العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (226) إلى الآية (230) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (226) إلى الآية (230) ]


{الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:24 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة عن علي بن أبي طالب وعن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان وزيد أنهم قالوا في قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر قالوا الإيلاء تطليقة وهي أملك بنفسها وعليها العدة لغيره). [تفسير عبد الرزاق: 1/92]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ (226) وإن عزموا الطّلاق فإنّ الله سميعٌ عليمٌ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرٍو، قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: (للّذين يقسمون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ) ؛ (وإن عزموا السّراح) ) ).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ قال: ((عزيمة الطّلاق: انقضاء الأربعة الأشهر، والفيء: (الجماع) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/870]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {للّذين يؤلون} الّذين يقسمون أليّةً، والأليّة: الحلف.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا مسلمة بن علقمة، قال: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن المسيّب، في قوله: {للّذين يؤلون} يحلفون.
يقال: آلى فلانٌ يؤلي إيلاءً وًأليّةً، كما قال الشّاعر:
كفينا من تغيّب من ترابٍ = وأحنثنا أليّة مقسمينا
ويقال ألوةً وألوةً، كما قال الرّاجز:
يا ألوةً ما ألوةً ما ألوتي
[جامع البيان: 4/42]
وقد حكي عنهم أيضًا أنّهم يقولون: إلوةً مكسورة الألف.
والتّربّص: النّظر والتّوقّف.
ومعنى الكلام: للّذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ، فترك ذكر أن يعتزلوا اكتفاءً بدلالة ما ظهر من الكلام عليه.
واختلف أهل التّأويل في صفة اليمين الّتي يكون بها الرّجل مؤليًا من امرأته، فقال بعضهم: اليمين الّتي يكون بها الرّجل مؤليًا من امرأته، أن يحلف عليها في حال غضبٍ على وجه الإضرار لها أن لا يجامعها في فرجها، فأمّا إن حلف على غير وجه الإضرار وعلى غير غضبٍ فليس هو مؤليًا منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن حريث بن عميرة، عن أمّ عطيّة، قالت: قال جبيرٌ: أرضعي ابن أخي مع ابنك فقالت: ما أستطيع أن أرضع، اثنينٍ، فحلف أن لا يقربها حتّى تفطمه. فلمّا فطمته مرّ به على المجلس فقال له القوم: حسنًا ما غذّوتموه. قال جبيرٌ: إنّي حلفت ألا أقربها حتّى تفطمه. فقال له القوم: هذا إيلاءٌ، فأتى عليًّا، فاستفتاه، فقال: إن كنت فعلت ذلك غضبًا فلا تصلح لك امرأتك، وإلاّ فهي امرأتك.
[جامع البيان: 4/43]
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، أنّه سمع عطيّة بن جبيرٍ، قال: توفّيت أمّ صبيٍّ نسيبةً لي، فكانت امرأة أبي ترضعه، فحلف أن لا يقربها حتّى تفطمه. فلمّا مضت أربعة أشهرٍ قيل له: قد بانت منك - وأحسب شكّ أبو جعفرٍ -، قال: فأتى عليًّا، يستفتيه، فقال: إن كنت قلت ذلك غضبًا فلا امرأة لك، وإلاّ فهي امرأتك.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا شعبة، قال: أخبرني سماكٌ، قال: سمعت عطيّة بن جبيرٍ يذكر نحوه عن عليٍّ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن عبد المجيد، قال: حدّثنا داود، عن سماكٍ، عن رجلٍ، من بني عجلٍ، عن أبي عطيّة: أنّه توفّي أخوه وترك ابنًا له صغيرًا، فقال أبو عطيّة لامرأته: أرضعيه فقالت: إنّى أخشى أن تغيلهما، فحلف أن لا يقربها حتّى تفطمهما ففعل حتّى فطمتهما. فخرج ابن أخي أبي عطيّة إلى المجلس، فقالوا: لحسن ما غذّى أبو عطيّة، ابن أخيه قال: كلاّ زعمت أمّ عطيّة أنّي أغيلهما فحلفت أن لا أقربها حتّى تفطمهما. فقالوا له: قد حرّمت عليك امرأتك. فذكرت ذلك لعليٍّ، رضي اللّه عنه فقال عليٌّ: إنّما أردت الخير، وإنّما الإيلاء في الغضب.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن سماكٍ، عن أبي عطيّة أنّ أخاه توفّي، فذكر نحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس،
[جامع البيان: 4/44]
قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن سماك بن حربٍ، أنّ رجلاً هلك أخوه، فقال لامرأته: أرضعي ابن أخي فقالت: أخاف أن تقع عليّ. فحلف أن لا يمسّها حتّى تفطم. فأمسك عنها حتّى إذا فطمته أخرج الغلام إلى قومه، فقالوا: لقد أحسنت غذاءه فذكر لهم شأنه، فذكروا امرأته. قال: فذهب إلى عليٍّ، فاستحلفه باللّه ما أردت بذلك؟ يعني إيلاءً، قال: فردّها عليه.
- حدّثنا عليّ بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن أشعث بن سوّارٍ، عن سماكٍ، عن عطيّة بن أبي عطيّة، قال: توفّي أخٌ لي وترك يتيمًا له رضيعًا، وكنت رجلاً معسرًا لم يكن بيدي ما أسترضع له. قال: فقالت لي امرأتي، وكان لي منها ابنٌ ترضعه: إن كفيتني نفسك كفيتكهما. فقلت: وكيف أكفيك نفسي؟ قالت: لا تقربنّي، فقلت: واللّه لا أقربك حتّى تفطيمهما. قال: ففطمتهما. وخرجا على القوم، فقالوا: ما نراك إلاّ قد أحسنت ولايتهما. قال: فقصصت عليهم القصّة. فقالوا: ما نراك إلاّ آليت منها، وبانت منك، قال: فأتيت عليًّا، فقصصت عليه القصّة، فقال: إنّما الإيلاء ما أريد به الإيلاء.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن جابر بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا إيلاء إلاّ بغضبٍ.
- وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا إيلاء إلاّ بغضبٍ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو وكيعٍ، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا إيلاء إلاّ بغضبٍ.
[جامع البيان: 4/45]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب قال: حدّثنا داود، عن سماك بن حربٍ، عن أبي عطيّة، عن عليٍّ قال: لا إيلاء إلاّ بغضبٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة: أنّ عليًّا قال: إذا قال الرّجل لامرأته وهي ترضع: واللّه لا قربتك حتّى تفطمي ولدي، يريد به صلاح ولده، قال: ليس عليه إيلاءٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ السّلوليّ، عن محمّد بن مسلمٍ الطّائفيّ، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ، فقال: إنّي قلت لامرأتي لا أقربها سنتينٍ، قال: قد آليت منها. قال: إنّما قلت لأنّها ترضعٌ. قال: فلا إذن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود بن أبي هندٍ، عن سماك بن حربٍ، عن أبي عطيّة، عن عليٍّ، أنّه كان يقول: إنّما الإيلاء ما كان في غضبٍ يقول الرّجل: واللّه لا أقربك واللّه لا أمسّك، فأمّا ما كان في إصلاحٍ من أمر الرّضاع، وغيره، فإنّه لا يكون إيلاءً ولا تبين منه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن يعني ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن حفصٍ، عن الحسن، أنّه سئل عنها، فقال: لا واللّه ما هو بإيلاءٍ.
[جامع البيان: 4/46]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا بشر بن منصورٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: إذا حلف من أجل الرّضاع فليس بإيلاءٍ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، حدّثني يونس، قال: سألت ابن شهابٍ، عن الرّجل يقول: واللّه لا أقرب امرأتي حتّى تفطم ولدي، قال: لا أعلم الإيلاء يكون إلاّ بحلفٍ باللّه فيما يريد المرء أن يضارّ به امرأته من اعتزالها، ولا نعلم فريضة الإيلاء إلاّ على أولئك، فلا نرى أنّ هذا الّذي أقسم بالاعتزال لامرأته حتّى تفطم ولده، أقسم إلاّ على أمرٍ يتحرّى به فيه الخير، فلا نرى وجب على هذا ما وجب على المولي الّذي يولي في الغضب.
وقال آخرون. سواءٌ إذا حلف الرّجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها كان حلفه في غضبٍ، أو غير غضبٍ، كلّ ذلك إيلاءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: في رجلٍ قال لامرأته: إن غشيتك حتّى تفطمي ولدك فأنت طالقٌ، فتركها أربعة أشهرٍ. قال: هو إيلاءٌ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن أبي معشرٍ، عن النّخعيّ، قال: كلّ شيءٍ يحول بينه وبين غشيانها فتركها حتّى تمضي أربعة أشهرٍ فهو داخلٌ عليه.
[جامع البيان: 4/47]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: حدّثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن القعقاع، قال: سألت الحسن عن رجلٍ ترضع امرأته صبيًّا فحلف أن لا يطأها حتّى تفطم ولدها، فقال: ما أرى هذا بغضبٍ، وإنّما الإيلاء في الغضب.
قال: وقال ابن سيرين: ما أدري ما هذا الّذي يحدّثون؟ إنّما قال اللّه: {للّذين يؤلون من نسائهم} إلى {فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} إذا مضت أربعة أشهرٍ فليخطبها إن رغب فيها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم: في رجلٍ حلف أن لا، يكلّم امرأته، قال: كانوا يرون الإيلاء في الجماع.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كلّ يمينٍ منعت جماعًا حتّى تمضي أربعة أشهرٍ فهي إيلاءٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل، وأشعث، عن الشّعبيّ، مثله.
[جامع البيان: 4/48]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، والشّعبيّ، قالا: كلّ يمينٍ منعت جماعًا فهي إيلاءٌ.
وقال آخرون: كلّ يمينٍ حلف بها الرّجل في مساءة امرأته فهي إيلاءٌ منه منها على الجماع، حلفٌ، أو غيره، في رضًا حلف، أو سخطٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن خصيفٍ، عن الشّعبيّ، قال: كلّ يمينٍ حالت بين الرّجل وبين امرأته فهي إيلاءٌ، إذا قال: واللّه لأغضبنّك، واللّه لأسوءنّك، واللّه لأضربنّك، وأشباه هذا.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثني أبي، وشعيبٌ، عن اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن أبي ذئب العامريّ: أنّ رجلاً، من أهله قال لامرأته: إنّ كلّمتك سنةً فأنت طالقٌ واستفتى القاسم، وسالمًا، فقالا: إن كلّمتها قبل سنةٍ فهي طالقٌ، وإن لم تكلّمها فهي طالقٌ إذا مضت أربعة أشهرٍ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، قال: سمعت حمّادًا، قال: قلت لإبراهيم: الإيلاء أن يحلف أن لا يجامعها، ولا يكلّمها، ولا يجمع رأسه ورأسها، أو ليغضبنّها، أو ليحرمنّها، أو ليسوءنّها؟ قال: نعم.
[جامع البيان: 4/49]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سألت الحكم، عن رجلٍ: قال لامرأته: واللّه لأغيظنّك فتركها أربعة أشهرٍ. قال: هو إيلاءٌ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: سمعت شعبة قال: سألت الحكم، فذكر مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثني اللّيث، قال: حدّثنا يونس، قال: قال ابن شهابٍ، حدّثني سعيد بن المسيّب: أنّه إن حلف رجلٌ أن لا يكلّم امرأته يومًا أو شهرًا، قال: فإنّا نرى ذلك يكون إيلاءً، وقال: إلاّ أن يكون حلف أن لا يكلّمها، فكان يمسّها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء والفيء أن يفيء إلى امرأته فيكلّمها، أو يمسّها، فمن فعل ذلك قبل أن تمضي الأربعة الأشهر فقد فاء؛ ومن فاء بعد أربعة أشهرٍ وهي في عدّتها فقد فاء وملك امرأته، غير أنّه مضت لها تطليقةٌ.
وعلّة من قال: إنّما الإيلاء في الغضب، والضّرار، أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما جعل الأجل الّذي أحلّ في الإيلاء مخرجًا للمرأة من عضل الرّجل، وضراره إيّاها فيما لها عليه من حسن الصّحبة، والعشرة بالمعروف. وإذا لم يكن الرّجل لها عاضلاً، ولا مضارًّا بيمينه وحلفه على ترك جماعها، بل كان طالبًا بذلك رضاها، وقاضيًا بذلك حاجتها، لم يكن بيمينه تلك مولّيًا، لأنّه لا معنى هنالك لحق المرأة به من قبل بعلها مساءةٌ وسوء عشرةٍ، فيجعل الأجل الّذي جعل للمولي لها مخرجًا منه.
وأمّا علّة من قال: الإيلاء في حال الغضب والرّضا سواءٌ عموم الآية، وأنّ اللّه تعالى ذكره لم يخصّص من قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} بعضًا دون بعضٍ، بل عمّ به كلّ مؤلٍ مقسمٍ،
[جامع البيان: 4/50]
فكلّ مقسمٍ على امرأته أن لا يغشاها مدّةً هي أكثر من الأجل الّذي جعل اللّه له تربّصه، فمؤلٍ من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم: هو مؤلٍ، وإن كانت مدّة يمينه الأجل الّذي جعل له تربّصه.
وأمّا علّة من قال بقول الشّعبيّ، والقاسم وسالمٍ، أنّ اللّه تعالى ذكره جعل الأجل الّذي حدّه للمولي مخرجًا للمرأة من سوء عشره بعلها إيّاها وإضراره لها. وليست اليمين عليها بأن لا يجامعها ولا يقربها بأولى بأن تكون من معاني سوء العشرة، والضّرار من الحلف عليها أن لا يكلّمها، أو يسوءها، أو يغيظها؛ لأنّ كلّ ذلك ضررٌ عليها، وسوء عشرةٍ لها.
وأولى التّأويلات الّتي ذكرناها في ذلك بالصّواب قول من قال: كلّ يمينٍ منعت المقسم الجماع أكثر من المدّة الّتي جعل اللّه المولي تربّصها قائلاً في غضبٍ كان ذلك أو رضًا، وذلك للعلّة الّتي ذكرناها قبل لقائلي ذلك. وقد آتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا كتاب اللّطيف بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 4/51]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن فاءوا فإنّ الله غفورٌ رّحيمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلى ترك ما حلفوا عليه أن يفعلوه بهنّ من ترك جماعهنّ فجامعوهنّ وحنثوا في أيمانهم، فإنّ اللّه غفورٌ لما كان منهم من الكذب في أيمانهم بأن لا يأتوهنّ ثمّ أتوهنّ، ولما سلف منهم إليهنّ من اليمين على ما لم يكن لهم أن يحلفوا عليه، فحلفوا عليه؛ رحيمٌ بهم وبغيرهم من عباده المؤمنين.
[جامع البيان: 4/51]
وأصل الفيء: الرّجوع من حالٍ إلى حالٍ، ومنه قوله تعالى ذكره: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله: {حتّى تفيء إلى أمر اللّه} يعني: حتّى ترجع إلى أمر اللّه. ومنه قول الشّاعر:
ففاءت ولم تقض الّذي أقبلت له = ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
يقال منه: فاء فلانٌ يفيء فيئةً مثل الجيئة، وفيئًا. والفيئة: المرّة. فأمّا في الظّلّ، فإنّه يقال: فاء الظّلّ يفيء فيوءًا وفيئًا، وقد يقال فيوءًا أيضًا في المعنى الأوّل، لأنّ الفيء في كلّ الأشياء بمعنى الرّجوع.
وبمثل الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل، غير أنّهم اختلفوا فيما يكون به المؤلي فائيًا، فقال بعضهم: لا يكون فائيًا إلاّ بالجماع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الفيء: الجماع.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، عن يزيد بن أبى زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الفيء: الجماع.
[جامع البيان: 4/52]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن صاحبٍ، له، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، قال: الفيء: الجماع.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن حصينٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، مثله.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا محمّد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: كان عامرٌ لا يرى الفيء إلاّ الجماع.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيل، عن عامرٍ، بمثله.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الفيء: الجماع.
- حدّثنا أبو عبد اللّه النّشائيّ، قال: حدّثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
[جامع البيان: 4/53]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الفيء: الجماع، لا عذر له إلاّ أن يجامع، وإن كان في سجنٍ، أو في سفرٍ سعيدٌ القائل.
- حدّثني محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال: لا عذر له حتّى يغشى.
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن حمّادٍ، وإياس، عن الشّعبيّ، قال أحدهما، عن مسروقٍ، قال: الفيء: الجماع.
وقال الآخر عن الشّعبيّ: الفيء: الجماع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، في: رجلٍ آلى من امرأته ثمّ شغله مرضٌ، قال: لا عذر له حتّى يغشى.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن سعيد بن جبيرٍ في الرّجل يؤلي من امرأته قبل أن يدخل بها، أو بعد ما دخل بها، فيعرض له عارضٌ يحبسه، أو لا يجد ما يسوق: أنّه إذا مضت أربعة أشهرٍ أنّها أحقّ بنفسها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الحكم، والشّعبيّ، قالا: إذ آلى الرّجل من امرأته ثمّ أراد أن يفيء، فلا فيء إلاّ الجماع.
وقال آخرون: الفيء: المراجعة باللّسان، أو القلب في حال العذر، وفي غير حال العذر الجماع.
[جامع البيان: 4/54]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، وعكرمة، أنّهما قالا: إذا كان له عذرٌ فأشهد فذاك له. يعني في رجلٍ آلى من امرأته فشغله مرض أو طريقٌ فأشهد على مراجعة امرأته.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن صاحبٍ له عن الحكم، قال: تذاكرنا أنا والنّخعيّ ذلك، قال النّخعيّ: إذا كان له عذرٌ فأشهد فقد فاء وقلت أنا: لا عذر له حتّى يغشى. فانطلقنا إلى أبي وائلٍ فقال: إنّي أرجو إذا كان له عذرٌ فأشهد جاز.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن الحسن، قال: إن آلى ثمّ مرض، أو سجن، أو سافر فراجع، فإنّ له عذرًا أن لا يجامع قال: وسمعت الزّهريّ يقول مثل ذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم: في النّفساء يؤلي منها زوجها، قال: هذه في محاربٍ سئل عنها أصحاب عبد اللّه، فقالوا: إذا لم يستطع كفّر عن يمينه وأشهد على الفيء.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشّعثاء، قال: نزل به ضيفٌ، فآلى من امرأته فنفست، فأراد أن يفيء فلم يستطع أن يقربها من أجل نفاسها. فأتى علقمة، فذكر ذلك له فقال: أليس قد فئت بقلبك ورضيت؟ قال: بلى. قال: فقد فئت هي امرأتك.
[جامع البيان: 4/55]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم: أنّ رجلاً آلى من امرأته، فولدت قبل أن تمضي أربعة أشهرٍ وأراد الفيئة، فلم يستطع من أجل الدّم حتّى مضت أربعة أشهرٍ. فسأل عنها علقمة بن قيسٍ، فقال: أليس قد راجعتها في نفسك؟ قال: بلى. قال: فهي امرأتك.
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: أخبرنا عامرٌ، عن الحسن، قال: إذا آلى من امرأته ثمّ لم يقدر أن يغشاها من عذرٍ، قال: يشهد أنّه قد فاء وهي امرأته.
- حدّثنا عمرانٌ، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا عامرٌ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، بمثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، قال: وحدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عكرمة، قال: إذا آلى من امرأته فجهد أن يغشاها فلم يستطع، فله أن يشهد على رجعتها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، وعكرمة: أنّهما سئلا عن رجلٍ آلى من امرأته، فشغله أمرٌ، فأشهد على مراجعة امرأته، قالا: إذا كان له عذرٌ فذاك له.
[جامع البيان: 4/56]
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا غندرٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، قال: انطلقت أنا وإبراهيم، إلى أبي الشّعثاء، فحدّث أنّ رجلاً من بني سعد بن همّامٍ آلى من امرأته فنفست، فلم يستطع أن يقربها، فسأل الأسود أو بعض أصحاب عبد اللّه، فقال: إذا أشهد فهي امرأته.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا غندرٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، أنّه قال: إن كان له عذرٌ فأشهد فذلك له؛ يعني المؤلي من امرأته.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ: قال: حدّثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنّه كان يحدّث عن أبي الشّعثاء، عن علقمة، وأصحاب عبد اللّه: أنّهم قالوا في الرّجل إذا آلى من امرأته فنفست، قالوا: إذا أشهد فهي امرأته.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن حمّادٍ، قال: إذا آلى الرّجل من امرأته ثمّ فاء فليشهد على فيئه. وإذا آلى الرّجل من امرأته وهو في أرضٍ غير الأرض الّتي فيها امرأته فليشهد على فيئه. فإن أشهد وهو لا يعلم أنّ ذلك لا يجزيه من وقوعه عليها فمضت أربعة أشهرٍ قبل أن يجامعها فهي امرأته. وإن علم أنّه لا فيء إلاّ في الجماع في هذا الباب ففاء وأشهد على فيئه ولم يقع عليها حتّى مضت أربعة أشهرٍ، فقد بانت منه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني يونس، قال: قال ابن شهابٍ: حدّثني سعيد بن المسيّب: أنّه إذا آلى الرّجل من امرأته، قال: فإن كان به مرضٌ ولا يستطيع أن يمسّها، أو كان مسافرًا فحبس، قال: فإذا فاء، وكفّر عن يمينه فأشهد على فيئه قبل أن تمضي أربعة أشهرٍ فلا نراه إلاّ قد صلح له أن يمسك امرأته ولم يذهب من طلاقها شيءٌ.
[جامع البيان: 4/57]
قال: وقال ابن شهابٍ، في رجلٍ يؤلي من امرأته ولم يبق لها عليه إلاّ تطليقةٌ، فيريد أن يفيء في آخر ذلك وهو مريضٌ، أو مسافرٌ، أو هي مريضةٌ، أو طامثٌ، أو غائبةٌ لا يقدر على أن يبلغها حتّى تمضي أربعة أشهرٍ أله في شيءٍ من ذلك رخصةٌ أن يكفّر عن يمينه، ولم يقدر على أن يطأ امرأته؟ قال: نرى واللّه أعلم إن فاء قبل الأربعة الأشهر فهي امرأته، بعد أن يشهد على ذلك ويكفّر عن يمينه، وإن لم يبلغها ذلك من فيئته، فإنّه قد فاء قبل أن يكون طلاقًا.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: الفيء: الجماع. فإن هو لم يقدر على المجامعة، وكانت به علّةٌ من مرضٍ، أو كان غائبًا، أو كان محرمًا، أو شيءٌ له فيه عذرٌ، ففاء بلسانه وأشهد على الرّضا، فإنّ ذلك له فيءٌ إن شاء اللّه.
وقال آخرون: الفيء: المراجعة باللّسان بكلّ حالٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا الضّحّاك بن مخلدٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، وحمّادٍ، عن إبراهيم، قال: الفيء: أن يفيء، بلسانه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن زيادٍ الأعلم، عن الحسن، قال: الفيء: الإشهاد.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثني الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن زيادٍ الأعلم، عن الحسن، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، قال: إن فاء في نفسه أجزأه، يقول: قد فاء.
[جامع البيان: 4/58]
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن إسماعيل بن رجاءٍ، قال: ذكروا الإيلاء عند ابراهيم، فقال: أرأيت إن لم ينتشر ذكره؟ إذا أشهد فهي امرأته.
قال أبو جعفرٍ: وإنّما اختلف المختلفون في تأويل الفيء على قدر اختلافهم في معنى اليمين الّتي تكون إيلاءً، فمن كان من قوله: إن الرّجل لا يكون مؤليًا من امرأته الإيلاء الّذي ذكره اللّه في كتابه إلاّ بالحلف عليها أن لا يجامعها جعل الفيء الرّجوع إلى فعل ما حلف عليه أن لا يفعله من جماعها، وذلك الجماع في الفرج إذا قدر على ذلك وأمكنه، وإذا لم يقدر عليه ولم يمكنه، فإحداث النّيّة أن يفعله إذا قدر عليه وأمكنه وإبداء ما نوى من ذلك بلسانه ليعلمه المسلمون في قول من قال ذلك.
وأمّا قول من رأى أنّ الفيء هو الجماع دون غيره، فإنّه لم يجعل العائق له عذرًا، ولم يجعل له مخرجًا من يمينه غير الرّجوع إلى ما حلف على تركه وهو الجماع.
وأمّا من كان من قوله: إنّه قد يكون مؤليًا منها بالحلف على ترك كلامها، أو على أن يسوءها، أو يغيظها، أو ما أشبه ذلك من الأيمان، فإنّ الفيء عنده الرّجوع إلى ترك ما حلف عليه أن يفعله ممّا فيه مساءتها بالعزم على الرّجوع عنه وإبداء ذلك بلسانه في كلّ حالٍ عزم فيها على الفيء.
[جامع البيان: 4/59]
وأولى الأقوال بالصّحّة في ذلك عندنا قول من قال: الفيء: هو الجماع؛ لأنّ الرّجل لا يكون مؤليًا عندنا من امرأته إلاّ بالحلف على ترك جماعها المدّة الّتي ذكرنا للعلل الّتي وصفنا قبل. فإذ كان ذلك هو الإيلاء فالفيء الّذي يبطل حكم الإيلاء عنه لا شكّ أنّه غير جائزٍ أن يكون إلاّ ما كان للّذي آلى عليه خلافًا لأنّه لمّا جعل حكمه إن لم يفئ إلى ما آلى على تركه الحكم الّذي بيّنه اللّه لهم في كتابه كان الفيء إلى ذلك معلوم أنّه فعل ما آلى على تركه إن أطاقه، وذلك هو الجماع، غير أنّه إذا حيل بينه وبين الفيء الّذي هو الجماع بعذرٍ، فغير كائنٍ تاركًا جماعها على الحقيقة، لأنّ المرء إنّما يكون تاركًا ما له إلى فعله وتركه سبيلٌ، فأمّا من لم يكن له إلى فعل أمر سبيلٌ، فغير كائنٍ تاركه. وإذ كان ذلك كذلك فإحداث العزم في نفسه على جماعها مجزئٌ عنه في حال العذر، حتّى يجد السّبيل إلى جماعها. وإن أبدى ذلك بلسانه وأشهد على نفسه في تلك الحال بالأوبة، والفيء كان أعجب إليّ). [جامع البيان: 4/60]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فإنّ اللّه غفورٌ لكم فيما اجترمتم بفيئكم إليهنّ من الحنث في اليمين الّتي حلفتم عليهنّ باللّه أن لا تغشوهنّ رحيمٌ بكم في تخفيفه عنكم كفّارة أيمانكم الّتي حلفتم عليهنّ ثمّ حنثتم فيها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: {فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} قال: لا كفّارة عليه.
[جامع البيان: 4/60]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن الحسن، قال: إذا فاء فلا كفّارة عليه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون في قول اللّه: {فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} أنّ كفّارته فيؤه.
وهذا التّأويل الّذي ذكرنا هو التّأويل الواجب على قول من زعم أنّ كلّ حانثٍ في يمينٍ هو في المقام عليها حرجٌ، فلا كفّارة عليه في حنثه فيها، وإنّ كفّارتها الحنث فيها.
وأمّا على قول من أوجب على الحانث في كلّ يمينٍ حلف بها كفارة برًّا كان الحنث فيها أو غير برٍّ، فإنّ تأويله: فإنّ اللّه غفورٌ للمؤلين من نسائهم فيما حنثوا فيه من إيلائهم، بأنّ فاءوا فكفّروا أيمانهم بما ألزم اللّه الحانثين في أيمانهم من الكفّارة، رحيمٌ بهم بإسقاطه عنهم العقوبة في العاجل، والآجل على ذلك بتكفيره إيّاه بما فرض عليهم من الجزاء، والكفّارة، وبما جعل لهم من المهل الأشهر الأربعة، فلم يجعل فيها للمرأة الّتي آلى منها زوجها ما جعل لها بعد الأشهر الأربعة.
[جامع البيان: 4/61]
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: حدّثنا يحيى بن بشرٍ، أنّه، سمع عكرمة، يقول: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ وإن عزموا الطّلاق} قال: وتلك رحمة اللّه ملّكه أمرها الأربعة الأشهر إلاّ من معذرةٍ، لأنّ اللّه قال: {واللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع}.
ذكر بعض من قال: إذا فاء المؤلي فعليه الكفّارة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} وهو الرّجل يحلف لامرأته باللّه لا ينكحها، فيتربّص أربعة أشهرٍ، فإن هو نكحها كفّر يمينه بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبةٍ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني يونس، قال: حدّثني ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، بنحوه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، قال: إذا آلى فغشيها قبل الأربعة الأشهر كفّر عن يمينه.
[جامع البيان: 4/62]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم: في النّفساء يؤلي منها زوجها، قال: هذه في محاربٍ؛ سئل عنها أصحاب عبد اللّه، فقالوا: إذا لم يستطع كفّر عن يمينه، وأشهد على الفيء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: إن فاء فيها كفّر يمينه وهي امرأته.
- حدّثت عن عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّامٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم: في الإيلاء قال: يوقف قبل أن تمضي الأربعة الأشهر، فإن راجعها فهي امرأته وعليه يمينٌ يكفّرها إذا حنث.
قال أبو جعفرٍ: وهذا التّأويل الثّاني هو الصّحيح عندنا في ذلك لما قد بيّنّا من العلل في كتابنا كتاب الأيمان من أنّ الحنث موجبٌ الكفّارة في كلّ ما ابتدئ فيه الحنث من الأيمان بعد الحلف على معصيةٍ كانت اليمين أو على طاعةٍ). [جامع البيان: 4/63]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (226)
قوله تعالى: للّذين يؤلون من نسائهم
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا أبو قتيبة، عن عبد الرّحمن بن أبي الرّجال، عن أبيه عن عمرة، عن عائشة قالت: كان إيلاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقسم باللّه لا أقربكنّ شهرًا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فهذا الرّجل يحلف لامرأته، لا ينكحها باللّه.
- حدّثنا أبي ثنا عثمان بن حفصٍ البصريّ، ثنا ملسمة بن علقمة ثنا داود، عن سعيد بن المسيّب، في قوله: للّذين يؤلون من نسائهم قال: يحلفون. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن ومقاتل بن حيّان وعبد الكريم، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/411]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: تربص أربعة أشهر
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان، عن معمرٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن أبي سلمة عن عثمان بن عفّان، وزيد بن ثابتٍ قالا: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ، وهي أحقّ بنفسها.
[تفسير القرآن العظيم: 2/411]
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا ابن المبارك، عن يحي بن بشرٍ أنّه سمع عكرمة يقول: للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاؤ فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ وإن عزموا الطّلاق قال: ذلك رحمةٌ رحمها اللّه، فملّكها أمرها، لانقضاء الأربعة أشهر بما ظلمها وأضرّ بها. ولا يحلّ لرجلٍ أن يهجر امرأته أربعة أشهرٍ إلا من معذرةٍ، الّتي قال اللّه: واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع
- قال أبو محمّدٍ: وروي عن عليّ بن أبي طالبٍ في إحدى رواياته وعبد اللّه بن مسعودٍ وابن عبّاسٍ وابن عمر في إحدى رواياته وابن الحنفيّة وسعيد بن المسيّب وأبي بكر بن عبد الرّحمن وأبي سلمة وسالم بن عبد اللّه وقبيصة بن ذؤيبٍ ومسروقٍ ومحمّد بن سيرين وسعيد بن جبيرٍ وعطاءٍ والحسن وإبراهيم وجابر بن زيدٍ وعكرمة ومكحولٍ والزّهريّ وابن شبرمة، أنّهم قالوا: إذا انقضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الشّيبانيّ، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن عليٍّ، أنّه كان يقول: يوقف المولي.
قال أبو محمّدٍ: ويروى عن عثمان في إحدى رواياته وابن عمر، في إحدى رواياته وعائشة وأبي الدّرداء وابن عبّاسٍ وسهل بن سعدٍ والشّعبيّ وسعيد بن المسيّب في إحدى رواياته وسليمان بن يسارٍ والقاسم بن محمّدٍ وعروة بن الزّبير وطاوسٍ وأبي مجلزٍ، أنّهم قالوا: يوقف المولي.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/412]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ قال: كان مجاهدٌ يقول: إذا مضت أربعة أشهرٍ، يوقف حتّى يراجع أهله أو يطلّق.
[تفسير القرآن العظيم: 2/412]
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا ابن المبارك، عن أبي عوانة، عن المغيرة، قال: قال القعقاع: سألت الحسن عن الرّجل ترضع امرأته صبيًّا، قال: أخاف ألا يطأها حتّى تفطم ولدها؟ قال: ما أرى هذا بغضبٍ، إنّما الإيلاء في الغضب). [تفسير القرآن العظيم: 1/413]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فإن فاؤ
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا أسباطٌ عن مطرّفٍ، عن عامرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الفيء: الجماع. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عليّ بن أبي طالبٍ ومسروقٍ والشّعبيّ ومقاتل بن حيّان وسعيد بن جبيرٍ، نحو ذلك
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن شريكٍ، عن من سمع الشّعبيّ يعني محمّد بن سالمٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: الفيء: الرّضى.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن علقمة وإبراهيم النّخعيّ مثل ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، أنّ رجلا آلى من امرأته فنفست، فسئل مسروقٌ وأصحاب عبد اللّه، فقالوا: يشهد.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن، وأحد قولي علقمة، قالا: الفيء:
الإشهاد.
والوجه الرّابع: أن يكون معذورًا، فيفيء بلسانه.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة، عن الحسن، قال: إن آلى، ثمّ مرض أو سجن أو سافر، ثمّ راجع، فإنّ له عذرًا، ألا يجامع. قال: وسمعت الزّهريّ يقول مثل ذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/413]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا هشيمٌ، عن محمّد بن سالمٍ عن الشّعبيّ عن ابن مسعودٍ، قال: إذا حال بينه وبينها مرضٌ أو سفرٌ أو جيشٌ، أو شيءٌ يعذر به، فإشهاده فيءٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/414]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، حدّثنا محمد بن علي بن الحسن ابن شقيقٍ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: فإنّ فاؤ فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ لليمين الّتي حنث فيها). [تفسير القرآن العظيم: 1/414]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله للذين يؤلون
[تفسير مجاهد: 107]
من نسائهم قال يوقف إذا مضت أربعة أشهر حتى يراجع أو يطلق). [تفسير مجاهد: 108]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم
[الدر المنثور: 2/629]
أخرج عبد الرزاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرؤوها ((للذين يقسمون من نسائهم)) ويقول: الإيلاء القسم والقسم الإيلاء.
وأخرج ابن المنذر عن أبي بن كعب، مثله.
وأخرج أبن أبي داود في المصاحف عن حماد قال: قرأت في مصحف أبي (للذين يقسمون).
وأخرج الشتفعي وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: الإيلاء أن يحلف بالله أن لا يجامعها أبدا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {للذين يؤلون من نسائهم} قال: هو الرجل يحلف لأمرأته بالله لا ينكحها
فيتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر يمينه فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان أما أن يفيء فيراجع وإما أن يعزم فيطلق كما قال الله سبحانه وتعالى.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي
[الدر المنثور: 2/630]
والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك فوقت الله أربعة أشهر فإن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} قال: هذا في الرجل يؤلي من امرأته يقول: والله لا يجتمع رأسي ورأسك ولا أقربك ولا أغشاك، قال: وكان أهل الجاهلية يعدونه طلاقا فحد لهم أربعة أشهر فإن فاء فيها كفر عن يمينه وكانت امرأته وإن مضت الأربعة أشهر ولم يفى ء فيها فهي طالقة وهي أحق بنفسها وهو أحد الخطاب ويخطبها زوجها في عدتها ولا يخطبها غيره في عدتها فإن تزوجها فهي عنده على تطليقتين.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس قال: كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم والشعبي، مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بحلف.
وأخرج عبد بن حميد سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي هجر امرأته سنة ولم يكن حلف فقالت له عائشة: أما تقرأ آية الإيلاء أنه لا ينبغي أن تهجر أكثر من أربعة أشهر
[الدر المنثور: 2/631]
وأخرج عبد بن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، أنه سمع عائشة وهي تعظ خالد بن العاص المخزومي في طول الهجرة لامرأته تقول: يا خالد إياك وطول الهجرة فإنك قد سمعت ما جعل الله للموتى من الأجل إنما جعل الله له تربص أربعة أشهر فأخذ طول الهجرة، قال محمد بن مسلم: ولم يبلغنا أنه مضى في طول الهجرة طلاق لأحد ولكن عائشة حذرته ذلك فأرادت أن تعطفه على امرأته وحذرت عليه أن تشبهه بالإيلاء.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب.
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال: الإيلاء إيلاءان، إيلاء
الغضب وإيلاء في الرضا أما الإيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه وأما ما كان في الرضا فلا يؤخذ به.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبيهقي عن عطية بن جبير قال: ماتت أم صبي بيني وبينه قرابة فحلف أبي أن لا يطأ أمي حتى تفطمه فمضى أربعة أشهر فقالوا: قد بانت منك، فأتى عليا فقال: إن كنت إنما حلفت على تضرة فقد بانت منك وإلا فلا.
وأخرج عبد بن حميد عن أم عطية قالت: ولد لنا غلام فكان أجدر شيء وأسمنه، فقال القوم لأبيه: إنكم لتحسنون غذاء هذا الغلام، فقال: إني
[الدر المنثور: 2/632]
حلفت أن لا أقرب أمه حتى تفطمه، فقال القوم قد - والله - ذهبت عنك إمرأتك، فارتفعا إلى علي فقال علي: أنت أمن نفسك أم من غضب غضبته عليها فحلفت قال: لا بل أريد أن أصلح إلى ولدي، قال: فإن ليس في الإصلاح إيلاء.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: أتى رجل عليا فقال: إني حلفت أن لا أتي إمرأتي سنتين، فقال: ما أراك إلا قد آليت، قال: إنما حلفت من أجل أنها ترضع ولدي قال: فلا إذن.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، أنه سئل عن رجل قال لامرأته: والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك، قال: والله ما هذا بإيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن الرجل يحلف أن لا يقرب امرأته وهي ترضع شفقة على ولدها فقال إبراهيم: ما أعلم الإيلاءفي الغضب قال الله {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم} فإنما الفيء من الغضب، وقال إبراهيم: لا أقول فيها شيئا، وقال حماد لا أقول فيها شيئا.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن يزيد بن الأصم قال: تزوجت امرأة فلقيت ابن عباس فقلت: تزوجت بهلل بنت يزيد وقد بلغني أن في خلقها شيئا ثم قال: والله لقد خرجت وما أكلمها، قال: عليك بها قبل أن
[الدر المنثور: 2/633]
تنقضي أربعة أشهر.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن منصور قال: سألت إبراهيم عن رجل حلف لا يكلم امرأته فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها قال: إنما كان الإيلاء في الجماع وأنا أخشى أن يكون إيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: إذا آلى على شهر أو شهرين أو ثلاثة دون الحد برت يمينه لا يدخل عليه إيلاء.
وأخرج الشافعي، وعبد بن حميد والبيهقي، عن طاووس قال: كل شيء دون الأربعة فليس بإيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: لو آلى منها شهرا كان إيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن الحكم، أن رجلا آلى من امرأته شهرا فتركها حتى مضت أربعة أشهر قال النخعي: هو إيلاء وقد بانت منه.
وأخرج عبد بن حميد عن وبرة، أن رجلا آلى عشرة أيام فمضت أربعة أشهر فجاء إلى عبد الله فجعله إيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي ليلى قال: إن آلى منها يوما أو ليلة فهو إيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الرجل يقول لامرأته: والله لا أطئوك
[الدر المنثور: 2/634]
الليلة فتركها من أجل ذلك قال: إن تركها حتى تمضي أربعة أشهر فهو إيلاء.
وأخرج أبو عبيد في فضائله، وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ ((فإن فاؤا فيهن فإن الله غفور رحيم)).
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال: الفيء الجماع.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" من طرق عن ابن عباس قال: الفيء الجماع.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال: الفيء الجماع.
وأخرج ابن المنذر، عن علي، قال: الفيء الرضا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: الفيء الرضا.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال: قال مسروق: الفيء الجماع، قيل: ألا سألته عمن رواه قال: كان الرجل في عيني من ذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: الفيء الإشهاد.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وعبد بن حميد عن الحسن قال:
[الدر المنثور: 2/635]
الفيء الجماع فإن كان له عذر من مرض أو سجن أجزأه أن يفيء بلسانه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إذا حال بينه وبينها مرض أو سفر أو حبس أو شيء يعذر به فإشهاده فيء.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الشعثاء، أنه سأل علقمة عن الرجل يولي من امرأته فيكون بها نفاس أو شيء فلا يستطيع أن يطأها قال: إذا فاء بقلبه ولسانه ورضي بذلك فهو فيء.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن أبي الشعثاء قال: يجزئه حتى يتكلم بلسانه.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن أبي قلابة قال: إذا فاء في نفسه أجزأه.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن قال: إذا آلى الرجل من امرأته ثم وقع عليها قبل الأربعة أشهر فليس عليه كفارة لأن الله تعالى قال {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم} أي لتلك اليمين.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن إبراهيم قال: كانوا
[الدر المنثور: 2/636]
يرجون في قول الله {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم} أن كفارته فيئه.
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت قال: عليه كفارة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: إن فاء كفر وإن لم يفعل فهي واحدة وهي أحق بنفسها). [الدر المنثور: 2/637]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في معنى قول اللّه تعالى ذكره {وإن عزموا الطّلاق}.
[جامع البيان: 4/63]
فقال بعضهم: معنى ذلك: للّذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ، فإن فاءوا فرجعوا إلى ما أوجب اللّه لهنّ من العشرة بالمعروف في الأشهر الأربعة الّتي جعل اللّه لهم تربّصهم عنهنّ، وعن جماعهنّ، وعشرتهنّ في ذلك بالواجب، فإنّ اللّه لهم غفورٌ رحيمٌ، وإن تركوا الفيء إليهنّ في الأشهر الأربعة الّتي جعل اللّه لهم التّربّص فيهنّ حتّى ينقضين طلّق منهم نساؤهم اللاّتي آلوا منهنّ بمضيّهنّ، ومضيّهنّ عند قائلي ذلك هو الدّلالة على عزم المؤلي على طلاق امرأته الّتي آلى منها.
ثمّ اختلف متأوّلو هذا التّأويل بينهم في الطّلاق الّذي يلحقها بمضيّ الأشهر الأربعة، فقال بعضهم: هو تطليقةٌ بائنةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن خلاسٍ أو الحسن، عن عليٍّ، قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ، فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة: أنّ عليًّا، وابن مسعودٍ، كانا يجعلانها تطليقةً إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي أحقّ بنفسها قال قتادة: وقول عليٍّ وعبد اللّه أعجب إليّ في الإيلاء.
[جامع البيان: 4/64]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: أنّ عليًّا قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ بانت بتطليقةٍ.
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن أبي سلمة، أنّ عثمان بن عفّان، وزيد بن ثابتٍ، كانا يقولان: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي واحدةٌ بائنةٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرنا عطاءٌ الخراسانيّ، قال: سمعني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أسأل ابن المسيّب، عن الإيلاء، فمررت به، فقال: ما قال لك ابن المسيّب؟ فحدّثته بقوله. فقال: أفلا أخبرك ما كان عثمان بن عفّان، وزيد بن ثابتٍ يقولان؟ قلت: بلى. قال: كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي واحدةٌ وهي أحقّ بنفسها.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد، عن الأوزاعيّ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، قال: حدّثنا أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ عثمان بن عفّان قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ من يوم آلى فتطليقةٌ بائنةٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن معمرٍ، أو حدّثت عنه، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن أبي سلمة، عن عثمان، وزيدٍ، أنّهما كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
[جامع البيان: 4/65]
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: آلى عبد اللّه بن أنيسٍ من امرأته، فمكثت ستّة أشهرٍ، فأتى ابن مسعودٍ، فسأله، فقال: أعلمها أنّها قد ملكت أمرها. فأتاها فأخبرها، وأصدقها رطلاً من ورقٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن إبراهيم، عن عبد اللّه: أنّه كان يقول في الإيلاء: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، مثل ذلك.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: آلى عبد اللّه بن أنيسٍ، من امرأته، قال: فخرج فغاب عنها ستّة أشهرٍ، ثمّ جاء فدخل عليها، فقيل: إنّها قد بانت منك. فأتى عبد اللّه، فذكر ذلك له، فقال له عبد اللّه: قد بانت منك، فأتها، وأعلمها، واخطبها إلى نفسها فأتاها فأعلمها أنّها قد بانت منه وخطبها إلى نفسها، وأصدقها رطلاً من ورقٍ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن مسعودٍ: أنّه قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي واحدةٌ بائنةٌ.
[جامع البيان: 4/66]
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ: أنّ رجلاً، من بني هلالٍ يقال له فلان ابن أنيسٍ، أو عبد اللّه بن أنيسٍ، أراد من أهله ما يريد الرّجل من أهله، فأبت، فحلف أن لا يقربها. فطرأ على النّاس بعثٌ من الغد، فخرج فغاب ستّة أشهرٍ، ثمّ قدم فأتى أهله، ما يرى أنّ عليه بأسًا. فخرج إلى القوم فحدّثهم بسخطه على أهله حيث خرج وبرضاه عنهم حين قدم. فقال القوم: فإنّها قد حرّمت عليك. فأتى ابن مسعودٍ، فسأله عن ذلك، فقال ابن مسعودٍ: أما علمت أنّها حرّمت عليك؟ قال لا. قال: فانطلق فاستأذن عليها، فإنّها ستنكر ذلك، ثمّ أخبرها أنّ يمينك الّتي كنت حلفت عليها صارت طلاقًا، وأخبرها أنّها واحدةٌ وأنّها أملك بنفسها، فإن شاءت خطبتها فكانت عندك على ثنتينٍ، وإلاّ فهي أملك بنفسها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ: قال: حدّثنا سفيان، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه: قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ، وتعتدّ ثلاثة قروءٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، والأعمش، ومغيرة، عن إبراهيم: أنّ عبد اللّه بن أنيسٍ، آلى من امرأته، فمضت أربعة أشهرٍ، ثمّ جامعها وهو ناسٍ، فأتى علقمة، فذهب به إلى عبد اللّه، فقال عبد اللّه: بانت منك فاخطبها إلى نفسها، فأصدقها رطلاً من فضّةٍ.
[جامع البيان: 4/67]
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة: أنّ النّعمان بن بشيرٍ، آلى من امرأته، فضرب ابن مسعودٍ فخذه وقال: إذا مضت أربعة أشهرٍ فاعترف بتطليقةٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن عامرٍ: أنّ ابن مسعودٍ، قال في المؤلي: إذا مضت أربعة أشهرٍ ولم يفئ فقد بانت منه امرأته بواحدةٍ وهو خاطبٌ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: عزم الطّلاق انقضاء الأربعة الأشهر.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ مثله.
[جامع البيان: 4/68]
- حدّثنا محمّد بن المثنى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي واحدةٌ بائنةٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، عن جعفر بن برقان، عن عبد الأعلى بن ميمون بن مهران، عن عكرمة أنّه قال: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقةٌ بائنةٌ فذكر ذلك عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: عزيمة الطّلاق انقضاء الأربعة.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، قال: حدّثنا الأعمش، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: أنّ أمير، مكّة سأله عن المؤلي، فقال: كان ابن عمر يقول: إذا مضت أربعة أشهرٍ ملكت أمرها وكان ابن عبّاسٍ يقول ذلك.
[جامع البيان: 4/69]
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن الحجّاج، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن حجّاجٍ، عن سالمٍ المكّيّ، عن ابن الحنفيّة، مثله.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا أبي، وشعيبٌ، عن اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبان بن صالحٍ، عن ابن شهابٍ: أنّ قبيصة بن ذؤيبٍ قال في الإيلاء: هي تطليقةٌ بائنةٌ، وتأتنف العدّة وهي أملك بأمرها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، عن شريحٍ: أنّه أتاه رجلٌ فقال: إنّي آليت من امرأتي فمضت أربعة أشهرٍ قبل أن أفيء. فقال شريحٌ: {وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} لم يزده عليها. فأتى مسروقًا فذكر ذلك له فقال: يرحم اللّه أبا أميّة لو أنّا قلنا مثل ما قال لم يفرّج أحدٌ عنه، وإنّما أتاه ليفرّج عنه. ثمّ قال: هي تطليقةٌ بائنةٌ، وأنت خاطبٌ من الخطّاب.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن مغيرة، أنّه، سمع الشّعبيّ، يحدّث: أنّه شهد شريحًا وسأله رجلٌ عن الإيلاء فقال: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} الآية، قال: فقمت من عنده، فأتيت مسروقًا فقلت: يا أبا عائشة، وأخبرته بقول شريحٍ، فقال: يرحم اللّه أبا أميّة، لو أنّ النّاس كلّهم قالوا مثل هذا من كان يفرّج عنّا مثل هذا؛ ثمّ قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي واحدةٌ بائنةٌ.
[جامع البيان: 4/70]
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو داود، عن جرير بن حازمٍ، قال: قرأت في كتاب أبي قلابة عند أيّوب: سألت سالم بن عبد اللّه، وأبا سلمة بن عبد الرّحمن فقالا: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا أبو داود، عن جرير بن حازمٍ، عن قيس بن سعدٍ، عن عطاءٍ، قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ، فهي تطليقةٌ بائنةٌ، ويخطبها في العدّة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه: في الرّجل يقول لامرأته: واللّه لا يجمع رأسي ورأسك شيءٌ أبدًا ويحلف أن لا يقربها أبدًا، فإن مضت أربعة أشهرٍ ولم يفئ كانت تطليقةٌ بائنةٌ وهو خاطبٌ قول عليٍّ، وابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ، والحسن.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: أنّه سئل عن رجلٍ، قال لامرأته: إن قربتك فأنت طالقٌ ثلاثًا، قال: فإذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ، وسقط ذلك.
- حدّثنا سوّارٌ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، وحدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، جميعًا، عن يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن، ومحمّدًا، في الإيلاء، قالا: إذا مضت أربعة أشهرٍ فقد بانت بتطليقةٍ بائنةٍ، وهو خاطبٌ من الخطّاب.
[جامع البيان: 4/71]
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: كنّا نتحدّث في الأليّة أنّها إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّامٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، في الإيلاء قال: إن مضت، يعني أربعة أشهرٍ بانت منه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن قتادة، عن النّخعيّ، قال: إن قربها قبل الأربعة الأشهر فقد بانت منه بثلاثٍ، وإن تركها حتّى تمضي الأربعة الأشهر بانت منه بالإيلاء؛ في رجلٍ قال لامرأته: أنت طالقٌ ثلاثًا إن قربتك سنةً.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، قال: اعتمّ عبيد اللّه بن زيادٍ عند هندٍ في ليلة أمّ عثمان ابنة عمر بن عبيد اللّه؛ فلمّا أتاها أمرت جواريها فأغلقن الأبواب دونه، فحلف أن لا يأتيها حتّى تأتيه، فقيل له: إن مضت أربعة أشهرٍ ذهبت منك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عوفٌ، قال: بلغني أنّ الرّجل، إذا آلى من امرأته فمضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ، ويخطبها إن شاء.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} في الّذي يقسم، وإن مضت الأربعة الأشهر فقد حرّمت عليه، فتعتدّ عدّة المطلّقة وهو أحد الخطّاب.
[جامع البيان: 4/72]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، قال: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} وهذا في الرّجل يؤلي من امرأته ويقول: واللّه لا يجتمع رأسي ورأسك، ولا أقربك، ولا أغشاك فكان أهل الجاهليّة يعدّونه طلاقًا، فحدّ اللّه لهما أربعة أشهرٍ، فإن فاء فيها كفّر يمينه وهي امرأته، وإن مضت أربعة أشهرٍ ولم يفئ فهي تطليقةٌ بائنةٌ، وهي أحقّ بنفسها، وهو أحد الخطّاب.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} قال: كان ابن مسعودٍ، وعمر بن الخطّاب، يقولان: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي طالقٌ بائنةٌ، وهي أحقّ بنفسها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو وهبٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {للّذين يؤلون} الآية، هو الّذي يحلف أن لا يقرب امرأته، فإن مضت أربعة أشهرٍ ولم يفئ ولم يطلّق بانت منه بالإيلاء، فإن رجعت إليه فمهرٌ جديدٌ، ونكاحٌ ببيّنةٍ، ورضًا من المؤلي.
وقال آخرون: بل الّذي يلحقها بمضيّ الأربعة الأشهر تطليقةٌ يملك فيها الزّوج الرّجعة.
[جامع البيان: 4/73]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا مالكٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، وأبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، قالا: إذا آلى الرّجل من امرأته فمضت أربعة أشهرٍ، فواحدةٌ وهو أملك لرجعتها.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن مالكٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ يملك الرّجعة.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أميّة، عن مكحولٍ، قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ، يملك الرّجعة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن، قال: هي واحدةٌ وهو أحقّ بها، يعني إذا مضت الأربعة الأشهر وكان الزّهريّ يفتي بقول أبي بكرٍ هذا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا اللّيث، قال: حدّثني يونس، قال: قال ابن شهابٍ: حدّثني سعيد بن المسيّب، أنّه قال: إذا آلى الرّجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر قبل أن يفيء فهي تطليقةٌ وهو أملك بها ما كانت في عدّتها.
[جامع البيان: 4/74]
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، قال: حدّثنا أبو يونس القويّ، قال: قال لي سعيد بن المسيّب: ممّن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق، قال: لعلك ممّن يقول: إذا مضت أربعة أشهرٍ فقد بانت؟ لا، ولو مضت أربع سنين.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا حجّاج بن رشدين، قال: حدّثنا عبد الجبّار بن عمر، عن ربيعة: أنّه قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ، وتستقبل عدّتها، وزوجها أحقّ برجعتها.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: كان ابن شبرمة، يقول: إذا مضت أربعة أشهرٍ فله الرّجعة؛ ويخاصم بالقرآن، ويتأوّل هذه الآية: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} ثمّ نزع: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: قال أبو عمرٍو: ونحن في ذلك يعني في الإيلاء على قول أصحابنا الزّهريّ، ومكحولٍ، أنّها تطليقةٌ يعني مضى الأربعة الأشهر وهو أملك بها في عدّتها.
وقال آخرون: معنى قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم} إلى قوله: {فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} للّذين يؤلون على الاعتزال من نسائهم تنظر أربعة أشهرٍ بأمره وأمرها، فإن فاءوا بعد انقضاء الأشهر الأربعة إليهنّ، فرجعوا إلى عشرتهنّ بالمعروف، وترك هجرانهنّ، وأتوا إلى غشيانهنّ، وجماعهنّ، فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ، وإن عزموا الطّلاق فأحدثوا لهنّ طلاقًا بعد الأشهر الأربعة، فإنّ اللّه سميعٌ لطلاقهم إيّاهنّ، عليمٌ بما فعلوا بهنّ من إحسانٍ، وإساءةٍ.
[جامع البيان: 4/75]
وقال متأوّلو هذا التّأويل: مضيّ الأشهر الأربعة يوجب للمرأة المطالبة على زوجها المؤلي منها بالفيء، أو الطّلاق، ويجب على السّلطان أن يقف الزّوج على ذلك، فإن فاء، أو طلّق، وإلاّ طلّق عليه السّلطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: أخبرنا المثنّى بن الصّبّاح، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: أنّ عمر قال في الإيلاء: لا شيء عليه حتّى يوقف، فيطلّق، أو يمسك.
- حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن شبّويه، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، قال: حدّثنا يحيى بن أيّوب، عن المثنّى، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن عمر بن الخطّاب، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا غندرٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يحدّث، عن عمر بن الخطّاب: أنّه قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ لم يجعله شيئًا.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن الشّيبانيّ، عن الشّعبيّ، عن عمرو بن سلمة، عن عليٍّ: أنّه كان يقف المؤلي بعد الأربعة الأشهر حتّى يفيء، أو يطلّق.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن الشّيبانيّ، عن الشّعبيّ، عن عمرو بن سلمة، عن عليٍّ قال في الإيلاء: يوقف.
[جامع البيان: 4/76]
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الشّيبانيّ، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن أبي ليلى، عن عليٍّ: أنّه كان يقفه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن الشّيبانيّ، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن أبي ليلى، عن عليٍّ: أنّه كان يوقفه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن مروان بن الحكم، عن عليٍّ، قال: يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة الأشهر حتّى يفيء، أو يطلّق قال أبو كريبٍ، قال ابن إدريس: وهو قول أهل المدينة.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن مروان، عن عليٍّ مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن مروان بن الحكم، عن عليٍّ، قال: المؤلي إمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن مسعرٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن طاووسٍ، أنّ عثمان، كان يقف المؤلي بقول أهل المدينة.
[جامع البيان: 4/77]
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، قال: لقيت طاووسًا، فسألته فقال: كان عثمان، يأخذ بقول أهل المدينة.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا همّامٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي الدّرداء، أنّه قال: ليس له أجلٌ وهي معصيةٌ، يوقف في الإيلاء، فإمّا أن يمسك، وإمّا أن يطلّق.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا همّامٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، أنّ أبا الدّرداء قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ فإنّه يوقف، إمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، أنّ أبا الدّرداء، كان يقول: هي معصيةٌ، ولا تحرم عليه امرأته بعد الأربعة الأشهر، ويجعل عليها العدّة بعد الأربعة الأشهر.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّ أبا الدّرداء، وسعيد بن المسيّب قالا: يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق، ولا يزال مقيمًا على معصيةٍ حتّى يفيء، أو يطلّق.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، أنّ أبا الدّرداء، وعائشة، قالا: يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق.
[جامع البيان: 4/78]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي الدّرداء، وسعيد بن المسيّب، نحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا الحسن، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة: يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق. قال: قلت: أنت سمعتها؟ قال: لا تبكّتني.
- حدّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد اللّه، قال: حدّثنا عمران بن ميسرة، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا حسن بن الفرات بإسناده عن عائشة، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا عبد الجبّار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبيد اللّه بن عمر، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أنّها قالت: إذا آلى الرّجل أن لا يمسّ امرأته فمضت أربعة أشهرٍ، فإمّا أن يمسكها كما أمره اللّه، وإمّا أن يطلّقها لا يوجب عليه الّذي صنع طلاقًا، ولا غيره.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس بن يزيد، وناجية بن بكرٍ، وابن أبي الزّناد، عن أبي الزّناد، قال: أخبرني القاسم بن محمّدٍ: أنّ خالد بن العاص المخزوميّ، كانت عنده ابنة أبي سعيد بن هشامٍ، وكان يحلف فيها مرارًا كثيرةً أن لا يقربها الزّمان الطّويل، قال: فسمعت عائشة تقول له: ألا تتّقي اللّه يا ابن العاص في ابنة أبي سعيدٍ؟ أما تحرّج؟ أما تقرأ هذه الآية الّتي في سورة البقرة؟ قال: فكأنّها تؤثّمه، ولا ترى أنّه فارق أهله.
[جامع البيان: 4/79]
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه قال في المؤلي: لا يحلّ له إلاّ ما أحلّ اللّه له، إمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا عبد اللّه بن نميرٍ، قال: أخبرنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، نحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: لا يجوز للمؤلي أن لا يفعل ما أمره اللّه، يقول: يبيّن رجعتها، أو يطلّق عند انقضاء الأربعة الأشهر يبيّن رجعتها، أو يطلّق قال أبو كريبٍ. قال ابن إدريس وزاد فيه. وراجعته فيه، فقال قولاً معناه: إنّ له الرّجعة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّ عمر، قال نحوًا من قول ابن عمر.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جرير بن حازمٍ، قال: أخبرنا نافعٌ، أنّ ابن عمر قال في الإيلاء: يوقف عند الأربعة الأشهر.
[جامع البيان: 4/80]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبيد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه قال: إذا آلى الرّجل أن لا يمسّ امرأته فمضت أربعة أشهرٍ، فإمّا أن يمسكها كما أمره اللّه، وإمّا أن يطلّقها ولا يوجب عليه الّذي صنع طلاقًا: ولا غيره.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سألت ابن عمر، عن الإيلاء، فقال: الأمراء يقضون بذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: يوقف المؤلي بعد انقضاء الأربعة. فإمّا أن يطلّق، وإمّا أن يفيء.
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن شبّويه قال: حدّثنا ابن أبي مريم قال: حدّثنا يحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن عمر، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه قال: سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن الرّجل يؤلي من امرأته، فكلّهم يقول: ليس عليه شيءٌ حتّى تمضي الأربعة الأشهر فيوقف، فإن فاء وإلاّ طلّق.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال حدّثنا داود، عن سعيد بن المسيّب: في الرّجل يؤلي من امرأته قال: كان لا يرى أن تدخل عليه فرقه حتّى يطلّق.
[جامع البيان: 4/81]
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن سعيد بن المسيّب: في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهرٍ إنّما جعله اللّه وقتًا لا يحلّ له أن يجاوز حتّى يفيء، أو يطلّق، فإن جاوز فقد عصى اللّه لا تحرم عليه امرأته.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: إذا مضت أربعة أشهرٍ، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، وابن بشّارٍ قالا: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن ابن المسيّب: في الإيلاء: يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن معمرٍ، أو حدّثت عنه، عن عطاءٍ الخراسانيّ، قال: سألت ابن المسيّب عن الإيلاء، فقال: يوقف.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن المسيّب، وعن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قالا: يوقف المؤلي بعد انقضاء الأربعة، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: حدّثني مالك بن أنسٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، وأبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ مثل ذلك. يعني مثل قول عمر بن الخطّاب، في الإيلاء: لا شيء عليه، حتّى يوقف، فيطلّق، أو يمسك.
[جامع البيان: 4/82]
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، أنّه قال في الإيلاء: يوقف.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} قال إذا مضى أربعة أشهرٍ أخذ فيوقف حتّى يراجع أهله، أو يطلّق.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن أيّوب، عن سليمان بن يسارٍ: أنّ مروان، وقفه، بعد ستّة أشهرٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عمر بن عبد العزيز، في الإيلاء، قال: يوقف عند الأربعة الأشهر حتّى يفيء، أو يطلّق.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} هو الرّجل يحلف لامرأته باللّه لا ينكحها، فيتربّص أربعة أشهرٍ، فإن هو نكحها كفّر عن يمينه، فإن مضت أربعة أشهرٍ قبل أن ينكحها أجبره السّلطان إمّا أن يفيء فيراجع، وإمّا أن يعزم فيطلّق، كما قال اللّه سبحانه.
[جامع البيان: 4/83]
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا} الآية، قال: كان عليٌّ، وابن عبّاسٍ، يقولان: إذا آلى الرّجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر فإنّه يوقف فيقال له أمسكت أو طلّقت، فإن أمسك فهي امرأته، وإن طلّق فهي طالقٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {للّذين يؤلون من نسائهم} قال: هو الرّجل يحلف أن لا يصيب امرأته كذا وكذا، فجعل اللّه له أربعة أشهرٍ يتربّص بها. وقال: قول اللّه تعالى ذكره: {تربّص أربعة أشهرٍ} يتربّص بها {فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} فإذا رفعته إلى الإمام ضرب له أجلاً أربعة أشهرٍ، فإن فاء، وإلاّ طلّق عليه، فإن لم ترفعه فإنّما هو حقٌّ لها تركته.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن مالكٍ، قال: لا يقع على المؤلي طلاقٌ حتّى يوقف، ولا يكون مؤليًا حتّى يحلف على أكثر من أربعة أشهرٍ، فإذا حلف على أربعة أشهرٍ فلا إيلاء عليه، لأنّه يوقف عند الأربعة أشهرٍ، وقد سقطت عنه اليمين، فذهب الإيلاء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، قال: قال ابن عمر: حتّى يرفع إلى السّلطان، وكان أبي، يقول ذلك ويقول: لا واللّه وإن مضت أربع سنين حتّى يوقف.
[جامع البيان: 4/84]
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا فطرٌ، قال: قال محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وأنا معه: لو أنّ رجلاً، آلى من امرأته أربع سنين لم نبنها منه حتّى نجمع بينهما، فإن فاء فاء، وإن عزم الطّلاق عزم.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز الماجشون، عن داود بن الحصين، قال: سمعت القاسم بن محمّدٍ، يقول: يوقف إذا مضت الأربعة.
وقال آخرون: ليس الإيلاء بشيءٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سألت ابن المسيّب، عن الإيلاء، فقال: ليس بشيءٍ.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثني جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: سألت ابن عمر عن رجلٍ، آلى من امرأته فمضت أربعة أشهرٍ فلم يفئ إليها، فتلا هذه الآية: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ} الآية.
[جامع البيان: 4/85]
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، قال: أرسلت إلى عطاءٍ أسأله عن المؤلي، فقال: لا علم لي به.
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: بل معنى قوله: {وإن عزموا الطّلاق} وإن امتنعوا من الفيئة بعد استيقاف الإمام إيّاهم على الفيء، أو الطّلاق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة، فإن فاء جعلها امرأته، وإن لم يفئ جعلها تطليقةً بائنةً.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة، فإن لم يفئ فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
قال أبو جعفرٍ: وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر كتاب اللّه تعالى ذكره، قول عمر بن الخطّاب، وعثمان، وعليٍّ رضي اللّه عنهم ومن قال بقولهم في الطّلاق. أنّ قوله: {فإن فاءوا} فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ إنّما معناه: فإن فاءوا بعد وقف الإمام إيّاهم من بعد انقضاء الأشهر الأربعة، فرجعوا إلى أداء حقّ اللّه عليهم لنسائهم اللاّتي آلوا منهنّ، فإنّ اللّه لهم غفورٌ رحيمٌ، وإن عزموا الطّلاق فطلّقوهنّ، فإنّ اللّه سميعٌ لطلاقهم إذا طلّقوا، عليمٌ بما أتوا إليهنّ.
[جامع البيان: 4/86]
وإنّما قلنا ذلك أشبه بتأويل الآية، لأنّ اللّه تعالى ذكره ذكر حين قال: {وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} ومعلومٌ أنّ انقضاء الأشهر الأربعة غير مسموعٍ، وإنّما هو معلومٌ، فلو كان عزم الطّلاق انقضاء الأشهر الأربعة لم تكن الآية مختومةً بذكر اللّه الخبر عن اللّه تعالى ذكره أنّه سميعٌ عليمٌ كما أنّه لم يختم الآية الّتي ذكر فيها الفيء إلى طاعته في مراجعة المؤلي زوجته الّتي آلى منها وأداء حقّها إليها بذكر الخبر عن أنّه شديد العقاب، إذ لم يكن موضع وعيدٍ على معصيةٍ، ولكنّه ختم ذلك بذكر الخبر عن وصفه نفسه تعالى ذكره بأنّه غفورٌ رحيمٌ، إذ كان موضع، وعد المنيب على إنابته إلى طاعته، فكذلك ختم الآية الّتي فيها ذكر القول، والكلام بصفة نفسه بأنّه للكلام سميعٌ وبالفعل عليمٌ، فقال تعالى ذكره: وإن عزم المؤلون على نسائهم على طلاق من آلوا منه من نسائهم، فإنّ اللّه سميعٌ لطلاقهم إيّاهنّ إن طلّقوهنّ، عليمٌ بما أتوا إليهنّ ممّا يحلّ لهم، ويحرم عليهم.
وقد استقصينا البيان عن الدّلالة على صحّة هذا القول في كتابنا كتاب اللّطيف من البيان عن أحكام شرائع الدّين فكرهنا إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 4/87]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (227) والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ (228)
قوله: وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن شعبة، عن الحكم عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: عزيمة الطّلاق انقضاء الأربعة أشهر والفيء الجماع. قال أبو محمّدٍ: وروي عن ابن مسعودٍ وابن الحنفيّة ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، أنبأ حجّاجٌ، عن الحكم عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: العزم: التّرك حتّى تمضي أربعة أشهرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم.
أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وإن عزموا السراح.
وأخرج ابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر لا شيء عليه حتى توقف فيطلق أو يمسك.
وأخرج الشافعي، وابن جرير والبيهقي، عن طاووس أن عثمان كان يوقف المولي وفي لفظ كان لا يرى إلا إيلاء شيئا وإن مضت الأربعة أشهر حتى يوقف.
وأخرج مالك والشافعي، وعبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليها طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء
[الدر المنثور: 2/637]
وأخرج مالك والشافعي، وعبد بن حميد والبخاري، وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال أيما رجل آلى من امرأته فإن إذا مضى الأربعة أشهر وقف حتى يطلق أو يفيء ولا يقع عليه الطلاق إذا مضت الأربعة أشهر حتى يوقف.
وأخرج البخاري، وعبد بن حميد عن ابن عمر قال الإيلاء الذي سمى الله لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق كما أمره الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي عن أبي الدرداء في رجل آلى من امرأته قال يوقف عند انقضاء الأربعة أشهر فإما أن يطلق وإما أن يفى ء.
وأخرج الشافعي، وابن جرير والبيهقي عن عائشة أنها كانت إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئا حتى يوقف وتقول كيف قال الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة أن أبا ذر
[الدر المنثور: 2/638]
وعائشة قالا يوقف المولي بعد إنقضاء المدة فإما أن يفى ء وإما أن يطلق.
وأخرج الشافعي والبيهقي عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول يوقف المولي.
وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سألت اثني عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق.
وأخرج البيهقي عن ثابت بن عبيدة مولى زيد بن ثابت عن اثني عشر رجلا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الإيلاء لا يطون طلاقا حتى يوقف.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس قالوا الإيلاء تطليقة بأئنة إذا مرت أربعة أشهر قبل أن يفيء فهي أملك بنفسها.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد وابن
[الدر المنثور: 2/639]
جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال عزيمة الطلاق إنقضاء أربعة أشهر.
وأخرج عبد بن حميد عن أيوب قال قلت لابن جبير أكان ابن عباس يقول في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وتزوج ولا عدة عليها قال: نعم.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وتعتد بعد ذلك ثلاثة قروء ويخطبها زوجها في عدتها ولا يخطبها غيره فإذا انقضت عدتها خطبها زوجها وغيره.
وأخرج عبد بن حميد عن علي في الإيلاء قال إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة ولا يخطبها هو ولا غيره إلا من بعد إنقضاء العدة.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في رجل قال لامرأته إن قربتك سنة فأنت طالق ثلاثا إن قربها قبل السنة فهي طالق ثلاثا وإن تركها حتى تمضي أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة فإن تزوجها قبل انقضاء السنة فإنه يطؤها قبل انقضاء السنة وقد سقط ذلك القول عنه
[الدر المنثور: 2/640]
وأخرج عبد بن حميد، عن جابر بن زيد في رجل قال لامرأته: إن قربتك إلى سنة فأنت طالق قال: إن قربها قبل السنة فهي طالق وإن تركها حتى تمضي الأربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة فإن تزوجها قبل إنقضاء السنة فإنه يمسك عن غشيانها حتى تنقضي السنة ولا يدخل عليه إيلاء.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم النخعي في رجل قال لامرأته إن قربتك إلى سنة فأنت طالق قال إن قربها بانت منه وإن تركها حتى تمضي الأربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة فإن تزوجها فغشيها قبل إنقضاء السنة بانت منه وإن لم يقربها حتى تمضي الأربعة أشهر فإنه يدخل عليه إيلاء آخر.
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن، أنهما كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته: أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة ولزوجها عليها رجعة ما كانت في العدة.
وأخرج مالك عن ابن شهاب قال: إيلاء العبد نحو إيلاء الحر وهو واجب وإيلاء العبد شهران.
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب قال: إيلاء العبد شهران.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إيلاء العبد من الأمة أربعة أشهر
[الدر المنثور: 2/641]
وأخرج معمر عن قتادة قال: إيلاء العبد من الحرة أربعة أشهر.
وأخرج مالك عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل يسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه * وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله أني أراقبه * لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عمر ابنته حفصة كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة وكان يفعل ذلك كثيرا إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها وهي تقول: تطاول هذا الليل تسري كواكبه * وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه فوالله لولا الله لا شيء غيره * لحرك من هذا السرير جوانبه وبت ألاهي غير بدع ملعن * لطيف الحشا لا يحتويه مضاجعه
[الدر المنثور: 2/642]
يلاعبني طورا وطورا كأنما * بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه يسر به من كان يلهو بقربه * يعاتبني في حبه وأعاتبه ولكنني أخشى رقيبا موكلا * بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه ثم تنفست الصعداء وقالت: أشكو عمر بن الخطاب وحشتي في بيتي وغيبة زوجي علي وقلة نفقتي، فلان لها عمر يرحمه الله فلما أصبح بعث إليها بنفقة وكسوة وكتب إلى عامله يسرح إليها زوجها.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: سأل عمر ابنته حفصة كم تصبر المرأة عن الرجل فقلت: ستة أشهر فقال: لا جرم لا أحبس رجلا أكثر من ستة أشهر.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن محمد بن معن قال: أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه إليك وهو يقوم بطاعة الله، فقال لها: جزاك الله خيرا من مثنية على زوجها، فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب وكان كعب بن سوار الأسدي حاضرا فقال له: اقض يا أمير المؤمنين بينها وبين زوجها، فقال: وهل فيما ذكرت قضاء فقال: إنها تشكو مباعدة زوجها لها عن
[الدر المنثور: 2/643]
فراشها وتطلب حقها في ذلك، فقال له عمر: أما لأن فهمت ذلك فأقض بينهما، فقال كعب: علي بزوجها فأحضر فقال: إن إمرأتك تشكوك، فقال: قصرت في شيء من نفقتها قال: لا، فقالت المرأة: يا أيها القاضي الحكيم برشده * ألهى خليلي عن فراشي مسجده نهاره وليله ما يرقده * فلست في حكم النساء أحمده زهده في مضجعي تعبده * فاقض القضا يا كعب لا تردده
فقال زوجها: زهدني في فرشها وفي الحجل * أني امرؤ أزهد فيما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول * وفي كتاب الله تخويف جلل فقال كعب: إن خير القاضيين من عدل * وقضى بالحق جهرا وفصل إن لها حقا عليك يا رجل * تصيبها في أربع لمن عقل قضية من ربها عز وجل * فأعطها ذاك ودع عنك العلل ثم قال: إن الله قد أباح لك النساء أربعا فلك ثلاثة أيام ولياليها تعبد فيها ربك ولها يوم وليلة، فقال عمر: والله ما أدري من أي أمريك أعجب، أمن فهمك أمرها أم من حكمك بينهما اذهب فقد وليتك قضاء البصرة.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
[الدر المنثور: 2/644]
وعمر بن الخطاب معه فعرضت امرأة فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ادعي زوجك فدعته وكان ضرارا فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما تقول إمرأتك يا عبد الله فقال الرجل: والذي أكرمك ما جف رأسي منها، فقالت امرأته: ما مرة واحدة في الشهر، فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أتبغضيه قالت: نعم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ادنيا رأسيكما فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال: اللهم ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه ثم مر رسول الله بسوق النمط ومعه عمر بن الخطاب فطلعت امرأة تحمل إدما على رأسها فلما رأت النّبيّ طرحته وأقبلت فقبلت رجليه فقال رسول الله: كيف أنت وزوجك فقالت: والذي أكرمك ما طارف ولا تالد ولا ولد بأحب إلي منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أني رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد أنك رسول الله
[الدر المنثور: 2/645]
وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم في الدلائل من حديث جابر بن عبد الله، مثله.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي ذر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة، تسليمه على من لقي صدقة وأمره بالمعروف صدقه ونهيه عن النمكر صدقة وإماطته الأذى عن الطريق صدقة وبضعه أهله صدقة، قالوا: يا رسول الله أحدنا يقضي شهوته وتكون له صدقة قال: أرأيت لو ضعها في غير حلها ألم يكن يأثم.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي ذرة قال: قلت: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر، قال: ألستم تصلون وتصومون وتجاهدون قلت: بلى وهم يفعلون كما نفعل يصلون ويصومون ويجاهدون ويتصدقون ولا نتصدق قال: إن فيك صدقة وفي فضل سمعك صدقة على الذي لا يسمع تعبر عن حاجته صدقة وفي فضل بصرك على الضرير تهديه إلى الطريق صدقة وفي فضل قوتك على الضعيف تعينه صدقة وفي إماطتك الأذى عن الطريق صدقة وفي
[الدر المنثور: 2/646]
مباضتعك أهلك صدقة قلت: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر قال: أرأيت لو جعلته في غير حله أكان عليك وزر قلت: نعم، قال: أتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي ذرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك في جماعك زوجتك أجر قلت: كيف يكون لي أجر في شهوتي قال: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره ثم مات أكنت تحتسبه قلت: نعم، قال: فأنت خلقته قلت: بل الله، قال: أفأنت هديته قلت: بل الله هداه، قال: أفأنت كنت ترزقه قلت: بل الله يرزقه، قال: فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر.
وأخرج ابن السنى وأبو نعيم معا في الطب النبوي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل يوم جمعة فإن له أجرين اثنين غسله وأجر غسل امرأته.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن عمر بن الخطاب قال والله إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح
[الدر المنثور: 2/647]
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن زيد بن أسلم قال بلغني أنه جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت إن زوجها لا يصيبها فأرسل إليه فقال كبرت وذهبت قوتي فقال له عمر أتصيبها في كل شهر مرة قال أكثر من ذلك قال عمر في كم تصيبها قال في كل طهر مرة فقال عمر اذهبي فإن فيه ما يكفي المرأة). [الدر المنثور: 2/648]

تفسير قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في
[الجامع في علوم القرآن: 1/18]
قول الله: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}، قال: الولد والحيضة). [الجامع في علوم القرآن: 1/19]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}، كان الرجل إذا طلق المرأة فهو أحق بردها، وإن كان طلقها ثلاثا؛
فنسخت، فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروفٍ أو تسريح بإحسانٍ}). [الجامع في علوم القرآن: 3/66]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ}،
[الجامع في علوم القرآن: 3/67]
وقال: {فعدتهن ثلاثة أشهرٍ}؛
فنسخ واستثنى منها، فقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدةٍ تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا}؛
وقال: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}). [الجامع في علوم القرآن: 3/68]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الزهري هي واحدة وهو أملك برجعتها). [تفسير عبد الرزاق: 1/92]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن
قال كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر فنهاهن الله تعالى عن ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/92]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك قال أحق بردهن في العدة). [تفسير عبد الرزاق: 1/92]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وللرجال عليهن درجة قال للرجال درجة في الفضل على النساء). [تفسير عبد الرزاق: 1/93]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد قال لما نزلت هذه الآية والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء سألوا النبي فقالوا يا رسول الله أرأيت التي لم تحض والتي قد يئست من المحيض فاختلفوا فيه فأنزل الله تعالى إن ارتبتم يقول إن سألتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن بمنزلتهن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن جملهن). [تفسير عبد الرزاق: 2/298]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
يعني تعالى ذكره. والمطلّقات اللّواتي طلّقن بعد ابتناء أزواجهنّ بهنّ، وإفضائهم إليهنّ إذا كنّ ذوات حيضٍ، وطهرٍ، يتربّصن بأنفسهنّ عن نكاح الأزواج ثلاثة قروءٍ.
واختلف أهل التّأويل في تأويل القرء الّذي عناه اللّه بقوله: {يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} فقال بعضهم: هو الحيض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} قال: حيضٌ.
[جامع البيان: 4/87]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ثلاثة قروءٍ} أي ثلاث حيضٍ. يقول: تعتدّ ثلاث حيضٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا همّام بن يحيى، قال: سمعت قتادة، في قوله: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} يقول: جعل عدّة المطلّقات ثلاث حيضٍ، ثمّ نسخ منها المطلّقة الّتي طلّقت قبل أن يدخل بها، واللاّئي يئسن من المحيض، واللاّئي لم يحضن، والحامل.
- حدّثنا عليّ بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: القروء: الحيض.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال، حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} قال: ثلاث حيضٍ.
[جامع البيان: 4/88]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: قال عمرو بن دينارٍ: الأقراء الحيض عن أصحاب النّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن رجلٍ، سمع عكرمة، قال: الأقراء: الحيض، وليس بالطّهر، قال تعالى {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} ولم يقل: لقروئهنّ.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك في قوله: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} قالا: ثلاث حيضٍ.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} أمّا ثلاثة قروءٍ: فثلاث حيضٍ.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم النّخعيّ، أنّه رفع إلى عمر، فقال لعبد اللّه بن مسعودٍ: لتقولنّ فيها فقال: أنت أحقّ أن تقول قال: لتقولنّ قال: أقول: إنّ زوجها أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة، قال: ذاك رأيي وافقت ما في نفسي فقضى بذلك عمر.
[جامع البيان: 4/89]
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن أبي معشرٍ، عن النّخعيّ، عن قتادة، أنّ عمر بن الخطّاب، قال لابن مسعودٍ، فذكر نحوه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن أبي معشرٍ، عن النّخعيّ، أنّ عمر بن الخطّاب، وابن مسعودٍ قالا: زوجها أحقّ بها ما لم تغتسل، أو قالا: تحلّ لها الصّلاة.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، قال: حدّثنا مطرٌ، أنّ الحسن حدّثهم: أنّ رجلاً طلّق امرأته، ووكّل بذلك رجلاً من أهله، أو إنسانًا من أهله، فغفل ذلك الّذي وكّله بذلك حتّى دخلت امرأته في الحيضة الثّالثة، وقرّبت ماءها لتغتسل، فانطلق الّذي وكّل بذلك إلى الزّوج، فأقبل الزّوج وهي تريد الغسل، فقال: يا فلانة قالت: ما تشاء؟ قال: إنّي قد راجعتك. قالت: واللّه ما لك ذلك قال: بلى واللّه قال: فارتفعا إلى أبي موسى الأشعريّ، فأخذ يمينها باللّه الّذي لا إله إلاّ هو إن كنت لقد اغتسلت حين ناداك؟ قالت: لا واللّه ما كنت فعلت، ولقد قرّبت مائي لأغتسل فردّها على زوجها، وقال: أنت أحقّ ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن مطرٍ، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعريّ، بنحوه.
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا يونس، عن الحسن، قال: قال عمر: هو أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة.
[جامع البيان: 4/90]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو الوليد، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، عن قتادة، عن يونس بن جبيرٍ: أنّ عمر بن الخطّاب طلّق امرأته، فأرادت أن تغتسل من الحيضة الثّالثة، فقال عمر بن الخطّاب: امرأتي وربّ الكعبة فراجعها قال ابن بشّارٍ: فذكرت هذا الحديث لعبد الرّحمن بن مهديٍّ، فقال: سمعت هذا الحديث من أبي هلالٍ، عن قتادة، وأبو هلالٍ، لا يحتمل هذا.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كنّا عند عمر بن الخطّاب، فجاءت امرأةٌ فقالت: إنّ زوجي طلّقني واحدةً أو ثنتينٍ، فجاء وقد وضعت مائي، وأغلقت بابي، ونزعت ثيابي. فقال عمر، لعبد اللّه: ما ترى؟ قال: أراها امرأته ما دون أن تحلّ لها الصّلاة. قال عمر: وأنا أرى ذلك.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، أنّه قال في رجلٍ طلّق امرأته ثمّ تركها حتّى دخلت في الحيضة الثّالثة، فأرادت أن تغتسل، ووضعت ماءها لتغتسل، فراجعها: فأجازه عمر، وعبد اللّه بن مسعودٍ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، بمثله. إلاّ أنّه قال: ووضعت الماء للغسلٍ، فراجعها، فسئل عبد اللّه، وعمر، فقالا: هو أحقّ بها ما لم تغتسل.
[جامع البيان: 4/91]
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قالا: كان عمر، وعبد اللّه يقولان: إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً يملك الرّجعة، فهو أحقّ بها ما لم تغتسل من حيضتها الثّالثة.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم، أنّ عمر بن الخطّاب، كان يقول: إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً، أو تطليقتينٍ، فهو أحقّ برجعتها، وبينهما الميراث ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن الحسن: أنّ رجلاً طلّق امرأته تطليقةً، أو تطليقتين ثمّ وكّل بها بعض أهله، فغفل الإنسان حتّى دخلت مغتسلها، وقربت غسلها. فأتاه فآذنه، فجاء فقال: إنّي قد راجعتك فقالت: كلاّ واللّه قال: بلى واللّه قالت: كلاّ واللّه قال: بلى واللّه قال: فتحالفا، فارتفعا إلى الأشعريّ، واستحلفها باللّه لقد كنت اغتسلت وحلّت لك الصّلاة. فأبت أن تحلف، فردّها عليه.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون،
[جامع البيان: 4/92]
قال: حدّثنا سعيدٌ، عن أبي معشرٍ، عن النّخعيّ، أنّ عمر: استشار ابن مسعودٍ، في الّذي طلّق امرأته تطليقةً أو ثنتينٍ، فحاضت الحيضة الثّالثة، فقال ابن مسعودٍ: أراه أحقّ بها ما لم تغتسل، فقال عمر: وافقت الّذي في نفسي. فردّها على زوجها.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا النّعمان بن راشدٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب: أنّ عليًّا، كان يقول: هو أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول: إذا انقطع الدّم فلا رجعة.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: إذا طلّق الرّجل امرأته وهي طاهرٌ اعتدّت ثلاث حيضٍ سوى الحيضة الّتي طهرت منها.
- حدّثني محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن مطرٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، أنّ عمر، سأل أبا موسى، عنها، وكان بلغه قضاؤه فيها، فقال أبو موسى: قضيت أنّ زوجها أحقّ بها ما لم تغتسل فقال عمر: لو قضيت غير هذا لأوجعت لك رأسك.
[جامع البيان: 4/93]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب: أنّ عليّ بن أبي طالبٍ قال: في الرّجل يتزوّج المرأة فيطلّقها تطليقةً، أو ثنتينٍ، قال لزوجها الرّجعة عليها، حتّى تغتسل من الحيضة الثّالثة، وتحلّ لها الصّلاة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن رفيعٍ، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه، قال: أرسل عثمان، إلى أبي يسأله عنها، فقال أبي: وكيف يفتي منافقٌ؟ فقال عثمان: أعيذك باللّه أن تكون منافقًا، ونعوذ باللّه أن نسمّيك منافقًا، ونعيذك باللّه أن يكون مثل هذا كان في الإسلام ثمّ تموت ولم تبيّنه قال: فإنّي أرى أنّه حقٌّ بها حتّى تغتسل من الحيضة الثّالثة وتحلّ لها الصّلاة قال: فلا أعلم عثمان، إلاّ أخذ بذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، قال: وأخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قالا: راجع رجلٌ امرأته حين وضعت ثيابها تريد الاغتسال فقال: قد راجعتك، فقالت: كلاّ فاغتسلت. ثمّ خاصمها إلى الأشعريّ، فردّها عليه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن رفيعٍ، عن معبدٍ الجهنيّ، قال: إذا غسلت المطلّقة فرجها من الحيضة الثّالثة بانت منه وحلّت للأزواج.
[جامع البيان: 4/94]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، وعن حمّادٍ، عن إبراهيم: أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال: يحلّ لزوجها الرّجعة عليها حتّى تغتسل من الحيضة الثّالثة، ويحلّ لها الصّوم.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه: هو أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة.
- حدّثنا محمّد بن يحيى. قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن درستٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن عليٍّ، مثله.
وقال آخرون: بل القرء الّذي أمر اللّه تعالى ذكره المطلّقات أن يعتددن به: الطّهر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا سفيان، عن الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، قالت: الأقراء: الأطهار.
[جامع البيان: 4/95]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عمر، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّها كانت تقول: الأقراء: الأطهار.
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عمرة، وعروة، عن عائشة، قالت: إذا دخلت المطلّقة في الحيضة الثّالثة فقد بانت من زوجها وحلّت للأزواج.
قال الزّهريّ: قالت عمرة: كانت عائشة، تقول: القرء: الطّهر، وليس بالحيضة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، مثل قول زيدٍ، وعائشة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر، مثل قول زيدٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ، أنّ زيد بن ثابتٍ قال: إذا دخلت المطلّقة في الحيضة الثّالثة فقد بانت من زوجها وحلّت للأزواج قال معمرٌ: وكان الزّهريّ، يفتي بقول زيدٍ.
[جامع البيان: 4/96]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ يقول: بلغني أنّ عائشة قالت: إنّما الأقراء: الأطهار.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن زيد بن ثابتٍ، قال: إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فلا رجعة له عليها.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، وعبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن ابن المسيّب: في رجلٍ طلّق امرأته واحدةً أو ثنتينٍ، قال: قال زيد بن ثابتٍ: إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فلا رجعة له عليها وزاد ابن أبي عديٍّ، قال: قال عليّ بن أبي طالبٍ: هو أحقّ بها ما لم تغتسل.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن ابن المسيّب، عن زيدٍ، وعليٍّ مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي الزّناد، عن سليمان بن يسارٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فلا ميراث لها.
[جامع البيان: 4/97]
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، ح وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قالا جميعًا: حدّثنا أيّوب، عن نافعٍ، عن سليمان بن يسارٍ: أنّ الأحوص رجلٌ من أشراف أهل الشّام طلّق امرأته تطليقةً، أو ثنتينٍ، فمات وهي في الحيضة الثّالثة، فرفعت إلى معاوية، فلم يوجد عنده فيها علمٌ، فسأل عنها فضالة بن عبيدٍ، ومن هناك من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يوجد عندهم فيها علمٌ، فبعث معاوية راكبًا إلى زيد بن ثابتٍ، فقال: لا ترثه، ولو ماتت لم يرثها فكان ابن عمر يرى ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن سليمان بن يسارٍ، أنّ رجلاً، يقال له الأحوص من أهل الشّام طلّق امرأته تطليقةً، فمات وقد دخلت في الحيضة الثّالثة، فرفع إلى معاوية، فلم يدر ما يقول، فكتب فيها إلى زيد بن ثابتٍ، فكتب إليه زيدٌ: إذا دخلت المطلّقة في الحيضة الثّالثة فلا ميراث بينهما.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن سليمان بن يسارٍ، أنّ رجلاً يقال له الأحوص، فذكر نحوه عن معاوية وزيدٍ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، قال: قال ابن عمر: إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فلا رجعة له عليها.
[جامع البيان: 4/98]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه قال في المطلّقة: إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فقد بانت.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عمر بن محمّدٍ، أنّ نافعًا أخبره عن عبد اللّه بن عمر، وزيد بن ثابتٍ، أنّهما كانا يقولان: إذا دخلت المرأة في الدّم من الحيضة الثّالثة، فإنّها لا ترثه، ولا يرثها، وقد برئت منه، وبرئ منها.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: بلغني، عن زيد بن ثابتٍ، قال: إذا طلّقت المرأة، فدخلت في الحيضة الثّالثة أنّه ليس بينهما ميراثٌ، ولا رجعةٌ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ، يقول: سمعت سالم بن عبد اللّه، يقول مثل قول زيد بن ثابتٍ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: وسمعت يحيى، يقول: بلغني عن أبان بن عثمان، أنّه كان يقول بذلك.
- حدّثنا محمّد بن المثنى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن زيد بن ثابتٍ، مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عبد ربّه بن سعيدٍ، عن نافعٍ: أنّ معاوية، بعث إلى زيد بن ثابتٍ، فكتب إليه زيدٌ: إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فقد بانت وكان ابن عمر يقوله.
[جامع البيان: 4/99]
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان، وزيد بن ثابتٍ، أنّهما قالا: إذا حاضت الحيضة الثّالثة فلا رجعة، ولا ميراث.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا هشام بن حسّان، عن قيس بن سعدٍ، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: إذا طلّق الرّجل امرأته، فرأت الدّم في الحيضة الثّالثة، فقد انقضت عدّتها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن موسى بن شدّادٍ، عن عمر بن ثابتٍ الأنصاريّ، قال: كان زيد بن ثابتٍ يقول: إذا حاضت المطلّقة الثّالثة قبل أن يراجعها زوجها فلا يملك رجعتها.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن درستٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، أنّ عائشة، وزيد بن ثابتٍ، قالا: إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فلا رجعة له عليها.
قال أبو جعفرٍ: والقرء في كلام العرب: جمعه قروءٌ، وقد تجمعه العرب أقراءً، يقال في أفعل منه: أقرأت المرأة: إذا صارت ذات حيضٍ، وطهرٍ، فهي تقرئ إقراءً.
[جامع البيان: 4/100]
وأصل القرء في كلام العرب: الوقت لمجيء الشّيء المعتاد مجيئه لوقتٍ معلومٍ، ولإدبار الشّيء المعتاد إدباره لوقتٍ معلومٍ؛ ولذلك قالت العرب: أقرأت حاجة فلانٍ عندي، بمعنى دنا قضاؤها، وجاء وقت قضائها؛ وأقرأ النّجم: إذا جاء وقت أفوله، وأقرأ: إذا جاء وقت طلوعه، كما قال الشّاعر:
إذا ما الثّريّا وقد أقرأت = أحسّ السّماكان منها أفولا
وقيل: أقرأت الرّيح: إذا هبّت لوقتها، كما قال الهذليّ:
شنئت العقر عقر بني شليلٍ = إذا هبّت لقارئها الرّياح
بمعنى هبّت لوقتها وحين هبوبها.
ولذلك سمّى بعض العرب وقت مجيء الحيض قرءًا، إذا كان دمًا يعتاد ظهوره من فرج المرأة في وقتٍ، وكمونه في آخر، فسمّي وقت مجيئه قرءًا، كما سمّى الّذين سمّوا وقت مجيء الرّيح لوقتها قرءًا، ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم لفاطمة بنت أبي حبيشٍ: دعي الصّلاة أيّام أقرائك بمعنى: دعي الصّلاة أيّام إقبال دم حيضك.
وسمّى آخرون من العرب وقت مجيء الطّهر قرءًا، إذ كان وقت مجيئه وقتًا لإدبار الدّم دم الحيض، وإقبال الطّهر المعتاد مجيئه لوقتٍ معلومٍ، فقال في ذلك الأعشى ميمون بن قيسٍ:
وفي كلّ عامٍ أنت جاشم غزوةٍ = تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا.
مورّثةٍ مالاً وفي الذّكر رفعةً = لما ضاع فيها من قروء نسائكا
[جامع البيان: 4/101]
فجعل القرء: وقت الطّهر.
ولما وصفنا من معنى القرء أشكل تأويل قول اللّه: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} على أهل التّأويل، فرأى بعضهم أنّ الّذي أمرت به المرأة المطلّقة ذات الأقراء من الأقراء أقراء الحيض، وذلك وقت مجيئه لعادته الّتي تجيء فيه، فأوجب عليها تربّص ثلاث حيضٍ بنفسها عن خطبة الأزواج.
ورأى آخرون أنّ الّذي أمرت به من ذلك إنّما هو أقراء الطّهر، وذلك وقت مجيئه لعادته الّتي تجيء فيه، فأوجب عليها تربّص ثلاث أطهارٍ.
فإذ كان معنى القرء ما وصفنا لما بيّنّا، وكان اللّه تعالى ذكره قد أمر المريد بطلاق امرأته أن لا يطلّقها إلاّ طاهرًا غير مجامعةٍ، وحرّم عليه طلاقها حائضًا، كان اللاّزم للمطلّقة المدخول بها إذا كانت ذات أقراءٍ تربّص أوقاتٍ محدودة المبلغ بنفسها عقيب طلاق زوجها إيّاها أن تنظر إلى ثلاثة قروءٍ بين طهري كلّ قرءٍ منهنّ قرءٍ، هو خلاف ما احتسبته لنفسها قروءًا تتربّصهنّ. فإذا انقضين، فقد حلّت للأزواجٍ، وانقضت عدّتها؛ وذلك أنّها إذا فعلت ذلك، فقد دخلت في عداد من تربّص من المطلّقات بنفسها ثلاثة قروءٍ بين طهري كلّ قرءٍ منهنّ قرءٌ له مخالفٌ، وإذا فعلت ذلك كانت مؤدّيةً ما ألزمها ربّها تعالى ذكره بظاهر تنزيله.
[جامع البيان: 4/102]
فقد تبيّن إذًا إذ كان الأمر على ما وصفنا أنّ القرء الثّالث من أقرائها على ما بيّنّا الطّهر الثّالث، وأنّ بانقضائه ومجيء قرء الحيض الّذي يتلوه انقضاء عدّتها.
فإن ظنّ ذو غباء أنا إذ كنّا قد نسمّي وقت مجيء الطّهر قرءًا، ووقت مجيء الحيض قرءًا أنّه يلزمنا أن نجعل عدّة المرأة منقضيةً بانقضاء الطّهر الثّاني، إذ كان الطّهر الّذي طلّقها فيه، والحيضة الّتي بعده، والطّهر الّذي يتلوها أقراءٌ كلّها؛ فقد ظنّ جهلاً، وذلك أنّ الحكم عندنا في كلّ ما أنزله اللّه في كتابه على ما احتمله ظاهر التّنزيل ما لم يبيّن اللّه تعالى ذكره لعباده، أنّ مراده منه الخصوص، إمّا بتنزيلٍ في كتابه، أو على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فإذا خصّ منه البعض، كان الّذي خصّ من ذلك غير داخلٍ في الجملة الّتي أوجب الحكم بها، وكان سائرها على عمومها، كما قد بيّنّا في كتابنا: كتاب لطيف القول من البيان عن أصول الأحكام وغيره من كتبنا.
فالأقراء الّتي هي أقراء الحيض بين طهري أقراء الطّهر غير محتسبةٍ من أقراء المتربّصة بنفسها بعد الطّلاق لإجماع الجميع من أهل الإسلام أنّ الأقراء الّتي أوجب اللّه عليها تربّصهنّ ثلاثة قروءٍ، بين كلّ قرءٍ منهنّ أوقاتٌ مخالفات المعنى لأقرائها الّتي تربّصهنّ، وإذ كنّ مستحقّاتٍ عندنا اسم أقراءٍ، فإنّ ذلك من إجماع الجميع لم يجز لها التّربّص إلاّ على ما وصفنا قبل.
[جامع البيان: 4/103]
وفي هذه الآية دليلٌ واضحٌ على خطأ قول من قال: إنّ امرأة المولى الّتي آلى منها تحلّ للأزواج بانقضاء الأشهر الأربعة إذا كانت قد حاضت ثلاث حيضٍ في الأشهر الأربعة؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أوجب عليها العدّة بعد عزم المؤلي على طلاقها، وإيقاع الطّلاق بها بقوله: {وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} فأوجب تعالى ذكره على المرأة إذا صارت مطلّقةً تربّص ثلاثة قروءٍ فمعلومٌ أنّها لم تكن مطلّقةً يوم آلى منها زوجها لإجماع الجميع على أنّ الإيلاء ليس بطلاقٍ موجبٍ على المؤلي منها العدّة.
وإذ كان ذلك كذلك، فالعدّة إنّما تلزمها بعد للطّلاقٍ، والطّلاق إنّما يلحقها بما قد بيّنّاه قبل.
وأمّا معنى قوله: {والمطلّقات} فإنّه: والمخليّات السّبيل غير ممنوعاتٍ بأزواجٍ ولا مخطوباتٍ.
وقول القائل: فلانة مطلّقةٌ، إنّما هو مفعلةٌ من قول القائل: طلّق الرّجل زوجته فهي مطلّقةٌ؛ وأمّا قولهم: هي طالقٌ، فمن قولهم: طلقها زوجها فطلقت هي، وهي تطلق طلاقًا، وهي طالقٌ.
وقد حكي عن بعض أحياء العرب أنّها تقول: طلقت المرأة وإنّما قيل ذلك لها إذا خلاّها زوجها، كما يقال للنّعجة المهملة بغير راعٍ ولا كالئٍ إذا خرجت وحدها من أهلها للرّعي مخلاّةً سبيلها. هي طالقٌ فمثّلت المرأة المخلاّة سبيلها بها، وسمّيت بما سمّيت به النّعجة الّتي وصفنا أمرها.
[جامع البيان: 4/104]
وأمّا قولهم: طلّقت المرأة، فمعنًى غير هذا إنّما يقال في هذا إذا نفست، هذا من الطّلق، والأوّل من الطّلاق. وقد بيّنّا أنّ التّربّص إنّما هو التّوقّف عن النّكاح، وحبس النّفس عنه في غير هذا الموضع). [جامع البيان: 4/105]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ولا يحلّ لهنّ، يعني للمطلّقات أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ من الحيض إذا طلّقن، حرم عليهنّ أن يكتمن أزواجهنّ الّذين طلّقوهنّ في الطّلاق الّذي عليهم لهنّ فيه رجعةٌ يبتغين بذلك إبطال حقوقهم من الرّجعة عليهنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ، قال: قال اللّه تعالى ذكره: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} إلى قوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ} قال: بلغنا أنّ ما خلق في أرحامهنّ الحمل، وبلغنا أنّه الحيضة، فلا يحلّ لهنّ أن يكتمن ذلك لتنقضي العدّة، ولا يملك الرّجعة إذا كانت له.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: الحيض.
[جامع البيان: 4/105]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: أكثر ذلك الحيض.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرّفًا، عن الحكم، قال: قال إبراهيم، في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: الحيض.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: الحيض ثمّ قال خالدٌ: الدّم.
وقال آخرون: هو الحيض غير أنّ الّذي حرّم اللّه تعالى ذكره عليها كتمانه فيما خلق في رحمها من ذلك هو أن تقول لزوجها المطلّق وقد أراد رجعتها قبل الحيضة الثّالثة: قد حضت الحيضة الثّالثة كاذبةً، ليبطل حقّه بقيلها الباطل في ذلك.
[جامع البيان: 4/106]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبيدة بن معتّبٍ، عن إبراهيم، في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: الحيض المرأة تعتدّ قرأين، ثمّ يريد زوجها أن يراجعها، فتقول: قد حضت الثّالثة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: أكثر ما عني به الحيض.
وقال آخرون: بل المعنى الّذي نهيت عن كتمانه زوجها المطلّق الحبل، والحيض جميعًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا الأشعث، عن نافعٍ، عن ابن عمر: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} الحيض، والحمل، لا يحلّ لها إن كانت حائضًا أن تكتم حيضها، ولا يحلّ لها إن كانت حاملاً أن تكتم حملها.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرّفًا، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: الحمل، والحيض
قال أبو كريبٍ، قال ابن إدريس: هذا أوّل حديثٍ سمعته من مطرّفٍ.
[جامع البيان: 4/107]
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن مطرّفٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، مثله، إلاّ أنّه قال: الحبل.
- حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاريّ، قال: حدّثنا أبو إسحاق الفزاريّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: من الحيض والولد.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مسلم بن خالدٍ الزّنجيّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: من الحيض والولد.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: لا يحلّ للمطلّقة أن تقول إنّي حائضٌ، وليست بحائضٍ، ولا تقول: إنّي حبلى وليست بحبلى، ولا تقول: لست بحبلى وهي حبلى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ،
[جامع البيان: 4/108]
قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحجّاج، عن مجاهدٍ، قال: الحيض والحبل، قال: تفسيره أن لا تقول إنّي حائضٌ وليست بحائضٍ، ولا لست بحائضٍ وهي حائضٌ، ولا إنّي حبلى وليست بحبلى، ولا لست بحبلى وهي حبلى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحجّاج، عن القاسم بن نافعٍ، عن مجاهدٍ، نحو هذا التّفسير في هذه الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله، وزاد فيه: قال: وذلك كلّه في بغض المرأة زوجها، وحبّه.
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} يقول: لا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ من الحيض، والحبل، لا يحلّ لها أن تقول: إنّي قد حضت ولم تحض، ولا يحلّ أن تقول: إنّي لم أحض وقد حاضت، ولا يحلّ لها أن تقول: إنّي حبلى وليست بحبلى، ولا أن تقول: لست بحبلى وهي حبلى.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} الآية، قال: لا يكتمن الحيض، ولا الولد، ولا يحلّ لها أن تكتمه وهو لا يعلم متى تحلّ لئلاّ يرتجعها تضارّةً.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {ولا يحلّ لهنّ أنّ يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} يعني الولد، قال: الحيض، والولد هو الّذي أؤتمن عليه النّساء.
[جامع البيان: 4/109]
وقال آخرون: بل عنى بذلك الحبل. ثمّ اختلف قائلو ذلك في السّبب الّذي من أجله نهيت عن كتمان ذلك الرّجل، فقال بعضهم: نهيت عن ذلك لئلاّ تبطل حقّ الزّوج من الرّجعة إن أراد رجعتها قبل وضعها وحملها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن قباث بن رزينٍ، عن عليّ بن رباحٍ، أنّه حدّثه، أنّ عمر بن الخطّاب قال لرجلٍ: اتل هذه الآية فتلا. فقال: إنّ فلانة ممّن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ. وكانت طلّقت وهي حبلى، فكتمت حتّى وضعت.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً، أو تطليقتين وهي حاملٌ، فهو أحقّ برجعتها ما لم تضع حملها، وهو قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر}.
[جامع البيان: 4/110]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشرٍ، أنّه سمع عكرمة، يقول: الطّلاق مرّتان بينهما رجعةٌ، فإن بدا له أن يطلّقها بعد هاتين فهي ثالثةٌ، وإن طلّقها ثلاثًا فقد حرّمت عليه حتّى تنكح زوجًا غيره. إنّما اللاّتي ذكرن في القرآن: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ} هي الّتي طلّقت واحدةً أو ثنتينٍ، ثمّ كتمت حملها لكي تنجو من زوجها، فأمّا إذا بتّ الثّلاث تطليقاتٍ فلا رجعة له عليها حتّى تنكح زوجًا غيره.
وقال آخرون: السّبب الّذي من أجله نهين عن كتمان ذلك أنّهنّ في الجاهليّة كنّ يكتمنه أزواجهنّ خوف مراجعتهم إيّاهنّ حتّى يتزوّجن غيرهم، فيلحق نسب الحمل الّذي هو من الزّوج المطلّق بمن تزوّجته فحرّم اللّه ذلك عليهنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: كانت المرأة إذا طلّقت كتمت ما في بطنها، وحملها لتذهب بالولد إلى غير أبيه، فكره اللّه ذلك لهنّ.
- حدّثني محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: علم اللّه أنّ منهنّ كواتم يكتمن الولد، وكان أهل الجاهليّة كان الرّجل يطلّق امرأته وهي حاملٌ، فتكتم الولد وتذهب به إلى غيره، وتكتم مخافة الرّجعة، فنهى اللّه عن ذلك، وقدّم فيه.
[جامع البيان: 4/111]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} قال: كانت المرأة تكتم حملها حتّى تجعله لرجلٍ آخر منها.
وقال آخرون: بل السّبب الّذي من أجله نهين عن كتمان ذلك، هو أنّ الرّجل كان إذا أراد طلاق امرأته سألها هل بها حملٌ لكيلا يطلّقها، وهي حاملٌ منه للضّرر الّذي يلحقه وولده في فراقها إن فارقها، فأمرن بالصّدق في ذلك، ونهين عن الكذب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} فالرّجل يريد أن يطلّق امرأته فيسألها: هل بك حملٌ؟ فتكتمه إرادة أن تفارقه، فيطلّقها وقد كتمته حتّى تضع. وإذا علم بذلك فإنّها تردّ إليه عقوبةً لما كتمته، وزوجها أحقّ برجعتها.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: الّذي نهيت المرأة المطلّقة عن كتمانه زوجها المطلّقها تطليقةً أو تطليقتين ممّا خلق اللّه في رحمها الحيض، والحبل؛ لأنّه لا خلاف بين الجميع أنّ العدّة تنقضي بوضع الولد الّذي خلق اللّه في رحمها كما تنقضي بالدّم إذا رأته بعد الطّهر الثّالث في قول من قال: القرء: الطّهر، وفي قول من قال: هو الحيض إذا انقطع من الحيضة الثّالثة فتطهّرت بالاغتسال.
[جامع البيان: 4/112]
فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه تعالى ذكره إنّما حرّم عليهنّ كتمان المطلّق الّذي وصفنا أمره ما يكون بكتمانهنّ إيّاه بطول حقّه الّذي جعله اللّه له بعد الطّلاق عليهنّ إلى انقضاء عددهنّ، وكان ذلك الحقّ يبطل بوضعهنّ ما في بطونهنّ إن كنّ حوامل، وبانقضاء الأقراء الثّلاثة إن كنّ غير حوامل، علم أنّهنّ منهيّاتٌ عن كتمان أزواجهنّ المطلّقين من كلّ واحدٍ منهما أعني من الحيض، والحبل مثل الّذي هنّ منهيّاتٌ عنه من الآخر، وأن لا معنى لخصوص من خصّ بأنّ المراد بالآية من ذلك أحدهما دون الآخر، إذ كانا جميعًا ممّا خلق اللّه في أرحامهنّ، وأنّ في كلّ واحدةٍ منهما من معنى بطول حقّ الزّوج بانتهائه إلى غايةٍ مثل ما في الآخر. ويسأل من خصّ ذلك فجعله لأحد المعنيين دون الآخر عن البرهان على صحّة دعواه من أصلٍ، أو حجّةٍ يجب التّسليم لها، ثمّ يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وأمّا الّذي قاله السّدّيّ من أنّه معنيّ به نهي النّساء كتمان أزواجهنّ الحبل عند إرادتهم طلاقهنّ، فقول لمّا يدلّ عليه ظاهر التّنزيل مخالفٌ، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} بمعنى: ولا يحلّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ فى الثّلاثة القروء إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر.
[جامع البيان: 4/113]
وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره ذكر تحريم ذلك عليهنّ بعد وصفه إيّاهنّ بما وصفهنّ به من فراق أزواجهنّ بالطّلاق، وإعلامهنّ ما يلزمهنّ من التّربّص معرّفًا لهنّ بذلك ما يحرم عليهنّ وما يحلّ، وما يلزمهنّ من العدّة ويجب عليهنّ فيها، فكان ممّا عرّفهنّ أنّ من الواجب عليهنّ أن لا يكتمن أزواجهنّ الحيض، والحبل الّذي يكون بوضع هذا، وانقضاء هذا إلى نهايةٍ محدودةٍ، انقطاع حقوق أزواجهنّ ضرارٌ منهنّ لهم، فكان نهيه عمّا نهاهنّ عنه من ذلك بأن يكون من صفة ما يليه قبله ويتلوه بعده، أولى من أن يكون من صفة ما لم يجر له ذكرٌ قبله.
فإن قال قائلٌ: ما معنى قوله: {إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر} أو يحلّ لهنّ كتمان ذلك أزواجهنّ إن كنّ لا يؤمن باللّه، ولا باليوم الآخر حتّى خصّ النّهي عن ذلك المؤمنات باللّه واليوم الآخر؟
قيل: معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه، وإنّما معناه: أنّ كتمان المرأة المطلّقة زوجها المطلّقها ما خلق اللّه تعالى في رحمها من حيضٍ، وولدٍ في أيّام عدّتها من طلاقه ضرارًا له ليس من فعل من يؤمن باللّه، واليوم الآخر، ولا من أخلاقه، وإنّما ذلك من فعل من لا يؤمن باللّه، ولا باليوم الآخر، وأخلاقهنّ من النّساء الكوافر فلا تتخلّقن أيّتها المؤمنات بأخلاقهنّ، فإنّ ذلك لا يحلّ لكن إن كنتنّ تؤمنّ باللّه، واليوم الآخر وكنتنّ من المسلمات؛ لا أنّ المؤمنات هنّ المخصوصات بتحريم ذلك عليهنّ دون الكوافر، بل الواجب على كلّ من لزمته فرائض اللّه من النّساء اللّواتي لهنّ أقراءٌ إذا طلّقت بعد الدّخول بها في عدّتها أن لا تكتم زوجها ما خلق اللّه في رحمها من الحيض، والحبل). [جامع البيان: 4/114]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا}.
والبعولة جمع بعلٍ: وهو الزّوج للمرأة، ومنه قول جريرٍ:
أعدّوا مع الحلي الملاب فإنّما = جريرٌ لكم بعلٌ وأنتم حلائله
وقد يجمع البعل البعولة والبعول، كما يجمع الفحل والفحول والفحولة، والذّكر الذّكور والذّكورة وكذلك ما كان على مثال فعولٍ من الجمع، فإنّ العرب كثيرًا ما تدخل فيه الهاء، فأمّا ما كان منها على مثال فعالٍ فقليلٌ في كلامهم دخول الهاء فيه، وقد حكي عنهم العظام والعظامة، ومنه قول الرّاجز:
ثمّ دفنت الفرث، والعظامه
وقد قيل: الحجارة والحجار، والمهارة والمهار، والذّكاة والذّكار، للذّكور.
وأمّا تأويل الكلام، فإنّه: أزواج المطلّقات اللاّتي فرضنا عليهنّ أن يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ، وحرّمنا عليهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ، أحقّ وأولى بردّهنّ إلى أنفسهم في حال تربّصهنّ إلى الأقراء الثّلاثة، وأيّام الحبل، وارتجاعهنّ إلى حبالهنّ منهن بأنفسهنّ أن يمنعهنّ من أنفسهنّ ذلك.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية،
[جامع البيان: 4/115]
عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا} يقول: إذ طلّق الرّجل امرأته تطليقةً أو ثنتين، وهي حاملٌ فهو أحقّ برجعتها ما لم تضع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ} قال: في العدّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: قال اللّه تعالى ذكره: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا} وذلك أنّ الرّجل كان إذا طلّق امرأته كان أحقّ برجعتها وإن طلّقها ثلاثًا، فنسخ ذلك فقال: {الطّلاق مرّتان} الآية.
- حدّثنا محمد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} في عدّتهنّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: في العدّة.
[جامع البيان: 4/116]
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} أي في القروء في الثّلاث حيضٍ، أو ثلاثة أشهرٍ، أو كانت حاملاً، فإذا طلّقها زوجها واحدةً أو اثنتين راجعها إن شاء ما كانت في عدّتها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} قال: كانت المرأة تكتم حملها حتّى تجعله لرجلٍ آخر، فنهاهنّ اللّه عن ذلك وقال: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} قال قتادة: أحقّ برجعتهنّ في العدّة.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} يقول: في العدّة ما لم يطلّقها ثلاثًا.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} يقول: أحقّ برجعتها صاغرةً عقوبةً لما كتمت زوجها من الحمل.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ} أحقّ برجعتهنّ ما لم تنقض العدّة.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} قال: ما كانت في العدّة إذا أراد المراجعة.
[جامع البيان: 4/117]
فإن قال لنا قائلٌ: أفما لزوجٍ المطلّقه واحدةً أو اثنتين بعد الإفضاء إليها عليها رجعةٌ في أقرائها الثّلاثة، إلاّ أن يكون مريدًا بالرّجعة إصلاح أمرها وأمره؟
قيل: أما فيما بينه وبين اللّه تعالى فغير جائزٍ إذا أراد ضرارها بالرّجعة لا إصلاح أمرها وأمره مراجعتها. وأمّا في الحكم فإنّه مقضيّ له عليها بالرّجعة نظير حكمنا عليه ببطول رجعته عليها لو كتمته حملها الّذي خلقه اللّه في رحمها، أو حيضها حتّى انقضت عدّتها ضرارًا منها له، وقد نهاها اللّه عن كتمانه ذلك، فكان سواءً في الحكم في بطول رجعة زوجها عليها وقد أثمت في كتمانها إيّاه ما كتمته من ذلك حتّى انقضت عدّتها هي والّتي أطاعت اللّه بتركها كتمان ذلك منه، وإن اختلفتا في طاعة اللّه في ذلك ومعصيته، فكذلك المراجع زوجته المطلّقة واحدةً أو ثنتين بعد الإفضاء إليها وهما حرّان، وإن أراد ضرار المراجعة برجعته فمحكومٌ له بالرّجعة وإن كان آثمًا بربه في فعله ومقدّمًا على ما لم يبحه اللّه له، واللّه وليّ مجازاته فيما أتى من ذلك. فأمّا العباد فإنّهم غير جائزٍ لهم الحول بينه وبين امرأته الّتي راجعها بحكم اللّه تعالى ذكره له بأنّها حينئذٍ زوجته، فإن حاول ضرارها بعد المراجعة بغير الحقّ الّذي جعله اللّه له أخذ لها الحقوق الّتي ألزم اللّه تعالى ذكره الأزواج للزّوجات حتّى يعدو ضرر ما أراد من ذلك عليه دونها.
وفي قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} أبين الدّلالة على صحّة قول من قال: إنّ المؤلي إذا عزم الطّلاق فطلّق امرأته الّتي آلى منها أنّ له عليها الرّجعة في طلاقه ذلك،
[جامع البيان: 4/118]
وعلى فساد قول من قال: إن مضي الأشهر الأربعة عزم الطّلاق، وأنّه تطليقةٌ بائنةٌ، لأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أعلم عباده ما يلزمهم إذا آلوا من نسائهم وما يلزم النّساء من الأحكام في هذه الآية بإيلاء الرّجال وطلاقهم، إذا عزموا ذلك وتركوا الفيء). [جامع البيان: 4/119]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ولهنّ من حسن الصّحبة، والعشرة بالمعروف على أزواجهنّ مثل الّذي عليهنّ لهم من الطّاعة فيما أوجب اللّه تعالى ذكره له عليها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} قال: إذا أطعن اللّه، وأطعن أزواجهنّ، فعليه أن يحسن صحبتها، ويكفّ عنها أذاه، وينفق عليها من سعته.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} قال: يتّقون اللّه فيهنّ كما عليهنّ أنّ يتقين اللّه فيهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولهنّ على أزواجهنّ من التّصنّع، والمؤاتاة مثل الّذي عليهنّ لهم في ذلك.
[جامع البيان: 4/119]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّي أحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أحبّ أن تتزيّن لي؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره يقول: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف}.
والّذي هو أولى بتأويل الآية عندي: وللمطلّقات واحدةً أو ثنتين بعد الإفضاء إليهنّ على بعولتهنّ ألا يراجعوهنّ ضرارًا في أقرائهنّ الثّلاثة إذا أرادوا رجعتهنّ فيه إلاّ أن يريدوا إصلاح أمرهنّ وأمرهم وألا يراجعوهنّ ضرارًا، كما عليهنّ لهم إذا أرادوا رجعتهنّ فيهنّ أن لا يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ من الولد، ودم الحيض ضرارًا منهنّ لهم ليفتنهم بأنفسهنّ، ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره نهى المطلّقات عن كتمان أزواجهنّ في أقرائهنّ ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه، واليوم الآخر، وجعل أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا، فحرّم اللّه على كلّ واحدٍ منهما مضارّة صاحبه، وعرّف كلّ واحدٍ منهما ما له وما عليه من ذلك، ثمّ عقّب ذلك بقوله: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} فبيّن أنّ الّذي على كلّ واحدٍ منهما لصاحبه من ترك مضارّته مثل الّذي له على صاحبه من ذلك.
فهذا التّأويل هو أشبه بدلالة ظاهر التّنزيل من غيره، وقد يحتمل أن يكون كلّ ما على كلّ واحدٍ منهما لصاحبه داخلاً في ذلك، وإن كانت الآية نزلت فيما وصفنا،
[جامع البيان: 4/120]
لأنّ اللّه تعالى ذكره قد جعل لكلّ واحدٍ منهما على الآخر حقًّا، فلكلّ واحدٍ منهما على الآخر من أداء حقّه إليه مثل الّذي عليه له، فيدخل حينئذٍ في الآية ما قاله الضّحّاك، وابن عبّاسٍ، وغير ذلك). [جامع البيان: 4/121]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى الدّرجة الّتي جعل اللّه للرّجال على النّساء الفضل الّذي فضلّهم اللّه عليهنّ في الميراث، والجهاد وما أشبه ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال: فضل ما فضّله اللّه به عليها من الجهاد، وفضل ميراثه، وكلّ ما فضّل به عليها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ: عن قتادة: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال: للرّجال درجةٌ في الفضل على النّساء.
وقال آخرون: بل تلك الدّرجة: الإمرة، والطّاعة.
[جامع البيان: 4/121]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، في قوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال: إمارةٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال: طاعةٌ، قال: يطعن الأزواج الرّجال، وليس الرّجال يطيعونهنّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا أزهر، عن ابن عونٍ، عن محمّدٍ، في قوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال: لا أعلم إلاّ أنّ لهنّ مثل الّذي عليهنّ إذا عرفن تلك الدّرجة.
وقال آخرون: تلك الدّرجة له عليها بما ساق إليها من الصّداق، وإنّها إذا قذفته حدّت، وإذا قذفها لاعن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبيدة، عن الشّعبيّ، في قوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال: بما أعطاها من صداقها، وأنّه إذا قذفها لاعنها، وإذا قذفته جلدت وأقرّت عنده.
وقال آخرون: تلك الدّرجة الّتي له عليها إفضاله عليها، وأداء حقّها إليها، وصفحه عن الواجب له عليها، أو عن بعضه.
[جامع البيان: 4/122]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما أحبّ أن أستنظف جميع حقّي عليها، لأنّ اللّه تعالى ذكره يقول: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ}.
وقال آخرون: بل تلك الدّرجة الّتي له عليها أن جعل له لحيةً، وحرمها ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا عبيد بن الصّبّاح، قال: حدّثنا حميدٌ، قال: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال: لحيةٌ.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عبّاسٍ، وهو أنّ الدّرجة الّتي ذكر اللّه تعالى ذكره في هذا الموضع الصّفح من الرّجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كلّ الواجب لها عليه، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} عقيب قوله: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} فأخبر تعالى ذكره أنّ على الرّجل من ترك ضرارها في مراجعته إيّاها في أقرائها الثّلاثة وفي غير ذلك من أمورها، وحقوقها مثل الّذي له عليها من ترك ضراره في كتمانها إيّاه ما خلق اللّه في أرحامهنّ وغير ذلك من حقوقه.
[جامع البيان: 4/123]
ثمّ ندب الرّجال إلى الأخذ عليهنّ بالفضل إذا تركن أداء بعض ما أوجب اللّه لهم عليهنّ، فقال تعالى ذكره: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} بتفضّلهم عليهنّ، وصفحهم لهنّ عن بعض الواجب لهم عليهنّ، وهذا هو المعنى الّذي قصده ابن عبّاسٍ، بقوله: ما أحبّ أن أستنظف جميع حقّي عليها لأنّ اللّه تعالى ذكره يقول: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} ومعنى الدّرجة: الرّتبة، والمنزلة.
وهذا القول من اللّه تعالى ذكره، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر، فمعناه معنى ندب الرّجال إلى الأخذ على النّساء بالفضل ليكون لهم عليهنّ فضل درجةٍ). [جامع البيان: 4/124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واللّه عزيزٌ في انتقامه ممّن خالف أمره، وتعدّى حدوده، فأتى النّساء في المحيض، وجعل اللّه عرضةً لأيمانه أن يبرّ، ويتّقي، ويصلح بين النّاس، وعضل امرأته بإيلائه، وضارّها في مراجعته بعد طلاقه، وممن كتم من النّساء ما خلق اللّه في أرحامهنّ أزواجهنّ، ونكحن في عددهنّ، وتركن التّربّص بأنفسهنّ إلى الوقت الّذي حدّه اللّه لهنّ، وركب غير ذلك من معاصيه، حكيمٌ فيما دبّر في خلقه، وفيما حكم وقضى بينهم من أحكامه.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {واللّه عزيزٌ حكيمٌ} يقول: عزيزٌ في نقمته، حكيمٌ في أمره.
[جامع البيان: 4/124]
وإنّما توعّد اللّه تعالى ذكره بهذا القول عباده لتقديمه قبل ذلك بيان ما حرّم عليهم أو نهاهم عنه من ابتداء قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} إلى قوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} ثمّ أتبع ذلك بالوعيد ليزدجر أولو النّهى، وليذكّر أولو الحجا، فيتّقوا عقابه، ويحذروا عذابه). [جامع البيان: 4/125]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: المطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ
- حدّثنا أبي ثنا أبو اليمان، ثنا إسماعيل يعني ابن عيّاشٍ، عن عمرو بن مهاجرٍ، عن أبيه، أنّ أسماء بنت يزيد بن سكن الأنصاريّة قالت: طلّقت على عهد رسول اللّه عليه وسلّم، ولم يكن للمطلّقة عدّةٌ، فأنزل اللّه حين طلّقت أسماء العدّة للطّلاق، فكانت أوّل من نزلت فيها العدّة للطّلاق، يعني والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/414]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ثلاثة قروءٍ
[الوجه الأول]
- حدّثنا الأحمسيّ، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، قالت: الإقراء: الأطهار. قال أبو محمّدٍ: وروي عن زيد بن ثابتٍ وابن عمر وابن عبّاسٍ وسالم بن عبد اللّه والقاسم بن محمّدٍ وعروة بن الزّبير وسليمان بن يسارٍ وأبي بكر بن عبد الرّحمن وعطاء بن أبي رباحٍ وقتادة والزّهريّ، نحو ذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/414]
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كنّا عند عمر فجاءته امرأةٌ فقالت: إنّ زوجي فارقني بواحدةٍ أو اثنتين، فجاءني، وقد نزعت ثيابي، وأغلقت بابي، فقال عمر لعبد اللّه: أراها امرأته ما دون أن يحلّ لها الصّلاة. قال: فأنا أرى ذلك.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ قال: ثلاث حيضٍ. قال أبو محمّدٍ:
وروي عن عليٍّ وابن عبّاسٍ وأبي الدرداء عبادة بن الصّامت وأبي موسى وسعيد بن جبيرٍ والحسن وعكرمة والشّعبيّ وقتادة في إحدى الرّوايات والربيع بن أنس ومقاتل ابن حيّان والسّدّيّ وعطاءٍ الخراسانيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/415]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن
[الوجه الأول]
من فسّر ذلك على الحبل:
- قرأت على محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني قباث بن رزينٍ، عن عليّ بن رباحٍ، قال: كانت تحت عمر بن الخطّاب امرأةٌ من قريشٍ، فطلّقها تطليقةً أو تطليقتين، وكانت حبلى، فلمّا أحسّت بالولادة، أغلقت الأبواب حتّى وضعت فأخبر بذلك عمر، فأقبل مغضبا، فقرىء عليه والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ فقال عمر: إنّ فلانة من اللائي يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ، وإنّ الأزواج عليها حرامٌ ما بقيت.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ والسّدّيّ والنّخعيّ، في أحد قوليه وقتادة ومقاتل بن حيّان، أنّهم قالوا الحبل.
الوجه الثّاني: من فسّره: الحيض والحبل:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا مسدّدٌ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا أشعث عن نافعٍ، عن ابن عمر: ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن قال: لا
[تفسير القرآن العظيم: 2/415]
يحلّ لها إن كانت حاملا، أن تكتم حملها، ولا يحلّ لها إن كانت حائضًا أن تكتم حيضها.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ والشّعبيّ والحكم بن عتيبة ومجاهدٍ والرّبيع بن أنسٍ والضّحّاك، نحو ذلك.
الوجه الثّالث: الحيض:
- حدّثنا أبي، ثنا معلّى بن أسدٍ، ثنا عبد العزيز بن المختار، ووهيبٌ وخالد بن عبد اللّه، عن خالدٍ الحذّاء، عن عكرمة، في هذه الآية ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ قال: هو الحيض.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن عطية، وأحد الرّوايات عن النّخعيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/416]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ويوسف بن موسى قالا ثنا جريرٌ عن واصل بن سليمٍ، عن عبد اللّه بن سعيد بن جبيرٍ قال: جاء أعرابيٌّ فسأل:
من أعلم أهل مكّة؟ فقيل له: سعيد بن جبيرٍ. فسأل عنه فإذا هو في حلقةٍ، وهو حديث السّنّ. زاد يوسف فقال: إنّ هذا الحدث. فقيل له: هو هذا. قالا:
جميعًا فسأله ابن أخٍ له تزوّج امرأةً، ثمّ عرض بينهما فرقةٌ، وبها حبلٌ، فكتمت حبلها حتّى وضعت. هل له أن يراجعها؟ قال: لا. قال: فاشتدّ على الأعرابيّ. فقال له سعيدٌ: ما تصنع بامرأةٍ لا تؤمن باللّه واليوم الآخر. فلم يزل يزهّده فيها حتّى زهد فيها.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: واليوم الآخر يعني: ويصدّقون بالغيب الّذي فيه جزاء الأعمال). [تفسير القرآن العظيم: 1/416]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: وبعولتهنّ أحقّ بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا يقول: إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً، أو تطليقتين وهي حاملٌ، فهو أحقّ
[تفسير القرآن العظيم: 2/416]
برجعتها ما لم تضع. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ والحسن وإبراهيم النّخعيّ وعكرمة والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ وقتادة ومقاتل بن حيّان وزيد بن أسلم، مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/417]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن بشير بن سلمان عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّي أحبّ أن أتزيّن للمرأة، كما أحبّ أن تزيّن لي المرأة، لأنّ اللّه يقول: ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف يقول: لهنّ من الحقّ مثل الّذي عليهنّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/417]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ
[الوجه الأول]
- حدّثنا الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما أحبّ أن أستنظف جميع حقّي عليها، لأنّ اللّه يقول: وللرّجال عليهنّ درجةٌ
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: وللرّجال عليهنّ درجةٌ قال: فضلٌ. ما فضّله اللّه به عليها من الجهاد، وفضل ميراثه على ميراثها، وكلّ ما فضّل به عليها.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: وللرّجال عليهنّ درجةٌ قال: يطلّقها، وليس لها من الأمر شيءٌ.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، قال: سمعت سفيان يقول: سمعت زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: وللرّجال عليهنّ درجةٌ قال:
الإمارة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/417]
والوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة، في قوله: وللرّجال عليهنّ درجةٌ قال: للرّجال درجةٌ في الفضل على النّساء.
الوجه السّادس:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان وللرّجال عليهنّ درجةٌ يعني: فضيلةٌ بما أنفقوا عليهنّ من أموالهم.
- أخبرنا العبّاس بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني ابن شعيبٍ أخبرنا سعيدٌ، عن الحسن وقتادة، أنّهما قالا: العزيز في نعمته
، وروي عن أبي العالية والرّبيع بن أنسٍ:
أنّهما قالا: العزيز في نقمته إذا انتقم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: حكيمٌ يقول: محكمٌ لما أراد). [تفسير القرآن العظيم: 1/418]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء يعني ثلاث حيض ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن يعني الحمل يقول لا تقول المرأة لست حبلى وهي حبلى ولا تقول إني حبلى وليست حبلى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك يعني في العدة). [تفسير مجاهد: 108]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د س) ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلّق امرأته، فهو أحق برجعتها وإن طلّقها ثلاثاً، فنسخ ذلك، فقال: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] الآية.
[جامع الأصول: 2/45]
أخرجه أبو داود، وأخرجه النسائي نحوه.
[شرح الغريب]
(يتربص) التربص: المكث والانتظار.
(قروء) جمع قرء: وهو الطهر عند الشافعي، والحيض عند أبي حنيفة، فيكون من الأضداد). [جامع الأصول: 2/46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم.
أخرج أبو داود، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل الله حين طلقت العدة للطلاق {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فكانت أول من أنزلت فيها العدة للطلاق.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} قال: كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم ليس لذلك عدة.
وأخرج أبو داود والنسائي، وابن المنذر عن ابن عباس {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر} الطلاق الآية 4 فنسخ واستثنى وقال (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (الأحزاب الآية 49)
[الدر المنثور: 2/648]
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي في السنن عن عائشة قالت: إنما الأقراء الأطهار.
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة، أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، قال ابن شهاب: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة وقد جادلها في ذلك ناس قالوا: إن الله يقول {ثلاثة قروء} فقالت عائشة: صدقتم وهل تدرون ما الأقراء الأقراء الأطهار، قال ابن شهاب: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول: هذا يريد الذي قالت عائشة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر وزيد بن ثابت قالا: الأقراء الأطهار.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن عمرو بن دينار قال: الأقراء الحيض عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس في قوله {ثلاثة قروء}
[الدر المنثور: 2/649]
قال: ثلاث حيض.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} قال: حيض.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فجعل عدة الطلاق ثلاث حيض ثم أنه نسخ منها المطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها فقال: في سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (الأحزاب الآية 49) فهذه تزوج إن شاءت من يومها، وقد نسخ من الثلاثة فقال (واللاتي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم) (الطلاق الآية 4) فهذه العجوز التي لا تحيض والتي لن تحض فعدتهن ثلاثة أشهر وليس الحيض من أمرها في شيء ونسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال (أجلهن أن يضعن حملهن) (الطلاق الآية 4) فهذه ليست من القروء في شيء إنما أجلها أن تضع حملها.
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف، وعبد بن حميد والبيهقي من طريق عروة وعمرة عن عائشة قالت: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج، قالت عمرة: وكانت عائشة تقول: إنما القرء الطهر وليس بالحيضة
[الدر المنثور: 2/650]
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق، وعبد بن حميد والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج.
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن عمر قال: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرى ء منها ولا ترثه ولا يرثها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبيهقي عن علقمة، أن رجلا طلق امرأته ثم
تركها حتى إذا مضت حيضتان والثالة أتاها وقد قعت في مغتسلها لتغتسل من الثالثة فأتاها زوجها فقال: قد راجعتك قد راجعتك ثلاثا، فأتيا عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود وهو إلى جنبه: ما تقول فيها قال: أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة، فقال عمر: وأنا أرى ذلك.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق، وعبد بن حميد والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال: تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل للأزواج.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال:
[الدر المنثور: 2/651]
أرسل عثمان بن عفان إلى أبي يسأله عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة قال أبي: كيف يفتي منافق فقال عثمان: نعيذك بالله أن تكون منافقا ونعوذ بالله أن نسميك منافقا ونعيذك بالله أن يكون منك هذا في الإسلام ثم تموت ولم تبينه، قال: فإني أرى أنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة.
وأخرج البيهقي من طريق الحسن عن عمر وعبد الله وأبي موسى في الرجل يطلق امرأته فتحيض ثلاث حيض فراجعها قبل أن تغتسل قال: هو أحق بها ما لم تغتسل.
وأخرج وكيع عن الحسن قال: تعتد بالحيض وإن كانت لا تحيض في السنة إلا مرة.
وأخرج مالك والشافعي عن محمد بن يحيى بن حيان أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت: أنا أرثه ولم أحض، فاختصموا إلى عثمان فقضى للأنصارية بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو
[الدر المنثور: 2/652]
أشار علينا بهذا يعني ابن أبي طالب.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة.
وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال: الأقراء الحيض ليس بالطهر، قال الله تعالى {فطلقوهن لعدتهن} ولم يقل لقروئهن.
وأخرج الشافعي عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن رجلا من الأنصار يقال له
حيان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فمكثت سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع من أن تحيض ثم مرض حيان فقلت له: إن إمرأتك تريد أن ترث فقال لأهله: احملوني إلى عثمان فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان: ما تريان فقالا: نرى أنه إن مات ترثه ويرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد اللاتي قد يئسن من المحيض وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغهن بالمحيض ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير، فرجع حيان إلى أهله وأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى ثم توفي حيان قبل أن
[الدر المنثور: 2/653]
تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته.
وأخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان وفي لفظ وعدتها حيضتان.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا، مثله.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن علي، وابن مسعود، وابن عباس قالوا: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء.
وأخرج مالك والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال: الطلاق للرجال والعدة للنساء.
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب قال: عدة المستحاضة سنة). [الدر المنثور: 2/654]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر فنهاهن الله عن ذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قال: علم الله أن منهن كواتم يكتمن ضرارا ويذهبن بالولد إلى غير أزواجهن فنهى عن ذلك وقدم فيه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قال: الحمل والحيض لا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتم حملها ولا يحل لها إن كانت حائضا أن تكتم حيضها.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قال: الحيض والولد لا يحل للمطلقة أن تقول: أنا حائض، وليست بحائض، ولا تقول: إني حبلى، وليست بحبلى ولا تقول: لست بحبلى، وهي حبلى
[الدر المنثور: 2/655]
وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب في قوله {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قال: بلغنا أن ما خلق الله في أرحامهن الحمل وبلغنا أنه الحيض.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبيهقي عن إبراهيم في الآية قال: أكبر ذلك الحيض وفي لفظ: أكثر ما عنى به الحيض.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن عكرمة قال: الحيض). [الدر المنثور: 2/656]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطلقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها ولا يحل لها أن تكتمه يعني حملها وهو قوله {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}.
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حبان في قوله {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يعني المراجعة في العدة نزلت في رجل من غفار طلق امرأته ولم يشعر بحملها فراجعها وردها إلى بيته فولدت وماتت ومات ولدها فأنزل الله بعد ذلك بأيام يسيرة (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح
[الدر المنثور: 2/656]
بإحسان) (البقرة الآية 229) فنسخت الآية التي قبلها وبين الله للرجال كيف يطلقون النساء وكيف يتربصن.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي عن مجاهد {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} قال: في القروء الثلاث.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} قال: في العدة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} قال: في العدة ما لم يطلقها ثلاثا). [الدر المنثور: 2/657]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {ولهن مثل الذي عليهن} قال: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن خطبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته
[الدر المنثور: 2/657]
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن لكم على نسائكن حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون وألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري أن سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج قال: أن تطعمها إذا طعمت وأن تكسوها إذا كسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت.
وأخرج ابن عدي عن قيس بن طلق عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جامع أحدكم أهله فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها كما يحب أن يقضي حاجته.
وأخرج عبد الرزاق وأبو يعلى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها فإن سبقها فلا يعجلها، ولفظ عبد الرزاق: فإن قضى حاجته ولم تقض حاجتها فلا يعجلها
[الدر المنثور: 2/658]
وأخرج وكيع وفيان بن عينية، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين المرأة لي لأن الله يقول {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} وما أحب أن أستوفي جميع حقي عليها لأن الله يقول (وللرجال عليهن درجة).
وأخرج ابن ماجة عن أم سلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أطلى وولى عانته بيده.
وأخرج الخرائطي في كتاب مساوى ء الأخلاق عن أم سلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينوره (ينور: يدهن بالنورة وهي خليط من زرنيخ وغيره تستعمل لإزالة الشعر) الرجل فإذا بلغ مراقه (الشعر حان له أن ينتف) تولى هو ذلك.
وأخرج الخرائطي عن محمد بن زياد قال كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارا لي فكان يدخال الحمام فقلت: وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل الحمام، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام ثم يتنور.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتنور كل شهر ويقلم أظفاره كل خمس عشرة.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن عائشة أنه
[الدر المنثور: 2/659]
سئلت بأي شيء كان يبدأ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته قالت: بالسواك، قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {وللرجال عليهن درجة} قال: فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: يطلقها وليس لها من الأمر شيء.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم {وللرجال عليهن درجة} قال: الإمارة). [الدر المنثور: 2/660]

تفسير قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال سفيان: وحدّثني إسماعيل بن سميعٍ قال: سمعت أبا رزينٍ يقول: جاء رجلٌ إلى النّبيّ فقال: يا رسول اللّه، أرأيت قول اللّه: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}، أين الثّالثة، قال: التّسريح بإحسانٍ). [الجامع في علوم القرآن: 1/123]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال سعيد بن أبي هلال: وقال زيد بن أسلم في هذه الآية: {لا
[الجامع في علوم القرآن: 1/125]
يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ وعاشروهن بالمعروف}، فكان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد؛ وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاه؛ فنهى الله المؤمنين عن ذلك؛ وقال زيد: وأما قوله: {إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ}، فإنه كان في الزنا ثلاثة أنحاء، أما نحو قال الله: {لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة}، فلم ينته الناس، قال: ثم نزل: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهن سبيلا}، كانت المرأة الثيب إذا زنت فشهد عليها أربعة عطلت فلم يتزوجها أحدٌ، فهي التي قال الله: {ولا تعضلوهن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ}.
قال زيد: ثم نزلت: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}، فهذان البكران اللذان إن لم يتزوجها وآذاهما أن يعرفا بذنبهما، فيقال: يا زان حتى ترى منهما توبةٌ، حتى نزل السبيل، قال: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}، فهذا للبكرين.
قال زيد: وكان للثيب الرجم؛ وقال الله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود
[الجامع في علوم القرآن: 1/126]
الله}، إذا خافت المرأة ألا تؤدي حق زوجها وخاف الرجل ألا يؤدي حقها، فلا جناح في الفدية). [الجامع في علوم القرآن: 1/127] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن الأعرج قال: سمعت محمد
[الجامع في علوم القرآن: 3/51]
ابن يوسف، وكان من أفصح العرب، يقرأ: {إلا أن} يُخَافا). [الجامع في علوم القرآن: 3/52]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}، كان الرجل إذا طلق المرأة فهو أحق بردها، وإن كان طلقها ثلاثا؛
فنسخت، فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروفٍ أو تسريح بإحسانٍ}). [الجامع في علوم القرآن: 3/66] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم}؛
فنسخ واستثنى منها: فأحل من المشركات نساء أهل الكتاب في سورة المائدة؛
قال الله: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم وطعامكم حلٌ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}،
وقال: {لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}). [الجامع في علوم القرآن: 3/67] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال كان الطلاق ليس له وقت حتى أنزل الله تعالى الطلاق مرتان فالثالثة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). [تفسير عبد الرزاق: 1/93]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين قال: قال رجل يا رسول الله أسمع الله يقول الطلاق مرتان فأين الثالثة قال التسريح بإحسان). [تفسير عبد الرزاق: 1/93]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري في قوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله قال لا يحل للرجل أن يختلع امرأته إلا أن يؤتي ذلك منه يضارها حتى تختلع منه فإن ذلك لا يصلح ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء وأساءت عشرته فقد حل له خلعها). [تفسير عبد الرزاق: 1/93]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدثنا سفيان [الثوري] قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: (ألّا أن يخافا ألّا يقيما حدود الله) [الآية: 229]). [تفسير الثوري: 67]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: هو دلالةٌ على عدد الطّلاق الّذي يكون للرّجل فيه الرّجعة على زوجته، والعدد الّذي تبين به زوجته منه.
ذكر من قال إنّ هذه الآية أنزلت لأنّ أهل الجاهليّة وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهايةٌ تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدّتها منه، فجعل اللّه تعالى ذكره لذلك حدًّا حرّم بانتهاء الطّلاق إليه على الرّجل امرأته المطلّقة إلاّ بعد زوجٍ، وجعلها حينئذٍ أملك بنفسها منه.
ذكر الأخبار الواردة بما قلنا في ذلك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان الرّجل يطلّق ما شاء ثمّ إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدّتها كانت امرأته، فغضب رجلٌ من الأنصار على امرأته، فقال لها: لا أقربك ولا تحلّين منّي قالت له: كيف؟ قال: أطلّقك، حتّى إذا دنا أجلك راجعتك ثمّ أطلّقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. قال: فشكت ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ} الآية.
[جامع البيان: 4/125]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن هشامٍ، عن أبيه، قال رجلٌ لامرأته على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا آويك، ولا أدعك تحلّين فقالت له: كيف تصنع؟ قال: أطلّقك، فإذا دنا مضى عدّتك راجعتك، فمتى تحلّين؟ فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} فاستقبله النّاس جديدًا من كان طلّق، ومن لم يكن طلّق.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان أهل الجاهليّة كان الرّجل يطلّق الثّلاث والعشر وأكثر من ذلك، ثمّ يراجع ما كانت في العدّة، فجعل اللّه حدّ الطّلاق ثلاث تطليقاتٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان أهل الجاهليّة يطلّق أحدهم امرأته ثمّ يراجعها لا حدّ في ذلك، هي امرأته ما راجعها في عدّتها، فجعل اللّه حدّ ذلك يصير إلى ثلاثة قروءٍ، وجعل حدّ الطّلاق ثلاث تطليقاتٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {الطّلاق مرّتان} قال كان الطّلاق قبل أن يجعل اللّه الطّلاق ثلاثًا ليس له أمدٌّ يطلّق الرّجل امرأته مائةً، ثمّ إن أراد أن يراجعها قبل أن تحلّ كان ذلك له، وطلّق رجلٌ امرأته حتّى إذا كادت أن تحلّ ارتجعها، ثمّ استأنف بها طلاقًا بعد ذلك ليضارّها بتركها، حتّى إذا كان قبل انقضاء عدّتها راجعها، وصنع ذلك مرارًا. فلمّا علم اللّه ذلك منه، جعل الطّلاق ثلاثًا، مرّتينٍ، ثمّ بعد المرّتين إمساكٌ بمعروفٍ، أو تسريحٌ بإحسانٍ.
[جامع البيان: 4/126]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} أما قوله: {الطّلاق مرّتان} فهو الميقات الّذي يكون عليها فيه الرّجعة.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: إذا أراد الرّجل أن يطلّق امرأته فيطلّقها تطليقتين، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها رجعةٌ، فإن شاء طلّقها أخرى، فلم تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره.
فتأويل الآية على هذا الخبر الّذي ذكرنا: عدد الطّلاق الّذي لكم أيّها النّاس فيه على أزواجكم الرّجعة إذا كنّ مدخولاً بهنّ: تطليقتان، ثمّ الواجب على من راجع منكم بعد التّطليقتين إمساكٌ بمعروفٍ، أو تسريحٌ بإحسانٍ، لأنّه لا رجعة له بعد التّطليقتين إن سرّحها فطلّقها الثّالثة.
وقال آخرون إنّما أنزلت هذه الآية على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تعريفًا من اللّه تعالى ذكره عباده سنّة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهنّ، لا دلالة على العدد الّذي تبين به المرأة من زوجها.
[جامع البيان: 4/127]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مطرّفٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، في قوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: يطلّقها بعد ما تطهر من قبل جماعٍ، ثمّ يدعها حتّى تطهر مرّةً أخرى، ثمّ يطلّقها إن شاء، ثمّ إن أراد أن يراجعها راجعها، ثمّ إن شاء طلّقها، وإلاّ تركها حتّى تتمّ ثلاث حيضٍ وتبين منه به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقتين، فليتّق اللّه في التّطليقة الثّالثة، فإمّا يمسكها بمعروفٍ فيحسن صحابتها، أو يسرّحها بإحسانٍ فلا يظلمها من حقّها شيئًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: يطلّق الرّجل امرأته طاهرًا من غير جماعٍ، فإذا حاضت ثمّ طهرت فقد تمّ القرء، ثمّ يطلّق الثّانية كما طلّق الأولى، إن أحبّ أن يفعل، فإن طلّق الثّانية ثمّ حاضت الحيضة الثّانية فهما تطليقتان وقرءان، ثمّ قال اللّه تعالى ذكره في الثّالثة: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} فيطلّقها في ذلك القرء كلّه إن شاء حين تجمع عليها ثيابها.
[جامع البيان: 4/128]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال: فحاضت الحيضة الثّانية، كما طلّق الأولى، فهذان تطليقتان وقرءان، ثمّ قال: الثّالثة، وسائر الحديث مثل حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي عاصمٍ.
فتأويل الآية على قول هؤلاء: سنّة الطّلاق الّتي سننتها، وأبحتها لكم أن أردتم طلاق نسائكم، أن تطلّقوهنّ ثنتين في كلّ طهرٍ واحدة، ثمّ الواجب بعد ذلك عليكم: إمّا أن تمسكوهنّ بمعروفٍ، أو تسرّحوهنّ بإحسانٍ.
فالّذي هو أولى بظاهر التّنزيل ما قاله عروة، وقتادة، ومن قال مثل قولهما من أنّ الآية إنّما هي دليلٌ على عدد الطّلاق الّذي يكون به التّحريم، وبطول الرّجعة فيه، والّذي يكون فيه الرّجعة منه. وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال في الآية الّتي تتلوها: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} فعرّف عباده القدر الّذي به تحرّم المرأة على زوجها إلاّ بعد زوجٍ، ولم يبيّن فيها الوقت الّذي يجوز الطّلاق فيه والوقت الّذي لا يجوز ذلك فيه، فيكون موجّهًا تأويل الآية إلى ما روي عن ابن مسعودٍ، ومجاهدٍ، ومن قال بمثل قولهما فيه.
[جامع البيان: 4/129]
وأمّا قوله: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} فإنّ في تأويله وفيما عني به اختلافًا بين أهل التّأويل، فقال بعضهم: عنى اللّه تعالى ذكره بذلك الدّلالة على اللاّزم للأزواج للمطلّقات اثنتين بعد مراجعتهم إيّاهنّ من التّطليقة الثّانية من عشرتهنّ بالمعروف، أو فراقهنّ بطلاقٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: الطّلاق مرّتان؟ قال: يقول عند الثّالثة: إمّا أن يمسك بمعروفٍ، وإمّا أن يسرّح بإحسانٍ.
وغيره قالها قال: وقال مجاهدٌ: الرّجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره، فإذا تكلّم الثّالثة فليست منه بسبيلٍ، وتعتدّ لغيره.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، قال: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ فقال: يا رسول اللّه أرأيت قوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} فأين الثّالثة؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إمساكٌ بمعروفٍ، أو تسريحٌ بإحسانٍ؛ هي الثّالثة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، وعبد الرّحمن بن مهديٍّ، قالا: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه، الطّلاق مرّتان، فأين الثّالثة؟ قال: إمساكٌ بمعروفٍ، أو تسريحٌ بإحسانٍ.
[جامع البيان: 4/130]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن إسماعيل، عن أبي رزينٍ، قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، يقول اللّه: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ} فأين الثّالثة؟ قال: التّسريحٌ بإحسانٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: في الثّالثة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: كان الطّلاق ليس له وقتٌ حتّى أنزل اللّه: {الطّلاق مرّتان} قال: الثّالثة: {إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}.
وقال آخرون منهم: بل عنى اللّه بذلك الدّلالة على ما يلزمهم لهنّ بعد التّطليقة الثّانية من مراجعةٍ بمعروفٍ أو تسريحٍ بإحسانٍ، بترك رجعتهنّ حتّى تنقضي عدّتهنّ، فيصرن أملك بأنفسهنّ. وأنكروا قول الأوّلين الّذين قالوا: إنّه دليلٌ على التّطليقة الثّالثة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو،
[جامع البيان: 4/131]
قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: ذلك: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} إذا طلّق واحدةً، أو اثنتين، إمّا أن يمسك ويمسك: يراجع بمعروفٍ وإمّا سكت عنها حتّى تنقضي عدّتها فتكون أحقّ بنفسها.
- حدّثنا عليّ بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} والتّسريح: أن يدعها حتّى تمضي عدّتها.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ} بإحسانٍ قال: يعني تطليقتين بينهما مراجعةٌ، فأمر أن يمسك، أو يسرّح بإحسانٍ. قال: فإن هو طلّقها ثالثةً فلا تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره.
وكأنّ قائلي هذا القول الّذي ذكرناه عن السّدّيّ، والضّحّاك، ذهبوا إلى أنّ معنى الكلام: الطّلاق مرّتان، فإمساكٌ في كلّ واحدةٍ منهما لهنّ بمعروفٍ، أو تسريحٌ لهنّ بإحسانٍ.
وهذا مذهبٌ ممّا يحتمله ظاهر التّنزيل لولا الخبر الّذي ذكرته عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، الّذي رواه إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ؛ فإنّ اتّباع الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أولى بنا من غيره. فإذ كان ذلك هو الواجب، فبيّنٌ أنّ تأويل الآية: الطّلاق الّذي لأزواج النّساء على نسائهم فيه الرّجعة مرّتان، ثمّ الأمر بعد ذلك إذا راجعوهنّ في الثّانية، إمّا إمساكٌ بمعروفٍ، وإمّا تسريحٌ منهم لهنّ بإحسانٍ بالتّطليقة الثّالثة حتّى تبين منهم، فيبطل ما كان لهنّ عليهنّ من الرّجعة ويصرن أملك بأنفسهنّ منهم.
[جامع البيان: 4/132]
فإن قال قائلٌ: وما ذلك الإمساك الّذي هو بمعروفٍ؟ قيل: هو ما؛
- حدّثنا به عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {فإمساكٌ بمعروفٍ} قال: المعروف: أن يحسن صحبتها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإمساكٌ بمعروفٍ} قال: ليتّق اللّه في التّطليقة الثّالثة، فإمّا أن يمسكها بمعروفٍ فيحسن صحابتها.
فإن قال: فما التّسريحٌ بإحسانٍ؟ قيل: هو ما؛
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} قيل: يسرّحها، ولا يظلمها من حقّها شيئًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: هو الميثاق الغليظ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: الإحسان: أن يوفيها حقّها، فلا يؤذيها، ولا يشتمها.
[جامع البيان: 4/133]
- حدّثنا عليّ بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} قال: التّسريح بإحسانٍ: أن يدعها حتّى تمضي عدّتها، ويعطيها مهرًا إن كان لها عليه إذا طلّقها. فذلك التّسريح بإحسانٍ، والمتعة على قدر الميسرة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} قال قوله: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}.
فإن قال: فما الرّافع للإمساك والتّسريح؟
قيل: محذوفٌ اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره، ومعناه: الطّلاق مرّتان، فالأمر الواجب حينئذٍ إمساكٌ بمعروفٍ، أو تسريحٌ بإحسانٍ.
وقد بيّنّا ذلك مفسّرًا في قوله: {فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسانٍ} فأغنى ذلك عن إعادته، في هذا الموضع). [جامع البيان: 4/134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله}.
[جامع البيان: 4/134]
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} ولا يحلّ لكم أيّها الرّجال أن تأخذوا من نسائكم إذا أنتم أردتم طلاقهنّ بطلاقكم وفراقكم إيّاهنّ شيئًا ممّا أعطيتموهنّ من الصّداق، وسقتم إليهنّ من المهر، بل الواجب عليكم تسريحهنّ بإحسانٍ، وذلك إيفاؤهنّ حقوقهنّ من الصّداق، والمتعة، وغير ذلك ممّا يجب لهنّ عليكم إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: {إلاّ أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه} وذلك قراءة عظم أهل الحجاز، والبصرة بمعنى إلاّ أن يخاف الرّجل والمرأة أن لا يقيما حدود اللّه، وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ: إلاّ أن يظنّا ألاّ يقيما حدود اللّه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرني ثورٌ، عن ميمون بن مهران، قال: في حرف أبيّ أنّ الفداء تطليقةٌ. قال: فذكرت ذلك لأيّوب، فأتينا رجلاً عنده مصحفٌ قديمٌ لأبيٍّ خرج من ثقةٍ، فقرأناه فإذا فيه: إلاّ أن يظنّا ألاّ يقيما حدود اللّه، فإن ظنّا ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به: لا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره.
والعرب قد تضع الظّنّ موضع الخوف والخوف موضع الظّنّ في كلامها لتقارب معنييهما، كما قال الشّاعر:
أتاني كلامٌ عن نصيبٍ يقوله = وما خفت يا سلاّم أنّك عائبي
بمعنى: ما ظننت.
[جامع البيان: 4/135]
وقرأه آخرون من أهل المدينة، والكوفة: (إلاّ أن يخافا) فأمّا قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة، فإنّه ذكر عنه أنّه قرأه كذلك اعتبارًا منه بقراءة ابن مسعودٍ، وذكر أنّه في قراءة ابن مسعودٍ: إلاّ أن تخافوا ألاّ يقيما حدود اللّه وقراءة ذلك كذلك اعتبارًا بقراءة ابن مسعودٍ الّتي ذكرت عنه خطأً؛ وذلك أنّ ابن مسعودٍ، إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنّما أعمل الخوف في أن وحدها، وذلك غير مدفوعةٍ صحّته، كما قال الشّاعر:
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة = يروّي عظامي بعد موتي عروقها.
ولا تدفنني بالفلاة فإنّني = أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
فأمّا قارئه (إلاّ أن يخافا) بذلك المعنى، فقد أعمل الخوف في متروكةٍ تسميته وفي أن فأعمله في ثلاثة أشياء: المتروك الّذي هو اسم ما لم يسمّ فاعله، وفي أن الّتي تنوب عن شيئين، ولا تقول العرب في كلامها ظنّا أن يقوما، لكنّ قراءة ذلك كذلك صحيحةٌ على غير الوجه الّذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك اعتبارًا بقراءة عبد اللّه الّتي وصفناها،
[جامع البيان: 4/136]
ولكن على أن يكون مرادًا به إذا قرئ كذلك. إلاّ أن يخاف بأن لا يقيما حدود اللّه، أو على أن لا يقيما حدود اللّه، فيكون العامل في أن غير الخوف، ويكون الخوف عاملاً فيما لم يسمّ فاعله. وذلك هو الصّواب عندنا من القراءة لدلالة ما بعده على صحّته، وهو قوله: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه} فكان بيّنًا أنّ الأوّل بمعنى: إلاّ أن تخافوا ألاّ يقيما حدود اللّه.
فإن قال قائلٌ: وأيّة حالٍ الحال الّتي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود اللّه حتّى يجوز للرّجل أن يأخذ حينئذٍ منها ما آتاها؟
قيل: حال نشوزها وإظهارها له بغضته، حتّى يخاف عليها ترك طاعة اللّه فيما ألزمها لزوجها من الحقّ، ويخاف على زوجها بتقصيرها في أداء حقوقه الّتي ألزمها اللّه له تركه أداء الواجب لها عليه، فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود اللّه فيطيعاه فيما ألزم كلّ واحدٍ منهما لصاحبه، والحال الّتي أباح النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لثابت بن قيس بن شمّاسٍ أخذ ما كان أتى زوجته إذ نشزت عليه بغضًا منها له.
- كما حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: قرأت على فضيلٍ، عن أبي حريز، أنّه سأل عكرمة، هل كان للخلع أصلٌ؟ قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: إنّ أوّل خلعٍ كان في الإسلام أخت عبد اللّه بن أبيٍّ، أنّها أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللّه لا يجمع رأسي ورأسه شيءٌ أبدًا إنّي رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدّةٍ، فإذا هو أشدّهم سوادًا، وأقصرهم قامةً، وأقبحهم وجهًا. قال زوجها: يا رسول اللّه إنّي أعطيتها أفضل مالي حديقةً فإن ردّت عليّ حديقتي قال: ما تقولين؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته قال: ففرّق بينهما.
[جامع البيان: 4/137]
- حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا أبو عمرٍو السّدوسيّ، عن عبد اللّه يعني ابن أبي بكرٍ، عن عمرة، عن عائشة: أنّ حبيبة بنت سهلٍ، كانت تحت ثابت بن قيس بن شمّاسٍ، فضربها فكسر بعضها، فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد الصّبح، فاشتكته إليه، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثابتًا، فقال: خذ بعض مالها وفارقها قال: ويصلح ذلك يا رسول اللّه؟ قال: نعم، قال: فإنّي أصدقتها حديقتين وهما بيدها. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: خذهما وفارقها ففعل.
- حدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا روحٌ، قال: حدّثنا مالكٌ، عن يحيى، عن عمرة أنّها أخبرته، عن حبيبة بنت سهلٍ الأنصاريّة: أنّها كانت تحت ثابت بن قيس بن شمّاسٍ، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رآها عند بابه بالغلس، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من هذه؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهلٍ، لا أنا ولا ثابت بن قيسٍ لزوجها. فلمّا جاء ثابتٌ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هذه حبيبة بنت سهلٍ تذكر ما شاء اللّه أن تذكر. فقالت حبيبة: يا رسول اللّه كلّ ما أعطانيه عندي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: خذ منها فأخذ منها وجلست في بيتها.
[جامع البيان: 4/138]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسن بن واقدٍ، عن ثابتٍ، عن عبد اللّه بن رباحٍ، عن جميلة بنت أبيّ ابن سلول، أنّها كانت تحت ثابت بن قيسٍ فنشزت عليه، فأرسل إليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا جميلة ما كرهت من ثابتٍ؟ قالت: واللّه ما كرهت منه دينًا ولا خلقًا، إلاّ أنّي كرهت دمامته. فقال لها: أتردّين الحديقة؟ قالت: نعم فردّت الحديقة، وفرّق بينهما.
وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت في شأنهما، أعني في شأن ثابت بن قيسٍ وزوجته هذه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيسٍ وفي حبيبة، قال: وكانت اشتكته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: تردّين عليه حديقته؟ فقالت: نعم فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: ويطيب لي ذلك؟ قال: نعم،
[جامع البيان: 4/139]
قال ثابتٌ: وقد فعلت فنزلت: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها}.
وأمّا أهل التّأويل فإنّهم اختلفوا في معنى الخوف منهما أن لا يقيما حدود اللّه، فقال بعضهم: ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها، فإذا ظهر ذلك منها له، حلّ له أن يأخذ ما أعطته من فديةٍ على فراقها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} إلاّ أن يكون النّشوز، وسوء الخلق من قبلها، فتدعوك إلى أن تفتدي منك، فلا جناح عليك فيما افتدت به.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني هشام بن عروة، أنّ عروة، كان يقول: لا يحلّ الفداء حتّى يكون الفساد من قبلها، ولم يكن يقول: لا يحلّ له حتّى تقول: لا أبرّ لك قسمًا، ولا اغتسل لك من جنابةٍ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عمرو بن دينارٍ، قال: قال جابر بن زيدٍ: إذا كان الشز من قبلها حلّ الفداء.
[جامع البيان: 4/140]
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني ابن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، أنّ أباه، كان يقول: إذا كان سوء الخلق، وسوء العشرة من قبل المرأة فذاك يحلّ خلعها.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، عن حمّادٍ، عن هشامٍ، عن أبيه، أنّه قال: لا يصلح الخلع، حتّى يكون الفساد من قبل المرأة.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ السكرى، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامرٍ، في امرأةٍ قالت لزوجها: لا أبرّ لك قسمًا، ولا أطيع لك أمرًا، ولا أغتسل لك من جنابةٍ. قال: ما هذا؟ وحرّك يده، لا أبرّ لك قسمًا، ولا أطيع لك أمرًا إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال: في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلاّ هجرها، فإن انتهت وإلاّ ضربها، فإن انتهت وإلاّ رفع أمرها إلى السّلطان، فيبعث حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها، فيقول الحكم الّذي من أهلها: تفعل بها كذا وتفعل بها كذا، ويقول الحكم الّذي من أهله: تفعل به كذا وتفعل به كذا، فأيّهما كان أظلم ردّه السّلطان وأخذ فوق يده، وإن كانت ناشزًا أمره أن يخلع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ،
[جامع البيان: 4/141]
عن أبيه، عن الرّبيع في قوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ} إلى قوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال: إذا كانت المرأة راضيةً مغتبطةً مطيعةً، فلا محلّ له أن يضربها، حتّى تفتدي منه، فإن أخذ منها شيئًا على ذلك، فما أخذ منها فهو حرامٌ، وإذا كان النّشوز، والبغض، والظّلم من قبلها، فقد حلّ له أن يأخذ منها ما افتدت به.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، في قوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه} قال: لا يحلّ للرّجل أن يختلع امرأته إلاّ أن يؤتى ذلك منها، فأمّا أن يكون ذلك منها يضارّها حتّى تختلع، فإنّ ذلك لا يصلح، ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء، وأساءت عشرته، فقد حلّ له خلعها.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} قال: الصّداق {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه} وحدود اللّه أن تكون المرأة ناشزةً، فإنّ اللّه أمر الزّوج أن يعظها بكتاب اللّه، فإن قبلت وإلاّ هجرها، والهجر أن لا يجامعها، ولا يضاجعها على فراشٍ واحدٍ ويوليها ظهره ولا يكلّمها، فإن أبت غلّظ لها القول بالشّتيمة لترجع إلى طاعته، فإن أبت فالضّرب ضرب غير مبرّحٍ، فإن أبت إلاّ جماحًا فقد حلّ له منها الفدية.
[جامع البيان: 4/142]
وقال آخرون: بل الخوف من ذلك أن لا تبرّ له قسمًا ولا تطيع له أمرًا، وتقول: لا أغتسل لك من جنابةٍ ولا أطيع لك أمرًا، فحينئذٍ يحلّ له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إيّاها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال الحسن: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابةٍ، ولا أبرّ لك قسمًا، ولا أطيع لك أمرًا، فحينئذٍ حلّ الخلع.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، قال: إذا قالت المرأة لزوجها: لا أبرّ لك قسمًا، ولا أطيع لك أمرًا، ولا أغتسل لك من جنابةٍ، ولا أقيم حدًّا من حدود اللّه، فقد حلّ له مالها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن محمّد بن سالمٍ، قال: سألت الشّعبيّ، قلت: متى يحلّ للرّجل أن يأخذ من مال امرأته؟ قال: إذا أظهرت بغضه وقالت: لا أبرّ لك قسمًا، ولا أطيع لك أمرًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، أنّه كان يعجب من قول من يقول: لا تحلّ الفدية حتّى تقول: لا أغتسل لك من جنابةٍ. وقال: إنّ الزّاني يزني ثمّ يغتسل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، في النّاشز، قال: إنّ المرأة ربّما عصت زوجها، ثمّ أطاعته، ولكن إذا عصته فلم تبرّ قسما، فعند ذلك تحلّ له الفدية.
[جامع البيان: 4/143]
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} لا يحلّ له أن يأخذ من مهرها شيئًا إلاّ أن يكونا يخافان ألاّ يقيما حدود اللّه فإذا لم يقيما حدود اللّه، فقد حلّ له الفدى، وذلك أن تقول: واللّه لا أبرّ لك قسمًا، ولا أطيع لك أمرًا، ولا أكرم لك نفسًا، ولا أغتسل لك من جنابةٍ. فهو حدود اللّه، فإذا قالت المرأة ذلك فقد حلّ الفداء للزّوج أن يأخذه ويطلّقها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ قال: حدّثنا عنبسة، عن عليّ بن بذيمة، عن مقسمٍ، في قوله: {ولا تعضلوهنّ} لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ يقول: إلاّ أن يفحشن في قراءة ابن مسعودٍ، قال إذا عصتك وآذتك، فقد حلّ لك ما أخذت منها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} قال: الخلع، قال: ولا يحلّ له إلاّ أن تقول المرأة لا أبرّ قسمه ولا أطيع أمره، فيقبله خيفة أن يسيء إليها إن أمسكها، ويتعدّى الحقّ.
وقال آخرون: بل الخوف من ذلك أن تبدى له بلسانها قولاً أنّها له كارهةٌ.
[جامع البيان: 4/144]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم المصريّ، قال: حدّثنا أبي وشعيب بن اللّيث، عن اللّيث، عن أيّوب بن موسى، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: يحلّ الخلع أن تقول، المرأة لزوجها: إنّي لأكرهك، وما أحبّك، ولقد خشيت أن أنام في جنبك، ولا أؤدّي حقّك. وتطيب نفسا بالخلع.
وقال آخرون: بل الّذي يبيح له أخذ الفدية أن يكون خوف أن لا يقيما حدود اللّه منهما جميعًا لكراهة كلّ واحدٍ منهما صحبة الآخر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ. حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، قال: قال عامرٌ: أحلّ له مالها بنشوزه، ونشوزها.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: قال ابن جريجٍ، قال طاووسٌ: يحلّ له الفداء ما قال اللّه تعالى ذكره، ولم يكن يقول قول السّفهاء: لا أبرّ لك قسمًا، ولكن يحلّ له الفداء ما قال اللّه تعالى ذكره: {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه} فيما افترض لكلّ واحدٍ منهما على صاحبه في العشرة، والصّحبة.
[جامع البيان: 4/145]
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن محمّد بن إسحاق قال: سمعت القاسم بن محمّدٍ، يقول: {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه} قال: فيما افترض اللّه عليهما في العشرة، والصّحبة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث قال: حدّثني ابن شهابٍ قال: أخبرني سعيد بن المسيّب، قال: لا يحلّ الخلع حتّى يخافا أن لا يقيما حدود اللّه في العشرة الّتي بينهما.
وأولى هذه الأقوال بالصّحّة قول من قال: لا يحلّ للرّجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إيّاها، حتّى يكون خوف معصية اللّه من كلّ واحدٍ منهما على نفسه في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه منهما جميعًا، على ما ذكرناه عن طاووسٍ، والحسن، ومن قال في ذلك قولهما؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أباح للزّوج أخذ الفدية من امرأته عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود اللّه.
فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمر على ما وصفت فالواجب أن يكون حرامًا على الرّجل قبول الفدية منها إذا كان النّشوز منها دونه، حتّى يكون منه من الكراهة لها مثل الّذي يكون منها له؟
قيل له: إنّ الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت، وذلك أنّ في نشوزها عليه داعيةً له إلى التّقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به، وذلك هو المعنى الّذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود اللّه.
[جامع البيان: 4/146]
فأمّا إذا كان التّفريط من كلّ واحدٍ منهما في واجب حقّ صاحبه قد وجد وسوء الصّحبة، والعشرة قد ظهر للمسلمين، فليس هناك للخوف موضعٌ، إذ كان المخوف قد وجد، وإنّما يخاف وقوع الشّيء قبل حدوثه، فأمّا بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه، ولا الزّيادة في مكروهه). [جامع البيان: 4/147]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله تعالى: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه} الّتي إذا خيف من الزّوج، والمرأة أن لا يقيماها حلّت له الفدية من أجل الخوف عليهما تضييعها، فقال بعضهم: هو استخفاف المرأة بحقّ زوجها وسوء طاعتها إيّاه، وأذاها له بالكلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال: هو تركها إقامة حدود اللّه، واستخفافها بحقّ زوجها، وسوء خلقها، فتقول له: واللّه لا أبرّ لك قسمًا، ولا أطّأ لك مضجعًا، ولا أطيع لك أمرًا؛ فإن فعلت ذلك فقد حلّ له منها الفدية.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، في قوله: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابةٍ حلّ له أن يأخذ منها.
[جامع البيان: 4/147]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: حدّثنا يونس، عن الزّهريّ، قال: يحلّ الخلع حين يخافا أن لا يقيما حدود اللّه، وأداء حدود اللّه في العشرة الّتي بينهما.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن خفتم أن لا يطيعا اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن عامرٍ: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه} قالا: أن لا يطيعا اللّه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الحدود: الطّاعة.
والصّواب من القول في ذلك: فإن خفتم ألاّ يقيما ما أوجب اللّه عليهما من الفرائض فيما ألزم كلّ واحدٍ منهما من الحقّ لصاحبه من العشرة بالمعروف، والصّحبة بالجميل، فلا جناح عليهما فيما افتدت به.
وقد يدخل في ذلك ما روّيناه عن ابن عبّاسٍ، والشّعبيّ، وما روّيناه عن الحسن، والزّهريّ، لأنّ من الواجب للزّوج على المرأة إطاعته فيما أوجب اللّه طاعته فيه، وأن لا تؤذيه بقولٍ، ولا تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته، فإذا خالفت ما أمرها اللّه به من ذلك كانت قد ضيّعت حدود اللّه الّتي أمرها بإقامتها.
[جامع البيان: 4/148]
وأمّا معنى إقامة حدود اللّه، فإنّه العمل بها، والمحافظة عليها، وترك تضييعها، وقد بيّنّا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدلّ على صحّته). [جامع البيان: 4/149]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.
يعني قوله تعالى ذكره بذلك: فإن خفتم أيّها المؤمنون ألاّ يقيم الزّوجان ما حدّ اللّه لكلّ واحدٍ منهما على صاحبه من حقٍّ، وألزمه له من فرضٍ، وخشيتم عليهما تضييع فرض اللّه وتعدّي حدوده في ذلك فلا جناح حينئذٍ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها، ولا حرج عليهما فيما أعطت هذه على فراق زوجها إيّاها ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل، والعوض عليه.
فإن قال قائلٌ: وهل كانت المرأة حرجةً لو كان الضّرار من الرّجل بها فيما افتدت به نفسها، فيكون لا جناح عليهما فيما أعطته من الفدية على فراقها إذا كان النّشوز من قبلها؟
قيل: لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها أنّ ضراره ذلك إنّما هو ليأخذ منها ما حرّم اللّه عليه أخذه على الوجه الّذي نهاه اللّه عن أخذه منها،
[جامع البيان: 4/149]
ثمّ قدرت أن تمتنع من إعطائه ذلك بما لا ضرر عليها في نفسٍ، ولا دينٍ، ولا خوف عليها في ذهاب حقٍّ لها لما حلّ لها إعطاؤه ذلك، إلاّ على وجه طيب النّفس منها بإعطائه إيّاه على ما يحلّ له أخذه منها لأنّها متى أعطته ما لا يحلّ له أخذه منها وهي قادرةٌ على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفسٍ، ولا دينٍ، ولا في حقٍّ لها تخاف ذهابه، فقد شاركته في الإثم بإعطائه ما لا يحلّ له أخذه منها على الوجه الّذي أعطته، فلذلك وضع عنها الجناح إذا كان النّشوز من قبلها، وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفسٍ، ابتغاءً منها بذلك سلامتها، وسلامة صاحبها من الوزر، والمأثم، وهي إذا أعطته على هذا الوجه باستحقاق الأجر والثّواب من اللّه تعالى أولى إن شاء اللّه من الجناح والحرج، ولذلك قال تعالى ذكره: {فلا جناح عليهما} فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إيّاها، وعنه فيما قبض منها إذا كانت معطيةً على المعنى الّذي وصفنا، وكان قابضًا منها ما أعطته من غير ضرارٍ، بل طلب السّلامة لنفسه ولها في أديانهما، وحذار للأوزار، والمأثم.
وقد يتّجه قوله: {فلا جناح عليهما} وجهًا آخر من التّأويل وهو أنّها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الّذي أذن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لامرأة ثابت بن قيس بن شمّاسٍ، وذلك لكراهتها أخلاق زوجها أو دمامة خلقه، وما أشبه ذلك من الأمور الّتي يكرهها النّاس بعضهم من بعضٍ، ولكن على الانصراف منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحلّ لها كان حرامًا عليها أنّ تعطي على مسألتها إيّاه فراقها على ذلك الوجه شيئًا؛ لأنّ مسألتها إيّاه الفرقة على ذلك الوجه معصيةٌ منها للّه، وتلك هي المختلعة إن خولعت على ذلك الوجه الّتي روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سمّاها منافقةً.
[جامع البيان: 4/150]
- كما حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثني المعتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن أبي إدريس، عن ثوبان، مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: أيّما امرأةٍ سألت زوجها الطّلاق من غير بأسٍ حرّم اللّه عليها رائحة الجنّة.

وقال: المختلعات هنّ المنافقات.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مزاحم بن ذوّاد بن علبة، عن أبيه، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن أبي الخطّاب، عن أبي زرعة، عن أبي إدريس، عن ثوبان، مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: المختلعات هنّ المنافقات.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حفص بن بشرٍ قال: حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن أشعث بن سوّارٍ، عن الحسن، عن ثابت بن يزيد، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن المختلعات المنتزعات هنّ المنافقات.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، وحدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قالا جميعًا: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، عمّن، حدّثه، عن ثوبان، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أيّما امرأةٍ سألت زوجها طلاقًا من غير بأسٍ فحرامٌ عليها رائحة الجنّة.
[جامع البيان: 4/151]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عارمٌ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرّحبيّ، عن ثوبان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجةً، وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج، والجناح، وكان من وجوهه ما يكون الحرج، والجناح فيه على الرّجل دون المرأة، ومنه ما يكون عليهما، ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرجٌ ولا جناحٌ. قيل في الوجه: الّذي لا حرج عليهما فيه لا جناح إذ كان فيما حاولا وقصدا من افتراقهما بالجعل الّذي بذلته المرأة لزوجها لا جناح عليهما فيما افتدت به من الوجه الّذي أبيح لهما، وذلك، أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه بمقام كلّ واحدٍ منهما على صاحبه.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ في ذلك وجهين: أحدهما أن يكون مرادًا به: فلا جناح على الرّجل فيما افتدت به المرأة دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعًا كما قال في سورة الرّحمن: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج زعم اللّؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب، قال: ومثله. {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما} وإنّما النّاسي صاحب موسى وحده؛ قال: ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابّتان أركبهما وأسقي عليهما
[جامع البيان: 4/152]
وإنّما تركب إحداهما وتسقي على الأخرى، وهذا من سعة العربيّة الّتي يحتجّ بسعتها في الكلام. قال: والوجه الآخر أن يشتركا جميعًا في أن لا يكون عليهما جناحٌ، إذ كانت تعطي ما قد نفي عن الزّوج فيه الإثم. اشتركت فيه، لأنّها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت إلى مثل ذلك.
قال أبو جعفرٍ: فلم يصب الصّواب في واحدٍ من الوجهين، ولا في احتجاجه فيما احتجّ به قوله: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} فأمّا قوله: {فلا جناح عليهما} فقد بيّنّا وجه صوابه، وسنبيّن وجه قوله: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} في موضعه إذا أتينا عليه إن شاء اللّه تعالى.
وإنّما خطّأنا قوله ذلك؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الحرج عن الزّوجين إذا افتدت المرأة من زوجها على ما أذن، وأخبر عن البحرين أنّ منهما يخرج اللّؤلؤ والمرجان، فأضاف الخبر إلى اثنين، فلو جاز لقائلٍ أن يقول: إنّما أريد به الخبر عن أحدهما فيما لم يكن مستحيلاً أن يكون عنهما جاز في كلّ خبرٍ كان عن اثنين غير مستحيلةٍ صحّته أن يكون عنهما أن يقال: إنّما هو خبرٌ عن أحدهما، وذلك قلب المفهوم من كلام النّاس والمعروف من استعمالهم في مخاطباتهم، وغير جائزٍ حمل كتاب اللّه تعالى ووحيه جلّ ذكره على الشّواذ من الكلام وله في المفهوم الجاري بين النّاس وجهٌ صحيحٌ موجودٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} أمعنيّ به: أنّهما موضوعٌ عنهما الجناح في كلّ ما افتدت به المرأة نفسها من شيءٍ أم في بعضه؟
[جامع البيان: 4/153]
فقال بعضهم: عنى بذلك فلا جناح عليهما فيما افتدت به من صداقها الّذي كان آتاها زوجها الّذي تختلع منه واحتجّوا في قولهم ذلك بأنّ آخر الآية مردودٌ على أوّلها، وأنّ معنى الكلام: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ممّا آتيتموهنّ.
قالوا: فالّذي أحلّه اللّه لهما من ذلك عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود اللّه هو الّذي كان حظر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك. واحتجّوا في ذلك بقصّة ثابت بن قيس بن شمّاسٍ، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما أمر امرأته إذ نشزت عليه أنّ تردّ ما كان ثابتٌ أصدقها، وأنّها عرضت الزّيادة فلم يقبلها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، أنّه كان يقول: لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر ممّا ساق إليها، ويقول: إنّ اللّه يقول: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} منه، يقول: من المهر. وكذلك كان يقرؤها: فيما افتدت به منه.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا بشر بن بكرٍ، عن الأوزاعيّ، قال: سمعت عمرو بن شعيبٍ، وعطاء بن أبي رباحٍ، والزّهريّ، يقولون: في النّاشز: لا يأخذ منها زوجها إلاّ ما ساق إليها.
[جامع البيان: 4/154]
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد، حدّثنا أبو عمرٍو، عن عطاءٍ، قال: النّاشز لا يأخذ منها إلاّ ما ساق إليها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ أنّه كره أن يأخذ في الخلع أكثر ممّا أعطاها.
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أشعث، عن الشّعبيّ، قال: كان يكره أن يأخذ، الرّجل من المختلعة فوق ما أعطاها، وكان يرى أن يأخذ دون ذلك.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن الشّعبيّ، قال: لا يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبيّ، أنّه كان يكره أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها، يعني المختلعة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا، عن الحكم بن عتيبة، قال: كان عليٌّ رضي اللّه عنه يقول: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبه، عن الحكم، أنّه قال: في المختلعة: أحبّ إليّ أن لا يزداد.
[جامع البيان: 4/155]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن حميدٍ، أنّ الحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن مطرٍ، أنّه سأل الحسن، أو أنّ الحسن، سئل عن رجلٍ تزوّج امرأةً على مائتي درهمٍ، فأراد أن يخلعها، هل له أن يأخذ أربعمائةٍ؟ فقال: لا واللّه، لا أرى ذاك أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ قال: كان الحسن، يقول: لا يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها.
قال معمرٌ: وبلغني عن عليٍّ، أنّه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن ابن المسيّب، قال: ما أحبّ أن يأخذ، منها كلّ ما أعطاها حتّى يدع لها منه ما يعيشها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، أنّ أباه، كان يقول: في المفتدية: لا يحلّ له أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها.
[جامع البيان: 4/156]
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: لا يحلّ للرّجل أن يأخذ من امرأته أكثر ممّا أعطاها.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من قليل ما تملكه، وكثيره. واحتجّوا لقولهم ذلك بعموم الآية، وأنّه غير جائزٍ إحالة ظاهر عامٍّ إلى باطن خاصٍّ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها قالوا: ولا حجّة يجب التّسليم لها بأنّ الآية مرادٌ بها بعض الفدية. دون بعضٍ من أصلٍ أو قياسٍ، فهي على ظاهرها، وعمومها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن كثيرٍ، مولى سمرة: أنّ عمر أتي بامرأةٍ ناشزٍ، فأمر بها إلى بيتٍ كثير الزّبل ثلاثًا، ثمّ دعا بها فقال: كيف وجدت؟ قالت: ما وجدت راحةً منذ كنت عنده إلاّ هذه اللّيالي الّتي حبستني. فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن كثيرٍ، مولى سمرة، قال: أخذ عمر بن الخطّاب، امرأةً ناشزةً فوعظها، فلم تقبل بخيرٍ، فحبسها في بيتٍ كثير الزّبل ثلاثة أيّامٍ. وذكر نحو حديث ابن عليّة.
[جامع البيان: 4/157]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، ومحمّد بن يحيى، قالا: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن حميد بن عبد الرّحمن: أنّ امرأةً، أتت عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، فشكت زوجها، فقال: إنّها ناشزٌ. فأباتها في بيت الزّبل، فلمّا أصبحت قال لها: كيف وجدت مكانك؟ قالت: ما كنت عنده ليلةً أقرّ لعيني من هذه اللّيلة. فقال: خذ ولو عقاصها.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ: أنّ مولاةً، لصفيّة اختلعت من زوجها بكلّ شيءٍ تملكه إلاّ من ثيابها، فلم يعب ذلك ابن عمر.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا معتمرٌ، قال: سمعت عبيد اللّه، يحدّث، عن نافعٍ، قال: ذكر لابن عمر مولاةٌ له اختلعت من زوجها بكلّ مالٍ لها، فلم يعب ذلك عليها، ولم ينكره.
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حميدٍ، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ: أنّه كان لا يرى بأسًا أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها ثمّ تلا هذه الآية: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.
[جامع البيان: 4/158]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: في الخلع: خذ ما دون عقاص شعرها، وإن كانت المرأة لتفتدي ببعض مالها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخلع ما دون عقاص الرّأس.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، أنّه قال: في المختلعة: خذ منها ولو عقاصها.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخلع بما دون عقاص الرّأس، وقد تفتدي المرأة ببعض مالها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، أنّ الرّبيّع ابنة معوّذ بن عفراء حدّثته قالت: كان لي زوجٌ يقلّ عليّ الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب. قالت: فكانت منّي زلّة يومًا، فقلت: أختلع منك بكلّ شيءٍ أملكه قال: نعم قالت: ففعلت قالت: فخاصم عمّي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفّان فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه. أو قالت: ما دون عقاص الرّأس.
[جامع البيان: 4/159]
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا الحسن بن يحيى، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا بأس بما خلعها به من قليلٍ، أو كثيرٍ، ولو عقصها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: إن شاء أخذ منها أكثر ممّا أعطاها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني عمرو بن دينارٍ، أنّه سمع عكرمة، يقول: قال ابن عبّاسٍ: ليأخذ منها حتّى قرطها. يعني في الخلع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مطرّف بن عبد اللّه، قال: أخبرنا مالك بن أنسٍ، عن نافعٍ، عن مولاةٍ لصفيّة ابنة أبي عبيدٍ: أنّها اختلعت من زوجها بكلّ شيءٍ لها، فلم ينكر ذلك عبد اللّه بن عمر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، قال: أخبرنا حميدٌ، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ أنّه تلا هذه الآية: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال: يأخذ أكثر ممّا أعطاها.
[جامع البيان: 4/160]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يزيد، وسهل بن يوسف، وابن أبي عديٍّ، عن حميدٍ، قال: قلت لرجاء بن حيوة: إنّ الحسن، يقول في المختلعة: لا يأخذ أكثر ممّا أعطاها، ويتأوّل: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} قال رجاءٌ: فإنّ قبيصة بن ذؤيبٍ، كان يرخّص أن يأخذ أكثر ممّا أعطاها، ويتأوّل: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.
وقال آخرون: هذه الآية منسوخةٌ بقوله: {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: حدّثنا عقبة بن أبي الصّهباء، قال: سألت بكرًا عن المختلعة، أيأخذ منها شيئًا؟ قال: لا، وقرأ: {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا عقبة بن أبي الصّهباء، قال: سألت بكر بن عبد اللّه عن رجلٍ تريد امرأته منه الخلع، قال: لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئًا. قلت: يقول اللّه تعالى ذكره في كتابه: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال: هذه نسخت. قلت: فإنّي حفظت؟ قال: حفظت في سورة النّساء قول اللّه تعالى ذكره: {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا}.
[جامع البيان: 4/161]
وأولى هذه الأقوال بالصّواب قول من قال: إذا خيف من الرّجل، والمرأة أن لا يقيما حدود اللّه على سبيل ما قدّمنا البيان عنه، فلا حرج عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها من قليل ما تملكه وكثيره ممّا يجوز للمسلمين أن يملكوه، وإن أتى ذلك على جميع ملكها؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره لم يخصّ ما أباح لهما من ذلك على حدٍّ لا يجاوز، بل أطلق ذلك في كلّ ما افتدت به غير أنّي أختار للرّجل استحبابًا لا تحتيمًا إذا تبيّن من امرأته أنّ افتداءها منه لغير معصيةٍ للّه، بل خوفًا منها على دينها أن يفارقها بغير فديةٍ، ولا جعلٍ؛ فإن شحّت نفسه بذلك، فلا يبلغ بما يأخذ منها جميع ما آتاها. فأمّا ما قاله بكر بن عبد اللّه من أنّ هذا الحكم في جميع الآية منسوخٌ بقوله: {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} فقولٌ لا معنى له، فنتشاغل بالإنابة عن خطئه لمعنيين. أحدهما: إجماع الجميع من الصّحابة، والتّابعين، ومن بعدهم من المسلمين، على تخطئته وإجازة أخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره. والآخر: أنّ الآية الّتي في سورة النّساء إنّما حرّم اللّه فيها على زوج المرأة أن يأخذ منها شيئًا ممّا آتاها، بأن أراد الرّجل استبدال زوجٍ بزوجٍ من غير أن يكون هنالك خوفٌ من المسلمين عليهما بمقام أحدهما على صاحبه أن لا يقيما حدود اللّه، ولا نشوز من المرأة على الرّجل. وإذا كان الأمر كذلك، فقد ثبت أنّ أخذ الزّوج من امرأته مالاً على وجه الإكراه لها والإضرار بها حتّى تعطيه شيئًا من مالها على فراقها حرامٌ، ولو كان ذلك حبّة فضّةٍ فصاعدًا.
[جامع البيان: 4/162]
وأمّا الآية الّتي في سورة البقرة، فإنّها إنّما دلّت على إباحة اللّه تعالى ذكره له أخذ الفدية منها في حال الخوف عليهما أن لا يقيما حدود اللّه بنشوز المرأة، وطلبها فراق الرّجل، ورغبته فيها. فالأمر الّذي أذن به للزّوج في أخذ الفدية من المرأة في سورة البقرة ضدّ الأمر الّذي نهى من أجله عن أخذ الفدية في سورة النّساء، كما الحظر في سورة النّساء غير الطّلاق والإباحة في سورة البقرة. فإنّما يجوز في الحكمين أن يقال أحدهما ناسخٌ إذا اتّفقت معاني المحكوم فيه، ثمّ خولف بين الأحكام فيه باختلاف الأوقات، والأزمنة. وأمّا اختلاف الأحكام باختلاف معاني المحكوم فيه في حالٍ واحدةٍ ووقتٍ واحدٍ، فذلك هو الحكمة البالغة، والمفهوم في العقل، والفطرة، وهو من النّاسخ، والمنسوخ بمعزلٍ.
وأمّا الّذي قاله الرّبيع بن أنسٍ من أنّ معنى الآية: فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه، يعني بذلك: ممّا آتيتموهنّ، فنظير قول بكرٍ في دعواه نسخ قوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} بقوله: {وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} لادّعائه في كتاب اللّه ما ليس موجودًا في مصاحف المسلمين رسمه. ويقال لمن قال بقوله: قد قال من قد علمت من أئمّة الدّين: إنّما معنى ذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من ملكها، فهل من حجّةٍ تبيّن بها منهم غير الدّعوى، فقد احتجّوا بظاهر التّنزيل، وادّعيت فيه خصوصًا. ثمّ يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في شيءٍ من ذلك قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله. وقد بيّنّا الأدلّة بالشّواهد على صحّة قول من قال للزّوج أن يأخذ منها كلّ ما أعطته المفتدية الّتي أباح اللّه لها الافتداء في كتابنا كتاب اللّطيف فكرهنا إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 4/163]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: تلك معالم فصوله، بين ما أحلّ لكم، وما حرّم عليكم أيّها النّاس، فلا تعتدوا ما أحلّ لكم من الأمور الّتي بيّنها وفصّلها لكم من الحلال، إلى ما حرّم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته.
وإنّما عنى تعالى ذكره بقوله: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها} هذه الأشياء الّتي بيّنت لكم في هذه الآيات الّتي مضت من نكاح المشركات الوثنيّات، وإنكاح المشركين المسلمات، وإتيان النّساء في المحيض، وما قد بيّن في الآيات الماضية قبل قوله: {تلك حدود اللّه} ممّا أحلّ لعباده وحرّم عليهم، وما أمر، ونهى. ثمّ قال لهم تعالى ذكره: هذه الأشياء الّتي بيّنت لكم حلالها من حرامها حدودي، يعني به: معالم فصول ما بين طاعتي، ومعصيتي فلا تعتدوها؛ يقول: فلا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرّمته عليكم، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه، ولا طاعتي إلى معصيتي، فإنّ من تعدّى ذلك يعني من تخطّاه وتجاوزه إلى ما حرّمت عليه أو نهيته، فإنّه هو الظّالم، وهو الّذي فعل ما ليس له فعله، ووضع الشّيء في غير موضعه.
وقد دلّلنا فيما مضى على معنى الظّلم وأصله بشواهده الدّالّة على معناه، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
[جامع البيان: 4/164]
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل وإن خالفت ألفاظ تأويلهم ألفاظ تأويلنا، غير أنّ معنى ما قالوا في ذلك ايل يرجع إلى معنى ما قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها} يعني بالحدود: الطّاعة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها} يقول: من طلّق لغير العدّة فقد اعتدى وظلم نفسه، ومن يتعدّ حدود اللّه، فأولئك هم الظّالمون.
وهذا الّذي ذكر عن الضّحّاك لا معنى له في هذا الموضع، لأنّه لم يجر للطّلاق في العدّة ذكرٌ، فيقال: تلك حدود اللّه، وإنّما جرى ذكر العدد الّذي يكون للمطلّق فيه الرّجعة، والّذي لا يكون له فيه الرّجعة دون ذكر البيان عن الطّلاق للعدّة). [جامع البيان: 4/165]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون (229)
قوله تعالى: الطّلاق مرّتان
- حدّثنا هارون بن إسحاق، ثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة عن أبيه، أنّ رجلا قال لامرأته: لا أطلّقك أبدًا، ولا أؤيّدك أبدًا وكيف ذلك؟ قال:
أطلّقك، حتّى إذا دنا أجلك راجعتك فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت له، فأنزل اللّه تعالى: الطّلاق مرّتان قال هشامٌ: ولم يكن لهم شيءٌ ينتهون إليه من الطّلاق.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: الطّلاق مرّتان قال: يطلّق الرّجل امرأته طاهرًا من غير جماعٍ، فإذا حاضت ثمّ طهرت، فقد تمّ القرء، ثمّ يطلّق الثّانية كما طلّق الأولى، إن أحبّ أن يفعل، فإذا طلّق ثمّ حاضت الثّانية فهاتان تطليقتان وقرءان). [تفسير القرآن العظيم: 1/418]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإمساكٌ بمعروفٍ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ قال: إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقتين، فليتّق اللّه في التّطليقة الثّالثة، فإمّا أن يمسكها بمعروفٍ، فيحسن صحابتها). [تفسير القرآن العظيم: 1/419]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أو تسريحٌ بإحسانٍ
[الوجه الأول]
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: أو تسريحٌ بإحسانٍ قال: أن يسرّحها بإحسانٍ، فلا يظلمها من حقّها شيئًا.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ وهبٍ، أخبرني سفيان الثّوريّ، حدّثني إسماعيل بن سميعٍ، قال: سمعت أبا رزينٍ يقول: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه: الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ أين الثّالثة؟ قال: التّسريح بإحسانٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: أو تسريحٌ بإحسانٍ أن يوفّيها حقّها ولا يؤذيها ولا يشتمها.
- حدثنا أبي، ثنا نحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينارٍ الحمصيّ، ثنا زيد بن أبي الزّرقاء، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: من خالع امرأته فأخذ منها شيئًا أعطاها فلا أراه سرّحها بإحسانٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/419]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا يحلّ لكم
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: ولا يحلّ لكم يقول لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر ممّا ساق إليها). [تفسير القرآن العظيم: 1/419]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ عن ابن جريج وعثمان ابن عطاءٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا ثمّ استثني فقال: فلا جناح عليهما فيما افتدت به
[تفسير القرآن العظيم: 2/419]
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرارٍ، ثنا أبو تميلة عن الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ عن عكرمة، والحسن، قالا: كان الرّجل يأكل من مال امرأته نحلته الّذي نحلها وغيره، لا يرى أنّ عليه فيه جناحًا، حتّى أنزل اللّه تعالى ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا فلا يصلح لهم بعد هذه الآية، أخذ شيءٍ من أموالهنّ إلا بحقّها). [تفسير القرآن العظيم: 1/420]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسماعيل بن عليّة، عن ابن جريجٍ قال:
كان طاوسٌ يقول: لا يحلّ الفداء إلا كما قال اللّه إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه، ولم يكن يقول قول السّفهاء. لا يحلّ حتّى تقول: لا أغتسل لك من جنابةٍ، ولكنّه كان يقول: ألا يقيما حدود اللّه فيما افترض لكلّ واحدٍ منهما على صاحبه في العشرة والصّحبة.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه إلا أن يكون النّشوز وسوء الخلق من قبلها، فتدعوك إلى أن تفتدي منك، فلا جناح عليك فيما افتدت به.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه قال: إلا أن يخافا ألا يطيعا اللّه.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أبنا ابن وهب، أخبرنا الليث ابن سعدٍ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن زيد بن أسلم إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه قال: إذا خافت المرأة ألا تؤدّي حقّ زوجها، وخاف الرّجل ألا يؤدّي حقّها، فلا جناح في الفدية). [تفسير القرآن العظيم: 1/420]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإن خفتم
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة فإن خفتم يعني: الولاة). [تفسير القرآن العظيم: 1/421]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ألا يقيما حدود اللّه
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به هو تركها إقامة حدود اللّه، استخفافًا بحقّ زوجها وسوء خلقها، فتقول له: واللّه لا أبرّ لك قسمًا، ولا أطأ لك مضجعًا، ولا أطيع لك أمرًا، فإذا فعلت ذلك، فقد حلّ له منها الفدية ولا يأخذ أكثر ممّا أعطاها شيئًا، ويخلّي سبيلها إن كانت الإساءة من قبلها.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عقبة عن إسرائيل، عن جابرٍ عن عامرٍ فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه قال: لا يطيعا اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/421]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فلا جناح عليهما فيما افتدت به
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّاد بن سلمة عن حميدٍ عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، أنّه تلا هذه الآية فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال: إن شاء أخذ أكثر ممّا أعطاها.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال: ذلك في الخلع، إذا قالت:
واللّه لا أغتسل لك من جنابةٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عزيزٍ الأيليّ، ثنا سلامة، عن عقيلٍ، قال: وسألت محمّدًا: هل يصلح للرجل أن يقبل من امرأته من الفدية في الخلع، أكثر ممّا أعطاها؟
أو ترجع إليه إن رضيا من غير أن يردّ إليها شيئًا ممّا كانت اختلعت به منه؟ قال محمّدٌ: يعني الزّهريّ: لم أسمع في هذا سنة ولكن نرى الله أعلم ألا يأخذ إلا ما أعطاها فإنّ اللّه تبارك وتعالى قال: فلا جناح عليهما فيما افتدت به). [تفسير القرآن العظيم: 1/421]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: تلك حدود الله
قد تقدم تفسيره. آية 187). [تفسير القرآن العظيم: 1/422]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فلا تعتدوها
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك تلك حدود اللّه فلا تعتدوها قال: تلك طاعة اللّه فلا تعتدوها، يقول: من طلّق على غير هذا فقد ظلم نفسه.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قراءة ابنا ابن وهبٍ أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ، أنّه قال: لا نرى طلاق الصّبيّ يجوز قبل أن يحتلم. قال: وإن طلّق امرأته قبل أن يدخل بها فإنّه بلغنا أنّه من السّنّة ألا تقام حدود اللّه إلا على من احتلم، أو بلغ الحلم. والطّلاق من حدود اللّه فلا تعتدوها فلا نرى أمرًا أوثق من الاعتصام بالسّنن). [تفسير القرآن العظيم: 1/422]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ومن يتعدّ حدود اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: ومن يتعدّ حدود اللّه قال: قسمة اللّه الّتي قسمها في الفرائض). [تفسير القرآن العظيم: 1/422]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فأولئك هم الظّالمون
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا المحاربيّ عن جويبرٍ، عن الضّحّاك يعني قوله: ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون يقول: من طلّق على غير هذا فقد ظلم نفسه). [تفسير القرآن العظيم: 1/422]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ عليّ بن الحسين بن الجنيد، ثنا يعقوب بن حميد بن كاسبٍ، ثنا يعلى بن شبيبٍ المكّيّ، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: كان الرّجل يطلّق امرأته ما شاء أن يطلّقها، وإن طلّقها مائةً أو أكثر، إذا ارتجعها قبل أن تنقضي عدّتها، حتّى قال الرّجل لامرأته: واللّه لا أطلّقك فتبيني منّي، ولا آويك إليّ. قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلّقك وكلّما همّت عدّتك أن تنقضي ارتجعتك، ثمّ أطلّقك، وأفعل ذلك، فشكت المرأة ذلك إلى عائشة، فذكرت ذلك عائشة لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فسكت فلم يقل شيئًا حتّى " نزل القرآن: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} [البقرة: 229] «..........» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يتكلّم أحدٌ في يعقوب بن حميدٍ بحجّةٍ، وناظرني شيخنا أبو أحمد الحافظ وذكر أنّ البخاريّ روى عنه في الصّحيح، فقلت: هذا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، وثبت هو على ما قال "). [المستدرك: 2/307]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د س) ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلّق امرأته، فهو أحق برجعتها وإن طلّقها ثلاثاً، فنسخ ذلك، فقال: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] الآية.
[جامع الأصول: 2/45]
أخرجه أبو داود، وأخرجه النسائي نحوه.
[شرح الغريب]
(يتربص) التربص: المكث والانتظار.
(قروء) جمع قرء: وهو الطهر عند الشافعي، والحيض عند أبي حنيفة، فيكون من الأضداد). [جامع الأصول: 2/46] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ط ت) - عروة بن الزبير رضي الله عنهما: قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدّتها، كان ذلك له وإن طلّقها ألف مرة، فعمد رجلٌ إلى امرأته، فطلّقها حتى إذا شارفت انقضاء عدّتها ارتجعها، ثم قال: لا والله، لا آويك إليّ، ولا تحلّين أبداً، فأنزل الله {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} فاستقبل الناس الطلاق جديداً من ذلك: من كان طلّق أو لم يطلّق. أخرجه الموطأ والترمذي.
[شرح الغريب]
(شارفت) الشيء: قربت منه، وأشرفت عليه.
[جامع الأصول: 2/46]
(آويك) أضمك إليّ، وهو من المأوى: المنزل). [جامع الأصول: 2/47]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألآ يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يعتد حدود الله فأولئك هم الظالمون.
أخرج مالك والشافعي، وعبد بن حميد والترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى إمراته فطلقها حتى ما جاء وقت إنقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها ثم قال: والله لا آويك ولا تحلين أبدا فأنزل الله {الطلاق
[الدر المنثور: 2/660]
مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}
فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق ومن لم يطلق.
وأخرج الترمذي، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة قالت: كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء الله أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة وأكثر حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني ولا آويك أبدا، قالت: وكيف ذلك قال: أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته فسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من طلق ومن لم يطلق.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت: لم يكن للطلاق وقت يطلق امرأته أم يراجعها ما لم تنقض العدة وكان بين رجل وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال: والله لأتركنك لا أيما ولا ذات زوج فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ففعل ذلك مرارا فأنزل الله فيه {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فوقت لهم الطلاق
[الدر المنثور: 2/661]
ثلاثا يراجعها في الواحدة وفي الاثنتين وليس في الثالثة رجعة حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج ابن النجار عن عائشة أنها أتتها امرأة فسألتها عن شيء من الطلاق قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن عباس (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (البقرة الآية 228) إلى قوله (وبعولتهن أحق بردهن) وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن بعض الفقهاء قال كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء لا يكون عليها عدة فتتزوج من مكانها إن شاءت فجاء رجل من أشجع إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني طلقت إمرأتي وأنا أخشى أن تتزوج فيكون الولد لغيري فأنزل الله {الطلاق مرتان} فنسخت هذه كل طلاق في القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {الطلاق مرتان} قال: لكل مرة قرء فنسخت هذه الآية ما كان قبلها فجعل الله حد الطلاق ثلاثة وجعله
[الدر المنثور: 2/662]
أحق برجعتها ما دامت في عدتها ما لم يطلق ثلاثا.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس، وابن مردويه والبيهقي عن أبي رزين الأسدي قال: قال رجل: يا رسول الله أرأيت قول الله عز وجل {الطلاق مرتان} فأين الثالثة قال: التسريح بإحسان الثالثة.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أنس قال جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أسمع الله يقول {الطلاق مرتان} فأين الثالثة قال: امساك بمعروف أو تسريح بإحسان هي الثالثة.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {الطلاق مرتان} هل كانت تعرف العرب الطلاق ثلاثا في الجاهلية قال: نعم كانت العرب تعرف ثلاثا باتا أما سمعت الأعشى وهو يقول وقد أخذه اختانه فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا حتى تطلق أهلك فقد أضررت بها فقال:
[الدر المنثور: 2/663]
أيا جارتا بتي فإنك طالقة * كذاك أمور الناس غاد وطارقة فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق فقال: بيني فإن البين خير من العصا * وإن لا يزال فوق رأسي بارقة فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق فقال: بيني حصان الفرج غير ذميمة * وموقوفة فينا كذاك روامقة وذوقي فتى حي فإني ذائق * فتاة أناس مثل ما أنت ذائقة.
وأخرج النسائي، وابن ماجة، وابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن مسعود في قوله {الطلاق مرتان} قال: يطلقها بعدما تطهر من قبل جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم يدعها تطهر مرة أخرى ثم يطلقها إن شاء.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {الطلاق مرتان} قال: يطلق الرجل امرأته طاهرا في غير جماع فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى إن أحب أن يفعل فإذا طلق الثانية ثم حاضت
[الدر المنثور: 2/664]
الحيضة الثانية فهاتان
تطليقتان وقرآن ثم قال الله للثالثة {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد عن أبي حبيب قال: التسريح في كتاب الله الطلاق.
وأخرج البيهقي من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وأناس من الصحابة في قوله {الطلاق مرتان} قال: وهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة فإذا طلق واحدة أو اثنتين فإما يمسك ويراجع بمعروف وإما يسكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في الثالثة فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف، وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر، أنه كان إذا نكح قال: أنكحتك على ما أمر الله على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
[الدر المنثور: 2/665]
وأخرج أبو داود، وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق.
وأخرج البزار عن أبي موسى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تطلق النساء إلا عن ريبة إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات.
وأخرج عبد الرزاق عن معاذ بن جبل قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم يا معاذ ما خلق الله شيئا على ظهر الأرض أحب إليه من عناق وما خلق الله على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن وهب، أن بطالا كان بالمدينة فطلق امرأته ألفا فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال: إن كان ليكفيك ثلاث.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب في الرجل يطلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها قال: هي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وكان إذا أتي به أوجعه
[الدر المنثور: 2/666]
وأخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي فيمن طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج البيهقي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن بعض أصحابه قال: جاء رجل إلى علي قال: طلقت إمراتي ألفا، قال: ثلاث تحرمها عليك وأقسم سائرها بين نسائك.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن علقمة بن قيس قال: أتى رجل إلى ابن مسعود فقال: إن رجلا طلق امرأته البارحة مائة، قال: قلتها مة واحدة قال: نعم، قال: تريد أن تبين منك إمرأتك قال: نعم، قال: هو كما قلت، قال: وأتاه رجل فقال: رجل طلق امرأته البارحة عدد النجوم، قال: قلتها مرة واحدة قال: نعم، قال: تريد أن تبين منك إمرأتك قال: نعم، قال: هو كما قلت ثم قال: قد بين الله أمر الطلاق فمن طلق كما أمره الله فقد بين له ومن لبس على نفسه جعلنا به لبسته والله لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما تقولون.
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: المطلقة ثلاثا قبل أن يدخل بها بمنزلة قد دخل بها
[الدر المنثور: 2/667]
وأخرج مالك والشافعي وأبو داود والبيهقي عن محمد بن إياس بن البكير قال: طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس عن ذلك فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك، قال: إنما كان طلاقي إياها واحدة قال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل.
وأخرج مالك والشافعي وأبو ادود والبيهقي عن أبي عياش الأنصاري، أنه كان جالسا مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فجاءهما محمد بن أبي إياس بن البكير فقال: إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان فقال ابن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول: اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فاسألهما فذهب فسألهما قال ابن عباس لأبي هريرة: افته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فقال أبو هريرة: الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره، وقال ابن عباس مثل ذلك.
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها فقلت: إنما طلاق البكر واحدة، فقال لي عبد الله بن عمرو: إنما أنت قاض
[الدر المنثور: 2/668]
الواحدة تبين والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد قال: جاء رجل لابن عباس قال: طلقت إمرأتي مائة، قال: نأخذ ثلاثا وندع سبعة وتسعين.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: إذا طلق الرجل امرأته ثلاث قبل أن يدخل بها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل المغيرة بن شعبة وأنا شاهد عن رجل طلق امرأته مائة قال: ثلاث تحرم وسبع وتسعون فضل.
وأخرج الطبراني والبيهقي عن سويد بن عفلة قال: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي رضي الله عنهما فلما قتل علي رضي الله عنه قالت: لتهنك الخلافة قال: يقتل علي وتظهرين الشماتة اذهبي فأنت طالق ثلاثا، قال: فتلفعت ثيابها وقعدت حتى قضت عدتها فبعث إليها ببقية لها من صداقها وعشرة آلاف صدقة فلما جاءها الرسول قالت:
[الدر المنثور: 2/669]
متاع قليل من حبيب مفارق، فلما بلغه قولها بكى: ثم قال: لولا أني سمعت جدي أو حدثني أبي: أنه سمع جدي قول: أيما رجل طلق امرأته ثلاثا عند الأقراء أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها.
وأخرج الشافعي وأبو داود والحاكم والبيهقي عن ركابة بن عبد يزيد، أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أردت إلا واحدة فقال: ركانة والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان.
وأخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبد الله بن علي بن زيد بن ركانه عن أبيه عن جده ركانة أنه طلق امرأته البتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت بها قال: واحدة، قال: والله ما أردت بها إلا واحدة قال: والله ما أردت بها إلا واحدة
[الدر المنثور: 2/670]
قال: هو ما أردت فردها عليه.
وأخرج عبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي، عن طاووس، أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثا من أمارة عمر قال ابن عباس: نعم.
وأخرج أبو داود والبيهقي، عن طاووس، أن رجلا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من أمارة عمر قال ابن عباس: بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من أمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم
[الدر المنثور: 2/671]
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والبيهقي عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه، فأخذت النّبيّ صلى الله عليه وسلم حمية فدعا بركانة وإخوته ثم قال لجلسائه: أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلانا منه كذا وكذا قالوا: نعم، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد: طلقها، ففعل، قال: راجع إمرأتك أم ركانة، فقال: إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله قال: قد علمت ارجعها وتلا (يا أيها النّبيّ إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) _ الطلاق الآية 1).
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: طلق ركانة أمرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد، قال: نعم فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت، فراجعها، فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر فتلك السنة التي كان عليها الناس والتي أمر الله بها (فطلقوهن لعدتهن)
[الدر المنثور: 2/672]
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحدة فهي واحدة.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن أبي مليكة، أن أبا الجوزاء أتى ابن عباس فقال: أتعلم أن ثلاثا كن يرددن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى واحدة قال: نعم.
وأخرج البيهقي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق التي لم يدخل بها واحدة.
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن الأعمش قال: بان بالكوفة شيخ يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة والناس عنقا واحدا إذ ذاك يأتونه ويسمعون منه، فأتيته فقرعت عليه الباب فخرج إلي شيخ فقلت له: كيف سمعت علي بن أبي طالب يقول فيمن طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة، قال: فقلت له: أنى سمعت هذا من علي، قال: أخرج إليك كتابا فأخرج فإذا فيه: بسم الله الرحم الرحيم قال: سمعت علي بن
[الدر المنثور: 2/673]
أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قلت: ويحك هذا غير الذي تقول قال: الصحيح هو هذا ولكن هؤلاء أرادوني على ذلك.
وأخرج البيهقي عن مسلمة بن جعفر الأحمس قال: قلت لجعفر بن محمد: يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة يجعلونه واحدة عنكم، قال: معاذ الله ما هذا من قولنا من طلق ثلاثا فهو كما قال.
وأخرج البيهقي عن بسام الصيرفي قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: من طلق امرأته بجهالة أو علم فقد برئت منه.
وأخرج ابن ماجة عن الشعبي قال: قلت لفاطمة بنت قيس: حدثيني عن طلاقك قالت: طلقني زوجي ثلاثا وهو خارج إلى اليمن فأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 2/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} الآية.
أخرج أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الرجل يأكل من مال امرأته نحلته الذي نحلها وغيره لا يرى أن عليه
[الدر المنثور: 2/674]
جناحا فأنزل الله
{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} فلم يصلح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهن إلا بحقها ثم قال {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} وقال (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (النساء الآية 4).
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} قال: إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى أن تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تردين عليه حديقته قالت: نعم، فدعاه فذكر له ذلك فقال: ويطيب لي ذلك قال: نعم قال ثابت: قد فعلت، فنزلت {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} الآية.
وأخرج مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والبيهقي من طريق عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها كانت تحت ثابت بن قيس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه في الغلس فقال: من هذه فقالت: أنا حبيبة بنت سهل، فقال: ما شأنك قالت: لا أنا ولا ثابت فلما جاء ثابت بن
[الدر المنثور: 2/675]
قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر، فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ منها، فأخذ منها وجلست في أهلها.
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود، وابن جرير والبيهقي من طريق عمرة عن عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فضربها فكسر يدها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا فقال: خذ بعض مالها وفارقها، قال: ويصلح ذلك يا رسول الله قال: نعم، قال: فإني أصدقتها حديقتين فهما بيدها، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: خذهما وفارقها، ففعل ثم تزوجها أبي بن كعب فخرج بها إلى الشام فتوفيت هناك.
وأخرج البخاري والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أن جميلة بنت عبد الله بن سلول امرأة ثابت بن قيس قالت: ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني لا أطيقه بغضا وأكره الكفر في الإسلام، قال: أتردين عليه حديقته قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة، ولفظ ابن
[الدر المنثور: 2/676]
ماجة: فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولايزداد.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة أنه سئل هل كان للخلع أصل قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي إنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها، قال زوجها: يا رسول الله إني أعطيتها أفضل مالي: حديقة لي فإن ردت علي حديقتي قال: ما تقولين قالت: نعم وإن شاء زدته، قال: ففرق بينهما.
وأخرج أحمد عن سهل بن أبي حثمة كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس فكرهته وكان رجلا دميما فجاءت فقالت: يا رسول الله إني لا أراه فلولا مخافة الله لبزقت في وجهه، فقال لها: أتردين عليه حديقته التي أصدقك قالت: نعم، فردت عليه حديقته وفرق بينهما فكان ذلك أول خلع كان في الإسلام.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن رباح عن جميلة بنت أبي بن سلول أنها
[الدر المنثور: 2/677]
كانت تحت ثابت بن قيس فنشزت عليه فأرسل إليها النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا جميلة ما كرهت من ثابت قالت: والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا إلا أني كرهت دمامته، فقال لها: أتردين الحديقة قالت: نعم، فردت الحديقة وفرق بينهما.
وأخرج ابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت حبيبة بنت سهل تحت بن قيس بن شمس فكرهته وكان رجلا دميما فقالت: يا رسول الله والله لولا مخافة الله إذا دخل علي بسقت في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته قالت: نعم، فردت عليه حديقته ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن جميلة بنت أبي بن سلول أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم تريد الخلع فقال لها: ما أصدقك قالت: حديقة، قال: فردي عليه حديقته.
وأخرج البيهقي عن عطاء قال أتت امرأة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أبغض زوجي وأحب فراقه فقال: أتردين حديقته التي أصدقك - وكان أصدقها حديقة - قالت: نعم، وزيادة، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إما زيادة من مالك فلا ولكن الحديقة قالت: نعم، فقضى بذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الرجل
[الدر المنثور: 2/678]
فأخبر بقضاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه من وجه آخر عن عطاء عن ابن عباس موصولا وقال المرسل هو الصحيح.
وأخرج البيهقي عن ابن الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فكرهته فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت: نعم وزيادة، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت: نعم، فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال: قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البيهقي عن أبي سعيد قال: أرادت أختي أن تختلع من زوجها فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع زوجها فذكرت له ذلك فقال لها: أتردين عليه حديقته ويطلقك قالت: نعم وأزيده فخلعها فردت عليه حديقته وزادته.
وأخرج البزار عن أنس قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كلاما كأنها كرهته فقال: أتردين عليه حديقته قالت: نعم، فأرسل إلى ثابت: خذ منها ذلك وطلقها
[الدر المنثور: 2/679]
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} قال: هذا لهما {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} قال: هذا لولاة الأمر {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال: إذا كان النشوز والظلم من قبل المرأة فقد أحل الله له منها الفدية ولا يجوز خلع إلا عند سلطان فإما إذا كانت راضية مغتبطة بجناحه مطيعة لأمره فلا يحل له أن يأخذ مما آتاها شيئا.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: إذا جاء الظلم من قبل المرأة حل له الفدية وإذا جاء من قبل الرجل لم يحل له منها شيء.
وأخرج عبد بن حميد عن عروة قال: لا يصلح الخلع إلا أن يكون الفساد من قبل المرأة.
وأخرج عبد بن حميد عن الليث قال: قرأ مجاهد في البقرة (إلا أن يخافا) برفع الياء.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله (إلا أن يخافوا).
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن ميمون بن مهران قال: في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة فيه إلا أن يظنا أن لا يقيما
[الدر المنثور: 2/680]
حدود الله فإن ظنا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة.
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن أم بكر الأسلمية، أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان بن عفان في ذلك فقال: هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن المنذر والبيهقي، عن طاووس، أن إبراهيم بن سعيد بن أبي وقاص سأل ابن عباس عن امرأة طلقها زوجها طلقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها قال ابن عباس: نعم ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك فليس الخلع بطلاق ينكحها.
وأخرج عبد الرزاق، عن طاووس قال: لولا أنه أعلم لا يحل لي كتمانه ما حدثته أحدا كان ابن عباس لا يرى الفداء طلاقا حتى يطلق ثم يقول: ألا ترى أنه ذكر الطلاق من قبله ثم ذكر الفداء فلم يجعله طلاقا ثم قال في الثانية (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (البقرة الآية 230) ولم يجعل الفداء بينهما طلاقا
[الدر المنثور: 2/681]
وأخرج الشافعي عن ابن عباس، في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه يتزوجها إن شاء لأن الله يقول {الطلاق مرتان} قرأ إلى أن يتراجعا.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن عكرمة أحسبه عن ابن عباس قال: كل شيء أجازه المال فليس بطلاق يعني الخلع.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عطاء أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها.
وأخرج عبد بن حميد عن حميد الطويل قال: قلت لرجاء بن حيوة، إن الحسن يكره أن يأخذ من المرأة فوق ما أعطاها في الخلع، فقال: قال قبيصة بن ذؤيب: اقرأ الآية التي تليها {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي عن كثير مولى سمرة، أن امرأة نشزت من زوجها في أمارة عمر فأمر بها إلى بيت كثير الزبل فمكثت ثلاثة أيام ثم أخرجها فقال: كيف رأيت قالت: ما وجدت الراحة إلا في هذه الأيام، فقال عمر: اخلعها ولو من قرطها.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عبد الله بن رباح أن عمر بن
[الدر المنثور: 2/682]
الخطاب قال في المختلعة: تختلع بما دون عقاص رأسها.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن شهاب الخولاني، أن امرأة طلقها زوجها على ألف درهم فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: با عك زوجك طلاقا بيعا وأجازه عمر.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني ويحرمني إذا غاب عني فكانت مني زلة يوما فقلت له اختلع منك بكل شيء أملكه، قال: نعم، ففعلت فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه.
وأخرج مالك والشافعي، وعبد بن حميد والبيهقي عن نافع، أن مولاة صفية بنت عبيد امرأة عبد الله بن عمر اختلعت من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر.
وأخرج مالك والبيهقي عن نافع أن ربيع بنت معوذ جاءت هي وعمها
[الدر المنثور: 2/683]
إلى عبد الله بن عمر فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان فبلغ ذلك عثمان فلم ينكره فقال عبد الله بن عمر: عدتها عدة المطلقة.
وأخرج البيهقي عن عروة بن الزبير، أن رجلا خلع امرأته في ولاية عثمان بن عفان عند غير سلطان فأجازه عثمان.
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب، وابن شهاب وسليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون: عدة المختلعة ثلاثة قروء.
وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال: عدة المختلعة مثل عدة المطلقة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن نافع، أن الربيع اختلعت من زوجها فأتى عمها عثمان فقال: تعتد حيضة، قال: وكان ابن عمر يقول: تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان فكان ابن عمر يفتي به ويقول: عثمان خيرنا وأعلمنا.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة وأبو داود عن ابن عمر قال: عدة المختلعة حيضة
[الدر المنثور: 2/684]
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: عدة المختلعة حيضة.
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة.
وأخرج الترمذي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة.
وأخرج النسائي، وابن ماجة عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال: قلت للربيع بنت معوذ بن عفراء: حدثيني حديثك قالت: اختلعت من زوجي ثم جئت عثمان فسألت ماذا علي من العدة فقال: لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين حتى تحيضي حيضة، قالت: إنما أتبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه.
وأخرج النسائي عن ربيع بنت معوذ بن عفراء أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى ثابت فقال له: خذ الذي لها
[الدر المنثور: 2/685]
عليك وخل سبيلها، قال: نعم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة فتلحق بأهلها.
وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس، وابن الزبير أنهما قالا: في المختلعة يطلقها زوجها قالا: لا يلزمها طلاق لأنه طلق ما لا يملك.
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال: إذا أراد النساء الخلع فلا تكفروهن.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة سألت زوجها
الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وقال: المختلعات المنافقات.
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما
[الدر المنثور: 2/686]
وأخرج أحمد والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال المختلعات والمنتزعات هن المنافقات.
وأخرج ابن جرير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المختلعات المنتزعات هن المنافقات). [الدر المنثور: 2/687]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها}.
أخرج النسائي عن محمود بم لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله.
وأخرج البيهقي عن رافع بن سحبان أن رجلا أتى عمران بن حصين فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس قال: أثم بربه وحرمت عليه امرأته، فانطلق الرجل فذكر ذلك لأبي موسى يريد بذلك عيبه فقال: ألا ترى أن عمران بن حصين قال: كذا وكذا فقال أبو موسى: الله أكبر فتيا
[الدر المنثور: 2/687]
مثل أبي نجيد). [الدر المنثور: 2/688]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره}.
اختلف أهل التّأويل فيما دلّ عليه هذا القول من اللّه تعالى ذكره؛ فقال بعضهم: دلّ على أنّه إن طلّق الرّجل امرأته التّطليقة الثّالثة بعد التّطليقتين اللّتين قال اللّه تعالى ذكره فيهما: {الطّلاق مرّتان} فإنّ امرأته لا تحلّ له من بعد التّطليقة الثّالثة حتّى تنكح زوجًا غيره، يعني به غير المطلّق.
[جامع البيان: 4/165]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: جعل اللّه حد الطّلاق ثلاثًا، فإذا طلّقها واحدةً فهو أحقّ بها ما لم تنقض العدّة، وعدّتها ثلاث حيضٍ، فإن انقضت العدّة قبل أن يكون راجعها فقد بانت منه بواحده، وصارت أحقّ بنفسها، وصار خاطبًا من الخطّاب، فكان الرّجل إذا أراد طلاق أهله نظر حيضتها، حتّى إذا طهرت طلّقها تطليقةً في قبل عدّتها عند شاهدي عدلٍ، فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدّتها، وإن تركها حتّى تنقضي عدّتها فقد بانت منه بواحدةٍ، وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدّتها نظر حيضتها، حتّى إذا طهرت طلّقها تطليقةً أخرى في قبل عدّتها، فإن بدا له مراجعتها راجعها، فكانت عنده على واحدةٍ، وإن بدا له طلاقها طلّقها الثّالثة عند طهرها، فهذه الثّالثة الّتي قال اللّه تعالى ذكره: {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} يقول: إن طلّقها ثلاثًا، فلا تحلّ حتّى تنكح زوجًا غيره.
[جامع البيان: 4/166]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قال: إذا طلّق واحدةً أو ثنتين فله الرّجعة ما لم تنقض العدّة، قال: والثّالثة قوله: {فإن طلّقها} يعني الثّالثة فلا رجعة له عليها حتّى تنكح زوجًا غيره.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، بنحوه.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإن طلّقها} قال: فإن طلّقها من بعد التّطليقتين فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره، وهذه الثّالثة.
وقال آخرون: بل دلّ هذا القول على ما يلزم مسرّح امرأته بإحسانٍ بعد التّطليقتين اللّتين قال اللّه تعالى ذكره فيهما: {الطّلاق مرّتان} قالوا: وإنّما بيّن اللّه تعالى ذكره بهذا القول عن حكم قوله: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} واعلم أنّه إن سرّح الرّجل امرأته بعد التّطليقتين بإحسان فلا تحلّ له المسرّحة كذلك إلاّ بعد زوجٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} قال: عاد إلى قوله: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}.
[جامع البيان: 4/167]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
قال أبو جعفرٍ: والّذي قاله مجاهدٌ في ذلك عندنا أولى بالصّواب للّذي ذكرنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الخبر الّذي روّيناه عنه أنّه قال: أو سئل فقيل: هذا قول اللّه تعالى ذكره: {الطّلاق مرّتان} فأين الثّالثة؟ قال: فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ. فأخبر صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ الثّالثة إنّما هي قوله: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} فإذا كان التّسريح بالإحسان هو الثّالثة، فمعلومٌ أنّ قوله: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} من الدّلالة على التّطليقة الثّالثة بمعزلٍ، وأنّه إنّما هو بيانٌ عن الّذي يحلّ للمسرّح بالإحسان إن سرّح زوجته بعد التّطليقتين، والّذي يحرم عليه منها، والحال الّتي يجوز له نكاحها فيها، وإعلام عباده أنّ بعد التّسريح على ما وصفت لا رجعة للرّجل على امرأته.
فإن قال قائلٌ: فأيّ النّكاحين عنى اللّه بقوله: {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} النّكاح الّذي هو جماعٌ أم النّكاح الّذي هو عقد تزويجٍ؟
قيل: كلاهما، وذلك أنّ المرأة إن نكحت رجلاً نكاح تزويجٍ ثم لم يطأها في ذلك النّكاح ناكحها ولم يجامعها حتّى يطلّقها لم تحلّ للأوّل،
[جامع البيان: 4/168]
وكذلك إن وطئها واطئٌ بغير نكاحٍ لم تحلّ للأوّل بإجماع الأمّة جميعًا. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن تأويل قوله: {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} نكاحًا صحيحًا، ثمّ يجامعها فيه، ثمّ يطلّقها.
فإن قال: فإنّ ذكر الجماع غير موجودٍ في كتاب اللّه تعالى ذكره، فما الدّلالة على أنّ معناه ما قلت؟
قيل: الدّلالة على ذلك إجماع الأمّة جميعًا على أنّ ذلك معناه. وبعد، فإنّ اللّه تعالى ذكره قال: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} فلو نكحت زوجًا غيره بعقب الطّلاق قبل انقضاء عدّتها، كان لا شكّ أنّها ناكحةٌ نكاحًا بغير المعنى الّذي أباح اللّه تعالى ذكره لها ذلك به، وإن لم يكن ذكر العدّة مقرونًا بقوله: {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} لدلالته على أنّ ذلك كذلك بقوله: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} وكذلك قوله: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} وإن لم يكن مقرونًا به ذكر الجماع، والمباشرة، والإفضاء فقد دلّ على أنّ ذلك كذلك بوحيه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبيانه ذلك على لسانه لعباده.
ذكر الأخبار المرويّة بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني عبيد اللّه بن إسماعيل الهبّاريّ، وسفيان بن وكيعٍ، وأبو هشامٍ الرّفاعيّ،
[جامع البيان: 4/169]
قالوا: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن رجلٍ طلّق امرأته فتزوّجت رجلاً غيره فدخل بها ثمّ طلّقها قبل أن يواقعها، أتحلّ لزوجها الأوّل؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تحلّ لزوجها الأوّل حتّى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، قال: سمعتها تقول: جاءت امرأةٌ رفاعة القرظيّ، إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: كنت عند رفاعة فطلّقني، فبتّ طلاقي، فتزوّجت عبد الرّحمن بن الزّبير، وإنّ ما معه مثل هدبة الثّوب، فقال لها: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني يونس، عن ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة، نحوه.
[جامع البيان: 4/170]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، قال: حدّثني عروة بن الزّبير، أنّ عائشة، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرته أنّ امرأة رفاعة القرظيّ، جاءت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللّه، فذكر مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، أنّ رفاعة القرظيّ، طلّق امرأته، فبتّ طلاقها، فتزوّجها بعد عبد الرّحمن بن الزّبير، فجاءت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا نبيّ اللّه إنّها كانت عند رفاعة، فطلّقها آخر ثلاث تطليقاتٍ، فتزوّجت بعده عبد الرّحمن بن الزّبير، وإنّه واللّه ما معه يا رسول اللّه إلاّ مثل الهدبة. فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قال لها: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قالت: وأبو بكرٍ جالسٌ عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وخالد بن سعيد بن العاص بباب الحجرة لم يؤذن له، فطفق خالدٌ ينادي يا أبا بكرٍ يقول: يا أبا بكرٍ ألا تزجر هذه عمّا تجهر به عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟.
- حدّثنا محمّد بن يزيد الأدميّ، قال: حدّثنا يحيى بن سليمٍ، عن عبيد اللّه، عن القاسم، عن عائشة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا حتّى يذوق من عسيلتها ما ذاق الأوّل.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عبيد اللّه، قال: سمعت القاسم يحدّث عن عائشة، قال: قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا حتّى يذوق من عسيلتها ما ذاق صاحبه.
[جامع البيان: 4/171]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى، عن عبيد اللّه، قال: حدّثنا القاسم، عن عائشة، أنّ رجلاً طلّق امرأته ثلاثًا، فتزوّجت زوجًا، فطلّقها قبل أن يمسّها، فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أتحلّ للأوّل؟ قال: لا حتّى يذوق عسيلتها كما ذاق الأوّل.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا موسى بن عيسى اللّيثيّ، عن زائدة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أمّ محمّدٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: إذا طلّق الرّجل امرأته ثلاثًا لم تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره، فيذوق كلّ واحدٍ منهما عسيلة صاحبه.
- حدّثني العبّاس بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا سعد بن حفصٍ الطّلحيّ، قال: أخبرنا شيبان، عن يحيى، عن أبي الحارث الغفاريّ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: حتّى يذوق عسيلتها.
- حدّثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلانيّ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا شيبان، قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي الحارث الغفاريّ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المرأة يطلّقها زوجها ثلاثًا، فتتزوّج غيره، فيطلّقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأوّل أن يراجعها، قال: لا، حتّى يذوق عسيلتها.
[جامع البيان: 4/172]
- حدّثني محمّد بن إبراهيم الأنماطيّ، قال: حدّثنا هشام بن عبد الملك، قال: حدّثنا محمّد بن دينارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يزيد الهنائيّ، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في رجلٍ طلّق امرأته ثلاثًا، فتزوّجها آخر فطلّقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى زوجها الأوّل؟ قال: لا، حتّى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، ويعقوب بن ماهان، قالا: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسارٍ، عن عبيد اللّه بن العبّاس: أنّ الغميصاء أو الرّميصاء جاءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تشكو زوجها، وتزعم أنّه لا يصل إليها، قال: فما كان إلاّ يسيرًا حتّى جاء زوجها، فزعم أنّها كاذبةٌ، ولكنّها تريد أن ترجع إلى زوجها الأوّل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ليس لك حتّى يذوق عسيلتك رجلٌ غيره.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة،
[جامع البيان: 4/173]
عن علقمة بن مرثدٍ، عن سالم بن رزينٍ الأحمريّ، عن سالم بن عبد اللّه، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في رجلٍ يتزوّج المرأة فيطلّقها قبل أن يدخل بها ألبتّة، فتتزوّج زوجًا آخر، فيطلّقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى الأوّل؟ قال: لا حتّى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن رزينٍ الأحمريّ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سئل عن الرّجل يطلّق امرأته ثلاثًا، فيتزوّجها رجلٌ، فأغلق الباب، فطلّقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى زوجها الآخر؟ قال: لا حتّى يذوق عسيلتها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن سليمان بن رزينٍ، عن ابن عمر، أنّه سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يخطب عن رجلٍ طلّق امرأته، فتزوّجت بعده، ثمّ طلّقها أو مات عنها، أيتزوّجها الأوّل؟ قال: لا حتّى تذوق عسيلته). [جامع البيان: 4/174]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فإن طلّقها} فإن طلّق المرأة الّتي بانت من زوجها بآخر التّطليقات الثّلاث بعد ما نكحها مطلّقها الثّاني، زوجها الّذي نكحها بعد بينونتها من الأوّل {فلا جناح عليهما}
[جامع البيان: 4/174]
يقول تعالى ذكره: فلا حرج على المرأة الّتي طلّقها هذا الثّاني من بعد بينونتها من الأوّل، وبعد نكاحه إيّاها، وعلى الزّوج الأوّل الّذي كانت حرّمت عليه ببينونتها منه بآخر التّطليقات أن يتراجعا بنكاحٍ جديدٍ.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} يقول: إذا تزوّجت بعد الأوّل، فدخل الآخر بها، فلا حرج على الأوّل أن يتزوّجها إذا طلّقها الآخر أو مات عنها، فقد حلّت له.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشم، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قال: إذا طلّق واحدةً، أو ثنتينٍ، فله الرّجعة ما لم تنقض العدّة. قال: والثّالثة قوله: {فإن طلّقها} يعني الثّالثة فلا رجعة له عليها حتّى تنكح زوجًا غيره، فيدخل بها، فإن طلّقها هذا الأخير بعد ما يدخل بها، {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} يعني الأوّل {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه}.
وأمّا قوله: {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} فإنّ معناه: إن رجوا مطمعًا أن يقيما حدود اللّه. وإقامتهما حدود اللّه العمل بها، وحدود اللّه: ما أمرهما به، وأوجب لكلّ واحدٍ منهما على صاحبه، وألزم كلّ واحدٍ منهما بسبب النّكاح الّذي يكون بينهما.
[جامع البيان: 4/175]
وقد بيّنّا معنى الحدود ومعنى إقامة ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وكان مجاهدٌ يقول في تأويل قوله: {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} ما؛
- حدّثني به محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} إن ظنّا أنّ نكاحهما على غير دلسةٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقد وجّه بعض أهل التّأويل قوله {إن ظنّا} إلى أنّه بمعنى: إن أيقنا. وذلك ما لا وجه له، لأنّ أحدًا لا يعلم ما هو كائنٌ إلاّ اللّه تعالى ذكره. فإذ كان ذلك كذلك، فما المعنى الّذي به يوقن الرّجل، والمرأة أنّهما إذا تراجعا أقاما حدود اللّه؟ ولكن معنى ذلك كما قال تعالى ذكره: {إذ ظنّا} بمعنى طمعا بذلك ورجواه.
[جامع البيان: 4/176]
و أن الّتي في قوله {أن يقيما} في موضع نصبٍ بـ ظنّا، وأن الّتي في {أن يتراجعا} جعلها بعض أهل العربيّة في موضع نصبٍ بفقد الخافض، لأنّ معنى الكلام: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا، فلمّا حذفت في الّتي كانت تخفضها نصبها، فكأنّه قال: فلا جناح عليهما تراجعهما.
وكان بعضهم يقول: موضعه خفضٌ، وإن لم يكن معها خافضها، وإن كان محذوفًا فمعروفٌ موضعه). [جامع البيان: 4/177]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتلك حدود اللّه يبيّنها لقومٍ يعلمون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وتلك حدود اللّه} هذه الأمور الّتي بيّنها لعباده في الطّلاق، والرّجعة، والفدية والعدّة والإيلاء وغير ذلك ممّا يبيّنه لهم في هذه الآيات، حدود اللّه معالم فصول حلاله، وحرامه، وطاعته، ومعصيته {يبيّنها} يفصّلها، فيميّز بينها، ويعرّفهم أحكامها لقومٍ يعلمونها إذا بيّنها اللّه لهم، فيعرفون أنّها من عند اللّه، فيصدّقون بها، ويعملون بما أودعهم اللّه من علمه، دون الّذين قد طبع اللّه على قلوبهم، وقضى عليهم أنّهم لا يؤمنون بها، ولا يصدّقون بأنّها من عند اللّه، فهم يجهلون أنّها من اللّه، وأنّها تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ. ولذلك خصّ القوم الّذي يعلمون بالبيان دون الّذين يجهلون، إذ كان الّذين يجهلون أنّها من عنده قد آيس نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من تصديق كثيرٍ منهم بها، وإن كان بيّنها لهم من وجه الحجّة عليهم ولزوم العمل لهم بها، وإنّما أخرجها من أن تكون بيانًا لهم من وجه تركهم الإقرار والتّصديق به). [جامع البيان: 4/177]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه وتلك حدود اللّه يبيّنها لقومٍ يعلمون (230)
قوله تعالى: فإن طلّقها
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره يقول: إن طلّقها ثلاثًا فلا تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره. قال أبو محمّدٍ:
وروي عن السّدّيّ، نحو ذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/422]
- حدّثنا أبي ثنا عارمٌ، ثنا حمّاد بن زيد، عن نحيى بن عتيقٍ، عن محمّد بن سيرين، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره، ويهزّها به.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره قال: فإن طلّقها من بعد تطليقتين، وهذه الثّالثة، فإن نكحت زوجًا غيره فطلّقها. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مقاتل بن حيّان، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/423]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإن طلّقها
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: فإن طلّقها هذا الّذي نكحها بعد ما جامعها). [تفسير القرآن العظيم: 1/423]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يتراجعا
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا يزيد بن هارون ابنا حجّاج بن أرطاة عن منذرٍ، عن محمّد بن الحنفيّة، قال: قال عليّ: أشكل عليّ قوله: فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا فدرست القرآن، فعرضت أنّه يعني: إذا طلّق الزّوج الأخير، رجعت إلى زوجها الأوّل المطلّق ثلاثًا.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/423]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه يقول: إن ظنّا أنّ نكاحهما على غير دلسةٍ.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أبنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه يقول: أن يقيما أمر اللّه وطاعته). [تفسير القرآن العظيم: 1/423]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وتلك حدود اللّه يبيّنها لقومٍ يعلمون
- وبه عن مقاتل بن حيّان وتلك حدود اللّه يبيّنها لقومٍ يعلمون تلك طاعته يبيّنها لقومٍ يعلمون). [تفسير القرآن العظيم: 1/423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {فإن طلقها فلا تحل له من بعد} يقول: فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح غيره.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فإن طلقها فلا تحل له} قال: عاد إلى قوله (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (البقرة الآية 229).
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} قال: هذه الثالثة التي ذكر الله عز وجل جعل الله عقوبة الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب {فإن طلقها فلا تحل له} قال: هذه الثالثة.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة أن غلاما لها طلق امرأة تطليقتين فاستفت أم سلمة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره
[الدر المنثور: 2/688]
وأخرج الشافعي والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: ينكح العبد إمرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تكن تحيض فشهرين.
وأخرج مالك والشافعي والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عمر، أنه كان يقول: إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أم أمة وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض.
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن المسيب، أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة طلق امرأته حرة تطليقتين فاستفتى عثمان بن عفان فقال له: حرمت عليك.
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن سليمان بن يسار، أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة كانت تحته حرة فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان يسأله عن ذلك فذهب إليه وعنده زيد بن ثابت فسألاهما فقالا: حرمت عليك حرمت عليك). [الدر المنثور: 2/689]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأما قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويهزها.
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري كانت عند رفاعة بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقا بائنا فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي فطلقها فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه طلقني قبل أن يمسني أفأراجع إلى الأول قال: لا حتى يمس، فلبثت ما شاء الله ثم أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت له: إنه قد مسني، فقال:
كذبت بقولك الأول فلم أصدقك في الآخر، فلبثت حتى قبض النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر فقالت: أرجع إلى الأول فإن الآخر قد مسني فقال أبو بكر: شهدت النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لك: لا ترجعي إليه فلما مات أبو بكر أتت عمر فقال له: لئن أتيتني بعد هذه المرة لأرجمنك فمنعها وكان نزل فيها {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فيجامعها فإن طلقها بعد ما جامعها فلا جناح عليهما أن يتراجعا.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت
[الدر المنثور: 2/690]
جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبنت طلاقي فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب فتبسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسليته ويذوق عسليتك.
وأخرج والبخاري ومسلم والنسائي، وابن جرير والبيهقي عن عائشة أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا وطلقها قبل أن يمسها فسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتحل للأول قال: لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس، أن المرأة التي طلق رفاعة القرظي اسمها تميمة بنت وهب بن عبيد وهي من بني النضير.
وأخرج مالك والشافعي، وابن سعد والبيهقي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموأل القرظي طلق امرأته تميمة بنت وهب
[الدر المنثور: 2/691]
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي طلقها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يتزوجها وقال: لا تحل لك حتى تذوق العسيلة.
وأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد تزوجني عبد الرحمن وما معه إلا مثل هذه وأومأت إلى هدبة من ثوبها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن كلامها ثم قال لها تريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
وأخرج ابن أبي شيبة وابو داود والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير عن عائشة قالت
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول قال: لا حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي، وابن ماجة وابن
[الدر المنثور: 2/692]
جرير والبيهقي عن ابن عمر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فهل تحل للأول قال: لا حتى تذوق عسيلته، وفي لفظ: حتى يجامعها الآخر.
وأخرج أحمد وأبن جرير والبيهقي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج غيره فيطلقها قبل أن يدخل بها فيريد الأول أن يراجعها قال: لا حتى يذوق عسيلتها.
وأخرج أحمد والنسائي عن عبد الله بن عباس أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أنه لا يصل إليها فلم يلبث أن جاء زوجها فقال: يا رسول الله هي كاذبة وهو يصل إليها ولكنها تريد أن
[الدر المنثور: 2/693]
ترجع إلى زوجها الأول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأنس قالا: لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن علي، قال: لا تحل له حتى يهزها به هزيز البكر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: لا تحل له حتى يقشقشها به.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه هل تحل للأول فقال: لا الإنكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو إسحاق الجوزجاني عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
[الدر المنثور: 2/694]
قال لا الإنكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ثم يذوق عسيلتها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن دينار عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي، وابن ماجة والبيهقي في "سننه" عن علي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله المحلل والمحلل له.
وأخرج الترمذي، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له.
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له.
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر قال:
[الدر المنثور: 2/695]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا: بلى يا رسول الله قال: هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له.
وأخرج أحمد، وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة وأبو بكر بن الأثرم في "سننه" والبيهقي عن عمر أنه قال: لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما.
وأخرج البيهقي عن سليمان بن يسار أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحللها لزوجها ففرق بينهما وقال: لا ترجع إليه الإنكاح رغبة غير دلسة.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس، أن رجلا سأله فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا قال: إن عمك عصى الله فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، قال: كيف ترى في رجل يحلها له قال: من يخادع الله يخدعه.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبيهقي عن زيد بن ثابت، أنه كان يقول
[الدر المنثور: 2/696]
في الرجل يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها: إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهما سئلا عن رجل زوج عبدا له جارية فطلقها العبد البتة ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين فقالا: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج البيهقي عن عبيدة السلماني قال: إذا كان تحت الرجل مملوكة فطلقها - يعني البتة - ثم وقع عليها سيدها لا يحلها لزوجها إلا أن يكون زوج لا تحل له إلا من الباب الذي حرمت عليه.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال: لا يحلها لزوجها وطء سيدها حتى تنكح زوجا غيره.
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أن رجلا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فأتى ابن عباس يسأله وعنده أبو هريرة فقال ابن عباس: إحدى المعضلات يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: واحدة تبتها وثلاث تحرمها، فقال ابن عباس: نورتها يا أبا هريرة). [الدر المنثور: 2/697]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما} الآية
[الدر المنثور: 2/697]
أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن محمد بن الحنفية قال: قال علي رضي الله عنه: أشكل علي أمران، قوله {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} فدرست القرآن فعلمت أنه يعني إذا طلقها زوجها الآخر رجعت إلى زوجها الأول المطلق ثلاثا، قال: وكنت رجلا مذاء فاستحيت أن أسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم من أجل أن ابنته كانت تحتي فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال فيه الوضوء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} يقول: إذا تزوجت بعد الأول فدخل بها الآخر فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلقها الآخر أو مات عنها فقد حلت له.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {إن ظنا أن يقيما حدود الله} يقول: إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة.
وأخرج ابن ابي حاتم عن مقاتل {أن يقيما حدود الله} يقول: على أمر الله وطاعته). [الدر المنثور: 2/698]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:11 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تربّص أربعة أشهرٍ...}
التربّص إلى الأربعة, وعليه القرّاء, ولو قيل في مثله من الكلام: تربّصٌ أربعة أشهر كان صوابا كما قرءوا "أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ يتيما ذا مقربة" وكما قال {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتا} والمعنى تكفتهم أحياء وأمواتا.
ولو قيل في مثله من الكلام: كفات أحياءٍ وأمواتٍ كان صوابا.
ولو قيل: تربصٌ: أربعة أشهر كما يقال في الكلام: بيني وبينك سير طويل: شهر أو شهران؛ تجعل السير هو الشهر، والتربّص هو الأربعة.
ومثله {فشهادة أحدهم أربع شهادات} وأربع شهادات.
ومثله {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فمن رفع (مثل) فإنه أراد: فجزاؤه مثل ما قتل. قال: وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله "فجزاؤه" بالهاء، ومن نصب (مثل) أراد: فعليه أن يجزي مثل ما قتل من النّعم.
{فإن فاءوا} يقال: قد فاءوا يفيئون فيئا وفيوءا. والفيء: أن يرجع إلى أهله فيجامع). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يولون}: يولى يحلف، من الأليّة وهي اليمين، ألوة، وأليّة اليمين قال أوس بن حجر:
علىّ أليّةٌ عتقت قديماً... فليس لها وإن طلبت مرام). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإن فاؤوا} أي: رجعوا عن اليمين). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لّلّذين يؤلون من نّسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {لّلّذين يؤلون من نّسائهم} تقول: "آلى من امرأته" "يؤلي" "إيلاءً" و"ظاهر منها" "ظهاراً" كما تقول: "قاتل" "قتالاً".
{تربّص أربعة أشهرٍ}{لّلّذين يؤلون} جعل ذلك لهم أجلا {فإن فاءوا} يعني: "فإن رجعوا" لأنك تقول: "فئت إلى الحقّ"). [معاني القرآن: 1/141]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {للذين يؤلون} فالفعل: آليت أولى إيلاء؛ والاسم: على ألية وألوة وألوة، وهما تميميتان، قال أبو علي: وقد حكيت لي: إلوة بالكسر.
قال بشر بن أبي حازم:
لا أمنع مالاً ما حييت بألوة = سأمنعه إن سرني غير مقسم
وقال الآخر:
أيظلمني حقي ويحنث إلوتي = فسوف يلاقي ربه فيحاسبه
ومن هذا اللفظ [ألوت] آلوا ألوا وألوا؛ وهو التواني في الأمر؛ ومنه {ولا يأتل أولو} هي افتعلت من ألوت؛ وقال بعضهم: يتأل من تأليت تأليًا.
[معاني القرآن لقطرب: 363]
وقوله عز وجل {فإن فاءوا} و{حتى تفيء} فالفعل: فئت فيئًا وأفأت عليه فيئة). [معاني القرآن لقطرب: 364]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فاؤوا}: رجعوا عن اليمين). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يؤلون من نسائهم}: يحلفون. يقال: أليت من امرأتي أولي إيلاء، إذا حلف أن لا يجامعها. والاسم الأليّة.
{فإن فاؤوا} أي: رجعوا إلى نسائهم). [تفسير غريب القرآن:85-86]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم}
معنى (يؤلون): يحلفون، ومعناه في هذا الموضع: أن الرجل كان لا يريد المرأة فيحلف ألا يقربها أبدا، ولا يحب أن يزوجها غيره، فكان يتركها لا أيما ولا ذات زوج، كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية والإسلام، فجعل اللّه الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة آخر مداه نهاية أربعة أشهر، فإذا تمت أربعة أشهر ثم لم يفئ الرجل إلى امرأته، أي لم يرجع إليها، فإن امرأته بعد الأربعة - في قول بعضهم - قد بانت منه، ذكر الطلاق بلسانه أم لم يذكره.
وقال قوم: يؤخذ بعد الأربعة بأن يطلق أو يفيء.
ويقال آليت أولي إيلاء والية، والوّة، وإلوّة، و (إيل).
" والكسر أقل اللغات، ومعنى التربص في اللغة الانتظار.
وقال الذين احتجوا بأنه لا بد أن يذكر الطلاق بقوله عزّ وجلّ: {وإن عزموا الطلاق فإن اللّه سميع عليم}.
وقالوا {سميع} يدل على أنه استماع الطلاق في هذا الموضع، وهذا في اللغة غير ممتنع، وجائز أن يكون إنما ذكر {سميع} ههنا من أجل حلفه.
أي: اللّه قد سمع حلفه وعلم ما أراده، وكلا الوجهين في اللغة محتمل). [معاني القرآن: 1/300-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر}
قال أبو جعفر: والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم، أي: أن يعدلوا نسائهم.
روى عطاء عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين وأكثر من ذلك فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاءه منهم أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا لم يريدوا المرأة وكرهوا أن يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا أن لا يقربوها فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع إلى وطء امرأته فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس.
وقرأ أبي بن كعب (فإن فاءوا فيهن)
وقال قوم: لا يكون موليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر فإذا تمت له أربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه أخذ بالجماع أو الطلاق.
وروي هذا عن عمر وعلي وأبي الدرداء رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقال مسروق والشعبي: الفيء الجماع.
قال أبو جعفر: والفيء في اللغة: الرجوع فهو على هذا الرجوع إلى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت إذا أرسلتها من عقال أو قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق
ويدل على هذا أن أملك فلان معناه صير يملك المرأة إلا أن المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلقت). [معاني القرآن: 1/192-194]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يؤلون} يحلفون ألا يقربوا نساءهم، والاسم الألية.
{فإن فاءوا} رجعوا إلى وطء نسائهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُؤْلُونَ}: يحلفون.
{فَاؤُوا}: رجعوا). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ...}وفي قراءة عبد الله "بردتهن"). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يتربّصن}: والتّربّص (أن) لا تقدم على زوج حتى تقضى ثلاثة قروءٍ؛ واحدها: قرءٌ،
فجعله بعضهم (الحيضة)،
وقال بعضهم: الطهر، قال الأعشى:
وفي كل عام أنت جاشم غزوةٍ... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مؤرّثةٍ مالاً وفي الأصل رفعةً... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وكل قد أصاب، لأنه خروج من شيء إلى شيء فخرجت من الطهر إلى الحيض،
ومن قال: بل هو الطهر فخرجت من الحيض إلى الطهر. وأظنه أنا من قولهم: قد أقرأت النجوم، إذا غابت.
{وبعولتهنّ}: الأزواج، واحدها بعل.
{درجةٌ}: منزلة). [مجاز القرآن: 1/74]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
قال: {ثلاثة قروءٍ} ممدودة مهموزة وواحدها "القرء" خفيفة مهموزة مثل: "القرع" وتقول: "قد أقرأت المرأة" "إقراءً" بالهمز، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول: "ما قرأت حيضةً قط" مثل: "ما قرأت قرآناً". و: "قد قرأت حيضةً أو حيضتين" بالهمز، و"ما قرأت جنينا قطّ" مثلها. أي: ما حملت. و"القرء": انقطاع الحيض.
وقال بعضهم: "ما بين الحيضتين قال الشاعر:
ذراعي بكرةٍ أدماء بكرٍ = هجان اللّون لم تقرأ جنينا
وأما قول الشاعر:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها = لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل
فإن "المقراة": المسيل وليس بمهموز). [معاني القرآن: 1/141-142]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {ثلاثة قروء} فالواحد: قرؤ فاعلم وقد أقرأت المرأة وقرأت قرءًا: إذا حاضت أو طهرت؛ وقريت تقريًا؛ وقالوا: قد قرأت المرأة: حملت، وقالوا: ما قرأت الناقة سلا قط؛ أي لم ترم به.
وقال عمرو بن كلثوم:
ذراعي حرة أدماء بكر = هجان اللون لم تقرأ جنينا
وقال الأعشى:
مورثة مالا وفي المجد رفعة = لما ضاع فيها من قروء نسائكا
قال أبو علي: وقد فسرنا كل هذا اللفظ في أم الكتاب.
[معاني القرآن لقطرب: 364]
وقوله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن} فالواحد: بعل، وهو الزوج؛ والبعل أيضًا: الرب؛ تقول العرب: أنا بعل هذه الناقة؛ أي أنها ربها؛ وهي لغة يمانية.
وكان ابن عباس رحمه الله يقول: البعل الصنم؛ وقوله {أتدعون بعلا} يجوز أن يكون ربا، أو يكون اسما لذلك الذي دعوه؛ ويجوز أن يكون "بعل بك" هذه المدينة البلدة من ذلك.
والبعل: ما استغنى بماء السماء ولم يكن سقيًا، وهو العذي.
وقال أبو علي: حدثت أن ابن عباس رحمه الله ساوم رجلاً بناقة فقال: أهي لك؟ قال: أنا بعلها؛ فقال ابن عباس: ما تعني ببعلها؟ قال: أنا ربها، قال: ممن أنت؟ قال: أنا رجل من حمير، فقال: ما كنت أظنها في حمير!، ثم قال ابن عباس رحمه الله: {أتدعون بعلا} {أتدعون بعلا} أتدعون ربًا.
ومن هذا اللفظ البعال؛ وهو النكاح كله، وأظن بعل الرجل: بطر، من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 365]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ثلاثة قروء}: واحدها قرء.
وقال بعضهم: هو الحيض.
وقال آخرون: هو الطهر من الحيض وهما جميعا في اللغة، يقال أقرت المرأة إذا حاضت وأقرأت إذا طهرت.
{وبعولتهن}: أزواجهن). [غريب القرآن وتفسيره:93-94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} وهي الحيض: وهي: الأطهار أيضا. واحدها قرء. ويجمع على أقراء أيضا.
قال الأعشى:
وفي كلّ عم أنت جاشم غزوة تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فالقروء في هذا البيت الأطهار. لأنه لما خرج للغزو: لم يغش نساءه، فأضاع قروءهنّ، أي أطهارهن.
وقال النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في المستحاضة: ((تقعد عن الصلاة أيام أقرائها))، يريد أيام حيضها قال الشاعر:
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض له قروء كقروء الحائض
فالقروء في هذا البيت: الحيض. يريد: أن عدواته تهيج في أوقات معلومة، كما تحيض المرأة لأوقات معلومة.
وإنما جعل الحيض قرأ والطهر قرأ: لأن أصل القرء في كلام العرب: الوقت. يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه. ورجع لقارئه أيضا. قال الهذليّ:
كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبّت لقارئها الرّياح
أي لوقتها. فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت.
{ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} يعني: الحمل.
{وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ} في ذلك، يريد: الرجعة ما لم تنقض الحيضة الثالثة.
{ولهنّ على الأزواج مثل الّذي عليهنّ} للأزواج.
{وللرّجال عليهنّ} في الحق.
{درجةٌ} أي: فضيلة). [تفسير غريب القرآن:86-87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة واللّه عزيز حكيم}
يقال طلقت المرأة طلاقا فهي طالق، وقد حكوا طلقت وقد زعم قوم أن تاء التأنيث حذفت من " طالقة " لأنه للمؤنث لاحظ للذكر فيه، وهذا ليس بشيء، لأن في الكلام شيئا كثيرا يشترك فيه المذكر والمؤنث لا تثبت فيه الهاء في المؤنث، نحو تولهم بعير ضامر، وناقة ضامر، وبعير ساعل وناقة ساعل، وهذا أكثر من أن يحصى.
وزعم سيبويه وأصحابه أن هذا وقع على لفظ التذكير صفة للمؤنث لأن المعنى شيء طالق، وحقيقته عندهم أنه على جهة النسب نحو قولهم امرأة مذكار ورجل مذكار، وامرأة مئناث ورجل مئناث، وإنما معناه ذات ذكران وذات إناث، وكذلك مطفل ذات طفل.
وكذلك طالق معناه ذات طلاق.
فإذا أجريته على الفعل قلت طالقة.
قال الأعشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة... كذاك امور النّاس غاد وطارقة
وأما {ثلاثة قروء} فقد اختلف الفقهاء وأهل اللغة في تفسيرها وقد ذكرنا في هذا الكتاب جملة قول الفقهاء وجملة قول أهل اللغة:
فأما أهل الكوفة فيقولون: الأقراء الحيض،
وأما أهل الحجاز ومالك فيقولون: الأقراء الطهر،
وحجة أهل الكوفة في أن الأقراء و (القراء) والقروء الحيض ما يروى عن أم سلمة إنها استفتت لفاطمة بنت أبي حبيش وكانت مستحاضة فقال - صلى الله عليه وسلم - ((تنتظر أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك)) فهذا يعني أنّها تحبس عن الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل فيما سوى أيام الحيض، وفي خبر آخر أن فاطمة سألته فقال: ((إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر فتطهّري)).
وصلّي ما بين القرء إلى القرء، فهذا مذهب الكوفيين، والذي يقويه من مذهب أهل اللغة أن الأصمعي كان يقول: القرء الحيض، ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت.
وقال الكسائي والقراء جميعا: أقرأت المرأة إذا حاضت فهي مقرئ،
وقال القراء: أقرأت الحاجة إذا تأخرت.
وأنشدوا في القرء الحيض وهو بالوقت أشبه:
له قروء كقروء الحائض فهذا؛ هو مذهب أهل الكوفة في الأقراء، وما احتج به أهل اللغة مما يقوي مذهبهم،
وقال الأخفش أيضا: أقرأت المرأة إذا حاضت، وما قرأت حيضة ما ضمّت رحمها على حيضة.
وقال أهل الحجاز: الأقراء والقروء واحد، وأحدهما قرء، مثل قولك: فرع، وهما الأطهار، واحتجوا في ذلك بما يروى عن عائشة أنها قالت: الأقراء الأطهار، وهذا مذهب ابن عمرو ومالك، وفقهاء أهل المدينة، والذي يقوي مذهب أهل المدينة في أن الأقراء الأطهار.
قول الأعشى:
مورّثة مالا وفي الأصل رفعة... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالذي ضاع هنا الأطهار لا الحيض.
وفي هذا مذهب آخر، وهو أن القرء الطهر، والقرء الحيض.
قال أبو عبيدة: إن القرء يصلح للحيض والطهر، قال وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت، وأخبرني من أثق به يدفعه إلى يونس أن الإقراء عنده يصلح للحيض والطهر، وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء - الوقت، وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر، ويقال: " هذا قارئ الرّياح ": لوقت هبوبها.
وأنشد أهل اللغة:
شنئث العقر عقر بني شليل... إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، وشدة بردها، ويقال " ما قرأت الناقة سلا قط! أي لم تضم رحمها على ولد، وقال عمرو بن كلثوم:
نريك إذا دخلت على خلاء... وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعي عيطل أدماء بكر... هجين اللون لم تقرأ جنينا
وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنها: لم تجمع ولدا قط في رحمها وذكر قطرب هذا القول أيضا، وزاد في لم تقرأ جنينا أي لم تلقه مجموعا.
فهذا جميع ما قال الفقهاء وأهل اللغة في القرء.
والذي عندي أن القرء في اللغة الجمع، " وأن قولهم قريت الماء في الحوض من هذا، وإن كان قد ألزم الماء - فهو جمعته، وقولك قرأت القرآن، أي: لفظت به مجموعا، والقرد يقرئ، أي: يجمع ما يأكل في بيته، فإنما القرء اجتماع الدم في البدن، وذلك إنما يكون في الطهر، وقد يكون اجتماعه في الرحم، وكلاهما حسن وليس بخارج عن مذاهب الفقهاء، بل هو تحقيق المذهبين، والمقرأة الحوض الذي يقرأ فيه الماء أي يجمع، والمقرأ الإناء الذي يقرأ فيه الضيف.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ}.
قيل فيه: لا يحل لهن أن يكتمن أمر الولد لأنهن إن فعلن ذلك فإنما يقصدن إلى إلزامه غير أبيه.
وقد قال قوم هو الحيض. وهو بالولد أشبه لأن ما خلق الله في أرحامهن أدل على الولد، لأن اللّه جلّ وعزّ قال: {هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء}
وقال: (ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) فوصف خلق الولد.
ومعنى: (إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر).
تأويله إن كن يصدقن باللّه وبما أرهب به وخوف من عذابه لأهل الكبائر فلا يكتمن، كما تقول لرجل يظلم إن كنت مؤمنا فلا تظلم، لا إنّه يقول له هذا مطلقا الظلم لغير المؤمن.
ولكن المعنى: إن كنت مؤمنا فينبغي أن يحجزك إيمانك عن ظلمي.
وقوله عزّ وجلّ: (وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك).
بعولة جمع بعل، مثل ذكر وذكورة، وعم وعمومة أشبه ببعل وبعولة.
ويقال في جمع ذكر ذكارة وحجر حجارة.
وإنما هذه الهاء زيادة مؤكدة معنى تأنيث الجماعة، ولكنك لا تدخلها إلا في الأمكنة التي رواها أهل اللغة، لا تقول في كعب كعوبة ولا في كلب كلابة، لأن القياس في هذه الأشياء معلوم، وقد شرحنا كثيرا مما فيه فيما تقدم من الكتاب.
ومعنى (في ذلك) أي: في الأجل الذي أمرن أن يتربصن فيه، فأزواج قبل انقضاء القروء الثلاثة أحق بردهن إن ردّوهنّ على جهة الإصلاح، ألا ترى قوله: (إن أرادوا إصلاحا).
ومعنى قوله عزّ وجلّ: (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف) أي: للنساء مثل الذي عليهنّ بما أمر الله به من حق الرجل على المرأة.
وهو معنى (بالمعروف).
وقوله عزّ وجلّ: (وللرّجال عليهنّ درجة)معناه: زيادة فيما للنساء عليهن كما قال تعالى: (الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
والمعنى: أن المرأة تنال من اللّذة من الرجل كما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه بما يصلحها.
وقوله عزّ وجلّ: (واللّه عزيز حكيم):معناه ملك يحكم بما أراد، ويمتحن بما أحب، إلا أن ذلك لا يكون إلا بحكمة بالغة - فهو عزيز حكيم فيما شرع لكم من ذلك). [معاني القرآن: 1/301-307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}
وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو الدرداء وأبو موسى: ثلاث حيض.
وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر: ثلاثة أطهار.
ويحتج للقول الأول بان: عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت
والقرء عند أهل اللغة: الوقت فهو يقع لهما جميعا.
قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح إذا هبت لوقتها
وحدثني أحمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن أبي يزيد النحوي عن أبي عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا). [معاني القرآن: 1/195-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}
وقال ابن عمر وابن عباس: يعني الحبل والحيض.
وقال قتادة: علم أن منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد إلى غيره فنهاهن الله عن ذلك). [معاني القرآن:1/196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} فليس هذا على أنه أبيح لمن لا يؤمن أن يكتم وإنما هذا كقولك إن كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي أن يحجزك الإيمان عنه لأنه ليس من فعل أهل الإيمان). [معاني القرآن:1/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل). [معاني القرآن: 1/197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن أرادوا إصلاحا} أي: إن أراد الأزواج بردهن الإصلاح لا الإضرار
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس إن أرادوا إصلاحا وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [معاني القرآن: 1/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي.
وقال ابن زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم
ثم قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة}
قال مجاهد: هو ما فضل الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.
وقال أبو مالك: له أن يطلقها وليس لها من الأمر شيء). [معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):(القُرُوءٍ): الأوقات، الواحد: قرء، وهو: الوقت يكون حيضا ، ويكون طهرا). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (والقروء) الحيض،
وقال مالك: هي الأطهار،
وقال أهل اللغة: هو من الأضداد، وأصله الوقت.
{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يعني: لهم الرجعة ما لم تدخل في الحيضة الثالثة.
{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} أي: لهن على الأزواج مثل الذي للأزواج عليهن.
{وللرجال عليهن درجة} أي: فضيلة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القرْء}: الحيض، الأطهار.
{بُعُولَتُهُنَّ}: أزواجهن). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه...}
وفي قراءة عبد الله "إلا أن تخافوا" فقرأها حمزة على هذا المعنى "ألا أن يخافا" ولا يعجبني ذلك.
وقرأها بعض أهل المدينة كما قرأها حمزة.
وهي في قراءة أبّي "إلا أن يظنّا ألاّ يقيما حدود الله" والخوف والظنّ متقاربان في كلام العرب.
من ذلك أن الرجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، وخفت ذاك، والمعنى واحد. وقال الشاعر:
أتاني كلام عن نصيب بقوله * وما خفت يا سلاّم أنك عائبي
وقال الآخر:
إذا مت فادفنّي إلى جنب كرمة * تروّي عظامي بعد موتى عروقها
[ولا تدفننّي في الفلاة فإنني * أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها]
والخوف في هذا الموضع كالظنّ. رفع "أذوقها" كما رفعوا {وحسبوا ألا تكون فتنة} وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ((أمرت بالسواك حتى خفت لأدردنّ)) كما تقول: ظنّ ليذهبنّ.
وما ما قال حمزة فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد الله فلم يصبه - والله أعلم - لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: ألا يخافوا أن لا، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن؛ ألا ترى أن اسمهما في الخوف مرفوع بما لم يسمّ فاعله. فلو أراد ألاّ يخاف على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون على غير اعتبار قول عبد الله [كان] جائزا؛ كما تقول للرجل: تخاف لأنك خبيث، وبأنك، وعلى أنك....
وقوله: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما} يقال كيف قال: فلا جناح عليهما، وإنما الجناح - فيما يذهب إليه الناس - على الزوج لأنه أخذ ما أعطى؟ ففي ذلك وجهان:
1- أن يراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا؛ في سورة الرحمن {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه "نسيا حوتهما" وإنما الناسي صاحب موسى وحده.
ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابّتان أركبهما وأستقى عليهما، وإنما يركب إحداهما ويستقى على الأخرى؛ وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتجّ بسعتها. ومثله من كتاب الله {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} فيستقيم في الكلام أن تقول: قد جعل الله لنا ليلا ونهارا نتعيّش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيّش إلى النهار.
والوجه الآخر: أن يشتركا جميعا في ألاّ يكون عليهما جناح؛ إذ كانت تعطي ما قد نفى عن الزوج فيه الإثم، أشركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هي إلى مثل ذلك. ومثله قول الله تبارك وتعالى: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} وإنما موضع طرح الإثم في المتعجّل، فجعل للمتأخّر - وهو الذي لم يقصّر - مثل ما جعل على المقصّر. ومثله في الكلام قولك: إن تصدّقت سرّاً فحسن [وإن تصدّقت جهرا فحسن].
وفي قوله: {ومن تأخّر فلا إثم عليه} وجه آخر؛ وذلك أن يريد: لا يقولنّ هذا المتعجل للمتأخر: أنت مقصّر، ولا المتأخّر للمتعجل مثل ذلك، فيكون قوله: {فلا إثم عليه} أي: فلا يؤثّمنّ أحدهما صاحبه.
وقوله: {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} يريد: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا، (أن) في موضع نصب إذا نزعت الصفة، كأنك قلت: فلا جناح عليهما أن يراجعها، قال وكان الكسائيّ يقول: موضعه خفض. قال الفرّاء: ولا أعرف ذلك.
وقوله: {إن ظنّا أن يقيما} (أن) في موضع نصب لوقوع الظنّ عليها). [معاني القرآن: 1/145-148]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} معناها: إلاّ أن يوقنا.
{فإن خفتم} ها هنا: فإن أيقنتم). [مجاز القرآن: 1/74]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ونافع وشيبة {إلا أن يخافا} بفتح الياء.
أبو جعفر {إلا أن يخافا} بضم الياء). [معاني القرآن لقطرب: 270]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {الطلاق مرتان} فالفعل من ذلك: طلقت المرأة، تطلق طلاقًا، وطلقت لغة.
ومن هذا اللفظ قولهم: هذه نعجة طالق؛ للتي تخرج من أهلها فترتعي، كقولك: مهملة؛ والطلاق من ذلك في المعنى إنما هو إرسالها وإهمالها؛ ومنه: طلقت يدي بخير، وأطلقتها أنا؛ والقيد يقال له: الطلق إذا كان جلودًا؛ ومن هذا يقال: ليلة طلق، وليلة طلقة؛ إذا كانت سمحة سهلة؛ ورجل طلق اليدين؛ أي سمح؛ ومنه طلقت الإبل تطلق طلقًا: إذا أرادت الماء؛ والطليق:
[معاني القرآن لقطرب: 365]
الأسير إذا عتق؛ ولسان طليق؛ وطلق السليم تطليقًا: حين ترجع إليه نفسه؛ ويقال: الأمر طلق لك، أي ليس بحرام؛ ويقال: طلقت فهي تطلق طلقًا من الطلق). [معاني القرآن لقطرب: 366]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الطّلاق مرّتان} يقول: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان.
{فإمساكٌ} بعد ذلك {بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} أي: تطليق الثالثة بإحسان.
{إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أي: يعلمان أنهما لا يقيمان حدود اللّه.
{فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه} أي: علمتم ذلك، {فلا جناح عليهما} أي: لا جناح على المرأة والزوج {فيما افتدت به} المرأة نفسها من الزوج). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون}
{الطلاق} رفع بالابتداء، و {مرتان} الخبر، والمعنى الطلاق الذي تملك فيه الرجعة مرتان، يدل عليه {فإمساك بمعروف} المعنى: فالواجب عليكم إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
ولو كان في الكلام فإمساكا بمعروف كان جائزا.
على فأمسكوهن إمساكا بمعروف كما قال عزّ وجلّ: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، ومعنى {بمعروف} بما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا} أي: مما أعطيتموهن من مهر وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه}.
قرئت {يخافا}، ويحافا - بالفتح والضم - قال أبو عبيدة وغيره: معنى {إلّا أن يخافا} إلا أن يوقنا، وحقيقة قوله: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أن يكون الأغلب عليهما وعندهما أنهما على ما ظهر منهما من أسباب التباعد الخوف في أن لا يقيما حدود اللّه - ومعنى {حدود اللّه} ما حدّه الله جلّ وعزّ مما لا تجوز مجاوزته إلى غيره، وأصل الحدّ في اللغة المنع، يقال حددت الدار.
وحددت حدود الدار، أي بنيت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها.
وحددت الرجل أقمت عليه الحد، والحد هو الذي به منع الناس من أن يدخلوا فيما يجلب لهم الأذى والعقوبة، ويقال أحدت المرأة على زوجها وحدت فهي حادّ ومحدّ، إذا امتنعت عن الزينة، وأحددت إليه النظر إذا منعت نظري من غيره وصرفته كله إليه، وأحددت السكين إحدادا.
قال الشاعر:
إن العبادي أحدّ فأسه... فعاد حدّ فأسه برأسه
وإنّما قيل للحديد حديد لأنه أمنع ما يمتنع به، والعرب تقول للحاجب والبواب وصاحب السجن: الحدّاد، وإنما قيل له حداد لأنه يمنع من يدخل ومن يخرج، وقول الأعشى:
فقمنا ولمّا يصح ديكنا... إلى خمرة عند حدّادها
أي: عند ربها الذي منع منها إلا بما يريد.
ومعنى: (فلا تعتدوها) أي: لا تجاوزوها). [معاني القرآن: 1/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {الطلاق مرتان}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {الطلاق مرتان} قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا.
وقال عروة بن الزبير: كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل أن تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك رجل مرارا فأنزل الله تعالى: {الطلاق مرتان} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق.
والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع أكثر منه الرجعة مرتان.
ويروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فأين الثالثة؟: فقال: ((التسريح بإحسان))
ثم قال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} أي: فالواجب عليكم إمساك بما يعرف أنه الحق {أو تسريح بإحسان} أي: يستهل أمرها بأن يطلقها الثالثة
والسرح في كلام العرب السهل). [معاني القرآن: 1/199-201]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} هذا في الخلع الذي بين الزوجين
قال أبو عبيدة: الخوف ههنا بمعنى اليقين.
قال أبو إسحاق: حقيقته عندي أن يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة.
قال ابن جريج: كان طاووس يقول يحل الفداء قال الله تعالى: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا أغتسل من جنابة ولكنه كان يقول إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة.
والمعنى على هذه القراءة: إلا أن يخاف الزوج والمرأة
وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة (إلا أن يخافا) بضم الياء.
وفي قراءة (عبد الله إلا أن تخافوا) بالتاء.
وقيل المعنى على هاتين القراءتين: إلا أن يخاف السلطان ويكون الخلع إلى السلطان.
وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من أخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال: أخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي الله عنهما.
قال أبو جعفر: وأكثر العلماء على أن ذلك إلى الزوجين). [معاني القرآن: 1/201-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وقد قال في موضع آخر {فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وآثما مبينا}
وروى معمر عن الزهري قال: لا يحل لرجل أن تختلع امرأته إلا أن يؤتى ذلك منها فإما أن يكون يؤتى ذلك منه يضارها حتى تختلع منه فإن ذلك لا يصلح.
وقال أهل الكوفة: حظر عليه ما كان ساقه إلى المرأة من الصداق في قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} ثم أطلقه {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} فلا يحل له أن يأخذ أكثر مما ساقه إليها
وليس في الآية ما يدل على أنه لا يحل له أكثر مما أعطاها
وقول الزهري بين ويكون قوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} يبين قوله: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا}أي: لا تأخذوا منهن شيئا غصبا.
ومعنى {حدود الله}: ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش وأحدت المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى {فلا تعتدوها} فلا تتجاوزها). [معاني القرآن: 1/203-205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطلاق مرتان} أي: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان، والثالثة هي قوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن ظنّا أن يقيما حدود الله)} أي: أيقنا). [مجاز القرآن: 1/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} يريد: إن علما أنهما يقيمان حدوده). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون} أي: فإن طلقها الثالثة، لأن الثنتين قد جرى ذكرهما، أي: فلا تحل له حتى تتزوج زوجا غيره، وفعل الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل، فحرم عليه التزوج بعد الثلاث لئلا يعجلوا بالطلاق، وأن يتثبتوا.
وقوله عزّ وجلّ: (بعد ذلك أمرا) يدل على ما قلناه.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي: فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليها وعلى الزوج الأول أن يتراجعا، وموضع أن نصب، المعنى لا يأثمان في أن يتراجعا.
فلما سقطت " في " وصل معنى الفعل فنصب - ويجيز الخليل أن يكون موضع أن خفضا على إسقاط " في " ومعنى إرادتها في الكلام.
وكذلك قال الكسائي.
والذي قالاه صواب لأن " أن " يقع فيها الحذف، ويكون جعلها موصولة عوضا مما حذف، ألا ترى أنك لو قلت لا جناح عليهما الرجوع لم يصلح.
والحذف مع أن سائغ فلهذا أجاز الخليل وغيره أن يكون موضع جر على إرادة في.
ومعنى (إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه)أي: إن كان الأغلب عليهما أن يقيما حدود اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: (وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون).
ويقرأ "نبينها" بالياء والنون جميعا.
(لقوم يعلمون) أي: يعلمون أن وعد اللّه حق وأن ما أتى به رسوله صدق). [معاني القرآن: 1/308-309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} المعنى: فإن طلقها الثالثة.
وأهل العلم على أن: النكاح ههنا الجماع لأنه قال زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع إلا سعيد بن جبير فإنه قال: النكاح ههنا التزويج الصحيح إذا لم يرد إحلالها.
قال أبو جعفر: ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة
وعن علي حتى يهزها به). [معاني القرآن: 1/205-207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا}
روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان الله عليه قال: ما أشكل علي شيء ما أشكلت هذه الآية في كتاب الله {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} فمازلت أدرس كتاب الله حتى فهمت فعرفت أن الرجل الآخر إذا طلقها رجعت إلى زوجها الأول إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن ظنا أن يقيما حدود الله}
قال طاووس: إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه
وقال مجاهد: إن علما أن نكاحهما على غير دلسة). [معاني القرآن: 1/207-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون}أي: يعلمون أن أمر الله حق لا ينبغي أن يتجاوز). [معاني القرآن: 1/208]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م, 11:41 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: فئت إلى الأمر فيئا [فيئا] إذا رجعت إليه. وفاء الظل فيئا مثلها). [كتاب الهمز: 22]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (



فيئـي إلـيـك فــلا هــوادة بينـنـابعد الفوارس إذ ثووا بالمرصد

قال الضبي فيئي إليك أي: ارجعي إلى نفسك: يقال قد فاء الرجل يفيء إذا رجع، ومنه فيء الشمس وهو رجوعها إلى زوالها. ومنه قول الله عز وجل: {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم}، وكذلك: {فإن فاءت فأصلحوا بينهما} وقال الشاعر:


فقلت لها فيئي إليك فإننيحـرام وإنـي بـعـد ذاك لبـيـب

). [شرح المفضليات: 713-714]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (

فما انصرفت حتى أفاءت رماحهملأعدائهم فـي الحـرب سمًـا مقشبـا

ويروى: وإني لمن قوم تكون رماحهم * لأعدائهم.
قال الضبي: أفاءت ردت. والمقشب المخلوط. وقد فاء الشيء رجع ومنه قوله عز وجل: {حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما} وفي موضع آخر: {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم} ). [شرح المفضليات:737- 738] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) }

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: قرأت المرأة أي حبلت، وأقرأت أي حاضت أو طهرت، وقال عمرو بن كلثوم:


ذراعــي حـــرة أدمـــاء بـكــرهجان اللون لم تقرأ جنينا

وقال آخر:


أراها غلاماها الخلـي فشـذرتمراحا، ولم تقرأ جنينا، ولا دما

). [الفرق في اللغة: 84]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: أقرأت المرأة: إذا حاضت. وقرأت: إذا طهرت جميعا. وهو من قول الله جل جلاله: {ثلاثة قروء} والواحد قرء يا هذا. وقَرَأت: حملت). [الأضداد: 108]
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال: القَرءُ: ما بَيْن الحَيْضَتَين. قد أَقرأَت المَرْأَة). [كتاب الجيم: 3/89]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (أقرأت المرأة إقراء فهي مقرئ إذا حاضت والقرء الحيضة وجماعها القروء). [كتاب الهمز: 32]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (*قرأ* قال الأصمعي: القرء عند أهل الحجاز الطهر وعند أهل العراق الحيض، وقال أبو عمرة بن العلاء: يقال قد دفع فلان إلى فلانة جاريته تقرئها مهموزة مشددة يعني تحيض عندها وتطهر إذا أراد أن يستبرئها وقال: إنما القرء الوقت فقد تجوز أن يكون وقتا للطهر ووقتا للحيض وأقرأت الرياح هبت لوقتها والقارئ الوقت، وقال مالك بن الحارث الهذلي (الوافر):



كرهت العفر عفر بني شليلإذا هـــبـــت لـقـارئــهــا الـــريــــاح

وأنشد أبو عمرو هذا البيت أي: هبت الرياح لوقتها في الشتاء، وقال الأصمعي: أقرأت الريح إذا جاءت لوقتها، ويقال ذهب عنك القرأة خفيفة يريد وقت المرض وذلك إذا صرت إلى بلد غير البلد الذي أنت فيه فمكثت فيه خمس عشرة ليلة فقد ذهبت عنك قرأة البلدة التي تعولت عنها، وأهل الحجاز يقولون قرة بغير همز، يعني أنك إن مرضت بعدها فليس ذلك من وباء تلك البلدة وقوله العقر وأهل الحجاز يقولون عقر الدار وأهل نجد عقر الدار وأهل الحجاز يضمون العين والعقر أصل الدار ومنه قيل العقار، ورواها أبو عبيدة لقاريها بغير همز أي سكانها وشهادها يقال أهل القارية أي القرى قال الأعشى


موروثـة مــالا وفــي الـحـي رفـعـةلما ضاع فيها من قروء نسائكا

أي لما ضاع من طهر نسائك لغيبتك عنهن فلم تغشهن لشغلك بالغزو فأبدلت من ذلك هذا المال وهذه الرفعة، وقال أبو عبيدة يقال أقرأت النجوم بالألف معناه غابت، ومنه قرء المرأة في قول من زعم أنه طهرها لأنها خرجت من الحيض إلى الطهر كما خرجت النجوم من الطلوع إلى المغيب، ويقال: هذه ناقة ما قرأت سلى قط بغير ألف أي ما حملت ملقوحا ولا غيبت في بطنها ولدا، قال عمرو بن كلثوم


ذراعـي عيطـل أدمــاء بـكـرهجان اللون لم تقرأ جنينا

وقال أبو عمرو الشيباني الإقراء أن تقرئ الحية وذلك أن تصري سمها شهرا أي تجمع سمها فإذا وفي لها شهر أقرأت ومجت سمها ولو أنها لدغت في إقرائها شيئا من الأشياء لم تطنه ولم يبل سليمها والإطناء أن لا يلبث حتى يموت وقد أقرأ سمها إذا اجتمع). [كتاب الأضداد: 5-7]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والإقراء الحيض والإطهار، وقد أقرأت المرأة في الوجهين جميعًا، وأصله من دنو وقت الشيء). [الغريب المصنف: 2/633]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي: إذا قدمت بلادًا فمكثت فيها خمس عشرة ليلة فقد ذهبت عنك قراءة البلاد وأهل الحجاز يقولون قرة البلاد بغير همز ومعناه أنك إن
مرضت بها بعد ذلك فليس من وباء البلدة، قال وقال عمرو بن العلاء: دفع فلان جاريته إلى فلانة يقرئها أي تمسكها عندها حتى تحيض للاستبراء قال وإنما القرء الوقت فقد يكون للحيض ويكون للطهر وجمعه قروء ومن قول الله تعالى: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، فأهل الحجاز يقولون هي الأطهار وأهل العراق يقولون هي الحيض. وقال غيره: يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها. ويقال: ما قرأت الناقة سلاقط يعني لم تلد وقال الأعشى يذكر غزوة رجل:


مـورثـة مـــالاً وفـــي الـذكــر رفـعــةولو ضاع فيها من قروء نسائكا

أراد الأطهار فهذا البيت حجة لأهل الحجاز، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعي الصلاة أيام إقرائك)) فهذه أهل العراق). [الغريب المصنف: 3/991-992]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وقال في حديث آخر: ((دعي الصلاة أيام أقرائك))، فهذا قد فسر التحيض.
وقوله: ((أيام أقرائك))، يبين لك أن الأقراء إنما هي الحيض، وهذا
مما اختلف فيه أهل العراق وأهل الحجاز، فقال أهل العراق: إن قول الله تعالى: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} إنما هي الحيض.
وقال أهل الحجاز: إنما هي الأطهار، فمن قال: إنما الحيض، فهذا الحديث حجة له لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعي الصلاة أيام أقرائك)).
ومن زعم أنها الأطهار فله حجة أيضا. يقال: قد أقرأت المرأة إذا دنا حيضها، وأقرأت إذا دنا طهرها.
زعم ذلك أبو عبيدة والأصمعي وغيرهما وقد ذكر ذلك الأعشى في شعر مدح به رجلا غزا غزوة غنم فيها وظفر فقال:


مـورثــة عـــزا وفـــي الـحــي رفـعــةلما ضاع فيها من قروء نسائكا

فمعنى القروء ههنا الأطهار لأنه ضيع أطهارهن في غزاته وأثرها عليهن وشغل بها عنهن.
ومثله قول الأخطل:


قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهـمدون النساء ولو باتت بأطهار

). [غريب الحديث: 3/252-254]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عائشة: «الأقراء: الأطهار».
حدثناه هشيم قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عمن حدثه عن عائشة.
قال الأصمعي بعضه عن أبي عبيدة وغيره: يقال: قد أقرأت المرأة
إذا دنا حيضها، وأقرأت أيضا: إذا دنا طهرها.
فأصل الأقراء إنما هو وقت الشيء إذا حضر قال الأعشى يمدح رجلا بغزوة غزاها:


مـورثـة مــالا وفـــي الـذكــر رفـعــةلما ضاع فيها من قروء نسائكا

فالقروء ههنا الأطهار، لأن النساء لا يؤتين إلا فيها، يقول: فضاع قروء نسائك باشتغالك عنهن بالغزو.
وفي حديث آخر في المستحاضة: أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، فالأقراء ههنا الحيض، وهذا قول أهل العراق يرون الأقراء: الحيض في عدة المطلقة، وبيت الأعشى فيه حجة لأهل الحجاز، لأنهم يرون الأقراء الأطهار في العدة، وكلا الفريقين له معنى جائز في كلامهم). [غريب الحديث: 5/366-367]

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: أتيت فلانا فما خفت أن ألقاه فلقيته، أي: (فما) رجوت. فجعل خفت في معنى رجوت، كما كانت رجوت في معنى خفت. وقال الله تبارك اسمه: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}. وقال الراجز:يا فقعسي لم أكلته لمه
لو خافك الله عليه حرمه
كأنه يريد، لو علم الله ذلك منك. لأن الله عز وجل لا يجوز عليه الخوف). [الأضداد: 94]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال أبو الغول:


أتانـي قــول عــن نصـيـب يقـولـهوما خفت يا سلام أنك عائبي

قال ثعلب: «خفت» في معنى ظننت، وقول الله عز وجل: {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} أي إلا أن يظنا). [النوادر في اللغة: 235]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (



ولا وسقت للزوج بعدك حاصنولا تم حتـى يبعثـوا ذلـك الطهـر

(القرء) الطهر، و(القرء) ما بين الحيضتين). [شرح أشعار الهذليين: 2/952]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإذا أردت أن تجمع المذكر ألحقته اسماً من العدة فيه علامة التأنيث. وذلك نحو: ثلاثة أثواب، وأربعة رجال. فدخلت هذه الهاء على غير ما دخلت عليه في ضاربة وقائمة، ولكن كدخولها في علامة، ونسابة، ورجل ربعة، وغلام يفعة.
فإذا أوقعت العدة على مؤنث أوقعته بغير هاءٍ فقلت: ثلاث نسوة، وأربع جوار، وخمس بغلات. وكانت هذه الأسماء مؤنثة بالبنية، كتأنيث عقرب، وعناق، وشمس، وقدر.
وإن سميت رجلاً ب ثلاث التي تقع على عدة المؤنث لم تصرفه؛ لأنه اسم مؤنث بمنزلة عناق.
وإن سميته ب ثلاث من قولك: ثلاثة التي تقع على المذكر صرفته.
فكذلك يجري العدد في المؤنث والمذكر بين الثلاثة إلى العشرة في المذكر. وفيما بين الثلاث إلى العشر في المؤنث. قال الله عز وجل: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام} وقال: {في أربعة أيامٍ سواءً للسائلين} وقال: {على أن تأجرني ثماني حججٍ فإن أتممت عشراً فمن عندك}؛ لأن الواحدة حجة. وقال: {فصيام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ}.
فإذا كان في الشيء ما يقع لأدنى العدد أضفت هذه الأسماء إليه فقلت: ثلاثة أغلمة، وأربعة أحمرةٍ، وثلاثة أفلسٍ، وخمسة أعدادٍ.
فإن قلت: ثلاثة حميرٍ، وخمسة كلابٍ جاز ذلك. على أنك أردت: ثلاثة من الكلاب، وخمسة من الحمير؛ كما قال الله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ}.
و قال الشاعر:


قد جعلت ميٌّ على الظرارخمس بنانٍ قانىء الأظفار

يريد: خمساً من البنان). [المقتضب: 2/155-157] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
دون النساء ولو باتت بأطهار
معناه أنه يجتنبها، في طهرها، وهو الوقت الذي يستقيم له غشيانها فيه، وأهل الحجاز يرون "الأقراء" الطهر، وأهل العراق يرونه الحيض، وأهل المدينة يجعلون عدد النساء الأطهار، ويحتجون بقول الأعشى:


وفــي كــل أنــت جـاشــم غـــزوةتـشــد لأقـصـاهـا عـزيــم عـزائـكـا
مـؤرثـه مــالاً وفـــي الـحــي رفـعــةلما ضاع فيها من قروء نسائكا

). [الكامل: 1/360-361] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والقرء حرف من الأضداد. يقال: القرء للطهر، وهو مذهب أهل الحجاز، والقرء للحيض، وهو مذهب أهل العراق، ويقال في جمعه: أقراء وقروء.
وقال الأصمعي عن أبي عمرو: يقال: قد دفع فلان إلى فلانة جاريته تقرئها. يعني أن تحيض ثم تطهر للاستبراء.
ويقال: القرء هو الوقت الذي يجوز أن يكون فيه حيض، ويجوز أن يكون فيه طهر، أنشدنا أبو العباس:


قطعت علي الدهـر سـوف وعلـهولان وزرنــــــا وانـتــظــرنــا وأبـــشــــر
غــــد عــلــة لـلـيــوم، والــيــوم عــلــةلأمس، فلا يقضي وليس بمنظر
مـواعـيـد لا يـأتــي لــقــرء حـويـرهــاتكـون هبـاء يــوم نكـبـاء صـرصـر

معناه لا تأتي لوقت. وقال الشاعر:


... ... ... ولا أرىإياسا لقرء القارئين يؤوب

أراد لهذا الوقت. وقال الآخر:


وصاحب مكاشح مباغضلــه قــروء كـقـروء الحـائـض

أي له أوقات تشتد فيها مكاشحته.
ويقال: قد أقرأت الريح، إذا هبت لوقتها. وقال مالك بن خالد الهذلي:


كرهت العقر عقر بني شليلإذا هـــبـــت لـقـارئــهــا الـــريــــاح

أي لوقتها، ويروى: «لقاريها» بترك الهمز، أي لأهلها وسكانها.
وقال أبو بكر: يحكى هذا عن أبي عبيدة والقارية أهل الدار، وفي «العقر» لغتان، أهل الحجاز يقولون عقر الدار، بالضم، وأهل نجد يقولون: عقر الدار، بالفتح؛ ومعناه أصل الدار، ومن ذلك العقار أصل المال، وعقر الحوض حيث تقوم الشاربة؛ وقال الشاعر:


إذا لــــــم تـــغـــم ثـــــــم أخــلــفـــتقروء الثريا أن يصوب لها قطر

والقرأة وقت المرض. وأهل الحجاز يقولون: القِرَة؛ يقال: إذا تحولت من بلد إلى بلد، فمكثت خمس عشرة ليلة، فقد ذهبت عنك قرأة البلد، وقرة البلد؛ أي إن مرضت بعد خمس عشرة ليلة، فليس مرضك من وباء البلدة التي انتقلت إليها. ويقال: قد أقرأت النجوم، إذا غابت.
قال أبو بكر: وهذا حجة لمن قال: الأقراء الأطهار؛ لأنها خرجت من حال الطلوع إلى حال الغيبة.
وقال الأصمعي وأبو عبيدة: يقال: قد أقرأت المرأة إذا دنا حيضها، وأقرأت إذا دنا طهرها.
قال أبو بكر: هذه رواية أبي عبيد عنهما. وروى غيره: أقرأت إذا حاضت، وأقرأت إذا طهرت. وحكى بعضهم: «قَرَأَتْ»، بغير ألف في المعنيين جميعا.
والصحيح عندي ما رواه أبو عبيدة.
وقال قطرب: يقال قد قرأت المرأة، إذا حملت وقال أبو عبيدة. يقال: ما قرأت الناقة سلا قط،
أي لم تضم في رحمها ولدا. وأنشد لعمرو بن كلثوم:


ذراعــي حـــرة أدمـــاء بـكــرهجان اللون لم تقرأ جنينا

أي لم تضم في رحمها ولدا.
وأخبرنا أبو العباس، عن سلمة، عن الفراء، قال: يقال: أقرأت المرأة إذا حاضت، وقرأت: حملت.
ويقال: قد أقرأت الحية إقراء؛ إذا جمعت السم شهرا، فإذا وفى لها شهر مجتة. ويقال: إنها إذا لدغت في أقرائها ذا روح لم تطنه، أي لم ينج منها، وقال يعقوب ابن السكيت: لم تطنه معناه لم تشوه؛ إلا أن «تشوه» يستعمل في غير الحية، «وتطنه» لا يستعمل إلا في الحية. ومعنى «تشوه» تخطئه، يقال: رمى فأشوى، إذا أخطأ.
ومن الحجة لمن قال: الأقراء الأطهار قول الأعشى:


وفي كل عام أنت جاشم غزوةتـشــد لأقـصـاهـا عـزيــم عـزائـكــا
مـورثـة مــالا وفــي الأصــل رفـعـةلما ضاع فيها من قروء نسائكـا

معناه من أطهار نسائك؛ أي ضيعت أطهار النساء، فلم تغشهن مؤثرا للغزو، فأورثك ذاك المال والرفعة. وشبيه

بهذا البيت قول الآخر:


أفبعـد مقتـل مالـك بــن زهـيـرترجو النساء عواقب الأطهار

أي يرجون أن يغشين في أطهارهن، فيلدن ما يسررن به. ومثله أيضا قول الأخطل:


قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهـمدون النساء ولو باتت بأطهار

أي إذا حاربوا لم يغشوا النساء في أطهارهن. ويقال: قد أقرأ سم الحية، إذا اجتمع.
قال أبو بكر: ومن الحجة لمن قال: القرء الحيض الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمرأة: ((دعي الصلاة أيام أقرائك)).
ويقال: قد تحيضت المرأة إذا تركت الصلاة أيام الحيض، من ذلك الحديث الذي يروى في المستحاضة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((احتسي كرسفا)) قال: إني أثجه ثجا. فقال: ((استثفري وتحيضي في علم الله ستا أو سبعا، ثم اغتسلي وصلي))، فـ((تحيضي))، على ما وصفنا، والكرسف: القطن، ويقال له: البرس والطاط. ويروى: ((فتلجمي)). وأثجه، معناه أسيله، من الماء الثجاج وهو السيال، وفي الحديث:
((أفضل الحج العج والثج))، فالعج التلبية، والثج صب الدماء. واستثفري، له معنيان، يجوز أن يكون شبه اللجام للمرأة بالثفر للدابة، إذ كان ثفر الدابة يقع تحت الذنب. ويجوز أن يكون ((استثفري)) كناية عن الفرج، لأن الثفر للسباع بمنزلة الحياء للناقة، ثم يستعار من السباع؛ فيجعل للناس وغيرهم؛ قال الأخطل:


جزء الله فيها الأعورين ملامةوفـروة ثفـر الثـورة المتضـاجـم

فجعل للبقرة ثفرا، على جهة الاستعارة). [كتاب الأضداد: 27-32]


تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن لا إذا دخلت على أن جاز أن تريد ب أن الثقيلة، وأن تريد الخفيفة.
فإن أردت الثقيلة رفعت ما بعدها؛ لأنه لا يحذف منها التثقيل إلا مع الإضمار. وهذا لك في باب إن وأن. وإنما تقع الخفيفة والثقيلة على ما قبلها من الأفعال ولا يجوز الإضمار إلا أن تأتي بعوض.
و العوض: لا، أو السين، أو سوف، أو نحو ذلك مما يلحق الأفعال.
فأما لا وحدها فإنه يجوز أن تريد ب أن التي قبلها الخفيفة، وتنصب ما بعدها؛ لأن لا لا تفصل بين العامل والمعمول به، تقول: مررت برجل لا قائم ولا قاعد؛ كما تقول: مررت برجل قائم، وقاعد. وذلك قولك: أخاف ألا تذهب يا فتى، وأظن ألا تقوم يا فتى؛ كما قال: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}.
و في ظننت وبابها تكون الخفيفة والثقيلة كما وصفت لك. قال الله عز وجل: {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} وأن لا يكون فالرفع على: أنها لا تكون فتنة. وكذلك {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً}: أي أنه لا يرجع إليهم قولاً. لا يرون في معنى يعلمون، فهو واقع ثابت.
فأما السين وسوف، فلا يكون قبلهما إلا المثقلة. تقول: علمت أن سيقومون، وظننت أن سيذهبون، وأن سوف تقومون؛ كما قال: {علم أن سيكون منكم مرضى}. ولا يجوز أن تلغى من العمل والعمل كما وصفت لك.
و لا يجوز ذلك في السين وسوف؛ لأنهما لا يلحقان على معنى لا، فإنما الكلام بعد لا على قدر الفصل. قال: {لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون}. فـ (يعلم) منصوبةٌ، ولا يكون إلا ذلك؛ لأن لا زائدة. وإنما هو لأن يعلم. وقوله: {أن لا يقدرون} إنما هو: أنهم لا يقدرون. وهي في بعض المصاحف (أنهم لا يقدرون) ). [المقتضب: 2/30-31]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وخفت حرف من الأضداد، يكون بمعنى الشك، ويكون بمعنى اليقين؛ فأما كونه على الشك فكثير واضح لا يحتاج إلى شاهد، وأما كونه على اليقين فشاهده قول الله عز وجل: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا}، قال أبو عبيدة وقطرب: معناه علمت.
وقال في قوله عز وجل: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، معناه إلا أن يعلما). [كتاب الأضداد: 137] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فأما ظننت وحسبت وخلت ورأيت فإن أن تكون فيها على وجهين على أنها تكون أن التي تنصب الفعل وتكون أن الثقيلة فإذا رفعت قلت قد حسبت أن لا يقول ذاك وأرى أن سيفعل ذاك ولا تدخل هذه السين في الفعل ههنا حتى تكون أنه وقال عز وجل: { وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} كأنك قلت قد حسبت أنه لا يقول ذاك وإنما حسنت أنه ههنا لأنك قد أثبت هذا في ظنك كما أثبته في علمك وأنك أدخلته في ظنك على أنه ثابتٌ الآن كما كان في العلم ولولا ذلك لم يحسن
أنك ههنا ولا أنه فجرى الظن ههنا مجرى اليقين لأنه نفيه وإن شئت نصبت فجعلتهن بمنزلة خشيت وخفت فتقول ظننت أن لا تفعل ذاك.
ونظير ذلك: {تظن أن يفعل بها فاقرة} و: {إن ظنا أن يقيما حدود الله} فلا إذا دخلت ههنا لم تغير الكلام عن حاله). [الكتاب: 3/166-167] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما الأفعال التي تشترك فيها الخفيفة والثقيلة فما كان من الظن. فأما وقوع الثقيلة فعلى أنه قد استقر في ظنك: كما استقر الأول في علمك. وذلك قولك: ظننت أنك تقوم، وحسبت أنك منطلق. فإذا أدخلت على المحذوفة العوض قلت: حسبت أن سيقومون، وكذلك تقول: ظننت أن لا تقول خيرا، تريد: أنك لا تقول خيرا. وأما النصب فعلى أنه شيء لم يستقر، فقد دخل في باب رجوت وخفت بهذا المعنى. وهذه الآية تقرأ على وجهين: {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} و{أن لا تكون فتنةٌ}، فانتصب ما بعد لا وهي عوضٌ؛ كما أوقعت الخفيفة الناصبة بعد ظننت بغير عوض. وذلك قوله عز وجل: {تظن أن يفعل بها فاقرةٌ}، لأن معناها معنى ما لم يستقر. وكذلك: {إن ظنا أن يقيما حدود الله}. وزعم سيبويه أنه يجوز: خفت أن لا تقوم يا فتى، إذا خاف شيئاً كالمستقر عنده، وهذا بعيد. وأجاز أن تقول: ما أعلم إلا أن تقوم، إذا لم يرد علماً واقعا، وكان هذا القول جارياً على باب الإشارة؛ أي: أرى من الرأى؛ وهذا في البعد كالذي ذكرنا قبله. وجملة الباب تدور على ما شرحت لك من التبيين والتوقع. فأما قول الله عز وجل: {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم} فإن الوجه فيه الرفع، والمعنى: أنه لا يرجع إليهم قولا؛ لأنه علم واقع. والوجه في قول الشاعر:


أفـنـى عرائكـهـا وخــدد لحـمـهـاأن لا تذوق مع الشكائم عودا

الرفع؛ لأنه يريد: إن الذي أفنى عرائكها هذا. فهذا على المنهاج الذي ذكرت لك). [المقتضب: 3/7-8] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 12:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {للّذين يؤلون من نسائهم} الآية، قرأ أبي بن كعب وابن عباس «للذين يقسمون»، ويؤلون معناه يحلفون، يقال إلى الرجل يولي إيلاء، والألية اليمين، ويقال فيها أيضا ألوة بفتح الهمزة وبضمها وبكسرها، والتربّص التأنّي والتأخر، وكان من عادة العرب أن يحلف الرجل أن لا يطأ امرأته، يقصد بذلك الأذى عند المشارّة ونحوها، فجعل الله تعالى في ذلك هذا الحد لئلا يضر الرجال بالنساء، وبقي للحالف على هذا المعنى فسحة فيما دون الأربعة أشهر، واختلف من المراد أن يلزمه حكم الإيلاء فقال مالك رحمه الله: «هو الرجل يغاضب امرأته فيحلف بيمين يلحق عن الحنث فيها حكم، أن لا يطأها، ضررا منه، أكثر من أربعة أشهر، لا يقصد بذلك إصلاح ولد رضيع ونحوه»، وقال به عطاء وغيره، وقال علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن بن أبي الحسن: «هو الرجل يحلف أن لا يطأ امرأته على وجه مغاضبة ومشارة، وسواء كان في ضمن ذلك إصلاح ولد أولم يكن، فإن لم يكن عن غضب فليس بإيلاء».
وقال ابن عباس: «لا إيلاء إلا بغضب»، وقال ابن سيرين: «سواء كانت اليمين في غضب أو غير غضب هو إيلاء». وقاله ابن مسعود والثوري ومالك والشافعي وأهل العراق، إلا أن مالكا قال: «ما لم يرد إصلاح ولد».
وقال الشعبي والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن المسيب: كل يمين حلفها الرجل أن لا يطأ امرأته أو أن لا يكلمها أو أن يضارها أو أن يغاضبها فذلك كله إيلاء، وقال ابن المسيب منهم: «إلا أنه إن حلف أن لا يكلم وكان يطأ فليس بإيلاء، وإنما تكون اليمين على غير الوطء إيلاء إذا اقترن بذلك الامتناع من الوطء».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وأقوال من ذكرناه مع سعيد مسجلة محتملة ما قال سعيد ومحتملة أن فساد العشرة إيلاء»، وذهب إلى هذا الاحتمال الأخير الطبري، وقال ابن عباس أيضا: «لا يسمى موليا إلا الذي يحلف أن لا يطأ أبدا»، حكاه ابن المنذر، وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور: «لا يكون موليا إلا إن زاد على الأربعة الأشهر»، وقال عطاء والثوري وأصحاب الرأي: «الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا»، وقال قتادة والنخعي وحماد بن أبي سليمان وإسحاق وابن أبي ليلى: «من حلف على قليل من الوقت أو كثير فتركها أربعة أشهر فهو مول». قال ابن المنذر: «وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم».
وقوله تعالى:{من نسائهم}: يدخل فيه الحرائر والإماء إذا تزوجن، والعبد يلزمه الإيلاء من زوجته، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: «أجله أربعة أشهر»، وقال مالك والزهري وعطاء بن أبي رباح وإسحاق: أجله شهران، وقال الحسن: «أجله من حرة أربعة أشهر ومن أمة زوجة شهران»، وقاله النخعي، وقال الشعبي: «الإيلاء من الأمة نصف الإيلاء من الحرة»، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي والأوزاعي والنخعي وغيرهم: «المدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم الإيلاء فيهما»، وقال الزهري وعطاء والثوري: «لا إيلاء إلا بعد الدخول»، قال مالك: «ولا إيلاء من صغيرة لم تبلغ، فإن إلى منها فبلغت لزمه الإيلاء من يوم بلوغها»، وقال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبو الدرداء وابن عمر وابن المسيب ومجاهد وطاوس ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: «إذا انقضت الأربعة الأشهر وقف: فإما فاء، وإما طلق، وإلا طلق عليه»، وقال ابن مسعود وابن عباس وعثمان وعلي أيضا وزيد بن ثابت وجابر بن زيد والحسن ومسروق: «بانقضاء الأربعة الأشهر دخل عليه الطلاق دون توقيت»، واختلف العلماء في الطلاق الداخل على المولي، فقال عثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود وعطاء والنخعي والأوزاعي وغيرهم: «هي طلقة بائنة لا رجعة له فيها»، وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومكحول والزهري ومالك: «هي رجعية»، وفاؤ معناه رجعوا، ومنه {حتّى تفيء إلى أمر اللّه} [الحجرات: 9]، والفيء الظل الراجع عشيا، وقال الحسن وإبراهيم: «إذا فاء المولي ووطئ فلا كفارة عليه في يمينه، لقوله تعالى: {فإن فاؤ فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا متركب على أن لغو اليمين ما حلف في معصية، وترك وطء الزوجة معصية»، وقال الجمهور: «إذا فاء كفر»، والفيء عند ابن المسيب وابن جبير لا يكون إلا بالجماع، وإن كان مسجونا أو في سفر مضى عليه حكم الإيلاء إلا أن يطأ ولا عذر له ولا فيء بقول، وقال مالك رحمه الله: «لا يكون الفيء إلا بالوطء أو بالتفكير في حال العذر كالغائب والمسجون»، قال ابن القاسم في المدونة: «إلا أن تكون يمينه مما لا يكفرها لأنها لا تقع عليه إلا بعد الحنث، فإن القول يكفيه ما دام معذورا»، واختلف القول في المدونة في اليمين بالله تعالى هل يكتفى فيه بالفيء بالقول والعزم على التكفير أم لا بد من التفكير وإلا فلا فيء، وقال الحسن وعكرمة والنخعي وغيرهم: «الفيء من غير المعذور الجماع ولا بد، ومن المعذور أن يشهد أنه قد فاء بقلبه»، وقال النخعي أيضا: «يصح الفيء بالقول والإشهاد فقط، ويسقط حكم الإيلاء». أرأيت إن لم ينتشر للوطء؟
وقال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويرجع في هذا القول إن لم يطأ إلى باب الضرر»، وقرأ أبي بن كعب «فإن فاؤوا فيهن» وروي عنه «فإن فاؤوا فيها»). [المحرر الوجيز: 1/ 552-555]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن عزموا الطّلاق} الآية، قال القائلون إن بمضي الأربعة أشهر يدخل الطلاق: عزيمة الطلاق هي ترك الفيء حتى تنصرم الأشهر، وقال القائلون لا بد من التوقيف بعد تمام الأشهر: العزيمة هي التطليق أو الإبانة وقت التوقيف حتى يطلق الحاكم، واستدل من قال بالتوقيف بقوله سميعٌ، لأن هذا الإدراك إنما هو في المقولات، وقرأ ابن عباس «وإن عزموا السراح»). [المحرر الوجيز: 1/ 556]

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ (228)}
قرأ جمهور الناس «قروء» على وزن فعول، اللام همزة، وروي عن نافع شد الواو دون همز، وقرأ الحسن «ثلاثة قرو» بفتح القاف وسكون الراء وتنوين الواو خفيفة، وحكم هذه الآية مقصده الاستبراء لا أنه عبادة، ولذلك خرجت منه من لم يبن بها. بخلاف عدة الوفاة التي هي عبادة، والمطلّقات لفظ عموم يراد به الخصوص في المدخول بهن، ولم تدخل في العموم المطلقة قبل البناء ولا الحامل ولا التي لم تحض ولا القاعد، وقال قوم: تناولهن العموم ثم نسخن، وهذا ضعيف فإنما الآية فيمن تحيض، وهو عرف النساء وعليه معظمهن، فأغنى ذلك عن النص عليه، والقرء في اللغة الوقت المعتاد تردده، وقرء النجم وقت طلوعه، وكذلك وقت أفوله وقرء الريح وقت هبوبها، ومنه قول الراجز:
يا رب ذي ضغن على فارض ....... له قروء كقروء الحائض
أراد وقت غضبه، فالحيض على هذا يسمى قرءا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتركي الصلاة أيام أقرائك»، أي أيام حيضك، وكذلك على هذا النظر يسمى الطهر قرءا، لأنه وقت معتاد تردده يعاقب الحيض، ومنه قول الأعشى:
أفي كلّ عام أنت جاشم غزوة ....... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة ....... بما ضاع فيها من قروء نسائكا
أي من أطهارهن، وقال قوم: القرء مأخوذ من قرء الماء في الحوض، وهو جمعه، فكأن الرحم تجمع الدم وقت الحيض والجسم يجمعه وقت الطهر، واختلف أيهما أراد الله تعالى بالثلاثة التي حددها للمطلقة، فقال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس والضحاك ومجاهد والربيع وقتادة وأصحاب الرأي وجماعة كبيرة من أهل العلم: «المراد الحيض، فإذا طلق الرجل امرأته في طهر لم يطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة فإذا اغتسلت من الثالثة خرجت من العدة»، «وقال بعض من يقول بالحيض إذا طهرت من الثالثة انقضت العدة قبل الغسل»، هذا قول سعيد بن جبير وغيره، وقالت عائشة وابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم سليمان بن يسار ومالك: «المراد الاطهار، فإذا طلق الرجل امرأته في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة ثم ثالثا بعد حيضة ثانية، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة، فإن طلق مطلق في طهر قد مس فيه لزمه الطلاق وقد أساء، واعتدت بما بقي من ذلك الطهر». وقول ابن القاسم ومالك: «إن المطلقة إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة خرجت من العصمة». وهو مذهب زيد بن ثابت وغيره، وقال أشهب: «لا تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق أنه دم حيض لئلا يكون دفعة دم من غير الحيض»، واختلف المتأولون في المراد بقوله: {ما خلق}: فقال ابن عمر ومجاهد والربيع وابن زيد والضحاك: «هو الحيض والحبل جميعا، ومعنى النهي عن الكتمان النهي عن الإضرار بالزوج وإذهاب حقه، فإذا قالت المطلقة حضت وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع، وإذا قالت لم أحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه، فأضرت به، أو تقصد بكذبها في نفي الحيض أن لا يرتجع حتى تتم العدة ويقطع الشرع حقه، وكذلك الحامل تكتم الحمل لينقطع حقه من الارتجاع»، وقال قتادة: «كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية»، وقال السدي: «سبب الآية أن الرجل كان إذا أراد أن يطلق امرأته سألها أبها حمل؟ مخافة أن يضر بنفسه وولده في فراقها، فأمرهن الله بالصدق في ذلك». وقال إبراهيم النخعي وعكرمة: «المراد ب ما خلق الحيض»، وروي عن عمر وابن عباس: «أن المراد الحبل»، والعموم راجح، وفي قوله تعالى: {ولا يحلّ لهنّ}: ما يقتضي أنهن مؤتمنات على ما ذكر، ولو كان الاستقصاء مباحا لم يكن كتم، وقرأ مبشر بن عبيد «في أرحامهن» بضم الهاء، وقوله: {إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر} الآية، أي حق الإيمان فإن ذلك يقتضي أن لا يكتمن الحق، وهذا كما تقول: إن كنت حرا فانتصر، وأنت تخاطب حرا، وقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}، البعل: الزوج، وجمعه على بعولة شاذ لا ينقاس. لكن هو المسموع. وقال قوم: الهاء فيه دالة على تأنيث الجماعة، وقيل: هي هاء تأنيث دخلت على بعول. وبعول لا شذوذ فيه. وقرأ ابن مسعود «بردتهن» بزيادة تاء، وقرأ مبشر بن عبيد «بردهن» بضم الهاء، ونص الله تعالى بهذه الآية على أن للزوج أن يرتجع امرأته المطلقة ما دامت في العدة، والإشارة ب ذلك هي إلى المدة، ثم اقترن بما لهم من الرد شرط إرادة الإصلاح دون المضارة، كما تشدد على النساء في كتم ما في أرحامهن، وهذا بيان الأحكام التي بين الله تعالى وبين عباده في ترك النساء الكتمان وإرادة الرجال الإصلاح، فإن قصد أحد بعد هذا إفسادا أو كتمت امرأة ما في رحمها فأحكام الدنيا على الظاهر، والبواطن إلى الله تعالى يتولى جزاء كل ذي عمل.
وتضعف هذه الآية قول من قال في المولي: إن بانقضاء الأشهر الأربعة تزول العصمة بطلقة بائنة لا رجعة فيها، لأن أكثر ما تعطي ألفاظ القرآن أن ترك الفيء في الأشهر الأربعة هو عزم الطلاق، وإذا كان ذلك فالمرأة من المطلقات اللواتي يتربصن وبعولتهن أحق بردهن.
وقوله تعالى: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف}، قال ابن عباس: «ذلك في التزين والتصنع والمؤاتاة»، وقال الضحاك وابن زيد: «ذلك في حسن العشرة وحفظ بعضهم لبعض وتقوى الله فيه»، والآية تعم جميع حقوق الزوجية، وقوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} قال مجاهد وقتادة: «ذلك تنبيه على فضل حظه على حظها في الجهاد والميراث وما أشبهه»، وقال زيد بن أسلم وابنه: «ذلك في الطاعة، عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها»، وقال عامر الشعبي: «ذلك الصداق الذي يعطي الرجل، وأنه يلاعن إن قذف وتحد إن قذفت»، فقال ابن عباس: «تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق»، أي إن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه، وهذا قول حسن بارع، وقال ابن إسحاق: «الدرجة الإنفاق وأنه قوام عليها»، وقال ابن زيد: «الدرجة ملك العصمة وأن الطلاق بيده»، وقال حميد: «الدرجة اللحية».
وقال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا إن صح عنه ضعيف لا يقتضيه لفظ الآية ولا معناها»، وإذا تأملت هذه الوجوه التي ذكر المفسرون فيجيء من مجموعها درجة تقتضي التفضيل، وعزيزٌ لا يعجزه أحد، وحكيمٌ فيما ينفذه من الأحكام والأمور). [المحرر الوجيز: 1/ 556-560]

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون (229)}
قال عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم: «نزلت هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يطلقون ويرتجعون إلى غير غاية، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لا أؤويك ولا أدعك تحلين، قالت: وكيف؟ قال: أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فشكت ذلك، فنزلت الآية». وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم: «المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فإما تركها غير مظلومة شيئا من حقها وإما أمسكها محسنا عشرتها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والآية تتضمن هذين المعنيين»، والإمساك بالمعروف هو الارتجاع بعد الثانية إلى حسن العشرة والتزام حقوق الزوجية. والتسريح يحتمل لفظه معنيين: «أحدهما تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها»، وهذا قول السدي والضحاك، «والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك»، وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما، ويقوى عندي هذا القول من ثلاثة وجوه: أولها أنه روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله هذا ذكر الطلقتين فأين الثالثة؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي قوله: {أو تسريحٌ بإحسانٍ}»، والوجه الثاني أن التسريح من ألفاظ الطلاق، ألا ترى أنه قد قرئ «وإن عزموا السراح» [البقرة: 227]، والوجه الثالث أن فعّل تفعيلا بهذا التضعيف يعطي أنه أحدث فعلا مكررا على الطلقة الثانية، وليس في الترك إحداث فعل يعبر عنه بالتفعيل، و «إمساك» مرتفع بالابتداء والخبر أمثل أو أحسن، ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء تقديره فالواجب إمساك، وقوله بإحسانٍ معناه أن لا يظلمها شيئا من حقها ولا يتعدى في قول. وقوله تعالى: ولا يحلّ لكم أن تأخذوا الآية خطاب للأزواج، نهاهم به أن يأخذوا من أزواجهم شيئا على وجه المضارة، وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر، وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم لأن العرف من الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج عن يده، هذا وكدهم في الأغلب فلذلك خص بالذكر. وقرأ جميع السبعة إلا حمزة «يخافا» بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل، فهذا باب خاف في التعدي إلى مفعول واحد وهو أن، وقرأ حمزة وحده «يخافا» بضم الياء على بناء الفعل للمفعول، فهذا على تعدية خاف إلى مفعولين، أحدهما أسند الفعل إليه، والآخر أن بتقدير حرف جر محذوف، فموضع أن: خفض بالجار المقدر عنه سيبويه والكسائي، ونصب عند غيرهما لأنه لما حذف الجار وصار الفعل إلى المفعول الثاني، مثل استغفر الله ذنبا، وأمرتك الخير، وفي مصحف ابن مسعود «إلا أن يخافوا» بالياء وواو الجمع، والضمير على هذا للحكام ومتوسطي أمور الناس. وحرم الله- تعالى- على الزوج في هذه الآية أن يأخذ إلا بعد الخوف أن لا يقيما، وأكد التحريم بالوعيد لمن تعدى الحد، وأجمع عوام أهل العلم على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قبلها. قال ابن المنذر: «روينا معنى ذلك عن ابن عباس والشعبي ومجاهد وعطاء والنخعي وابن سيرين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير والزهري وحميد بن عبد الرحمن وقتادة وسفيان الثوري ومالك وإسحاق وأبي ثور»، وقال مالك- رحمه الله- والشعبي وجماعة معهما: «فإن كان مع فساد الزوجة ونشوزها فساد من الزوج وتفاقم ما بينهما فالفدية جائزة للزوج».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ومعنى ذلك أن يكون الزوج لو ترك فساده لم يزل نشوزها هي»، وأما إن انفرد الزوج بالفساد فلا أعلم أحدا يجيز له الفدية، إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: «إذا جاء الظلم والنشوز من قبله فخالعته فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل ما صنع، ولا يرد ما أخذ»، قال ابن المنذر: «وهذا خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قيل لأحد: اجهد نفسك في طلب الخطأ، ما وجد أمرا أعظم من أن ينطق القرآن بتحريم شيء فيحله هو ويجيزه»، وحدود اللّه في هذا الموضع هي ما يلزم الزوجين من حسن العشرة وحقوق العصمة.
ونازلة حبيبة بنت سهل- وقيل جميلة بنت أبي ابن سلول والأول أصح- مع ثابت بن قيس حين أباح له النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الفدية منها إنما كان التعسف فيها من المرأة لأنها ذكرت عنه كل خير وأنها لا تحب البقاء معه، وقوله تعالى: {فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه}«المخاطبة للحكام والمتوسطين لمثل هذا الأمر وإن لم يكن حاكما، وترك إقامة حدود الله هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه»، قاله ابن عباس ومالك بن أنس وجمهور الفقهاء، وقال الحسن بن أبي الحسن وقوم معه: «إذا قالت له: لا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة ولا أبر لك قسما، حل الخلع»، وقال الشعبي: {ألّا يقيما حدود اللّه}: «معناه أن لا يطيعا الله، وذلك أن المغاضبة تدعو إلى ترك الطاعة»، وقال عطاء بن أبي رباح: «يحل الخلع والأخذ أن تقول المرأة لزوجها إني لأكرهك ولا أحبّك ونحو هذا».
وقوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} إباحة للفدية، وشركهما في ارتفاع الجناح لأنها لا يجوز لها أن تعطيه مالها حيث لا يجوز له أخذه وهي تقدر على المخاصمة، فإذا كان الخوف المذكور جاز له أن يأخذ ولها أن تعطي، ومتى لم يقع الخوف فلا يجوز لها أن تعطي على طالب الفراق، وقال ابن عمر والنخعي وابن عباس ومجاهد وعثمان بن عفان رضي الله عنه ومالك والشافعي وأبو حنيفة وعكرمة وقبيصة بن ذؤيب وأبو ثور وغيرهم: «مباح للزوج أن يأخذ من المرأة في الفدية جميع ما تملكه»، وقضى بذلك عمر بن الخطاب، وقال طاوس والزهري وعطاء وعمر بن شعيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وأحمد وإسحاق: «لا يجوز له أن يزيد على المهر الذي أعطاها». وبه قال الربيع، وكان يقرأ هو والحسن بن أبي الحسن «فيما افتدت به منه» بزيادة «منه»، يعني مما آتيتموهن وهو المهر. وحكى مكي هذا القول عن أبي حنيفة، وابن المنذر أثبت. وقال ابن المسيب: «لا أرى أن يأخذ منها كل مالها ولكن ليدع لها شيئا». وقال بكر بن عبد الله المزني: «لا يجوز للرجل أن يأخذ من زوجه شيئا خلعا قليلا ولا كثيرا» قال: «وهذه الآية منسوخة بقوله عز وجل: {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} [النساء: 20].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا ضعيف، لأن الأمة مجمعة على إجازة الفدية، ولأن المعنى المقترن بآية الفدية غير المعنى الذي في آية إرادة الاستبدال».
وقوله تعالى: {تلك حدود اللّه} الآية، أي هذه الأوامر والنواهي هي المعالم بين الحق والباطل والطاعة والمعصية فلا تتجاوزوها، ثم توعد- تعالى- على تجاوز الحد ووصف المتعدي بالظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه، والظلم معاقب صاحبه، وهو كما قال صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة» ). [المحرر الوجيز: 1/ 560-565]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه وتلك حدود اللّه يبيّنها لقومٍ يعلمون (230) وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ أو سرّحوهنّ بمعروفٍ ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} قال ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي: هذا ابتداء الطلقة الثالثة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فيجيء التسريح المتقدم ترك المرأة تتم عدتها من الثانية، ومن قول ابن عباس رضي الله عنه: «إن الخلع فسخ عصمة وليس بطلاق»، واحتج من هذه الآية بذكر الله تعالى الطلاقين ثم ذكره الخلع ثم ذكره الثالثة بعد الطلاقين ولم يك للخلع حكم يعتد به، ذكر هذا ابن المنذر في «الإشراف» عنه وعن عكرمة وطاوس وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وذكر عن الجمهور خلاف قولهم، وقال مجاهد: «هذه الآية بيان ما يلزم المسرح، والتسريح هو الطلقة الثالثة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله تعالى: {أو تسريحٌ} يحتمل الوجهين: إما تركها تتم العدة، وإما إرداف الثالثة. ثم بين في هذه الآية حكم الاحتمال الواحد، إذ الاحتمال الثاني قد علم منه أنه لا حكم له عليها بعد انقضاء العدة. وتنكح في اللغة جار على حقيقته في الوطء ومجاز في العقد، وأجمعت الأمة في هذه النازلة على اتباع الحديث الصحيح في بنت سموأل امرأة رفاعة حين تزوجها عبد الرحمن بن الزبير وكان رفاعة قد طلقها ثلاثا، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أريد البقاء مع عبد الرحمن، ما معه إلا مثل الهدبة»، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك أردت الرجوع إلى رفاعة، لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته»، فرأى العلماء أن النكاح المحل إنما هو الدخول والوطء، وكلهم على أن مغيب الحشفة يحل إلا الحسن بن أبي الحسن فإنه قال: «لا يحل إلا الإنزال وهو ذوق العسيلة»، وقال بعض الفقهاء: التقاء الختانين يحل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والمعنى واحد»، إذ لا يلتقي الختانان إلا مع المغيب الذي عليه الجمهور، وروي عن سعيد بن المسيب أن العقد عليها يحلها للأول، وخطىء هذا القول لخلافه الحديث الصحيح، ويتأول على سعيد- رحمه الله- أن الحديث لم يبلغه، ولما رأى العقد عاملا في منع الرجل نكاح امرأة قد عقد عليها أبوه قاس عليه عمل العقد في تحليل المطلقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وتحليل المطلقة ترخيص فلا يتم إلا بالأوفى»، ومنع الابن شدة تدخل بأرق الأسباب على أصلهم في البر والحنث. والذي يحل عند مالك- رحمه الله- النكاح الصحيح والوطء المباح، والمحلل إذا وافق المرأة: فلم تنكح زوجا، ولا يحل ذلك، ولا أعلم في اتفاقه مع الزوجة خلافا، وقال عثمان بن عفان: «إذا قصد المحلل التحليل وحده لم يحل، وكذلك إن قصدته المرأة وحدها».
ورخص فيه مع قصد المرأة وحدها إبراهيم والشعبي إذا لم يأمر به الزوج. وقال الحسن بن أبي الحسن: «إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل لم تحل للأول»، وهذا شاذ، وقال سالم والقاسم: «لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان».
وقوله تعالى: {فإن طلّقها فلا جناح عليهما} الآية، «المعنى إن طلقها المتزوج الثاني فلا جناح عليهما أي المرأة والزوج الأول»، قاله ابن عباس، ولا خلاف فيه، والظن هنا على بابه من تغليب أحد الجائزين، وقال أبو عبيدة: «المعنى أيقنا»، وقوله في ذلك ضعيف، وحدود اللّه الأمور التي أمر أن لا تتعدى، وخص الذين يعلمون بالذكر تشريفا لهم، وإذ هم الذين ينتفعون بما بين. أي نصب للعبرة من قول أو صنعة، وأما إن أردنا بالتبيين خلق البيان في القلب فذلك يوجب تخصيص الذين يعلمون بالذكر، لأن من طبع على قلبه لم يبين له شيء، وقرأ السبعة «يبينها» بالياء، وقرأ عاصم روي عنه «نبينها» بالنون). [المحرر الوجيز: 1/ 565-568]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري



تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (226) وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (227)}
الإيلاء: الحلف، فإذا حلف الرّجل ألّا يجامع زوجته مدّةً، فلا يخلو: إمّا أن يكون أقلّ من أربعة أشهرٍ، أو أكثر منها، فإن كانت أقلّ، فله أن ينتظر انقضاء المدّة ثمّ يجامع امرأته، وعليها أن تصبر، وليس لها مطالبته بالفيئة في هذه المدّة، وهذا كما ثبت في الصّحيحين عن عائشة: أنّ رسول اللّه آلى من نسائه شهرًا، فنزل لتسعٍ وعشرين، وقال: «الشّهر تسعٌ وعشرون» ولهما عن عمر بن الخطّاب نحوه. فأمّا إن زادت المدّة على أربعة أشهرٍ، فللزّوجة مطالبة الزّوج عند انقضاء أربعة أشهرٍ: إمّا أن يفيء -أي: يجامع -وإمّا أنّ يطلّق، فيجبره الحاكم على هذا أو هذا لئلّا يضرّ بها. ولهذا قال تعالى: {للّذين يؤلون} أي: يحلفون على ترك الجماع من نسائهم، فيه دلالةٌ على أنّ الإيلاء يختصّ بالزّوجات دون الإماء كما هو مذهب الجمهور. {تربّص أربعة أشهرٍ} أي: ينتظر الزّوج أربعة أشهرٍ من حين الحلف، ثمّ يوقف ويطالب بالفيئة أو الطّلاق. ولهذا قال: {فإن فاءوا} «أي: رجعوا إلى ما كانوا عليه، وهو كنايةٌ عن الجماع»، قاله ابن عبّاسٍ، ومسروقٌ والشّعبيّ، وسعيد بن جبيرٍ، وغير واحدٍ، ومنهم ابن جريرٍ رحمه اللّه {فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: لما سلف من التّقصير في حقّهنّ بسبب اليمين.
وقوله: {فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} فيه دلالةٌ لأحد قولي العلماء -وهو القديم عن الشّافعيّ: «أنّ المولي إذا فاء بعد الأربعة الأشهر أنّه لا كفّارة عليه». ويعتضد بما تقدّم في الآية الّتي قبلها، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها» كما رواه أحمد وأبو داود والّذي عليه الجمهور وهو الجديد من مذهب الشّافعيّ أنّ عليه الكفّارة لعموم وجوب التّكفير على كلّ حالفٍ، كما تقدّم أيضًا في الأحاديث الصّحاح. واللّه أعلم.
وقد ذكر الفقهاء وغيرهم -في مناسبة تأجيل المولي بأربعة أشهرٍ -الأثر الّذي رواه الإمام مالك بن أنسٍ، رحمه اللّه، في الموطّأ، عن عمرو بن دينارٍ قال: «خرج عمر بن الخطّاب من اللّيل فسمع امرأةً تقول:

تطاول هذا الليل واسودّ جانبه ....... وأرّقني ألّا خليل ألاعبه
فواللّه لولا اللّه أنّي أراقبه ....... لحرّك من هذا السّرير جوانبه

فسأل عمر ابنته حفصة، رضي اللّه عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستّة أشهرٍ أو أربعة أشهرٍ. فقال عمر: لا أحبس أحدًا من الجيوش أكثر من ذلك» .
وقال: محمّد بن إسحاق، عن السّائب بن جبيرٍ، مولى ابن عبّاسٍ - وكان قد أدرك أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -قال: «مازلت أسمع حديث عمر أنّه خرج ذات ليلةٍ يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيرًا؛ إذ مرّ بامرأةٍ من نساء العرب مغلقةٍ بابها وهي تقول:
تطاول هذا اللّيل وازورّ جانبه ....... وأرّقني ألّا ضجيع ألاعبه
ألاعبه طورًا وطورًا كأنّما ....... بدا قمرًا في ظلمة اللّيل حاجبه
يسرّ به من كان يلهو بقربه ....... لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه
فواللّه لولا اللّه لا شيء غيره ....... لنقض من هذا السّرير جوانبه
ولكنّني أخشى رقيبًا موكلا ....... بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه

ثمّ ذكر بقيّة ذلك كما تقدّم، أو نحوه. وقد روى هذا من طرقٍ، وهو من المشهورات). [تفسير ابن كثير: 1/ 604-605]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن عزموا الطّلاق} فيه دلالةٌ على أنّه لا يقع الطّلاق بمجرّد مضيّ الأربعة أشهرٍ كقول الجمهور،وذهب آخرون إلى أنّه يقع بمضيّ الأربعة أشهرٍ تطليقةً، وهو مرويٌّ بأسانيد صحيحةٍ عن عمر، وعثمان، وعليٍّ، وابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وابن عمر، وزيد بن ثابتٍ، وبه يقول ابن سيرين، ومسروقٌ والقاسم، وسالمٌ، والحسن، وأبو سلمة، وقتادة، وشريحٌ القاضي، وقبيصة بن ذؤيبٍ، وعطاءٌ، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن، وسليمان بن طرخان التّيميّ، وإبراهيم النّخعيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ.
ثمّ قيل: «إنّها تطلّق بمضيّ الأربعة أشهرٍ طلقةً رجعيّةً»؛ قاله سعيد بن المسيّب، وأبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، ومكحولٌ، وربيعة، والزّهريّ، ومروان بن الحكم. وقيل إنّها تطلّق طلقةً بائنةً، روي عن عليٍّ، وابن مسعودٍ، وعثمان، وابن عبّاسٍ، وابن عمر، وزيد بن ثابتٍ، وبه يقول: عطاءٌ وجابر بن زيدٍ، ومسروقٌ وعكرمة، والحسن، وابن سيرين، ومحمّد بن الحنفيّة، وإبراهيم، وقبيصة بن ذؤيبٍ، وأبو حنيفة، والثّوريّ، والحسن بن صالحٍ، وكلّ من قال: إنّها تطلّق بمضيّ الأربعة أشهرٍ أوجب عليها العدّة، إلّا ما روي عن ابن عبّاسٍ وأبي الشّعثاء: «أنّها إن كانت حاضت ثلاث حيضٍ فلا عدّة عليها»، وهو قول الشّافعيّ، والّذي عليه الجمهور «أنّه يوقف فيطالب إمّا بهذا أو هذا ولا يقع عليها بمجرّد مضيّها طلاقٌ».
وروى مالكٌ، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال: «إذا آلى الرّجل من امرأته لم يقع عليه طلاقٌ وإن مضت أربعة أشهرٍ، حتّى يوقف، فإمّا أن يطلّق، وإمّا أن يفيء». وأخرجه البخاريّ.
وقال الشّافعيّ، رحمه اللّه: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسارٍ قال: «أدركت بضعة عشر من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّهم يوقف المولي» قال الشّافعيّ: «وأقلّ ذلك ثلاثة عشر». ورواه الشّافعيّ عن عليٍّ رضي اللّه عنه: «أنّه وقف المولي. ثمّ قال: وهكذا نقول، وهو موافقٌ لما رويناه عن عمر، وابن عمر، وعائشة، وعن عثمان، وزيد بن ثابتٍ، وبضعة عشر من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم». هكذا قال الشّافعيّ، رحمه اللّه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا يحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن عمر، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه قال: «سألت اثني عشر رجلًا من الصّحابة عن الرّجل يولي من امرأته، فكلّهم يقول: ليس عليه شيءٌ حتّى تمضي أربعة أشهرٍ فيوقف، فإن فاء وإلّا طلّق». ورواه الدّارقطنيّ من طريق سهيلٍ.
قلت: وهو مرويٌّ عن عمر، وعثمان، وعليٍّ، وأبي الدّرداء، وعائشة أمّ المؤمنين، وابن عمر، وابن عبّاسٍ. وبه يقول سعيد بن المسيّب، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، ومحمّد بن كعبٍ، والقاسم. وهو مذهب مالكٍ، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ، وأصحابهم، رحمهم اللّه، وهو اختيار ابن جريرٍ أيضًا، وهو قول اللّيث بن سعدٍ وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيدٍ، وأبي ثورٍ، وداود، وكلّ هؤلاء قالوا: «إن لم يفئ ألزم بالطّلاق، فإن لم يطلّق طلّق عليه الحاكم، والطّلقة تكون رجعيّةً له رجعتها في العدّة».
وانفرد مالكٌ بأن قال: «لا يجوز له رجعتها حتّى يجامعها في العدّة». وهذا غريبٌ جدًّا ). [تفسير ابن كثير: 1/ 605-606]

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ (228)}
هذا الأمر من اللّه سبحانه وتعالى للمطلّقات المدخول بهنّ من ذوات الأقراء، بأن يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ، أي: بأن تمكث إحداهنّ بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروءٍ؛ ثمّ تتزوّج إنّ شاءت، وقد أخرج الأئمّة الأربعة من هذا العموم الأمة إذا طلّقت، فإنّها تعتدّ عندهم بقرءين، لأنّها على النّصف من الحرّة، والقرء لا يتبعّض فكمّل لها قرءان. ولما رواه ابن جريحٍ عن مظاهر بن أسلم المخزوميّ المدنيّ، عن القاسم، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان».
رواه أبو داود، والتّرمذيّ وابن ماجه. ولكن مظاهرٌ هذا ضعيفٌ بالكلّيّة. وقال الحافظ الدّارقطنيّ وغيره: «الصحيح أنّه من قول القاسم بن محمّدٍ نفسه».
ورواه ابن ماجه من طريق عطيّة العوفي عن ابن عمر مرفوعًا. قال الدّارقطنيّ: والصّحيح ما رواه سالمٌ ونافعٌ، عن ابن عمر قوله. وهكذا روي عن عمر بن الخطّاب. قالوا: «ولم يعرف بين الصّحابة خلافٌ». وقال بعض السّلف: «بل عدّتها كعدّة الحرّة لعموم الآية»؛ ولأنّ هذا أمرّ جبلي فكان الإماء والحرائر في هذا سواءً، واللّه أعلم، حكى هذا القول الشيخ أبو عمر بن عبد البرّ، عن محمّد بن سيرين وبعض أهل الظّاهر، وضعّفه.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا إسماعيل -يعني ابن عيّاش -عن عمرو بن مهاجرٍ، عن أبيه: أنّ أسماء بنت يزيد بن السّكن الأنصاريّة قالت: «طلّقت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ولم يكن للمطلّقة عدّةٌ، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، حين طلّقت أسماء العدّة للطّلاق، فكانت أوّل من نزلت فيها العدّة للطّلاق، يعني: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}». هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقد اختلف السّلف والخلف والأئمّة في المراد بالأقراء ما هو؟ على قولين:
أحدهما: أنّ المراد بها: الأطهار، وقال مالكٌ في الموطّأ عن ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة أنّها قالت: «انتقلت حفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ، حين دخلت في الدّم من الحيضة الثّالثة، قال الزّهريّ: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرّحمن، فقالت: صدق عروة. وقد جادلها في ذلك ناسٌ فقالوا: إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: {ثلاثة قروءٍ} فقالت عائشة: صدقتم، وتدرون ما الأقراء؟ إنّما الأقراء: الأطهار».
وقال مالكٌ: عن ابن شهابٍ، سمعت أبا بكر بن عبد الرّحمن يقول: «ما أدركت أحدًا من فقهائنا إلّا وهو يقول ذلك»، يريد قول عائشة. وقال مالكٌ: عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق الرّجل امرأته فدخلت في الدّم من الحيضة الثّالثة فقد برئت منه وبرئ منها». وقال مالكٌ: «وهو الأمر عندنا». وروي مثله عن ابن عبّاسٍ وزيد بن ثابتٍ، وسالمٍ، والقاسم، وعروة، وسليمان بن يسارٍ، وأبي بكر بن عبد الرّحمن، وأبان بن عثمان، وعطاء ابن أبي رباحٍ، وقتادة، والزّهريّ، وبقيّة الفقهاء السّبعة، وهو مذهب مالكٍ، والشّافعيّ وغير واحدٍ، وداود وأبي ثورٍ، وهو روايةٌ عن أحمد، واستدلّوا عليه بقوله تعالى: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطّلاق: 1] أي: في الأطهار. ولمّا كان الطّهر الّذي يطلّق فيه محتسبًا، دلّ على أنّه أحد الأقراء الثّلاثة المأمور بها؛ ولهذا قال هؤلاء: إنّ المعتدة تنقضي عدّتها وتبين من زوجها بالطّعن في الحيضة الثّالثة، وأقلّ مدّةٍ تصدّق فيها المرأة في انقضاء عدّتها اثنان وثلاثون يومًا ولحظتان.
واستشهد أبو عبيد وغيره على ذلك بقول الشّاعر -وهو الأعشى -:

ففي كلّ عامٍ أنت جاشم غزوة ....... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة عدّا، وفي الحيّ رفعةٌ ....... لمّا ضاع فيها من قروء نسائكا


يمدح أميرًا من أمراء العرب آثر الغزو على المقام، حتّى ضاعت أيّام الطّهر من نسائه لم يواقعهنّ فيها.
والقول الثّاني: أنّ المراد بالأقراء: الحيض، فلا تنقضي العدّة حتّى تطهر من الحيضة الثّالثة، زاد آخرون: وتغتسل منها. وأقلّ وقتٍ تصدّق فيه المرأة في انقضاء عدّتها ثلاثةٌ وثلاثون يومًا ولحظةٌ. قال الثّوريّ: عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة قال: «كنّا عند عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فجاءته امرأةٌ فقالت: إن زوجي فارقني بواحدةٍ أو اثنتين فجاءني وقد وضعت مائي وقد نزعت ثيابي وأغلقت بابي. فقال عمر لعبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ -ما ترى؟ قال: أراها امرأته، ما دون أن تحلّ لها الصّلاة. قال عمر: وأنا أرى ذلك».
وهكذا روي عن أبي بكرٍ الصّديق، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وأبي الدّرداء، وعبادة بن الصّامت، وأنس بن مالكٍ، وابن مسعودٍ، ومعاذٍ، وأبيّ بن كعبٍ، وأبي موسى الأشعريّ، وابن عبّاسٍ، وسعيد بن المسيّب، وعلقمة، والأسود، وإبراهيم، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وطاوسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، ومحمّد بن سيرين، والحسن، وقتادة، والشّعبيّ، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، ومكحولٍ، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، أنّهم قالوا: «الأقراء: الحيض».
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وأصحّ الرّوايتين عن الإمام أحمد بن حنبلٍ، وحكى عنه الأثرم أنّه قال: الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقولون: «الأقراء الحيض». وهو مذهب الثّوريّ، والأوزاعيّ، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والحسن بن صالح بن حي، وأبي عبيد، وإسحاق بن راهويه.
ويؤيّد هذا ما جاء في الحديث الّذي رواه أبو داود والنّسائيّ، من طريق المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزّبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لها: «دعي الصّلاة أيّام أقرائك». فهذا لو صحّ لكان صريحًا في أنّ القرء هو الحيض، ولكنّ المنذر هذا قال فيه أبو حاتمٍ: مجهولٌ ليس بمشهورٍ. وذكره ابن حبّان في الثّقات.
وقال ابن جريرٍ: «أصل القرء في كلام العرب: الوقت لمجيء الشّيء المعتاد مجيئه في وقتٍ معلومٍ، ولإدبار الشّيء المعتاد إدباره لوقتٍ معلومٍ». وهذه العبارة تقتضي أن يكون مشتركًا بين هذا وهذا، وقد ذهب إليه بعض العلماء الأصوليّين فاللّه أعلم. وهذا قول الأصمعيّ: «أنّ القرء هو الوقت». وقال أبو عمرو بن العلاء: «العرب تسمّي الحيض: قرءًا، وتسمّي الطّهر: قرءًا، وتسمّي الحيض مع الطّهر جميعًا: قرءًا». وقال الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ: «لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أنّ القرء يراد به الحيض ويراد به الطّهر، وإنّما اختلفوا في المراد من الآية ما هو على قولين».
وقوله: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} أي: «من حبل أو حيضٍ». قاله ابن عبّاسٍ، وابن عمر، ومجاهدٌ، والشّعبيّ، والحكم بن عيينة والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وغير واحدٍ.
وقوله: {إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر} تهديدٌ لهنّ على قول خلاف الحقّ. ودلّ هذا على أنّ المرجع في هذا إليهنّ؛ لأنّه أمرٌ لا يعلم إلّا من جهتين، وتتعذّر إقامة البيّنة غالبًا على ذلك، فردّ الأمر إليهنّ، وتوعّدن فيه، لئلّا تخبر بغير الحقّ إمّا استعجالًا منها لانقضاء العدّة، أو رغبةً منها في تطويلها، لما لها في ذلك من المقاصد. فأمرت أن تخبر بالحقّ في ذلك من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ.
وقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا} أي: وزوجها الّذي طلّقها أحقّ بردّتها ما دامت في عدّتها، إذا كان مراده بردّتها الإصلاح والخير. وهذا في الرّجعيّات. فأمّا المطلّقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه الآية مطلّقةٌ بائنٌ، وإنّما صار ذلك لمّا حصروا في الطّلقات الثّلاث، فأمّا حال نزول هذه الآية فكان الرّجل أحقّ برجعة امرأته وإن طلّقها مائة مرّةٍ، فلمّا قصروا في الآية الّتي بعدها على ثلاث تطليقاتٍ صار للنّاس مطلّقةٌ بائنٌ وغير بائنٍ. وإذا تأمّلت هذا تبيّن لك ضعف ما سلكه بعض الأصوليّين، من استشهادهم على مسألة عود الضّمير -هل يكون مخصّصًا لما تقدّمه من لفظ العموم أم لا؟ - بهذه الآية الكريمة، فإنّ التّمثيل بها غير مطابقٍ لما ذكروه، واللّه أعلم.
وقوله: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} أي: ولهنّ على الرّجال من الحقّ مثل ما للرّجال عليهنّ، فليؤد كلٌّ واحدٌ منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف، كما ثبت في صحيح مسلمٍ، عن جابرٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال في خطبته، في حجّة الوداع: «فاتّقوا اللّه في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه، ولكم عليهنّ ألّا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربًا غير مبرّح، ولهنّ رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف». وفي حديث بهز بن حكيمٍ، عن معاوية بن حيدة القشيري، عن أبيه، عن جدّه، أنّه قال: يا رسول اللّه، ما حقّ زوجة أحدنا؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلّا في البيت». وقال وكيع عن بشير بن سليمان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: «إنّي لأحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أحبّ أن تتزيّن لي المرأة؛ لأنّ اللّه يقول: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} » رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} أي: في الفضيلة في الخلق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالحٍ، والفضل في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم} [النّساء:34].
وقوله: {واللّه عزيزٌ حكيمٌ} أي: عزيزٌ في انتقامه ممّن عصاه وخالف أمره، حكيمٌ في أمره وشرعه وقدره). [تفسير ابن كثير: 1/ 606-610]

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون (229) فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه وتلك حدود اللّه يبيّنها لقومٍ يعلمون (230)}
هذه الآية الكريمة رافعةٌ لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، من أنّ الرّجل كان أحقّ برجعة امرأته، وإن طلّقها مائة مرّةٍ ما دامت في العدّة، فلمّا كان هذا فيه ضررٌ على الزّوجات قصرهم اللّه عزّ وجلّ إلى ثلاث طلقاتٍ، وأباح الرّجعة في المرّة والثّنتين، وأبانها بالكلّيّة في الثّالثة، فقال: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}
قال أبو داود، رحمه اللّه، في سننه: "بابٌ في نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث": حدثنا أحمد ابن محمّدٍ المروزيّ، حدّثني عليّ بن الحسين بن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} الآية: وذلك أنّ الرّجل كان إذا طلّق امرأته فهو أحقّ برجعتها، وإن طلّقها ثلاثًا، فنسخ ذلك فقال: {الطّلاق مرّتان} الآية». ورواه النّسائيّ عن زكريّا بن يحيى، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عليّ بن الحسين، به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا هارون بن إسحاق، حدّثنا عبدة - يعني ابن سليمان -عن هشام بن عروة، عن أبيه:«أنّ رجلًا قال لامرأته: لا أطلّقك أبدًا ولا آويك أبدًا. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلّقك، حتّى إذا دنا أجلك راجعتك. فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرت ذلك فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {الطّلاق مرّتان}».
وهكذا رواه ابن جريرٍ في تفسيره من طريق جرير بن عبد الحميد، وابن إدريس. ورواه عبد بن حميد في تفسيره، عن جعفر بن عونٍ، كلّهم عن هشامٍ، عن أبيه. قال: «كان الرّجل أحقّ برجعة امرأته وإن طلّقها ما شاء، ما دامت في العدّة، وإنّ رجلًا من الأنصار غضب على امرأته فقال: واللّه لا آويك ولا أفارقك. قالت: وكيف ذلك. قال: أطلّقك فإذا دنا أجلك راجعتك، ثمّ أطلّقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {الطّلاق مرّتان} قال: فاستقبل النّاس الطّلاق، من كان طلّق ومن لم يكن طلّق».
وقد رواه أبو بكر بن مردويه، من طريق محمّد بن سليمان، عن يعلى بن شبيبٍ -مولى الزّبير -عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة فذكره بنحو ما تقدّم. ورواه التّرمذيّ، عن قتيبة، عن يعلى بن شبيبٍ به. ثمّ رواه عن أبي كريبٍ، عن ابن إدريس، عن هشامٍ، عن أبيه مرسلًا. قال: هذا أصحّ. ورواه الحاكم في مستدركه، من طريق يعقوب بن حميد بن كاسبٍ، عن يعلى بن شبيبٍ به، وقال صحيح الإسناد.
ثمّ قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه، حدّثنا محمّد بن حميد، حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «لم يكن للطّلاق وقتٌ، يطلق الرّجل امرأته ثمّ يراجعها ما لم تنقض العدّة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين النّاس فقال: واللّه لأتركنّك لا أيّمًا ولا ذات زوجٍ، فجعل يطلّقها حتّى إذا كادت العدّة أن تنقضي راجعها، ففعل ذلك مرارًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} فوقّت الطّلاق ثلاثًا لا رجعة فيه بعد الثّالثة، حتّى تنكح زوجًا غيره». وهكذا روي عن قتادة مرسلًا. وذكره السّدّيّ، وابن زيدٍ، وابن جريرٍ كذلك، واختار أنّ هذا تفسير هذه الآية.
وقوله: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} أي: إذا طلّقتها واحدةً أو اثنتين، فأنت مخيّرٌ فيها ما دامت عدّتها باقيةً، بين أن تردّها إليك ناويًا الإصلاح بها والإحسان إليها، وبين أن تتركها حتّى تنقضي عدّتها، فتبين منك، وتطلق سراحها محسنًا إليها، لا تظلمها من حقّها شيئًا، ولا تضارّ بها.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: «إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقتين، فليتّق اللّه في الثّالثة، فإمّا أن يمسكها بمعروفٍ فيحسن صحابتها أو يسرّحها بإحسانٍ فلا يظلمها من حقّها شيئًا».
وقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني سفيان الثّوريّ، حدّثني إسماعيل بن سميعٍ، قال: سمعت أبا رزين يقول: «جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} أين الثّالثة؟ قال:«التّسريح بإحسانٍ».
ورواه عبد بن حميدٍ في تفسيره، ولفظه: أخبرنا يزيد بن أبي حكيمٍ، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، أنّ أبا رزينٍ الأسديّ يقول: «قال رجلٌ: يا رسول اللّه، أرأيت قول اللّه:{الطّلاق مرّتان}، فأين الثّالثة؟ قال: «التّسريح بإحسانٍ الثّالثة».
ورواه الإمام أحمد أيضًا. وهكذا رواه سعيد بن منصورٍ، عن خالد بن عبد اللّه، عن إسماعيل بن زكريّا وأبي معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، به. وكذا رواه قيس بن الرّبيع، عن إسماعيل بن سميعٍ عن أبي رزينٍ به مرسلًا. ورواه ابن مردويه أيضًا من طريق عبد الواحد بن زيادٍ، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره. ثمّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد الرّحيم، حدّثنا أحمد بن يحيى، حدّثنا عبيد اللّه بن جرير بن جبلة حدّثنا ابن عائشة حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ قال: «جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، ذكر اللّه الطّلاق مرّتين، فأين الثّالثة؟ قال: «إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ».
وقوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه} أي: لا يحلّ لكم أن تضاجروهن وتضيّقوا عليهنّ، ليفتدين منكم بما أعطيتموهنّ من الأصدقة أو ببعضه، كما قال تعالى: {ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبيّنةٍ} [النّساء:19] فأمّا إن وهبته المرأة شيئًا عن طيب نفسٍ منها. فقد قال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النّساء:4] وأمّا إذا تشاقق الزّوجان، ولم تقم المرأة بحقوق الرّجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها، ولا عليه في قبول ذلك منها؛ ولهذا قال تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} الآية.
فأمّا إذا لم يكن لها عذرٌ وسألت الافتداء منه، فقد قال ابن جريرٍ:
حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب -وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة -قالا جميعًا: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، عمّن حدّثه، عن ثوبان، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أيّما امرأةٍ سألت زوجها طلاقها من غير بأسٍ فحرامٌ عليها رائحة الجنّة».
وهكذا رواه التّرمذيّ، عن بندارٍ، عن عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثّقفيّ به. وقال حسنٌ: قال: ويروى، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان. ورواه بعضهم، عن أيّوب بهذا الإسناد. ولم يرفعه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة -قال: وذكر أبا أسماء وذكر ثوبان -قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما امرأةٍ سألت زوجها الطّلاق في غير ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحة الجنّة».
وهكذا رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن جريرٍ، من حديث حمّاد بن زيدٍ، به.
طريقٌ أخرى: قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن أبي إدريس، عن ثوبان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «أيّما امرأةٍ سألت زوجها الطّلاق في غير ما بأسٍ، حرّم اللّه عليها رائحة الجنّة». وقال: «المختلعات هنّ المنافقات».
ثمّ رواه ابن جريرٍ والتّرمذيّ جميعًا، عن أبي كريبٍ، عن مزاحم بن ذوّاد بن علبة، عن أبيه، عن ليثٍ، هو ابن أبي سليمٍ عن أبي الخطّاب، عن أبي زرعة، عن أبي إدريس، عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «المختلعات هنّ المنافقات». ثمّ قال التّرمذيّ: غريبٌ من هذا الوجه، وليس إسناده بالقويّ.
حديثٌ آخر: قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب حدّثنا حفص بن بشرٍ، حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن أشعث بن سوّارٍ، عن الحسن عن ثابت بن يزيد، عن عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ المختلعات المنتزعات هنّ المنافقات» غريبٌ من هذا الوجه ضعيفٌ.

حديثٌ آخر: قال ابن ماجه: حدّثنا بكر بن خلفٍ أبو بشرٍ، حدّثنا أبو عاصمٍ، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان، عن عمّه عمارة بن ثوبان، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تسأل امرأةٌ زوجها الطّلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا».
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا وهيبٌ، حدّثنا أيّوب، عن الحسن عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «المختلعات والمنتزعات هنّ المنافقات».
ثمّ قد قال طائفةٌ كثيرةٌ من السّلف وأئمّة الخلف: إنّه لا يجوز الخلع إلّا أن يكون الشّقاق والنّشوز من جانب المرأة، فيجوز للرّجل حينئذٍ قبول الفدية، واحتجّوا بقوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه}. قالوا: «فلم يشرع الخلع إلّا في هذه الحالة، فلا يجوز في غيرها إلّا بدليلٍ، والأصل عدمه»، وممّن ذهب إلى هذا ابن عبّاسٍ، وطاوسٌ، وإبراهيم، وعطاءٌ، والحسن والجمهور، حتّى قال مالكٌ والأوزاعيّ: «لو أخذ منها شيئًا وهو مضارٌّ لها وجب ردّه إليها، وكان الطّلاق رجعيًّا». قال مالكٌ: «وهو الأمر الّذي أدركت الناس عليه». وذهب الشّافعيّ، رحمه اللّه، «إلى أنّه يجوز الخلع في حالة الشّقاق»، وعند الاتّفاق بطريق الأولى والأحرى، وهذا قول جميع أصحابه قاطبةً. وحكى الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب "الاستذكار" له، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ، أنّه ذهب إلى أنّ الخلع منسوخٌ بقوله: {وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} [النّساء: 20]. ورواه ابن جريرٍ عنه وهذا قولٌ ضعيفٌ ومأخذٌ مردودٌ على قائله. وقد ذكر ابن جريرٍ، رحمه اللّه، «أنّ هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شمّاس وامرأته حبيبة بنت عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول». ولنذكر طرق حديثها، واختلاف ألفاظه: قال الإمام مالكٌ في موطّئه: عن يحيى بن سعيدٍ، عن عمرة بنت عبد الرّحمن بن سعد بن زرارة، أنّها أخبرته عن حبيبة بنت سهلٍ الأنصاريّة: «أنّها كانت تحت ثابت بن قيس بن شمّاسٍ، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج إلى الصّبح فوجد حبيبة بنت سهلٍ عند بابه في الغلس، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من هذه؟» قالت: أنا حبيبة بنت سهلٍ. فقال: «ما شأنك؟» فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيسٍ -لزوجها -فلمّا جاء زوجها ثابت بن قيسٍ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هذه حبيبة بنت سهلٍ قد ذكرت ما شاء اللّه أن تذكر». فقالت حبيبة: يا رسول اللّه، كلّ ما أعطاني عندي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خذ منها». فأخذ منها وجلست في أهلها».
وهكذا رواه الإمام أحمد، عن عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن مالكٍ بإسناده -مثله. ورواه أبو داود، عن القعنبيّ، عن مالكٍ. والنّسائيّ، عن محمّد بن مسلمة، عن ابن القاسم، عن مالكٍ به.
حديثٌ آخر: عن عائشة: قال أبو داود وابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن معمرٍ، حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا أبو عمرٍو السّدوسيّ، عن عبد اللّه -بن أبي بكرٍ -عن عمرة، عن عائشة: «أنّ حبيبة بنت سهلٍ كانت تحت ثابت بن قيس بن شمّاسٍ، فضربها فكسر نغضها فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد الصّبح فاشتكته إليه، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثابتًا فقال: «خذ بعض مالها وفارقها». قال: ويصلح ذلك يا رسول اللّه؟ قال: «نعم». قال: فإنّي أصدقتها حديقتين، فهما بيدها. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «خذهما وفارقها». ففعل». وهذا لفظ ابن جريرٍ. وأبو عمرٍو السّدوسيّ هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام.
حديثٌ آخر فيه: عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنه:
قال البخاريّ: حدّثنا أزهر بن جميلٍ، أخبرنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، حدّثنا خالدٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ امرأة ثابت بن قيس بن شمّاسٍ أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، ما أعتب عليه في خلقٍ ولا دينٍ، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أتردّين عليه حديقته؟» قالت: نعم. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقبل الحديقة وطلّقها تطليقةً».
وكذا رواه النّسائيّ، عن أزهر بن جميلٍ بإسناده، مثله. ورواه البخاريّ أيضًا، عن إسحاق الواسطيّ، عن خالدٍ هو ابن عبد اللّه الطّحّان، عن خالدٍ، هو ابن مهران الحذّاء، عن عكرمة به، نحوه.
وهكذا رواه البخاريّ أيضًا من طرقٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، به. وفي بعضها أنّها قالت: «لا أطيقه»، تعني: بغضًا. وهذا الحديث من أفراد البخاريّ من هذا الوجه.
ثمّ قال: حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، أن جميلة رضي اللّه عنها. كذا قال، والمشهور أنّ اسمها حبيبة كما تقدّم.
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدّثنا موسى بن هارون، حدّثنا أزهر بن مروان الرّقاشيّ، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ جميلة بنت سلول أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: واللّه ما أعتب على ثابت بن قيس بن شمّاسٍ في دينٍ ولا خلقٍ، ولكنّني أكره الكفر بعد الإسلام، لا أطيقه بغضًا. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «تردّين عليه حديقته؟» قالت: نعم، فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد».
وهكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان، بإسناده مثله سواءٍ، وهو إسنادٌ جيّدٌ مستقيمٌ ورواه أيضًا أبو القاسم البغويّ، عن عبيد اللّه القواريريّ، عن عبد الأعلى، مثله، لكن قال ابن جريرٍ:
حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا يحيى بن واضحٍ، حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن ثابتٍ، عن عبد اللّه بن رباحٍ عن جميلة بنت أبيّ ابن سلول: «أنّها كانت تحت ثابت بن قيسٍ، فنشزت عليه، فأرسل إليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «يا جميلة، ما كرهت من ثابتٍ؟» قالت: واللّه ما كرهت منه دينًا ولا خلقًا، إلّا أنّي كرهت دمامته! فقال لها: «أتردّين الحديقة؟» قالت: نعم. فردّت الحديقة، وفرّق بينهما».
قال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر بن سليمان قال: قرأت على فضيلٍ، عن أبي جريرٍ أنّه سأل عكرمة: «هل كان للخلع أصلٌ؟ قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: إنّ أوّل خلعٍ كان في الإسلام في أخت عبد اللّه بن أبيٍّ، أنّها أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، لا يجمع رأسي ورأسه شيءٌ أبدًا، إنّي رفعت جانب الخباء، فرأيته أقبل في عدّةٍ، فإذا هو أشدّهم سوادًا، وأقصرهم قامةً وأقبحهم وجهًا. قال زوجها: يا رسول اللّه، إنّي قد أعطيتها أفضل مالي، حديقةً لي، فإن ردّت عليّ حديقتي؟ قال: «ما تقولين؟» قالت: نعم، وإن شاء زدته. قال: ففرّق بينهما».
حديثٌ آخر: قال ابن ماجه: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن حجّاجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: «كانت حبيبة بنت سهلٍ تحت ثابت بن قيس بن شمّاسٍ، وكان رجلًا دميمًا، فقالت: يا رسول اللّه، واللّه لولا مخافة اللّه إذا دخل عليّ بصقت في وجهه! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أتردّين عليه حديقته؟» قالت: نعم. فردّت عليه حديقته. قال ففرّق بينهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
وقد اختلف الأئمّة، رحمهم اللّه، في أنّه: هل يجوز للرّجل أن يفاديها بأكثر ممّا أعطاها؟ فذهب الجمهور إلى جواز ذلك، لعموم قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، أخبرنا أيّوب، عن كثيرٍ مولى سمرة: «أنّ عمر أتي بامرأةٍ ناشزٍ، فأمر بها إلى بيتٍ كثير الزّبل، ثمّ دعا بها فقال: كيف وجدت؟ فقالت: ما وجدت راحةً منذ كنت عنده إلّا هذه اللّيلة الّتي حبستني. فقال لزوجها:اخلعها ولو من قرطها». ورواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن أيّوب، عن كثيرٍ مولى سمرة، فذكر مثله، وزاد: فحبسها فيه ثلاثة أيّامٍ.
قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حميد بن عبد الرّحمن: «أنّ امرأةً أتت عمر بن الخطّاب، فشكت زوجها، فأباتها في بيت الزّبل. فلمّا أصبحت قال لها: كيف وجدت مكانك؟ قالت: ما كنت عنده ليلةً أقرّ لعيني من هذه اللّيلة. فقال: خذ ولو عقاصها».
وقال البخاريّ: «وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ: أنّ الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء حدّثته قالت: «كان لي زوجٌ يقلّ عليّ الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب عنّي. قالت: فكانت منّي زلّةٌ يومًا، فقلت له: أختلع منك بكلّ شيءٍ أملكه؟ قال: نعم. قالت: ففعلت. قالت: فخاصم عمّي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفّان، فأجاز الخلع، وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه، أو قالت: ما دون عقاص الرّأس».
ومعنى هذا: أنّه يجوز أن يأخذ منها كلّ ما بيدها من قليلٍ وكثيرٍ، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها. وبه يقول ابن عمر، وابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وإبراهيم النّخعيّ، وقبيصة بن ذؤيبٍ، والحسن بن صالحٍ، وعثمان البتّيّ. وهذا مذهب مالكٍ، واللّيث، والشّافعيّ، وأبي ثورٍ، واختاره ابن جرير.
وقال أصحاب أبي حنيفة، رحمهم اللّه: «إن كان الإضرار من قبلها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها، ولا تجوز الزّيادة عليه، فإن ازداد جاز في القضاء، وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئًا، فإن أخذ جاز في القضاء».
وقال الإمام أحمد، وأبو عبيد، وإسحاق بن راهويه: «لا يجوز أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها». وهذا قول سعيد بن المسيّب، وعطاءٍ، وعمرو بن شعيبٍ، والزّهريّ، وطاوسٍ، والحسن، والشّعبيّ، وحمّاد بن أبي سليمان، والرّبيع بن أنسٍ.
وقال معمرٌ، والحكم: كان عليٌّ يقول: «لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها». وقال الأوزاعيّ: «القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر ممّا ساق إليها».
قلت: ويستدلّ لهذا القول بما تقدّم من رواية قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قصّة ثابت بن قيسٍ: فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد، وبما روى عبد بن حميدٍ حيث قال: أخبرنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كره أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها يعني المختلعة وحملوا معنى الآية على معنى {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} أي: من الّذي أعطاها؛ لتقدّم قوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} أي: من ذلك. وهكذا كان يقرؤها الرّبيع بن أنسٍ: «فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه» رواه ابن جريرٍ؛ ولهذا قال بعده: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون}
فصلٌ
قال الشّافعيّ: اختلف أصحابنا في الخلع، فأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينارٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ: «في رجلٍ طلّق امرأته تطليقتين ثمّ اختلعت منه بعد،يتزوّجها إن شاء؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: {الطّلاق مرّتان} قرأ إلى: {أن يتراجعا}». قال الشّافعيّ: وأخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ عن عكرمة قال: «كلّ شيءٍ أجازه المال فليس بطلاقٍ».
وروى غير الشّافعيّ، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ إبراهيم بن سعد بن أبي وقّاصٍ سأله فقال: «رجلٌ طلّق امرأته تطليقتين ثمّ اختلعت منه، أيتزوّجها؟ قال: نعم، ليس الخلع بطلاقٍ، ذكر اللّه الطّلاق في أوّل الآية وآخرها، والخلع فيما بين ذلك، فليس الخلع بشيءٍ، ثمّ قرأ: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} وقرأ: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره}». وهذا الّذي ذهب إليه ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما -من أنّ الخلع ليس بطلاقٍ، وإنّما هو فسخٌ - هو روايةٌ عن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، وابن عمر. وهو قول طاوسٍ، وعكرمة. وبه يقول أحمد بن حنبلٍ، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثورٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ. وهو مذهب الشّافعيّ في القديم، وهو ظاهر الآية الكريمة.
والقول الثّاني في الخلع: إنّه طلاقٌ بائنٌ إلّا أن ينوي أكثر من ذلك. قال مالكٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جمهان مولى الأسلميّين عن أمّ بكرٍ الأسلميّة: «أنّها اختلعت من زوجها عبد اللّه بن خالد بن أسيدٍ، فأتيا عثمان بن عفّان في ذلك، فقال: تطليقةٌ؛ إلّا أن تكون سمّيت شيئًا فهو ما سمّيت». قال الشّافعيّ: «ولا أعرف جمهان». وكذا ضعّف أحمد بن حنبلٍ هذا الأثر، واللّه أعلم.
وقد روي نحوه عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعودٍ، وابن عمر. وبه يقول سعيد بن المسيّب، والحسن، وعطاءٌ، وشريحٌ، والشّعبيّ، وإبراهيم، وجابر بن زيدٍ. وإليه ذهب مالكٌ، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي، وعثمان التبي، والشّافعيّ في الجديد. غير أنّ الحنفيّة عندهم أنّه متى نوى المخالع بخلعه تطليقةً أو اثنتين أو أطلق فهو واحدةٌ بائنةٌ. وإنّ نوى ثلاثًا فثلاثٌ. وللشّافعيّ قولٌ آخر في الخلع، وهو: «أنّه متى لم يكن بلفظ الطّلاق، وعرّي عن النّيّة فليس هو بشيءٍ بالكلّيّة».
مسألةٌ:
وذهب مالكٌ، وأبو حنيفة، والشّافعيّ، وأحمد وإسحاق في روايةٍ عنهما، وهي المشهورة؛«إلى أنّ المختلعة عدّتها عدّة المطلّقة بثلاثة قروءٍ، إن كانت ممّن تحيض». وروي ذلك عن عمر، وعليٍّ، وابن عمر. وبه يقول سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ، وعروة، وسالمٌ، وأبو سلمة، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهابٍ، والحسن، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ، وأبو عياضٍ، وجلاس بن عمرٍو، وقتادة، وسفيان الثّوريّ، والأوزاعيّ، واللّيث بن سعدٍ، وأبو عبيدٍ. قال التّرمذيّ: «وهو قول أكثر أهل العلم من الصّحابة وغيرهم. ومأخذهم في هذا أنّ الخلع طلاقٌ، فتعتدّ كسائر المطلّقات».
والقول الثّاني: «أنّها تعتدّ بحيضةٍ واحدةٍ تستبرئ بها رحمها». قال ابن أبي شيبة: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبيد اللّه بن عمر:«عن نافعٍ أنّ الرّبيّع اختلعت من زوجها، فأتى عمّها عثمان، رضي اللّه عنه، فقال: «تعتدّ حيضةً». قال: «وكان ابن عمر يقول: تعتدّ ثلاث حيضٍ، حتّى قال هذا عثمان»، فكان ابن عمر يفتي به ويقول: «عثمان خيرنا وأعلمنا».
وحدّثنا عبدة، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: «عدّة المختلعة حيضةٌ».
وحدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن ليثٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «عدّتها حيضةٌ». وبه يقول عكرمة، وأبان بن عثمان، وكلّ من تقدّم ذكره ممّن يقول: «إنّ الخلع فسخٌ – يلزمه القول بهذا»، واحتجّوا لذلك بما رواه أبو داود، والتّرمذيّ، حيث قال كلٌّ واحدٌ منهما: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم البغداديّ، حدّثنا عليّ بن بحرٍ، حدّثنا هشام بن يوسف، عن معمرٍ، عن عمرو بن مسلمٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ امرأة ثابت بن قيسٍ اختلعت من زوجها على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمرها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن تعتدّ بحيضةٍ». ثمّ قال التّرمذيّ: «حسنٌ غريبٌ». وقد رواه عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن عمرو بن مسلمٍ، عن عكرمة مرسلًا.
حديثٌ آخر: قال التّرمذيّ: حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن وهو مولى آل طلحة، عن سليمان بن يسارٍ، عن الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء: «أنّها اختلعت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمرها النّبيّ - أو أمرت -أن تعتدّ بحيضةٍ». قال التّرمذيّ: «الصّحيح أنّها أمرت أن تعتدّ بحيضةٍ».
طريقٌ أخرى: قال ابن ماجه: حدّثنا عليّ بن سلمة النّيسابوريّ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، حدّثنا أبي عن ابن إسحاق، أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء قال: قلت لها: «حدّثيني حديثك. قالت: اختلعت من زوجي، ثمّ جئت عثمان، فسألت: ماذا عليّ من العدّة؟ قال: لا عدّة عليك، إلّا أن يكون حديث عهدٍ بك فتمكثين عنده حتّى تحيضي حيضةً. قالت: وإنّما تبع في ذلك قضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مريم المغالية، وكانت تحت ثابت بن قيسٍ، فاختلعت منه».
وقد روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن أبي سلمة ومحمّد بن عبد الرّحمن بن ثوبان، عن الرّبيّع بنت معوّذٍ قالت:«سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمر امرأة ثابت بن قيسٍ حين اختلعت منه أن تعتدّ بحيضةٍ».
مسألةٌ:
وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدّة بغير رضاها عند الأئمّة الأربعة وجمهور العلماء؛ لأنّها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء. وروي عن عبد اللّه بن أبي أوفى، وماهان الحنفيّ، وسعيد بن المسيّب، والزّهريّ أنّهم قالوا: «إن ردّ إليها الّذي أعطاها جاز له رجعتها في العدّة بغير رضاها»، وهو اختيار أبي ثورٍ، رحمه اللّه. وقال سفيان الثّوريّ: «إن كان الخلع بغير لفظ الطّلاق فهو فرقةٌ ولا سبيل له عليها، وإن كان سمّى طلاقًا فهو أملك لرجعتها ما دامت في العدّة». وبه يقول داود بن عليٍّ الظّاهريّ: واتّفق الجميع على أنّ للمختلع أن يتزوّجها في العدّة. وحكى الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ، عن فرقةٍ أنّه لا يجوز له ذلك، كما لا يجوز لغيره، وهو قولٌ شاذٌّ مردودٌ.
مسألةٌ:
وهل له أن يوقع عليها طلاقًا آخر في العدّة؟ فيه ثلاثة أقوالٍ للعلماء:
أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنّها قد ملكت نفسها وبانت منه. وبه يقول ابن عبّاسٍ، وابن الزّبير، وعكرمة، وجابر بن زيدٍ، والحسن البصريّ، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثورٍ.
والثّاني: قال مالكٌ: «إن أتبع الخلع طلاقًا من غير سكوتٍ بينهما وقع، وإن سكت بينهما لم يقع». قال ابن عبد البرّ: «وهذا يشبه ما روي عن عثمان، رضي اللّه عنه».
والثّالث: أنّه يقع عليها الطّلاق بكلّ حالٍ ما دامت في العدّة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثّوريّ، والأوزاعيّ. وبه يقول سعيد بن المسيّب، وشريحٌ، وطاوسٌ، وإبراهيم، والزّهريّ، والحكم وحمّاد بن أبي سليمان. وروي ذلك عن ابن مسعودٍ، وأبي الدّرداء قال ابن عبد البرّ: «وليس ذلك بثابتٍ عنهما».
وقوله:{تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون} أي: هذه الشّرائع الّتي شرعها لكم هي حدوده، فلا تتجاوزوها. كما ثبت في الحديث الصّحيح: «إن اللّه حدّ حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيّعوها، وحرّم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم من غير نسيانٍ، فلا تسألوا عنها».
وقد يستدلّ بهذه الآية من ذهب إلى أنّ جمع الطّلقات الثّلاث بكلمةٍ واحدةٍ حرامٌ، كما هو مذهب المالكيّة ومن وافقهم، وإنّما السّنّة عندهم أن يطلّق واحدةً واحدةً، لقوله: {الطّلاق مرّتان} ثمّ قال: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون} ويقوّون ذلك بحديث محمود بن لبيدٍ الّذي رواه النّسائيّ في سننه حيث قال: حدّثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهبٍ عن مخرمة بن بكيرٍ عن أبيه، عن محمود بن لبيدٍ قال:«أخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن رجلٍ طلّق امرأته ثلاث تطليقاتٍ جميعًا فقام غضبان، ثمّ قال:«أيلعب بكتاب اللّه وأنا بين أظهركم؟!» حتّى قام رجلٌ فقال يا رسول اللّه، ألا أقتله؟»فيه انقطاعٌ.[تفسير ابن كثير: 1/ 610-621]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى:{فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} أي: أنّه إذا طلّق الرّجل امرأته طلقةً ثالثةً بعد ما أرسل عليها الطّلاق مرّتين، فإنّها تحرم عليه حتّى تنكح زوجًا غيره، أي: حتّى يطأها
زوجٌ آخر في نكاحٍ صحيحٍ، فلو وطئها واطئٌ في غير نكاحٍ، ولو في ملك اليمين لم تحلّ للأوّل؛ لأنّه ليس بزوجٍ، وهكذا لو تزوّجت، ولكن لم يدخل بها الزّوج لم تحلّ للأوّل، واشتهر بين كثيرٍ من الفقهاء عن سعيد بن المسيّب، رحمه اللّه، أنّه يقول: «يحصل المقصود من تحليلها للأوّل بمجرّد العقد على الثّاني». وفي صحّته عنه نظرٌ، على أنّ الشّيخ أبا عمر بن عبد البرّ قد حكاه عنه في الاستذكار، فاللّه أعلم.
وقد قال أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن علقمة بن مرثدٍ، عن سالم بن رزينٍ، عن سالم بن عبد اللّه عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الرّجل يتزوّج المرأة فيطلّقها قبل أن يدخل بها البتّة، فيتزوّجها زوجٌ آخر فيطلّقها، قبل أن يدخل بها: أترجع إلى الأوّل؟ قال: «لا حتّى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها».
هكذا وقع في رواية ابن جريرٍ.
وقد رواه الإمام أحمد فقال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن علقمة بن مرثدٍ، سمعت سالم بن رزينٍ يحدّث عن سالم بن عبد اللّه، يعني: ابن عمر، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: في الرّجل تكون له المرأة فيطلّقها، ثمّ يتزوّجها رجلٌ فيطلّقها قبل أن يدخل بها، فترجع إلى زوجها الأوّل؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «حتى يذوق العسيلة».
وهكذا رواه النّسائيّ، عن عمرو بن عليٍّ الفلّاس، وابن ماجه عن محمّد بن بشّارٍ بندارٍ كلاهما عن محمّد بن جعفرٍ غندرٍ، عن شعبة، به كذلك. فهذا من رواية سعيد بن المسيّب عن ابن عمر مرفوعًا، على خلاف ما يحكى عنه، فبعيدٌ أن يخالف ما رواه بغير مستندٍ، واللّه أعلم.
وقد روى أحمد أيضًا، والنّسائيّ، وابن جريرٍ هذا الحديث من طريق سفيان الثّوريّ، عن علقمة بن مرثدٍ، عن رزين بن سليمان الأحمريّ، عن ابن عمر قال: «سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّجل يطلّق امرأته ثلاثًا فيتزوّجها آخر، فيغلق الباب ويرخي السّتر ثمّ يطلّقها، قبل أن يدخل بها: هل تحلّ للأوّل؟ قال: «لا حتّى يذوق العسيلة». وهذا لفظ أحمد، وفي روايةٍ لأحمد: سليمان بن رزينٍ.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا محمّد بن دينارٍ، حدّثنا يحيى بن يزيد الهنائيّ، عن أنس بن مالكٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن رجلٍ كانت تحته امرأةٌ فطلّقها ثلاثًا فتزوّجت بعده رجلًا فطلّقها قبل أن يدخل بها: أتحلّ لزوجها الأوّل؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا حتّى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته». ورواه ابن جريرٍ، عن محمّد بن إبراهيم الأنماطيّ، عن هشام بن عبد الملك، حدّثنا محمّد بن دينارٍ، فذكره.
قلت: ومحمّد بن دينار بن صندلٍ أبو بكرٍ الأزديّ ثمّ الطّاحيّ البصريّ، ويقال له: ابن أبي الفرات: اختلفوا فيه، فمنهم من ضعّفه، ومنهم من قوّاه وقبله وحسن له. وقال أبو داود: أنّه تغيّر قبل موته، فاللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال ابن جريرٍ: حدّثنا عبيد بن آدم بن أبي إياسٍ العسقلانيّ، حدّثنا أبي، حدّثنا شيبان، حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي الحارث الغفاريّ عن أبي هريرة قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المرأة يطلّقها زوجها ثلاثًا فتتزوّج زوجًا غيره، فيطلّقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأوّل أن يراجعها، قال: «لا حتّى يذوق الآخر عسيلتها».
ثمّ رواه من وجهٍ آخر عن شيبان، وهو ابن عبد الرّحمن، به. وأبو الحارث غير معروفٍ.
حديثٌ آخر: قال ابن جريرٍ:
حدّثنا ابن مثنّى، حدّثنا يحيى، عن عبيد اللّه، حدّثنا القاسم، عن عائشة: «أنّ رجلًا طلّق امرأته ثلاثًا، فتزوّجت زوجًا فطلّقها قبل أن يمسّها، فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أتحلّ للأوّل؟ فقال: «لا حتّى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأوّل». أخرجه البخاريّ، ومسلمٌ، والنّسائيّ، من طرقٍ، عن عبيد اللّه بن عمر العمريّ، عن القاسم بن عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ، عن عمّته عائشة، به.
طريقٌ أخرى: قال ابن جريرٍ:
حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل الهبّاريّ، وسفيان بن وكيعٍ، وأبو هشامٍ الرّفاعيّ قالوا: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن رجلٍ طلّق امرأته، فتزوّجت رجلًا غيره، فدخل بها ثمّ طلّقها قبل أن يواقعها: أتحلّ لزوجها الأوّل؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تحلّ لزوجها الأوّل حتّى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته». وكذا رواه أبو داود عن مسدّدٍ، والنّسائيّ عن أبي كريبٍ، كلاهما عن أبي معاوية، وهو محمد بن حازم الضّرير، به.
طريقٌ أخرى: قال مسلمٌ في صحيحه:
حدّثنا محمّد بن العلاء الهمدانيّ، حدّثنا أبو أسامة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن المرأة يتزوّجها الرّجل فيطلّقها، فتتزوّج رجلًا فيطلّقها قبل أن يدخل بها: أتحلّ لزوجها الأوّل؟ قال: «لا حتّى يذوق عسيلتها».
قال مسلمٌ: وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا ابن فضيلٍ: وحدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا أبو معاوية جميعًا، عن هشامٍ بهذا الإسناد.
وقد رواه البخاريّ من طريق أبي معاوية محمّد بن حازمٍ، عن هشامٍ به. وتفرّد به مسلمٌ من الوجهين الآخرين. وهكذا رواه ابن جريرٍ من طريق عبد اللّه بن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا بنحوه أو مثله. وهذا إسنادٌ جيّدٌ. وكذا رواه ابن جريرٍ أيضًا، من طريق عليّ بن زيد بن جدعان، عن امرأة أبيه أمينة أمّ محمّدٍ عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمثله وهذا السّياق مختصرٌ من الحديث الّذي رواه البخاريّ: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا يحيى، عن هشامٍ، حدّثني أبي، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وحدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: «أنّ رفاعة القرظيّ تزوّج امرأةً ثمّ طلّقها، فتزوّجت آخر فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت له أنّه لا يأتيها، وأنّه ليس معه إلّا مثل هدبة الثّوب فقال: «لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك». تفرّد به من هذين الوجهين.
طريقٌ أخرى: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الأعلى، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: «دخلت امرأة رفاعة القرظيّ -وأنا وأبو بكرٍ عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -فقالت: إنّ رفاعة طلّقني البتّة، وإنّ عبد الرّحمن بن الزّبير تزوّجني، وإنّما عنده مثل الهدبة، وأخذت هدبةً من جلبابها، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له، فقال: يا أبا بكرٍ، ألا تنهى هذه عمّا تجهر به بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم! فما زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على التّبسّم، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كأنّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك».
وهكذا رواه البخاريّ من حديث عبد اللّه بن المبارك، ومسلمٌ من حديث عبد الرّزّاق، والنّسائيّ من حديث يزيد بن زريعٍ، ثلاثتهم عن معمرٍ به. وفي حديث عبد الرّزّاق عند مسلمٍ: «أن رفاعة طلّقها آخر ثلاث تطليقاتٍ». وقد رواه الجماعة إلّا أبا داود من طريق سفيان بن عيينة، والبخاريّ من طريق عقيلٍ، ومسلمٌ من طريق يونس بن يزيد وعنده ثلاث تطليقاتٍ، والنّسائيّ من طريق أيّوب بن موسى، ورواه صالح بن أبي الأخضر كلّهم عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، به.
وقال مالكٌ عن المسور بن رفاعة القرظيّ عن الزّبير بن عبد الرّحمن بن الزّبير: «أنّ رفاعة بن سموالٍ طلّق امرأته تميمة بنت وهبٍ في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثًا، فنكحت عبد الرّحمن بن الزّبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسّها، ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها، وهو زوجها الأوّل الّذي كان طلّقها، فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنهاه عن تزويجها، وقال: «لا تحلّ لك حتّى تذوق العسيلة». كذا رواه أصحاب الموطّأ عن مالكٍ وفيه انقطاعٌ. وقد رواه إبراهيم بن طهمان، وعبد اللّه بن وهبٍ، عن مالكٍ، عن رفاعة، عن الزّبير بن عبد الرّحمن، عن أبيه، فوصله.
فصلٌ
والمقصود من الزّوج الثّاني أن يكون راغبًا في المرأة، قاصدًا لدوام عشرتها، كما هو المشروع من التّزويج، واشترط الإمام مالكٌ مع ذلك أن يطأها الثّاني وطئًا مباحًا، فلو وطئها وهي محرمةٌ أو صائمةٌ أو معتكفةٌ أو حائضٌ أو نفساء أو والزّوج صائمٌ أو محرمٌ أو معتكفٌ، لم تحلّ للأوّل بهذا الوطء. وكذا لو كان الزّوج الثّاني ذمّيًّا لم تحلّ للمسلم بنكاحه؛ لأنّ أنكحة الكفّار باطلةٌ عنده. واشترط الحسن البصريّ فيما حكاه عنه الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ أن ينزل الزّوج الثّاني، وكأنّه تمسّك بما فهمه من قوله عليه السّلام: «حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»، ويلزم على هذا أن تنزل المرأة أيضًا. وليس المراد بالعسيلة المنيّ لما رواه الإمام أحمد والنّسائيّ، عن عائشة رضي اللّه عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إنّ العسيلة الجماع» فأمّا إذا كان الثّاني إنّما قصده أن يحلّها للأوّل، فهذا هو المحلّل الّذي وردت الأحاديث بذمّه ولعنه، ومتى صرّح بمقصوده في العقد بطل النّكاح عند جمهور الأئمّة.
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك:
الحديث الأوّل: عن ابن مسعودٍ. قال الإمام أحمد:
حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا سفيان، عن أبي قيسٍ، عن الهذيل، عن عبد اللّه قال: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة، والمحلّل والمحلّل له، وآكل الرّبا وموكله».
ثمّ رواه أحمد، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من غير وجهٍ، عن سفيان، وهو الثّوريّ، عن أبي قيسٍ واسمه عبد الرّحمن بن ثروان الأوديّ، عن هزيل بن شرحبيل الأوديّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم به. ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم من الصّحابة، منهم: عمر، وعثمان، وابن عمر. وهو قول الفقهاء من التّابعين، ويروى ذلك عن عليٍّ، وابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ.
طريقٌ أخرى: عن ابن مسعودٍ. قال الإمام أحمد: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ، حدّثنا عبيد اللّه، عن عبد الكريم، عن أبي الواصل، عن ابن مسعودٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لعن اللّه المحلّل والمحلّل له».
طريقٌ أخرى: روى الإمام أحمد، والنّسائيّ، من حديث الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن الحارث الأعور، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: «آكل الرّبا وموكله، وشاهداه وكاتبه إذا علموا به، والواصلة، والمستوصلة، ولاوي الصّدقة، والمتعدّي فيها، والمرتدّ على عقبيه إعراضًا بعد هجرته، والمحلّل والمحلّل له، ملعونون على لسان محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة».
الحديث الثّاني: عن عليٍّ رضي اللّه عنه. قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا سفيان، عن جابرٍ [وهو ابن يزيد الجعفيّ] عن الشّعبيّ، عن الحارث، عن عليٍّ قال: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم آكل الرّبا وموكله، وشاهديه وكاتبه، والواشمة والمستوشمة للحسن، ومانع الصّدقة، والمحلّل، والمحلّل له، وكان ينهى عن النّوح».
وكذا رواه عن غندرٍ، عن شعبة، عن جابرٍ، وهو ابن يزيد الجعفيّ، عن الشّعبيّ عن الحارث، عن عليٍّ، به.
وكذا رواه من حديث إسماعيل بن أبي خالدٍ، وحصين بن عبد الرّحمن، ومجالد بن سعيدٍ، وابن عونٍ، عن عامرٍ الشعبي، به.
وقد رواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من حديث الشّعبيّ، به. ثمّ قال أحمد:
حدّثنا محمّد بن عبد اللّه، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ قال: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صاحب الرّبا، وآكله، وكاتبه، وشاهده، والمحلّل، والمحلّل له».
الحديث الثّالث: عن جابرٍ: قال التّرمذيّ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، أخبرنا أشعث بن عبد الرّحمن بن زبيدٍ الياميّ، حدّثنا مجالدٌ، عن الشّعبيّ، عن جابر بن عبد اللّه وعن الحارث، عن عليٍّ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعن المحلّل والمحلّل له» ثمّ قال: وليس إسناده بالقائم، ومجالدٌ ضعّفه غيرٌ واحدٍ من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبلٍ. قال: ورواه ابن نميرٍ، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن جابر بن عبد اللّه، عن عليٍّ. قال: وهذا وهمٌ من ابن نميرٍ، والحديث الأوّل أصحّ.
الحديث الرّابع: عن عقبة بن عامرٍ: قال أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجه: حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالحٍ المصريّ، حدّثنا أبي، سمعت اللّيث بن سعدٍ يقول: قال أبو مصعبٍ مشرحٌ هو: ابن عاهان، قال عقبة بن عامرٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألا أخبركم بالتّيس المستعار؟» قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: «هو المحلّل، لعن اللّه المحلّل والمحلّل له». تفرّد به ابن ماجه. وكذا رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ، عن عثمان بن صالحٍ، عن اللّيث، به، ثمّ قال: «كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث إنكارًا شديدًا».
قلت: عثمان هذا أحد الثّقات، روى عنه البخاريّ في صحيحه. ثمّ قد تابعه غيره، فرواه جعفرٌ الفريابيّ عن العبّاس المعروف بابن فريقٍ عن أبي صالحٍ عبد اللّه بن صالحٍ، عن اللّيث به، فبرئ من عهدته واللّه أعلم.
الحديث الخامس: عن ابن عبّاسٍ. قال ابن ماجه:
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا أبو عامرٍ، عن زمعة بن صالحٍ، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المحلّل والمحلّل له».
طريقٌ أخرى: قال الإمام الحافظ خطيب دمشق أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ السّعديّ: حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن نكاح المحلّل قال: «لا إلّا نكاح رغبةٍ، لا نكاح دلسة ولا استهزاءٍ بكتاب اللّه، ثمّ يذوق عسيلتها».
ويتقوّى هذان الإسنادان بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن حميد بن عبد الرّحمن، عن موسى بن أبي الفرات، عن عمرو بن دينارٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا فيتقوّى كلٌّ من هذا المرسل والّذي قبله بالآخر، واللّه أعلم.
الحديث السّادس: عن أبي هريرة. قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا عبد اللّه، هو ابن جعفرٍ، عن عثمان بن محمّدٍ، المقبريّ، عن أبي هريرة قال: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المحلّل والمحلّل له».
وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة، والجوزجانيّ، والبيهقيّ، من طريق عبد اللّه بن جعفرٍ القرشيّ. وقد وثّقه أحمد بن حنبلٍ، وعليّ بن المدينيّ، ويحيى بن معينٍ وغيرهم. وأخرج له مسلمٌ في صحيحه، عن عثمان بن محمّدٍ الأخنسيّ -وثّقه ابن معينٍ -عن سعيد المقبريّ، وهو متّفقٌ عليه.
الحديث السّابع: عن ابن عمر. قال الحاكم في مستدركه:
حدّثنا أبو العبّاس الأصمّ، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ حدّثنا سعيد بن أبي مريم، حدّثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّفٍ المدنيّ، عن عمر بن نافعٍ، عن أبيه أنّه قال: «جاء رجلٌ إلى ابن عمر، فسأله عن رجلٍ طلّق امرأته ثلاثًا، فتزوّجها أخٌ له من غير مؤامرةٍ منه، ليحلّها لأخيه: هل تحلّ للأوّل؟ فقال: لا إلّا نكاح رغبةٍ، كنّا نعدّ هذا سفاحًا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». ثمّ قال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
وقد رواه الثّوريّ، عن عبد اللّه بن نافعٍ، عن أبيه، عن ابن عمر، به. وهذه الصّيغة مشعرةٌ بالرّفع. وهكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة، والجوزجانيّ، وحربٌ الكرمانيّ، وأبو بكرٍ الأثرم، من حديث الأعمش، عن المسيّب بن رافعٍ، عن قبيصة بن جابرٍ، عن عمر أنّه قال: «لا أوتى بمحلّلٍ ولا محلّلٍ له إلّا رجمتهما».
وروى البيهقيّ من حديث ابن لهيعة، عن بكير بن الأشجّ، عن سليمان بن يسارٍ: «أنّ عثمان بن عفّان رفع إليه رجلٌ تزوّج امرأةً ليحلّها لزوجها، ففرّق بينهما». وكذا روي عن عليٍّ، وابن عباس، وغير واحدٍ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم.وقوله: {فإن طلّقها} أي: الزّوج الثّاني بعد الدّخول بها {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي: المرأة والزّوج الأوّل {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} أي: يتعاشرا بالمعروف وقال مجاهدٌ: «إنّ ظنًّا أنّ نكاحهما على غير دلسةٍ» {وتلك حدود اللّه} أي: شرائعه وأحكامه {يبيّنها} أي: يوضّحها {لقومٍ يعلمون}.
وقد اختلف الأئمّة، رحمهم اللّه، فيما إذا طلّق الرّجل امرأته طلقةً أو طلقتين، وتركها حتّى انقضت عدّتها، ثمّ تزوّجت بآخر فدخل بها، ثمّ طلّقها فانقضت عدّتها، ثمّ تزوّجها الأوّل: هل تعود إليه بما بقي من الثّلاث؟، كما هو مذهب مالكٍ، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ، وهو قول طائفةٍ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم، أو يكون الزّوج الثّاني قد هدم ما قبله من الطّلاق، فإذا عادت إلى الأوّل تعود بمجموع الثّلاث؟، كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم اللّه، وحجّتهم أنّ الزّوج الثّاني إذا هدم الثّلاث فلأن يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/ 621 - 629]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة