العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:28 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الزخرف

التفسير اللغوي لسورة الزخرف

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ذو القعدة 1431هـ/27-10-2010م, 05:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 22]

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}

تفسير قوله تعالى:{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {حم * والكتاب المبين}
قد فسرنا معنى {حم} ، ومعنى {الكتاب المبين}: الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة، وأبان كل ما تحتاج إليه الأمّة). [معاني القرآن: 4/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (من ذلك قوله جل وعز: {حم والكتاب المبين}: أي إبان الهدى من الضلالة,والحق من الباطل,ويكون المبين البين). [معاني القرآن: 6/333]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّا جعلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون} معناه: إنا بيّنّاه قرآنا عربيا). [معاني القرآن: 4/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} أي: بيناه). [معاني القرآن: 6/333]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإنّه في أمّ الكتاب} أي: في أصل الكتب عند اللّه). [تفسير غريب القرآن: 395]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:{وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم}
{أم الكتاب}: أصل الكتاب، وأصل كل شيء أمّه، والقرآن مثبت عند اللّه في اللوح المحفوظ، والدليل على ذلك قوله: {بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ} ). [معاني القرآن: 4/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم}
روى معمر, عن قتادة قال: {في أم الكتاب}:قال: في أصل الكتاب, وجملته عندن.
قال أبو جعفر: ونظير هذا على قول قتادة: {إنه لقرآن مجيد في لوح محفوظ}
وقيل {وإنه في أم الكتاب}: يعني ما قدر من الخير والشر لعلي لقاهر لا يقدر أحد أن يدفعه حكيم محكم). [معاني القرآن: 6/334]

تفسير قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {أفنضرب عنكم الذّكر صفحاً أن كنتم...}
قرأ الأعمش: (إن كنتم): بالكسر، وقرأ عاصم والحسن: {أن كنتم}: بفتح {أن}، كأنهم أرادوا شيئا ماضيا، وأنت تقول في الكلام: أأسبّك أن حرمتني؟ تريد إذ حرمتني، وتكسر إذا أردت أأسبك إن حرمتني، ومثله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم} تكسر {إن} وتفتح.
ومثله: {فلعلّك باخعٌ نفسك على آثارهم}, (إن لم يؤمنوا)، و(أن لم يؤمنوا)، والعرب تنشد قول الفرزدق:

أتـــجــــزع إن أذنـــــــا قـتــيــبــة حــــزتــــا = جهاراً، ولم تجزع لقتل ابن خازم؟
وأنشدوني:-
أتجزع أن بـان الخليـط المـودّع = وجبل الصفا من عزة المتقطع؟
وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح..
والعرب تقول: قد أضربت عنك، وضربت عنك إذا أردت به: تركتك، وأعرضت عنك). [معاني القرآن: 3/27-28]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أفنضرب عنكم الذّكر صفحاً أن كنتم قوماً مّسرفين}
قال: {أن كنتم قوماً مّسرفين}: يقول: "لأن كنتم"). [معاني القرآن: 4/12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أفنضرب عنكم الذكر صفحا}: يقال: مر بنا فلان صفحا إذا مر ولم يقف). [غريب القرآن وتفسيره: 332]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({أفنضرب عنكم الذّكر صفحاً}: أي نمسك عنكم فلا نذكركم صفحا، أي إعراضا. يقال: صفحت عن فلان، إذا أعرضت عنه.
والأصل في ذلك: انك توليه صفحة عنقك, قال كثير يصف امرأة:
صـفـوحـا فـمــا تـلـقـاك إلا بحـيـلـة = فمن مل منها ذلك الوصل ملت
أي : معرضة بوجهها.
ويقال: ضربت عن فلان كذا، أي أمسكته , وأضربت عنه.
{أن كنتم قوماً مسرفين} أي: لأن كنتم قوما مسرفين). [تفسير غريب القرآن: 395]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أفنضرب عنكم الذّكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}
ويقرأ: {إن كنتم قوما مسرفين}: فمن فتحها, فالمعنى أفنضرب عنكم الذكر صفحا لأن كنتم، ومن كسرها فعلى معنى الاستقبال، على معنى إن تكونوا مسرفين نضرب عنكم الذكر، ويقال: ضربت عنه الذكر, وأضربت عنه الذكر.
والمعنى: أفنضرب عنكم ذكر العذاب , والعذاب بأن أسرفتم.
والدليل على أن المعنى هذا, وأنه ذكر العذاب). [معاني القرآن: 4/405-406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}
روى إسماعيل عن أبي صالح: {أفنضرب عنكم الذكر}, قال: العذاب.
وروى ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: أتكذبون بالقرآن, ولا تعاقبون
قال أبو جعفر المعنى على هذين القولين: أفنضرب عنكم ذكر العذاب.
ومذهب قتادة: أن المعنى أفنهملكم, ولا نأمركم ولا ننهاكم
قال أبو جعفر يقال: ضربت عنه, وأضربت, أي: تركته .
ثم قال جل وعز: {صفحا} أي: إعراضا
يجوز أن يكون المعنى: أفنصفح عنكم صفحا, كما يقال هو يدعه تركا .
ويجوز أن يكون المعنى: أفنضرب عنكم الذكر صافحين, كما يقال: جاء فلان مشيا .
ومعنى صفحت عنه: أعرضت عنه , أي وليته صفحة عنقي .
قال الشاعر:
صـفـوحـا فـمــا تـلـقـاك إلا بخـيـلـة = فمن مل منها ذلك الوصل ملت
ثم قال جل وعز: {أن كنتم قوما مسرفين}
- قال قتادة: أي: مشركين .
- قال أبو جعفر: المعنى لأن كنتم إذا فتحت أن, وبذلك قرأ الحسن, وأبو عمرو, وابن كثير.
- وقرأ أهل المدينة, وأهل الكوفة بالكسر وهو عند قوم من أهل اللغة لحن: منهم أبو حاتم, وإنما صار عندهم لحنا لأنهم إنما وبخوا على شيء قد ثبت , وكان فهذا موضع أن مفتوحة كما قال سبحانه: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى}
قال أبو جعفر: وهذا عند الخليل , وسيبويه , والكسائي, والقراء جيد.
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله -يعني الفرزدق- :
أتـغــضــب إن أذنـــــا قـتـيـبــة حـــزنـــا = جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم
فقال هي إن مكسورة لأنه قبيح أن يفصل بين أن والفعل
قال أبو جعفر: وهذا شيء قد مضى.
قال أبو إسحاق: وهذا يكون بمعنى الحال إذا كان في الكلام معنى التوبيخ والتقرير, أي: أهذه حالك؟.
قال أبو جعفر: فعلى هذا قوله: {إن كنتم قوما مسرفين}). [معاني القرآن: 6/334-338]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَفْحًا}: أي أعراضاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَفْحًا}: مر, ولم تقف). [العمدة في غريب القرآن: 268]

تفسير قوله تعالى: { فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {فأهلكنا أشدّ منهم بطشا ومضى مثل الأوّلين}
أي مضت سنتهم، ويكون {أفنضرب عنكم الذكر}: أي نهملكم, فلا نعرفكم ما يجب عليكم لأن أسرفتم، ومثله:{أيحسب الإنسان أن يترك سدى} ).[معاني القرآن: 4/406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين}
- قال مجاهد: أي: سنة الأولين.
- قال قتادة: أي: عقوبة الأولين). [معاني القرآن: 6/338]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:{الّذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلّكم تهتدون}
{وجعل لكم فيها سبلا}: طرقا). [معاني القرآن: 4/406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وجعل لكم فيها سبلا}: أي: طرقا). [معاني القرآن: 6/338]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فأنشرنا به بلدةً مّيتاً} أي: أحيينا, ونشرت الأرض: أي حييت .
قال الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا = يــا عجـبـاً للـمـيِّـت الـنـاشـر).
[مجاز القرآن: 2/202]

تفسير قوله تعالى:{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {والّذي خلق الأزواج كلّها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون}
معناه خلق الأصناف كلها، تقول عندي من كلّ زوج أي من كلّ صنف.
{وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون} أي: خلق لكم وسخرها لكم:{ لتستووا على ظهوره}). [معاني القرآن: 4/406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والذي خلق الأزواج كلها}
أي: الأصناف كلها, ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون}
قال مجاهد: الأباعر, والخيل, والبغال, والحمير). [معاني القرآن: 6/338-339]

تفسير قوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لتستووا على ظهوره...}.
يقول القائل: كيف قال: { على ظهوره}, فأضاف الظهور إلى واحد؟
يقال له: إن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قال: فهلا قلت: لتستووا على ظهره، فجعلت الظهر واحداً إذا أضفته إلى واحد؟
قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع، فرددت الظهور إلى المعنى ولم تقل: ظهره، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول: قد كثرت نساء الجند، وقلت: ورفع الجند أعينه ولا تقل عينه, وكذلك كل ما أضفت إليه من الأسماء الموضوعة، فأخرجها على الجمع، فإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده مثل قولك: رفع الجند صوته وأصواته أجود، وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلا كصورته في الواحد.
وقوله: {وما كنّا له مقرنين...}.
مطيقين، تقول للرجل: قد أقرنت لهذا أي أطقته، وصرت له قرنا). [معاني القرآن: 3/28]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والّذي خلق الأزواج كلّها وجعل لكم مّن الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره}: " التذكير لـ " ما ".
{وما كنّا له مقرنين}: ضابطين، يقال: فلان مقرن لفلان أي ضابط له مطيق، قال الكميت:
ركبتم صعبتي أشرّاً وحيناً = ولستم للصّعـاب بمقرنينـا ).
[مجاز القرآن: 2/202]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لتستووا على ظهوره ثمّ تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين}
وقال: {لتستووا على ظهوره} فتذكيره يجوز على {ما تركبون}.
و{ما} هو مذكر كما تقول: "عندي من النساء ما يوافقك ويسرك", وقد تذكر "الأنعام" وتؤنّث , وقد قال في موضع {مّمّا في بطونه}, وقال في موضع آخر {بطونها}). [معاني القرآن: 4/13]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وما كنا له مقرنين}: أي ضابطين مطيقين: يقال فلان مقرن لفلان أي ضابط له. يقال أقرنت لك أي صرت لك قرنا). [غريب القرآن وتفسيره: 332]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( {وما كنّا له مقرنين}: أي مطيقين.
يقال: أنا مقرن لك، أي مطيق لك.
ويقال: هو من قولهم: أنا قرن لفلان، إذا كنت مثله في الشدة.
وإن فتحت. فقلت: أنا قرن لفلان, أردت: أنا مثله في السن). [تفسير غريب القرآن: 395]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين}
أي: تحمدون اللّه وتعظمونه، فيقول القائل إذا ركب السفينة: بسم اللّه مجراها ومرساها، ويقول إذا ركب الدابة: الحمد للّه سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، أي مطيقينز
واشتقاته من قولك: أنا لفلان مقرن, أي: مطيق، أي: قد صرت قرنا له). [معاني القرآن: 4/406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {لتستووا على ظهوره} أي: على ظهور هذا الجنس.
{ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} أي: تقولوا الحمد لله
كما روى أبو إسحاق عن علي بن ربيعة قال: رأيت علي بن أبي طالب صلوات الله عليه جعل رجله في الركاب فقال: بسم الله , فلما استوى راكبا قال: الحمد لله , ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين}, اللهم لا إله إلا أنت قد عملت سوء, فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت , ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كفعلي .
وروى ابن أبي نجيح , عن مجاهد من ركب, ولم يقل: سبحان الذي سخر لنا هذا , وما كنا له مقرنين .
قال له الشيطان: تغنه, فإن لم يحسن, قال له: تمنه
قال قتادة: مقرنين أي : في القوة .
قال أبو جعفر: حكى أهل اللغة أنه يقال: أقرن له إذا أطاقه , وأنشدوا:
ركبتم صعبتي أشرا وحينا = ولستم للصعـاب بمقرنينـا
وحقيقة أقرنت له: صرت له قرنا, يقال: هو قرنه في القتال, وهو على قرنه: أي: مثله في السن). [معاني القرآن: 6/339-341]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُقْرِنِينَ} أي مطيقين, يقال: أنا مقرن لك, أي: مطيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُقْرِنِينَ}: مطيقين). [العمدة في غريب القرآن: 268]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون} :أي: نحن مقرّون بالبعث). [معاني القرآن: 4/406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} أي: إنا لمبعوثون). [معاني القرآن: 6/341]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({من عباده جزءاً } أي : نصيباً). [مجاز القرآن: 2/202]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جزءا}: نصيبا). [غريب القرآن وتفسيره: 332]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({وجعلوا له من عباده جزءاً} أي: نصيبا, ويقال: شبها ومثلا، إذ عبدوا الملائكة والجن.
وقال أبو إسحاق الزجاج: إن معنى (جزأ) هاهنا: بنات. يقال:له جزء من عيال، أي بنات
قال: وأنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى (جزء): إناث.
قال: ولا ادري: البيت قديم؟ أم مصنوع؟ -:
إن أجزأت حرة يوما، فلا عجب = قد تجـزي الحـرة المذكـار أحيانـا
فمعنى : إن أجزأت, أي آنثت، أي: أتت بأنثى.
وقال المفضل بن سلمة: حكي لي بعض أهل اللغة: أجزأ الرجل، إذا كان يولد له بنات. وأجزأت المرأة: إذا ولدت البنات.
وانشد المفضل:
زوجتها من بنات الأوس مجزئة = اللدن في أبياتها زجل ).
[تفسير غريب القرآن: 396]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وجعلوا له من عباده جزءا إنّ الإنسان لكفور مبين}
يعنى: به الذين جعلوا الملائكة بنات اللّه، وقد أنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى جزء معنى الإناث ولا أدري البيت، قديم أم مصنوع، أنشدني:
إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب = قــــد تــجــزئ الــحــرّة الـمــذكــار
أحيانا: أي إن أنثت، ولدت أنثى). [معاني القرآن: 4/406-407]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {وجعلوا له من عباده جزء إن الإنسان لكفور مبين}
قال قتادة: جزء أي عدلا
قال أبو جعفر: والمعنى على قولهم أنهم عبدوا الملائكة , فجعلوا لله جل وعز شبها ومثلا .
وقال عطاء: (جزء) أي : نصيبا وشركا
قال أبو جعفر: وهذا أبين كما يقال "هذا جزء فلان", وقيل لهم هذا لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله, هذا قول مجاهد.
ومعنى:{ وجعلوا}, قالوا: هذا ووصفوه). [معاني القرآن: 6/340-342]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ظلّ وجهه مسودّاً...} الفعل للوجه، فلذلك نصبت الفعل، ولو جعلت {ظلّ} للرجل رفعت الوجه والمسود، فقلت: ظل وجهه مسودٌّ وهو كظيم). [معاني القرآن: 3/28]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرّحمن مثلًا} يريد:
جعلتهم البنات للّه: وأنتم إذا ولد لأحدكم بنت، {ظلّ وجهه مسودًّا وهو كظيمٌ} أي حزين؟!). [تفسير غريب القرآن: 397]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَهُوَ كَظِيمٌ}: الحزين الحابس حزنه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أومن ينشّأ في الحلية...}
يريد الإناث، يقول: خصصتم الرحمن بالبنات، وانتم هكذا إذا ولد لأحدكم بنت أصابه ما وصف، فأما قوله: {أومن} فكأنه قال: ومن لا ينشأ إلاّ في الحلية , وهو في الخصام غير مبين، يقول: لا يبلغ من الحجة ما يبلغ الرجل، وفي قراءة عبد الله: { أومن لا ينشّأ إلاّ في الحلية} ، فإن شئت جعلت "من" في موضع رفع على الاستئناف، وإن شئت نصبتها على إضمار فعل يجعلون ونحوه، وإن رددتها على أول الكلام على قوله:
{وإذ بشّر أحدهم بما ضرب} خفضتها وإن شئت نصبتها، وقرأ يحيى بن وثاب وأصحاب عبد الله والحسن البصري: (ينشّأ), وقرأ عاصم, وأهل الحجاز: {ينشأ في الحلية}). [معاني القرآن: 3/29]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أو من ينشؤ في الحلية}: يعني الحلى, وهذه الجواري). [مجاز القرآن: 2/203]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ينشأ في الحلية}: الحلى يعني الجواري).[غريب القرآن وتفسيره: 333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({أومن ينشّأ في الحلية}, أي ربي في الحلي، يعني: البنات.
و{الخصام}: جمع «خصيم». ويكون مصدرا لـ «خاصمت».
{غير مبينٍ}: للحجة). [تفسير غريب القرآن: 397]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} وهي: آناؤه وساعاته، مأخوذة من نشأت تنشأ نشئا، ونشأت أي: ابتدأت وأقبلت شيئا بعد شيء، وأنشأها الله فنشأت وأنشأت. ومنه قوله سبحانه: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}،وقوله: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} أي: ابتدأناهن ونبّتناهن، ومنه قيل لصغار الجواري: نشأ).
[تأويل مشكل القرآن: 365](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {أومن ينشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين}
ويقرأ {ينشأ} ، وموضع "من" نصب.
المعنى أجعلوا من ينشّأ في الحلية - يعني البنات - للّه.
{وهو في الخصام غير مبين}: يعنى البنات، أي الأنثى لا تكاد تستوفي الحجة ولا تبين.
وقد قيل في التفسير: إن المرأة لا تكاد تحتج بحجة إلا عليها.
وقد قيل: إنّه يعني به الأصنام, والأجود أن يكون يعني به المؤنث). [معاني القرآن: 4/407]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين}
قال ابن عباس: يعني النساء: جعل زيهن غير زي الرجال.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون المعنى {أومن ينشأ في الحلية}: يجعلون لله جل وعز نصيبا, ويجوز أن يكون في موضع رفع
ثم قال جل وعز: {وهو في الخصام غير مبين}
قال قتادة: قل ما تكلمت امرأة, ولها حجة إلا جعلتها عليها).[معاني القرآن: 6/342-343]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}: يعني البنات يريد من ربي في الحلي, وهو لا يبين عن نفسه , جعلتموه لله, ويسود وجه أحدكم إذا بشر بذلك لنفسه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحِلْيَةِ}: الحلي يعني به الجواري). [العمدة في غريب القرآن: 268]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {عباد الرّحمن...}.
قرأها عبد الله بن مسعود وعلقمة، وأصحاب عبد الله: "عباد الرحمن"، وذكر عن عمر (رحمه الله) : أنه قرأها: { عند الرحمن} ، وكذلك عاصم، وأهل الحجاز، وكأنهم أخذوا ذلك من قوله: {إنّ الذين عند ربّك لا يستكبرون عن عبادته} وكل صواب.
وقوله: {أشهدوا خلقهم...}, نصب الألف من "أشهدوا" عاصم، والأعمش، ورفعها أهل الحجاز على تأويل: {أشهدوا خلقهم}؛ لأنه لم يسم فاعله، والمعنى واحد, قرءوا بغير همز يريدون الاستفهام .
قال أبو عبد الله: كذا قال الفراء). [معاني القرآن: 3/29-30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثاً} أي: عبيده, يقال: عبد وعبيد وعباد). [تفسير غريب القرآن: 397]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون}
الجعل ههنا في معنى القول, والحكم على الشيء, تقول: قد جعلت زيدا أعلم الناس، أي قد وصفته بذلك وحكمت به.
وقوله عزّ وجلّ: { ستكتب شهادتهم}
وتقرأ سنكتب، ويجوز سيكتب، المعنى سيكتب اللّه شهادتهم ولا نعلم أحدا قرأ بها.
والقراءة بالتاء والنون). [معاني القرآن: 4/407]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا}, جعلوا هنا بمعنى وصفوا , وهذا من وجوه جعل التي ذكرها الخليل, وسيبويه كما تقول: جعلت فلانا أعلم الناس أي وصفته بهذا). [معاني القرآن: 6/344]

تفسير قوله تعالى: { وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلّا يخرصون}
المعنى : ما لهم بقولهم إنّ الملائكة بنات اللّه من علم، ولا بجميع ما تخرصوا به). [معاني القرآن: 4/408]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون}
هذه آية مشكلة وقد تكلم فيها العلماء..
- فمن أحسن ما قالوا أن قوله عز وجل: {ما لهم بذلك من علم} مردود إلى قوله: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا}
فالمعنى إن الله جل وعز لم يرد عليهم قولهم: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}, وإنما المعنى ما لهم بقولهم الملائكة بنات الله من علم وما بعده يدل على أن المعنى على هذا لأن بعده {أم آتيناهم كتابا من قبله} أي: أم أنزلنا عليهم كتابا فيه هذا
- وفي الآية قول آخر: وهو أن معنى ما لهم بذلك من علم: ما لهم عذر في هذا لأنهم رأوا أن ذلك عذر لهم فرد الله ذلك عليهم, فالرد محمول على المعنى , وقوله: {أم آتيناهم كتابا}). [معاني القرآن: 6/344-345]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} أي: إلا يكذبون). [ياقوتة الصراط: 459]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون}
أي: أم هل قالوا عن كتاب؟
المعنى: أشهدوا خلقهم أم آتيناهم بكتاب بما قالوه من عبادتهم ما يعبدون من دون اللّه). [معاني القرآن: 4/408]

تفسير قوله تعالى: { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ...}.
قرأها القراء بضم الألف من {أمّة}, وكسرها مجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وكأن (الإمّة) مثل السنة والملة، وكأن (الإمّة) الطريقة: والمصدر من أممت القوم، فإن العرب تقول: ما أحسن إمته وعمّته وجلسته إذا كان مصدرا، والإمة أيضا الملك والنعيم. قال عدي:
ثم بعد الفلاح والملك والإمّة = وارثـــــهــــــم هـــــنــــــاك الـــقــــبــــور
فكأنه أراد: إمامة الملك ونعيمه.
وقوله: {وإنّا على آثارهم مّهتدون...} و{مّقتدون...}.
رفعتا ولو كانتا نصبا لجاز ذلك؛ لأنّ الوقوف يحسن دونهما، فتقول للرجل: فدمت ونحن بالأثر متبعين ومتبعون). [معاني القرآن: 3/30]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({على أمّةٍ}: على ملة واستقامة). [مجاز القرآن: 2/203]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({آباءنا على أمة}: أي على استقامة، وقرئت {أمة} بهذا المعنى، أي على حال). [غريب القرآن وتفسيره: 333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ} أي: على دين واحد). [تفسير غريب القرآن: 397]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمّة: الدّين، قال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي: على دين.
قال النابغة:

حلفتُ فَلَمْ أتركْ لنفسـكَ رِيبَـةً = وهل يَأْثَمَن ذُو أُمَّةٍ وهو طائعُ؟
أي: ذو دين.
والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد: أمة، فتقام الأمة مقام الدين، ولهذا قيل للمسلمين: أمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، لأنهم على أمر واحد، قال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} مجتمعة على دين وشريعة.
وقال الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}
أي: مجتمعة على الإسلام).
[تأويل مشكل القرآن: 446]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (ثم أعلم اللّه -عزّ وجلّ– أن فعلهم اتباع ضلالة آبائهم فقال:{ بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون}
ويقرأ (على إمّة): بالكسر، فالمعنى على طريقة). [معاني القرآن: 4/408]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة}
وقرأ مجاهد وعمر بن عبد العزيز: (على إمة), قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد
قال أبو جعفر المعروف في اللغة أن الإمة بالكسر الطريقة من الدين والمذهب كما قال:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة = وهل يأثمن ذو امة وهو طائـع
والأمة السنة والملة, وقد يكون لها غير هذا المعنى, وقد تكون الإمة بمعنى الملك والتمام كما قال:
ثم بعد الفلاح والملك والإمة = وارتـــهـــمـــوا هــــنـــــاك الـــقـــبــــور
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: {إنا وجدنا آباءنا على أمة}: على ملة.
وقوله جل وعز: {وإنا على آثارهم مهتدون}
يجوز أن يكون خبرا بعد خبر, ويجوز أن يكون المعنى: مهتدون على آثارهم). [معاني القرآن: 6/345-347]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({على أمة}: أي: على دين). [ياقوتة الصراط: 459]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَلَى أُمَّةٍ} أي على دين واحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({على أمة}: حال). [العمدة في غريب القرآن: 268]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ذو القعدة 1431هـ/27-10-2010م, 05:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 23 إلى 35]

{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ} أي : على دين واحد). [تفسير غريب القرآن: 397](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون}
أي : قد قال لك هؤلاء كما قال أمثالهم للرسل من قبلك.
وقوله: {وإنّا على آثارهم مقتدون}
معناه نقتدي بهم، ويصلح أن يكون خبرا لإنا مهتدون، و{على} من صلة مهتدين، وكذلك مقتدون، فيكون المعنى وإنهم مهتدون على آثارهم، وكذلك يكون المعنى مقتدون على آثارهم، ويصلح أن يكون خبرا بعد خبر، فيكون{وإنّا على آثارهم} الخبر, ويكون{مهتدون}خبرا ثانيا، وكذلك {مقتدون}). [معاني القرآن: 4/408]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم أخبر جل وعز: أن الأنبياء قبله قد قيل لهم مثل هذا فقال: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}). [معاني القرآن: 6/347]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ :{قال أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون}
المعنى فيه : قل أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم , وإن جئتكم بأهدى منه). [معاني القرآن: 4/408]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم}
المعنى: أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم أقمتم على ما كان عليه آباؤكم). [معاني القرآن: 6/347-348]

تفسير قوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّني براء مّمّا تعبدون...}.
العرب تقول: نحن منك البراء والخلا، والواحد والاثنان , والجميع من المؤنث والمذكر يقال فيه: براء؛ لأنه مصدر، ولو قال: (بريء) : لقيل في الاثنين: بريئان، وفي القوم: بريئون وبرءاء، وهي في قراءة عبد الله: {إنّني برئٌ مّمّا تعبدون}, ولو قرأها قارئ كان صوابا موافقا لقراءتنا؛ لأن العرب تكتب: يستهزئ , يستهزأ , فيجعلون الهمزة مكتوبة بالألف في كل حالاتها.
يكتبون شيء شيئا , ومثله كثير في مصاحف عبد الله، وفي مصحفنا: ويهيئ لكم، ويهيأ بالألف). [معاني القرآن: 3/30]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذ قال إبراهيم} معناها: وقال إبراهيم.
{إنّني براءٌ}: مجازها بلغة علوية يجعلون الواحد, والاثنين, والثلاثة من الذكر والأنثى على لفظ واحد , وأهل نجد يقولون: أنا بريء , وهي بريئة , ونحن براء للجميع). [مجاز القرآن: 2/203]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براء مّمّا تعبدون}
وقال: {إنّني براء مّمّا تعبدون}: تقول العرب "أنا براءٌ منك"). [معاني القرآن: 4/13]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({إنني براء}: البراء والخلاء لا يجمعان ولا يؤنثان لأنهما مصدران بلغة العلوية يجعلون الواحد والاثنين والثلاثة من الذكر والأنثى على لفظ واحد، وأهل نجد يقولون أنا بريء وهي بريئة ونحن براء من الجميع).[غريب القرآن وتفسيره: 333]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براء ممّا تعبدون * إلّا الّذي فطرني فإنّه سيهدين}
{براء}: بمعنى بريء ممّا تعبدون، والعرب تقول للواحد منها: أنا البراء منك، وكذلك الاثنان والجماعة , والذكر والأنثى يقولون: نحن البراء منك والخلاء منك، ولا يقولون: نحن البراءان منك ولا البراءون.
وإنما المعنى: إنا ذوو البراء منك, ونحن ذوو البراء منك كما تقول: رجل عدل, وامرأة عدل, وقوم عدل، والمعنى: ذوو عدل, وذوات عدل). [معاني القرآن: 4/408-409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون}
وفي قراءة: (إنني بريء) .
وحكى الفراء: أن قوما يكتبون الهمزة في كل موضع ألفا, فعلى هذا يقرأ بريء, وإن كان في السواد بالألف, ومن قرأ براء قال: في الاثنين, والجميع براء أيضا, بمعنى ذوي براء). [معاني القرآن: 6/348]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَرَاء}: المباراة). [العمدة في غريب القرآن: 268]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إلّا الّذي فطرني فإنّه سيهدين}
المعنى إنا نتبرأ مما تعبدون إلا من الله عزّ وجلّ، ويجوز أن يكون "إلا" بمعنى لكن فيكون المعنى: لكن الذي فطرني, فإنه سيهدين). [معاني القرآن: 4/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إلا الذي فطرني فإنه سيهدين}
قال قتادة: أي خلقني.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون استثناء من الأول, ويجوز أن يكون {إلا} بمعنى لكن). [معاني القرآن: 6/349]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه...}.
اسم الإسلام، يقول لازمة لمن اتبعه، وكان من ولده، لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين؛ إذا كانوا من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم , فذلك قوله: {لعلّهم يرجعون} إلى دينك, ودين إبراهيم صلى الله عليهما وسلم). [معاني القرآن: 3/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه} يعني: «لا إله إلا اللّه»). [تفسير غريب القرآن: 397]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون}
يعني بها كلمة التوحيد: وهي لا إله إلا اللّه , باقية في عقب إبراهيم، لا يزال من ولده من يوحد اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 4/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وجعلها كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون}
قال مجاهد: كلمة باقية: {لا إله إلا الله}
وقال قتادة: التوحيد , والإخلاص في عقبه.
وقال مجاهد: في ولده.
قال قتادة: لا يزال من ولد إبراهيم من يعبد الله جل وعز إلى يوم القيامة.
وقوله جل وعز: {لعلهم يرجعون} إلى دينك, ودين إبراهيم صلى الله عليهما إذ كانوا من ولده). [معاني القرآن: 6/349-350]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}: يعني لا إله إلا الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لولا نزّل هذا القرآن على رجلٍ مّن القريتين عظيمٍ}.
ومعناه: على أحد رجلين عنى نفسه, وأبا مسعود الثقفي، وقال هذا الوليد بن المغيرة المخزومي، والقريتان: مكة والطائف). [معاني القرآن: 3/31]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وقالوا لولا نزّل هذا القرآن} معناها : هلا). [مجاز القرآن: 2/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}
المعنى: على رجل من رجلي القريتين عظيم، والرجلان: أحدهما الوليد ابن المغيرة المخزومي من أهل مكة، والآخر حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف، والقريتان ههنا مكة والطائف.
ويجوز {لولا نزّل} أي: لولا نزّل اللّه هذا القرآن،, ويجوز لولا نزل هذا القرآن.
ومعنى: {لولا}: هلّا, ولم يقرأ بهاتين الأخريين، إنما القراءة {نزّل}.
و{هذا} في موضع رفع، والقرآن ههنا مبيّن عن هذا ويسميه سيبويه عطف البيان، لأن لفظه لفظ الصفة، ومما يبين أنه عطف البيان قولك مررت بهذا الرجل وبهذه الدار، و{هذا القرآن} إنما يذكر بعد هذا اسما يبين بها اسم الإشارة). [معاني القرآن: 4/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}
قال ابن عباس: القريتان مكة , والطائف.
قال قتادة: الرجلان أبو مسعود الثقفي, واسمه عروة بن مسعود من أهل الطائف, والوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي من أهل مكة.
قال مجاهد: الرجلان عتبة بن ربيعة من أهل مكة, وأبو مسعود الثقفي واسمه: عمير بن عمرو بن مسعود.
قال أبو جعفر: روي هذا عن جماعة ثقات منهم ابن جريج, وابن أبي نجيح .
وروى ذلك عن قتادة الثقات أيضا إلا أن قول قتادة أشبه بالصواب لأن معمرا روى عنه أنه قال: قال الوليد بن المغيرة : لو كان ما يقول محمد حقا أنزل علي, أو على أبي مسعود الثقفي. فخبر قتادة بسبب نزول الآية.
قال أبو العباس: التقدير في العربية : على رجل من رجلين, من القريتين .
قال أبو جعفر: حقيقة التقدير في العربية : على رجل من رجلي القريتين كما قال سبحانه: {واسأل القرية}). [معاني القرآن: 6/351-352]

تفسير قوله تعالى: {أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ...}.
فرفعنا المولى فوق عبده، وجعلنا بعضهم يسبي بعضا، فيكون العبد , والذي يسبي مسخّرين لمن فوقهما.
وقوله: {لّيتّخذ بعضهم بعضاً سخريّاً...}، و"سخريّاً" , وهما واحد هاهنا وفي:{قد أفلح}، وفي ص - سواء الكسر فيهن , والضم لغتان). [معاني القرآن: 3/31]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ {أهم يقسمون رحمت ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سخريّا ورحمت ربّك خير ممّا يجمعون}
أي قولهم: لم لم ينزل هذا القرآن على غير محمد عليه السلام اعتراض منهم، وليس تفضل اللّه عزّ وجلّ يقسمه غيره.
ولما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة , قالت العرب أو أكثرها: كيف لم يرسل اللّه ملكا وكيف أرسل اللّه بشرا؟!, فقال اللّه عزّ وجلّ: {وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى}.
وقال: {أكان للنّاس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم}.
فلما سمعوا أن الرسالة كانت في رجال من أهل القرى قالوا: { لولا نزل على أحد هذين الرجلين }.
وقال عزّ وجلّ : {أهم يقسمون رحمت ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات}
قكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق وفي المنزلة، كذلك اصطفينا للرسالة من نشاء.
وقوله:{ليتّخذ بعضهم بعضا سخريّا}.
و {سخريا}: أي: ليستعمل بعضهم بعضا، ويستخدم بعضهم بعضا.
وقيل {سخريّا}: أي، يتخذ بعضهم بعضا عبيدا.
ثم أعلم - عزّ وجلّ - أن الآخرة أحظّ من الدنيا فقال: {ورحمت ربّك خير ممّا يجمعون}). [معاني القرآن: 4/409-410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا}
أي: كما قسمنا بينهم الأرزاق, وفضلنا بعضهم على بعض كذلك فضلنا بعضهم على بعض بالاصطفاء بالرسالة, ثم قال جل وعز: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}
أي: ليكون بعضهم لبعض خولا, وسخري وسخري واحد
ثم أخبر جل وعز أن ما عنده من الرحمة خير فقال: {ورحمة ربك خير مما يجمعون}
وقرأ الحسن: (تجمعون) بالتاء). [معاني القرآن: 6/353]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّةً واحدةً...}.
أن في موضع رفع.
وقوله: {لّجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم...}.
إن شئت جعلت اللام مكررة في لبيوتهم، كما قال: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}، وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين , كأنّ الثانية في معنى على كأنه قال: لجعلنا لهم على بيوتهم سقفاً، وتقول للرجل في وجهه: جعلت لك لقومك الأعطية، أي جعلته من أجلك لهم.
و{السّقف} قرأها عاصم والأعمش والحسن {سقفاً}, وإن شئت جعلت واحدها سقيفة، وإن شئت جعلت سقوفا، فتكون جمع الجمع كما قال الشاعر:

حتى بلت حلاقيم الحلق = أهوى لأدنى فقرة على شفق

ومثله قراءة من قرأ {كلوا من ثمره}, وهو جمع، وواحده ثمار، وكقول من قرأ:{فرهنٌ مقبوضة}, واحدها رهان ورهون, وقرأ مجاهد وبعض أهل الحجاز {سقفاً} كالواحد مخفف؛ لأن السّقف مذهب الجماع). [معاني القرآن: 3/31-32]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({سقفاً من فضّةٍ}, واحدها سقفٌ, مجازها مجاز رهنٍ ورهنٍ .
قال قعنب بن أم صاحب:-
بانت سعاد وأمسى دونهـا عـدن = وغلقت عندها من قبلك الرّهن
ومن قال: سقفاً, فهو جمع: السقفة). [مجاز القرآن: 2/203]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{ومعارج}: المعارج: الدرج .
قال جندل بن المثنى:

يا ربّ ربّ البيت ذي المعارج).
[مجاز القرآن: 2/203-204]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولولا أن يكون النّاس أمّةً واحدةً لّجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً مّن فضّةٍ ومعارج عليها يظهرون}
وقال: {ومعارج عليها يظهرون}, ومثله قول العرب "مفاتح" و"مفاتيح" , و"معاطٍ" في "المعطاء" , و"أثافٍ" من "الأثفيّة" , وواحد "المعارج" "المعراج", ولو شئت قلت في جمعه "المعاريج"). [معاني القرآن: 4/13]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولولا أن يكون النّاس أمّةً واحدةً} أي: كفارا كلهم.
والمعارج: الدرج. يقال: عرج، أي صعد, ومنه «المعراج»، كأنه سبب إلى السماء أو طريق.
{عليها يظهرون} أي: يعلون, يقال: ظهرت على البيت، إذا علوت سطحه). [تفسير غريب القرآن: 397]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وأعلم قلّة الدنيا عنده عزّ وجلّ فقال: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضّة ومعارج عليها يظهرون}
ويقرأ سقفا من فضة، ويجوز سقفا بسكون القاف وضم السين، فمن قال: سقفا, وسقفا فهو جمع: سقف, كما قيل: رهن, ورهن ورهن، ومن قال سقفا فهو واحد يدلّ على الجمع .
المعنى: جعلنا لبيت كل واحد منهم سقفا من فضة.
وقوله: {ومعارج عليها يظهرون}
{معارج}: درج, واحدها معرج.
المعنى: وجعلنا معارج من فضة، وكذلك: {أبوابا وسررا عليها يتّكئون}). [معاني القرآن:4/410-411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( وقوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة}
أي: لولا أن تميل بهم الدنيا , فيصير الخلق كفارا ؛ لأعطى اللّه الكافر في الدنيا غاية ما يتمنى فيها ؛ لقلّتها عنده، ولكنه عزّ وجلّ لم يفعل ذلك؛ لعلمه بأن الغالب على الخلق : حبّ العاجلة). [معاني القرآن: 4/411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: (لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم) يصلح أن يكون بدلا من قوله {لمن يكفر بالرحمن}, ويكون المعنى لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن، ويصلح أن يكون لبيوتهم على معنى لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم). [معاني القرآن: 4/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون}
في معنى الآية قولان:
- قال الحسن وقتادة: لولا أن يكفر الناس جميعا, لفعلنا هذا .
قال أبو جعفر: ومعنى هذا القول: لولا أن يميل الناس إلى الدنيا فيكفروا , لأعطينا الكافر , هذا لهوان الدنيا على الله عز وجل.
- والقول الآخر: قاله الكسائي: قال المعنى: لولا إرادتنا أن يكون في الكفار غني وفقير, وفي المسلمين مثل ذلك, لأعطينا الكفار من الدنيا, هذا لهوانها على الله جل وعز .
قال الفراء: يجوز أن يكون معنى (لبيوتهم) على بيوتهم.
قال أبو جعفر: روى سفيان, عن إسماعيل, عن الشعبي: {سقفا من فضة}: قال: جزوعا, و{معارج}, قال: درجا عليها يظهرون, قال: يصعدون.
وقرأ جماعة سقفا من فضة , وأنكر هذه القراءة بعض أهل اللغة , وقال: لو كان كذا, لقال عليه .
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم لأنه يجوز أن يكون عليها للدرج). [معاني القرآن: 6/353-355]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ومعارج عليها يظهرون} أي: نجعل للسقوف درجا, يصعدون عليها إلى السقوف). [ياقوتة الصراط: 459-460]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَظْهَرُونَ}: أي يعلون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({أبوابا وسررا عليها يتّكئون} أي: أبوابا من فضة وسررا من فضة). [معاني القرآن: 4/411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولبيوتهم أبوابا}
أي : من فضة وسررا , أي: من فضة وزخرفا .
روى شعبة , عن الحكم , عن مجاهد قال: كنت لا أدري ما معنى: {وزخرفا} حتى وجدته في قراءة عبد الله بن مسعود :{وذهبا} .
قال أبو جعفر: في معناه قولان:
أحدهما: أن المعنى: وجعلنا لهم زخرفا, أي: غنى
والآخر: أن المعنى: من فضة, ومن زخرف, ثم حذف من ونصب). [معاني القرآن: 6/355-356]

تفسير قوله تعالى: {وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وزخرفاً...}.
وهو الذهب، وجاء في التفسير نجعلها لهم من فضة , ومن زخرف، فإذا ألقيت من الزخرف , نصبته على الفعل , توقعه عليه أي : وزخرفا، تجعل ذلك لهم منه.
وقال آخرون: ونجعل لهم مع ذلك ذهبا, وغنى مقصور, فهو أشبه الوجهين بالصواب). [معاني القرآن: 3/32]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وزخرفاً وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا والآخرة عند ربّك للمتّقين}
وقال: {وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا} خفيفة منصوبة اللام, وقال بعضهم {لمّا} فثقّل ونصب اللام, وضعف الميم, وزعم أنها في التفسير الأول {إلاّ}, وأنها من كلام العرب). [معاني القرآن: 4/13]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((والزخرف): الذهب). [تفسير غريب القرآن: 397]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لمّا}: تكون بمعنى {لم} في قوله: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} أي: بل لم يذوقوا عذاب.
وتكون بمعنى {إلّا}، قال تعالى: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}أي: إلّا متاع الحياة الدنيا، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} أي: إلّا عليها، وهي لغة هذيل مع {إن} الخفيفة التي تكون بمعنى {ما}.
ومن قرأ {وإن كلّ ذلك لما متاع} بالتخفيف {إن كلّ نفسٍ لما عليها حافظٌ} جعل {ما} صلة، وأراد: وإن كلّ ذلك لمتاع الحياة، وإن كلّ نفس لما عليها حافظ). [تأويل مشكل القرآن: 542]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ( {وزخرفا وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا والآخرة عند ربّك للمتّقين}
{وزخرفا}: الزخرف - جاء في التفسير أنه ههنا الذهب، إلا زيد بن أسلم فإنه قال: هو متاع البيت، والزخرف في اللغة الزينة وكمال الشيء فيها، ودليل ذلك قوله: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} أي: كمالها وتمامها.
{وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا والآخرة} معناه: وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، ويقرأ: {لما متاع}, و "ما" ههنا لغو، المعنى: لمتاع). [معاني القرآن: 4/411]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20 ذو القعدة 1431هـ/27-10-2010م, 05:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 56]

{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)}

تفسير قوله تعالى:{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن...}
يريد: ومن يعرض عنه، ومن قرأها: (ومن يَعْشَ عن), يريد: يعم عنه). [معاني القرآن: 3/32]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطاناً}: تظلم عينه عنه, كأن عليها غشاوة، يقول: من يمل عنه عاشياً إلى غيره، وهو أن يركبه على غير تبين .
قال الحطيئة:

متـى تأتـه تعشـو إلـى ضـوء نــاره = تجد خير نارٍ عندها خير موقد ).
[مجاز القرآن: 2/204]


قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرينٌ}
وقال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن}: وهو ليس من "أعشى" , و"عشو": إنما هو في معنى قول الشاعر:
إلى مالكٍ أعشو إلى مثل مالك

كأن "أعشو": أضعف, لأنه حين قال "اعشو إلى مثل مالك" كان "العشو": الضعف لأنه حين قال: "اعشو" , "إلى مثل مالك" أخبر أنه يأتيه غير بصير ولا قوي, كما قال:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره = تجد حطباً جزلاً وناراً تأجّجا
أي: متى ما تفتقر , فتقصد إلى ضوء ناره يغنك.). [معاني القرآن: 4/13-14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {ومن يعش عن ذكر الرحمن}: يعرض عنه. يتعاشى والعشى ضعف البصر ).[غريب القرآن وتفسيره: 333-334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({ومن يعش عن ذكر الرّحمن} أي: يظلم بصره, هذا قول أبي عبيدة.
قال الفراء: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن}: أي: يعرض عنه. ومن قرأ: {ومن يعش} بنصب الشين أراد: من يعم عنه, وقال في موضع آخر: {الّذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري}
ولا أرى القول إلا قول أبي عبيدة. ولم أر أحدا يجيز «عشوت عن الشيء»: أعرضت عنه، إنما يقال: «تعاشيت عن كذا»: أي : تغافلت عنه، كأني لم أره, ومثله: «تعاميت».
والعرب تقول: «عشوت إلى النار»: إذا استدللت إليها ببصر ضعيف.
قال الخطيئة:
متـى تأتـه تعشـو إلــى ضــوء نــاره = تجد خير نار عندها خير موقد
ومنه حديث ابن المسيب: «إن إحدى عينيه ذهبت، وهو يعشو بالأخرى»: أي: يبصر بها بصرا ضعيفا). [تفسير غريب القرآن: 397-398]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين}
ويقرأ: {ومن يعش}: بفتح الشين من عشي يعشى، أي من يعم عن ذكر الرحمن.
{نقيّض له شيطانا}: نسبب له شيطانا، يجعل اللّه له ذلك جزاءه.). [معاني القرآن: 4/411-412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}
روى سعيد , عن قتادة قال:
{يعش}: يعرض.
وقال أبو عبيدة: {يعش}: تظلم عينه.
وروى عكرمة, عن ابن عباس: يعمى.
قال أبو جعفر: يجب على قول ابن عباس أن تكون القراءة, و{من يعش} بفتح الشين.
وأما قول قتادة: (يعش): يعرض, وهو قول الفراء, فغير معروف في اللغة إنما يقال: عشا, يعشو: إذا مشى ببصر ضعيف.
قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره = تجد خير نار عندها خير موقد
ونظير هذا: عرج الرجل, يعرج, أي: مشى مشية الأعرج, وعرج يعرج: صار أعرج.
وأصح ما في هذا قول أبي عبيدة قال الله جل وعز: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري}
وفي الحديث: أن سعيد بن المسيب ذهبت إحدى عينيه , وكان يعشو بالأخرى, أي : يبصر بها بصرا ضعيفا.
وقوله جل وعز: {نقيض له شيطانا فهو له قرين}
قيل: جزاء على ما فعل.
وقال سعيد الجريري في قوله تعالى: {نقيض له شيطانا}, قال: بلغنا أن الكافر إذا خرج من قبره سفع شيطان بيده فلا يزال معه حتى يدخله الله عز وجل النار, فذلك قوله جل وعز: {قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}, ويوكل بالمؤمن ملك فلا يزال معه حتى يقضي الله بين الخلق, أو يصير إلى ما شاء الله).
[معاني القرآن: 6/355-358]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَن يَعْشُ}: أي: يعرض, ومن فتح الشين, فمعناه: يعمى عنه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْشُ}: يعرض). [العمدة في غريب القرآن: 268]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل...}.
يريد الشيطان , وهو في مذهب جمع، وإن كان قد لفظ به واحدا يقول: {وإن الشياطين ليصدونهم عن السبيل ويحسبون هم أنهم مهتدون}).
[معاني القرآن: 3/32]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون}
أي: الشياطين, تصدهم عن السبيل، ويحسب الكفار أنّهم مهتدون).
[معاني القرآن: 4/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون}
أي: وإن الشياطين ليصدون الكافر عن السبيل, و{يحسبون} أي: ويحسب الكفار أنهم مهتدون).
[معاني القرآن: 6/359]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين...}.
فيقال: {جاءنا}: لأحدهما، وجاءنا الإنسي وقرينه، فقرأها (جاءانا) بالتثنية عاصم, والسّلمي, والحسن.

وقرأها أصحاب عبد الله يحيى بن وثاب, وإبراهيم بن يزيد النخعي {جاءنا}على التوحيد، وهو ما يكفي واحده من اثنيه, ومثله قراءة من قرأ (كلاّ لينبذانّ): يقول: ينبذ هو وماله: {ولينبّذنّ}, والمعنى واحد.
وقوله: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين...}.
يريد: ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ويقال: إنه أراد المشرق والمغرب: فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب؛ لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما، فيقال:قد جاءك الزهدمان، وإنما أحدهما زهدم.
قال الشاعر:
أخذنا بآفاق السماء عليكم = لنـا قمراهـا والنجـوم الطوالـع
يريد: الشمس والقمر.
وقال الآخر:

قسموا البلاد فما بها لمقيلهم = تضغيـث مفتصـل يبـاع فصيـلـه
فقرى العراق مسير يوم واحد = فالبـصـرتـان فـواســط تكـمـيـلـه
يريد: البصرة والكوفة.
قال، وأنشدني رجل من طيء:
فبصـرة الأزد منـا، والعـراق لنـا = والموصلان ومنا مصر فالحرم
يريد: الجزيرة، والموصل). [معاني القرآن: 3/33-34]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}
ويقرأ: {جاءانا}, فمن قرأ {جاءانا} فالمعنى: حتى إذا جاء الكافر وشيطاته, ومن قرأ {حتّى إذا جاءنا}: فعلى الكافر وحده.
{قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}
معنى {المشرقين} ههنا: بعد المشرق والمغرب، فلما جعلا اثنين غلب لفظ المشرق كما قال:
لنا قمراها والنجوم الطوالع

يريد الشمس والقمر، وكما قالوا سنة العمرين: يراد سنة أبي بكر وعمر رحمة اللّه عليهما). [معاني القرآن: 4/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}
قال قتادة:{حتى إذا جاءنا }, قال الكافر: وقرينه جميعا .
قال أبو جعفر: ويقرأ:{ حتى إذا جاءنا }: يراد به الكافر في الظاهر, والمعنى لهما جميعا, لأنه قد عرف ذلك بما بعده كما قال:
وعيـن لـهـا حــدرة بــدرة = شقت مآقيهما من أخر
وقوله تعالى: {قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} في معناه قولان:
أحدهما: أنه يراد مشرق الشتاء, ومشرق الصي .
والآخر: أنه يراد المشرق والمغرب, فجاء على كلام العرب؛ لأنهم إذا اجتمع الشيئان في معنى غلب أحدهما كما قال الشاعر:
أخذنا بآفاق السماء عليكم = لنا قمراها والنجـوم الطوالـع
وأنشد أبو عبيدة بيت جرير:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم = والـطـيـبـان أبــــو بــكـــر ولا عــمـــر
وأنشد سيبويه:
قدني من نصر الخبيبين قدي
يريد عبد الله, ومصعبا ابني الزبير, وإنما أبو خبيب عبد الله
وفي الحديث: أن أصحاب الجمل قالوا لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أعطنا سنة العمرين, يعنون: أبا بكر وعمر). [معاني القرآن: 6/359-362]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظّلمتم أنّكم في العذاب مشتركون}.
يقول: لن ينفعكم اشتراككم يعني الشيطان وقرينه, وأنكم في موضع رفع). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون}
المعنى: لن تنفعكم الشركة في العذاب.
قال محمد بن يزيد في جواب هذه الآية: إنّهم منعوا روح التّأسّي لأن التّأسّي يسهّل المصيبة، فأعلموا أن لن ينفعهم الاشتراك في العذاب, وأن اللّه عزّ وجلّ لا يجعل فيه أسوة.
قال: وأنشدني في المعنى للخنساء:

ولـولا كـثـرة الباكـيـن حـولـي = على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكـن = أعـزي النّفـس عنـه بالتّـأسّـي ).
[معاني القرآن: 4/412-413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}
المعنى: إن الله عز وجل حرم أهل النار هذا المقدار من الفرح, وهو التأسي, وهو أن ذا البلاء إذا رأى من قد ساواه في المصيبة, سكن ذلك من حزنه كما قالت الخنساء:

فــلـــولا كــثـــرة الـبـاكــيــن حـــولـــي = عــلــى إخـوانـهــم لـقـتـلـت نـفـســي
ومـــــــــا يـــبـــكـــون مــــثـــــل أخــــــــــي = ولكن أعزي النفسي منه بالتأسي ).
[معاني القرآن: 6/362]

تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فإمّا نذهبنّ بك}: مجازها : فإن نذهبن بك). [مجاز القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون * أو نرينّك الّذي وعدناهم فإنّا عليهم مقتدرون}
دخل "ما" توكيدا للشرط والنون الثقيلة في قوله: {نذهبنّ} دخلت أيضا توكيدا، وإذا دخلت {ما} دخلت معها النون كما تدخل مع لام القسم.
والمعنى : إنا ننتقم منهم إن توفيت, أو نريك ما وعدناهم , ووعدناك فيهم من النصر، فقد أراه اللّه عزّ وجلّ ما وعده فيهم , ووعدهم من إهلاكهم إن كذبوا.
وقد قيل: إنه كانت بعد رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- أشياء لم يحبب اللّه أن يريه إياها). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون}
قال قتادة: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبقيت النقمة , وليس نبي إلا قد رأى النقمة في أمته إلا محمدا, ولكنه أري ما ينزل بأمته من بعده , فما رؤي بعد ذلك ضاحكا منبسطا). [معاني القرآن: 6/363]

تفسير قوله تعالى:{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون}
قيل المعنى: الذي وعدناهم, ووعدناك عليهم من النصر, وقيل: الذي وعدناهم يرجع إلى قوله تعالى: {والآخرة عند ربك للمتقين} أي: الذي وعدنا المتقين من النصر وقد نصروا). [معاني القرآن: 6/364]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}
قال قتادة: أي: بالقرآن, {إنك على صراط مستقيم}, قال: على الإسلام, {وإنه لذكر لك ولقومك}, قال: القرآن.
وروى محمد بن يوسف, عن سفيان: {وإنه لذكر لك ولقومك}, قال: شرف لك ولقومك). [معاني القرآن: 6/364]

تفسير قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّه لذكرٌ لّك ولقومك...}: لشرف لك ولقومك، يعني: القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإنّه لذكرٌ لك ولقومك} أي: شرف لكم، يعني القرآن.
{وسوف تسألون}: عن الشكر عليه). [تفسير غريب القرآن: 398]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه الذِّكْرُ يُوضَع موضع الشَرَف، لأنَّ الشَّريف يُذْكَر قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يريد أن القرآن شَرَفٌ لكم). [تأويل مشكل القرآن: 147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} يريد: أن القرآن شرف لك ولقومك.
وقوله: {وسوف تسألون}: معناه سوف تسألون عن شكر ما جعله اللّه لكم من الشرف). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وسوف تسألون}
قال الفراء: أي, وسوف تسألون عن الشكر عليه). [معاني القرآن: 6/364-365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}: أي شرف.
{وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} أي: تسألون عن الشكر عليه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك...}.
يقول القائل: وكيف أمر أن يسأل رسلا قد مضوا؟ ففيه وجهان:-
أحدهما: أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يخبرونه عن كتب الرسل التي جاءوا بها, فإذا سأل الكتب, فكأنه سأل الأنبياء.
وقال بعضهم: إنه سيسري بك يا محمد, فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه ولم يسلهم.
وقوله: {أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون}.
قال: {يعبدون} للآلهة، ولم يقل: تعبد ولا يعبدون، وذلك أن الآلهة تكلّم ويدعّى لها وتعظّم، فأجريت مجرى الملوك والأمراء وما أشبههم). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} أي: سل من أرسلنا إليه رسولا من رسلنا قبلك، يعني: أهل الكتاب). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ففيه تأويلان:
أحدهما: أن تكون المخاطبة لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره من الشّكّاك، لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثّلهم: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون، يدلك على ذلك أنه قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}

ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا، يعني أهل الكتاب، فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد المشركون). [تأويل مشكل القرآن: 269-270](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون}
في هذه المسألة ثلاثة أوجه:
- جاء في التفسير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به جمع له الأنبياء في بيت المقدس , فأمّهم وصلّى بهم، وقيل له: سلهم فلم يشكك عليه السلام ولم يسل.
- ووجه ثان: وهو الذي أختاره، وهو أن المعنى سل أمم من أرسلنا من قبلك من رسلنا : أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون؟.
ويكون معنى السؤال : ههنا على جهة التقرير كما قال: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه}, فليس يسألهم ههنا عمن خلقهم إلا على جهة التقرير, وكذلك إذا سأل جميع أمم الأنبياء لم يأتوا بأن في كتبهم أن اعبدوا غيري.
- ووجه ثالث: يكون المعنى في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم معناه مخاطبة الأمّة، كأنّه قال: واسألوا، والدليل على أن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم قد يدخل فيها خطاب الأمة قوله:{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}). [معاني القرآن: 4/413-414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}
قال أبو جعفر: هذه آية مشكلة , وفي معناها قولان:
- روى أبو عوانة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير قال: لقي الرسل صلى الله عليهم ليلة اسري به.
فهذا قول: ومعناه أنه سيسرى بك, وتلقى الرسل, فاسألهم .
- والقول الآخر: وهو قول محمد بن يزيد , وجماعة من العلماء أن في هذا المعنى التوقيف, والتقرير , والتوبيخ , والمعنى.
واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا كما قال تعالى: {واسأل القرية} أي: سل من عبد الملائكة, أو قال إن الله ثالث ثلاثة, أو عبد غير الله جل وعز, هل وجد هذا في شيء من كتب الأنبياء مما أنزل الله عليهم ؟!.
فإنه لا يجد في كتاب نبي أن الله أمر أن يعبد غيره؛ ففي هذا معنى التقرير, والتوبيخ, والتوقيف على أنهم قد كفروا, وفعلوا ما لم يأمر الله به, ونظيره قوله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}.
ويصحح هذا القول أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال: وهي في قراءة عبد الله: {واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك}, قال: يعني: أهل الكتاب.
روى سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: في قراءة عبد الله: {واسأل من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا}, فهذه قراءة مفسرة.
وقال قتادة: أي سل أهل الكتاب: أأمر الله إلا بالتوحيد والإخلاص؟!.
وزعم ابن قتيبة أن التقدير: واسأل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا , فحذف إليه لأن في الكلام دلالة عليه , وحذف رسلا لأن من رسلنا يدل عليه , وزعم أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, والمراد المشركون). [معاني القرآن: 6/365-367]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وسئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} أي: قل, يا محمد, لمن شك في أمرك: سل كتب من أرسلنا, لتعلم أن صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل كتاب أنزلناه). [ياقوتة الصراط: 460]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)}

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)
}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما نريهم مّن آيةٍ إلاّ هي أكبر من أختها...} يريد: من الآية التي مضت قبلها). [معاني القرآن: 3/35]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا يا أيّه السّاحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون}
إن قال قائل: كيف يقولون لموسى عليه السلام: يا أيّها الساحر, وهم يزعمون أنهم مهتدون؟.
فالجواب: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالسحر، ومعنى بما عهد عندك , أي: بما عهد عندك فيمن آمن به من كشف العذاب عنه.
الدليل على ذلك قوله: {فلمّا كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي: إذا هم ينقضون عهدهم). [معاني القرآن: 4/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون}
يقال كيف قالوا له أيها الساحر وقد قالوا: {إننا لمهتدون} فيما يستقبل.
قيل: إنهم لما قالوا له هذا قبل أن يدعوه, عرفوه , فنادوه به
وقيل: كانوا يسمون العلماء: سحرة, فالمعنى: يا أيها العالم .
قال مجاهد: في قوله تعالى: {بما عهد عندك} من أنا: إن آمنا, كشف عنا العذاب.
قال أبو جعفر: ويدل على صحة هذا الجواب قوله تعالى: {فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي: ينقضون العهد .
وروى سعيد عن قتادة: {إذا هم ينكثون}, قال: يغدرون). [معاني القرآن: 6/368-369]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا يا أيّه السّاحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون}
إن قال قائل: كيف يقولون لموسى عليه السلام: يا أيّها الساحر, وهم يزعمون أنهم مهتدون؟
فالجواب: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالسحر، ومعنى بما عهد عندك, أي: بما عهد عندك فيمن آمن به من كشف العذاب عنه.
الدليل على ذلك قوله: {فلمّا كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي: إذا هم ينقضون عهدهم). [معاني القرآن: 4/414](م)

تفسير قوله تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون .أم أنا خير مّن هذا الّذي هو مهينٌ} مجازها: بل أنا خير من هذا). [مجاز القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}
" مصر " ههنا: يعنى بها مدينة مصر المعروفة، فمصر مذكر سمّي به مؤنث لأن المدينة الغالب عليها التأنيث، وقد يجوز ملك مصر، يذهب به إلى أن مصر اسم لبلد، وهذا فيه بعد من قبل أن أكثر ما يستعمل البلد لما يضم مدنا كبيرة نحو: بلاد الرّوم, وبلاد الشام, وبلد خراسان.
ويجوز أن تصرف مصرا إذا جعلته اسما لبلد عند جميع النحويين من البصريين). [معاني القرآن: 4/414-415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}
قال الأخفش: في الكلام حذف, والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون, كما قال:
فيـا ظبيـة الوعسـاء بيـن جلاجـل = وبين النقا هل أنت أم أم سالم؟
أي: أنت أحسن أم أم سالم؟.
قال أبو زيد: العرب تزيد, والمعنى: أنا خير, وقيل المعنى: أبل.
قال أبو جعفر: وأحسن ما قيل في هذه الآية قول الخليل, وسيبويه: أن المعنى: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء, ويكون أم أنا خير بمعنى أم أنتم خير؛ لأنهم لو قالوا له أنت خير, كانوا عنده بصراء). [معاني القرآن: 6/370]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أم أنا خيرٌ مّن هذا الّذي هو مهينٌ...}.
من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله: {أليس لي ملك مصر...}...
- وقد أخبرني بعض المشيخة, أظنه الكسائي: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: {أما أنا خير}, وقال لي الشيخ: لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أم أنا خيرٌ من هذا الّذي هو مهينٌ}, قال أبو عبيدة: أراد: بل أنا خير.
وقال الفراء: أخبرني بعض المشيخة: أنه بلغه القراء قرأ: {أما أنا خير}, وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت الأثر لقرأت به، وهو جيد في المعنى). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفلا تبصرون * أم أنا خير من هذا الّذي هو مهين ولا يكاد يبين}
قال سيبويه, والخليل: عطف " أنا" بـ (أم) على قوله: {أفلا تبصرون}؛ لأن معنى {أم أنا خير}, معناه أم تبصرون كأنّه قال: " أفلا تبصرون أم تبصرون،"
قال: لأنهم إذا قالوا أنت خير منه , فقد صاروا عنده بصراء، فكأنّه قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء.
ومعنى {مهين}: قليل, يقال شيء مهين, أي قليل، وهو فعيل من المهانة.
وقوله {ولا يكاد يبين}: قال ذلك لأنه كانت في لسان موسى عليه السلام لثغة، والأنبياء -صلوات اللّه عليهم- أجمعون مبيّنون بلغاء). [معاني القرآن: 4/415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين}
والمهين : القليل من المهانة .
روى سعيد عن قتادة: {ولا يكاد يبين}, قال: عيي, وقيل: إنما هذا للثغة التي كانت به). [معاني القرآن: 6/370-371 ]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ...}.
يريد: فهلا ألقى عليه أساورة من ذهب، قرأها يحيى بن وثاب {أساورة من ذهب}, وأهل المدينة، وذكر عن الحسن: {أسورة} ,وكل صواب.
ومن قرأ: {أساورة}: جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ: {أسورة}, فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع اسورة, كما يقول في جمع: الأسقية: أساقي، وفي جمع الأكرع: أكارع). [معاني القرآن: 3/35]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ أو جاء معه الملائكة مقترنين}
وقال: {فلولا ألقي عليه أسورةٌ مّن ذهبٍ} لأنه جمع "أساور" و"أسورة", وقال بعضهم: (أساورة) فجعله جمعا للأسورة فأراد: "أساوير" - والله أعلم - فجعل الهاء عوضا من الياء, كما قال "زنادقة", فجعل الهاء عوضا من الياء التي في "زناديق"). [معاني القرآن: 4/14]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: { فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين}
كانه لما وصف نفسه بالملك والرياسة قال: هلّا جاء موسى بشيء يلقى عليه, فيكون ذلك أسورة من ذهب تدل على أنها من عند إلهه الذي يدعوكم إلى توحيده، أو هلّا جاء معه الملائكة مقترنين أي يمشون معه فيدلّون على صحة نبوته، وقد أتى موسى عليه السلام من الآيات بما فيه دلالة على تثبيت النبوة، وليس للذين يرسل إليهم الأنبياء أن يقترحوا من الآيات ما يريدون هم.
وتقرأ: (أساورة من ذهب), ويصلح أن يكون جمع الجمع تقول أسورة وأساورة، كما تقول: أقوال وأقاويل ويجوز أن يكون جمع إسوار وأساورة.
وإنما صرفت أساورة لأنك ضممت الهاء إلى أساور, فصار اسما واحدا, وصار الاسم له مثال في الواحد مثل: علانية وعباقية). [معاني القرآن: 4/415-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: (فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين)
أي: فهلا ألقي عليه اساورة من عند الله تدل على أنه رسول
و (أساورة) جمع إسوار, وفي قراءه أبي وعبد الله:{ لولا القي عليه أساوير}, وهو بمعنى الأول.
{أو جاء معه الملائكة مقترنين}, قال قتادة: أي متتابعين, وقال مجاهد: أي يمشون معه معاً.
قال أبو جعفر: فاقترحوا هذا بعدما جاءهم ما يدل على نبوته). [معاني القرآن: 6/372]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فاستخفّ قومه...} يريد: استفزهم). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} أي: استفزهم). [معاني القرآن: 6/372]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فاستخف قومه} أي: فاستجهل قومه, {فأطاعوه}). [ياقوتة الصراط: 460]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا آسفونا...}: يريد: أغضبونا). [معاني القرآن: 3/35]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فلمّا آسفونا}: أغضبونا, ويقال: قد أسفت: غضبت). [مجاز القرآن: 2/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلمّا آسفونا} أي: أغضبونا, و«الأسف»: الغضب: يقال: أسفت, آسف, أسفا، أي: غضبت). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فإذا رأيت للمّا جوابا فهي لأمر يقع بوقوع غيره، بمعنى «حين»، كقوله تعالى: {فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي: حين آسفونا، و{لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي: حين جاء أمر ربك). [تأويل مشكل القرآن: 542](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}

معنى {آسفونا}: أغضبونا). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}, قال مجاهد وقتادة: أي: أغضبونا). [معاني القرآن: 6/372]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فلما آسفونا} أي: أغضبونا). [ياقوتة الصراط: 461]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({آسَفُونَا} أي: أغضبونا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فجعلناهم سلفاً} ...
- حدثني القاسم بن معن, عن الأعمش, عن يحيى بن وثاب أنه قرأها: {سلفا} مضمومة مثقلة، وزعم القاسم بن معن أنه سمع: واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون: {سلفاً} ...
- حدثنا سفيان بن عيينة: أن الأعرج قرأها: (فجعلناهم سُلُفا), كأن واحدته سُلفة من الناس أي: قطعة من الناس مثل أمّة). [معاني القرآن: 3/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فجعلناهم سلفاً}: قوما تقدموا، {ومثلًا}: عبرة.
وقرأها الأعرج: سلفا، كأن واحدته: «سلفة» أي: عصبة, وفرقة متقدمة من الناس، مثل القطعة, تقول: تقدمت سلفة من الناس.
وقرئت: (سُلُفاً)، كما قيل: خشب وخشب، وثمر وثمر. ويقال: هو جمع: «سليف», وكله من التقدم). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمثل: العبرة، كقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} أي: عبرة لمن بعدهم.

وقوله: {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}أي عبرة). [تأويل مشكل القرآن: 496]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ({فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}
جعلناهم سلفا: متقدّمين , ليتعظ بهم الآخرون.
ويقرأ {سلفا} بضم السين واللام، ويقرأ {سلفا} بضم السين وفتح اللام؛ فمن قال: {سلفا} بضمتين, وهو جمع سليف، أي جميع قد مضى.
ومن قرأ {سلفا}: فهو جمع سلف, أي: فرقة قد مضت). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}
قال لاحق بن حميد: أي: {جعلناهم سلفا لمن عمل بعملهم, ومثلا لمن لم يعمل بعملهم}
وقال مجاهد: هم قوم فرعون, سلف لكفار أمة محمد, قال: {ومثلا}: أي: عبرة.
وقال قتادة: {سلفا}: إلى النار, {ومثلا} أي: عظة.
قرئ على أبي قاسم -قريب احمد بن منيع -, عن أبي كامل الجحدري, عن عبد الواحد, عن عاصم, عن أبي مجلز: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين }, قال: {سلفا}: لمن عمل بمثل عملهم, {ومثلا}: لمن لم يعمل بمثل عملهم.
قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة , وأصل السلف في اللغة ما تقدم, ومنه تسلفت من فلان, وأبينها قول قتادة: أي جعلناهم متقدمين في الهلاك, وعظة لمن يأتي بعدهم.
ويقرأ: {سلفا}: جمع سليف.
وقرأ حميد الأعرج: فيما روي عنه: {سلفا}: جمع سلفة, أي: فرقة متقدمة.
وأبينها, وأكثرها فتح السين واللام, كما يقال فلان: يحب السلف). [معاني القرآن: 6/373-374]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 ذو القعدة 1431هـ/27-10-2010م, 05:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 57 إلى آخر السورة]

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {منه يصدّون}...
- حدثني أبو بكر بن عياش, عن عاصم: أنه ترك {يَصُدون} من قراءة أبي عبد الرحمن، وقرأ: {يصِدون}
قال الفراء, وقال أبو بكر: حدثني عاصم, عن أبي رزين, عن أبي يحيى: أن ابن عباس قرأ: {يَصِدون} أي: يضجون, يعجون.
وفي حديث آخر: أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير فقال:إن ابن عمك لعربي, فما له يلحن في قوله: {إذا قومك منه يصُدون}, إنما هي: {يصِدون}.
العرب تقول: يصِد ويصُد, مثل: يشد ويشد، وينم وينم من النميم, يصدون منه وعنه سواء). [معاني القرآن: 3/36-37]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إذا قومك منه يصدّون}, من كسر الصاد فمجازها: يضجون , ومن ضمها فمجازها: يعدلون). [مجاز القرآن: 2/205]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمّا ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدّون}
وقال: {يصدّون}, و{يصدّون} كما قال: {يحشر}, و{يحشر}). [معاني القرآن: 4/14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يصدون}: أي يضجون، وقالوا: يكذبون، يَصِدُّون ويَصُدُّون بمعنى الإعراض لغتان. ويقال يصدون يعدلون ). [غريب القرآن وتفسيره: 334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إذا قومك منه يصدّون}: يضجون, يقال: صددت, أصدّ صدّا،إذا ضججت.
و«التّصدية» منه، وهو: التصفيق, والياء فيه مبدلة من دال، كأن الأصل فيه: «صددت» بثلاث دالات، فقبلت الأخرى ياء، فقالوا: «صديت», كما قالوا: قصيت أظفاري، والأصل: قصصت, ومن قرأ: {يَصُدُّون}: أراد: يعدلون ويعرضون). [تفسير غريب القرآن: 400]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون}
{يصِدّون}, ويقرأ {يصُدّون} -بضم الصاد- , والكسر أكثر ومعناهما جميعا: يضجّون, ويجوز أن يكون معنى المضمومة: يعرضون.
وجاء في التفسير أن كفار قريش خاصمت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما قيل لهم: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم}.
قالوا: قد رضينا أن تكون آلهتنا بمنزله عيسى ابن مريم, والملائكة الذين عبدوا من دون اللّه, فهذا معنى ضرب عيسى المثل). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون}
قال مجاهد: قالوا ما ذكر محمد عيسى صلى الله عليهما إلا لننزله منزلته من النصارى.
وقال قتادة: لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عيسى, غاظ ذلك قريشا.
وقالوا: لم ذكرت عيسى؟, وقالوا: ما ذكره إلا لنستعمل فيه ما استعملت النصارى في عيسى, فأنزل الله جل وعز: {ما ضربوه لك إلا جدلا}.
وقيل: نزل هذا في ابن الزبعرى لما انزل الله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون}, قالوا: فالنصارى تعبد المسيح.
قال جل وعز: {ما ضربوه لك إلا جدلا} أي: قد علموا أنه لا يراد بهذا المسيح, وإنما يراد بها الأصنام التي كانوا يعبدونها). [معاني القرآن: 6/374-375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إذ قومك منه يصدون}
روى سفيان, وشعبة, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس: {إذا قومك منه يصدون}, قال: يضجون.
ويقرأ: (يصدون) بضم الصاد.
قال النخعي: أي يعرضون, وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد.
وأنكر بعض أهل اللغة الضم, وقال لو كانت (يصدون), لكانت عنه, ولم تكن منه.
وقال أبو جعفر: وهذا لا يلزم لأن معنى يصدون منه, أي: من أجله). [معاني القرآن: 6/376]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَصِدُّونَ}: أي: يضجون, ومن ضم الصاد: أراد يعدلون, ويعرضون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَصُدُّونَ}: يضحكون, {يَصِدُّونَ}: يعرضون). [العمدة في غريب القرآن: 269]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلّا جدلا بل هم قوم خصمون}
{ما ضربوه لك إلّا جدلا}: أي: طلبا للمجادلة, لأنهم قد علموا, أن المعنى في {حصب جهنّم} ههنا: أنه يعني به الأصنام وهم). [معاني القرآن: 4/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وقالوا أآلهتنا خير أم هو}
قال قتادة: {أم هو}: يعنون: محمدا, وفي قراءة أبي, وقالوا: أآلهتنا خير أم هذا؟, يعنون: محمدا.
ثم قال جل وعز: {ما ضربوه لك إلا جدلا}
المعنى على تفسير قتادة: إنهم قد علموا, أنك لا تريد منهم أن ينزلوك منزلة المسيح.
وعلى القول الآخر: إنهم قد علموا: أنه لا يراد بقوله جل وعز: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} المسيح عليه السلام وإنما يراد به الأصنام واللغة تدل على هذا؛ لأن ما لما لا يعقل فقد علم أن معنى, وما تعبدون من دون الله لا يكون للمسيح, وهذا أصح ما قيل في قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم}
ثم قال جل وعز: {بل هم قوم خصمون}, قال سفيان, حدثني رجل: أنها نزلت في ابن الزبعرى). [معاني القرآن: 6/377-378]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {إن هو إلّا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل}
يعني به: عيسى ابن مريم, ومعنى {وجعلناه مثلا لبني إسرائيل}: أنه يدلهم على نبوته). [معاني القرآن: 4/417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل}
يكون المعنى على قول من قال: إن الآية نزلت في ابن الزبعرى: { إن المسيح إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل } أي: جعلناه عظة لهم, أي: ذا عظة , أي: يعظهم, ويجوز أن يكون معنى مثلا أنه بشر مثلهم, فضل عليهم, ويجوز أن يكون المعنى على قول قتادة, وعلى الآخر أيضا: {إن محمد إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل}, والكلام في مثل كالكلام فيه). [معاني القرآن: 6/379]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}
عنى {يخلفون}: يخلف بعضهم بعضا، والمعنى لجعلنا منهم بدلا منكم). [معاني القرآن: 4/417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}
قال مجاهد: أي يعمرونها كما تعمرونها بدلا منكم.
وقال قتادة: أي ملائكة يخلف بعضهم بعضا). [معاني القرآن: 6/379-380]


تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّه لعلمٌ لّلسّاعة...}, وفي قراءة أبي: { وإنه لذكر للساعة}, وقد روي عن ابن عباس: {وإنه لعلمٌ للساعة}, و(علمٌ) جميعا، وكلٌّ صواب متقارب في المعنى). [معاني القرآن: 3/37]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإنّه لعلمٌ للسّاعة} أي: نزول المسيح عليه السلام, يعلم به قرب الساعة, ومن قرأ: {لَعَلَمٌ للسّاعة} فإنه يعني : العلامة والدليل). [تفسير غريب القرآن: 400]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وإنّه لعلم للسّاعة فلا تمترنّ بها واتّبعون هذا صراط مستقيم}
ويقرأ :(لعلم للسّاعة): المعنى أن ظهور عيسى ابن مريم عليه السلام علم للسّاعة، أي: إذا ظهر, دلّ على مجيء الساعة.
وقد قيل: إنه يعني به: أن القرآن العلم للساعة يدل على قرب مجيئها، والدليل على ذلك قوله: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}, والأول: أكثر في التفسير.
وقوله:{فلا تمترنّ بها} أي: لا تشكّنّ فيها). [معاني القرآن: 4/417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها}
روى سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس: {وإنه لعلم للساعة}، قال: نزول عيسى.
وكذلك روى سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, وكذلك قال مجاهد, وأبو مالك, وقد روي عن ابن عباس, وأبي هريرة أنهما قرءا: {وإنه لعلم للساعة}
قال الخليل: العلم, والعلامة واحد.
قال أبو جعفر: ومعنى {لعلم للساعة}: يعلم بنزول عيسى أن الساعة قد قربت.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لينزلن أبن مريم حكما عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير)).
ويجوز أن يكون المعنى: وإن محمدا لعلم للساعة, لأنه خاتم النبيين, قال الله جل وعز: {اقتربت الساعة وانشق القمر} , ثم قال تعالى: {فلا تمترن بها} أي: فلا تشكوا). [معاني القرآن: 6/381]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ}: أي نزول عيسى صلى الله عليه وسلم،
وقيل: بعث محمد صلى الله عليه وسلم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولأبيّن لكم بعض الّذي تختلفون فيه}: البعض ها هنا: الكل, قال لبيد بن ربيعة:


تــــرّاك أمـكــنــةٍ إذا لـــــم ارضــهـــا = أو يعتلق بعض النفوس حمامها

الموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض). [مجاز القرآن: 2/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقالوا للكبير: (جلل)، وللصغير: (جلل)، لأنّ الصغير قد يكون كبيرا عند ما هو أصغر منه، والكبير يكون صغيرا عند ما هو أكبر منه، فكلّ واحد منهما صغير كبير.
ولهذا جعلت (بعض) بمعنى (كلّ)، لأنّ الشيء يكون كلّه بعضا لشيء، فهو بعض وكلّ.
وقال عز وجل: {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}، {وكلّ} بمعنى {بعض}، كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، و{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}، وقال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}). [تأويل مشكل القرآن: 189-190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا جاء عيسى بالبيّنات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبيّن لكم بعض الّذي تختلفون فيه فاتّقوا اللّه وأطيعون}
قوله جاء: {بالحكمة} أي: بالإنجيل, وبالبينات, أي: الآيات التي يعجز عنها المخلوقون.
وقالوا في معنى {بعض الّذي تختلفون فيه}: أي: كل الذي يختلفون فيه, واستشهدوا بقول لبيد:


أو يخترم بعض النّفوس حمامها


يريد كل النفوس، واستشهدوا أيضا بقول القطامي:


قد يدرك المتأنّي بعض حاجته


قالوا معناه كل حاجته, وهذا مذهب أبي عبيدة، والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكل، وهذا ليس في الكلام، والذي جاء به عيسى في الإنجيل إنّما هو بعض الذي اختلفوا فيه، وبين اللّه سبحانه لهم من غير الإنجيل ما احتاجوا إليه، وكذلك قوله: أو يخترم بعض النفوس حمامها، إنما يعني نفسه، ونفسه بعض النفوس). [معاني القرآن: 4/417-418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه}
روى ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه}, قال: تبديل التوراة). [معاني القرآن: 6/382]

تفسير قوله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للّذين ظلموا من عذاب يوم أليم}
{الأحزاب}: قيل إنهم الأربعة الذين كانوا بعد عيسى، يعني به اليهود والنصارى). [معاني القرآن: 4/418]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، ويجعلونها أيضا بمعنى: (ما) في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ}، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ}، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}؟، و: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؟.
هذا كله عندهم بمعنى: (ما).
وهو والأوّل عند أهل اللغة تقرير). [تأويل مشكل القرآن: 538-539](م)

تفسير قوله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلّا المتّقين}
جاء في التفسير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الأخلاء أربعة: مؤمنان وكافران, فمات أحد المؤمنين, فسئل عن خليله فقال: ما علمته إلا أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر، اللهم اهده كما هديتني، وأمته على ما أمتني عليه.
وسئل الكافر عن خليله فقال: ما علمته إلا أمّارا بالمنكر نهّاء عن المعروف، اللهم أضلله كما أضللتني، وأمته على ما أمتني عليه، فإذا كان يوم القيامة أثنى كل واحد على صاحبه شرّا)) ). [معاني القرآن: 4/418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}
قال مجاهد: أصحاب المعاصي, متعادون يوم القيامة.
وقال الحارث: سئل علي بن أبي طالب عن قوله جل وعز: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو}, فقال: خليلان مؤمنان وخليلان كافران مات أحد المؤمنين فبشر بالجنة , فقال: اللهم لا تضل خليلي حتى يبشر بما بشرت به, وترضى عنه كما رضيت عني , فلما مات جمع بينهما , فقال له: جزاك الله من خليل, ومن أخ, وصاحب خيرا, فنعم الخليل كنت.
والكافران يقول أحدهما لصاحبه: بئس الخليل, والصاحب كنت. ثم قرأ: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}).
وقال مجاهد, قال ابن عباس : أحب لله , وأبغض لله , ووال لله, وعاد لله, فإنه إنما ينال ما عند الله بهذا , ولن ينفع أحد كثرة صومه , وصلاته, وحجه حيى يكون هكذا , وقد صار الناس اليوم يحبون , ويبغضون للدنيا, ولن ينفع ذلك أهله , ثم قرأ : {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} ). معاني القرآن: 6/3803]

تفسير قوله تعالى: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله:{يا عباد لا خوفٌ عليكم اليوم...}.
وهي في قراءة أهل المدينة: {يا عبادي} بإثبات الياء، والكلام, وقراءة العوام على حذف الياء). [معاني القرآن: 3/37]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عز وجل {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون}
وتقرأ (يا عبادي)بإثبات الياء، وقد فسرنا حذف الياء, وإثباتها في مثل هذا فيما سلف من الكتاب). [معاني القرآن: 4/419]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {الّذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين}
{الذين}: في موضع نصب على النعت لعبادي، لأن عبادي منادى مضاف، وإنّما قيل {لا خوف عليكم اليوم} للمؤمنين لا لغيرهم، وكذلك: {ادخلوا الجنّة لا خوف عليكم} يعنى: يا عبادي المؤمنين ادخلوا الجنّة). [معاني القرآن: 4/419]

تفسير قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({تحبرون}: تسرون، محبور: مسرور.
قال العجاج: فالحمد لله الذي أعطى الحبر). [مجاز القرآن: 2/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({تحبرون} أي: تسرون. و«الحبرة»: السرور). [تفسير غريب القرآن: 400]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:{أنتم وأزواجكم تحبرون}
{تحبرون}: تكرمون إكراما يبالغ فيه، والحبرة المبالغة فيما وصف بجميل). [معاني القرآن: 4/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون}
قال يحيى بن أبي كثير: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {أنتم وأزواجكم تحبرون}, قال: ((اللذة والسماع بما شاء الله من ذكره)).
قال قتادة: {تحبرون}: تنعمون). [معاني القرآن: 6/383-384]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({تحبرون} أي: تنعمون, {وأزواجكم}: نساؤكم). [ياقوتة الصراط: 461]

تفسير قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأكوابٍ...}, والكوب: المستدير الرأس الذي لا أذن له، قال عدي:
خيرٌ لها إن خشيت حجرة = مـــن ربّـهــا زيـــدٍ بــــن أيــــوب


مــتــكــئــا تـــصـــفـــق أبــــوابـــــه = يسقي عليـه العبـد بالكـوب

وقوله: {تشتهي الأنفس...}, وفي مصاحف أهل المدينة: (تشتهيه الأنفس وتلدّ)). [معاني القرآن: 3/37]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وأكوابٍ}، (الأكواب): الأبارق التي لا خراطيم لها). [مجاز القرآن: 2/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الأكواب}: واحدها كوب وهي الأباريق التي لا خراطيم لها). [غريب القرآن وتفسيره: 334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الأكواب}: الأباريق لا عرى لها،
ويقال: ولا خراطيم, واحدها: «كوب»). [تفسير غريب القرآن: 400]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون}
"الصحاف" واحدها صحفة, وهي القصعة، والأكواب واحدها كوب, وهو إناء مستدير لا عروة له.
وقوله: {وفيها ما تشتهي الأنفس}
وقرئت (تشتهيه الأنفس) بإثبات الهاء، وأكثر المصاحف بغيرها، وفي بعضها الهاء). [معاني القرآن: 4/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب}
روى سعيد, عن قتادة قال: الأكواب دون الأباريق, قال: وبلغني: أنها مدورة,
وكذلك هي عند أهل اللغة إلا أنها لا آذان لها ولا عرى). [معاني القرآن: 6/384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الأَكْوَابٍ}: كيزان لا آذان لها). [العمدة في غريب القرآن: 269]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يفتّر عنهم وهم فيه مبلسون}: في العذاب.
وفي قراءة عبد الله: {وهم فيها مبلسون}: ذهب إلى جهنم، والمبلس: القانط اليائس من النجاة). [معاني القرآن: 3/37]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وهم فيه مبلسون}: أي: يائسون من رحمة اللّه). [تفسير غريب القرآن: 400]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا يفتّر عنهم وهم فيه مبلسون}
(المبلس): الساكت الممسك إمساك يائس من فرج). [معاني القرآن: 4/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون} مأخوذ من الفترة والفتور والفتر, والمبلس: المتحير الذي قد يئس من الخير). [معاني القرآن: 6/384-385]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُبْلِسُونَ} أي: يائسون من رحمة الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظّالمين}
جعلت{هم} ها هنا عمادا، فنصب الظالمين، ومن جعلها اسما رفع، وهي في قراءة عبد الله: {ولكن كانوا هم الظّالمون}). [معاني القرآن: 3/37]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظّالمين}
"هم" ههنا فصل كذا يسميها البصريون، وهي تأتي دليلا على أن ما بعدها ليس بصفة لما قبلها، وأن المتكلم يأتي بخبر الأول. ويسميها الكوفيون العماد.
وهي عند البصريين لا موضع لها في رفع, ولا نصب, ولا جرّ، ويزعمون أنها بمنزلة (ما) في قوله سبحانه: {فبما رحمة من اللّه لنت لهم}, وقد فسرت ما في هذا فيما تقدم من الكتاب, ويجوز: {ولكن كانوا هم الظالمون} في غير القرآن، ولكن لا تقرأنّ بها لأنّها تخالف المصحف). [معاني القرآن: 4/419-420]
تفسير قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك يحذفون من الكلمة الحرف والشّطر والأكثر، ويبقون البعض والشطر والحرف، يوحون به ويومئون. يقولون: «لم يك»، فيحذفون النون مع حذفهم الواو لاجتماع الساكنين. ويقولون: «لم أبل» يريدون: لم أبال. ويقولون: ولاك افعل كذا، يريدون: ولكن، قال الشاعر:


ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل


ويحذفون في الترخيم، فيقولون: يا صاح، يريدون: يا صاحب، ويا حار، يريدون: يا حارث.
وقرأ بعض المتقدمين: {وَنَادَوْا يَا مَالِ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، أي يا مالك.
وقال الله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ}، أي ألا يا هؤلاء اسجدوا لله.
ويقولون: عِمْ صباحا، أي أَنْعِمْ). [تأويل مشكل القرآن: 305-306](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك قال إنّكم ماكثون}
وقد رويت (يا مال) -بغير كاف، وبكسر اللام- وهذا يسميه النحوّيون الترخيم، وهو كثير في الشعر في مالك وعامر، ولكنني أكرههما لمخالفتهما المصحف). [معاني القرآن: 4/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون}
قال مجاهد: ما كنا ندري ما معنى: {ونادوا يا مالك}, حتى وجدنا في قراءة عبد الله: ونادوا (يا مال بن عمرو بن العاص), قال عبد الله: ينادون مالكا أربعين سنة, فيجيبهم بعدها إنكم ماكثون, ثم ينادون رب العزة: {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون}, فيسكت عنهم مثل عمر الدنيا, ثم يقول:{اخسئوا فيها ولا تكلمون}, قال: فليس بعدها إلا صياح كصياح الحمير أوله زفير, وآخره شهيق). [معاني القرآن: 6/385-386]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أم أبرموا أمراً...}
يريد: أبرموا أمرا ينجيهم من عذابنا عند أنفسهم، فإنا مبرمون معذبوهم). [معاني القرآن: 3/38]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أم أبرموا أمرا}: أم أحكموا). [مجاز القرآن: 2/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أم أبرموا أمراً} أي: أحكموه). [تفسير غريب القرآن: 400]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم أبرموا أمرا فإنّا مبرمون} أي: أم أحكموا عند أنفسهم أمرا من كيد, أو شرّ, فإنا مبرمون, :محكمون مجازاتهم, كيدا بكيدهم، وشرّا بشرّهم). [معاني القرآن: 4/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أم ابرموا أمرا فإنا مبرمون}
قال مجاهد: أي: أم أجمعوا على كيد, أو شر, فإنا نكيدهم.
قال الفراء: أي: أم أحكموا أمرا ينجيهم من عذابنا على قولهم, فإنا نعذبهم.
قال أبو جعفر: يقال أبرم الأمر إذا بالغ في إحكامه, وأبرم الفاتل إذا أحكم الفتل, وهو الفتل الثاني. والأول سحيل كما قال:


من سحيل ومبرم


ومنه رجل برم إذا كان لا يدخل في الميسر , أو كان ضيق الخلق لا يجتمع مع الناس , كما قال الشاعر:
ولا بـرمــا تــهــدى الـنـســاء لـعـرســه = إذا القشـع مـن بـرد الشتـاء تقعقعـا


وبرمة مــن هــذا = سميت به للإلحاح عليها بالإيقاد ).

[معاني القرآن: 6/386-387]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال سبحانه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ}
و(النّجوى) هو: السر. وقد يجوز أن يكون أراد بالسرّ: ما أسرّوه في أنفسهم، وبالنّجوى: ما تسارّوا به.
وقال ذو الرّمة:
لميـاء فـي شفتيهـا حـوّة لـعـس = وفي اللّثات وفي أنيابها شنب
واللّعس هو: حوّة، فكرّر لما اختلف اللفظان.
ويمكن أن يكون لما ذكر الحوّة، خشي أن يتوهّم السامع سوادا قبيحا، فبيّن أنه لعس، واللعس يستحسن في الشّفاه). [تأويل مشكل القرآن: 240-241]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين }, "إن" في موضع "ما" في قول بعضهم: ما كان للرحمن ولد, الفاء مجازها مجاز الواو: ما كان للرحمن ولد, وأنا أول العابدين، قال الفرزدق:
أولئك قوم إن هجوني هجوتهم = وأعـبـد إن أهـجـو عـبـيـدا بـــدارم
وقال آخرون : مجازها : إن كان في قولكم للرحمن ولد , فأنا أول العابدين , أي: الكافرين بذلك, والجاحدين لما قلتم , وهي من "عبد يعبد عبداً" ). [مجاز القرآن: 2/206-207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين} أي: أول من عبده بالتوحيد.
ويقال: {أوّل العابدين}: أول الآنفين الغضاب, يقال: عبدت من كذا أعبد عبدا، فأنا عبد وعابد. قال الشاعر:


وأعبد أن تهجي تميم بدارم


أي: آنف). [تفسير غريب القرآن: 401]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وحكى أبو عبيد، عن أبي عمرو، أنه قال في قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: هو من الغضب والأنفة. ففسّر الحرف بالمعنيين لتقاربهما). [تأويل مشكل القرآن: 407](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}
لما قال المشركون: لله ولد، ولم يرجعوا عن مقالتهم بما أنزله الله على رسوله، عليه السلام، من التبرّؤ من ذلك- قال الله سبحانه لرسوله عليه السّلام: {قُلْ}: لهم {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} أي: عندكم في ادعائكم. {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: أول الموحدين، ومن وحّد الله فقد عبده، ومن جعل له ولدا أو ندّا، فليس من العابدين، وإن اجتهد.
ومنه قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، أي إلا ليوحّدون.
قال مجاهد: يريد إن كان لله ولد في قولكم، فأنا أول من عبد الله ووحّده، وكذّبكم بما تقولون.
وبعض المفسرين يجعل إن بمعنى (ما)، وليس يعجبني ذلك.
ويقال: العابدون هاهنا: الغضاب الآنفون. يقال: عبدت من كذا أعبد عبدا. وأكثر ما تأتي الأسماء من فعل يفعل (على فعل) كقوله: وجل يوجل فهو وجل، وفزع يفزع فهو فزع.
وربما جاء على (فاعل) نحو علم يعلم فهو عالم.
وربما جاء منه على (فعل) و(فاعل) نحو صدى يصدي فهو صد وصاد، كذلك تقول: عبد يعبد فهو عبد وعابد، قال الشاعر:


وأعبد أن تهجى تميم بدارم ).


[تأويل مشكل القرآن: 373-374]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل إن كان للرّحمن ولد فأنا أوّل العابدين}
معناه: إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدا, فأنا أول الموحّدين؛ لأن من عبد الله عزّ وجلّ, واعترف بأنه إلهه, فقد دفع أن يكون له ولد.
والمعنى: أن كان للرحمن ولد في قولكم، كما قال: {أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم}: أي في قولكم, واللّه واحد لا شريك له.
وقد قيل إنّ (إن) في هذا الموضع في موضع (ما) المعنى ما كان للرحمن ولد {فأنا أوّل العابدين}
وقد قيل: إن العابدين في معنى الآنفين، فأنا أول من يأنف من هذا القول). [معاني القرآن: 4/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}
في معناه ثلاثة أقوال:
- قال مجاهد: أي قل: إن كان للرحمن ولد في قولكم, فأنا أول من عبده ووحده, وكذبكم.
- وقال الحسن يقول: ما كان للرحمن ولد.
- وقيل: هو من عبد, أي: أنف, كما قال:


وأعبد أن تهجى تميم بدارم


قال أبو جعفر: أحسنها قول مجاهد لأن إن يبعد أن تكون ههنا بمعنى ما, لأن ذلك لا يكاد يستعمل إلا وبعد: إن إلا, وأيضا فإن بعدها ألفا وأكثر ما يقال إذا أنف الإنسان وغضب, وأنكر الشيء عبد, فهو عبد, كما يقال حذر, فهو حذر.
وقول مجاهد بين: أي: إن كان للرحمن ولد على زعمكم, وقولكم, كما قال تعالى: {أين شركائي}, فأنا أول من خالفكم, ووحد الله جل وعز.
ومعنى {العابدين} كمعنى: الموحدين؛ لأنه لا يقال عابد إلا لموحد). [معاني القرآن: 6/387-389]



قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({أول العابدين} أي: أول الغضاب الآبقين.
وقيل: {فأنا أول العابدين} أي: فأنا أول الجاحدين لما تقولون.
وقيل: {فأنا أول العابدين} أي: أنا أول من يعبده على الوحدانية، مخالفا لكم). [ياقوتة الصراط: 461-462]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}
أول من عبده بالتوحيد, وإن بمعنى ما وقيل: أول الآنفين الغضاب, وقيل: أول الجاحدين لذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 223]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي في السّماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم}
المعنى: هو الموحّد في السماء وفي الأرض.
وقرئت: (في السّماء اللّه وفي الأرض اللّه): ويدل ما خلق بينهما, وفيهما أنه واحد حكيم عليم لأن خلقهما يدل على الحكمة, والعلم). [معاني القرآن: 4/421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم}
قال قتادة: أي: يعبد في السماء وفي الأرض.
ووري عن عمر, وأبي, وابن مسعود: {وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله}). [معاني القرآن: 6/389]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق}
قال قتادة: المسيح وعزير قد عبدا من دون الله, ولهما شفاعة.
وقال مجاهد: لا يشفع المسيح وعزير والملائكة إلا لمن شهد بالحق, قال: لا إله إلا الله.
قال أبو جعفر: قول قتادة أبين, وقول مجاهد على أنه استثناء ليس من الأول). [معاني القرآن: 6/390]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وقيله يا ربّ...}
خفضها عاصم, والسلمي, وحمزة, وبعض أصحاب عبد الله، ونصبها أهل المدينة, والحسن فيما أعلم فمن خفضها قال: {عنده علم الساعة}, وعلم {قيله يا رب}, ومن نصبها أضمر معها قولا، كأنه قال: وقال قوله، وشكا شكواه إلى ربه وهي في إحدى القراءتين.
قال الفراء: لا أعلمها إلا في قراءة أبي، لأني رأيتها في بعض مصاحف عبد الله على: {وقيله}, ونصبها أيضا يجوز من قوله: {نسمع سرهم ونجواهم}، ونسمع (قيله)، ولو قال قائل: و(قيله) رفعا كان جائزا، كما تقول: ونداؤه هذه الكلمة: يا رب). [معاني القرآن: 3/38]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وقيله يا ربّ}: نصبه في قول أبي عمرو على {نسمع سرّهم ونجواهم}, {وقيله}, ونسمع قيله, وقال غيره: هي في موضع الفعل: ويقول). [مجاز القرآن: 2/207]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقيله يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون}
{وقيله}: ويقرأ {وقيله}، {وقيله يا ربّ}, فيها ثلاثة أوجه:
* الخفض على معنى: {وعنده علم الساعة}, وعلم قيله: {يا ربّ}
* والنصب من ثلاثة أوجه:-
قال أبو الحسن الأخفش: إنه منصوب من جهتين:
- إحداهما على العطف على قوله: {أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم}, وقيله: أي ونسمع قيله. ويكون على: وقال قيله.
- قال أبو إسحاق: والّذي أختاره أنا أن يكون "قيله" نصبا على معنى: {وعنده علم الساعة}, ويعلم قيله، فيكون المعنى إنّه يعلم الغيب, ويعلم قيله، لأن معنى عنده علم الساعة: يعلم الساعة ويعلم قيله.
ومعنى الساعة في كل القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة.
* والرفع على معنى: وقيله هذا القول، أي وقيله قوله: {يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون}). [معاني القرآن: 4/421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يعلمون}, وسنبين معنى: {وقيله يا رب}: في الإعراب إن شاء الله). [معاني القرآن: 6/390-391]

تفسير قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (ثم قال: {فاصفح عنهم}, فوصله بدعائه كأنه من قوله وهو من أمر الله أمره أن يصفح، أمره بهذا قبل أن يؤمر بقتالهم.
{وقل سلامٌ فسوف يعلمون...}: رفع "سلام" بضمير عليكم وما أشبهه، ولو كان: "وقل سلاماً" كان صوبا، كما قال: {قالوا سلاماً قال سلامٌ}). [معاني القرآن: 3/38]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فاصفح عنهم} أي: أعرض عنهم). [تفسير غريب القرآن: 401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}
قال قتادة في قوله: {فاصفح عنهم}, قيل له هذا, ثم نسخ بالأمر بالقتال). [معاني القرآن: 6/39]





رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة