءون: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} [الأنبياء: 98] قال يحيى: أظنّهما يمثّلان لمن عبدهما في النّار، يوبّخون بذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} [الأنبياء: 101] يعني الجنّة.
{أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] قد فسّرناه قبل هذا الموضع في أمر عيسى وعزيرٍ والملائكة). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: 102] يعني صوتها في تفسير الحسن.
وقال ابن عبّاسٍ: حسيسها: مسّها.
قال: ولا صوتًا، وإنّها تلتظي على أهلها.
قوله: {وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} [الأنبياء: 102] قال يحيى: يعني إنّ أهل الجنّة يكون الطّعام في في أحدهم فيخطر على قلبه طعامٌ آخر، فيتحوّل في فيه ذلك الطّعام الّذي اشتهى.
وهو قوله عزّ وجلّ: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون} [الزخرف: 71] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لا يسمعون حسيسها} أي صوتها والحسيس والحس والواحد،

قال عبيد بن الأبرص:
فاشتال وارتاع من حسيسها=وفعله يفعل المذؤوب
فاشتال يعني الثعلب رفع ذتبه). [مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حسيسها}: الحس والحسيس وهو الصوت الخفي). [غريب القرآن وتفسيره: 257]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحَسِيسُ): الصوت الخفي). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] قال الحسن: النّفخة الآخرة.
قال سفيان الثّوريّ: بلغني أنّه إذا أخرج من النّار من أخرج فلم يبق فيها إلا أهل الخلود، فعند ذلك يقول أهل النّار: {ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون} [المؤمنون: 107] فيقول اللّه تبارك وتعالى: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] فإذا قال ذلك أطبقت
[تفسير القرآن العظيم: 1/348]
عليهم فلم يخرج منها أحدٌ.
فذلك الفزع الأكبر.
قوله: {وتتلقّاهم الملائكة} [الأنبياء: 103] قال الحسن: تلقاهم بالبشارة حين يخرجون من قبورهم وتقول: {هذا يومكم الّذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم} مجازه مجاز المختصر المضمر فيه " ويقولون: هذا يومكم ").
[مجاز القرآن: 2/43]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب} [الأنبياء: 104] سعيدٌ، عن قتادة قال: كطيّ الصّحيفة فيها الكتاب.
معمر بن عيسى أنّ الحسن قال: إنّ السّماء إنّما تطوى من أعلاها كما يطوي الكتاب الصّحيفة من أعلاها إذا كتب.
قوله: {كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده} [الأنبياء: 104] عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: حفاةً، عراةً، غرلا، غلفًا.
وفي تفسير الكلبيّ: إذا أراد اللّه تبارك وتعالى أن يبعث الموتى عاد النّاس كلّهم نطفًا، ثمّ علقًا، ثمّ مضغًا، ثمّ عظامًا، ثمّ لحمًا، ثمّ ينفخ فيه الرّوح.
فكذلك كان بدؤهم.
- قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: ينزّل اللّه تبارك وتعالى مطرًا منيًّا كمنيّ الرّجال فتنبت به جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثّرى.
قال: ثمّ قرأ عبد اللّه بن مسعودٍ: {واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابًا فسقناه إلى بلدٍ ميّتٍ فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور} [فاطر: 9] يعني البعث.
قوله: {وعدًا علينا} [الأنبياء: 104] يعني: كائنًا، البعث.
{إنّا كنّا فاعلين} [الأنبياء: 104] أي نحن فاعلون). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوم نطوي السّماء...}

بالنون والتاء (تطوى) ولو قيل (يطوي) كما قيل (نطوي) بالنون جاز.
واجتمعت القراء على (السّجلّ) بالتثقيل.
وأكثرهم يقول (للكتاب) وأصحاب عبد الله (للكتب) والسّجلّ: الصّحيفة. فانقطع الكلام عند الكتب، ثم استأنف فقال {كما بدأنا أوّل خلقٍ نّعيده} فالكاف للخلق ،
كأنك قلت: نعيد الخلق كما بدأنهم (أوّل مرّة).
وقوله: {وعداً علينا} كقولك حقّاً علينا). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( السّجلّ: الصحيفة). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):(وأما قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فإن للعرب في معنى (الأبد) ألفاظا يستعملونها في كلامهم، يقولون: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما طمى البحر، أي ارتفع، وما أقام الجبل، وما دامت السموات والأرض، في أشباه لهذا كثيرة،
يريدون لا أفعله أبدا، لأن هذه المعاني عندهم لا تتغير عن أحوالها أبدا، فخاطبهم الله بما يستعملونه فقال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي مقدار دوامهما،
وذلك مدة العالم. وللسماء وللأرض وقت يتغيّران فيه عن هيئتهما، يقول الله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}،
ويقول:{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
أراد أنهم خالدون فيها مدة العالم، سوى ما شاء الله أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم. ثم قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع.
و(إلّا) في هذا الموضع بمعنى (سوى) ومثله من الكلام: لأسكننّ في هذه الدار حولا إلا ما شئت. تريد سوى ما شئت أن أزيد على الحول. هذا وجه.
وفيه قول آخر، وهو: أن يجعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد، على ما تعرف العرب وتستعمل، وإن كانتا قد تتغيّران، وتستثنى المشيئة من دوامهما؛
لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء والأرض،
إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار حتى تلحقهم رحمة الله، وشفاعة رسوله، فيخرجوا منها إلى الجنة.
فكأنه قال سبحانه: خالدين في النار ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين من المسلمين إلى الجنة،
وخالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض، إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة من المدد، ثم يصيرون إلى الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 76-77] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعدا علينا إنّا كنّا فاعلين}
وللكتاب، ويقرأ السّجل بتخفيف اللام، فمن خفف أسكن الجيم.
وجاء في التفسير أن السّجل الصحيفة التي فيها الكتاب.
وقيل إن السّجل ملك وقيل إن السّجل بلغة الجيش الرجل.
وعن أبي الجوزاء أن السّجل كاتب كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتمام الكلام (للكتب).
وقوله: {كما بدأنا أوّل خلق نعيده}.
مستأنف، المعنى نبعث الخلق كما بدأناهم، أي قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الابتداء، ويجوز {يوم تطوى السّماء كطي السجل}
ويجوز يوم يطوي السماء كطيّ السّجل، ولم يقرأ (يطوي).
وقرئت نطوي وتطوى بالنون والتاء.
وقوله: {وعدا علينا}.
(وعدا) منصوب على المصدر، لأن قوله (نعيده) بمعنى وعدنا هذا وعدا
وقوله: {إنّا كنّا فاعلين} أي قادرين على فعل ما تشاء). [معاني القرآن: 3/407-406]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] تفسير مجاهدٍ: يعني بالزّبور الكتب، التّوراة، والإنجيل، والقرآن، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] الكتاب عند اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/349]
الّذي في السّماء، وهو أمّ الكتاب.
{أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني أرض الجنّة.
{يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وفي تفسير ابن عبّاسٍ: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني زبور داود {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] من بعد التّوراة {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] يعني أمّة محمّدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير قتادة: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني: زبور داود، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] يعني: التّوراة، {أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني: أرض الجنّة، {يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وكتب اللّه تبارك وتعالى ذلك في هذا القرآن فقال: {إنّ في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] أي عاملين). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون...}

يقال: أرض الجنّة. ويقال: إنها الأرض التي وعدها بنو إسرائيل، مثل قوله: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} ). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} قال: أرض الجنة، ويقال: الأرض المقدّسة،
ترثها أمة محمد صلى اللّه عليه وعلى آله). [تفسير غريب القرآن: 289]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون}
الزّبور: جميع الكتب، التوراة، والإنجيل، والفرقان، زبور، لأن الزّبور والكتاب بمعنى واحد. ويقال زبرت وكتبت بمعنى واحد، والمعنى: ولقد كتبنا في الكتب من بعد ذكرنا في السماء {الأرض يرثها عبادي الصالحون}.
قيل في التفسير إنها أرض الجنة، ودليل هذا القول قوله: {أولئك هم الوارثون * الّذين يرثون الفردوس}.
وقيل إن الأرض ههنا يعنى بها أرض الدنيا، وهذا القول أشبه - كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يسبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض} والأرض إذا ذكرت فهي دليلة على الأرض التي نعرفها، ودليل هذا القول أيضا:
قوله: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها}.
وهذه الآية من أجل شواهد الفقهاء أن الأرض ليس مجراها مجرى سائر ما يعمر). [معاني القرآن: 3/407]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ في هذا} [الأنبياء: 106] القرآن.
{لبلاغًا} [الأنبياء: 106] إلى الجنّة.
{لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] الّذي يصلّون الصّلوات الخمس). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير قتادة: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني: زبور داود، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] يعني: التّوراة، {أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني: أرض الجنّة، {يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وكتب اللّه تبارك وتعالى ذلك في هذا القرآن فقال: {إنّ في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] أي عاملين). [تفسير القرآن العظيم: 1/350] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ في هذا لبلاغاً...}
أي في القرآن). [معاني القرآن: 2/213]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} [الأنبياء: 107] يعني لمن آمن من الإنس والجنّ.
وهو تفسير السّدّيّ وغيره.
يحيى، عن صاحبٍ له، عن المسعوديّ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: من آمن باللّه ورسوله تمّت عليه الرّحمة في الدّنيا والآخرة، ومن كفر باللّه ورسوله عوفي ممّا عذّبت به الأمم، وله في الآخرة النار.
قال يحيى: لأنّ تفسير النّاس أنّ اللّه تبارك وتعالى أخّر عذاب كفّار هذه الأمّة
[تفسير القرآن العظيم: 1/350]
بالاستئصال إلى النّفخة الأولى بها يكون هلاكهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل إنّما} [الأنبياء: 108] أنا بشرٌ مثلكم.
{يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ فهل أنتم مسلمون} [الأنبياء: 108] وكذلك جاءت الرّسل.
قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، لا تعبدوا غيري). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوحى إليّ أنّما إلهكم...}

وجه الكلام (فتح أنّ) لأن (يوحى) يقع عليها و(إنّما) بالكسر يجوز. وذلك أنها أداة كما وصفت لك من قول الشاعر:
* ... أن إنّما بين بيشةٍ *
فتلقى (أن) كأنه قيل: إنما يوحى إلي أن إنّما إلهكم إله واحد). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}
الأجود (أنّما إلهكم) بفتح أنّ، وهي القراءة، ولو قرئت إنما لجاز، لأن معنى (يوحى إليّ) يقال لي " ولكن القراءة الفتح لا غير). [معاني القرآن: 3/408-407]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فإن تولّوا} [الأنبياء: 109] يعني كفروا.
{فقل آذنتكم على سواءٍ} [الأنبياء: 109] يعني على أمرٍ بيّنٍ.
وهو تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: على مهلٍ.
وقال الحسن: من كذّب بي فهو عندي سواءٌ، أي جهادهم كلّهم سواءٌ عندي وهو كقوله: {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ} [الأنفال: 58] أي ليكون حكمك فيهم سواءً: الجهاد والقتل لهم أو يؤمنوا.
وهؤلاء مشركو العرب.
ويقاتل أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يقرّوا بالجزية.
وجميع المشركين ما خلا العرب بتلك المنزلة.
وأمّا نصارى العرب فقد فسّرنا أمرهم في غير هذه السّورة.
{وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدون} [الأنبياء: 109] يعني به السّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {إن أدري...}
رفع على معنى ما أدري). [معاني القرآن: 2/214]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وآذنتكم على سواء} إذا انذرت عدوك واعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء وحذر فقد آذنته على سواء). [مجاز القرآن: 2/43]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {آذنتكم على سواء}: إذا أنذرته وأعلمته فأنت وهو سواء). [غريب القرآن وتفسيره: 257]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {آذنتكم على سواءٍ} أي أعلمتكم وصرت أنا وأنتم على سواء، وإنما يريد نابذتكم وعاديتكم وأعلمتكم ذلك،
فاستوينا في العلم.وهذا من المختصر). [تفسير غريب القرآن: 289]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإن تولّوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون}
{آذنتكم} أعلمتكم بما يوحى إليّ لتستووا في الإيمان به). [معاني القرآن: 3/408]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء}: أي أعلمتكم فصرتم أنتم وأنا سواء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آذَنْتُكم}: أعلمتكم.
{على سَواءٍ}: استويتم، يعني في العلم). [العمدة في غريب القرآن: 209]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} [الأنبياء: 110] يعني ما تسرّون.
وفي تفسير السّدّيّ: إنّه يعلم ما كان قبل الخلق وما يكون بعده). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم} [الأنبياء: 111] تفسير الحسن: لعلّ ما أنتم فيه من الدّنيا من السّعة والرّخاء، وهو منقطعٌ زائلٌ.
{فتنةٌ لكم} [الأنبياء: 111] يعني بليّةً لكم.
{ومتاعٌ} [الأنبياء: 111] تستمتعون به، يعني بذلك المشركين.
وقوله: {إلى حينٍ} [الأنبياء: 111]
[تفسير القرآن العظيم: 1/351]
إلى يوم القيامة.
تفسير الحسن.
وقال قتادة: إلى الموت). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(المتاع: المدّة، قال الله تعالى: {ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ}

وقال تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
ومنه يقال: متع النهار. ويقال: أمتع الله بك). [تأويل مشكل القرآن: 512] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين}
أي وما أدري ما آذنتكم به فتنة لكم أي اختبار لكم). [معاني القرآن: 3/408]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] سعيدٌ، عن قتادة قال: كانت الأنبياء تقول: {ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ} [الأعراف: 89] فأمر اللّه تبارك وتعالى نبيّه أن يقول: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] أي: اقض بالحقّ.
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم أنّه على الحقّ، وإنّ عدوّه على الباطل، فكان إذا لقي العدوّ يقول: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] وكان النّبيّ إذا سأل اللّه أن يحكم بينه وبين قومه بالحقّ هلكوا.
وقال الحسن: أمره اللّه أن يدعو أن ينصر أولياءه على أعدائه، فنصره اللّه عليهم.
قوله: {وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون} [الأنبياء: 112] قال قتادة: على ما تكذبون، يعني به المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قال ربّ احكم بالحقّ...}

جزم: مسألة سألها ربّه. وقد قيل: (قل ربّي أحكم بالحق) ترفع (أحكم) وتهمز ألفها. ومن قال قل ربي أحكم بالحق كان موضع ربي رفعاً،
ومن قال: ربّ احكم موصولة كانت في موضع نصب بالنداء). [معاني القرآن: 2/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قال ربّ احكم بالحقّ وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون}
{قال ربّ احكم بالحقّ}.
ويقرأ: (قل ربّ احكم بالحقّ).
ويجوز وقد قرئ به: قال ربّي أحكم بالحقّ، وكان من مضى من الرّسل يقولون: ({بّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ}.
ومعناه احكم، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - نبيه أن يقول: {ربّ احكم بالحقّ}.
وقوله: {وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون}.أي على ما تكذبون). [معاني القرآن: 3/408]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة