العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الرعد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 09:42 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار}
لما تقدم تعجب الكفار واستبعادهم البعث من القبور نص الله في هذه الآيات الأمثال المنبهة على قدر الله تبارك وتعالى القاضية بتجويز البعث، فمن ذلك هذه الواحدة من الخمس التي هي من مفاتيح الغيب، وهي أن الله تبارك وتعالى انفرد بمعرفة ما تحمل كل الإناث من الأجنة من كل نوع من الحيوان، وهذه البدأة تبين أنه لا تتعذر على القادر عليها الإعادة.
و"ما" في قوله تعالى: {ما تحمل} يصح أن تكون بمعنى الذي مفعولة بـ "يعلم"، ويصح أن تكون مصدرية، مفعولة أيضا بـ "يعلم"، ويصح أن تكون استفهاما في موضع رفع بالابتداء، والخبر "تحمل"، وفي هذا الوجه ضعف. وفي مصحف أبي بن كعب: "ما تحمل كل أنثى وما تضع".
وقوله تعالى: {وما تغيض الأرحام} معناه: ما تنقص، وذلك من معنى وغيض الماء وهو من معنى النضوب، فهي هاهنا بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه،
[المحرر الوجيز: 5/180]
فلما قابله قوله: {وما تزداد} فسر بمعنى النقصان، ثم اختلف المتأولون في صورة الزيادة والنقصان -فقال مجاهد: غيض الرحم أن تهريق دما على الحمل، فإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب، فإذا أكملت الحامل تسعة أشهر لم تضع، وبقي الولد في بطنها زيادة من الزمن يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بهراقة الدم، فهذا هو معنى قوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد}. وجمهور المتأولين على أن غيض الرحم إرسال الدم على الحمل، وذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وإمساكه بعد عادة إرساله بالحيض، فيكون قوله: {وما تزداد} بعد ذلك جاريا مجرى "تغيض" على غير مقابلة، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه. وقال الضحاك: غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد، والزيادة أن تضعه لمدة كاملة تاما في خلقه. وقال قتادة: الغيض: السقط، والزيادة البقاء فوق تسعة أشهر.
وقوله تعالى: {وكل شيء} لفظ عام في كل ما يدخله التقدير). [المحرر الوجيز: 5/181]
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويتصل بهذه الآية فقه يحسن ذكره.
فمن ذلك اختلاف الفقهاء في الدم الذي تراه الحامل -فذهب مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وجماعة إلى أنه حيض. وقالت فرقة عظيمة: ليس بحيض، ولو كان حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض وهو إجماع. وروي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض، ومن ذلك أن الأمة مجمعة على أن أقل مدة الحمل ستة
[المحرر الوجيز: 5/181]
أشهر، وذلك منتزع من قوله: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} مع قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} وهذه الستة أشهر هي بالأهلة كسائر أشهر الشريعة، ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك -وأظنه في كتاب ابن حارث- أنه إن نقص من الأشهر الستة ثلاثة أيام، فإن الولد يلحق لعلة نقص الشهور وزيادتها.
واختلف في أكثر الحمل فقيل: تسعة أشهر، وهذا ضعيف، وقالت عائشة رضي الله عنها- وجماعة من العلماء: أكثره حولان، وقالت فرقة: ثلاثة أعوام، وفي المدونة: أربعة أعوام وخمسة أعوام، وقال ابن شهاب وغيره: سبعة أعوام، وروي أن ابن عجلان ولدت امرأته لسبعة أعوام، وروي أن الضحاك بن مزاحم بقي حولين، قال: فولدت وقد نبتت ثناياي، وروي أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر). [المحرر الوجيز: 5/182]

تفسير قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الغيب": ما غاب عن الإدراكات، و"الشهادة": ما شوهد من الأمور، ووضع المصادر موضع الأشياء التي كل واحد منها لا بد أن يتصف بإحدى الحالتين.
وقوله: "الكبير" صفة تعظيم على الإطلاق، و"المتعال" من العلو، واختلف القراء في الوقف على "المتعال" -فأثبت ابن كثير، وأبو عمرو - في بعض ما روي عنه- الياء في الوصل والوقف، ولم يثبتها الباقون في وصل ولا وقف، وإثباتها هو الوجه والباب. واستسهل سيبويه حذفها في الفواصل كهذه الآية قياسا على القوافي في الشعر، ويقبح حذفها في غير فاصلة ولا شعر، ولكن وجهه أنه لما كان التنوين يعاقب الألف واللام أبدا، وكانت هذه الياء تحذف مع التنوين حسن أن تحذف مع معاقبها). [المحرر الوجيز: 5/181]

تفسير قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {سواء منكم} الآية. سواء مصدر، وهو يطلب بعده شيئين يتماثلان، ورفعه على خبر الابتداء الذي هو "من"، والمصدر لا يكون خبرا إلا بإضمار كما قالت الخنساء:
... ... ... ... ... فإنما هي إقبال وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار، فقالت فرقة: هنا المعنى: "ذو سواء"، قال الزجاج: كثر استعمال (سواء) في كلام العرب حتى جرى مجرى اسم الفاعل فلا يحتاج إلى إضمار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهو عندي كعدل وزور وضيف.
[المحرر الوجيز: 5/182]
وقالت فرقة: المعنى: "مستو منكم"، فلا يحتاج إلى إضمار، وضعف هذا سيبويه بأنه ابتداء بنكرة. ومعنى هذه الآية: معتدل منكم في إحاطة الله تعالى وعلمه من أسر قوله فهمس به في نفسه ومن جهر به فأسمع، لا يخفى على الله تعالى شيء.
وقوله تعالى: {ومن هو مستخف بالليل} معناه: من هو بالليل في غاية الاختفاء ومن هو متصرف بالنهار ذاهب لوجهه سواء في علم الله تبارك وتعالى وإحاطته بهما. وذهب ابن عباس، ومجاهد إلى معنى مقتضاه: أن المستخفي بالليل والسارب بالنهار هو رجل واحد مريب بالليل ويظهر بالنهار البراءة في التصرف مع الناس، فهذا قسم واحد جعل الليل نهار راحة، والمعنى: هذا والذي أمره كله واحد بريء من الريب سواء في اطلاع الله تعالى على الكل. ويؤيد هذا التأويل عطف السارب دون تكرار "من"، ولا يأتي حذفها إلا في ضرورة الشعر.
والسارب في اللغة المتصرف كيف شاء، ومن ذلك قول الشاعر:
أرى كل قوم كاربوا قيد فحلهم ... ونحن حللنا قيده فهو سارب
أي منصرف غير مدفوع عن جهة، وهذا رجل يفخر بعزة قومه، ومن ذلك قول الآخر:
أنى سربت وكنت غير سروب ... وتقرب الأحلام غير قريب
وتحتمل الآية أن تتضمن ثلاثة أصناف، فالذي يسر طرف، والذي يجهر طرف
[المحرر الوجيز: 5/183]
مضاد للأول، والثالث متوسط متلون يعصي بالليل مستخفيا ويظهر البراءة بالنهار، والقول في الآية يطرد معناه في الأعمال، وقال قطرب - فيما حكى الزجاج -: "مستخف" معناه: ظاهر، من قولهم: "خفيت الشيء" إذا أظهرته، قال امرؤ القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من عشي مجلب
قال: و"سارب" معناه: متوار في سرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا القول وإن كان تعلقه باللغة بينا فضعيف، لأن اقتران الليل بالمستخفي والنهار بالسارب يرد على هذا القول). [المحرر الوجيز: 5/184]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال}
اختلف المتأولون في عود الضمير من "له" -فقالت فرقة: هو عائد على اسم الله تعالى المتقدم ذكره، و"المعقبات" - على هذا- الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم، والحفظة لهم أيضا، قاله الحسن، وروى فيه عثمان بن عفان حديثا،
[المحرر الوجيز: 5/184]
وهو قول مجاهد، والنخعي، والضمير -على هذا- في قوله: "يديه" وما بعده من الضمائر عائد على العبد المذكور في قوله: {ومن هو مستخف بالليل}، ومن أمر الله يحتمل أن يكون صفة للمعقبات، ويحتمل أن يكون المعنى: يحفظونه من كل ما جرى القدر باندفاعه، فإذا جاء المقدور الواقع أسلم المرء إليه.
وقال ابن عباس أيضا: الضمير في "له" عائد على المذكور في قوله: {ومن جهر به} ومن وكذا باقي الضمائر التي في الآية، قالوا: و"المعقبات" -على هذا- حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه، قالوا: والآية -على هذا- في الرؤساء الكافرين، واختار هذا القول الطبري، وهو قول عكرمة وجماعة، قال عكرمة، هي المواكب خلفه وأمامه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويصح على التأويل الأول الذي قبل هذا أن يكون الضمير في "له" للعبد المؤمن على معنى: جعل الله له، وهذا التأويل عندي أقوى، لأن غرض الآية إنما هو التنبيه على قدرة الله، فذكر استواء من هو مستخف ومن هو سارب وأن له معقبات من الله تحفظه في كل حال، ثم ذكر أن الله لا يغير هذه الحالة من الحفظ للعبد حتى يغير ما بنفسه، وعلى كلا التأويلين ليست الضمائر لمعين من البشر.
وقال عبد الرحمن بن زيد: الآية في النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلت في حفظ الله له من أربد بن ربيعة، وعامر بن الطفيل في القصة التي تأتي بعد هذا في ذكر الصواعق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الآية وإن كانت ألفاظها تنطبق على معنى القصة فيضعف القول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتقدم له ذكر فيعود الضمير في "له" عليه.
و"المعقبات": الجماعات التي يعقب بعضها بعضا، فعلى التأويل الأول هي
[المحرر الوجيز: 5/185]
الملائكة، وينظر هذا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة المغرب والصبح"، وعلى التأويل الثاني هي الحرس والوزعة الذين للملوك. والمعقبات جمع معقبة، وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى، والتعقيب بالجملة أن تكون حال تعقبها حال أخرى من نوعها، وقد تكون من غير النوع، ومنه معاقبة الركوب، ومعقب عقبة القدر، والمعاقبة في الأزواج، ومنه قول سلامة بن جندل:
وكرنا الخيل في آثارهم رجعا ... كس السنابك من بدء وتعقيب
وقرأ عبيد الله بن زياد على المنبر: "له المعاقيب"، قال أبو الفتح: هو تكسير معقب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
بسكون العين وكسر القاف كمطعم ومطاعيم ومقدم ومقاديم، وهي قراءة أبي البرهسم، فكأن معقبا جمع على معاقبة ثم جعلت الياء في معاقيب عوضا من الهاء المحذوفة في معاقبة. والمعقبة ليست جمع معقب كما ذكر ذلك الطبري وشبه ذلك برجل ورجال ورجالات، وليس الأمر كما ذكر لأن تلك كجمل وجمال وجمالات، ومعقبة ومعقبات إنما هي كضاربة وضاربات.
[المحرر الوجيز: 5/186]
وفي قراءة أبي بن كعب: "من بين يديه ورقيب من خلفه"، وقرأ ابن عباس: "ورقيبا من خلفه"، وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ: "معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله".
وقوله: "يحفظونه" يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون بمعنى يحرسونه ويذبون عنه: فالضمير معمول الحفظ، والمعنى الثاني أن يكون بمعنى حفظ الأقوال وتحصيلها، ففي اللفظة حينئذ حذف مضاف تقديره: يحفظون أعمالهم، ويكون هذا حينئذ من باب واسأل القرية، وهذا قول ابن جريج.
وقوله: {من أمر الله} -من جعل "يحفظونه" بمعنى يحرسونه كان معنى قوله: {من أمر الله} يراد به المعقبات، فيكون في الآية تقديم وتأخير، أي: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، قال أبو الفتح: فـ "من أمر الله" في موضع رفع لأنه صفة لمرفوع وهي "المعقبات"، ويحتمل هذا التأويل في قوله: {من أمر الله} مع التأويل الأول في "يحفظونه"، ومن تأول الضمير في "له" عائد على العبد وجعل "المعقبات" الحرس وجعل الآية في رؤساء الكافرين جعل قوله: {من أمر الله} بمعنى: يحفظونه بزعمه من قدر الله ويدفعونه في ظنه عنه، وذلك لجهالته بالله تعالى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وبهذا التأويل جعلها المتأول في الكافرين، قال أبو الفتح: فـ من أمر الله -على هذا- في موضع نصب، كقولك: "حفظت زيدا من الأسد"، فـ "من الأسد" معمول لـ "حفظت". وقال قتادة: معنى بـ أمر الله أي يحفظونه مما أمر الله، وهذا تحكم في التأويل، وقال قوم: المعنى: الحفظ من أمر الله، وقد تقدم نحو هذا. وقرأ علي بن أبي طالب، وابن عباس، وعكرمة، وجعفر بن محمد رضي الله عنهم-: "يحفظونه بأمر الله".
[المحرر الوجيز: 5/187]
ثم أخبر تعالى أنه لا يغير ما بقوم بأن يعذبهم ويمتحنهم معاقبا حتى يقع منهم تكسب للمعاصي وتغيير ما أمروا به من طاعة الله، وهذا موضع تأمل، لأنه يداخل هذا الخبر ما قررت الشريعة من أخذ العامة بذنوب الخاصة، ومنه قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام -وقد قيل له: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ - قال: (نعم، إذا كثر الخبث). إلى أشياء كثيرة من هذا، فقوله تعالى: {حتى يغيروا} معناه: حتى يقع تغيير إما منهم وإما من الناظر لهم أو ممن هو منهم بسبب، كما غير الله تعالى بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة ما بأنفسهم، إلى غير هذا من أمثال الشريعة، فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير، وثم أيضا مصائب يريد الله بها أجر المصاب فتلك ليست تغييرا.
ثم أخبر تبارك وتعالى بأنه إذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له، ولا حفظ منه، وهذا أجري في مقام التنبيه على عادة الله تعالى وقدرته، والشر والخير بمنزلة واحدة إذا أرادهما الله بعبد لم يرد، لكنه خص السوء بالذكر ليكون في الآية تخويف.
واختلف القراء في "وال" - فأماله بعضهم ولم يمله بعضهم، والوالي: الذي يلي أمر الإنسان كالولي، وهما من الولاية كعليم وعالم من العلم). [المحرر الوجيز: 5/188]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 10:15 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 10:17 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ (8) عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال (9)}
يخبر تعالى عن تمام علمه الّذي لا يخفى عليه شيءٌ، وأنّه محيطٌ بما تحمله الحوامل من كلّ إناث الحيوانات، كما قال تعالى: {ويعلم ما في الأرحام} [لقمان: 34] أي: ما حملت من ذكرٍ أو أنثى، أو حسنٍ أو قبيحٍ، أو شقيٍّ أو سعيدٍ، أو طويل العمر أو قصيره، كما قال تعالى: {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنّةٌ في بطون أمّهاتكم فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى} [النّجم: 32].
وقال تعالى: {يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقًا من بعد خلقٍ في ظلماتٍ ثلاثٍ} [الزّمر:6] أي: خلقكم طورًا من بعد طورٍ، كما قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12: 14] وفي الصّحيحين عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يومًا، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملكٌ فيؤمر بأربع كلماتٍ: يكتب رزقه، وعمره، وعمله، وشقّيٌ أو سعيدٌ".
وفي الحديث الآخر: "فيقول الملك: أي ربّ، أذكرٌ أم أنثى؟ أي ربّ، أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرّزق؟ فما الأجل؟ فيقول اللّه، ويكتب الملك".
وقوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} قال البخاريّ: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا معن، حدّثنا مالكٌ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلّا اللّه: لا يعلم ما في غدٍ إلّا اللّه، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلّا اللّه، ولا يعلم متى يأتي المطر أحدٌ إلّا اللّه، ولا تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله".
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وما تغيض الأرحام} يعني: السقط {وما تزداد} يقول: ما زادت الرّحم في الحمل على ما غاضت حتّى ولدته تمامًا. وذلك أنّ من النّساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهنّ من تحمل تسعة أشهر، ومنهنّ من تزيد في الحمل، ومنهنّ من تنقص، فذلك الغيض والزّيادة الّتي ذكر اللّه تعالى، وكلّ ذلك بعلمه تعالى.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} قال: ما نقصت من تسعةٍ وما زاد عليها.
وقال الضّحّاك: وضعتني أمّي وقد حملتني في بطنها سنتين، وولدتني وقد نبتت ثنيّتي.
وقال ابن جريج، عن جميلة بنت سعدٍ، عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين، قدر ما يتحرّك ظل مغزل.
وقال مجاهدٌ: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} قال: ما ترى من الدّم في حملها، وما تزداد على تسعة أشهرٍ. وبه قال عطيّة العوفيّ وقتادة، والحسن البصريّ، والضّحّاك.
وقال مجاهدٌ أيضًا: إذا رأت المرأة الدّم دون التّسعة زاد على التّسعة، مثل أيّام الحيض. وقاله عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وابن زيدٍ.
وقال مجاهدٌ أيضًا: {وما تغيض الأرحام} إراقة المرأة حتّى يخسّ الولد {وما تزداد} إن لم تهرق المرأة تمّ الولد وعظم.
وقال مكحولٌ: الجنين في بطن أمّه لا يطلب، ولا يحزن ولا يغتمّ، وإنّما يأتيه رزقه في بطن أمّه من دم حيضتها فمن ثمّ لا تحيض الحامل. فإذا وقع إلى الأرض استهلّ، واستهلاله استنكارٌ لمكانه، فإذا قطعت سرّته حوّل اللّه رزقه إلى ثديي أمّه حتّى لا يطلب ولا يحزن ولا يغتمّ، ثمّ يصير طفلًا يتناول الشّيء بكفّه فيأكله، فإذا هو بلغ قال: هو الموت أو القتل، أنّى لي بالرّزق؟ فيقول مكحولٌ: يا ويلك ! غذاك وأنت في بطن أمّك، وأنت طفلٌ صغيرٌ، حتّى إذا اشتددت وعقلت قلت: هو الموت أو القتل، أنّى لي بالرّزق؟ ثمّ قرأ مكحولٌ: {اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ}
وقال قتادة: {وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ} أي: بأجلٍ، حفظ أرزاق خلقه وآجالهم، وجعل لذلك أجلًا معلومًا.
وفي الحديث الصّحيح: أنّ إحدى بنات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعثت إليه: أنّ ابنًا لها في الموت، وأنّها تحبّ أن يحضره. فبعث إليها يقول: "إنّ للّه ما أخذ، وله ما أعطى، وكلّ شيءٍ عنده بأجلٍ مسمًّى، فمروها فلتصبر ولتحتسب" الحديث بتمامه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 435-437]

تفسير قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {عالم الغيب والشّهادة} أي: يعلم كلّ شيءٍ ممّا يشاهده العباد وممّا يغيب عنهم، ولا يخفى عليه منه شيءٌ. {الكبير} الّذي هو أكبر من كلّ شيءٍ، {المتعال} أي: على كلّ شيءٍ، قد أحاط بكلّ شيءٍ علمًا، وقهر كلّ شيءٍ، فخضعت له الرّقاب ودان له العباد، طوعًا وكرهًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 437]

تفسير قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سواءٌ منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار (10) له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه إنّ اللّه لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللّه بقومٍ سوءًا فلا مردّ له وما لهم من دونه من والٍ (11)}
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه، سواءٌ منهم من أسرّ قوله أو جهر به، فإنّه يسمعه لا يخفى عليه شيءٌ كما قال: {وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السّرّ وأخفى} [طه: 7] وقال: {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} [النّمل: 25] وقالت عائشة، رضي اللّه عنها: سبحان الّذي وسع سمعه الأصوات، واللّه لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وأنا في جنب البيت، وإنّه ليخفى عليّ بعض كلامها، فأنزل اللّه: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ} [المجادلة: 1].
وقوله: {ومن هو مستخفٍ باللّيل} أي: مختفٍ في قعر بيته في ظلام اللّيل، {وساربٌ بالنّهار} أي: ظاهرٌ ماشٍ في بياض النّهار وضيائه، فإنّ كليهما في علم اللّه على السّواء، كما قال تعالى: {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون} [هودٍ: 5] وقال تعالى: {وما تكون في شأنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلا كنّا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبينٍ} [يونس: 61]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 437]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} أي: للعبد ملائكةٌ يتعاقبون عليه، حرس باللّيل وحرس بالنّهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكةٌ آخرون لحفظ الأعمال من خيرٍ أو شرٍّ، ملائكةٌ باللّيل وملائكةٌ بالنّهار، فاثنان عن اليمين و [عن] الشّمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشّمال يكتب السّيّئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحدًا من ورائه وآخر من قدّامه، فهو بين أربعة أملاكٍ بالنّهار، وأربعةٍ آخرين باللّيل بدلًا حافظان وكاتبان، كما جاء في الصّحيح: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ باللّيل وملائكةٌ بالنّهار، ويجتمعون في صلاة الصّبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون، وتركناهم وهم يصلّون" وفي الحديث الآخر: "إنّ معكم من لا يفارقكم إلّا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم وأكرموهم".
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} والمعقّبات من أمر اللّه، وهي الملائكة.
وقال عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {يحفظونه من أمر اللّه} قال: ملائكةٌ يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر اللّه خلّوا عنه.
وقال مجاهدٌ: ما من عبدٍ إلّا له ملك موكّلٌ، يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ، فما منها شيءٌ يأتيه يريده إلّا قال الملك: وراءك إلّا شيءٌ يأذن اللّه فيه فيصيبه.
وقال الثّوريّ عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه} قال: ذلك ملكٌ من ملوك الدّنيا، له حرسٌ من دونه حرسٌ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه} يعني: وليّ الشّيطان، يكون عليه الحرس. وقال عكرمة في تفسيرها: هؤلاء الأمراء: المواكب من بين يديه ومن خلفه.
وقال الضّحّاك: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} قال: هو السّلطان المحترس من أمر اللّه، وهم أهل الشّرك.
والظّاهر، واللّه أعلم، أنّ مراد ابن عبّاسٍ وعكرمة والضّحّاك بهذا أنّ حرس الملائكة للعبيد يشبه حرس هؤلاء لملوكهم وأمرائهم.
وقد روى الإمام أبو جعفر ابن جريرٍ هاهنا حديثًا غريبًا جدًّا فقال:
حدّثني المثنّى، حدّثنا إبراهيم بن عبد السّلام بن صالحٍ القشيريّ، حدّثنا عليّ بن جريرٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن كنانة العدويّ قال: دخل عثمان بن عفّان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: يا رسول اللّه، أخبرني عن العبد، كم معه من ملكٍ ؟ فقال: "ملكٌ على يمينك على حسناتك، وهو آمرٌ على الّذي على الشّمال، إذا عملت حسنةً كتبت عشرًا، فإذا عملت سيّئةً قال الّذي على الشّمال للّذي على اليمين: أكتب؟ قال: لا لعلّه يستغفر اللّه ويتوب. فإذا قال ثلاثا قال: نعم، اكتب أراحنا اللّه منه، فبئس القرين. ما أقلّ مراقبته للّه وأقلّ استحياءه منّا". يقول اللّه: {ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ} [ق: 18] وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول اللّه: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} وملكٌ قابضٌ على ناصيتك، فإذا تواضعت للّه رفعك، وإذا تجبّرت على اللّه قصمك، وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلّا الصّلاة على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وملكٌ قائمٌ على فيك لا يدع الحيّة أنّ تدخل في فيك، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاكٍ على كلّ آدميٍّ ينزلون ملائكة اللّيل على ملائكة النّهار؛ لأنّ ملائكة اللّيل سوى ملائكة النّهار، فهؤلاء عشرون ملكًا على كلّ آدميٍّ وإبليس بالنّهار وولده باللّيل".
قال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا أسود بن عامرٍ، حدّثنا سفيان، حدّثني منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما منكم من أحدٍ إلّا وقد وكّل به قرينه من الجنّ وقرينه من الملائكة". قالوا: وإيّاك يا رسول اللّه، قال: "وإيّاي، ولكن أعانني اللّه عليه فلا يأمرني إلّا بخيرٍ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
وقوله: {يحفظونه من أمر اللّه} قيل: المراد حفظهم له من أمر اللّه. رواه عليّ بن أبي طلحة، وغيره، عن ابن عبّاسٍ. وإليه ذهب مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم النّخعي، وغيرهم.
وقال قتادة: {يحفظونه من أمر اللّه} قال: وفي بعض القراءات: "يحفظونه بأمر اللّه".
وقال كعب الأحبار: لو تجلّى لابن آدم كلّ سهلٍ وحزنٍ، لرأى كلّ شيءٍ من ذلك شياطين لولا أنّ اللّه وكّل بكم ملائكةً عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم، إذًا لتخطّفتم.
وقال أبو أمامة ما من آدميٍّ إلّا ومعه ملكٌ يذود عنه، حتّى يسلمه للّذي قدّر له.
وقال أبو مجلز: جاء رجلٌ من مراد إلى عليٍّ، رضي اللّه عنه، وهو يصلّي، فقال: احترس، فإنّ ناسًا من مرادٍ يريدون قتلك. فقال: إن مع كلّ رجلٍ ملكين يحفظانه ممّا لم يقدّر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإنّ الأجل جنّةٌ حصينة.
وقال بعضهم: {يحفظونه من أمر اللّه} بأمر اللّه، كما جاء في الحديث أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، أرأيت رقى نسترقي بها، هل تردّ من قدر اللّه شيئًا؟ فقال: "هي من قدر الله".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن أشعث، عن جهم، عن إبراهيم قال: أوحى اللّه إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: إنّه ليس من أهل قريةٍ ولا أهل بيتٍ يكونون على طاعة اللّه فيتحوّلون منها إلى معصية اللّه، إلّا تحوّل لهم ممّا يحبّون إلى ما يكرهون، ثمّ قال: إنّ مصداق ذلك في كتاب اللّه: {إنّ اللّه لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم}
وقد ورد هذا في حديثٍ مرفوعٍ، فقال الحافظ محمّد بن عثمان بن أبي شيبة في كتابه "صفة العرش": حدّثنا الحسن بن عليٍّ، حدّثنا الهيثم بن الأشعث السّلميّ، حدّثنا أبو حنيفة اليماميّ الأنصاريّ، عن عمير بن عبد اللّه قال: خطبنا عليّ بن أبي طالبٍ على منبر الكوفة، قال: كنت إذا سكتّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ابتدأني، وإذا سألته عن الخبر أنبأني، وإنّه حدّثني عن ربّه، عزّ وجلّ، قال: "قال الرّبّ: وعزّتي وجلالي، وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قريةٍ ولا أهل بيتٍ كانوا على ما كرهت من معصيتي، ثمّ تحوّلوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلّا تحوّلت لهم عمّا يكرهون من عذابي إلى ما يحبّون من رحمتي".
وهذا غريبٌ، وفي إسناده من لا أعرفه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 437-440]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة