إحصاءُ الأسماءِ الْحُسنى والعلْمُ بها أصلٌ للعلْمِ بكلِّ معلومٍ
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( [السادسَ عشرَ]: (إحصاءُ الأسماءِ الْحُسنى والعلْمُ بها أصلٌ للعلْمِ بكلِّ معلومٍ، فإنَّ المعلوماتِ سِواهُ إمَّا أن تكونَ خَلْقاً لهُ تعالى أوْ أَمْراً، إما علمٌ بما كَوَّنَهُ أوْ عِلْمٌ بما شَرَعَهُ.
ومَصْدَرُ الخلْقِ والأمْرِ عنْ أسمائِهِ الْحُسْنَى، وهما مُرْتَبِطانِ بها ارتباطَ المقتضَى بمقْتَضِيهِ. فالأمرُ كلُّهُ مَصدرُهُ عنْ أسمائِهِ الْحُسْنَى، وهذا كلُّهُ حَسَنٌ لا يَخْرُجُ عنْ مَصالِحِ العِبادِ والرأفةِ والرحمةِ بهم، والإحسانِ إليهم بتكميلِهم بما أَمَرَهم بهِ ونَهاهُمْ عنهُ، فأمْرُهُ كلُّهُ مَصلحةٌ وحِكمةٌ ورحمةٌ ولُطْفٌ وإحسانٌ؛ إذ مَصْدَرُهُ أسماؤُهُ الْحُسْنَى، وفِعْلُهُ كلُّهُ لا يَخْرُجُ عن العَدْلِ والحكمةِ والمصلَحَةِ والرحمةِ؛ إذ مَصدرُهُ أسماؤُهُ الْحُسْنَى، فلا تَفاوُتَ في خَلْقِهِ ولا عَبَثَ، ولم يَخْلُقْ خَلْقَهُ باطِلاً، ولا سُدًى ولا عَبَثاً.
وكما أنَّ كلَّ مَوجودٍ سِواهُ فبِإيجادِهِ، فوُجودُ مَنْ سِواهُ تابعٌ لوُجودِهِ تَبَعَ المفعولِ المخلوقِ لخالقِهِ، فكذلكَ العلْمُ بها أَصْلٌ للعلْمِ بكلِّ ما سِواهُ، فالعلْمُ بأسمائِهِ وإحصاؤُها أَصْلٌ لسائرِ العلومِ، فمَنْ أَحْصَى أسماءَهُ كما يَنبغِي للمخلوقِ أَحْصَى جميعَ العلومِ؛ إذ إِحصاءُ أسمائِهِ أصْلٌ لإحصاءِ كلِّ معلومٍ؛ لأنَّ المعلوماتِ هيَ مِنْ مُقتضاها ومُرتبطةٌ بها.
وَتَأَمَّلْ صدورَ الخلْقِ والأمرِ عنْ عِلْمِهِ وحِكمتِهِ تعالى، ولهذا لا تَجِدُ فيها خَلَلاً ولا تَفاوُتاً؛ لأن الخلَلَ الواقعَ فيما يَأمُرُ بهِ العبدُ أوْ يَفعلُهُ إمَّا أن يكونَ لِجَهْلِهِ بهِ أوْ لعَدَمِ حِكمتِهِ. وأمَّا الربُّ تعالى فهوَ العليمُ الحكيمُ فلا يَلْحَقُ فِعْلَهُ ولا أَمْرَهُ خللٌ ولا تَفاوُتٌ ولا تَناقُضٌ)([46]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( [السابعَ عشرَ]: (في بيانِ مَراتبِ إحصاءِ أسمائِهِ التي مَنْ أَحصاهَا دَخَلَ الجنَّةَ، وهذا هوَ قُطْبُ السعادةِ ومَدارُ النجاةِ والفلاحِ:
الْمَرتبةُ الأُولَى: إحصاءُ ألفاظِها وعَدَدِها.
الْمَرتبةُ الثانيَةُ: فَهْمُ مَعانِيهَا ومَدلولِها.
المرتبةُ الثالثةُ: دُعاؤُهُ بها كما قالَ تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180] وهوَ مَرتبتانِ:
- إحداهما: دُعاءُ ثناءٍ وعِبادةٍ.
- والثاني: دُعاءُ طَلَبٍ ومسألةٍ.
فلا يُثْنَى عليهِ إلاَّ بأسمائِهِ الْحُسْنَى وصفاتِهِ العُلَى، وكذلكَ لا يُسألُ إلاَّ بها، فلا يُقالُ: يا موجودُ أوْ يَا شيءُ أوْ يا ذاتُ اغْفِرْ لي وارْحَمْنِي، بلْ يُسأَلُ في كلِّ مطلوبٍ باسمٍ يكونُ مُقْتَضِياً لذلكَ المطلوبِ، فيكونُ السائلُ مُتَوَسِّلاً إليهِ بذلكَ الاسمِ؛ ومَنْ تَأَمَّلَ أَدعيَةَ الرسُلِ - ولا سِيَّما خاتَمُهم وإمامُهم - وَجَدَها مُطابِقَةً لهذا.
وهذه العبارةُ أَوْلَى مِنْ عبارةِ مَنْ قالَ: يَتَخَلَّقُ بأسماءِ اللهِ؛ فإنَّها ليستْ بعبارةٍ سَديدةٍ، وهيَ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ قولِ الفَلاسفةِ بالتَّشَبُّهِ بالإلهِ على قَدْرِ الطاقةِ.
وأَحْسَنُ منها عبارةُ أبي الحكَمِ بنِ بَرهانَ وهيَ: التعَبُّدُ.
وأحسَنُ منها العِبارةُ المطابِقَةُ للقرآنِ وهيَ: الدُّعاءُ، المتضمِّنُ للتَّعَبُّدِ والسُّؤالِ.
فمَراتبُها أربعةٌ:
- أشَدُّها إنكاراً عبارةُ الفلاسفةِ وهيَ التَّشَبُّهُ.
- وأحسَنُ منها عبارةُ مَنْ قالَ: التخَلُّقُ.
- وأحسَنُ منها عِبارةُ مَنْ قالَ: التعَبُّدُ.
- وأَحْسَنُ مِن الجميعِ الدعاءُ ، وهيَ لفظُ القرآنِ)([47]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( [الثامنَ عشرَ]: (أنَّ الأسماءَ الْحُسْنَى لا تَدْخُلُ تحتَ حَصْرٍ ولا تُحَدُّ بعَددٍ، فإنَّ للهِ تعالى أسماءً وصفاتٍ اسْتَأْثَرَ بها في عِلْمِ الغَيْبِ عندَهُ، لا يَعْلَمُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، كما في الحديثِ الصحيحِ: ((أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ /أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ/ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنوْدَكَ)).
فجَعَل أسماءَهُ ثلاثةَ أَقسامٍ:
- قِسمٌ سَمْعِيٌّ سَمَّى بهِ نفسَهُ: فأَظْهَرَهُ لِمَنْ شاءَ مِنْ ملائكتِهِ أوْ غيرِهم، ولم يُنْـزِلْ بهِ كتابَهُ.
- وقِسْمٌ أَنْزَلَ بهِ كتابَهُ: فتَعَرَّفَ بهِ إلى عِبادِهِ.
- وقِسمٌ اسْتَأْثَرَ بهِ في عِلْمِ غَيْبِهِ: فلم يَطَّلِعْ عليهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، ولهذا قالَ: ((اسْتَأْثَرْتَ بِهِ)) أي: انْفَرَدْتَ بعِلْمِهِ، وليسَ المرادُ انفرادَهُ بالتَّسَمِّي بهِ؛ لأن هذا الانفرادَ ثابتٌ في الأسماءِ التي أَنْزَلَ بها كتابَهُ.
ومِنْ هذا قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في حديثِ الشفاعةِ: ((فَيَفْتَحُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ بِمَا لا أُحْسِنُهُ الْآنَ)) وتلكَ الْمَحامدُ تَفِي بأسمائِهِ وصفاتِهِ. ومنهُ قولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم:((لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) ([48]).
وأمَّا قولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))([49]) فالكلامُ جُملةٌ واحدةٌ. وقولُهُ ((مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) صِفَةٌ لا خَبَرٌ مُسْتَقْبَلٌ، والمعنى: لهُ أسماءٌ مُتعدِّدَةٌ مِنْ شأنِها أنَّ مَنْ أَحصاهَا دَخَلَ الجنَّةَ، وهذا لا يَنْفِي أن يكونَ لهُ أسماءٌ غيرُها. وهذا كما تقولُ: لفلانٍ مائةُ مَملوكٍ قدْ أَعَدَّهُمْ للجهادِ، فلا يَنْفِي هذا أن يكونَ لهُ مَماليكُ سِواهُمْ مُعَدُّونَ لغيرِ الجهادِ. وهذا لا خِلافَ بينَ العلماءِ فيه)([50]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([46]) بَدائِعُ الفَوائِدِ (1/ 163).([47]) بَدائِعُ الفَوائِدِ (1/ 164).
([48]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 117. ([49]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (7450،7568،10103،10154،10307)، والبُخَارِيُّ في كتابِ التوحيدِ / بابُ إنَّ للهِ مائةَ اسمٍ إلا واحدًا (7392)، ومسلمٌ في كتابِ الذكرِ والدعاءِ / بابٌ في أسماءِ اللهِ تعالَى وفضلِ مَنْ أَحْصاهَا (6750)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدَّعَوَاتِ / بابُ (83)، الحديثُ رقْمُ (3506)، وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الدُّعاءِ / بابُ أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ (3860) من حديثِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
(50) بَدائِعُ الفَوائِدِ (1/ 166-167).