العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 01:28 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (74) إلى الآية (79) ]

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 12:11 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكر يا محمّد لحجاجك الّذي تحاجّ به قومك وخصومتك إيّاهم في آلهتهم وما تراجعهم فيها، ممّا نلقيه إليك ونعلّمكه من البرهان والدّلالة على بطلان ما عليه قومك مقيمون، وصحّة ما أنت عليه مقيمٌ من الدّين وحقّيّة ما أنت عليهم محتجٌّ، حجاج إبراهيم خليلي قومه، ومراجعته إيّاهم في باطل ما كانوا عليه مقيمين من عبادة الأوثان، وانقطاعه إلى اللّه والرّضا به واليًا وناصرًا دون الأصنام، فاتّخذه إمامًا واقتد به، واجعل سيرته في قومك لنفسك مثالاً، إذ قال لأبيه مفارقًا لدينه وعائبًا عبادته الأصنام دون بارئه وخالقه: يا آزر.
ثمّ اختلف أهل العلم في المعنيّ بآزر، وما هو؟ اسمٌ أم صفةٌ؟ وإن كان اسمًا، فمن المسمّى به؟ فقال بعضهم: هو اسم أبيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: اسم أبيه آزر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: آزر أبو إبراهيم، وكان فيما ذكر لنا، واللّه أعلم، رجلاً من أهل كوثى، من قريةٍ بالسّواد، سوّاد الكوفة.
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز، يذكر قال: هو آزر، وهو تارحٌ، مثل إسرائيل ويعقوب.
وقال آخرون: إنّه ليس أبا إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، وسفيان بن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: ليس آزر أبا إبراهيم.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثني عبد العزيز، قال: حدّثنا الثّوريّ، قال: أخبرني رجلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}، قال: آزر لم يكن بأبيه إنّما هو صنمٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: آزر اسم صنمٍ.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: اسم أبيه، ويقال: لا، بل اسمه تارحٌ، واسم الصّنم آزر، يقول: أتتّخذ آزر أصنامًا آلهةً.
وقال آخرون: هو سبٌّ وعيبٌ بكلامهم، ومعناه: معوجٌّ. كأنّه تأوّل أنّه عابه بزيغه واعوجاجه عن الحقّ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} بفتح (آزر) على إتباعه الأب في الخفض، ولكنّه لمّا كان اسمًا أعجميًّا فتحوه إذ لم يجرّوه وإن كان في موضع خفضٍ.
وذكر عن أبي زيدٍ المدينيّ والحسن البصريّ أنّهما كانا يقرآن ذلك: (آزر)، بالرّفع على النّداء، بمعنى: (يا آزر).
فأمّا الّذي ذكر عن السّدّيّ من حكايته أنّ آزر اسم صنمٍ، وإنّما نصبه بمعنى: (أتتّخذ آزر أصنامًا آلهةً)، فقولٌ من الصّواب من جهة العربيّة بعيدٌ، وذلك أنّ العرب لا تنصب اسمًا بفعلٍ بعد حرف الاستفهام، لا تقول: أخاك أكلّمت، وهي تريد: أكلّمت أخاك.
والصّواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ بفتح الرّاء من (آزر)، على إتباعه إعراب (الأب)، وأنّه في موضع خفضٍ، ففتح إذ لم يكن جاريًا لأنّه اسمٌ عجميّ. وإنّما أجيزت قراءة ذلك كذلك لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.
وإذ كان ذلك هو الصّواب من القراءة، وكان غير جائزٍ أن يكون منصوبًا بالفعل الّذي بعد حرف الاستفهام، صحّ لك فتحه من أحد وجهين: إمّا أن يكون اسمًا لأبي إبراهيم صلوات اللّه عليه وعلى جميع أنبيائه ورسله، فيكون في موضع خفضٍ ردًّا على الأب، ولكنّه فتح لما ذكرت من أنّه لمّا كان اسمًا أعجميًّا ترك إجراؤه، ففتح كما فتح العرب في أسماء العجم، أو يكون نعتًا له، فيكون أيضًا خفضًا بمعنى تكرير اللاّم عليه، ولكنّه لمّا خرج مخرج أحمر وأسود ترك إجراؤه، وفعل به كما يفعل بأشكاله. فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر: أتتّخذ أصنامًا آلهةً؟
وإن لم يكن له وجهةٌ في الصّواب إلاّ أحد هذين الوجهين، فأولى القولين بالصّواب منهما عندي قول من قال: هو اسم أبيه، لأنّ اللّه تعالى أخبر أنّه أبوه. وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم دون القول الآخر الّذي زعم قائله أنّه نعتٌ.
فإن قال قائلٌ: فإنّ أهل الأنساب إنّما ينسبون إبراهيم إلى تارحٍ، فكيف يكون آزر اسمًا له والمعروف به من الاسم تارحٌ؟
قيل له: غير محالٍ أن يكون له اسمان، كما لكثيرٍ من النّاس في دهرنا هذا، وكان ذلك فيما مضى لكثيرٌ منهم. وجائزٌ أن يكون لقبًا، واللّه تعالى أعلم). [جامع البيان: 9/ 342-346]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أتتّخذ أصنامًا آلهةً إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مبينٍ}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن قيل إبراهيم لأبيه آزر، أنّه قال: أتتّخذ أصنامًا آلهةً تعبدها وتتّخذها ربًّا دون اللّه الّذي خلقك فسوّاك ورزقك.
والأصنام: جمع صنمٍ، التّمثال من حجرٍ أو خشبٍ أو من غير ذلك في صورة إنسانٍ، وهو الوثن. وقد يقال للصّورة المصوّرة على صورة الإنسان في الحائط غيره: صنمٌ ووثنٌ.
{إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مبينٍ} يقول: إنّي أراك يا آزر وقومك الّذين يعبدون معك الأصنام ويتّخذونها آلهةً {في ضلالٍ} يقول: في زوالٍ عن محجّة الحقّ، وعدولٍ عن سبيل الصّواب {مبينٍ} يقول: يتبيّن لمن أبصره أنّه جورٌ عن قصد السّبيل، وزوالٌ عن محجّة الطّريق القويم. يعني بذلك: أنّه قد ضلّ هو وهم عن توحيد اللّه وعبادته الّذي استوجب عليهم إخلاص العبادة له بآلائه عندهم، دون غيره من الآلهة والأوثان).[جامع البيان: 9/ 346]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصنامًا آلهةً إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مبينٍ (74)}
قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل، ثنا أبي، ثنا أبو عاصمٍ، أنا شبيبٌ، ثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} يعني بآزر: الصّنم، وأبو إبراهيم اسمه: يازر. وأمّه اسمها: مثاني. وامرأته اسمها:
سارة. وأمّ إسماعيل اسمها: هاجر، وهي سرّيّة إبراهيم.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: اسم أبيه آزر، فقال: بل اسمه تارح، واسم الصّنم آزر، فقال: أتتّخذ أصنامًا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر قال: إنّ أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر، إنما كان اسمه تارح.
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: ليس آزر أبا إبراهيم.
الوجه الثّالث:
- ذكر، عن معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقرأ: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر قال: بلغني أنّها أعوج، وأنّها أشدّ كلمةٍ قالها إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة بن الفضل قال محمّد بن إسحاق: كان من حديث إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، أنّ آزر كان رجلا من أهل كوثا، من أهل قريةٍ بالسّواد، سواد الكوفة.
قوله: {أتتّخذ أصنامًا آلهةً إنّي أراك وقومك}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصنامًا آلهةً، قال: كان يقول: أعضدًا تعتضد بالآلهة من دون اللّه لا تفعل، ويقول: إنّ أبا إبراهيم لم يكن اسمه أأزر إنّما كان اسمه تارح. قال أبو زرعة بهمزتين).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1324-1325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: آزر الصنم وأبو إبراهيم اسمه يازر وأمه اسمها مثلى وامراته اسمها سارة وسريته أم اسمعيل اسمها هاجر وداود بن أمين ونوح بن لمك ويونس بن متى.
- وأخرج ابن أبي شيبة عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: آزر لم يكن بأبيه ولكنه اسم صنم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: اسم أبيه تارح واسم الصنم آزر.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: ليس آزر بأبيه ولكن {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} وهن الآلهة وهذا من تقديم القرآن إنما هو إبراهيم بن تيرح.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سليمان التيمي أنه قرأ: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: بلغني أنها أعوج وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة} قال: كان يقول أعضد أتعتضد بالآلهة من دون الله لا تفعل ويقول: إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنما اسمه تارح، قال أبو زرعة: بهمزتين (أءزر).
- وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال: آزر أبو إبراهيم). [الدر المنثور: 6/ 101-103]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض قال خبىء إبراهيم من جبار من الجبابرة فجعل الله له في أصابعه رزقا فإذا مص أصبعا من أصابعه وحد فيها رزقا فلما خرج أراه الله ملكوت السماوات والأرض فكان ملكوت السماوات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 212-213]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحكم بن ظهير، قال: حدّثني السّدّي - وهو إسماعيل بن عبد الرّحمن -، في قوله عزّ وجلّ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض} قال: قام على صخرةٍ، ففرجت له السماوات السّبع حتّى نظر إلى العرش وإلى منزله في الجنّة، ثمّ فرجت له الأرضون السّبع حتّى نظر إلى الصّخرة الّتي عليها الأرضون، فذلك قوله عزّ وجلّ: {وآتيناه أجره في الدنيا} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحكم بن ظهير، قال: حدّثني اللّيث بن أبي (سليم)، عن شهر بن حوشب، عن سلمان الفارسيّ، قال: لمّا أري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض، رأى رجلًا على فاحشةً فدعا عليه فهلك، ثمّ رأى آخر على فاحشةٍ فدعا عليه فهلك، ثمّ رأى آخر على فاحشةٍ فدعا عليه فهلك، فأوحى اللّه إليه: يا إبراهيم، مهلًا! فإنّك رجلٌ مستجابٌ لك، وإنّي من عبدي على ثلاث خصالٍ: إمّا أن يتوب قبل الموت فأتوب عليه، وإمّا أن أخرج من صلبه ذرّيّةً يذكروني، وإمّا أن يتولّى فجهنّم من ورائه). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 27-29]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ:
{ثمّ لم تكن فتنتهم}[الأنعام: 23] : «معذرتهم»، {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث } [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا}[الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا}[القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون}[الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ} [فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ» {ملكوتٌ} [الأنعام: 75] : " ملكٌ، مثل: رهبوتٍ خيرٌ من رحموتٍ، ويقول: ترهب خيرٌ من أن ترحم). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ملكوتٌ وملكٌ رهبوتٌ رحموتٌ وتقول ترهب خيرٌ من أن ترحم كذا لأبي ذرٍّ وفيه تشويشٌ ولغيره ملكوتٌ ملكٌ مثل رهبوتٌ خير من رحموتٍ وتقول ترهب خيرٌ من أن ترحم وهذا هو الصّواب فسّر معنى ملكوتٍ بملكٍ وأشار إلى أنّ وزنه رهبوتٌ ورحموتٌ ويوضّحه كلام أبي عبيدة فإنّه قال في قوله تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض أي ملك السّماوات خرج مخرج قولهم في المثل رهبوتٌ خيرٌ من رحموتٍ أي رهبة خيرٌ من رحمةٍ انتهى وقرأ الجمهور ملكوتٌ بفتح اللّام وقرأ أبو السّماك بسكونها وروي عبد بن حميدٍ والطّبريّ عن عكرمة قال ملكوت السّماوات والأرض ملك السّماوات والأرض وهي بالنّبطيّة ملكوثا أي بسكون اللّام والمثلّثة وزيادة ألفٍ وعلى هذا فيحتمل أن تكون الكلمة معرّبةً والأولى ما تقدم وأنّها مشتقّة من ملك كما ورد مثله في رهبوتٍ وجبروتٍ). [فتح الباري: 8/ 289-290]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ملكوتٌ ملكٌ مثل رهبوتٍ خبرٌ من رحموتٍ وتقول ترهب خيرٌ من أن ترحم.
أشار به إلى قوله تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} وفسّر ملكوت بقوله: ملك، وقال الجوهري: الملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، ويقال: الواو والتّاء فيها زائدتان، وقال المفسّرون: ملكوت كل شيء معناه ملك كل شيء أي: هو مالك كل شيء والمتصرف فيه على حسب مشيئته ومقتضى إرادته، وقيل: الملكوت الملك ما بلغ الألفاظ، وقيل: الملكوت عالم الغيب كما أن الملك عالم الشّهادة. قوله: (مثل رهبوت خير من رحموت) أشار به إلى أن وزن ملكوت مثل وزن رهبوت ورحموت، وهذا مثل يقال: رهبوت خير من رحموت، أي: رهبة خير من رحمة، وفي رواية أبي ذر هكذا ملكوت وملك رهبوت رحموت، وتقول: ترهب خير من أن ترحم، وفيه تعسف وفي رواية الأكثرين الّذي ذكر أولا هو الصّواب).[عمدة القاري: 18/ 222]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({ملكوت}) بفتح التاء في اليونينية في قوله تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} أي (ملك) وقيل الواو والتاء زائدتان (مثل رهبوت) كذا في نسخة آل ملك بكسر ميم مثل والإضافة لتاليه والذي في اليونينية مثل بفتح الميم والمثلثة وتنوين اللام ورهبوت رفع (خبر من رحموت) أي في الوزن (وتقول: ترهب خير من أن ترحم) ولأبي ذر ملكوت وملك رهبوت رحموت والصواب الأول فإنه فسر ملكوت بملك وأشار إلى أن وزن ملكوت مثل رهبوت ورحموت، ويؤيده قول أبي عبيدة في تفسيره الآية حيث قال أي ملك السماوّات والأرض خرجت مخرج قولهم في المثل رهبوت خير من رحموت أي رهبة خير من رحمة). [إرشاد الساري: 7/ 116-117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وكذلك}: وكما أريناه البصيرة في دينه، والحقّ في خلاف ما كانوا عليه من الضّلال، نريه ملكوت السّموات والأرض، يعني ملكه.
وزيدت فيه التّاء كما زيدت في (الجبروت) من الجبر، وكما قيل: رهبوتٌ خيرٌ من رحموتٍ، بمعنى: رهبةٌ خيرٌ من رحمةٍ. وحكي عن العرب سماعًا: له ملكوت اليمن والعراق، بمعنى: له ملك ذلك.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} فقال بعضهم: معنى ذلك: نريه خلق السّموات والأرض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض}: أي خلق السّموات والأرض.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض}: أي خلق السّموات والأرض، وليكون من الموقنين.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} يعني بملكوت السّموات والأرض: خلق السّموات والأرض.
وقال آخرون: معنى الملكوت: الملك، بنحو التّأويل الّذي أوّلناه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عمر بن أبي زائدة، قال: سمعت عكرمة، وسأله رجلٌ عن قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض}، قال: هو الملك، غير أنّه بكلام النّبط (ملكوتًا).
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي زائدة، عن عكرمة، قال: هي بالنّبطيّة: (ملكوتًا).
وقال آخرون: معنى ذلك: آيات السّموات والأرض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} قال: آيات السّموات والأرض.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} قال: آيات.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} قال: تفرّجت لإبراهيم السّموات السّبع، حتّى العرش، فنظر فيهنّ. وتفرّجت له الأرضون السّبع، فنظر فيهنّ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين}، قال: أقيم على صخرةٍ، وفتحت له السّموات، فنظر إلى ملك اللّه فيها حتّى نظر إلى مكانه في الجنّة، وفتحت له الأرضون حتّى نظر إلى أسفل الأرض، فذلك قوله: {وآتيناه أجره في الدّنيا} يقول: آتيناه مكانه في الجنّة. ويقال: أجره: الثّناء الحسن.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} قال: فرّجت له السّموات فنظر إلى ما فيهنّ حتّى انتهى بصره إلى العرش، وفرّجت له الأرضون السّبع، فنظر ما فيهنّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} قال: كشف له عن أديم السّموات والأرض حتّى نظر إليهنّ على صخرةٍ، والصّخرة على حوتٍ، والحوت على خاتم ربّ العزّة لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: لمّا رأى إبراهيم ملكوت السّموات والأرض، رأى عبدًا على فاحشةٍ، فدعا عليه فهلك، ثمّ رأى آخر على فاحشةٍ، فدعا عليه فهلك، ثمّ رأى آخر على فاحشةٍ، فدعا عليه فهلك، فقال: أنزلوا عبدي لا يهلك عبادي.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، قال: لمّا رفع اللّه إبراهيم في الملكوت في السّموات، أشرف فرأى عبدًا يزني،
فدعا عليه فهلك، ثمّ رفع فأشرف فرأى عبدًا يزني، فدعا عليه فهلك، ثمّ رفع فأشرف فرأى عبدًا يزني، فدعا عليه، فنودي: على رسلك يا إبراهيم، فإنّك عبدٌ مستجابٌ لك، وإنّي من عبدي على ثلاثٍ: إمّا أن يتوب إليّ فأتوب عليه، وإمّا أن أخرج منه ذرّيّةً طيبةً، وإمّا أن يتمادى فيما هو فيه، فأنا من ورائه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، ومحمّد بن جعفرٍ، وعبد الوهّاب، عن عوفٍ، عن أسامة، أنّ إبراهيم، خليل الرّحمن حدّث نفسه أنّه أرحم الخلق، وأنّ اللّه رفعه حتّى أشرف على أهل الأرض، فأبصر أعمالهم، فلمّا رآهم يعملون بالمعاصي قال: اللّهمّ دمّر عليهم، فقال له ربّه: أنا أرحم بعبادي منك، اهبط فلعلّهم أن يتوبوا إليّ ويرجعوا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك ما أخبر تعالى أنّه أراه من النّجوم والقمر والشّمس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض}، قال: الشّمس والقمر والنّجوم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} قال: الشّمس والقمر.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} يعني به: نريه الشّمس والقمر والنّجوم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: خبّئ إبراهيم عليه السّلام من جبّارٍ من الجبابرة، فجعل له رزقه في أصابعه، فإذا مصّ أصبعًا من أصابعه وجد فيها رزقًا. فلمّا خرج أراه اللّه ملكوت السّموات والأرض، فكان ملكوت السّموات: الشّمس والقمر والنّجوم، وملكوت الأرض: الجبال والشّجر والبحار.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه إبراهيم عليه السّلام فرّ به من جبّارٍ مترفٍ، فجعل في سربٍ، وجعل رزقه في أطرافه، فجعل لا يمصّ أصبعًا من أصابعه إلاّ وجد فيها رزقًا، فلمّا خرج من ذلك السّرب أراه اللّه ملكوت السّموات، فأراه شمسًا وقمرًا ونجومًا وسحابًا وخلقًا عظيمًا، وأراه ملكوت الأرض، فأراه جبالاً وبحورًا وأنهارًا وشجرًا ومن كلّ الدّوابّ، وخلقًا عظيمًا.
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب، قول من قال: عنى اللّه تعالى بقوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض} أنّه أراه ملك السّموات والأرض، وذلك ما خلق فيهما من الشّمس والقمر والنّجوم والشّجر والدّوابّ وغير ذلك من عظيم سلطانه فيهما، وجلّى له بواطن الأمور وظواهرها، لما ذكرنا قبل من معنى الملكوت في كلام العرب فيما مضى قبل.
وأمّا قوله: {وليكون من الموقنين} فإنّه يعني: أنّه أراه ملكوت السّموات والأرض ليكون ممّن يتوحّد بتوحيد اللّه، ويعلم حقّيّة ما هداه له وبصّره إيّاه من معرفة وحدانيّته وما عليه قومه من الضّلالة من عبادتهم واتّخاذهم آلهةً دون اللّه تعالى ذكره.
وكان ابن عبّاسٍ يقول في تأويل ذلك ما:
- حدّثني به، محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وليكون من الموقنين} أنّه جلّى له الأمر سرّه وعلانيته، فلم يخف عليه شيءٌ من أعمال الخلائق، فلمّا جعل يلعن أصحاب الذّنوب قال اللّه: إنّك لا تستطيع هذا، فردّه اللّه كما كان قبل ذلك.
فتأويل ذلك على هذا التّأويل: أريناه ملكوت السّموات والأرض، ليكون ممّن يوقن علم كلّ شيءٍ حسًّا لا خبرًا.
- حدّثني العبّاس بن الوليد، قال: أخبرني أبي قال: حدّثنا أبو جابرٍ، قال: وحدّثنا الأوزاعيّ، أيضًا قال: حدّثني خالد بن اللّجلاج، قال: سمعت عبد الرّحمن بن عيّاشٍ، يقول: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات غداةٍ، فقال له قائلٌ: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: وما لي وقد أتاني ربّي في أحسن صورةٍ فقال: ففيم يختصم الملأ الأعلى يا محمّد؟ قلت: أنت أعلم، فوضع يده بين كتفيّ، فعلمت ما في السّموات والأرض، ثمّ تلا هذه الآية: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين}).[جامع البيان: 9/ 347-354]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين (75) }
قوله: {وكذلك نري إبراهيم}.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا عامر بن إبراهيم، ثنا يعقوب القمّيّ، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عبّاسٍ قال: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض قال: كشف ما بين السّماء والأرض حتّى نظر إليهنّ على صخرةٍ، والصّخرة على حوتٍ، وهو الحوت الّذي منه طعام النّاس حتّى يقضى بينهم.
- حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي، ثنا روحٌ، ثنا عبد الجليل بن عطيّة قال: سمعت شهر بن حوشبٍ يقول: رفع إبراهيم إلى السّماء. قال اللّه: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين قال: فنظر أسفل منه، فرأى رجلا على فاحشةٍ، فدعا فخسف به، حتّى دعا على سبعةٍ كلّهم يخسف بهم، فنودي يا إبراهيم رفّه، عن عبادي، ثلاث مرارٍ، إنّي من عبدي بين ثلاثٍ، إمّا أن يتوب فأتوب عليه، وإمّا أن أستخرج من صلبه ذرّيّةً مؤمنةً، وإمّا أن يكفر فحسبه جهنّم.
قوله: {ملكوت السماوات والأرض}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله:{وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: يعني الشّمس والقمر والنّجوم. وروي، عن مجاهدٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ملكوت السماوات والأرض} يعني ملكوت السّموات والأرض: خلق السّموات والأرض.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عبد الملك بن عمرٍو، ثنا عمر يعني: ابن أبي زائدة، عن عكرمة في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: هو الملك، ولكنّه بكلام النّبطيّة ملكوتا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: تفرّجت لإبراهيم السّموات السّبع حتّى العرش فنظر فيهنّ، وتفرّجت إليه الأرضون السّبع فنظر فيهنّ.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: أقيم على صخرةٍ، وفتحت له أبواب السّموات، فنظر إلى ملك اللّه عزّ وجلّ فيها، وحتّى نظر إلى مكانه في الجنّة. وفتحت له الأرضون حتّى نظر إلى أسفل الأرض، فذلك قوله: آتيناه أجره في الدّنيا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}. قال: آياتٍ.
والوجه الرّابع:
- قال أبو محمّدٍ: وجدت في كتاب عتّاب بن أعين، أخرجه إليّ ابن ابنه، حدّثني سفيان الثّوريّ، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}، قال: الحقّ.
قوله تعالى: {والأرض}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق ، أنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}، فكان ملكوت السّموات: الشّمس والقمر والنّجوم، وملكوت الأرض: الجبال والشّجر والبحار.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن المتوكّل، ثنا عبد الله بن إبراهيم ابن كيسان الصّنعانيّ، حدّثني أبي، عن وهب بن منبه قال: لما أرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض سأل ربّه أي يريه جنّتي سبأٍ وغوطة دمشق.
قوله:{ وليكون من الموقنين}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وليكون من الموقنين، فإنّه جلّي له الأمر سرّه وعلانيته، فلم يخفف عليه شيءٌ من أعمال الخلائق، فلمّا جعل يلعن أصحاب الذّنوب قال اللّه: إنّك لا تستطيع هذا، فردّه اللّه كما كان قبل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1325-1327]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الملكوت الآيات). [تفسير مجاهد: 218]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: الشمس والقمر والنجوم.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}، قال: كشف ما بين السموات والأرض حتى نظر إليهن على صخرة والصخرة على حوت وهو الحوت الذي منه طعام الناس والحوت في سلسلة والسلسلة في خاتم العزة.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس: {ملكوت السماوات والأرض}، قال: ملك السموات والأرض قال: سلطانهما.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}، قال: إنما هو ملك السموات والأرض ولكنه بلسان النبطية ملكوثا.
- وأخرج آدم بن أبي اياس، وابن المنذر، وابن حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}، قال: آيات فرجت له السموات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: قام على صخرة ففرجت له السموات السبع حتى نظر إلى العرش وإلى منزله من الجنة ثم فرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون كذلك قوله: {وآتيناه أجره في الدنيا} [العنكبوت: 27].
- وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«رأيت ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد» قال:« قلت أنت أعلم أي رب، قال: فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي»، قال: «فعلمت ما في السموات والأرض» ثم تلا هذه الآية: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} «ثم قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى» قال: «قلت: في الدرجات والكفارات، قال: وما الكفارات قلت: نقل الأقدام إلى الجماعات والمجالس في المساجد خلاف الصلوات وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكروه فمن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكن من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه وأما الدرجات فبذل السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، قال: قل اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموهن فإنهن حق».
- وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أشرف على رجل على معصية من معاصي الله فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر على معصية من معاصي الله فدعا فهلك ثم أشرف على آخر فذهب يدعو عليه فأوحى الله إليه: أن يا إبراهيم أنك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي فإنهم مني على ثلاث، أما أن يتوب فأتوب عليه وإما أن أخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح وإما أن أقبضه إلي فإن شئت عفوت وإن شئت عاقبت».
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن عطاء قال: «لما رفع إبراهيم إلى ملكوت السموات أشرف على عبد يزني فدعا عليه فأهلك ثم رفع أيضا فأشرف على عبد يزني فدعا عليه فأهلك ثم رفع أيضا فأشرف على عبد يزني فأراد أن يدعو عليه فقال له ربه: على رسلك يا إبراهيم فإنك عبد مستجاب لك وإني من عبدي على إحدى ثلاث خلال، إما أن يتوب إلي فأتوب عليه وإما أن أخرج منه ذرية طيبة وإما أن يتمادى فيما هو فيه فأنا من ورائه»
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: رفع إبراهيم إلى السماء فنظر أسفل منه فرأى رجلا على فاحشة فدعا فخسف به حتى دعا على سبعة كلهم يخسف به فنودي يا إبراهيم رفه عن عبادي ثلاث مرار إني من عبدي بين ثلاث إما أن يتوب فأتوب عليه وإما أن استخرج من صلبه ذرية مؤمنة وإما أن يكفر فحسبه جهنم.
- وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:« لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر عبدا على خطيئة فدعا عليه ثم أبصر عبدا على خطيئة فدعا عليه فأوحى الله إليه: يا إبرهيم إنك عبد مستجاب الدعوة فلا تدع على أحد فإني من عبدي على ثلاث إما أن أخرج من صلبه ذرية تعبدني وإما أن يتوب في آخر عمره فأتوب عليه وإما أن يتولى فإن جهنم من ورائه».
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر وأبو الشيخ عن سلمان الفارسي قال: لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض رأى رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فأوحى الله إليه: أن يا إبراهيم مهلا فإنك رجل مستجاب لك وإني من عبدي على ثلاث خصال، إما أن يتوب قبل الموت فأتوب عليه وإما أن أخرج من صلبه ذرية يذكروني وإما أن يتولى فجهنم من ورائه.
- وأخرج البيهقي في الشعب عن عطاء قال: لما رفع إبراهيم في ملكوت السموات رأى رجلا يزني فدعا عليه فهلك ثم رفع فرأى رجلا يزني فدعا عله فهلك ثم رفع فرأى رجلا يزني فدعا عليه فهلك ثم رأى رجلا يزني فدعا عليه فهلك، فقيل: على رسلك يا إبراهيم إنك عبد يستجاب لك وإني من عبدي على ثلاث إما أن يتوب إلي فأتوب عليه وإما أن أخرج منه ذرية طيبة تعبدني وإما أن يتمادى فيما هو فيه فإن جهنم من ورائه.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} قال: يعني خلق السموات والأرض {وليكون من الموقنين} فإنه جلا له الأمر سره وعلانيته فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله: إنك لا تستطيع هذا فرده الله كما كان قبل ذلك). [الدر المنثور: 6/ 103-109]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ:
{ثمّ لم تكن فتنتهم}[الأنعام: 23] : «معذرتهم»، {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث } [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا}[الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا}[القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون}[الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ} [فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ» {ملكوتٌ} [الأنعام: 75] : " ملكٌ، مثل: رهبوتٍ خيرٌ من رحموتٍ، ويقول: ترهب خيرٌ من أن ترحم، {وإن تعدل} [الأنعام: 70] : «تقسط، لا يقبل منها في ذلك اليوم» ، {جنّ} [الأنعام: 76] : «أظلم»). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: جنّ أظلم، قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{ فلمّا جنّ عليه اللّيل}، أي: غطّى عليه وأظلم وما جنّك من شيءٍ فهو جنانٌ لك أي غطاءٌ). [فتح الباري: 8/ 289]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (جنّ أظلم
أشار به إلى قوله تعالى: {فلمّا جن عليه اللّيل} وفسره بقوله: أظلم، وعن أبي عبيدة أي: غطى عليه وأظلم، وهذا في قصّة إبراهيم، عليه السّلام). [عمدة القاري: 18/ 222]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {فلما} ({جن}) {عليه الليل} أي (أظلم) ).[إرشاد الساري: 7/ 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا واراه اللّيل وجنّه.
يقال منه: جنّ عليه اللّيل، وجنّه اللّيل، وأجنّه، وأجنّ عليه، وإذا ألقيت (على) كان الكلام بالألف أفصح منه بغير الألف، (أجنّه اللّيل) أفصح من (أجنّ عليه)، و(جنّ عليه اللّيل) أفصح من (جنّه)، وكلّ ذلك مقبولٌ مسموعٌ من العرب، وجنّه اللّيل في أسدٍ، وأجنّه وجنّه في تميمٍ، والمصدر من جنّ عليه جنًّا وجنونًا وجنانًا، ومن أجنّ إجنانًا، ويقال: أتى فلانٌ في جنّ اللّيل، والجنّ من ذلك، لأنّهم استجنّوا عن أعين بني آدم فلا يرون، وكلّ ما توارى عن أبصار النّاس فإنّ العرب تقول فيه: قد جنّ، ومنه قول الهذليّ:
وماءٍ وردت قبيل الكرى ....... وقد جنّه السّدف الأدهم
وقال عبيدٌ:
وخرقٍ تصيح البوم فيه مع الصّدى ....... مخوفٍ إذا ما جنّه اللّيل مرهوب
ومنه: أجننت الميّت: إذا واريته في اللّحد، وجننته. وهو نظير جنون اللّيل في معنى: غطّيته. ومنه قيل للتّرس: مجنٌّ، لأنّه يجنّ من استجنّ به فيغطّيه ويواريه.
وقوله: {رأى كوكبًا} يقول: أبصر كوكبًا حين طلع، {قال هذا ربّي}.
فروي عن ابن عبّاسٍ في ذلك ما:
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين}: يعني به: الشّمس والقمر والنّجوم. {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبًا قال هذا ربّي} فعبده حتّى غاب، فلمّا غاب قال: لا أحبّ الآفلين، فلمّا رأى القمر بازغًا قال: هذا ربّي، فعبده حتّى غاب، فلمّا غاب قال: لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين. فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال: هذا ربّي، هذا أكبر فعبدها حتّى غابت، فلمّا غابت قال: يا قوم، إنّي بريءٌ ممّا تشركون.
- حدّثني بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}: علم أنّ ربّه دائمٌ لا يزول، فقرأ حتّى بلغ: {هذا ربّي هذا أكبر}: رأى خلقًا هو أكبر من الخلقين الأوّلين وأنور.
وكان سبب قيل إبراهيم ذلك ما:
- حدّثني به محمّد بن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، فيما ذكر لنا، واللّه أعلم، أنّ آزر كان رجلاً من أهل كوثى من قريةٍ بالسّواد سواد الكوفة، وكان إذ ذاك ملك المشرق لنمرود بن كنعان، فلمّا أراد اللّه أن يبعث إبراهيم حجّةً على قومه ورسولاً إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوحٍ وإبراهيم نبيّ إلاّ هودٌ وصالحٌ، فلمّا تقارب زمان إبراهيم الّذي أراد اللّه ما أراد، أتى أصحاب النّجوم نمرود فقالوا له: تعلم أنّا نجد في علمنا أنّ غلامًا يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلمّا دخلت السّنة الّتي وصف أصحاب النّجوم لنمرود، بعث نمرود إلى كلّ امرأةٍ حبلى بقريته، فحبسها عنده، إلاّ ما كان من أمّ إبراهيم امرأة آزر، فإنّه لم يعلم بحبلها، وذلك أنّها كانت امرأةً حدثةً، فيما يذكر، لم يعرف الحبل في بطنها. ولمّا أراد اللّه أن يبلغ بولدها أراد أن يقتل كلّ غلامٍ ولد في ذلك الشّهر من تلك السّنة حذرًا على ملكه، فجعل لا تلد امرأةٌ غلامًا في ذلك الشّهر من تلك السّنة إلاّ أمر به فذبح، فلمّا وجدت أمّ إبراهيم الطّلق خرجت ليلاً إلى مغارةٍ كانت قريبًا منها، فولدت فيها إبراهيم، وأصلحت من شأنه ما يصنع مع المولود، ثمّ سدّت عليه المغارة، ثمّ رجعت إلى بيتها، ثمّ كانت تطالعه في المغارة، فتنظر ما فعل، فتجده حيًّا يمصّ إبهامه، يزعمون، واللّه أعلم، أنّ اللّه جعل رزق إبراهيم فيها، وما يجيئه من مصّه. وكان آزر فيما يزعمون سأل أمّ إبراهيم عن حملها ما فعل؟ فقالت: ولدت غلامًا فمات، فصدّقها فسكت عنها.
وكان اليوم فيما يذكرون على إبراهيم في الشّباب كالشّهر، والشّهر كالسّنة، فلم يلبث إبراهيم في المغارة إلاّ خمسة عشر شهرًا، حتّى قال لأمّه: أخرجيني أنظر، فأخرجته عشاءً، فنظر وتفكّر في خلق السّموات والأرض وقال: إنّ الّذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربّي، ما لي إلهٌ غيره، ثمّ نظر في السّماء فرأى كوكبًا قال: هذا ربّي، ثمّ أتبعه ينظر إليه ببصره، حتّى غاب، فلمّا أفل قال: لا أحبّ الآفلين، ثمّ طلع القمر فرآه بازغًا قال: هذا ربّي، ثمّ أتبعه بصره حتّى غاب، فلمّا أفل قال: لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين، فلمّا دخل عليه النّهار وطلعت الشّمس، أعظم الشّمس، ورأى شيئًا هو أعظم نورًا من كلّ شيءٍ رآه قبل ذلك، فقال: هذا ربّي، هذا أكبر، فلمّا أفلت قال: يا قوم، إنّي بريءٌ ممّا تشركون، إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين. ثمّ رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربّه، وبرئ من دين قومه، إلاّ أنّه لم يبادئهم بذلك. وأخبر أنّه ابنه، وأخبرته أمّ إبراهيم أنّه ابنه، وأخبرته بما كانت صنعت من شأنه، فسّر بذلك آزر وفرح فرحًا شديدًا. وكان آزر يصنع أصنام قومه الّتي يعبدونها، ثمّ يعطيها إبراهيم يبيعها، فيذهب بها إبراهيم، فيما يذكرون، فيقول: من يشتري ما يضرّه ولا ينفعه؟ فلا يشتريها منه أحدٌ، وإذا بارت عليه، ذهب بها إلى نهرٍ فضرب فيه رءوسها، وقال: اشربي، استهزاءً بقومه وما هم عليه من الضّلالة، حتّى فشا عيبه إيّاها واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته، من غير أن يكون ذلك بلغ نمرود الملك.
وأنكر قومٌ من غير أهل الرّواية هذا القول الّذي روي عن ابن عبّاسٍ، وعمّن روي عنه، من أنّ إبراهيم قال للكوكب أو للقمر: هذا ربّي، وقالوا: غير جائزٍ أن يكون للّه نبيّ ابتعثه بالرّسالة أتى عليه وقتٌ من الأوقات وهو بالغٌ إلاّ وهو للّه موحّدٌ وبه عارفٌ، ومن كلّ ما يعبد من دونه بريءٌ. قالوا: ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الأوقات وهو به كافرٌ لم يجز أن يختصّه بالرّسالة، لأنّه لا معنى فيه إلاّ وفي غيره من أهل الكفر به مثله، وليس بين اللّه وبين أحدٍ من خلقه مناسبةٌ فيحابيه باختصاصه بالكرامة. قالوا: وإنّما أكرم من أكرم منهم لفضله في نفسه، فأثابه لاستحقاقه الثّواب بما أثابه من الكرامة. وزعموا أنّ خبر اللّه عن قيل إبراهيم عند رؤيته الكوكب أو القمر أو الشّمس: (هذا ربّي)، لم يكن لجهله بأنّ ذلك غير جائزٍ أن يكون ربّه، وإنّما قال ذلك على وجه الإنكار منه أن يكون ذلك ربّه، وعلى العيب لقومه في عبادتهم الأصنام، إذ كان الكوكب والقمر والشّمس أضوأ وأحسن وأبهج من الأصنام، ولم تكن مع ذلك معبودةً، وكانت آفلةً زائلةً غير دائمةً، والأصنام الّتي دونها في الحسن، وأصغر منها في الجسم، أحقّ أن لا تكون معبودةً، ولا آلهةً. قالوا: وإنّما قال ذلك لهم معارضةً، كما يقول أحد المتناظرين لصاحبه معارضًا له في قول باطلٍ قال به بباطلٍ من القول على وجه مطالبته إيّاه بالفرقان بين القولين الفاسدين عنده اللّذين يصحّح خصمه أحدهما ويدّعي فساد الآخر.
وقال آخرون منهم: بل ذلك كان منه في حال طفوليّته وقبل قيام الحجّة عليه، وتلك حالٌ لا يكون فيها كفرٌ ولا إيمانٌ.
وقال آخرون منهم: وإنّما معنى الكلام: أهذا ربّي على وجه الإنكار والتّوبيخ، أي ليس هذا ربّي. وقالوا: قد تفعل العرب مثل ذلك، فتحذف الألف الّتي تدلّ على معنى الاستفهام. وزعموا أنّ من ذلك قول الشّاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ....... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
يعني: (أهم هم؟)، قالوا: ومن ذلك قول أوسٍ:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا ....... شعيث بن سهمٍ أم شعيث بن منقر
بمعنى: أشعيث بن سهمٍ؟ فحذف الألف. ونظائر ذلك. وأمّا تذكير (هذا) في قوله: {فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي}، فإنّما هو على معنى: هذا الشّيء الطّالع ربّي.
وفي خبر اللّه تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر: {لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين} الدّليل على خطأ هذه الأقوال الّتي قالها هؤلاء القوم. وأنّ الصّواب من القول في ذلك: الإقرار بخبر اللّه تعالى الّذي أخبر به عنه، والإعراض عمّا عداه.
وأمّا قوله: {فلمّا أفل} فإنّ معناه: فلمّا غاب وذهب.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: قال ابن إسحاق: الأفول: الذّهاب.
يقال منه: أفل النّجم يأفل ويأفل أفولاً وأفلاً: إذا غاب، ومنه قول ذي الرّمّة:
مصابيح ليست باللّواتي يقودها ....... نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالك
ويقال: أين أفلت عنّا؟ بمعنى: أين غبت عنّا؟). [جامع البيان: 9/ 345-361]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين (76)}
قوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة القنّاد، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ يعني قوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا} قال: وكان خروجه حين خرج من السّرب بعد غروب الشمس.
قوله: {رأى كوكبا}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبدة الضّبّيّ، ثنا حسين بن حسنٍ الأشقر، ثنا الصّبّاح بن يحيى، عن زيد بن عليٍّ في قوله: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا} قال: الزّهرة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا القعنبيّ، ثنا عليّ بن عابسٍ، عن السّدّيّ، في قول اللّه: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبًا} قال: هو المشترى.
قوله: {قال هذا ربّي}
- حدّثني أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {رأى كوكبًا قال هذا ربّي}، فعبده حتّى غاب.
قوله: {فلمّا أفل}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين، قال: فلمّا رفع رأسه إلى السّماء فإذا هو بالكوكب، وهو المشترى، ف قال: هذا ربّي، فلم يلبث أن غاب.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {فلمّا أفل}، قال: ذهب.
قوله: {قال لا أحبّ الآفلين}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: قال لا أحبّ الآفلين، قال: لا أحبّ ربًّا يغيب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {فلمّا أفل}، قال: لا أحبّ الآفلين، ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه إبراهيم -صلّى الله عليه وسلم- بعد ما أراه اللّه ملكوت السّموات رأى كوكبًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين علم أنّ ربّه دائمٌ لا يزول.
- حدّثنا أبي، ثنا سلمة بن بشيرٍ، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله: {لا أحبّ الآفلين}، قال: الزّائلين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1328-1329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا أن إبراهيم عليه السلام فر به من جبار مترف فجعل في سرب وجعل رزقه في أطرافه فجعل لا يمص أصبعا من أصابعه إلا جعل الله له فيها رزقا فلما خرج من ذلك السرب أراه الله ملكوت السموات والأرض وأراه شمسا وقمرا ونجوما وسحابا وخلقا عظيما وأراه ملكوت الأرض فرأى جبالا وبحورا وأنهارا وشجرا
ومن كل الدواب وخلقا عظيما {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا} ذكر لنا أن الكوكب الذي رأى الزهرة طلعت عشاء {قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين} علم أن ربه دائم لا يزول {فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي} رأى خلقا أكبر من الخلق الأول {فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر} أي أكبر خلقا من الخلقين الأولين وأبهى وأنور.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كان من شأن إبراهيم عليه السلام أن أول ملك ملك في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة، بن كنعان وسليمان بن داود وذو القرنين وبختنصر، مسلمين وكافرين وأنه طلع كوكب على نمرود ذهب بضوءالشمس والقمر ففزع من ذلك فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عن ذلك فقالوا: يخرج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك ملكك وكان مسكنه ببابل الكوفة فخرج من قريته إلى قرية أخرى.
- وأخرج الرجال وترك النساء وأمر أن لا يولد مولود ذكر إلا ذبحه فذبح أولادهم، ثم أنه بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عليها إلا آزر أبا إبراهيم فدعاه فأرسله فقال له: انظر لا تواقع أهلك، فقال له آزر أنا أضن بديني من ذلك فلما دخل القرية نظر إلى أهله فلم يملك نفسه أن وقع عليها ففر بها إلى قرية بين الكوفة والبصرة يقال لها ادر فجعلها في سرب فكان يتعهدها بالطعام وما يصلحها وإن الملك لما طال عليه الأمر قال: قول سحرة كذابين ارجعوا إلى بلدكم فرجعوا وولد إبراهيم فكان في كل يوم يمر به كأنه جمعة والجمعة كالشهر من سرعة شبابه ونسي الملك ذاك وكبر إبراهيم ولا يرى أن أحدا من الخلق غيره وغير أبيه وأمه فقال أبو إبراهيم لأصحابه: إن لي ابنا وقد خبأته فتخافون عليه الملك إن أنا جئت به قالوا: لا فائت به، فانطلق فأخرجه فلما خرج الغلام من السرب نظر إلى الدواب والبهائم والخلق فجعل يسأل أباه فيقول: ما هذا فيخبره عن البعير أنه بعير وعن البقرة أنها بقرة وعن الفرس أنها فرس وعن الشاة أنها شاة، فقال: ما لهؤلاء بد من أن يكون لهم رب، وكان خروجه حين خرج من السرب بعد غروب الشمس فرفع رأسه إلى السماء
فإذا هو بالكوكب وهو المشتري فقال: هذا ربي، فلم يلبث أن غاب قال: لا أحب ربا يغيب، قال ابن عباس: وخرج في آخر الشهر فلذلك لم ير القمر قبل الكوكب فلما كان آخر الليل رأى القمر بازغا قد طلع قال: هذا ربي، فلما أفل - يقول غاب {قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} فلما أصبح رأى الشمس بازغة {قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون} قال الله له: أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين، فجعل إبراهيم يدعو قومه وينذرهم وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطيها أولاده فيبيعونها وكان يعطيه فينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه فيرجع أخوته وقد باعوا أصنامهم ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي ثم دعا أباه فقال: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} [مريم: 42] ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هن في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي الآلهة وقالوا: إذا كان حين نرجع رجعنا وقد برحت الآلهة من طعامنا فأكلنا فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال: ألا تأكلون فلما لم تجبه قال: ما لكم لا تنطقون ثم إن إبراهيم أتى قومه فدعاهم فجعل يدعو قومه وينذرهم فحبسوه في بيت وجمعوا له الحطب حتى أن المرأة لتمرض فتقول: لئن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم حطبا فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب حتى إن كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها وحرها فعمدوا إليه فرفعوه إلى رأس البنيان فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا إبراهيم يحرق فيك، قال: أنا أعلم به فإن دعاكم فأغيثوه، وقال إبراهيم حين رفع رأسه إلى السماء: اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل، فقذفوه في النار فناداها فقال: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} [الأنبياء: 69] وكان جبريل هو الذي ناداها، فقال ابن عباس: لو لم يتبع بردا سلاما لمات إبراهيم من بردها ولم يبق يومئذ في الأرض نار إلا طفئت ظنت أنها هي تعنى فلما طفئت
النار نظروا إلى إبراهيم فإذا هو ورجل آخر معه ورأس إبراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق وذكر أن ذلك الرجل ملك الظل فأنزل الله نارا فانتفع بها بنو آدم وأخرجوا إبراهيم فأدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن السدي في قوله: {رأى كوكبا}
قال: هو المشتري وهو الذي يطلع نحو القبلة عند المغرب.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن علي في قوله: {رأى كوكبا} قال: الزهرة). [الدر المنثور: 6/ 109-113]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا رأى القمر بازغًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا طلع القمر فرآه إبراهيم طالعًا، وهو بزوغه، يقال منه: بزغت الشّمس تبزغ بزوغًا، إذا طلعت، وكذلك القمر. {قال هذا ربّي فلمّا أفل} يقول: فلمّا غاب {قال} إبراهيم: {لئن لم يهدني ربّي} ويوفّقني لإصابة الحقّ في توحيده {لأكوننّ من القوم الضّالّين} أي من القوم الّذين أخطئوا الحقّ في ذلك، فلم يصيبوا الهدى، وعبدوا غير اللّه.
وقد بيّنّا معنى الضّلال في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 9/ 361-362]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلمّا رأى القمر بازغًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين (77)}
قوله: {فلمّا رأى القمر بازغًا قال هذا ربّي}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلمّا رأى القمر بازغًا قال هذا ربّي}، قال: فعبده حتّى غاب.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال ابن عبّاسٍ: وخرج في آخر الشّهر، فلذلك لم ير القمر قبل الكوكب فلمّا كان آخر اللّيل رأى القمر، فلمّا رأى القمر بازغًا
قد طلع، قال هذا ربّي.
قوله: {فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي}.
- وبه، عن السّدّيّ: فلمّا أفل، يقول: غاب قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فلما أفل} أي ذهب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {لا أحب الآفلين} قال: الزائلين). [الدر المنثور: 6/ 113]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فلمّا رأى الشّمس بازغةً}: فلمّا رأى إبراهيم الشّمس طالعةً، {قال هذا} الطّالع {ربّي هذا أكبر} يعني: هذا أكبر من الكوكب والقمر، فحذف (ذلك) لدلالة الكلام عليه. {فلمّا أفلت} يقول: فلمّا غابت {قال} إبراهيم لقومه: {يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون} أي من عبادة الآلهة والأصنام ودعائه إلهًا مع اللّه تعالى).[جامع البيان: 9/ 362]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون (78)}
قوله: {فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر}، فعبدها حتّى غابت.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {فلمّا أصبح رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر}.
قوله: {هذا أكبر}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر}، ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا أراه اللّه ملكوت السّموات رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر أي خلقًا هو أكبر من الخليقتين الأوليين وأنور.
قوله: فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ يعني قوله: {فلمّا أفلت} فلمّا غابت قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون، قال اللّه له: أسلم. قال: أسلمت لربّ العالمين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1329-1330]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {فلما أفلت} قال: فلما زالت الشمس عن كبد السماء، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت كعب بن مالك الأنصاري وهو يرثي النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول:
فتغير القمر المنير لفقده ....... والشمس قد كسفت وكادت تأفل). [الدر المنثور: 6/ 113] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن خليله إبراهيم عليه السّلام، أنّه لمّا تبيّن له الحقّ وعرفه، شهد شهادة الحقّ، وأظهر خلاف قومه أهل الباطل وأهل الشّرك باللّه، ولم يأخذه في اللّه لومة لائمٍ، ولم يستوحش من قيل الحقّ والثّبات عليه، مع خلاف جميع قومه لقوله وإنكارهم إيّاه عليه، وقال لهم: يا قوم، إنّي بريءٌ ممّا تشركون مع اللّه الّذي خلقني وخلقكم في عبادته من آلهتكم وأصنامكم، إنّي وجّهت وجهي في عبادتي إلى الّذي خلق السّموات والأرض، الدّائم الّذي يبقى ولا يفنى، ويحيي ويميت، لا إلى الّذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يدوم، ولا يضرّ ولا ينفع.
ثمّ أخبرهم تعالى ذكره أنّ توجيهه وجهه لعبادته بإخلاص العبادة له والاستقامة في ذلك لربّه على ما يجب من التّوحيد، لا على الوجه الّذي يوجّه له وجهه من ليس بحنيفٍ، ولكنّه به مشركٌ، إذ كان توجيه الوجه لا على التّحنيف غير نافعٍ موجّهه بل ضارّه ومهلكه. {وما أنا من المشركين} يقول: ولست منكم أي لست ممّن يدين دينكم، ويتّبع ملّتكم أيّها المشركون.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك كان ابن زيدٍ يقول.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول قوم إبراهيم لإبراهيم: تركت عبادة هذه؟ فقال: {إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض}، فقالوا: ما جئت بشيءٍ ونحن نعبده ونتوجّهه، فقال: لا، {حنيفًا} قال: مخلصًا، لا أشركه كما تشركون). [جامع البيان: 9/ 362-363]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين (79)}
قوله: {إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السماوات والأرض}
- حدّثنا أبي، ثنا سريج بن يونس، ثنا محمّد بن يزيد، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {فطر السماوات}، قال: خلق السّموات.
قوله: {حنيفًا وما أنا من المشركين}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، حنيفًا، يقول: حاجًّا.
وروي، عن الحسن والضّحّاك وعطيّة والسّدّيّ، نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة وعيسى بن جعفرٍ، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ حنيفًا، قال: متّبعًا. وروي، عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، ثنا عثمان بن صالحٍ، ثنا ابن لهيعة، عن أبي صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، قال: حنيفًا، قال: الحنيف المستقيم. قال أبو صخرٍ، عن عيسى بن جارية: سمعه يقول: مثله.
الوجه الرّابع:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً أخبرني محمّد بن شعيبٍ أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه في قوله: حنيفا، فيقال: مخلصا.
والوجه الخامس:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: حنيفًا قال: الحنيفيّة شهادة أن لا إله إلا اللّه، يدخل فيها تحريم الأمّهات والبنات والعمّات والخالات وما حرّم اللّه تعالى والختان.
الوجه السّادس:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا أبو يحيى الحمّانيّ، عن أبي قتيبة البصريّ، هو نعيم بن ثابتٍ، عن أبي قلابة في قوله: حنيفًا، قال: الحنيف الّذي يؤمن بالرّسل كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1330-1331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {فلما أفلت} قال: فلما زالت الشمس عن كبد السماء، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت كعب بن مالك الأنصاري وهو يرثي النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول:
فتغير القمر المنير لفقده ....... والشمس قد كسفت وكادت تأفل
قال: أخبرني عن قوله عز وجل {حنيفا} قال: دينا مخلصا، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت حمزة بن عبد المطلب وهو يقول: حمدت الله حين هدى فؤادي إلى الإسلام والدين الحنيف قال: أيضا رجل من العرب يذكر بني عبد المطلب وفضلهم:
أقيموا لنادينا حنيفا فانتمو ....... لنا غاية قد نهتدي بالذوائب.
- وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله: {حنيفا} قال: مخلصا.
- وأخرج مسلم والنسائي، وابن مردويه عن عياض بن حمار المجاشعي أنه شهد خطبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسمعه يقول: إن الله أمرني أن أعلمكم ما جهلتم من دينكم مما علمني يومي هذا إن كل مال نحلته عبدا فهو له حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا.
- وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: وجهت
وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين). [الدر المنثور: 6/ 113-114]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 12:01 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر...}
يقال: آزر في موضع خفض ولا يجرى لأنه أعجميّ. وقد أجمع أهل النسب على أنه ابن تارح، فكأن آزر لقب له. وقد بلغني أن معنى (آزر) في كلامهم معوجّ، كأنه عابه بزيغه وبعوجه عن الحقّ. وقد قرأ بعضهم (لأبيه ازر) بالرفع على النداء (يا) وهو وجه حسن.
وقوله: {أتتّخذ أصناماً آلهةً} نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها، وكذلك الآلهة). [معاني القرآن: 1/ 340]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناماً آلهةً إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مّبينٍ}
وقال: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} فتح إذا جعلت {آزر} بدلاً من {أبيه} وقد قرئت رفعا على النداء كأنه قال "يا آزر". وقال الشاعر:
إنّ عليّ الله أن تبايعا = تقتل صبحاً أو تجيء طائعا
فأبدل "تقتل صبحاً" من "تبايع"). [معاني القرآن: 1/ 242-243]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {ازر أتتخذ أصناما} يرفع على النداء.
أبو عمرو والأعرج {آزر أتتخذ} يكون في موضع خفض على صفة الأب، ولا ينصرف لأنه أعجمي). [معاني القرآن لقطرب: 516]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {أصناما آلهة} فالصنم والوثن: الصورة من الإنسان في الحائط وغيره.
وأما التماثيل فالتمثال: حجر أو خشب، أو مما كان في صورة إنسان). [معاني القرآن لقطرب: 544]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قد ذكرته في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناما آلهة إنّي أراك وقومك في ضلال مبين}
{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}
بالنصب والضم، فمن قرأ بالضم فعلى النداء، المعنى يا آزر أتتّخذ أصناما. وليس بين النسّابين خلاف أن اسم أبي إبراهيم " تارح " والذي في القرآن يدل على أن: اسمه آزر، وقيل آزر عندهم ذمّ في لغتهم، كأنه: وإذ قال إبراهيم لأبيه يا مخطئ أتتخذ أصناما.
وإذا كان كذلك فالاختيار الرفع. وجائز أن يكون وصفا له، كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه المخطئ.
وقيل "آزر" اسم صنم، فإذا كان اسم صنم فموضعه نصب على إضمار الفعل، كأنه قال (وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلها؟) أتتخذ أصناما آلهة؟ ). [معاني القرآن: 2/ 265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة} فقرأ الحسن {آزر} بالرفع وفي حرف أبي (يا آزر) قال الحسن هو اسم أبيه وذهب الحسن إلى أنه نداء وقال سليمان التيمي معنى آزر يا أعوج وقيل كان لأبيه اسمان كان يقال له تارح وآزر وقيل "آزر" اسم صنم: والمعنى على هذا القول "أتتخذ آزر" أي: أتتخذ أصناما). [معاني القرآن: 2/ 448]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)}:

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ملكوت السّموات} أي: ملك السموات،
خرجت مخرج قولهم في المثل: رهبوت خيرٌ من رحموت، أي: رهبة خير من رحمة). [مجاز القرآن: 1/ 197-198]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {ملكوت السماوات} فهو الملك على البلدة وما فيها، والتاء زائدة كالطاغوت والجبروت؛ وقد ذكرنا هذا ومثله؛ والعرب تقول: له ملكوت اليمن، وملكوت العراق.
وكان ابن عباس يقول: {ملكوت كل شيء} خزائن كل شيء؛ والمعنى قريب بعضه من بعض.
وقال بعضهم: الرهبوت خير من الرحموت؛ أي ترهب خير من أن ترحم، والتاء زائدة كتاء ملكوت). [معاني القرآن لقطرب: 544]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ملكوت السموات والأرض}: ملك السموات وفي التفسير آيات السموات، ومثل للعرب " الرهبوت خير من الرحموت" يريد أن ترهب خير من أن ترحم). [غريب القرآن وتفسيره: 138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ملكوت السّماوات والأرض} ملكهما. زيدت فيه الواو والتاء وبني بناء جبروت ورهبوت). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين}
أي ومثل ما وصفنا من قصة إبراهيم من قوله لأبيه ما قال نريه ملكوت السّماوات والأرض، أي القدرة التي تقوى بها دلالته على توحيد اللّه جلّ وعزّ.
وتقول في الكلام لمن فعل بك خيرا أو شرا كذلك أجزيك.
ومعنى قوله: {وليكون من الموقنين} أي نريه ملكوت السّماوات والأرض لما فعل، وليثبت على اليقين.
والملكوت بمنزلة الملك، إلا أن الملكوت أبلغ في اللغة من الملك، لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة، ومثل الملكوت الرغبوت، والرهبوت.
ووزنه من الفعل فعلوت وفي المثل رهبوتي خير من رغبوتي، وهذا كقولهم، أو فرقا خيرا من حبّ، ومن روى رهبوتي خير من رحموتي فمعنى صحيح. يحقق من اللسان أن تكون له هيبة ترهب بها خير من أن يرحم). [معاني القرآن: 2/ 265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} ملكوت في اللغة بمعنى ملك إلا أن فيه معنى المبالغة وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الآيات وروى ابن جريج عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال فرجت له السموات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش وفرجت له الأرضون فنظر إليهن). [معاني القرآن: 2/ 449]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَلَكُوتَ}: ملك). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل...}
يقال: جنّ عليه الليل، وأجنّ، وأجنّه الليل وجنّه الليل؛ وبالألف أجود إذا ألقيت (على) وهي أكثر من جنّه الليل.
يقال في قوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً قال هذا ربّي} قولان: إنما قال: هذا ربّي استدراجا للحجّة على قومه ليعيب آلهتهم أنها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة؛ ويقال: إنه قاله على الوجه الآخر؛ كما قال الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {ألم يجدك يتيماً فآوى. ووجدك ضالاّ فهدى}
واحتجوا ها هنا بقول إبراهيم: {لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين}). [معاني القرآن: 1/ 341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فلمّا جنّ عليه اللّيل} أي: غطّى عليه وأظلم عليه، ومصدره، جنّ الليل جنوناً، قال دريد بن الصّمًّة:
ولولا جنون الليل أدرك ركضنا ....... بذي الرّمث والأرطي عياض بن ناشب
وبعضهم ينشده: ولولا جنان الليل، أي غطاؤه وسواده، وما جنّك من شيء فهو جنان لك، وقال سلامة بن جندل:
ولولا جنان الليل ما آب عامرٌ ....... إلى جعفرٍ سرباله لم يمزّق
قال ابن أحمر يخاطب ناقته:
جنان المسلمين أودّ مسّا ....... وإن جاورت أسلم أو غفارا
أي: سوادهم، يقول: دخولك في المسلمين أودّ لك {فلمّا أفل} أي غاب؛ يقال: أين أفلت عنا، أي أين غبت عنا، وهو يأفل مكسورة الفاء، والمصدر: أفل أفولاً كقوله:
وإذا ما الثّريّا أحسّت أفولا
أي: غيبوبة. قال ذو الرّمّة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها ....... نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالك
{لا أحبّ الآفلين} أي من الأشياء، ولم يقصد قصد الشمس والقمر والنجوم فيجمعها على جميع الموات). [مجاز القرآن: 1/ 198-200]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}
وقال: {فلمّا جنّ عليه اللّيل} وقال بعضهم {أجنّ}. وقال الشاعر:
فلمّا أجنّ اللّيل بتنا كأنّنا ....... على كثرة الأعداء محترسان
وقال:
* أجنّك اللّيل ولمّا تشتف *
فجعل "الجنّ" مصدرا لـ"جنّ". وقد يستقيم أن يكون "أجنّ" ويكون ذا مصدره كما قال "العطاء" و"الإعطاء".
وأما قوله: {أكننتم في أنفسكم} فإنهم يقولون في مفعولها: "مكنونٌ" ويقول بعضهم "مكنّ" وتقول: "كننت الجارية" إذا صنتها و"كننتها من الشّمس" و"أكننتها من الشّمس" أيضاً. ويقولون "هي مكنونة" و"مكنّةٌ" وقال الشاعر:
قد كنت أعطيهم مالي وأمنحهم ....... عرضي وعندهم في الصّدر مكنون
لأنّ قيساً تقول: "كننت العلم" فهو "مكنون". وتقول بنو تميم "أكننت العلم" فـ"هو مكنّ"، و"كننت الجارية فـ"هي مكنونةٌ". وفي كتاب الله عز وجل: {أو أكننتم في أنفسكم} وقال: {كأنّهنّ بيضٌ مّكنونٌ} وقال الشاعر:
قد كنّ يكننّ الوجوه تستّراً ....... فاليوم حين بدون للنّظّار
وقيس تنشد "قدكن يكننّ".
وقال: {فلمّا أفل} فهو من "يأفل" "أفولاً"). [معاني القرآن: 1/ 243]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {فلما جن عليه الليل} قالوا: جن عليه الليل، وجنه الليل؛ ولغة بني أسد بغير ألف؛ وأجنه لغة تميم؛ والمصدر جن عليه الليل جنا، وجنونا وجنانا؛ وقالوا: أتانا فلان في جن الليل؛ أي ظلمته وما يجن؛ وكأن الجن من ذلك لأنهم لا يرون، فقد أجنوا: ستروا.
وقال الهذلي على جن:
وماء وردت قبيل الكرى = وقد جنه السدف الأدهم
بغير ألف؛ يعني جنه.
[معاني القرآن لقطرب: 544]
وقال عبيد:
وخرق يصبح البوم يدعوا به الصدى مخوف إذا ما جنه الليل مرهوب). [معاني القرآن لقطرب: 545]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جن عليه الليل}: أظلم.
{فلما أفل}: غاب يقال أين أفلت أي أين غبت). [غريب القرآن وتفسيره: 138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جنّ عليه اللّيل}: أظلم. يقال: جنّ جنانا وجنونا، وأجنّة الليل إجنانا). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
كان العصر الذي بعث الله، عز وجل، فيه إبراهيم، صلّى الله عليه وسلم، عصر نجوم وكهانة، وإنما أمر نمروذ بقتل الولدان في السنة التي ولد فيها إبراهيم، صلّى الله عليه وسلم، لأن المنجمين والكهّان قالوا: إنه يولد في تلك السنة من يدعو إلى غير دينه، ويرغب عن سنّته.
وكان القوم يعظّمون النجوم، ويقضون بها على غائب الأمور، ولذلك نظر إبراهيم نظرة في النجوم فقال: {إِنِّي سَقِيمٌ}وكان القوم يريدون الخروج إلى مجمع لهم، فأرادوه على أن يغدو معهم، وأراد كيد أصنامهم خلاف مخرجهم، فنظر نظرة في النجوم، يريد علم النجوم، أي في مقياس من مقاييسها، أو سبب من أسبابها، ولم ينظر إلى النجوم أنفسها.
يدلك على ذلك قوله: { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} ولم يقل: إلى النجوم. وهذا كما يقال: فلان ينظر في النجوم، إذا كان يعرف حسابها، وفلان ينظر في الفقه والحساب والنحو.
وإنما أراد بالنظر فيها: أن يوهمهم أنه يعلم منها ما يعلمون، ويتعرف في الأمور من حيث يتعرفون، وذلك أبلغ في المحال، وألطف في المكيدة {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} أي سأسقم فلا أقدر على الغدوّ معكم. هذا الذي أوهمهم بمعاريض الكلام، ونيّته أنه سقيم غدا لا محالة، لأن من كانت غايته الموت ومصيره إلى الفناء- فسيسقم. ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ولم يكن النبي، صلّى الله عليه وسلم، ميّتا في ذلك الوقت، وإنما أراد: أنك ستموت وسيموتون.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى} الزّهرة {قَالَ هَذَا رَبِّي} يريد: أن يستدرجهم بهذا القول، ويعرّفهم خطأهم، وجهلهم في تعظيمهم شأن النجوم، وقضائهم على الأمور بدلالتها. فأراهم أنه معظّم ما عظّموا، وملتمس الهدى من حيث التمسوا. وكلّ من تابعك على هواك وشابعك على أمرك، كنت به أوثق، وإليه أسكن وأركن. فأنسوا واطمأنوا.
فلمّا أفل أراهم النقص الداخل على النجم بالأفول، لأنه ليس ينبغي لإله أن يزول ولا أن يغيب، فقال لا أحبّ الآفلين واعتبر مثل ذلك في الشمس والقمر، حتى تبين للقوم ما أراد، من غير جهة العناد والمبادأة بالتّنقص والعيب.
ثم قال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} وما فيها من نجم وقمر وشمس والأرض وما فيها من بحر وجبل وحجر وصنم {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ومثل هذا: الحواريّ حين ورد على قوم يعبدون (بدّا) لهم فأظهر تعظيمه وترفيله، وأراهم الاجتهاد في دينهم، فأكرموه وفضّلوه وائتمنوه، وصدروا في كثير من الأمور عن رأيه. إلى أن دهمهم عدوّ لهم خافه الملك على مملكته، فشاور الحواريّ في أمره، فقال: الرأي أن ندعو إلهنا- يعني البدّ- حتى يكشف ما قد أظلّنا، فإنا لمثل هذا اليوم كنّا نرشّحه. فاستكفّوا حوله يتضرّعون إليه ويجأرون، وأمر عدوّهم يستفحل، وشوكته تشتد يوما بعد يوم. فلما تبين لهم من هذه الجهة أن (بدّهم) لا ينفع ولا يدفع، ولا يبصر ولا يسمع، قال: هاهنا إله آخر، أدعوه فيستجيب، وأستجيره فيجير، فهلموا فلندعه. فدعوا الله جميعا فصرف عنهم ما كانوا يحاذرون، وأسلموا.
ومن الناس من يذهب إلى أن إبراهيم صلّى الله عليه وسلم، كان في تلك الحال على ضلال وحيرة.
وكيف يتوهّم ذلك على من عصمه الله وطهّره في مستقرّه ومستودعه؟
والله سبحانه يقول: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: لم يشرك به قط، كذلك قال المفسرون، أو من قال منهم.
ويقول في صدر الآية: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ثم قال على أثر ذلك: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}.
فروي: أنه رأى في الملكوت عبدا على فاحشة فدعا الله عليه، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا الله عليه، فقال له الله: (يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي، فإن عبدي بين خلال ثلاث: إما أن أخرج منه ذرّية طيّبة، أو يتوب فأغفر له، أو النار من ورائه).
أفترى الله أراه الملكوت ليوقن، فلما أيقن رأى كوكبا فقال: هذا ربي على الحقيقة والاعتقاد؟!). [تأويل مشكل القرآن: 335-338]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين}
يقال جنّ عليه الليل وأجنّه الليل إذا أظلم حتى يستتر بظلمته ويقال لكل ما ستر قد جنّ، وقد أجن، ويقال جنّه الليل، ولكن الاختيار جنّ عليه الليل وأجنّه الليل.
وقيل إنّ قوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فلما بلغ إبراهيم المبلغ الذي يجب معه النظر، وتجب به على العبد الحجة، نظر في الأشياء التي كان يعبدها قومه فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه، قال لهم هذا ربّي أي في زعمكم، كما قال الله جلّ وعزّ: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} فأضافهم إلى نفسه حكاية لقولهم.
{فلمّا أفل} أي فلما غاب، يقال أفل النجم يأفل وبأفل أفولا، إذا غاب:
{قال لا أحبّ الآفلين} أي لا أحب من كانت حالته أن يطلع ويسير على هيئة يتبين معها أنه محدث منتقل من مكان إلى مكان، كما يفعل سائر الأشياء التي أجمعتم معي على أنها ليست بآلهة، أي لا أتخذ ما هذه حاله إلها، كما أنكم لا تتخذون كل ما جرى مجرى هذا من سائر الأشياء آلهة، ليس أنه جعل الحجة عليهم أنّ ما غاب ليس بإله، لأن السماء والأرض ظاهرتان غير غائبتين وليس يدعى فيهما هذه الدعوى.
وإنما أراد التبيين لهم القريب، لأن غيبوبته أقرب ما الناظرون به فيما يظهر لهم، كما قال: (فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب.
وقد قيل إنه قال هذا وهو ينظر لنفسه، فكأنه على هذا القول بمنزلة قوله: - {ووجدك ضالّا فهدى}
وإبراهيم قد أنبأ اللّه - عز وجل - عنه بقوله {إذ جاء ربّه بقلب سليم}، فلا شك أنه سليم من أن يكون الشك دخله في أمر اللّه. واللّه أعلم.
وجائز أن يكون على إضمار القول، كأنه قال: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي}، كأنه قال: تقولون هذا ربي، أي أنتم تقولون هذا ربي، كما قال جلّ وعزّ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا}
المعنى يقولان تقبل منا. واللّه أعلم بحقيقة هذا.
والذي عندي في هذا القول أنه قال لهم: تقولون هذا ربي، أي هذا يدبرني، لأنه فيما يروى أنهم كانوا أصحاب نجوم، فاحتج عليهم بأن الذي تزعمون أنه مدبّر إنما يرى فيه أثر مدبّر لا غير). [معاني القرآن: 2/ 266-267]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {فلما جن عليه الليل}
(جن عليه) و(أجنة): إذا ستره بظلمته). [معاني القرآن: 2/ 449]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {رأى كوكبا}
قال قتادة كنا نحدث أنه الزهرة قال السدي هو المشتري). [معاني القرآن: 2/ 449-450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {هذا ربي} في هذا أجوبة قال قطرب يجوز أن يكون على الاستفهام وهذا خطأ لأن الاستفهام لا يكون إلا بحرف أو يكون في الكلام أم وقال بعض أهل النظر إنما قال لهم هذا من قبل أن يوحى إليه واستشهد صاحب هذا القول بقوله تعالى: {لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} قال أبو إسحاق هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله
وقد أخبر الله جل وعز عن إبراهيم أنه قال: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} وقال جل وعز: {بقلب سليم} أي لم يشرك قط قال والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ونظير هذا قول الله جل وعز: {أين شركائي} وهو جل وعز لا شريك له والمعنى أين شركائي على قولكم ويجوز أن يكون المعنى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا يقولون هذا ربي ثم حذف القول كما قال جل وعز: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} فحذف القول). [معاني القرآن: 2/450-451]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما أفل} قال قتادة أي ذهب قال الكسائي: يقال أفل النجم أفولا إذا غاب). [معاني القرآن: 2/ 452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَلَمَّا جَنّ َعَلَيْهِ اللَّيْلُ} أي أظلم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَنَّ}: غطى
{أَفَلَ}: غاب). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}:

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فلمّا رأى القمر بازغاً} أي طالعاً). [مجاز القرآن: 1/ 200]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أما قوله عز وجل {فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي} ثم قال {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا هربي} ولم يقل هذه، وهي أنثى؛ وإنما قال: هذا على التذكير؛ لأنه أغلب على الكلام من التأنيث.
[زيادة محمد بن صالح]:
فلما لم يعرفه مذكرًا ولا مؤنثًا حمله على التذكير؛ كأنه قال: هذا الشيء، أو هذا الذي أرى ربي؛ لأن الشيء يقع على المذكر والمؤنث؛ ولأن المذكر هو الأول، ثم يدخل عليه التأنيث، مثل ضارب وضاربة، وقائم وقائمة؛ الهاء زائدة داخلة على الاسم المذكر.
ودليل آخر على غلبة المذكر على المؤنث: أنك لو سمعت صوتًا أو رأيت شرا لا تدري أمن الرجال أم نساء، كنت قائلاً: ما أنكر أصواتهم، وأفظع ما بينهم! على التذكير، أو كان ذلك من واحد لا تدري أذكر أم أنثى لقلت: ما أنكر صوت هذا وأشد صياحه!؛ ولم تقل: صوتها ولا صياحها؛ ولعله من أنثى.
فلما لم يعرفه إبراهيم لا مذكرًا ولا مؤنثًا، حمله على التذكير لما ذكرنا؛ كأنه قال: هذا الشيء ربي، وهذا الذي أرى ربي؛ لأن الشيء يقع على المذكر والمؤنث). [معاني القرآن لقطرب: 556] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بازغا}: طالعا). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({بازغاً} طالعا يقال: بزغت الشمس تبزغ {أفلت} غابت). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما رأى القمر بازغا}
يقال بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع). [معاني القرآن: 2/ 452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَازِغًا} أي طالعاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَازِغًا}: طالعاً). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)}:

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلماّ رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ مّمّا تشركون}
وأما قوله للشمس {هذا ربّي} فقد يجوز على "هذا الشيء الطالع ربّي".
أو على أنّه ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم قال لهم {هذا ربّي}. وإنما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا إذا هو زال أنه لا ينبغي أن يكون مثله آلها، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء. وقال الشاعر:
مكثت حولاً ثمّ جئت قاشراً ....... لا حملت منك كراعٌ حافرا).
[معاني القرآن: 1/ 244]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {فلما أفلت}، وقوله {فلما أفل} قالوا: أفل يأفل، ويأفل أفولا؛ غاب.
وقال ذو الرمة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها = نجوم ولا بالآفلات الدوالك
أي ولا بالغوائب). [معاني القرآن لقطرب: 545]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أما قوله عز وجل {فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي} ثم قال {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا هربي} ولم يقل هذه، وهي أنثى؛ وإنما قال: هذا على التذكير؛ لأنه أغلب على الكلام من التأنيث.
[زيادة محمد بن صالح]:
فلما لم يعرفه مذكرًا ولا مؤنثًا حمله على التذكير؛ كأنه قال: هذا الشيء، أو هذا الذي أرى ربي؛ لأن الشيء يقع على المذكر والمؤنث؛ ولأن المذكر هو الأول، ثم يدخل عليه التأنيث، مثل ضارب وضاربة، وقائم وقائمة؛ الهاء زائدة داخلة على الاسم المذكر.
ودليل آخر على غلبة المذكر على المؤنث: أنك لو سمعت صوتًا أو رأيت شرا لا تدري أمن الرجال أم نساء، كنت قائلاً: ما أنكر أصواتهم، وأفظع ما بينهم! على التذكير، أو كان ذلك من واحد لا تدري أذكر أم أنثى لقلت: ما أنكر صوت هذا وأشد صياحه!؛ ولم تقل: صوتها ولا صياحها؛ ولعله من أنثى.
فلما لم يعرفه إبراهيم لا مذكرًا ولا مؤنثًا، حمله على التذكير لما ذكرنا؛ كأنه قال: هذا الشيء ربي، وهذا الذي أرى ربي؛ لأن الشيء يقع على المذكر والمؤنث). [معاني القرآن لقطرب: 556] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} أي لم يخلطوه بشرك. ومنه قول لقمان: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ} ).[تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا رأى الشّمس بازغة قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريء ممّا تشركون}
{فلمّا رأى الشّمس بازغة}..{فلمّا رأى القمر بازغا}.
يقال قد بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع، وكذلك الشمس.
والحجة في الشمس والقمر كالحجة في الكوكب.
واحتج الذين قالوا إنّه قال {هذا ربّي} على وجه الظن والتفكر بقوله: {لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين}.
وهذا لا يوجب ذلك. لأن الأنبياء تسأل اللّه أن يثبتها على الهدى وتعلم أنه لولا هداية اللّه ما اهتدت.
وإبراهيم يقول: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}). [معاني القرآن: 2/ 267-268]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَفَلَتْ} غابت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}:

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}
{إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا}
أي مائلا إلى الإسلام ميلا لا رجوع معه، والحنف أن يكون في القدم ميل، وهو أن تميل إبهام القدم إلى إبهام القدم، فتقبل هذه القدم على هذه القدم، ويكون ذلك خلقة. والحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت فيه.
ومعنى {وجّهت وجهي} أي جعلت قصدي بعبادتي توحيدي اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 2/ 268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا} فطر خلق والحنيف المائل إلى الإسلام كل الميل). [معاني القرآن: 2/ 452]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 11:42 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) }


تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) }

قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال للرجل الخداع الكذاب هذا رجل خلاب وهذا رجل خلبوت وأنشد:
(وشر الرجال الخالب الخلبوت)
ومثل هذه اللفظة الجبروت من التجبر والملكوت من الملك). [إصلاح المنطق: 419]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ويقال: جُنَّ الليل، وأجَنَّ، وغسا، وأغسى، غسوا وإغساء، وأغسق، وأظلم، وألبس. وبعضهم يقول: جّنَّ الليل جَنَانا). [الأيام والليالي: 67]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول جن عليه الليل بإسقاط الألف مع الصفة وقد أجنه الليل إجنانا وجنه يجنه جنونا لغة ويروى بيت دريد بن الصمة:

(ولولا جنان الليل أدرك ركضنا ....... بذي الرمث والأرطى عياض بن ناشب)
ويروى ولولا جنون الليل أي ما ستر من ظلمته). [إصلاح المنطق: 295]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
ولما أجن الليل نقبا ولم أخف ....... على أثر منى ولا عين ناظر

أجن: ستر؛ يقال: جن عليه الليل وأجنه الليل، بمعنى ستره). [شرح ديوان كعب بن زهير: 187]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) }

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) }

قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (ويقال: أفلت الشمس تأفل وتأفل أفلاً وأفولاً: غابت، وقال الله عزّ وجلّ {فلمّا أفلت} ). [الأزمنة: 17]
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الشمس» الطالعة، أنثى، وما وضع في القلادة فهو «شمس» ذكر). [المذكور والمؤنث: 86] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (يقال: شمس، وأشْمُس، وشموس. قال الشاعر:
ظلت شموس يومه أشماسا
أي من شدة حرها). [الأيام والليالي: 95] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناماً آلهةً إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مبينٍ (74) وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين (75)}
العامل في إذ فعل مضمر تقديره: واذكر أو قص، قال الطبري: نبه الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بإبراهيم في محاجته قومه إذ كانوا أهل أصنام وكان قوم محمد أهل أصنام.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس يلزم هذا من لفظ الآية، أما أن جميع ما يجيء من مثل هذا عرضة للاقتداء، وقرأ السبعة وجمهور الناس: «آزر» بفتح الهمزة التي قبل الألف وفتح الزاي والراء. قال السدي وابن إسحاق وسعيد بن عبد العزيز: هو اسم أبي إبراهيم.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد ثبت أن اسمه تارح فله على هذا القول اسمان كيعقوب وإسرائيل، وهو في الإعراب على هذا بدل من الأب المضاف في موضع خفض وهو اسم علم، وقال مجاهد بل هو اسم صنم وهو في موضع نصب بفعل مضمر تقديره: أتتخذ أصناما.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا ضعف، وقال بعضهم بل هو صفة ومعناه هو المعوج المخطئ.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويعترض هذا بأن «آزر» إذا كان صفة فهو نكرة ولا يجوز أن تنعت المعرفة بالنكرة ويوجه ذلك على تحامل بأن يقال أريدت فيه الألف واللام وإن لم يلفظها، وإلى هذا أشار الزجّاج لأنه قدر ذلك فقال لأبيه المخطئ، وبأن يقال إن ذلك مقطوع منصوب بفعل تقديره اذن المعوج أو المخطئ، والا تبقى فيه الصفة بهذه الحال.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وقيل نصبه على الحال كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه وهو في حال عوج وخطأ، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم بضم الراء على النداء، ويصح مع هذا أن يكون آزر اسم أبي إبراهيم، ويصح أن يكون بمعنى المعوج والمخطئ، وقال الضحاك: آزر بمعنى شيء، ولا يصح مع هذه القراءة أن يكون آزر صفة، وفي مصحف أبيّ «يا آزر» بثبوت حرف النداء «اتخذت أصناما» بالفعل الماضي، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه أيضا: «أزرا تتخذ» بألف الاستفهام وفتح الهمزة من آزر وسكون الزاي ونصب الراء وتنوينها وإسقاط ألف الاستفهام من «اتخذ»، ومعنى هذه القراءة عضدا وقوة ومظاهرة على الله تعالى تتخذ، وهو من نحو قوله تعالى: {اشدد به أزري} [طه: 31] وقرأ أبو إسماعيل رجل من أهل الشام بكسر الهمزة من هذا الترتيب ذكرها أبو الفتح، ومعناها: أنها مبدلة من واو كوسادة وإسادة فكأنه قال: أوزرا ومأثما تتخذ أصناما، ونصبه على هذا بفعل
مضمر، ورويت أيضا عن ابن عباس، وقرأ الأعمش: «إزرا تتخذ» بكسر الهمزة وسكون الزاي دون ألف توقيف، وأصناماً آلهةً مفعولان، وذكر: أن «آزر» أبا إبراهيم كان نجارا محسنا ومهندسا وكان نمرود يتعلق بالهندسة والنجوم فحظي عنده آزر لذلك، وكان على خطة عمل الأصنام تعمل بأمره وتدبيره ويطبع هو في الصنم بختم معلوم عنده، وحينئذ يعبد ذلك الصنم، فلما نشأ إبراهيم ابنه على الصفة التي تأتي بعد كان أبوه يكلفه بيعها، فكان إبراهيم ينادي عليها: من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟ ويستخف بها ويجعلها في الماء منكوسة، ويقول اشربي، فلما شهر أمره بذلك وأخذ في الدعاء إلى الله تعالى قال لأبيه هذه المقالة، وأراك في هذا الموضع يشترك فيها البصر والقلب لأنها رؤية قلب ومعرفته وهي متركبة على رؤية بصر، ومبينٍ بمعنى واضح ظاهر، وهو من أبان الشيء، إذا ظهر ليس بالفعل المتعدي المنقول من بان يبين.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويصح أن يكون المنقول، ويكون المفعول مقدرا تقديره: في ضلال مبين كفركم، وقيل كان آزر رجلا من أهل كوثا من سواد الكوفة، قال النقاش وبها ولد إبراهيم عليه السلام، وقيل كان من أهل حران). [المحرر الوجيز: 3/ 396-399]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى:{ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض ... الآية} المتقدمة تقضي بهداية إبراهيم عليه السلام والإشارة هنا بذلك هي إلى تلك الهداية أي وكما هديناه إلى الدعاء إلى الله وإنكار الكفر أريناه ملكوت، ونري لفظها الاستقبال ومعناها المضي، وحكى المهدوي: أن المعنى وكما هديناك يا محمد فكذلك نري إبراهيم.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بعيد إذ اللفظ لا يعطيه، ونري هنا متعدية إلى مفعولين لا غير فهي إما من رؤية البصر وإما من أرى التي هي بمعنى عرف ولو كانت من أرى بمعنى أعلم وجعلنا أعلم منقولة من علم التي تتعدى إلى مفعولين لوجب أن تتعدى أرى إلى ثلاثة مفاعيل، وليس كذلك ولا يصح أن يقال: إن الثالث محذوف لأنه لا يجوز حذفه إذ هو الخبر في الجملة التي يدخل عليها علمت في هذا الموضع، وإنما هي من علم بمعنى عرف، ثم نقلت بالهمزة فتعدت إلى مفعولين ثم جعلت «أرى» بمنزلتها في هذه الحال، وهذه الرؤية قيل رؤية البصر، وروي في ذلك أن الله [عز وجل] فرج لإبراهيم السماوات والأرضين حتى رأى ببصره الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل فإن صح هذا المنقول ففيه تخصيص لإبراهيم عليه السلام بما لم يدركه غيره، قبله ولا بعده، وهذا هو قول مجاهد قال: تفرجت له السماوات والأرضون فرأى مكانه في الجنة وبه قال سعيد بن جبير وسلمان الفارسي، وقيل: هي رؤية بصر في ظاهر الملكوت وقع له معها من الاعتبار ورؤية القلب ما لم يقع لأحد من أهل زمنه الذين بعث إليهم، قاله ابن عباس وغيره، ففي هذا تخصيص ما على جهة التقييد بأهل زمنه، وقيل هي رؤية قلب رأى بها ملكوت السماوات والأرض بفكرته ونظره، وذلك ولا بد متركب على ما تقدم من رؤيته ببصره وإدراكه في الجملة بحواسه.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان القولان الأخيران يناسبان الآية، لأن الغاية التي نصبت له إنما هي أن يؤمن ويكون من جملة موقنين كثرة، والإشارة لا محالة إلى من قبله من الأنبياء والمؤمنين وبعده، واليقين يقع له ولغيره بالرؤية في ظاهر الملكوت والاستدلال به على الصانع والخالق لا إله إلا هو، وملكوت بناء مبالغة كجبروت ورهبوت ورحموت، وقال عكرمة هو ملكوتي باليونانية أو بالنبطية، وقرأ «ملكوث» بالثاء مثلثة وقرأ أبو السمال «ملكوت» بإسكان اللام وهي لغة، وملكوت بمعنى الملك، والعرب تقول لفلان ملكوت اليمن أي ملكه، واللام في ليكون متعلقة بفعل مؤخر تقديره وليكون من الموقنين أريناه، والموقن:
العالم بالشيء علما لا يمكن أن يطرأ له فيك شك، وقال الضحاك ومجاهد أيضا إن الإشارة هاهنا «بملكوت السماوات» هي إلى الكواكب والقمر والشمس، وهذا راجع وداخل فيما قدمناه من أنها رؤية بصر في ظاهر الملكوت، وروي عن ابن عباس في تفسير وليكون من الموقنين قال جلى له الأمور سرها وعلانيتها فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله تعالى إنك لا تستطيع هذا، فرده لا يرى أعمالهم). [المحرر الوجيز: 3/ 399-400]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين (76) فلمّا رأى القمر بازغاً قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين (77)}
هذه الفاء في قوله فلمّا رابطة جملة ما بعدها وهي ترجح أن المراد بالملكوت هو هذا التفصيل الذي في هذه الآية، و «جن الليل»: ستر وغطى بظلامه، ويقال الجن، والأول أكثر، ويشبه أن يكون الجن والمجن والجنة والجنن وهو القبر مشتقة من جن إذا ستر، ولفظ هذه القصة يحتمل أن تكون وقعت له في حال صباه وقبل بلوغه كما ذهب إليه ابن عباس. فإنه قال: رأى كوكبا فعبده، وقاله ناس كثير إن النازلة قبل البلوغ والتكليف، ويحتمل أن تكون وقعت له بعد بلوغه وكونه مكلفا، وحكى الطبري هذا عن فرقة وقالت إنه استفهم على جهة التوقيف بغير ألف، قال وهذا كقول الشاعر: [الطويل]
رقوني وقالوا يا خويلد لم ترع ....... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
يريد أهم هم وكما قال الآخر: [الطويل]
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ....... شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
يريد أشعيث.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والبيت الأول لا حجة فيه عندي وقد حكي أن نمرود جبار ذلك الزمن رأى منجموه أن مولودا يولد في سنة كذا في عمله، يكون خراب الملك على يديه فجعل يتبع الحبالى ويوكل بهن حراسا فمن وضعت أنثى تركت ومن وضعت ذكرا حمل إلى الملك فذبحه، وأن أم إبراهيم حملت وكانت شابة قوية فسترت حملها فلما قربت ولادتها بعثت تارخ أبا إبراهيم إلى سفر وتحيلت لمضيه إليه ثم خرجت هي إلى غار فولدت فيه إبراهيم وتركته في الغار وقد هيأت عليه، وكانت تفتقده فتجده يغتذي بأن يمص أصابعه فيخرج له منها عسل وسمن ونحوها، وحكي بل كان يغذيه ملك وحكي بل كانت تأتيه بألبان النساء اللاتي ذبح أبناؤهن، فشب إبراهيم أضعاف ما يشب غيره، والملك في خلال ذلك يحس بولادته ويشدد في طلبه فمكث في الغار عشرة أعوام وقيل خمس عشرة سنة، وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكوكب وجرت قصة الآية.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وجلبت هذه القصص بغاية الاختصار في اللفظ وقصدت استيفاء المعاني التي تخص الآية ويضعف عندي أن تكون هذه القصة في الغار لقوله في آخرها: {إنّي بريءٌ ممّا تشركون} وهي ألفاظ تقتضي محاجة وردا على قوم، وحاله في الغار بعيدة عن مثل هذا اللهم إلا أن يتأول في ذلك أنه قالها بينه وبين نفسه، أي قال في نفسه معنى العبارة عنه: يا قوم إني بريء مما تشركون، وهذا كما قال الشاعر: [الرجز]
ثم انثنى وقال في التّفكير ....... إنّ الحياة اليوم في الكرور
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومع هذا فالمخاطبة تبعده، ولو قال يا قوم إني بريء من الإشراك لصح هذا التأويل وقوي، فإن قلنا بأنه وقعت له القصة في الغار في حال الصبوة وعدم التكليف على ما ذهب إليه بعض المفسرين ويحتمله اللفظ فذلك ينقسم على وجهين: إما أن يجعل قوله هذا ربّي تصميما واعتقادا وهذا باطل لأن التصميم لم يقع من الأنبياء صلوات الله عليهم وإما أن يجعله تعريضا للنظر والاستدلال كأنه قال هذا المنير البهي ربي إن عضدت ذلك الدلائل ويجيء إبراهيم عليه السلام كما قال الله تعالى لمحمد عليه السلام: {ووجدك ضالًّا فهدى} [الضحى: 6] أي مهمل المعتقد، وإن قلنا بأن القصة وقعت له في حال كفره وهو مكلف فلا يجوز أن يقول هذا ربّي مصمما ولا معرضا للنظر، لأنها رتبة جهل أو شك وهو عليه السلام منزه معصوم من ذلك كله، فلم يبق إلا أن يقولها على جهة التقرير لقومه والتوبيخ لهم وإقامة الحجة عليهم في عبادة الأصنام، كأنه قال لهم: أهذا المنير ربي؟ أو هذا ربي وهو يريد على زعمكم؟ كما قال الله تعالى:{ أين شركائي} [النحل: 27، القصص: 62- 74، فصلت: 47] فإنما المعنى على زعمكم، ثم عرض إبراهيم عليهم من حركته وأفوله أمارة الحدوث، وأنه لا يصلح أن يكون ربّا ثم في آخر أعظم منه وأحرى كذلك ثم في الشمس كذلك، فكأنه يقول: فإذا بان في هذه المنيرات الرفيعة أنها لا تصلح للربوبية فأصنامكم التي هي خشب وحجارة أحرى أن يبين ذلك فيها، ويعضد عندي هذا التأويل قوله: {إنّي بريءٌ ممّا تشركون}ومثل لهم بهذه الأمور لأنهم كانوا أصحاب علم نجوم ونظر في الأفلاك، وهذا الأمر كله إنما وقع في ليلة واحدة والكوكب وهو الزهرة، في قول قتادة وقال السدي وهو المشتري جانحا للغروب، فلما أفل بزغ القمر وهو أول طلوعه فسرى الليل أجمع فلما بزغت الشمس زال ضوء القمر قبلها لانتشار الصباح وخفي نوره ودنا أيضا من مغربه فسمي ذلك أفولا لقربه من الأفول التام على تجوز في التسمية، ثم بزغت الشمس على ذلك، وهذا الترتيب يستقيم في الليلة الخامسة عشرة من الشهر إلى ليلة عشرين، وليس يترتب في ليلة واحدة كما أجمع أهل التفسير إلا في هذه الليالي، وبذلك التجوز في أفول القمر، وأفل في كلام العرب معناه غاب، يقال: أين أفلت عنّا يا فلان، وقيل معناه ذهب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا خلاف في عبارة فقط، وقال ذو الرمة: [الطويل]
مصابيح ليست باللّواتي تقودها ....... نجوم ولا بالآفلات الدّوالك
وقال الآفلين فجمع بالياء والنون لما قصد الأرباب ونحو ذلك وعلى هذا يخرج قوله في الشمس هذا ربّي فذكر الإشارة إليها لما قصد ربه وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص: «رأى» بفتح الراء والهمزة، وقرأ نافع بين الفتح والكسر، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي بكسرهما، وقرأ أبو عمرو بن العلاء، بفتح الراء وكسر الهمزة). [المحرر الوجيز: 3/ 401-404]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلمّا رأى القمر بازغاً ... الآية}، البزوغ في هذه الأنوار: أول الطلوع، وقد تقدم القول فيما تدعو إليه ألفاظ الآية وكون هذا الترتيب في ليلة واحدة من التجوز في أفول القمر لأن أفوله لو قدرناه مغيبه في المغرب لكان ذلك بعد بزوغ الشمس وجميع ما قلناه يعطيه الاعتبار ويهدني يرشدني وهذا اللفظ يؤيد قول من قال: النازلة في حال الصغر، و «القوم الضالون» عبدة المخلوقات، كالأصنام وغيرها وإن كان الضلال أعمّ من هذا فهذا هو المقصود في هذا الموضع). [المحرر الوجيز: 3/ 404]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون (78) إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين (79) وحاجّه قومه قال أتحاجّونّي في اللّه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلاّ أن يشاء ربّي شيئاً وسع ربّي كلّ شيءٍ علماً أفلا تتذكّرون (80)}
لما قصد قصد ربه قال هذا فذكر أي هذا المرئيّ أو المنير ونحو هذا، فلما أفلت الشمس لم يبق شيء يمثل لهم به، فظهرت حجته وقوي بذلك على منابذتهم والتبري من إشراكهم، وقوله: إنّي بريءٌ ممّا تشركون يؤيد قول من قال: النازلة في حال الكبر والتكليف). [المحرر الوجيز: 3/ 404-405]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ووجّهت وجهي أي أقبلت بقصدي وعبادتي وتوحيدي وإيماني وغير ذلك مما يعمه المعنى المعبر عنه ب وجهي، وفطر معناه: ابتدع في أجرام، وحنيفاً معناه مستقيما، والحنف الميل في كلام العرب، وأصله في الأشخاص وهو في المعاني مستعار، فالمعوج في الأجرام أحنف على الحقيقة أي مائل والمستقيم فيها أحنف على تجوز كأنه مال عن كل جهة إلى القوام). [المحرر الوجيز: 3/ 405]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصنامًا آلهةً إنّي أراك وقومك في ضلالٍ مبينٍ (74) وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين (75) فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لا أحبّ الآفلين (76) فلمّا رأى القمر بازغًا قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين (77) فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون (78) إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين (79)}
قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: إنّ أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر، إنّما كان اسمه تارح. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال أيضًا: حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل، حدّثنا أبي، حدّثنا أبو عاصمٍ شبيبٌ، حدّثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} يعني بآزر: الصّنم، وأبو إبراهيم اسمه تارح، وأمّه اسمها مثاني، وامرأته اسمها سارة، وأمّ إسماعيل اسمها هاجر، وهي سرّيّة إبراهيم.
وهكذا قال غير واحدٍ من علماء النّسب: إنّ اسمه تارح. وقال مجاهدٌ والسّدّي: آزر: اسم صنمٍ.
قلت: كأنّه غلب عليه آزر لخدمته ذلك الصنم، فالله أعلم
وقال ابن جريرٍ: وقال آخرون: "هو سبٌّ وعيبٌ بكلامهم، ومعناه: معوج" ولم يسنده ولا حكاه عن أحدٍ.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن معتمر بن سليمان، سمعت أبي يقرأ: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: بلغني أنّها أعوج، وأنّها أشدّ كلمةٍ قالها إبراهيم، عليه السّلام.
ثمّ قال ابن جريرٍ: والصّواب أنّ اسم أبيه آزر. ثمّ أورد على نفسه قول النّسّابين أنّ اسمه تارح، ثمّ أجاب بأنّه قد يكون له اسمان، كما لكثيرٍ من النّاس، أو يكون أحدهما لقبًا وهذا الّذي قاله جيّدٌ قويٌّ، واللّه أعلم.
واختلف القرّاء في أداء قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} فحكى ابن جريرٍ عن الحسن البصريّ وأبي يزيد المدنيّ أنّهما كانا يقرآن: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصنامًا آلهةً} معناه: يا آزر، أتتّخذ أصنامًا آلهةً.
وقرأ الجمهور بالفتح، إمّا على أنّه علمٌ أعجميٌّ لا ينصرف، وهو بدلٌ من قوله: {لأبيه} أو عطف بيانٍ، وهو أشبه.
وعلى قول من جعله نعتًا لا ينصرف أيضًا كأحمر وأسود.
فأمّا من زعم أنّه منصوبٌ لكونه معمولًا لقوله: {أتتّخذ أصنامًا} تقديره: يا أبت، أتتّخذ آزر أصنامًا آلهةً، فإنّه قولٌ بعيدٌ في اللّغة؛ لأنّ ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله؛ لأنّ له صدر الكلام، كذا قرّره ابن جريرٍ وغيره. وهو مشهورٌ في قواعد العربيّة.
والمقصود أنّ إبراهيم، عليه السّلام، وعظ أباه في عبادة الأصنام، وزجره عنها، ونهاه فلم ينته، كما قال: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصنامًا آلهةً} أي: أتتألّه لصنمٍ تعبده من دون اللّه، {إنّي أراك وقومك} أي: السّالكين مسلكك {في ضلالٍ مبينٍ} أي: تائهين لا يهتدون أين يسلكون، بل في حيرةٍ وجهلٍ وأمركم في الجهالة والضّلال بيّنٌ واضحٌ لكلّ ذي عقلٍ صحيحٍ.
وقال تعالى: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنّه كان صدّيقًا نبيًّا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا * يا أبت إنّي قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتّبعني أهدك صراطًا سويًّا * يا أبت لا تعبد الشّيطان إنّ الشّيطان كان للرّحمن عصيًّا * يا أبت إنّي أخاف أن يمسّك عذابٌ من الرّحمن فتكون للشّيطان وليًّا * قال أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليًّا * قال سلامٌ عليك سأستغفر لك ربّي إنّه كان بي حفيًّا * وأعتزلكم وما تدعون من دون اللّه وأدعو ربّي عسى ألا أكون بدعاء ربّي شقيًّا} [مريم: 41 -48]، فكان إبراهيم، عليه السّلام، يستغفر لأبيه مدّة حياته، فلمّا مات على الشّرك وتبيّن إبراهيم ذلك، رجع عن الاستغفار له، وتبرّأ منه، كما قال تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} [التّوبة: 114].
وثبت في الصّحيح: أنّ إبراهيم يلقى أباه آزر يوم القيامة فيقول له أبوه: يا بنيّ، اليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: أي ربّ، ألم تعدني أنّك لا تخزني يوم يبعثون وأيّ خزيٍ أخزى من أبي الأبعد؟ فيقال: يا إبراهيم، انظر ما وراءك. فإذا هو بذيخٍ متلطّخٍ فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النّار). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 288-290]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض} أي: تبين له وجه الدّلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانيّة اللّه، عزّ وجلّ، في ملكه وخلقه، وإنّه لا إله غيره ولا ربّ سواه، كقوله: {قل انظروا ماذا في السّماوات والأرض} [يونس: 101]، وقال: {أولم ينظروا في ملكوت السّماوات والأرض} [الأعراف: 185]، وقال {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السّماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السّماء إنّ في ذلك لآيةً لكلّ عبدٍ منيبٍ} [سبأٍ: 9].
فأمّا ما حكاه ابن جريرٍ وغيره، عن مجاهدٍ، وعطاء، وسعيد بن جبير، والسّدّي، وغيرهم قالوا -واللّفظ لمجاهدٍ -: فرجت له السّموات، فنظر إلى ما فيهنّ، حتّى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السّبع، فنظر إلى ما فيهنّ -وزاد غيره -: فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي فيدعوا عليهم، فقال اللّه له: إنّي أرحم بعبادي منك، لعلّهم أن يتوبوا ويراجعوا. وقد روى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين، عن معاذٍ، وعليّ [بن أبي طالبٍ] ولكن لا يصحّ إسنادهما، واللّه أعلم. وروى ابن أبي حاتمٍ من طريق العوفي عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين} فإنّه تعالى جلا له الأمر؛ سرّه وعلانيته، فلم يخف عليه شيءٌ من أعمال الخلائق، فلمّا جعل يلعن أصحاب الذّنوب قال اللّه: إنّك لا تستطيع هذا. فردّه [اللّه] -كما كان قبل ذلك -فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره، حتّى رأى ذلك عيانًا، ويحتمل أن يكون عن بصيرته حتّى شاهده بفؤاده وتحقّقه وعرفه، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدّلالات القاطعة، كما رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ وصحّحه، عن معاذ بن جبلٍ [رضي اللّه عنه] في حديث المنام: «أتاني ربّي في أحسن صورةٍ فقال: يا محمّد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا ربّ، فوضع كفّه بين كتفي، حتّى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلّى لي كلّ شيءٍ وعرفت » وذكر الحديث
وقوله: {وليكون من الموقنين} قيل: "الواو" زائدةٌ، تقديره: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض ليكون من الموقنين، كقوله: {[وكذلك] نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} [الأنعام: 55].
وقيل: بل هي على بابها، أي نريه ذلك ليكون عالمًا وموقنًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 290-291]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلمّا جنّ عليه اللّيل} أي: تغشّاه وستره {رأى كوكبًا} أي: نجمًا، {قال هذا ربّي فلمّا أفل} أي: غاب. قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ: "الأفول" الذّهاب. وقال ابن جريرٍ: يقال: أفل النّجم يأفل ويأفل أفولًا وأفلا إذا غاب، ومنه قول ذي الرّمّة.
مصابيح ليست باللّواتي تقودها نجومٌ، ولا بالآفلات الدّوالك
ويقال: أين أفلت عنّا؟ بمعنى: أين غبت عنّا؟
قال: {قال لا أحبّ الآفلين} قال قتادة: علم أنّ ربّه دائمٌ لا يزول). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 291]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فلمّا رأى القمر بازغًا} أي: طالعا {قال هذا ربّي فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالّين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 291]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي} أي: هذا المنير الطّالع ربّي {هذا أكبر} أي: جرمًا من النّجم ومن القمر، وأكثر إضاءةً: {فلمّا أفلت} أي: غابت، {قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 291]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّي وجّهت وجهي} أي أخلصت ديني وأفردت عبادتي {للّذي فطر السّماوات والأرض} أي: خلقهما وابتدعهما على غير مثالٍ سبق. {حنيفًا} أي في حال كوني حنيفًا، أي: مائلًا عن الشّرك إلى التّوحيد؛ ولهذا قال: {وما أنا من المشركين}
وقد اختلف المفسّرون في هذا المقام، هل هو مقام نظرٍ أو مناظرةٍ؟ فروى ابن جريرٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ ما يقتضي أنّه مقام نظرٍ، واختاره ابن جريرٍ مستدلًّا بقوله: {لئن لم يهدني ربّي [لأكوننّ من القوم الضّالّين]}
وقال محمّد بن إسحاق: قال ذلك حين خرج من السّرب الّذي ولدته فيه أمّه، حين تخوّفت عليه النّمرود بن كنعان، لمّا أن قد أخبر بوجود مولودٍ يكون ذهاب ملكك على يديه، فأمر بقتل الغلمان عامئذٍ. فلمّا حملت أمّ إبراهيم به وحان وضعها، ذهبت به إلى سربٍ ظاهر البلد، فولدت فيه إبراهيم وتركته هناك. وذكر أشياء من خوارق العادات، كما ذكرها غيره من المفسّرين من السّلف والخلف.
والحقّ أنّ إبراهيم، عليه الصّلاة والسّلام، كان في هذا المقام مناظرًا لقومه، مبيّنًا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام، فبيّن في المقام الأوّل مع أبيه خطأهم في عبادة الأصنام الأرضيّة، الّتي هي على صورة الملائكة السّماويّة، ليشفعوا لهم إلى الخالق العظيم الّذين هم عند أنفسهم أحقر من أن يعبدوه، وإنّما يتوسّلون إليه بعبادة ملائكته، ليشفعوا لهم عنده في الرّزق والنّصر، وغير ذلك ممّا يحتاجون إليه. وبيّن في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل، وهي الكواكب السّيّارة السّبعة المتحيّرة، وهي: القمر، وعطارد، والزّهرة، والشّمس، والمرّيخ، والمشترى، وزحل، وأشدّهنّ إضاءةً وأشرقهنّ عندهم الشّمس، ثمّ القمر، ثمّ الزّهرة. فبيّن أوّلًا أنّ هذه الزّهرة لا تصلح للإلهيّة؛ لأنّها مسخّرةٌ مقدّرةٌ بسيرٍ معيّنٍ، لا تزيغ عنه يمينًا ولا شمالًا ولا تملك لنفسها تصرّفًا، بل هي جرمٌ من الأجرام خلقها اللّه منيرةً، لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من المشرق، ثمّ تسير فيما بينه وبين المغرب حتّى تغيب عن الأبصار فيه، ثمّ تبدو في اللّيلة القابلة على هذا المنوال. ومثل هذه لا تصلح للإلهيّة. ثمّ انتقل إلى القمر. فبيّن فيه مثل ما بيّن في النّجم.
ثمّ انتقل إلى الشّمس كذلك. فلمّا انتفت الإلهيّة عن هذه الأجرام الثّلاثة الّتي هي أنور ما تقع عليه الأبصار، وتحقّق ذلك بالدّليل القاطع، {قال يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون} أي: أنا بريءٌ من عبادتهنّ وموالاتهنّ، فإن كانت آلهةً، فكيدوني بها جميعًا ثمّ لا تنظرون، {إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} أي: إنّما أعبد خالق هذه الأشياء ومخترعها ومسخّرها ومقدّرها ومدبّرها، الّذي بيده ملكوت كلّ شيءٍ، وخالق كلّ شيءٍ وربّه ومليكه وإلهه، كما قال تعالى: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين} [الأعراف: 54] وكيف يجوز أن يكون إبراهيم [الخليل] ناظرًا في هذا المقام، وهو الّذي قال اللّه في حقّه: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنّا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التّماثيل الّتي أنتم لها عاكفون} [الأنبياء: 51، 52]، وقال تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين * شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ * وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين * ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النّحل: 120 -123]، وقال تعالى: {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [الأنعام: 161].
وقد ثبت في الصّحيحين، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «كل مولود يولد على الفطرة» وفي صحيح مسلمٍ عن عياض بن حمّادٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «قال اللّه: إنّي خلقت عبادي حنفاء» وقال اللّه في كتابه العزيز: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} [الرّوم: 30]، وقال تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ومعناه على أحد القولين، كقوله: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} كما سيأتي بيانه.
فإذا كان هذا في حقٍّ سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل -الّذي جعله اللّه {أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين} [النّحل: 120] ناظرًا في هذا المقام؟! بل هو أولى النّاس بالفطرة السّليمة، والسّجيّة المستقيمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلا شكٍّ ولا ريبٍ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 291-293]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة