التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) }قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فما كان جواب قومه} [العنكبوت: 24] رجع إلى قصّة إبراهيم: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اللّه واتّقوه} [العنكبوت: 16] قال: {فما كان جواب قومه} [العنكبوت: 24] قوم إبراهيم.
{إلا أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه} [العنكبوت: 24] يقوله بعضهم لبعضٍ.
قال: {فأنجاه اللّه من النّار} [العنكبوت: 24] وقد فسّرنا ذلك في سورة الأنبياء.
قال: {إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون} [العنكبوت: 24]، أي: فيما صنع اللّه بإبراهيم وما
[تفسير القرآن العظيم: 2/625]
نجّاه من النّار، وإنّما يعتبر المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/626]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه , فأنجاه اللّه من النّار إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (24)}
وقرأ الحسن : (فما كان جواب قومه) بالرفع , فمن نصب جعل " أن قالوا " اسم كان، ومن رفع الجواب , جعله اسم كان , وجعل الخبر " أن قالوا " , وما عملت فيه، ويكون المعنى : ما كان الجواب إلا مقالتهم: اقتلوه، لما أن دعاهم إبراهيم إلى توحيد اللّه عزّ وجلّ، واحتجّ عليهم بأنهم يعبدون ما لا يضرهم , ولا ينفعهم، جعلوا الجواب اقتلوه أو حقوه.
وقوله: {فأنجاه اللّه من النّار}: المعنى : فحرقوه , فأنجاه اللّه من النّار.
ويروى: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لم تعمل النار في شيء منه إلا في وثاقه الذي شدّ به. ويروى: أن جميع الدواب, والهوام كانت تطفئ عن إبراهيم إلا الوزغ، فإنها كانت تنفخ النار، فأمر بقتلها , ويرد أنه لم ينتفع في ذلك اليوم بالنار، أعني : يوم أخذوا إبراهيم عليه السلام.
وجميع ما ذكرناه في هذه القصة , مما رواه عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وكذلك أكثر ما رويت في هذا الكتاب من التفسير.
فهو من كتاب التفسير , عن أحمد بن حنبل). [معاني القرآن: 4/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار}
المعنى : فحرقوه , فأنجاه الله من النار , ويروى: أنه لم تحرق إلا وثاقه.). [معاني القرآن: 5/219]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ومَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال إبراهيم.
{إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانًا مودّة بينكم} [العنكبوت: 25] يوادّ بعضكم بعضًا، أي: يحبّ بعضكم بعضًا على عبادة الأوثان.
{في الحياة الدّنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ} [العنكبوت: 25]، أي: بولاية بعضٍ.
وقال السّدّيّ: يتبرّأ بعضكم من بعضٍ.
{ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين} [العنكبوت: 25] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/626]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقال إنّما اتّخذتم مّن دون اللّه أوثاناً مّودّة بينكم...}
نصبها حمزة وأضافها؛ ونصبها عاصم , وأهل المدينة، ونوّنوا فيها : {أوثاناً مّودّة بينكم} , ورفع ناسٌ منهم الكسائيّ بإضافة, وقرأ الحسن : {مودّةٌ بينكم}, يرفع ولا يضيف, وهي في قراءة أبيّ:{إنّما مودّة بينهم في الحياة الدّنيا}.
وفي قراءة عبد الله : (إنّما مودّة بينكم), وهما شاهدان لمن رفع, فمن رفع , فإنما يرفع بالصفة بقوله: {في الحياة الدّنيا} , وينقطع الكلام عند قوله: {إنّما اتّخذتم مّن دون اللّه أوثاناً} .
ثم قال: ليست مودّتكم تلك الأوثان , ولا عبادتكم إيّاها بشيء، إنّما مودّة ما بينكم في الحياة الدنيا , ثم تنقطع, ومن نصب أوقع عليها الاتّخاذ: إنما اتّخذتموها مودّةً بينكم في الحياة الدنيا. وقد تكون رفعاً على أن تجعلها خبراً لما , وتجعل (ما) على جهة (الذي) ؛ كأنك قلت: إن الذين اتخذتموهم أوثاناً مودّة بينكم , فتكون المودّة كالخبر، ويكون رفعها على ضمير (هي) كقوله: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ} .
ثم قال {بلاغٌ} : أي: هذا بلاغ، ذلك بلاغ, ومثله : {إنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} . ثم قال: {متاعٌ في الدنيا}: أي: ذلك متاع في الحياة الدنيا , وقوله: {يكفر بعضكم ببعضٍ}: يتبرّأ بعضكم من بعضٍ , والعابد والمعبود في النار.). [معاني القرآن: 2/315-316]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال عزّ وجلّ: {وقال إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانا مودّة بينكم في الحياة الدّنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين (25)}
أي : قال إبراهيم لقومه : إنما اتخذتم هذه الأوثان ؛ لتتوادّوا بها في الحياة الدنيا.
{ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا}, وهذا كما قال الله - عزّ وجلّ: {الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلّا المتّقين (67)}
وفيها في القراءة أربعة أوجه, منها: {مودّة بينكم}, بفتح (مودّة), وبالإضافة إلى بين، وبنصب مودّة والتنوين، ونصب بين{مودّة بينكم}.
ويجوز {مودّة بينكم} بالرفع , والإضافة إلى بين.
ويجوز {مودّة بينكم} بالرفع , والتنوين , ونصب بين.
فالنصب في {مودّة} من أجل أنها مفعول لها، أي : اتخذتم هذا للمودة بينكم, ومن رفع فمن جهتين:
إحداهما : أن يكون " ما " في معنى " الذي " , يكون المعنى: إن ما اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم، فيكون{مودّة} خبر إن، .
ويكون برفع {مودّة} على إضمار هي، كأنه قال: تلك مودة بينكم في الحياة الدنيا، أي: ألفتكم , واجتماعكم على الأصنام مودّة بينكم في الحياة الدنيا.). [معاني القرآن: 4/166-167]
تفسير قوله تعالى:{فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فآمن له لوطٌ} [العنكبوت: 26]، أي: فصدّقه لوطٌ.
{وقال إنّي مهاجرٌ إلى ربّي} [العنكبوت: 26] يقوله إبراهيم.
{إنّه هو العزيز الحكيم} [العنكبوت: 26] هاجر من أرض العراق إلى أرض الشّام). [تفسير القرآن العظيم: 2/626]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّي مهاجرٌ إلى ربّي...} هذا من قيل إبراهيم, وكان مهاجره من حرّان إلى فلسطين.). [معاني القرآن: 2/316]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وقال إنّي مهاجرٌ إلى ربّي }: كل من خرج من داره , أو قطع شيئاً , فقد هاجر , ومنه: مهاجر , والمسلمين.). [مجاز القرآن: 2/115]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مهاجر إلى ربي}: كل من خرج من داره إلى دار أو قطع شيئا فقد هاجر، والمهاجرون من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 295] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فآمن له لوط وقال إنّي مهاجر إلى ربّي إنّه هو العزيز الحكيم (26)}صدّق لوط إبراهيم عليه السلام، وقال: {إنّي مهاجر إلى ربّي}. إبراهيم هاجر من كوثى إلى الشام.). [معاني القرآن: 4/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي}
قال الضحاك : (إبراهيم هاجر , وهو أول من هاجر) .
وقال قتادة : (هاجر من كوثى إلى الشام)). [معاني القرآن: 5/219]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُهَاجِرٌ}: خارج.). [العمدة في غريب القرآن: 237]
تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب} [العنكبوت: 27] فكان أوّل كتابٍ أنزل بعد كتاب موسى وما بعده من الكتب.
حدّثنا أبو القاسم الفروبيّ: قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وآتيناه أجره في الدّنيا} [العنكبوت: 27] قال: الثّناء.
قال: {واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين} [الشعراء: 84] قال: الثّناء.
قال: {وآتيناه أجره} [العنكبوت: 27] أعطيناه أجره.
{في الدّنيا} [العنكبوت: 27] فليس من أهل دينٍ إلا وهم يتولّونه ويحبّونه وهو مثل قوله: {وتركنا عليه في الآخرين} [الصافات: 78]، أي: أبقينا عليه في الآخرين الثّناء الحسن.
[تفسير القرآن العظيم: 2/626]
قال: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} [العنكبوت: 27] لمن أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/627]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وآتيناه أجره في الدّنيا...} الثناء الحسن وأن أهل الأديان كلّهم يتولّونه, ومن أجره أن جعلت النبوّة , والكتاب في ذرّيته.). [معاني القرآن: 2/316]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {آتيناه أجره في الدّنيا}: بالولد الطّيب، وحسن الثناء عليه.). [تفسير غريب القرآن: 338]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب وآتيناه أجره في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (27)} {وآتيناه أجره في الدّنيا}:قيل : الذكر الحسن، وكذلك : {وتركنا عليه في الآخرين}
وقيل : {وآتيناه أجره في الدّنيا}: أنه ليس من أمة من المسلمين , واليهود , والمجوس , والنصارى إلا وهم يعظمون إبراهيم.
وقيل: {وآتيناه أجره في الدّنيا} : أن الأنبياء من ولده، وقيل : الولد الصالح.). [معاني القرآن: 4/167-168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وآتيناه أجره في الدنيا}
روى سفيان , عن حميد بن قيس قال: أمر سعيد بن جبير إنسانًا أن يسأل عكرمة عن قوله تعالى: {وآتيناه أجره في الدنيا}
فقال عكرمة : (أهل الملل كلها تدعيه , وتقول: هو منا) , فقال سعيد بن جبير : (صدق) .
وقال قتادة: (هو مثل قوله تعالى:{وآتيناه في الدنيا حسنة} أي : عافية , وعملا صالحا , وثناء حسنا و, ذاك أن أهل كل دين يتولونه).
وقيل :{وآتيناه أجره في الدنيا }: إن أكثر الأنبياء من ولده.). [معاني القرآن: 5/219-220]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا}: أي :بالولد الطيب , وحسن الثناء.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 185]