العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الإسراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:10 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة الإسراء [ من الآية (78) إلى الآية (82) ]

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:13 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثنا القاسم بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن عمر أنّه سئل عن {الشّفق}، فقال: ذهاب البياض، وسئل عن الـ {غسق}، فقال: ذهاب الحمرة). [الجامع في علوم القرآن: 1/63] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل، عن حصين، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الرّحمن بن زيدٍ أنّ عبد اللّه قال في هذه الآية: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، قال: غروبها.
وقال الشّعبيّ: قال: ابن عبّاسٍ: زوالها). [الجامع في علوم القرآن: 1/136-137]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني الليث بن سعدٍ أنّ الحسن قال في قول اللّه: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، قال: دلوك الشّمس إذا زالت عن بطن السماء، وكان لها فيءٌ في الأرض، {وطرفي النهار}، العصر والصبح، {وزلفاً من الليل}، المغرب والعشاء.
قال: وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هما زلفتا اللّيل). [الجامع في علوم القرآن: 2/119-120]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس قال دلوكها حتى تزيغ عن بطن السماء و غسق الليل صلاة المغرب وقرآن الفجر صلاة الفجر قال قتادة وأما قوله كان مشهودا فيقول ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون تلك الصلاة). [تفسير عبد الرزاق: 1/384]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر في قوله تعالى لدلوك الشمس قال دلوكها ميلها بعد نصف النهار وهو وقت الظهر). [تفسير عبد الرزاق: 1/384]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه وعن إسماعيل بن شروس عن عكرمة قالا دلوكها غروبها). [تفسير عبد الرزاق: 1/384]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني ابن جريج قال قلت لعطاء ما دلوكها قال ميلها قال قلت فما غسق الليل قال أوله حين يدخل). [تفسير عبد الرزاق: 1/384]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله أنه قال حين غربت الشمس دلكت براح يعني براح مكانا). [تفسير عبد الرزاق: 1/384]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال دلوكها غروبها). [تفسير عبد الرزاق: 1/384-385]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر في قوله تعالى لدلوك الشمس قال أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن لهيعة قال جئت أبا هريرة وهو في المسجد الحرام جالس قال عبد الله صفه لي قال كان رجلا آدم ذا طمرين بعيد ما بين المنكبين أفشع الثنيتين يعني أفرق فقلت أخبرني عن أمر الأمور له تبع عن صلاتنا التي لا بد لنا منها قال ممن أنت قلت من قوم شمروا بطاعتهم واشتملوا بها قال ممن قلت من ثقيف قال فأين أنت من عمرو بن أوس قال قلت رأيت مكان عمرو ولكني جئت لأسألك قال أتقرأ من القرآن شيئا قال قلت نعم قال اقرأ قال فقرأت فاتحة القرآن قال فقال هذه السبع المثاني التي يقول الله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ثم قال أتقرأ سورة المائدة قال قلت نعم قال فاقرأ علي آية الوضوء فقرأتها عليه قال فقال ما أراك إلا وقد علمت وضوء الصلاة أما سمعت الله يقول أقم الصلاة لدلوك الشمس أتدري ما دلوكها قال قلت إذا زالت الشمس عن بطن السماء أو عن كبد السماء بعد نصف النهار قال نعم قال فصل حينئذ الظهر ثم صل العصر والشمس بيضاء تجد لها مسا قال فها تدري ما غسق الليل قال قلت نعم غروب الشمس قال نعم قال فاحدرها في إثرها ثم احدرها في إثرها وصل صلاة العشاء إذا ذهب الشفق وادلأم الليل من هنا فصل وأشار إلى المشرق فيما بينك وبين ثلث الليل وما عجلت بعد ذهاب بياض الأفق فهو أفضل وصل صلاة الفجر إذا طلع الفجر أتعرف الفجر قال قلت نعم قال ليس كل الناس تعرفه قال قلنا إذا اصطفق الأفقان بالبياض قال نعم فصلها حينئذ إلى الشرق وقال في حديثه وإياك والحبوة والإقعاء وتحفظ من السهو حتى تفرغ من المكتوبة قال قلت فأخبرني عن الصلاة الوسطى قال أما سمعت الله يقول أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر قال ومن بعد صلاة العشاء ثلث عورت لكم فذكر الصلوات كلها ثم قال حفظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ألا وهي العصر ألا وهي العصر). [تفسير عبد الرزاق: 1/385-386]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال لدلوك الشمس غروبها إلى غسق الليل المغرب وقرآن الفجر صلاة الفجر وقوله كان مشهودا تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ثم يصعدون فيقولون نقص فلان من صلاته الربع ونقص فلان الشطر ويقولون زاد فلان كذا وكذا). [تفسير عبد الرزاق: 1/393]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78]
قال مجاهدٌ: «صلاة الفجر»
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، وابن المسيّب، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمسٌ وعشرون درجةً، وتجتمع ملائكة اللّيل وملائكة النّهار في صلاة الصّبح» يقول أبو هريرة: " اقرءوا إن شئتم: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] "). [صحيح البخاري: 6/86]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله إنّ قرآن الفجر كان مشهودا)
قال مجاهدٌ صلاة الفجر وصله الطّبريّ من طريق بن أبي نجيح عنه وزاد يجتمع فيها ملائكة اللّيل وملائكة النّهار ومن طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ نحوه ثمّ ذكر فيه حديث أبي هريرة وقد تقدّم شرحه في صفة الصّلاة). [فتح الباري: 8/399]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
باب {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال مجاهد صلاة الفجر
قال عبد بن حميد أخبرني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {وقرآن الفجر} قال صلاة الصّبح
قوله فيه
عقب حديث 4718 آدم بن علّي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما إن النّاس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع الحديث
رواه حمزة بن عبد الله عن أبيه عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الزّكاة). [تغليق التعليق: 4/242-243]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} (الإسراء: 78)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {إن قرآن الفجر} أي: صلاة الفجر، سميت الصّلاة قرآنًا لأنّها لا تجوز إلاّ بقرآن، وقيل: يعني قراءة الفجر، أي: ما يقرأ به في صلاة الفجر. قوله: (كان مشهوداً) أي: تشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو آخر ديوان اللّيل وأول ديوان النّهار، وروى ابن مردويه بسند لا بأس به عن أبي الدّرداء رضي الله عنه: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أن قرآن الفجر كان مشهوداً} قال: يشهده الله وملائكة اللّيل والنّهار، وفي لفظ: في ثلاث ساعات يبقين من اللّيل يفتح الله الذّكر الّذي لم يره أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثمّ في السّاعة الثّانية ينزل إلى عدن فيقول: طوبى لمن دخلك، ثمّ ينزل في السّاعة الثّالثة إلى السّماء الدّنيا، فيقول: هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ حتّى يصلّي الفجر، وذلك قوله: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً} يقول: يشهده الله وملائكته وملائكة اللّيل وملائكة النّهار.
قال مجاهدٌ صلاة الفجر
أي: قرآن الفجر صلاة الفجر، وهذا التّعليق رواه ابن المنذر عن موسى: حدثنا أبو بكر حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
- حدّثني عبد الله بن محمّدٍ حدّثنا عبد الرّزّاق أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ عن أبي سلمة وابن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمسٌ وعشرون درجةً وتجتمع ملائكة اللّيل وملائكة النّهار في صلاة الصّبح يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} (الإسراء: 78) ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة وعبد الله بن محمّد هو المعروف بالمسندي. والحديث قد مضى في كتاب الصّلاة في: باب فضل صلاة الفجر في الجماعة، فإنّه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزّهريّ إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/30-31]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] قال مجاهدٌ: صلاة الفجر
(باب قوله) تعالى: ({إن قرآن الفجر كان مشهودًا}) [الإسراء: 78] (قال مجاهد) فيما وصله ابن المنذر عن ابن أبي نجيح عنه في قوله قرآن الفجر أي (صلاة الفجر) عبر عنها ببعض أركانها وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ عن أبي سلمة، وابن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمسٌ وعشرون درجةً وتجتمع ملائكة اللّيل وملائكة النّهار في صلاة الصّبح» يقول: أبو هريرة اقرءوا إن شئتم {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا}.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بسكونه العين المهملة وفتح الميمين هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف اسمه عبد الله أو إسماعيل (وابن المسيب) بفتح التحتية المشددة سعيد كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): وسقط لفظ قال لأبي ذر عن الحموي والكشميهني.
(فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد) منفردًا (خمس وعشرون درجة) وفي نسخة خمس بفتح السين كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه أي تزيد خمس درجات وعشرين بالياء أي درجة (وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح) لأنه وقت صعودهم بعمل الليل ومجيء الطائفة الأخرى لعمل النهار ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في صلاة الفجر (يقول) وفي فضل صلاة الفجر في جماعة من كتاب الصلاة من طريق شعيب عن الزهري ثم يقول (أبو هريرة) مستشهدًا لذلك (اقرؤوا إن شئتم {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا}) أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار رواه أحمد عن ابن مسعود مرفوعًا وفي الأنوار أو شواهد القدرة من تبذل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو أخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير). [إرشاد الساري: 7/209]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبيد بن أسباط بن محمّدٍ قرشيٌّ كوفيٌّ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تعالى: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: تشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وروى عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، وأبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
حدّثنا بذلك عليّ بن حجرٍ، قال: حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، فذكر نحوه). [سنن الترمذي: 5/153]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا}
- أخبرنا عبيد بن أسباط بن محمّدٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] قال: يشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/152]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {أقم الصّلاة} يا محمّد {لدلوك الشّمس}.
واختلف أهل التّأويل في الوقت الّذي عناه اللّه بدلوك الشّمس، فقال بعضهم: هو وقت غروبها، والصّلاة الّتي أمر بإقامتها حينئذٍ: صلاة المغرب
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني واصل بن عبد الأعلى الأسديّ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أبي إسحاق، يعني الشّيبانيّ، عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن أبيه، أنّه كان مع عبد اللّه بن مسعودٍ، على سطحٍ حين غربت الشّمس، فقرأ: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} حتّى فرغ من الآية، ثمّ قال: والّذي نفسي بيده إنّ هذا لحين دلكت الشّمس وأفطر الصّائم ووقت الصّلاة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، أنّ أبا عبيدة بن عبد اللّه كتب إليه أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ كان إذا غربت الشّمس صلّى المغرب ويفطر عندها إن كان صائمًا، ويقسم عليها يمينًا ما يقسمه على شيءٍ من الصّلوات باللّه الّذي لا إله إلاّ هو، إنّ هذه السّاعة لميقات هذه الصّلاة، ويقرأ فيها تفسيرها من كتاب اللّه {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل}.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: هذا دلوك الشّمس، وهذا غسق اللّيل، وأشار إلى المشرق والمغرب.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: دلوك الشّمس: غروبها، يقول: دلكت براحٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد اللّه، أنّه قال: حين غربت الشّمس براحٍ، يعني براحٍ مكانًا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: دلوكها: غروبها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: قد ذكر لنا أنّ ابن مسعودٍ كان يصلّيها إذا وجبت وعندها يفطر إذا كان صائمًا، ثمّ يقسم عليها قسمًا لا يقسمه على شيءٍ من الصّلوات باللّه الّذي لا إله إلاّ هو، إنّ هذه السّاعة لميقات هذه الصّلاة، ثمّ يقرأ ويصلّيها وتصديقها من كتاب اللّه: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} قال: كان أبي يقول: دلوكها: حين تريد الشّمس تغرب إلى أن يغسق اللّيل، قال: هي المغرب حين يغسق اللّيل، وتدلك الشّمس للغروب.
- حدّثني سعيد بن الرّبيع، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، سمع عمرو بن دينارٍ أبا عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: كان عبد اللّه بن مسعودٍ يصلّي المغرب حين يغرب حاجب الشّمس، ويحلف أنّه الوقت الّذي قال اللّه {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال عبد اللّه حين غربت الشّمس: هذا واللّه الّذي لا إله غيره وقت هذه الصّلاة وقال: دلوكها: غروبها.
وقال آخرون: دلوك الشّمس: ميلها للزّوال، والصّلاة الّتي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإقامتها عند دلوكها: الظّهر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن عبد اللّه، قال: دلوكها: ميلها، يعني الشّمس.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال في قوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} قال: دلوكها: زوالها.
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، في قوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} قال: دلوكها: ميلها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن سيّار بن سلامة، عن أبي برزة الأسلميّ، قوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} قال: إذا زالت.
- حدّثنا ابن حميدٍ مرّةً أخرى، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، قال: حدّثنا سيّار بن سلامة الرّياحيّ، قال: أتيت أبا برزة فسأله والدي عن مواقيت صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي الظّهر إذا زالت الشّمس، ثمّ تلا: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس}.
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا مباركٌ، عن الحسن، قال: قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} قال: الظّهر دلوكها، إذا زالت عن بطن السّماء، وكان لها في الأرض فيءٌ.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، في قوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} قال: دلوكها: زوالها.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، مثل ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن أبي جعفرٍ، في {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} قال: لزوال الشّمس.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: دلوك الشّمس: زيغها بعد نصف النّهار، يعني الظّهر.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: دلوك الشّمس، قال: حين تزيغ عن بطن السّماء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} أي إذا زالت الشّمس عن بطن السّماء لصلاة الظّهر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {لدلوك الشّمس} قال: حين تزيغ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: دلوك الشّمس: حين تزيغ.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى بقوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} صلاة الظّهر، وذلك أنّ الدّلوك في كلام العرب: الميل، يقال منه: دلك فلانٌ إلى كذا: إذا مال إليه. ومنه الخبر الّذي روي عن الحسن أنّ رجلاً قال له: أيدالك الرّجل امرأته؟ يعني بذلك: أيميل بها إلى المماطلة بحقّها. ومنه قول الرّاجز:
هذا مقام قدمي رباح = غدوة حتّى دلكت براح
ويروى: براح بفتح الباء، فمن روى ذلك: براحٍ، بكسر الباء، فإنّه يعني: أنّه يضع النّاظر كفّه على حاجبه من شعاعها، لينظر ما بقي من غيابها. وهذا تفسير أهل الغريب أبي عبيدة والأصمعيّ وأبي عمرٍو الشّيبانيّ وغيرهم. وقد ذكرت في الخبر الّذي رويت عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه قال حين غربت الشّمس: دلكت براحٍ، يعني: براحٍ مكانًا، ولست أدري هذا التّفسير، أعني قوله: براحٍ مكانًا من كلام من هو ممّن في الإسناد، أو من كلام عبد اللّه، فإن يكن من كلام عبد اللّه، فلا شكّ أنّه كان أعلم بذلك من أهل الغريب الّذين ذكرت قولهم، وأنّ الصّواب في ذلك قوله دون قولهم، وإن لم يكن من كلام عبد اللّه، فإنّ أهل العربيّة كانوا أعلم بذلك منه، ولمّا قال أهل الغريب في ذلك شاهدٌ من قول العجّاج، وهو قوله:
والشّمس قد كادت تكون دنفًا = أدفعها بالرّاح كي تزحلفا
فأخبر أنّه يدفع شعاعها لينظر إلى مغيبها براحةٍ.
ومن روى ذلك بفتح الباء، فإنّه جعله اسمًا للشّمس وكسر الحاء لإخراجه إيّاه على تقدير قطام وحذام ورقاش.
فإذا كان معنى الدّلوك في كلام العرب هو الميل، فلا شكّ أنّ الشّمس إذا زالت عن كبد السّماء، فقد مالت للغروبٍ، وذلك وقت صلاة الظّهر، وبذلك ورد الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإن كان في إسناد بعضه بعض النّظر.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، قال: حدّثني محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثني يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثني أبو بكر بن عمرو بن حزمٍ الأنصاريّ، عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أتاني جبرائيل عليه السّلام لدلوك الشّمس حين زالت الشّمس فصلّى بي الظّهر ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، قال: حدّثني سيّار بن سلامة الرّياحيّ، قال: قال أبو برزة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي الظّهر إذا زالت الشّمس، ثمّ تلا {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ، عن ابن أبي ليلى، عن رجلٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: دعوت نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن شاء من أصحابه، فطعموا عندي، ثمّ خرجوا حين زالت الشّمس، فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: " اخرج يا أبا بكرٍ قد دلكت الشّمس ".
- حدّثني محمّد بن عمار الرّازيّ، قال: حدّثنا سهل بن بكّارٍ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن الأسود بن قيسٍ، عن نبيح العنزيّ، عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحو حديث ابن حميدٍ.
فإذا كان صحيحًا ما قلنا بالّذي به استشهدنا، فبيّن إذن أنّ معنى قوله جلّ ثناؤه: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} أنّ صلاة الظّهر والعصر بحدودهما ممّا أوجب اللّه عليك فيهما لأنّهما الصّلاتان اللّتان فرضهما اللّه على نبيّه من وقت دلوك الشّمس إلى غسق اللّيل.
وغسق اللّيل: هو إقباله ودنوّه بظلامه، كما قال الشّاعر:
آب هذا اللّيل إذ غسقا
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل على اختلافٍ منهم في الصّلاة الّتي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإقامتها عنده، فقال بعضهم: الصّلاة الّتي أمر بإقامتها عنده صلاة المغرب
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} قال: غسق اللّيل: بدوّ اللّيل.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سمعت عكرمة، سئل عن هذه الآية: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} قال: بدوّ اللّيل.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: غسق اللّيل: غروب الشّمس.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّدٌ بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {غسق اللّيل} صلاة المغرب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {إلى غسق اللّيل} بدوّ اللّيل لصلاة المغرب وقد ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: " لا تزال طائفةٌ من أمّتي على الفطرة ما صلّوا صلاة المغرب قبل أن تبدو النّجوم ".
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {إلى غسق اللّيل} يعني إظلام اللّيل.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: كان أبي يقول: {غسق اللّيل} ظلمة اللّيل.
وقال آخرون: هي صلاة العصر
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن أبي جعفرٍ، فى {غسق اللّيل} قال: صلاة العصر.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، قول من قال: الصّلاة الّتي أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بإقامتها عند غسق اللّيل هي صلاة المغرب دون غيرها، لأنّ غسق اللّيل هو ما وصفنا من إقبال اللّيل وظلامه، وذلك لا يكون إلاّ بعد مغيب الشّمس. فأمّا صلاة العصر، فإنّها ممّا تقام بين ابتداء دلوك الشّمس إلى غسق اللّيل، لا عند غسق اللّيل.
وأمّا قوله: {وقرآن الفجر} فإنّ معناه وأقم قرآن الفجر: أي ما تقرأ به صلاة الفجر من القرآن، والقرآن معطوفٌ على الصّلاة في قوله: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس}.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: نصب قوله {وقرآن الفجر} على الإغراء، كأنّه قال: وعليك قرآن الفجر.
{إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} يقول: إنّ ما تقرأ به في صلاة الفجر من القرآن كان مشهودًا، يشهده فيما ذكر ملائكة اللّيل وملائكة النّهار.
وبالّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل: وجاءت الآثار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبيد بن أسباط بن محمّدٍ القرشيّ، قال: حدّثني أبي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: " تشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار ".
- حدّثنا موسى بن سهلٍ، قال: حدّثنا آدمٌ، قال: حدّثنا ليث بن سعدٍ، وحدّثنا محمّد بن سهل بن عسكرٍ، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، قال: حدّثنا اللّيث بن سعدٍ، عن زيادة بن محمّدٍ، عن محمّد بن كعب القرظيّ، عن فضالة بن عبيدٍ، عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ اللّه يفتح الذّكر في ثلاث ساعاتٍ يبقين من اللّيل: في السّاعة الأولى منهنّ ينظر في الكتاب الّذي لا ينظر فيه أحدٌ غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثمّ ينزل في السّاعة الثّانية إلى جنّة عدنٍ، وهي داره الّتي لم ترها عينٌ، ولم تخطر على قلب بشرٍ، وهي مسكنه، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثةٍ: النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء، ثمّ يقول: طوبى لمن دخلك، ثمّ ينزل في السّاعة الثّالثة إلى السّماء الدّنيا بروحه وملائكته فتنتفض، فيقول: قومي بقوتي، ثم يطلع إلى عباده، فيقول: من يستغفرني أغفر له، من يسألني أعطه، من يدعوني فأستجيب له حتّى يطلع الفجر، فذلك حين يقول {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال موسى في حديثه: شهده اللّه وملائكة اللّيل وملائكة النّهار وقال ابن عسكرٍ في حديثه: فيشهده اللّه وملائكة اللّيل وملائكة النّهار.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، قال: قال أبو عبيدة بن عبد اللّه: كان عبد اللّه يحدّث أنّ صلاة الفجر عندها يجتمع الحرسان من ملائكة اللّه، ويقرأ هذه الآية: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} وقرآن الفجر: صلاة الصّبح، كنّا نحدّث أنّ عندها يجتمع الحرسان من ملائكة اللّه: حرس اللّيل، وحرس النّهار.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {وقرآن الفجر} صلاة الفجر.
وأمّا قوله: {كان مشهودًا} فإنّه يقول: ملائكة اللّيل وملائكة النّهار يشهدون تلك الصّلاة.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، أنّه قال في هذه الآية: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: تنزل ملائكة النّهار وتصعد ملائكة اللّيل.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن ضرار عن عبد اللّه بن أبي الهذيل، عن أبي عبيدة، في قوله: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: يشهده حرس اللّيل وحرس النّهار من الملائكة في صلاة الفجر.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: كانوا يقولون تجتمع ملائكة اللّيل وملائكة النّهار في صلاة الفجر فتشهد فيها جميعًا، ثمّ يصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} يعني صلاة الصّبح.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وقرآن الفجر} قال: صلاة الصّبح.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {وقرآن الفجر} صلاة الصّبح {إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: تجتمع في صلاة الفجر ملائكة اللّيل وملائكة النّهار.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {وقرآن الفجر} يعني صلاة الغداة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {وقرآن الفجر} قال: صلاة الفجر {إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: مشهودًا من الملائكة فيما يذكرون.
قال: وكان عليّ بن أبي طالبٍ، وأبيّ بن كعبٍ يقولان: الصّلاة الوسطى الّتي حضّ اللّه عليها: صلاة الصّبح قال: وذلك أنّ صلاة الظّهر وصلاة العصر: صلاتا النّهار، والمغرب والعشاء: صلاتا اللّيل، وهي بينها، وهي صلاة نومٍ، ما نعلم صلاةً يغفل عنها مثلها.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن الجريريّ، عن أبي الورد بن ثمامة، عن أبي محمّدٍ الحضرميّ، قال: حدّثنا كعبٌ، في هذا المسجد، قال: والّذي نفس كعبٍ بيده، إنّ هذه الآية {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} إنّها لصلاة الفجر إنّها لمشهودةٌ.
- حدّثني الحسن بن عليّ بن عياشٍ، قال: حدّثنا بشر بن شعيبٍ، قال: أخبرني أبي، عن الزّهريّ، قال: حدّثني سعيد بن المسيّب، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ أبا هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " تجتمع ملائكة اللّيل وملائكة النّهار في صلاة الفجر " ثمّ يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: صلاة الفجر تجتمع فيها ملائكة اللّيل وملائكة النّهار). [جامع البيان: 15/22-37]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إلى غسق الليل قال يعني غروب الشمس صلاة المغرب). [تفسير مجاهد: 367-368]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي في قوله وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا يعني صلاة الفجر
- نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله). [تفسير مجاهد: 368]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال دلوكها زيغها حين تزيغ). [تفسير مجاهد: 369]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (وأخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق، أنبأ جريرٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، وعمارة، عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال: كان عبد اللّه رضي اللّه عنه، يصلّي المغرب ونحن نرى أنّ الشّمس طالعةٌ قال: فنظرنا يومًا إلى ذلك فقال: «ما تنظرون؟» قالوا: إلى الشّمس. قال عبد اللّه: «هذا والّذي لا إله غيره ميقات هذه الصّلاة» ، ثمّ قال: " {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78] ، فهذا دلوك الشّمس «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه، بهذه السّياقة»). [المستدرك: 2/395]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ط) عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: كان يقول: دلوك الشّمس: ميلها. أخرجه الموطأ). [جامع الأصول: 2/214]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ط) ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان يقول: دلوك الشّمس: إذا فاء الفيئ، وغسق اللّيل: اجتماع اللّيل وظلمته. أخرجه الموطأ). [جامع الأصول: 2/214]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -:في قوله تعالى: {إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} [الإسراء: 78] أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/215]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78].
- عن ابن عمر عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: " «دلوك الشّمس: زوالها» ".
رواه البزّار، وفيه عمر بن قيسٍ المعروف بسندلٍ وهو متروكٌ.
- وعن عبد الرّحمن بن يزيد - يعني النّخعيّ - قال: صلّى عبد اللّه [ذات يومٍ]، وجعل رجلٌ ينظر هل غابت الشّمس؟ فقال عبد اللّه: ما تنظرون؟ هذا - واللّه الّذي لا إله إلّا هو - ميقات هذه الصّلاة، لقول اللّه - عزّ وجلّ: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78] وهذا دلوك الشّمس وهذا غسق اللّيل.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح.
- وعن عبد اللّه قال: إلى غسق اللّيل قال: العشاء الآخرة.
رواه الطّبرانيّ من طريقين، وفيهما يحيى الحمّانيّ وجابرٌ الجعفيّ وكلاهما ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/50-51]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن يحيى القطعيّ، ثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، ثنا عمر بن قيسٍ، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «دلوك الشّمس زوالها».
قال البزّار: إنّما يروى موقوفًا على ابن عمر، ولم يرفعه إلا عمر بن قيسٍ، وهو ليّن الحديث). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/56]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دلوك الشمس: غروبها، تقول العرب: إذا غربت الشمس: دلكت الشمس). [الدر المنثور: 9/410]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه قال: دلوكها غروبها). [الدر المنثور: 9/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} قال: لزوال الشمس). [الدر المنثور: 9/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار وأبو الشيخ، وابن مردويه والديلمي بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {لدلوك الشمس} زوالها). [الدر المنثور: 9/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج في الموطأ وعبد الرزاق والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: دلوك الشمس زوالها). [الدر المنثور: 9/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {لدلوك الشمس} زياغها بعد نصف النهار). [الدر المنثور: 9/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دلوكها زوالها). [الدر المنثور: 9/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لدلوك الشمس} قال: إذا فاء الفيء). [الدر المنثور: 9/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر). [الدر المنثور: 9/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ثم تلا {أقم الصلاة لدلوك الشمس}). [الدر المنثور: 9/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن مردويه عن مجاهد رضي الله عنه قال: كنت أقود مولاي قيس بن السائب فيقول لي: أدلكت الشمس فإذا قلت نعم صلى الظهر). [الدر المنثور: 9/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر عند دلوك الشمس). [الدر المنثور: 9/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {إلى غسق الليل} قال: العشاء الآخرة). [الدر المنثور: 9/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {غسق الليل} اجتماع الليل وظلمته). [الدر المنثور: 9/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: {غسق الليل} بدو الليل). [الدر المنثور: 9/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {إلى غسق الليل} قال: ما الغسق قال: دخول الليل بظلمته، قال فيه زهير بن أبي سلمى:
ظلتا تجوب يداها وهي لاهبة * حتى إذا جنح الإظلام في الغسق). [الدر المنثور: 9/413-414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: {لدلوك الشمس} حين تزيغ، و{غسق الليل} غروب الشمس). [الدر المنثور: 9/414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {لدلوك الشمس} إذا زالت عن بطن السماء و{غسق الليل} غروب الشمس، والله سبحانه أعلم). [الدر المنثور: 9/414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وقرآن الفجر} قال: صلاة الصبح). [الدر المنثور: 9/414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {وقرآن الفجر} قال: صلاة الفجر). [الدر المنثور: 9/414-415]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: تشهده الملائكة والجن). [الدر المنثور: 9/415]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها). [الدر المنثور: 9/415]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ). [الدر المنثور: 9/415]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يتدارك الحرسان من ملائكة الله تعالى حارس الليل وحارس النهار عند صلاة الصبح اقرؤوا إن شئتم {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ثم قال: تنزل ملائكة الليل وملائكة النهار). [الدر المنثور: 9/416]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: يشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار). [الدر المنثور: 9/416]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار). [الدر المنثور: 9/416]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أيضا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن المقام المحمود الذي ذكر الله في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يكون بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع). [الجامع في علوم القرآن: 1/85]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى نافلة لك قال تطوعا وفضيلة). [تفسير عبد الرزاق: 1/386]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى مقاما محمودا قال هو الشفاعة يشفعه الله في أمته). [تفسير عبد الرزاق: 1/386]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال الثوري ومعمر عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر قال سمعت حذيفة يقول عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال يجمع الله الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا سكوتا لا تكلم نفس إلا بإذنه فينادي محمد فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك تباركت ربنا وتعاليت سبحانك رب البيت قال فذلك المقام المحمود الذي ذكر الله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا). [تفسير عبد الرزاق: 1/387]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن الأعمش عن ذكوان قال بلغني أن الناس يحشرون يوم القيامة هكذا ووضع رأسه ووضع يده اليمني على كوع اليسرى ونحى شيئا). [تفسير عبد الرزاق: 1/387]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين أن النبي قال إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه قال النبي فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها قال فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله صدق ثم أشفع فأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال وهو المقام المحمود). [تفسير عبد الرزاق: 1/387]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله إن لكل نبي دعوة يدعو بها وإنني أريد أن أخبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/388]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]
- حدّثني إسماعيل بن أبان، حدّثنا أبو الأحوص، عن آدم بن عليٍّ، قال: سمعت ابن عمر رضي اللّه عنهما، يقول: " إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثًا، كلّ أمّةٍ تتبع نبيّها يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذلك يوم يبعثه اللّه المقام المحمود "
- حدّثنا عليّ بن عيّاشٍ، حدّثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: " من قال حين يسمع النّداء: اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة، والصّلاة القائمة، آت محمّدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الّذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة " رواه حمزة بن عبد اللّه، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم). [صحيح البخاري: 6/86]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( قوله باب قوله عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا روى النّسائيّ بإسنادٍ صحيحٍ من حديث حذيفة قال يجتمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ فأوّل مدعوٍّ محمّدٌ فيقول لبّيك وسعديك والخير في يديك والشّرّ ليس إليك المهديّ من هديت عبدك وبن عبديك وبك وإليك ولا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك تباركت وتعاليت فهذا قوله عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا وصحّحه الحاكم ولا منافاة بينه وبين حديث بن عمر في الباب لأنّ هذا الكلام كأنّه مقدّمة الشّفاعة وروى بن أبي حاتمٍ من طريق سعيد بن أبي هلالٍ أنّه بلغه أنّ المقام المحمود الّذي ذكره اللّه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يكون يوم القيامة بين الجبّار وبين جبريل فيغبطه لمقامه ذلك أهل الجمع ورجاله ثقاتٌ لكنّه مرسلٌ ومن طريق عليّ بن الحسين بن عليٍّ أخبرني رجلٌ من أهل العلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال تمدّ الأرض مدّ الأديم الحديث وفيه ثمّ يؤذن لي في الشّفاعة فأقول أي ربّ عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال فذلك المقام المحمود ورجاله ثقاتٌ وهو صحيحٌ إن كان الرّجل صحابيًّا وقد تقدّم في كتاب الزّكاة أنّ المراد بالمقام المحمود أخذه بحلقة باب الجنّة وقيل إعطاؤه لواء الحمد وقيل جلوسه على العرش أخرجه عبد بن حميدٍ وغيره عن مجاهدٍ وقيل شفاعته رابع أربعةٍ وسيأتي بيانه في كتاب الرّقاق إن شاء اللّه تعالى
- قوله حدّثنا أبو الأحوص بمهملتين هو سلّام بن سليمٍ قوله عن آدم بن عليٍّ هو العجليّ بصريٌّ ثقةٌ وليس له في البخاريّ إلّا هذا الحديث وقد تقدّم في الزّكاة من وجهٍ آخر عن بن عمر وفيه تسمية بعض من أبهم هنا بقوله حدثنا فلان وقوله جثا بضم أوله والتنوين جمع جثوة كخطوة وخطا وحكى بن الأثير أنّه روي جثيٌّ بكسر المثلّثة وتشديد التّحتانيّة جمع جاثٍ وهو الّذي يجلس على ركبته وقال بن الجوزيّ عن بن الخشّاب إنّما هو جثّى بفتح المثلّثة وتشديدها جمع جاثٍ مثل غازٍ وغزّى قوله حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم زاد في الرّواية المعلّقة في الزّكاة فيشفع ليقضى بين الخلق ويأتي شرح حديث الشّفاعة مستوفًى في كتاب الرّقاق إن شاء اللّه تعالى
- قوله رواه حمزة بن عبد الله أي بن عمر عن أبيه تقدّم ذكر من وصله في كتاب الزّكاة ثمّ ذكر المصنّف حديث جابرٍ في الدّعاء بعد الأذان وقد تقدّم شرحه في أبواب الأذان). [فتح الباري: 8/399-400]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً} (الإسراء: 79)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {عسى أن يبعثك} الآية ... اعلم أن كلمة عيسى ولعلّ، من الله واجبتان لأنّه ليس من صفات الله الغرور، والمقام المحمود هو المقام الّذي يشفع فيه لأمته يحمده فيه الأولون والآخرون. وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرأ: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودًا} قال: يدنيني فيقعدني معه على العرش، وقال ابن نجويه: يجلسني معه على السرير، وذكرهما الثّعلبيّ في تفسيره.
- حدّثني إسماعيل بن أبان حدثنا أبو الأحوص عن آدم بن عليّ قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثاً كلّ أمّةٍ تتبع نبيّها يقولون يا فلان اشفع حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذالك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
(انظر الحديث 1475) .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبان، بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبالنون منصرفاً وغير منصرف: أبو إسحاق الوراق الأزديّ الكوفي، توفّي بالكوفة سنة ستّ عشرة ومائتين، وأبو الأحوص هو سلام بن سليم، وآدم بن عليّ العجليّ البكريّ، وهو من أفراده وليس له في البخاريّ إلاّ هذا الحديث.
والحديث أخرجه النّسائيّ أيضا في التّفسير عن العبّاس بن عبد الله.
قوله: (جثا) ، قال الكرماني: جثا، بضم الجيم وفتح المثلّثة مقصورا، أي: جماعات واحدها جثوة وكل شيء جمعته من تراب نحوه فهو جثوة. قلت: قال ابن الجوزيّ عن ابن الخشاب: جثى، بالتّشديد والضّم جمع جاث، كغاز وغزى، وجثى مخفّفة جمع جثوة ولا معنى له ههنا، وقال ابن الأثير: ويروى: جثى، بتشديد الثّاء جمع جاث أي: جلس على ركبتيه، وفي: (المغيث) : يجوز أيضا فتح الجيم وكسرها كالعصى والعصي، قوله: (الشّفاعة إلى النّبي صلى الله عليه وسلم) زاد في الرّواية المتعلّقة في الزّكاة: فيشفع ليقضي بين الخلق.
- حدّثنا عليّ بن عيّاش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع النّداء اللّهمّ ربّ هاذه الدّعوة التامة والصّلاة القائمة آت محمّد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الّذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة.
(انظر الحديث 614) .
مطابقته للتّرجمة في قوله: (مقاما محمودًا) وعلي بن عيّاش، بتشديد الياء آخر الحروف: الألهاني الحمصي، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وابن المنكدر. والحديث مضى في كتاب الصّلاة في: باب الدّعاء عند النداء، بعين هذا الإسناد والمتن ومضى الكلام فيه هناك.
رواه حمزة بن عبد الله عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم

أي: روى الحديث المذكور حمزة بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر عن النّبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المعلق رواه الإسماعيليّ عن أبي معاوية الرّازيّ: حدثنا أبو زرعة الرّازيّ حدثنا يحيى بن بكير حدثنا اللّيث عن عبد الله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبد الله، قال: سمعت أبي فذكره والله أعلم). [عمدة القاري: 19/31-32]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]
(باب قوله) تعالى: ({عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا}) [الإسراء: 79] يحمده فيه الأوّلون والآخرون والمشهور أنه مقام الشفاعة للناس ليريحهم الله من كرب ذلك اليوم وشدته.
- حدّثني إسماعيل بن أبان، حدّثنا أبو الأحوص، عن آدم بن عليٍّ، قال: سمعت
ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثًا، كلّ أمّةٍ تتبع نبيّها يقولون: يا فلان اشفع حتّى تنتهى الشّفاعة إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فذلك يوم يبعثه اللّه المقام المحمود.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر حدّثني (إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أخره نون منصرف وغير منصرف أبو إسحاق الوراق الأزدي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي الكوفي (عن آدم بن علي) العجلي بكسر العين المهملة وسكون الجيم أنه (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثّا) بضم الجيم وفتح المثلثة المخففة منوّنًا مقصورًا جمع جثوة كخطوة وخطًا أي جماعات (كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع) أي لنا وزاد أبو ذر يا فلان اشفع فيكون مرتين (حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) زاد في الرواية المعلقة في الزكاة فيشفع ليقضي بين الخلق (فذلك) أي مقام الشفاعة (يوم يبعثه الله المقام المحمود) وفي المقام المحمود أقوال أخر تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في الرقاق.
- حدّثنا عليّ بن عيّاشٍ، حدّثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه -رضي الله عنهما- أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «من قال حين يسمع النّداء اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الّذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة» رواه حمزة بن عبد اللّه عن أبيه عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عياش) بتشديد التحتية آخره شين معجمة الألهاني الحمصي قال: (حدّثنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي الحمصي (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال):
(من قال حين يسمع النداء) أي الأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة) لجمعها العقائد بتمامها (والصلاة القائمة) الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة (آت محمدًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ائت محمدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- (الوسيلة) المنزلة العلية في الجنة التي لا تنبغي إلا له (والفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر المخلوقين (وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته) بقولك تباركت وتعاليت {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] والموصول مع الصلة إما بدل من النكرة على طريق إبدال المعرفة من النكرة أو صفة لها على رأي الأخفش لأنها وصفت وإنما نكر لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل مقامًا وأي مقام يغبطه فيه الأوّلون والآخرون محمودًا تأكل عن أوصافه ألسنة الحامدين وتشرت به على جميع العالمين تسأل فتعطى وتشفع فتشفع وليس أحد إلا تحت لوائك (حلت) أي وجبت (له شفاعتي يوم القيامة) الشاملة للأوّلين والآخرين في خلاصهم من كرب يوم الدين وتوصيلها إلى جنات النعيم ولقاء الله رب العالمين جعلنا الله منهم بمنه وكرمه (رواه) أي الحديث المذكور
(حمزة بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر فيما وصله الإسماعيلي (عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-).
وهذا الحديث قد سبق في باب الدعاء عند الأذان من كتاب الصلاة). [إرشاد الساري: 7/209-210]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(يقال نافلةٌ عطيّةٌ»). [صحيح البخاري: 6/61] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله نافلةٌ عطيّةٌ قال في رواية النّسفيّ يقال فذكره وقد قال أبو عبيدة في قوله ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك أي غنيمةً). [فتح الباري: 8/306] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن داود بن يزيد الزّعافريّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} وسئل عنها قال: هي الشّفاعة.
هذا حديثٌ حسنٌ، وداود الزّعافريّ هو: داود الأوديّ بن يزيد بن عبد الرّحمن وهو عمّ عبد الله بن إدريس). [سنن الترمذي: 5/154]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيٍّ يومئذٍ آدم فمن سواه إلاّ تحت لوائي، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ولا فخر، قال: فيفزع النّاس ثلاث فزعاتٍ، فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربّك، فيقول: إنّي أذنبت ذنبًا أهبطت منه إلى الأرض ولكن ائتوا نوحًا، فيأتون نوحًا، فيقول: إنّي دعوت على أهل الأرض دعوةً فأهلكوا، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: إنّي كذبت ثلاث كذباتٍ، ثمّ قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ما منها كذبةٌ إلاّ ما حلّ بها عن دين اللّه. ولكن ائتوا موسى، فيأتون موسى، فيقول: إنّي قد قتلت نفسًا، ولكن ائتوا عيسى، فيأتون عيسى، فيقول: إنّي عبدت من دون الله، ولكن ائتوا محمّدًا، قال: فيأتونني فأنطلق معهم، قال ابن جدعان: قال أنسٌ: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فآخذ بحلقة باب الجنّة فأقعقعها فيقال: من هذا؟ فيقال: محمّدٌ فيفتحون لي، ويرحّبون بي، فيقولون: مرحبًا، فأخرّ ساجدًا، فيلهمني اللّه من الثّناء والحمد، فيقال لي: ارفع رأسك وسل تعط، واشفع تشفّع، وقل يسمع لقولك، وهو المقام المحمود الّذي قال اللّه {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال سفيان: ليس عن أنسٍ، إلاّ هذه الكلمة. فآخذ بحلقة باب الجنّة فأقعقعها.
هذا حديثٌ حسنٌ وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة، عن ابن عبّاسٍ، الحديث بطوله). [سنن الترمذي: 5/159-160]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}
- أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعه يقول: سمعت صلة بن زفر، يقول: سمعت حذيفة، يقول: " يجمع النّاس في صعيدٍ ولا تكلّم نفسٌ، فأوّل مدعوٍّ محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم، فيقول: «لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت، وعبدك وابن عبدك، وبك وإليك، ولا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، تباركت وتعاليت» فهذا قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]
- أخبرنا العبّاس بن عبد الله بن العبّاس، قال: حدّثنا سعيد بن منصورٍ المكّيّ، حدّثنا أبو الأحوص، عن آدم بن عليٍّ، قال: سمعت ابن عمر، يقول: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثًا، كلّ أمّةٍ تتبع نبيّها، يقولون: أي فلان اشفع لنا «حتّى تنتهي الشّفاعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذلك يوم يبعثه الله تبارك وتعالى المقام المحمود»
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: سمعت أبا الزّعراء، قال عبد الله: «أوّل شافعٍ يوم القيامة روح القدس، ثمّ إبراهيم ثمّ يقوم نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم رابعًا، فلا يشفع أحدٌ بمثل شفاعته، وهو وعده المحمود الّذي وعده»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/153]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ومن اللّيل فاسهر بعد نومةٍ يا محمّد بالقرآن نافلةً لك خالصةً دون أمّتك والتّهجّد: التّيقّظ والسّهر بعد نومةٍ من اللّيل. وأمّا الهجود نفسه: فالنّوم، كما قال الشّاعر:
ألا طرقتنا والرّفاق هجود = فباتت بعلاّت النّوال تجود
وقال الحطيئة:
ألا طرقت هند الهنود وصحبتي = بحوران حوران الجنود هجود
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا أبي وشعيب بن اللّيث، عن اللّيث، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلالٍ، عن الأعرج، أنّه قال: أخبرني حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن رجلٍ، من الأنصار، أنّه كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ، فقال: لأنظرنّ كيف يصلّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ استيقظ، فرفع رأسه إلى السّماء، فتلا أربع آياتٍ من آخر سورة آل عمران {إنّ في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار} حتّى مرّ بالأربع، ثمّ أهوى إلى القربة، فأخذ سواكًا فاستنّ به، ثمّ توضّأ، ثمّ صلّى، ثمّ نام، ثمّ استيقظ فصنع كصنعه أوّل مرّةٍ، ويزعمون أنّه التّهجّد الّذي أمره اللّه.
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا سعيدٌ، عن أبي إسحاق، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن علقمة، والأسود، أنّهما قالا: التّهجّد بعد نومةٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن الأسود، قال: التّهجّد: بعد نومةٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى حدّثنا قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن شعبة، قال: حدّثني أبو إسحاق، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن يزيد، عن علقمة، والأسود، بمثله.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: التّهجّد: بعد النّوم.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا يزيد، عن هشامٍ، عن الحسن، قال: التّهجّد: ما كان بعد العشاء الآخرة.
- حدّثت عن عبد اللّه بن صالحٍ، عن اللّيث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن كثير بن العبّاس، عن الحجّاج بن عمرٍو، قال: إنّما التّهجّد بعد رقدةٍ.
وأمّا قوله {نافلةً لك} فإنّه يقول: فضلاً لك عن فرائضك الّتي فرضتها عليك.
واختلف في المعنى الّذي من أجله خصّ بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مع كون صلاة كلّ مصلٍّ بعد هجوده، إذا كان قبل هجوده قد كان أدّى فرائضه نافلةً فضلاً، إذ كانت غير واجبةٍ عليه، فقال بعضهم: معنى خصوصه بذلك: هو أنّها كانت فريضةً عليه، وهي لغيره تطوّعٌ، وقيل له: أقمها نافلةً لك: أي فضلاً لك من الفرائض الّتي فرضتها عليك عمّا فرضت على غيرك
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} يعني بالنّافلة أنّها للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً، أمر بقيام اللّيل وكتب عليه.
وقال آخرون: بل قيل ذلك له صلّى اللّه عليه وسلّم لأنّه لم يكن فعله ذلك يكفّر عنه شيئًا من الذّنوب، لأنّ اللّه تعالى كان قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فكان له نافلة فضلٍ، فأمّا غيره فهو له كفّارةٌ، وليس هو له نافلةً
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: النّافلة للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً من أجل أنّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فما عمل من عملٍ سوى المكتوبة، فهو نافلةٌ من أجل أنّه لا يعمل ذلك في كفّارة الذّنوب، فهي نوافل وزيادةٌ، والنّاس يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفّارتها، فليست للنّاس نوافل.
وأولى القولين بالصّواب في ذلك، القول الّذي ذكرنا عن ابن عبّاسٍ، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان اللّه تعالى قد خصّه بما فرض عليه من قيام اللّيل، دون سائر أمّته. فأمّا ما ذكر عن مجاهدٍ في ذلك، فقولٌ لا معنًى له، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما ذكر عنه أكثر ما كان استغفارًا لذنوبه بعد نزول قول اللّه عزّ وجلّ عليه {ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر} وذلك أنّ هذه السّورة أنزلت عليه بعد منصرفه من الحديبية، وأنزل عليه {إذا جاء نصر اللّه والفتح} عام قبض. وقيل له فيها {فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابًا} فكان يعدّ له صلّى اللّه عليه وسلّم في المجلس الواحد استغفار مائة مرّةٍ ومعلومٌ أنّ اللّه لم يأمره أن يستغفر إلاّ لما يغفر له باستغفاره ذلك، فبيّنٌ إذن وجه فساد ما قاله مجاهدٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن شمر بن عطيّة، عن شهرٍ، عن أبي أمامة، قال: إنّما كانت النّافلة للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {نافلةً لك} قال: تطوّعًا وفضيلةً لك.
وقوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} وعسى من اللّه واجبةٌ، وإنّما وجه قول أهل العلم: عسى من اللّه واجبةٌ، لعلم المؤمنين أنّ اللّه لا يدع أن يفعل بعباده ما أطمعهم فيه من الجزاء على أعمالهم والعوض على طاعتهم إيّاه إذ ليس من صفته الغرور، ولا شكّ أنّه قد أطمع من قال ذلك له في نفعه، إذا هو تعاهده ولزمه، فإن لزم المقول له ذلك وتعاهده ثمّ لم ينفعه، ولا سبب يحول بينه وبين نفعه إيّاه مع الإطماع الّذي تقدّم منه لصاحبه على تعاهده إيّاه ولزومه، فإنّه لصاحبه غارٌّ بما كان من إخلافه إيّاه فيما كان أطمعه فيه بقوله الّذي قال له.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائزٍ أن يكون جلّ ثناؤه من صفته الغرور لعباده صحّ ووجب أنّ كلّ ما أطمعهم فيه من طمعٍ على طاعته، أو على فعلٍ من الأفعال، أو أمرٍ أو نهي أمرهم به، أو نهاهم عنه، فإنّه موفٍ لهم به، وإنّهم منه كالعدة الّتي لا يخلف الوفاء بها، قالوا: عسى ولعلّ من اللّه واجبةٌ.
وتأويل الكلام: أقم الصّلاة المفروضة يا محمّد في هذه الأوقات الّتي أمرتك بإقامتها فيها، ومن اللّيل فتهجّد فرضًا فرضته عليك، لعلّ ربّك يبعثك يوم القيامة مقامًا تقوم فيه محمودًا تحمده، وتغبط فيه.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الّذي هو يقومه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة للشّفاعة للنّاس ليريحهم ربّهم من عظيم ما هم فيه من شدّة ذلك اليوم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: يجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ، فيسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر، حفاةً عراةً كما خلقوا، قيامًا لا تكلّم نفسٌ إلاّ بإذنه، ينادى: يا محمّد، فيقول: " لبّيك وسعديك والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت، عبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلاّ إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك ربّ هذا البيت، فهذا المقام المحمود الّذي ذكره اللّه.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: يجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ، فلا تكلّم نفسٌ، فأوّل مدعو محمّدٌ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقوم محمّدٌ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقول: " لبّيك "، ثمّ ذكر مثله.
- حدّثنا سليمان بن عمر بن خالدٍ الرّقّيّ، قال: حدّثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريبٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {عسى أن يبعثك، ربّك مقامًا محمودًا} قال: المقام المحمود: مقام الشّفاعة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: حدّثنا أبو الزّعراء، عن عبد اللّه، في قصّةٍ ذكرها، قال: ثمّ يؤمر بالصّراط فيضرب على جسر جهنّم، فيمرّ النّاس بقدر أعمالهم، يمرّ أوّلهم كالبرق، وكمرّ الرّيح، وكمرّ الطّير، وكأسرع البهائم، ثمّ كذلك حتّى يمرّ الرّجل سعيًا، ثمّ مشيًا، حتّى يجيء آخرهم يتلبّط على بطنه، فيقول: ربّ لما أبطأت بي؟ فيقول: إنّي لم أبطئ بك، إنّما أبطأ بك عملك، قال: ثمّ يأذن اللّه في الشّفاعة، فيكون أوّل شافعٍ يوم القيامة جبرئيل عليه السّلام، روح القدس، ثمّ إبراهيم خليل الرّحمن، ثمّ موسى، أو عيسى، قال أبو الزّعراء: لا أدري أيّهما قال، قال: ثمّ يقوم نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم رابعًا، فلا يشفع أحدٌ بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الّذي ذكر اللّه {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن، في قول اللّه تعالى {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: المقام المحمود: مقام الشّفاعة يوم القيامة.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {مقامًا محمودًا} قال: شفاعة محمّدٍ يوم القيامة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي عثمان، عن سليمان، قال: هو الشّفاعة، يشفّعه اللّه في أمّته، فهو المقام المحمود.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {عسى أن يبعثك، ربّك مقامًا محمودًا} وقد ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيّر بين أن يكون نبيًّا عبدًا، أو ملكًا نبيًّا، فأومأ إليه جبرئيل عليه السّلام: أن تواضع، فاختار نبيّ اللّه أن يكون عبدًا نبيًّا، فأعطي به نبيّ اللّه ثنتين: أنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل شافعٍ وكان أهل العلم يرون أنّه المقام المحمود الّذي قال اللّه تبارك وتعالى {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} شفاعة يوم القيامة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {مقامًا محمودًا} قال: هي الشّفاعة، يشفّعه اللّه في أمّته.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ والثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، قال: سمعت حذيفة يقول في قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: يجمع اللّه النّاس في صعيدٍ واحدٍ حيث يسمعهم الدّاعي، فينفذهم البصر حفاةً عراةً، كما خلقوا سكوتًا لا تكلّم نفسٌ إلاّ بإذنه، قال: فينادى محمّدٌ، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت، وعبدك بين يديك، ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك ربّ البيت، قال: فذلك المقام المحمود الّذي ذكر اللّه {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، قال حذيفة: يجمع اللّه النّاس في صعيدٍ واحدٍ، حيث ينفذهم البصر، ويسمعهم الدّاعي، حفاةً عراةً كما خلقوا أوّل مرّةٍ، ثمّ يقوم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول: " لبّيك وسعديك " ثمّ ذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: هو المقام المحمود.
وقال آخرون: بل ذلك المقام المحمود الّذي وعد اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبعثه إيّاه، هو أن يقاعده معه على عرشه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عبّاد بن يعقوب الأسديّ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: يجلسه معه على عرشه.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب ما صحّ به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وذلك ما؛
- حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن داود بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} سئل عنها، قال: " هي الشّفاعة ".
- حدّثنا عليّ بن حربٍ، قال: حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا داود بن يزيد الأوديّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: " هو المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي ".
- حدّثنا أبو عتبة الحمصيّ أحمد بن الفرج، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، عن الزّبيديّ، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالكٍ، عن كعب بن مالكٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " يحشر النّاس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلٍّ، فيكسوني ربّي حلّةً خضراء، ثمّ يؤذن لي، فأقول ما شاء اللّه أن أقول، فذلك المقام المحمود ".
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا شعيب بن اللّيث، قال: حدّثني اللّيث، عن عبيد اللّه بن أبي جعفرٍ، أنّه قال: سمعت حمزة بن عبد اللّه بن عمر، يقول: سمعت عبد اللّه بن عمر، يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ الشّمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السّلام، فيقول: لست صاحب ذلك، ثمّ بموسى عليه السّلام، فيقول كذلك، ثمّ بمحمّدٍ فيشفع بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الجنّة، فيومئذٍ يبعثه اللّه مقامًا محمودًا ".
- حدّثني أبو زيدٍ عمر بن شبّة، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا سعيد بن زيدٍ، عن عليّ بن الحكم، قال: حدّثني عثمان، عن إبراهيم، عن الأسود، وعلقمة، عن ابن مسعودٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّي لأقوم المقام المحمود " فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، وما ذلك المقام المحمود؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ذاك إذا جيء بكم حفاةً عراةً غرلاً فيكون أوّل من يكسى إبراهيم عليه السّلام، فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثمّ يقعد مستقبل العرش، ثمّ أوتى بكسوتي فألبسها، فأقوم عن يمينه مقامًا لا يقومه غيري يغبطني به الأوّلون والآخرون، ثمّ يفتح نهرٌ من الكوثر إلى الحوض ".
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " " إذا كان يوم القيامة مدّ اللّه الأرض مدّ الأديم حتّى لا يكون لبشرٍ من النّاس إلاّ موضع قدميه " "، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " " فأكون أوّل من يدعى وجبرئيل عن يمين الرّحمن، واللّه ما رآه قبلها، فأقول: أي ربّ إنّ هذا أخبرني أنّك أرسلته إليّ، فيقول اللّه عزّ وجلّ: صدق، ثمّ أشفع، قال: فهو المقام المحمود ".
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين، قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " " إذا كان يوم القيامة " " فذكر نحوه، وزاد فيه: " " ثمّ أشفع فأقول: يا ربّ عبادك عبدوك في أطراف الأرض، وهو المقام المحمود " ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن طهمان، عن آدم بن عليٍّ، قال: سمعت ابن عمر، يقول: إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة، جثا مع كلّ نبيٍّ أمّته، ثمّ يجيء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في آخر الأمم هو وأمّته، فيرقى هو وأمّته على كومٍ فوق النّاس، فيقول: يا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، فما زال يردّها بعضهم على بعضٍ حتى يرجع ذلك إليه، وهو المقام المحمود الّذي وعده اللّه إيّاه.
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ، قال: حدّثنا حيوة وربيعٌ، قالا: حدّثنا محمّد بن حربٍ، عن الزّبيديّ، عن الزّهريّ عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالكٍ، عن كعب بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " يحشر النّاس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلٍّ، فيكسوني ربّي عزّ وجلّ حلّةً خضراء، ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء اللّه أن أقول، فذلك المقام المحمود ".
وهذا وإن كان هو الصّحيح من القول في تأويل قوله {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} لما ذكرنا من الرّواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه والتّابعين، فإنّ ما قاله مجاهدٌ من أنّ اللّه يقعد محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على عرشه، قولٌ غير مدفوعٍ صحّته، لا من جهة خبرٍ ولا نظرٍ، وذلك لأنّه لا خبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا عن أحدٍ من أصحابه، ولا عن التّابعين بإحالة ذلك. فأمّا من جهة النّظر، فإنّ جميع من ينتحل الإسلام إنّما اختلفوا في معنى ذلك على أوجهٍ ثلاثةٍ: فقالت فرقةٌ منهم: اللّه عزّ وجلّ بائنٌ من خلقه كان قبل خلقه الأشياء، ثمّ خلق الأشياء فلم يماسّها، وهو كما لم يزل غير أنّ الأشياء الّتي خلقها إذ لم يكن هو لها مماسًّا وجب أن يكون لها مباينًا، إذ لا فعال للأشياء إلاّ وهو مماسٌّ للأجسام أو مباينٌ لها. قالوا: فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه عزّ وجلّ فاعل الأشياء، ولم يجز في قولهم أنّه يوصف بأنّه مماسٌّ للأشياء، وجب بزعمهم أنّه لها مباينٌ.
فعلى مذهب هؤلاء سواءً أقعد محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على عرشه أو على الأرض إذ كان من قولهم إنّ بينونته من عرشه، وبينونته من أرضه بمعنًى واحدٍ في أنّه بائنٌ منهما كليهما، غير مماسٍّ لواحدٍ منهما.
وقالت فرقةٌ أخرى: كان اللّه تعالى ذكره قبل خلقه الأشياء، لا شيء يماسّه، ولا شيء يباينه، ثمّ خلق الأشياء فأقامها بقدرته، وهو كما لم يزل قبل الأشياء خلقه لا شيء يماسّه ولا شيء يباينه.
فعلى قول هؤلاء أيضًا سواءً أقعد محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على عرشه، أو على أرضه، إذ كان سواءً على قولهم عرشه وأرضه في أنّه لا مماسّ ولا مباين لهذا، كما أنّه لا مماسّ ولا مباين لهذه.
وقالت فرقةٌ أخرى: كان اللّه عزّ ذكره قبل خلقه الأشياء لا شيء يماسّه، ولا شيء يباينه، ثمّ أحدث الأشياء وخلقها، فخلق لنفسه عرشًا استوى عليه جالسًا، وصار له مماسًّا، كما أنّه قد كان قبل خلقه الأشياء لا شيء يرزقه رزقًا، ولا شيء يحرمه ذلك، ثمّ خلق الأشياء فرزق هذا وحرم هذا، وأعطى هذا، ومنع هذا، قالوا: فكذلك كان قبل خلقه الأشياء يماسّه ولا يباينه، وخلق الأشياء فماسّ العرش بجلوسه عليه دون سائر خلقه، فهو مماسٌّ ما شاء من خلقه، ومباينٌ ما شاء منه.
فعلى مذهب هؤلاء أيضًا سواءً أقعد محمّدًا على عرشه، أو أقعده على منبرٍ من نورٍ، إذ كان من قولهم: إنّ جلوس الرّبّ على عرشه، ليس بجلوسٍ يشغل جميع العرش، ولا في إقعاد محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم موجبًا له صفة الرّبوبيّة، ولا مخرجته من صفة العبوديّة لربّه، كما أنّ مباينة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان مباينًا له من الأشياء غير موجبةٍ له صفة الرّبوبيّة، ولا مخرجته من صفة العبوديّة لربّه من أجل أنّه موصوفٌ بأنّه له مباينٌ، كما أنّ اللّه عزّ وجلّ موصوفٌ على قول قائل هذه المقالة بأنّه مباينٌ لها، هو مباينٌ له. قالوا: فإذا كان معنى مباينٍ ومباينٌ لا يوجب لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الخروج من صفة العبودة والدّخول في معنى الرّبوبيّة، فكذلك لا يوجب له ذلك قعوده على عرش الرّحمن، فقد تبيّن إذًا بما قلنا أنّه غير محالٍ في قول أحدٍ ممّن ينتحل الإسلام ما قاله مجاهدٌ من أنّ اللّه تبارك وتعالى يقعد محمّدًا على عرشه.
فإن قال قائلٌ: فإنّا لا ننكر إقعاد اللّه محمّدًا على عرشه، وإنّما ننكر إقعاده.
- حدّثني عبّاس بن عبد العظيم، قال: حدّثنا يحيى بن كثيرٍ، عن مسلم بن جعفر، عن الجريريّ، عن سيفٍ السّدوسيّ، عن عبد اللّه بن سلامٍ، قال: إنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة على كرسيّ الرّبّ بين يدي الرّبّ تبارك وتعالى.
وإنّما ينكر إقعاده إيّاه معه.
قيل: أفجائزٌ عندك أن يقعده عليه لا معه، فإن أجاز ذلك صار إلى الإقرار بأنّه إمّا معه أو إلى أنّه يقعده، واللّه للعرش مباينٌ، أو لا مماسّ ولا مباينٌ، وبأيّ ذلك قال كان منه دخولاً في بعض ما كان ينكره، وإن قال: ذلك غير جائزٍ كان منه خروجًا من قول جميع الفرق الّتي حكينا قولهم، وذلك فراقٌ لقول جميع من ينتحل الإسلام، إذ كان لا قول في ذلك إلاّ الأقوال الثّلاثة الّتي حكيناها، وغير محالٍ في قولٍ منها ما قال مجاهدٌ في ذلك). [جامع البيان: 15/38-54]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال المقام المحمود شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم). [تفسير مجاهد: 369]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أحمد بن محمّد بن سلمة العنزيّ، ثنا عثمان بن سعيدٍ الدّارميّ، ثنا يزيد بن عبد ربّه الجرجسيّ، وسليمان بن عبد الرّحمن الدّمشقيّ، قالا: ثنا محمّد بن حربٍ، عن الزّبيديّ، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، عن كعب بن مالكٍ رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «يبعث النّاس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلٍّ ويكسوني ربّي حلّةً خضراء، ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء اللّه أن أقول، فذلك المقام المحمود» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/395]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، ثنا سعيد بن مسعودٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، ثنا أبو إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان، سمعته يقول في قوله عزّ وجلّ: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] قال: يجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر حفاةً عراةً كما خلقوا سكوتًا لا تتكلّم نفسٌ إلّا بإذنه، قال: فينادى محمّدٌ فيقول: «لبّيك وسعديك والخير في يديك والشّرّ ليس إليك المهديّ من هديت وعبدك بين يديك ولك وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك تباركت وتعاليت سبحان ربّ البيت» فذلك المقام المحمود الّذي قال اللّه {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه.» بهذه السّياقة إنّما أخرج مسلمٌ، حديث أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن ربعيّ بن حراشٍ، عن حذيفة ليخرجنّ من النّار، فقط "). [المستدرك: 2/395]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الشّيبانيّ، ثنا يحيى بن محمّد بن يحيى، ثنا عبد الرّحمن بن المبارك العبسيّ، ثنا الصّعق بن حزنٍ، عن عليّ بن الحكم، عن عثمان بن عميرٍ، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: جاء ابنا مليكة وهما من الأنصار فقالا: يا رسول اللّه، إنّ أمّنا تحفظ على البعل، وتكرم الضّيف، وقد وأدت في الجاهليّة فأين أمّنا؟ قال: «أمّكما في النّار» فقاما وقد شقّ ذلك عليهما فدعاهما رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فرجعا فقال: «إنّ أمّي مع أمّكما» فقال منافقٌ من النّاس لي: ما يغني هذا عن أمّه إلّا ما يغني ابنا مليكة عن أمّهما ونحن نطأ عقبيه، فقال رجلٌ شابٌّ من الأنصار لم أر رجلًا كان أكثر سؤالًا لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم منه: يا رسول اللّه، أرى أبواك في النّار فقال: «ما سألتهما ربّي فيعطيني فيهما وإنّي لقائمٌ يومئذٍ المقام المحمود» قال: فقال المنافق للشّابّ الأنصاريّ: سله وما المقام المحمود؟ قال: يا رسول اللّه، وما المقام المحمود؟ قال: " يوم ينزل اللّه فيه على كرسيّه يئطّ به كما يئطّ الرّحل من تضايقه كسعة ما بين السّماء والأرض ويجاء بكم حفاةً عراةً غرلًا فيكون أوّل من يكسى إبراهيم يقول اللّه عزّ وجلّ: اكسوا خليلي ريطتين بيضاوين من رياط الجنّة، ثمّ أكسى على أثره فأقوم عن يمين اللّه عزّ وجلّ مقامًا يغبطني فيه الأوّلون والآخرون ويشقّ لي نهرٌ من الكوثر إلى حوضي " قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قطّ، لقلّ ما جرى نهرٌ قطّ إلّا وكان في فخّارةٍ أو رضراضٍ فسله فيما يجري النّهر؟ قال: «في حالةٍ من المسك ورضراضٍ» قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قطّ، لقلّ ما جرى نهرٌ قطّ إلّا كان له نباتٌ قال: «نعم» قال: ما هو؟ قال: «قضبان الذّهب» قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قطّ، واللّه ما نبت قضيبٌ إلّا كان له ثمرٌ فسله هل لتلك القضبان ثمارٌ؟ قال: «نعم، اللّؤلؤ والجوهر» قال: فقال المنافق: لم أسمع كاليوم قطّ، سله عن شراب الحوض، فقال الأنصاريّ: يا رسول اللّه، وما شراب الحوض؟ قال: «أشدّ بياضًا من اللّبن وأحلى من العسل من سقاه اللّه منه شربةً لم يظمأ بعدها ومن حرمه لم يرو بعدها» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه «وعثمان بن عميرٍ هو ابن اليقظان»). [المستدرك: 2/396]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً} قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود؟ قال: «هو الشفاعة». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/215]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) آدم بن علي- رحمه الله -: قال: سمعت ابن عمر يقول: إنّ النّاس يصيرون جثى، كلّ أمّة تتبع نبيّها، يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتّى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. أخرجه البخاري.
وأخرجه البخاري أيضاً، عن حمزة، عن أبيه عبد الله بن عمر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
[شرح الغريب]
(جثى) الجثى: جمع جثوة، وهي الجماعة). [جامع الأصول: 2/215-216]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} [الإسراء: 79].
- عن أبي أمامة: نافلةً لك قال: «إنّما كانت النّافلة خاصّةً لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وفي روايةٍ: «سألت أبا أمامة عن النّافلة، قال: كانت للنّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - نافلةً، ولكم فضيلةً».
رواه كلّه أحمد بإسنادين، في أحدهما شهرٌ وفي الآخر أبو غالبٍ، وقد وثّقا وفيهما ضعفٌ لا يضرّ). [مجمع الزوائد: 7/50]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79].
- عن كعب بن مالكٍ عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: " «يبعث النّاس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلٍّ، ويكسوني ربّي حلّةً خضراء، ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء اللّه أن أقول، فذلك المقام المحمود» ".
رواه أحمد، ورجاله رجال الصّحيح.
- وعن ابن عبّاسٍ أنّه قال في قول اللّه: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] قال: يجلسه [فيما] بينه وبين جبريل، ويشفع لأمّته، فذلك المقام المحمود.
رواه الطّبرانيّ، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيفٌ إذا لم يتابع، وعطاء بن دينارٍ قيل: لم يسمع من سعيد بن جبيرٍ). [مجمع الزوائد: 7/51]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو داود الطّيالسيّ: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت صلة بن زفر يحدّث، عن حذيفة قال: "يجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ فلا تكلّم نفسٌ فيكون أوّل مدعوٍّ محمّدًا وفيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، أنا بك وإليك، لا ملجأ ولا منجى إلّا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك ربّ البيت. فذلك قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً) .
- رواه مسدّدٌ: ثنا يحيى، عن شعبة، حدّثني أبو إسحاق، عن صلة، عن حذيفة قال: "يجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ فيسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر، فأوّل مدعوٍّ محّمدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ... " فذكره بتمامه.
- ورواه محمّد بن يحيى بن أبي عمر: ثنا عبد اللّه بن معاذ، أبنا معمرٌ، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر قال: قال حذيفة- رضي اللّه عنه-: "يجمع اللّه- عزّ وجلّ- النّاس يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ، ينفذهم البصر، ويسمعهم الدّاعي، حفاةً عراةً كما خلقوا أوّل مرّةٍ، ثمّ يقوم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول: لبيك وسعديك ... " فذكره.
- ورواه الحارث بن محمّد بن أبي أسامة: قال: ثنا عبد العزيز بن أبان، أبنا إسرائيل، عن أبي إسحاق ... فذكره بإسناد مسدّدٍ ومتنه.
- قلت: رواه أبو يعلى: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا المعتمر بن سليمان، أبنا شعبة ... فذكره.
ورواه النسائي في التفسير من طريق شعبة به، وسيأتي في كتاب القيامة.
- ورواه البزار: ثنا محمّد بن جعفرٍ، ثنا شعبة ... فذكره بلفظ: "يجمع الناس في صعيد واحد ولا تكلم نفس، فأول من يتكلم محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: لبيك ... " فذكره.
- ورواه الحاكم: من طريق ليث بن أبي سليمٍ، عن أبي إسحاق ... فذكره إلى قوله: "تباركت وتعاليت". وزاد: قال: "وإن قذف المحصنة ليهدم عمل مائة سنة". وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم محتجٌّ بهم غير ليث بن أبي سليمٍ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/229-230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن القاسم عن أبيه قال: دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المسجد لصلاة الفجر فإذا قوم قد أسندوا ظهورهم إلى القبلة فقال: نحوا عن القبلة، لا تحولوا بين الملائكة وصلاتها فإن هاتين الركعتين صلاة الملائكة). [الدر المنثور: 9/416-417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن علقمة والأسود رضي الله عنهما قال: التهجد بعد نومة). [الدر المنثور: 9/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: نسخ قيام الليل إلا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 9/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {نافلة لك} يعني خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقيام الليل وكتب عليه). [الدر المنثور: 9/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في "سننه" عن عائشة رضي الله عنها أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث هن علي فرائض وهن لكم سنة: الوتر والسواك وقيام الليل). [الدر المنثور: 9/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر ومحمد بن نصر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {نافلة لك} قال: لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة من أجل أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما عمل من عمل مع المكتوب فهو نافلة له سوى المكتوب من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب فهي نواقل له وزيادة والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم فليس للناس نوافل إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه مثله.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه مثله). [الدر المنثور: 9/417-418]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج محمد بن نصر عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} قال: لا تكون نافلة الليل إلا للنبي صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 9/418]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عن قتادة رضي الله عنه {نافلة لك} قال: تطوعا وفضيلة لك). [الدر المنثور: 9/418]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه في قوله: {نافلة لك} قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة، وفي لفظ إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 9/418]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي، وابن نصر والطبراني ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تاريخه عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: إذا توضأ الرجل المسلم فأحسن الوضوء فإن قعد - قعد مغفورا له وإن قام يصلي كانت له فضيلة، قيل له: نافلة قال: إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون له نافلة وهو يسعى في الخطايا والذنوب ولكن فضيلة). [الدر المنثور: 9/419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور والبخاري، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع لنا، حتى تنتهي الشفاعة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وسئل عنه قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي). [الدر المنثور: 9/419-420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المقام المحمود الشفاعة). [الدر المنثور: 9/420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والطبراني، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: مقام الشفاعة). [الدر المنثور: 9/420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة). [الدر المنثور: 9/420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي أن أقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق علي بن حسين قال: أخبرني رجل من أهل العلم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ولا يكون لبشر من بني آدم فيها إلا موضع قدمه ثم أدعى أول الناس فأخر ساجدا ثم يؤذن لي فأقول: يا رب أخبرني هذا لجبريل وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه جبريل قط قبلها أنك أرسلته إلي، وجبريل عليه السلام ساكت لا يتكلم حتى يقول الرب: صدقت، ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول: أي رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض، فذلك المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/421]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه والبيهقي في البعث والخطيب في المتفق والمفترق عن حذيفة رضي الله عنه قال: يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادي: يا محمد فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت، فهذا المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/421-422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست بصاحب ذلك ثم موسى عليه السلام فيقول: كذلك ثم محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع فيقضي الله بين الخلائق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم). [الدر المنثور: 9/422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إني لأقوم المقام المحمود، قيل: وما المقام المحمود قال: ذلك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام فيقول: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوة فألبسها فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد فيغبطني به الأولون والآخرون ثم يفتح نهر من الكوثر إلى الحوض). [الدر المنثور: 9/422-423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما المقام المحمود الذي ذكر لك ربك قال: يحشر الله الناس يوم القيامة عراة غرلا كهيئتكم يوم ولدتم، هالهم الفزع الأكبر وكظمهم الكرب العظيم وبلغ الرشح أفواههم وبلغ بهم الجهد والشدة فأكون أول مدعى وأول معطى ثم يدعى إبراهيم عليه السلام قد كسي ثوبين أبيضين من ثياب الجنة ثم يؤمر فيجلس في قبل الكرسي، ثم أقوم عن يمين العرش، فما من الخلائق قائم غيري فأتكلم فيسمعون وأشهد فيصدقون). [الدر المنثور: 9/423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يجلسه على السرير). [الدر المنثور: 9/423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك، فيقول: إني أذنبت ذنبا أهبطت منه إلى الأرض ولكن ائتوا نوحا، فيأتون نوحا فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: ائتوا موسى، فيأتون موسى عليه الصلاة والسلام فيقول: إني قتلت نفسا ولكن ائتوا عيسى، فيأتون عيسى عليه السلام فيقول: إني عبدت من دون الله ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فيأتوني فأنطلق معهم فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال: من هذا فأقول: محمد، فيفتحون لي ويقولون: مرحبا، فأخر ساجدا فيلهمني الله عز وجل من الثناء والحمد والمجد فيقال: ارفع رأسك، سل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك، فهو المقام المحمود الذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ). [الدر المنثور: 9/423-424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يخرج الله قوما من النار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فذلك المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه ذكر حديث الجهنميين فقيل له: ما هذا الذي تحدث والله تعالى يقول: (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) (آل عمران آية 192) (وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) (السجدة آية 20) فقال: هل تقرأ القرآن قال: نعم، قال: فهل سمعت فيه بالمقام المحمود قال: نعم، قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي يخرج الله به من يخرج). [الدر المنثور: 9/425]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يأذن الله تعالى في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ثم يقوم عيسى أو موسى عليهما السلام ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم واقفا ليشفع لا يشفع أحد بعده أكثر مما شفع وهو المقام المحمود الذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ). [الدر المنثور: 9/425]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فاسألوه أن يبعثني المقام المحمود الذي وعدني). [الدر المنثور: 9/425]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء: الله رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة). [الدر المنثور: 9/425-426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان رضي الله عنه قال: يقال له: سل تعطه - يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم - واشفع تشفع وادع تجب، فيرفع رأسه فيقول: أمتي، مرتين أو ثلاثا فقال سلمان رضي الله عنه: يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان أو مثقال شعيرة من إيمان أو مثقال حبة خردل من إيمان، قال سلمان رضي الله عنه: فذلكم المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله ما المقام المحمود قال: ذلك يوم ينزل الله تعالى عن عرشه فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه). [الدر المنثور: 9/426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي اله عنهما في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يجلسني معه على السرير). [الدر المنثور: 9/426-427]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير بين أن يكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع فاختار أن يكون عبدا نبيا، فأعطي به النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثنتين: أنه أول من تنشق عنه الأرض وأول شافع، فكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود). [الدر المنثور: 9/427]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يجلسه معه على عرشه). [الدر المنثور: 9/427]

تفسير قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله مخرج صدق من مكة إلى المدينة ومدخل صدق قال الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 1/386]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى مدخل صدق قال المدينة). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى مدخل صدق قال المدينة و مخرج صدق قال مكة). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة ثمّ أمر بالهجرة فنزلت عليه {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/155]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: وقل يا محمّد يا ربّ أدخلني مدخل صدقٍ.
واختلف أهل التّأويل في معنى مدخل الصّدق الّذي أمره اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يرغب إليه في أن يدخله إيّاه، وفي مخرج الصّدق الّذي أمره أن يرغب إليه في أن يخرجه إيّاه، فقال بعضهم: عنى بمدخل الصّدق: مدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، حين هاجر إليها، ومخرج الصّدق: مخرجه من مكّة، حين خرج منها مهاجرًا إلى المدينة
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، وابن حميدٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، ثمّ أمر بالهجرة، فأنزل اللّه تبارك وتعالى اسمه {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا}.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، عن عوفٍ، عن الحسن، في قول اللّه: {أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} قال: كفّار أهل مكّة لمّا ائتمروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليقتلوه، أو يطردوه، أو يوثقوه، وأراد اللّه قتال أهل مكّة، فأمره أن يخرج إلى المدينة، فهو الّذي قال اللّه {أدخلني مدخل صدقٍ}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {مدخل صدقٍ} قال: المدينة {ومخرج صدقٍ} قال: مكّة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} أخرجه اللّه من مكّة إلى الهجرة بالمدينة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} قال: المدينة حين هاجر إليها، {مخرج صدقٍ}: مكّة حين خرج منها مخرج صدقٍ، قال ذلك حين خرج مهاجرًا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقل ربّ أمتني إماتة صدقٍ، وأخرجني بعد الممات من قبري يوم القيامة مخرج صدقٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ}.. الآية، قال: يعني بالإدخال: الموت، والإخراج: الحياة بعد الممات.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: أدخلني في أمرك الّذي أرسلتني من النّبوّة مدخل صدقٍ، وأخرجني منه مخرج صدقٍ
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أدخلني مدخل صدقٍ} قال: فيما أرسلتني به من أمرك {وأخرجني مخرج صدقٍ} قال: كذلك أيضًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أدخلني مدخل صدقٍ: الجنّة، وأخرجني مخرج صدقٍ: من مكّة إلى المدينة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: قال الحسن: {أدخلني مدخل صدقٍ} الجنّة، و{مخرج صدقٍ} من مكّة إلى المدينة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أدخلني في الإسلام مدخل صدقٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سهل بن موسى الرّازيّ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {ربّ أدخلني مدخل صدقٍ} قال: أدخلني في الإسلام مدخل صدقٍ وأخرجني منه مخرج صدقٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أدخلني مكّة آمنًا، وأخرجني منها آمنًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، قال في قوله: {ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} يعني مكّة، دخل فيها آمنًا، وخرج منها آمنًا.
وأشبه هذه الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك، قول من قال: معنى ذلك: وأدخلني المدينة مدخل صدقٍ، وأخرجني من مكّة مخرج صدقٍ.
وإنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لأنّ ذلك عقيب قوله: {وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها وإذًا لا يلبثون خلافك إلاّ قليلاً} وقد دلّلنا فيما مضى على أنّه عنى بذلك أهل مكّة، فإذ كان ذلك عقيب خبر اللّه عمّا كان المشركون أرادوا من استفزازهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ليخرجوه عن مكّة، كان بيّنًا، إذ كان اللّه قد أخرجه منها، أنّ قوله له: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} أمرٌ منه له بالرّغبة إليه في أن يخرجه من البلدة الّتي همّ المشركون بإخراجه منها وأخرجه الله منها مخرج صدقٍ، وأن يدخله البلدة الّتي نقله اللّه إليها مدخل صدقٍ.
وقوله: {واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: واجعل لي ملكًا ناصرًا ينصرني على من ناوأني، وعزًّا أقيم به دينك، وأدفع به عنه من أراده بسوءٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، عن عوفٍ، عن الحسن، في قول اللّه عزّ وجلّ: {واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} يوعده لينزعنّ ملك فارس، وعزّ فارس، وليجعلنّه له. وعزّ الرّوم، وملك الرّوم، وليجعلنّه له.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} وإنّ نبيّ اللّه علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطانٍ، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب اللّه عزّ وجلّ، ولحدود اللّه، ولفرائض اللّه، ولإقامة دين اللّه، وإنّ السّلطان رحمةٌ من اللّه جعلها بين أظهر عباده، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعضٍ، فأكل شديدهم ضعيفهم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك حجّةً بيّنةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ {سلطانًا نصيرًا} قال: حجّةً بيّنةً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: ذلك أمرٌ من اللّه تعالى نبيّه بالرّغبة إليه في أن يؤتيه سلطانًا ناصرًا له على من بغاه وكاده، وحاول منعه من إقامته فرائض اللّه في نفسه وعباده.
وإنّما قلت ذلك أولى بالصّواب، لأنّ ذلك عقيب خبر اللّه عمّا كان المشركون همّوا به من إخراجه من مكّة، فأعلمه اللّه عزّ وجلّ أنّهم لو فعلوا ذلك عوجلوا بالعذاب عن قريبٍ، ثمّ أمره بالرّغبة إليه في إخراجه من بين أظهرهم إخراج صدقٍ يحاوله له عليهم، ويدخله بلدةً غيرها، بمدخل صدقٍ يحاوله عليهم ولأهلها في دخولها إليها، وأن يجعل له سلطانًا نصيرًا على أهل البلدة الّتي أخرجه أهلها منها، وعلى كلّ من كان لهم شبيهًا، وإذا أوتي ذلك، فقد أوتي لا شكّ حجّةً بيّنةً.
وأمّا قوله: {نصيرًا} فإنّ ابن زيدٍ كان يقول فيه، نحو قولنا الّذي قلنا فيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} قال: ينصرني وقد قال اللّه لموسى {سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانًا فلا يصلون إليكما بآياتنا} هذا مقدّمٌ ومؤخّرٌ، إنّما هو سلطانٌ بآياتنا فلا يصلون إليكما). [جامع البيان: 15/54-60]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقل رب أدخلني مدخل صدق يقول فيما أرسلتني به من أمرك وأخرجني مخرج صدق فيما أرسلتني به من أمرك أيضا واجعل لك من لدنك سلطانا نصيرا يعني حجة بينة). [تفسير مجاهد: 368]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكّة أمر بالهجرة، فنزلت عليه {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} [الإسراء: 80]. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/216]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنه قال: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة ثمّ أمرنا بالهجرة وأنزل عليه (ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيًرا) ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 80.
أخرج أحمد والترمذي وصحه، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة فأنزل الله تعالى {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} ). [الدر المنثور: 9/427]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وقل رب أدخلني مدخل صدق} الآية، قال: أخرجه الله من مكة {مخرج صدق} وأدخله المدينة {مدخل صدق} قال: وعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله تعالى وحدوده وفرائضه وإقامة كتاب الله تعالى فإن السلطان عزة من الله تعالى جعلها بين عباده ولولا ذلك لغار بعضهم على بعض وأكل شديدهم ضعيفهم). [الدر المنثور: 9/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن). [الدر المنثور: 9/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في الآية قال: جعل الله {مدخل صدق} المدينة {مخرج صدق} مكة و{سلطانا نصيرا} الأنصار). [الدر المنثور: 9/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق بفتح الميم). [الدر المنثور: 9/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أدخلني مدخل صدق} يعني الموت، {وأخرجني مخرج صدق} يعني الحياة بعد الموت). [الدر المنثور: 9/428-429]

تفسير قوله تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال دخل رسول الله مكة وحول البيت ثلاث مائة وستون صنما فجعل يطعنها ويقول جاء الحق وزهق البطل إن البطل كان زهوقا). [تفسير عبد الرزاق: 1/388]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى جاء الحق قال جاء القرآن وزهق الباطل قال هلك الباطل وهو الشيطان). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] "
يزهق: يهلك "
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكّة، وحول البيت ستّون وثلاث مائة نصبٍ، فجعل يطعنها بعودٍ في يده، ويقول: " {جاء الحقّ وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] ، {جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد} [سبأ: 49] "). [صحيح البخاري: 6/86-87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب وقل جاء الحقّ وزهق الباطل الآية)
يزهق يهلك قال أبو عبيدة في قوله تزهق أنفسهم وهم كارهون أي تخرج وتموت وتهلك ويقال زهق ما عندك أي ذهب كلّه وروى بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس إن الباطل كان زهوقا أي ذاهبًا ومن طريق سعيدٍ عن قتادة زهق الباطل أي هلك قوله عن بن أبي نجيحٍ كذا لهم وفي بعض النّسخ حدثنا بن أبي نجيحٍ قوله دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث أبي هريرة عند مسلمٍ والنّسائيّ أنّ ذلك كان في فتح مكّة وأوّله في قصّة فتح مكّة إلى أن قال فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى طاف بالبيت فجعل يمرّ بتلك الأصنام فجعل يطعنها بسية القوس ويقول جاء الحقّ وزهق الباطل الحديث بطوله وقد تقدّم شرح ذلك مستوفًى في غزوة الفتح بحمد اللّه تعالى وقوله وحول البيت ستّون وثلاثمائةٍ نصبٌ كذا للأكثر هنا بغير ألفٍ وكذا وقع في رواية سعيد بن منصورٍ لكن بلفظ صنمٌ والأوجه نصبه على التّمييز إذ لو كان مرفوعًا لكان صفةً والواحد لا يقع صفةً للجمع ويحتمل أن يكون خبرًا لمبتدأٍ محذوفٍ والجملة صفةٌ أو هو منصوبٌ لكنّه كتب بغير ألف على بعض اللّغات). [فتح الباري: 8/400-401]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً} (الإسراء: 81)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل} ... الآية، أي: قل يا محمّد جاء الحق أي الإسلام وزهق الباطل أي الشّرك، وقيل: الحق دين الرّحمن والباطل الأوثان، وعن ابن جريج: الحق الجهاد والباطل القتال. قوله: (زهوقاً) أي: ذاهبًا ويأتي الكلام فيه الآن.
يزهق يهلك

أشار به إلى أن معنى قوله: (زهوقاً) أي: هالكا. قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وتزهق أنفسهم وهم كارهون} (التّوبة: 85) أي: تخرج وتهلك، ويقال: زهق ما عندك أي ذهب كله، وزهق السهم إذا جاوز الغرض، وقال أبو محمّد الرّازيّ: أخبرنا الطّبرانيّ فيما كتب إلى أخبرنا عبد الرّزّاق أخبرنا معمر عن قتادة: زهق الباطل هلك، فإن قلت: كيف قلتم: زهق، بمعنى هلك والباطل موجود معمول به عند أهله؟ قلت: المراد ببطلانه وهلكته وضوح عينه فيكون هالكا عند المتدبر النّاظر.
- حدّثنا الحميديّ حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ عن أبي معمرٍ عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة وحول البيت ستّون وثلاث مائة نصبٍ فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً جاء الحقّ وما يبديء الباطل وما يعيد.
(انظر الحديث 2478 وطرفه) .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والحميدي عبد الله بن الزبير نسبته إلى أحد أجداده حميد، وابن أبي نجيح هو عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد اليمين وفي بعض النّسخ: حدثنا ابن أبي نجيح وأبو معمر بفتح الميمين واسمه عبد الله بن سخبرة الأزديّ الكوفي، وفي هذا الإسناد لطيفة، وهي أن ثلاثة من الرواة فيه إسم كل منهم عبد الله، وكلهم ذكروا بغير اسمه، وعبد الله الرّابع هو ابن مسعود.
والحديث مضى في غزوة الفتح، فإنّه أخرجه هناك عن صدقة بن الفضل عن سفيان بن عيينة إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (دخل النّبي صلى الله عليه وسلم مكّة) ، أراد به عام الفتح. (وحول البيت) الواو فيه للحال. قوله: (نصب) بضمّتين، وهي الأصنام، قال الكرماني: وقال صاحب (التّوضيح) : نصب بالرّفع صفة لقوله: ستّون وثلاث مائة، وقال بعضهم: كذا وقع للأكثر نصب بغير ألف، والأوجه نصبه على التّمييز إذ لو كان مرفوعا لكان صفة والواحد لا يقع صفة للجمع. قلت: أخذ هذا من كلام ابن التّين، والحق هنا أن النصب واحد الأنصاب. وقال الجوهري: النصب ما نصب فعبد من دون الله، وكذلك النصب بالضّمّ واحد الأنصاب، وفي دعوى الأوجهية نظر لأنّه إنّما يتّجه إذا جاءت الرّواية بالنّصب على التّمييز وليست الرّواية إلاّ بالرّفع، فحينئذٍ الوجه فيه أن يقال: إن النصب ما نصب، أعم من أن يكون واحدًا أو جمعا، وأيضًا هو في الأصل مصدر نصبت الشّيء إذا أقمته فيتناول عموم الشّيء. قوله: (يطعنها) بضم العين، قوله: (بعود في يده) أي: بعود كائن في يده. قوله: (ويقول) عطف على يطعن، ويجوز أن يكون الواو للحال، وفي كسر الأصنام دلالة على كسر ما في معناها من العيدان والمزامير الّتي لا معنى لها إلاّ اللّهو بها عن ذكر الله، عز وجل، وقال ابن المنذر: وفي معنى الأصنام الصّور المتخذة من المدر والخشب وشبههما ولا يجوز بيع شيء منه إلاّ الأصنام الّتي تكون من ذهب أو فضّة أو خشب أو حديد أو رصاص إذا غيرت وصارت قطعا، وقال المهلب: ما كسر من آلات الباطل وكان فيها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة ألا يرى أن الإمام حرقها بالنّار على معنى التّشديد والعقوبة في المال؟ وقد هم صلى الله عليه وسلم بحرق دور من تخلف عن صلاة الجماعة؟ والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/32-33]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81]. يزهق: يهلك
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وقل جاء الحق}) الإسلام ({وزهق الباطل}) أي ذهب وهلك الشرك وقال قتادة الحق القرآن والباطل الشيطان وقال ابن جريج الحق الجهاد والباطل الشرك وقيل غير ذلك والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة فيكون التعبير جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه والباطل كل ما لا تنال به غاية نافعة ({إن الباطل كان زهوقًا}) [الإسراء: 81] مضمحلًا ذاهبًا غير ثابت قال:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها = إقدامه من آلة لم تزهق
وقال أبو عبيدة (يزهق) بفتح أوّله وثالثه معناه (يهلك) بفتح أوّله وكسر ثالثه، والمراد بهلكته وضوحه فيكون هالكًا لا يعمل به المحق وسقط لأبي ذر أن الباطل كان زهوقًا وقال بعد الباطل الآية وسقط لغيره لفظ باب.
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- مكّة وحول البيت ستّون وثلاثمائة نصبٍ، فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول: {جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} {جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد}.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله واسم أي نجيح بفتح النون وكسر الجيم يسار ضد اليمين (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) بفتح الميمين عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: دخل النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- مكة) أي عام الفتح (وحول البيت) أي والحال أن البيت حوله (ستون وثلاثمائة نصب) بضم النون والصاد ولأبي ذر نصب بفتح النون وسكون الصاد مجرور فيهما وقد تسكن الصاد مع ضم النون.
قال في فتح الباري: كتنقيح الزركشي والسفاقسي واللفظ للأول كذا للأكثر هنا بغير ألف وكذا وقع في رواية سعيد بن منصور لكن وقع بلفظ صنم والأوجه نصبه على التمييز إذ لو كان مرفوعًا لكان صفة والواحد لا يقع صفة للجمع اهـ قال في المصابيح متعقبًا لما قاله في التنقيح من ذلك هنا عدد أن كل منهما يحتاج إلى مميز فالأول مميزه منصوب يعني ستون نصبًا والثاني مميزه مجرور يعني ثلاثمائة نصب فإن عنى أنه مميز لكلا العددين فخطأ والظاهر أنه مجرور كما وقع في بعض النسخ تمييز لثلاثمائة ومميز ستون محذوف لوجود الدال عليه وأما قوله ولا وجه للرفع إذ لو كان مرفوعًا لكان صفة الخ فلم ينحصر وجه الرفع فيما ذكر حتى يتعين فيه الخطأ لجواز أن يكون نصب خبر مبتدأ محذوف أي كل منها نصب انتهى.
وقال العيني النصب واحد الأنصاب قال الجوهري وهو ما يعبد من دون الله وكذلك النصب بالضم واحد الأنصاب قال وفي دعوى الأوجهية نظر لأنه إنما يتجه إذا جاءت الرواية بالنصب على التمييز وليست الرواية إلا بالرفع فحينئذٍ الوجه أن يقال النصب ما نصب أعم من أن يكون واحدًا أو جميعًا وأيضًا هو في الأصل مصدر نصبت الشيء إذا أقمته فيتناول عموم الشيء اهـ ومراده الاستدلال على كون النصب هنا جمعًا فيصح أن يكون صفة للجمع لكن قوله وليست الرواية إلا بالرفع فيه نظر فليحرر.
والذي رأيته في جملة من الفروع المعتمدة المقابلة على اليونينية المجمع عليها في الإتقان وتحرير الضبط بالجر ولم أر غيره في نسخة ومن علم حجة على من لم يعلم لكن قول الحافظ ابن حجر بعد ذكره ما مر أو هو منصوب لكنه كتب بغير ألف على بعض اللغات يدل على أنه لم يثبت عنده فيه رواية فيجزم بها فتأمله.
(فجعل) عليه الصلاة والسلام (يطعنها) بضم العين (بعود في يده) وفي الفرع كأصله فتح العين من يطعنها أيضًا لكن المعروف أن المفتوح للطعن في القول (ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا}) الواو للعطف على فجعل يطعن أو للحال ({جاء الحق}) أي القرآن أو التوحيد أو المعجزات الدالة على نبوّته عليه الصلاة والسلام ({وما يبدئ الباطل وما يعيد}) يجوز في ما أن تكون نفيًا وأن تكون استفهامًا ولكن يؤول معناها إلى النفي ولا مفعول للفعلين إذ المراد لا يوقع هذين الفعلين كقوله:
أقفر من أهله عبيد = أصبح لا يبدي ولا يعيد
أو حذفًا أي ما يبدئ لأهله خبرًا ولا يعبده والمعنى ذهب الباطل وزهق فلم تبق منه بقية تبدئ شيئًا أو تعيد). [إرشاد الساري: 7/210-211]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: دخل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة عام الفتح وحول الكعبة ثلاث مائةٍ وستّون نصبًا، فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يطعنها بمخصرةٍ في يده، وربّما قال بعودٍ، ويقول: {جاء الحقّ وزهق} الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا {جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وفيه عن ابن عمر). [سنن الترمذي: 5/154]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {جاء الحقّ وزهق الباطل}
- أخبرنا عبيد الله بن سعيدٍ، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ، عن عبد الله، قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة وحول البيت ثلاثمائةٍ وستّون صنمًا، فجعل يطعن بعودٍ في يده ويقول: {جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] و {جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد} [سبأ: 49]
- أخبرنا أحمد بن سليمان، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا سليمان بن المغيرة، قال: وحدّثني سلام بن مسكين بن ربيعة النّمريّ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن عبد الله بن رباحٍ الأنصاريّ، قال: وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان ومعنا أبو هريرة، وذلك في شهر رمضان، فكان أبو هريرة يدعو كثيرًا إلى رحله، فقلت لأهلي: اجعلوا لنا طعامًا، ففعلوا، فلقيت أبا هريرة بالعشيّ فقلت: الدّعوة عندي اللّيلة، فقال: لقد سبقتني إليها، فقلت: أجل، قال: فجاءنا فقال: يا معشر الأنصار، ألا أعلمكم بحديثٍ من حديثكم؟ قال: لمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزّبير بن العوّام على إحدى المجنّبتين، وخالد بن الوليد على الأخرى، قال: فبصر بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كبكبةٍ فهتف بي، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «اهتف لي بالأنصار» فهتفت بهم، فطافوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّهم كانوا على ميعادٍ، قال: «يا معشر الأنصار، إنّ قريشًا قد جمعوا لنا، فإذا لقيتموهم فاحصدوهم حصدًا، حتّى توافوني بالصّفا، الصّفا ميعادكم»
قال أبو هريرة: فما لقينا منهم أحدًا إلّا فعلنا به كذا وكذا، وجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبحت خضراء قريشٍ، لا قريش بعد اليوم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أغلق بابه فهو آمنٌ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمنٌ، ومن ألقى السّلاح فهو آمنٌ، ولجأت صناديد قريشٍ وعظماؤها إلى الكعبة، يعني دخلوا فيها» قال: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى طاف بالبيت، فجعل يمرّ بتلك الأصنام فيطعنها بسية القوس ويقول: {جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] حتّى إذا فرغ وصلّى جاء فأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال: «يا معشر قريشٍ، ما تقولون؟» قالوا: نقول: ابن أخٍ، وابن عمٍّ رحيمٌ كريمٌ، ثمّ عاد عليهم القول قالوا مثل ذلك، قال: " فإنّي أقول كما قال أخي يوسف: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرّاحمين} [يوسف: 92] فخرجوا فبايعوه على الإسلام ثمّ أتى الصّفا لميعاد الأنصار، فقام على الصّفا على مكانٍ يرى البيت منه، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر نصره إيّاه، فقالت الأنصار، وهم أسفل منه: أمّا الرّجل فقد أدركته رأفةٌ لقرابته، ورغبته في عشيرته، فجاءه الوحي بذلك، قال أبو هريرة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءه الوحي لم يستطع أحدٌ منّا يرفع طرفه إليه حتّى ينقضي الوحي عنه، فلمّا قضي الوحي قال: " هيه يا معشر الأنصار، قلتم: أمّا الرّجل فأدركته رأفةٌ بقرابته ورغبةٌ في عشيرته، والله إنّي لرسول الله، لقد هاجرت إلى الله، ثمّ إليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم " قال أبو هريرة: فرأيت الشّيوخ يبكون، حتّى بلّ الدّموع لحاهم، ثمّ قالوا: معذرةً إلى الله ورسوله، والله ما قلنا إلّا ضنًّا بالله وبرسوله، قال: «فإنّ الله قد صدقكم ورسوله، وقبل قولكم»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/154-155]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا (81) وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ لّلمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلاّ خسارًا}.
يقول تعالى ذكره: وقل يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذين كادوا أن يستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها: {جاء الحقّ وزهق الباطل}.
واختلف أهل التّأويل في معنى الحقّ الّذي أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعلم المشركين أنّه قد جاء، والباطل الّذي أمره أن يعلمهم أنّه قد زهق، فقال بعضهم: الحقّ: هو القرآن في هذا الموضع، والباطل: هو الشّيطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وقل جاء الحقّ} قال: الحقّ: القرآن {وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {وقل جاء الحقّ} قال: القرآن: {وزهق الباطل} قال: هلك الباطل وهو الشّيطان.
وقال آخرون: بل عنى بالحقّ جهاد المشركين وبالباطل الشّرك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {وقل جاء الحقّ} قال: دنا القتال {وزهق الباطل} قال: الشّرك وما هم فيه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة، وحول البيت ثلاثمائةٍ وستّون صنمًا، فجعل يطعنها ويقول: {جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا}.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: أمر اللّه تبارك وتعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخبر المشركين أنّ الحقّ قد جاء، وهو كلّ ما كان للّه فيه رضًا وطاعةٌ، وأنّ الباطل قد زهق: يقول: وذهب كلّ ما كان لا رضًا للّه فيه ولا طاعةٌ ممّا هو له معصيةٌ وللشّيطان طاعةٌ، وذلك أنّ الحقّ هو كلّ ما خالف طاعة إبليس، وأنّ الباطل: هو كلّ ما وافق طاعته، ولم يخصّص اللّه عزّ ذكره بالخبر عن بعض طاعاته، ولا ذهاب بعض معاصيه، بل عمّ الخبر عن مجيء جميع الحقّ، وذهاب جميع الباطل، وبذلك جاء القرآن والتّنزيل، وعلى ذلك قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أهل الشّرك باللّه، أعنّي على إقامة جميع الحقّ، وإبطال جميع الباطل.
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {وزهق الباطل} فإنّ معناه: ذهب الباطل، من قولهم: زهقت نفسه: إذا خرجت وأزهقتها أنا، ومن قولهم: أزهق السّهم: إذا جاوز الغرض فاستمرّ على جهته، يقال منه: زهق الباطل، يزهق زهوقًا، وأزهقه اللّه: أي أذهبه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {إنّ الباطل كان زهوقًا} يقول: ذاهبًا). [جامع البيان: 15/60-62]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي إملاءً، ثنا عبد اللّه بن روحٍ المداينيّ، ثنا شبابة بن سوّارٍ، ثنا نعيم بن حكيمٍ، ثنا أبو مريم، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، قال: انطلق بي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى بي الكعبة فقال لي: «اجلس» فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي، ثمّ قال لي: «انهض» فنهضت فلمّا رأى ضعفي تحته قال لي: «اجلس» فنزلت وجلست ثمّ قال لي: «يا عليّ اصعد على منكبي» فصعدت على منكبيه، ثمّ نهض بي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا نهض بي خيّل إليّ لو شئت نلت أفق السّماء فصعدت فوق الكعبة وتنحّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «ألق صنمهم الأكبر صنم قريشٍ» وكان من نحاسٍ موتّدًا بأوتادٍ من حديدٍ إلى الأرض، فقال لي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «عالجه» ورسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول لي: إيهٍ إيهٍ {جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] " فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه فقال اقذفه فقذفته فتكسّر وتردّيت من فوق الكعبة، فانطلقت أنا والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نسعى وخشينا أن يرانا أحدٌ من قريشٍ وغيرهم، قال عليٌّ: فما صعد به حتّى السّاعة
- أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ، أنبأ شبابة بن سوّارٍ، فذكره بمثله هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه). [المستدرك: 2/398]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل} [الإسراء: 81].
- عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: «دخل رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - مكّة يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاث مائةٍ وستّون صنمًا، قد شدّ لهم إبليس أقدامها بالرّصاص، فجاء ومعه قضيبٌ، فجعل يهوي به إلى كلّ صنمٍ منها فيخرّ لوجهه، فيقول: {جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] حتّى مرّ عليها كلّها».
رواه الطّبرانيّ في الصّغير، وفيه ابن إسحاق وهو مدلّسٌ ثقةٌ، وبقيّة رجاله ثقاتٌ. قلت: وقد تقدّمت طرق هذا الحديث في غزوة الفتح). [مجمع الزوائد: 7/51]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 81 - 82.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} وجاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد {سبإ} ). [الدر المنثور: 9/429]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى، وابن المنذر، عن جابر رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ثلثمائة وستون صنما فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها وقال: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} ). [الدر المنثور: 9/429]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الصغير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلثمائة وستون صنما فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص فجاء معه وقضيب فجعل يهوي به إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} حتى مر عليها كلها). [الدر المنثور: 9/429-430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن الباطل كان زهوقا} قال: ذاهبا). [الدر المنثور: 9/430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وقل جاء الحق} قال: القرآن {وزهق الباطل} قال: هلك وهو الشيطان، وفي قوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} قال الله تعالى جعل هذا القرآن {شفاء ورحمة للمؤمنين} إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه {ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه). [الدر المنثور: 9/430]

تفسير قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا همام، أو هشام - شك نعيم- عن قتادة، قال: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة، أو نقصان، قضاء الله الذي قضى: {شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82] ). [الزهد لابن المبارك: 2/456]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين}

يقول تعالى ذكره: وننزّل عليك يا محمّد من القرآن ما هو شفاءٌ يستشفى به من الجهل من الضّلالة، ويبصّر به من العمى للمؤمنين ورحمةٌ لهم دون الكافرين به، لأنّ المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض اللّه، ويحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه فيدخلهم بذلك الجنّة، وينجّيهم من عذابه، فهو لهم رحمةٌ ونعمةٌ من اللّه، أنعم بها عليهم {ولا يزيد الظّالمين إلاّ خسارًا} يقول: ولا يزيد هذا الّذي ننزّل عليك من القرآن الكافرين به إلاّ خسارًا: يقول: إهلاكًا، لأنّهم كلّما نزل فيه أمرٌ من اللّه بشيءٍ أو نهي عن شيءٍ كفروا به، فلم يأتمروا لأمره، ولم ينتهوا عمّا نهاهم عنه، فزادهم ذلك خسارًا إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخسار، ورجسًا إلى رجسهم قبل، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين} إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه {ولا يزيد الظّالمين إلاّ خسارًا} أنّه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، وإنّ اللّه جعل هذا القرآن شفاءً ورحمةً للمؤمنين). [جامع البيان: 15/62-63]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني الحسن بن حليمٍ المروزيّ، ثنا أبو الموجّه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه بن المبارك، أنبأ جعفر بن سليمان، عن الجريريّ، عن أبي نضرة العبديّ، عن أسير بن جابرٍ، قال: قال لي صاحبٌ لي وأنا بالكوفة، هل لك في رجلٍ تنظر إليه؟ قلت: نعم، قال: هذه مدرجته وإنّه أويسٌ القرنيّ وأظنّه أنّه سيمرّ الآن، قال: فجلسنا له فمرّ، فإذا رجلٌ عليه سملٌ قطيفةٌ، قال: والنّاس يطئون عقبه، قال: وهو يقبل فيغلظ لهم ويكلّمهم في ذلك فلا ينتهون عنه، فمضينا مع النّاس حتّى دخل مسجد الكوفة ودخلنا معه فتنحّى إلى ساريةٍ فصلّى ركعتين، ثمّ أقبل إلينا بوجهه، فقال: «يا أيّها النّاس، ما لي ولكم تطئون عقبي في كلّ سكّةٍ وأنا إنسانٌ ضعيفٌ تكون لي الحاجة فلا أقدر عليها معكم لا تفعلوا رحمكم اللّه من كانت له إليّ حاجةٌ فليلقني ها هنا» قال: وكان عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، سأل وفدًا قدموا عليه: هل سقط إليكم رجلٌ من قرنٍ من أمره كيت وكيت؟ فقال الرّجل لأويسٍ: ذكرك أمير المؤمنين ولم يذكر ذلك كما يقال: ما كان ذلك من ذكره ما أتبلّغ إليكم به، قال: وكان أويسٌ أخذ على الرّجل عهدًا وميثاقًا أن لا يحدّث به غيره، قال: ثمّ قال أويسٌ: «إنّ هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفرٍ مؤمنٌ فقيهٌ، ومؤمنٌ لم يتفقّه، ومنافقٌ وذلك في الدّنيا مثل الغيث ينزل من السّماء إلى الأرض فيصيب الشّجرة المورقة المونعة المثمرة، فيزيد ورقها حسنًا ويزيدها إيناعًا، وكذلك يزيد ثمرها طيبًا ويصيب الشّجرة المورقة المونعة الّتي ليس لها ثمرةٌ فيزيدها إيناقًا ويزيدها ورقها حسنًا وتكون لها ثمرةٌ فتخلق بأختها ويصيب الهشيم من الشّجر فيحطمه فيذهب به» قال: ثمّ قرأ الآية {وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلّا خسارًا} [الإسراء: 82] لم يجالس هذا القرآن أحدًا إلّا قام عنه بزيادةٍ أو نقصانٍ فقضاء اللّه الّذي قضى شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلّا خسارًا، اللّهمّ ارزقني شهادةً تسبق كسرتها أذاها وأمنها فزعها توجب الحياة والرّزق، ثمّ سكت قال أسيرٌ: فقال لي صاحبي: كيف رأيت الرّجل؟ قلت: ما ازددت فيه إلّا رغبةً وما أنا بالّذي أفارقه فلزمنا فلم نلبث إلّا يسيرًا حتّى ضرب على النّاس بعث أمير المؤمنين عليٌّ رضي اللّه عنه، فخرج صاحب القطيفة أويسٌ فيه وخرجنا معه فيه وكنّا نسير معه وننزل معه حتّى نزلنا بحضرة العدوّ
قال ابن المبارك: فأخبرني حمّاد بن سلمة، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابرٍ قال: فنادى منادي عليٍّ رضي اللّه عنه: يا خيل اللّه اركبي وأبشري. قال: فصفّ الثّلثين لهم فانتضى صاحب القطيفة أويسٌ سيفه حتّى كسر جفنه فألقاه، ثمّ جعل يقول: «يا أيّها النّاس تمّوا تمّوا ليتمّنّ وجوهٌ، ثمّ لا تنصرف حتّى ترى الجنّة يا أيّها النّاس تمّوا تمّوا». جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول: ذلك ويمشي إذ جاءته رميةٌ، فأصابت فؤاده، فبرد مكانه كأنّما مات منذ دهرٍ «قال حمّادٌ في حديثه فواريناه في التّراب» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه «بهذه السّياقة وأسير بن جابرٍ من المخضرمين ولد في حياة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهو من كبار أصحاب عمر رضي اللّه عنه»). [المستدرك: 2/397]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وقل جاء الحق} قال: القرآن {وزهق الباطل} قال: هلك وهو الشيطان، وفي قوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} قال الله تعالى جعل هذا القرآن {شفاء ورحمة للمؤمنين} إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه {ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه). [الدر المنثور: 9/430] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن أويس القرني رضي الله عنه قال: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان قضاء من الله الذي قضى {شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} ). [الدر المنثور: 9/430]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:16 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} [الإسراء: 78] سعيدٌ، عن قتادة قال: إذا زالت الشّمس عن بطن السّماء لصلاة الظّهر.
{إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78] قال: بدوّ اللّيل لصلاة المغرب.
قال يحيى: يقول لزوال الشّمس عن كبد السّماء، يعني صلاة الظّهر والعصر بعدها.
{إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78] بدوّ اللّيل واجتماعه وظلمته.
صلاة المغرب عند بدوّ اللّيل، وصلاة العشاء عند اجتماع اللّيل، وظلمته إذا غاب الشّفق.
- مالك بن أنسٍ، عن داود بن الحصين، أنّ ابن عبّاسٍ قال: دلوك الشّمس: إذا فاء الفيء، وغسق اللّيل: اجتماع اللّيل وظلمته.
- مالك بن أنسٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: دلوك الشّمس ميلها.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، أنّ رسول اللّه لمّا جاء بالصّلوات الخمس إلى قومه خلّى عنهم، حتّى إذا زالت الشّمس عن بطن السّماء نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
ففزعوا لذلك واجتمعوا، فصلّى بهم الظّهر أربع ركعاتٍ، لا يعلن فيهنّ القراءة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ خلّى عنهم، حتّى إذا تصوّبت الشّمس وهي بيضاء نقيّةٌ نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فاجتمعوا، فصلّى بهم العصر أربع ركعاتٍ دون صلاة الظّهر، لا يعلن فيهنّ القراءة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ خلّى عنهم، حتّى إذا غربت الشّمس نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فصلّى بهم المغرب ثلاث ركعاتٍ يعلن في
[تفسير القرآن العظيم: 1/153]
الرّكعتين الأوليين ولا يعلن في الرّكعة الآخرة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ خلّى عنهم، حتّى إذا غاب الشّفق وأظلم العشاء نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فاجتمعوا، فصلّى بهم العشاء أربع ركعاتٍ يعلن في الرّكعتين الأوليين ولا يعلن في الآخرتين، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ بات النّاس ولا يدرون أيزادون على ذلك أم لا.
حتّى إذا طلع الفجر نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فاجتمعوا.
فصلّى بهم الصّبح ركعتين أطالهما وأعلن فيهما القراءة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
- المعلّى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعودٍ، قال: دلوكها غروبها.
- المسعوديّ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال: غابت الشّمس فقال عبد اللّه بن مسعودٍ: والّذي لا إله غيره إنّ هذه السّاعة لميقات هذه الصّلاة، ثمّ تلا هذه الآية: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78].
قال المسعوديّ: فدلوكها حين تغيب في قول عبد اللّه، وغسق اللّيل: مجيء اللّيل والصّلاة فيما بينهما.
قال يحيى: وتفسير ابن عبّاسٍ: هو زوالها، هو قول العامّة، يعني وقت صلاة الظّهر فيما حدّثني المسعوديّ وغيره.
ثمّ قال المسعوديّ: قال السّدّيّ، وكان يعالج التّفسير: لو كان دلوك الشّمس زوالها لكانت الصّلاة فيما بين زوالها إلى أن تغيب.
وكان قول ابن عبّاسٍ أعجب إلى المسعوديّ.
قوله: {وقرءان الفجر} [الإسراء: 78] قال قتادة: وهي صلاة الصّبح.
{إنّ قرءان الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] يشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار، يجتمعون عند صلاة الصّبح وعند صلاة العصر فيما
- حدّثنا عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ: " فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم
[تفسير القرآن العظيم: 1/154]
عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون، وتركناهم وهم يصلّون ".
- سعيدٌ، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، أنّ أبا عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ كتب إليه أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ كان يقول عند صلاة المغرب: يجتمع الحرسان من ملائكة اللّه: ملائكة اللّيل، وملائكة النّهار.
سعيدٌ، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: كنّا نحدّث أنّ عند صلاة الفجر يجتمع الحرسان من ملائكة اللّه: حرس اللّيل، وحرس النّهار، ويقرأ هذه الآية: {وقرءان الفجر إنّ قرءان الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78].
- المسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعودٍ، قال: يتدارك الحرسان عند صلاة الصّبح والمغرب.
وقال: اقرءوا إن شئتم: {وقرءان الفجر إنّ قرءان الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/155]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل...}

جاء عن ابن عباس قال: هو زيغوغتها وزوالها للظهر. قال أبو زكريّا: ورأيت العرب تذهب بالدلوك إلى غياب الشمس أنشدني بعضهم:
هذا مقام قدمي رباح = ذبّب حتى دلكت براح
يعني الساقي ذبّب: طرد الناس. براح يقول: حتى قال بالراحة على العين فينظر هل غابت قال: هكذا فسّروه.
وقوله: {إلى غسق اللّيل}: أوّل ظلمته للمغرب والعشاء.
وقوله: {وقرآن الفجر} أي وأقم قرآن الفجر {إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار). [معاني القرآن: 2/129]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} ودلوك الشمس من عند زوالها إلى أن تغيب وقال:
هذا مقام قدمى رباح= غدوة حتى دلكت براح
ألا ترى أنها تدفع بالراح، يضع كفه على حاجبيه من شعاعها لينظر ما بقي من غيابها والدلوك دنوها من غيبوبتها،
قال العجاج:
والشمس قد كادت تكون دنفاً= أدفعها بالراح كي تزحلفا
{إلى غسق اللّيل}، أي ظلامه قال: ابن قيس الرّقيّات:
إنّ هذا الليل قد غسقا= واشتكيت الهمّ والأرقا
{وقرآن الفجر} أي ما يقرأ به في صلاة الفجر.
{إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} مجازه: إن ملائكة الليل تشهده وإذا صليت الغداة أعقبتها ملائكة النهار). [مجاز القرآن: 1/388-387]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً}
[وقال] {وقرآن الفجر} أي: وعليك قرآن الفجر). [معاني القرآن: 2/73]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {لدلوك الشمس} فهم يقولون: دلكت الشمس؛ أي غابت؛ وقالوا: دلكت براح يا هذا؛ يريد: الشمس.
وقال الراجز:
هذا مقام قدمي رباح = للشمس حتى دلكت براح
فكسر الحاء ونصب الباء.
وقالوا: هذه براح يا هذا، بضم الحاء: اسم للشمس؛ وقال أيضًا: قد دلكت براح منون يا هذا: أي غابت أو كادت؛ كأنه ينظر إليها براحته.
وقال رؤبة:
شادخة الغرة غراء الضحك = تبلج الزهراء في جنح الدلك
جعل الدلك غيبوبة للشمس، كالدلوك.
وقال ذو الرمة أيضًا في ذلك:
مصابيح ليست باللواتي تقودها = نجوم ولا بالآفلات الدوالك
وكان ابن عباس يقول {لدلوك الشمس} أي لزوالها، الظهر والعصر؛ وقالوا أيضًا: هذه ذكاء يا هذا، للشمس أيضًا.
وقال الراجز:
قد وردت قبل انبلاج الفجر = وابن ذكاء كامن في كفر
قال أبو علي: كل ما غطى فهو كافر.
[معاني القرآن لقطرب: 840]
وأما قوله {إلى غسق الليل} فقالوا: غسق الليل يغسق غسقًا وغسوقًا؛ أي أظلم؛ و{غاسق إذا وقب} من ذلك؛ أي من مظلم إذا دخل.
وقال كعب بن زهير:
ظلت تجوب يداها وهي لاهية = حتى إذا هجم الإظلام والغسق
وكان ابن عباس يقول {إلى غسق الليل} المغرب وعشاء الآخرة). [معاني القرآن لقطرب: 841]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لدلوك الشمس إلى غسق الليل}: دلوكها من عند زوالها إلى الليل و{غسق الليل}: سواده.
{كان مشهودا}: ذكروا أن ملائكة الليل وملائكة النهار تشهدها). [غريب القرآن وتفسيره: 219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لدلوك الشّمس}: غروبها. ويقال: زوالها. والأول أحب إليّ، لأن العرب تقول: دلك النجم، إذا غاب.
قال ذو الرّمّة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفلات الدّوالك
وتقول في الشمس: دلكت براح يريدون غربت. والناظر قد وضع كفه على حاجبه ينظر إليها. قال الشاعر:
والشمس قد كادت دنفا أدفعها بالراح كي تزحلفا
فشبهها بالمريض في الدّنف، لأنها قد همّت بالغروب. كما قارب الدّنف الموت. وإنما ينظر إليها من تحت الكف، ليعلم كم بقي لها إلى أن تغيب ويتوقي الشعاع بكفه.
{وغسق اللّيل}: ظلامه.
{وقرآن الفجر} أي قراءة الفجر). [تفسير غريب القرآن: 260-259]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}
دلوك الشمس زوالها وميلها في وقت الظهيرة، وكذلك ميلها إلى الغروب هو دلوكها أيضا، يقال: قد دلكت براح وبراح.
أي قد مالت للزوال حتى صار الناظر يحتاج إذا تبصرها أن يكسر الشعاع عن بصره براحته.
قال الشاعر:
هذا مقام قدمي رباح= للشمس حتى دلكت براح
وقوله: {إلى غسق اللّيل} أي ظلمة الليل.
{وقرآن الفجر} أي فأقم قرآن الفجر، وفي هذا الموضع فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة، لأن قوله أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر قد أمر أن
نقيم الصلاة بالقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا، فلا تكون صلاة إلا بقراءة.
وقوله: {إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}.
جاء في التفسير أن ملائكة الليل يحضرون قراءة الفجر، وملائكة النهار يحضرونها أيضا). [معاني القرآن: 3/256-255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}
روى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال دلوكها غروبها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس لدلوك الشمس لغروبها
وروى الشعبي عن ابن عباس دلوكها زوالها
وروى الزهري عن سالم عن ابن عمر دلوك الشمس بعد نصف النهار وهو وقت الظهر
وروى مالك والليث عن نافع عن ابن عمر قال دلوك الشمس زوالها
وكذلك روي عن جعفر بن محمد رحمة الله عليه
قال أبو جعفر الدلوك في اللغة الميل فهي تميل عند الزوال وعند الغروب إلا أن الزوال في هذا أكثر على ألسن الناس
ويدل عليه أن بعده إلى غسق الليل فيدخل فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبعده وقرآن الفجر فلا يمتنع أن يكون غسق الليل أوله وذلك عند غروب الشمس،
قال ذلك أبو هريرة وهو يقوي قول من قال الدلوك ميلها للزوال
قال أبن عباس غسق الليل اجتماع الليل وظلمته
وقال قتادة أوله). [معاني القرآن: 4/182-181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وقرآن الفجر} فسمى الصلاة قرآنا لأنها لا تكون إلا بالقرآن). [معاني القرآن: 4/183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إن قرآن الفجر كان مشهودا}
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الفجر تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار واقرءوا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا). [معاني القرآن: 4/183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لدلوك الشمس} قال ثعلب: اختلف الناس، فقالت طائفة: الدلوك: زوالها عند الظهور، وقالت طائفة: الدلوك: زوالها عند المغيب. والغسق: الإظلام). [ياقوتة الصراط: 313]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دلوك الشمس} غروبها، وقيل: زوالها. ويقال: دلك النجم: إذا غاب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دُلُوك}: زوال). [العمدة في غريب القرآن: 184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غَسَقِ اللّيل}: سواده). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} [الإسراء: 79] عطيّةً من اللّه لك.
وقال الكلبيّ: النّافلة: الفضل.
قال يحيى: وسمعت بعضهم يقول: إنّ صلاة اللّيل على النّبيّ فريضةٌ، وهي للنّاس تطوّعٌ.
وقال الحسن: لم يقم النّبيّ أقلّ من ثلث اللّيل.
- الحسن بن دينارٍ، عن عونٍ العقيليّ، عن أنس بن مالكٍ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا شغله شيءٌ عن صلاة اللّيل صلّى من النّهار اثنتي عشرة ركعةً.
- حمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة، قال: النّافلة لا تكون إلا للنّبيّ.
- حمّادٌ، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة، قال: إذا توضّأ الرّجل فأحسن الوضوء فإن قعد قعد مغفورًا له، وإذا قام يصلّي كانت له فضيلةً.
فقيل له: نافلةً؟ فقال: إنّما النّافلة للنّبيّ.
قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] وعسى من اللّه واجبةٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/155]
قال: سيبعثك ربّك مقامًا محمودًا: الشّفاعة.
- يونس بن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن أبيه، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان، قال: يجمع اللّه النّاس يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ حفاةً، عراةً، كما خلقوا، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر حتّى يلجمهم العرق، ولا تكلّم نفسٌ إلا بإذنه، قال: فأوّل من يدعى محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، يا محمّد فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك،
والمهديّ من هديت، وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، وعلى عرشك استويت، سبحانك ربّ البيت.
ثمّ يقال له: اشفع، قال: فذلك المقام المحمود الّذي وعده اللّه.
وفي تفسير الكلبيّ قال: إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، فبقيت زمرةٌ من آخر زمر الجنّة وهم على الصّراط لمّا خرج المؤمنون من الصّراط بإيمانهم على قدر أعمالهم، فمنهم من قد خرج كهيئة البرق، ومنهم من خرج كهيئة الرّيح، ومنهم من خرج كركض الفرس الجواد، ومنهم من خرج سعيًا، ومنهم من خرج زحفًا على قدر ما بقي له من نوره، إن قام لم يره
وإن جلس نظر إليه بين يديه، فهو يزحف على استه، وهم الّذين يقولون: {ربّنا أتمم لنا نورنا} [التحريم: 8] فذلك حين تقول لهم آخر زمرةٍ من زمر النّار: أمّا نحن فأخذنا بما في قلوبنا من الشّكّ والتّكذيب، فما نفعكم أنتم توحيدكم ربّكم؟ قال: وقد بلغت النّار منهم كلّ مبلغٍ.
- وفي حديث سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي نضرة، عن سمرة بن جندبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ منهم من تأخذه النّار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النّار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته».
قال يحيى: وبلغني أنّها لا تصيب وجوههم لمكان السّجود.
قال الكلبيّ: فيصرخون عند ذلك يدعون ربّهم، فيسمعهم أهل الجنّة، فيسعون،
[تفسير القرآن العظيم: 1/156]
أو قال: يمشون إلى آدم فيقولون: يا آدم، أناسٌ من ذرّيّتك لم يشركوا باللّه شيئًا حبسوا مع أهل الشّرك، فيقول آدم: إنّي قد أخطأت خطيئةً فأستحيي أن أكلّم ربّي، فعليكم بنوحٍ.
فيأتون نوحًا فيردّهم إلى إبراهيم.
ثمّ يأتون إبراهيم فيردّهم إلى موسى.
ثمّ يأتون موسى فيردّهم إلى عيسى.
ثمّ يأتون عيسى فيردّهم إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيأتون محمّدًا فيذكرون ذلك له، فينطلق نبيّ اللّه فيأتي ربّ العزّة فيسجد له حتّى يأمره أن يرفع رأسه، ثمّ يسأل اللّه عن ما يريد وهو أعلم به، فيقول: ربّ، أناسٌ من عبادك أصحاب ذنوبٍ لم يشركوا بك وأنت أعلم بهم يعيّرهم أهل النّار بعبادتهم إيّاك، فيقول اللّه: وعزّتي لأخرجنّهم منها.
فيخرجهم وقد احترقوا، فيدخلون الجنّة ثمّ ينضح عليهم من الماء حتّى ينبتوا، تنبت أجسادهم ولحومهم، ثمّ يدخلون الجنّة فيسمّون الجهنّميّين.
فيغبط....
عند ذلك الأوّلون من أهل الجنّة والآخرون، فذلك قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79].
- صاحبٌ له، عن جبيرٍ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الزّعراء، عن ابن مسعودٍ، قال: يأمر اللّه تبارك وتعالى بالصّراط، فيضرب على جهنّم، فيمرّ النّاس على قدر أعمالهم زمرًا، أوّلهم كلمح البرق، ثمّ كمرّ الرّيح، ثمّ كمرّ الطّير، ثمّ كأسرع البهائم، ثمّ كذلك حتّى يمرّ الرّجل سعيًا، وحتّى يمرّ الرّجل مشيًا، حتّى يكون آخرهم رجلٌ يتلبّط على بطنه فيقول: يا ربّ، لم
أبطأت بي؟ فيقول: لم أبطئ بك، إنّما أبطأ بك عملك.
قال: ثمّ يأذن اللّه في الشّفاعة، فيكون أوّل شافعٍ يوم القيامة روح القدس جبريل، ثمّ يقوم خليل اللّه إبراهيم، ثمّ موسى أو عيسى.
قال أبو الزّعراء: لا أدري أيّهما، قال: ثمّ يقوم نبيّكم رابعًا لا يشفع أحدٌ بعده فيما يشفّع فيه، وهو المقام المحمود الّذي ذكره اللّه: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/157]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {نافلةً لّك...}

ليست لأحد نافلة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس من أحد إلاّ يخاف على نفسه، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فعمله نافلةٌ).
[معاني القرآن: 2/129]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} أي اسهر بصلاة أو بذكر الله، وهجدت: نمت أيضاً وهو الهجود، قال لبيد بن ربيعة.
قال هجّدنا فقد طال السّرى
يقول: نوّمنا {نافلةً لك} أي نفلاً وغنيمة لك). [مجاز القرآن: 1/389]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لّك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً مّحموداً}
وقال: {عسى أن يبعثك ربّك} و{عسى ربّكم أن يكفّر عنكم} فيقال "عسى" من الله واجبه والمعنى أنّك لو علمت من رجل أنه لا يدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه فقال لك "عسى أن أكافئك" استنبت بعلمك به أنه سيفعل الذي يجب إذ كان لا يدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه). [معاني القرآن: 2/73]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {فتهجد به نافلة لك} فالتهجد: القيام، من تهجد الرجل تهجدًا، وهجد في النوم هجودًا؛ الهجود: النوم، هجد: نام، وتهجد: قام لم ينم.
وقال لبيد:
قال هجدنا فقد طال السرى = وقدرنا إن خنا الدهر غفل
المعنى: غفل عنا خنا الدهر؛ وخناه: ما أفسد عليهم.
وأما {نافلة لك} فهي النفل والغنيمة). [معاني القرآن لقطرب: 841]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فتهجد}: اسهر يقال تهجدت إذا سهرت وهجدت إذا نمت وهو الهجود.
{نافلة لك}: أي غنيمة لك ومنه النفل). [غريب القرآن وتفسيره: 219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فتهجّد به} أي اسهر به. يقال: تهجدت: إذا سهرت.
وهجدت: إذا نمت.
{نافلةً لك} أي تطوعا). [تفسير غريب القرآن: 260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا}
يقال تهجد الرجل إذا سهر، وهجد إذا نام، وقد هجّدته إذا نوّمته قال لبيد:
قلت هجّدنا فقد طال السّرى= وقدرنا إن خنا الدّهر غفل
وهذه نافلة لك زيادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصّة ليست لأحد غيره لأن اللّه - عز وجل - أمره بأن يزداد في عبادته على ما أمر به الخلق أجمعون، لأنه فضله عليهم،
ثم وعده أن يبعثه مقاما محمودا.
والذي صحت به الرواية والأخبار في المقام المحمود أنه الشفاعة). [معاني القرآن: 3/256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} قال علقمة والأسود التهجد بعد النوم
قال أبو جعفر التهجد عند أهل اللغة التيقظ والسهر والهجود النوم يقال تهجد إذا سهر وهجد إذا نام
يروى عن مجاهد أن هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خصيصا وأن معنى نافلة لك للنبي صلى الله عليه وسلم خاص لأنه قد غفر له ذنوبه فهي ناقلة من أجل أنه لا يعملها في كفارة الذنوب والناس يعملون ما سوى المكتوبات لكفارات الذنوب
وقال غيره نافلة لك أي ليست بفرض لأن النفل كل ما لا يجب فعله والنافلة في اللغة الزيادة). [معاني القرآن: 4/184-183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}
روى داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كل عسى واجبة
قال أبو عبيدة يعني في القرآن). [معاني القرآن: 4/185-184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والتهجد) السهر، ويقال: تهجدت إذا سهرت، وهجدت: إذا نمت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَتَهَجَّدَ}: اسهر). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ} [الإسراء: 80]، يعني: مدخله المدينة حين هاجر إليها.
أمره اللّه بهذا الدّعاء.
{وأخرجني مخرج صدقٍ} [الإسراء: 80]
[تفسير القرآن العظيم: 1/157]
تفسير الحسن: مخرج صدقٍ أي: إلى قتال أهل بدرٍ.
وقد كان أعلمه اللّه أنّه سيقاتل المشركين ببدرٍ، ويظهره اللّه عليهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: {مدخل صدقٍ} [الإسراء: 80] الجنّة {وأخرجني مخرج صدقٍ} [الإسراء: 80] أخرجه اللّه من مكّة إلى الهجرة بالمدينة.
{واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} [الإسراء: 80] فأظهره اللّه عليهم يوم بدرٍ فقتلهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: علم نبيّ اللّه ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطانٍ، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب اللّه ولحدوده ولفرائضه ولإقامة الدّين.
وقال مجاهد: {سلطانًا نصيرًا} [الإسراء: 80] حجّةً بيّنةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقل رّبّ أدخلني مدخل صدقٍ...}

قال له في المنصرف لمّا رجع من معسكره إلى المدينة حين أراد الشأم {وأخرجني مخرج صدقٍ} إلى مكة). [معاني القرآن: 2/129]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أدخلني مدخل صدقٍ} من أدخلت ومن جعله من دخلت قال: مدخل صدقٍ بفتح الميم). [مجاز القرآن: 1/389]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {مخرج صدق} و{مدخل صدق}.
وقراءة موسى بن الزبير "مخرج" و"مدخل".
فأما مدخل ومخرج فمن: أدخل وأخرج؛ ومخرج ومدخل من: دخل وخرج). [معاني القرآن لقطرب: 829]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا}
{أدخلني مدخل صدق}.
ومدخل صدق، {وأخرجني مخرج صدق}.
وجاء في التفسير {أدخلني مدخل صدق} الجنّة،
{وأخرجني مخرج صدق} أي وأخرجني من مكة إلى المدينة.
وجاء أيضا مدخل ومخرج صدق دخوله المدينة وخروجه من مكة.
وجاء مدخل صدق ومخرج صدق الإدخال في الدين والخروج من الدنيا وهو على الحقّ، وجاء أيضا - وهو حسن - دخوله في الرسالة وخروجه مما يجب عليه فيها - صلى الله عليه وسلم - وكل ذلك حسن.
فمن قال مدخل - بضم الميم - فهو مصدر أدخلته مدخلا.
ومن قال مدخل صدق فهو على أدخلته فدخل مدخل صدق.
وكذلك شرح مخرج مثله.
وقوله: {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} أي اجعل نصرتي من عندك بتسليطي بالقدرة والحجة، وقد أجاب اللّه - عزّ وجلّ - دعاءه وأعلمه أنه يعصمه من الناس،
فقال: واللّه يعصمك من النّاس)
وقال: {فإن حزب اللّه هم الغالبون}.
وقال: {ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون} ). [معاني القرآن: 3/257-256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق}
قال الحسن وقتادة هو دخول المدينة وخروجه من مكة
وقال الضحاك هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا
وقال مجاهد هو دخوله في الرسالة وأمر الله جل وعز). [معاني القرآن: 4/186-185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} قال الشعبي وعكرمة أي حجة ثابتة،
وقال مجاهد أي حجة وذهب الحسن إلى أنه العز والنصر وإظهار دينه على الدين كله). [معاني القرآن: 4/186]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل جاء الحقّ} [الإسراء: 81] وهو القرآن.
{وزهق الباطل} [الإسراء: 81] وهو إبليس.
وهذا تفسير قتادة.
قال: {إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] والزّهوق: الدّاحض الذّاهب). [تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ)
: ({وزهق الباطل}: ذهب، يقال للسهم قد زهق إذا جاوز الغرض واستمر على جهته وزهقت نفسه إذا خرجت وأزهقتها أنا والزاهق الذاهب من قوله {فإذا هو زاهق}).
[غريب القرآن وتفسيره: 220]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}
روى معمر عن قتادة قال الحق القرآن والباطل الشيطان قال وزهق هلك). [معاني القرآن: 4/186]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وزهق الباطل} أي: بطل، وزهق - أيضا: مات، وزهق - أيضا: خرج، وزهق: سمن، وزهق: سقط،
يقال فيه كله: زهق). [ياقوتة الصراط: 313]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَزَهَقَ}: ذهب). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وننزّل من القرءان} [الإسراء: 82] ينزّل اللّه من القرآن.
{ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82] كلّما جاء في القرآن شيءٌ كذّبوا به فازدادوا فيه خسارًا إلى خسارهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
( وقوله جل وعز: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}

ليست من ههنا للتبعيض وإنما هي لبيان الجنس
والمعنى وننزل ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ثم بين فقال من القرآن كما قال سبحانه: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} ). [معاني القرآن: 4/187]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:19 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (ويقال: قنبت الشمس تقنب قنوباً.
وإذا لم يبق منها شيءٌ قيل: دلكت براحة. ٍ
وغربت غروباً مثل دلكت براحة.
وقالوا: دلكت براح يا هذا، مثل حذام. وبراح بكسر الباء. ودلكت براح يا هذا، فضمّوا، وقال الراجز:
هذا مقام قدمي رباح
للشمس حتى طلعت براح
وقالوا: دلكت براحٍ يا هذا، إذا غابت أو كادت، وهو ينظر إليها براحته.
وقال ابن عباس: {لدلوك الشمس}: لزوالها الظهر والعصر. وقال رؤبة:
شادخة الغرّة غرّاء الضحك
تبلّج الزّهراء في جنح الدّلك
فجعل الدّلك غيبوبة الشمس. وقال ذو الرّمّة:
(مصابيح ليست باللّواتي تقودها = نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالك) ).
[الأزمنة: 17]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (يتفق اللفظ ويختلف المعنى فيكون اللفظ الواحد على معنيين فصاعدا، وذلك مثل: «الأمة» يريد الدين. وقول الله: {إن إبراهيم كان أمة قانتا} منه. قال أبو محمد: الأمة: الرجل وحده يؤتم به. والأمة: القامة، قامة الرجل. والأمة من الأمم ومنه التخوف من الخوف، والتخوف: التنقص. ومنه، غسق الليل غسقا وغسوقا، قال: أي أظلم. وغسق جلد الرجل، وهو ما كان من قذر أو درن. ومن هذا اللفظ الواحد الذي يجيء على معنيين فصاعدا ما يكون متضادا في الشيء وضده). [الأضداد: 70] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ويقال: جُنَّ الليل، وأجَنَّ، وغسا، وأغسى، غسوا وإغساء، وأغسق، وأظلم، وألبس. وبعضهم يقول: جّنَّ الليل جَنَانا). [الأيام والليالي: 67] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث أبي وائل في قول الله عز وجل: {أقم الصلوة لدلوك الشمس} قال: دلوكها غروبها، قال: وهو في كلام العرب: دلكت براح.
حدثناه شريك عن عاصم عن أبي وائل.
قوله: دلكت براح، يقول: غابت وهو ينظر إليها وقد وضع كفه على حاجبه، ومنه قول العجاج:
أدفعها بالراح كي تزحلفا
حدثناه محمد بن يزيد الواسطي ويزيد بن هارون كلاهما عن العوام، عن إبراهيم مولى صخير، عن أبي وائل.
قوله اقحز: يعنى أنزى.
...
وقال غيره:
هذا مقام قدمي رباح = غدوة حتى دلكت براح
قال: وفيه لغة أخرى يقال: دلكت براح يا هذا، مثل قطام وحذام، ونزال غير منونة. قال الكسائي: يقال: هذا يوم راح: إذا كان شديد الريح.
ومن قال: دلوكها: زيغها ودلوكها: دحضها، فهما أيضا ميلها.
وقال الكسائي في غير حديث أبي وائل: الدلوك: ميلها بعد نصف النهار.
حدثنيه يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
وأصل الدلوك أن تزول عن موضعها فقد يكون هذا في معنى قول ابن عمر وقول أبي وائل جميعا.
وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب بالقرآن إلى كلام العرب إذا لم يكن فيه حكم ولا حلال ولا حرام، ألا تراه يقول: وهو في كلام العرب: دلكت براح.
وقد روي مثل هذا عن ابن عباس.
حدثني يحيى عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يعني أنا ابتدأتها.
وحدثنا هشيم عن حصين عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يُسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر). [غريب الحديث: 5/410-413]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (دلكت الشمس: غابت.

حتى دلكت براحي
أي دفعتها براحتي. ومن قال براح فهو اسم للشمس). [مجالس ثعلب: 308]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وكذلك «غَسقَ» يقع على معنيين مختلفين للعلة التي تقدمت، أحدهما أظلم، من غسق الليل، والآخر سال من الغساق، وهو ما يغسق من صديد أهل النار، قال عمارة بن عقيل:
ترى الضيف بالصلعاء تغسق عينه = من الجوع حتى تحسب الضيف أرمدا
وقال عمران بن حطان:
إذا ما تذكرت الحياة وطيبها = إلي جرى دمع من العين غاسق
أي: سائل). [كتاب الأضداد: 5]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والدّلك: اصفرار الشمس عند المغيب، يقال: دلكت الشمس تدلك دلوكًا). [الأمالي: 2/291]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا أيضا: هجد، أي: نام. وهجد: سهر). [الأضداد: 129]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *هجد* والهاجد النائم، والهاجد المصلي المتهجد في الليل، قال الحطيئة (الطويل):

فحياك ود ما هداك لفتية = وخوص بأعلى ذي طوالة هجد
أي: ينام وأكثر ما يقال المتهجد المتيقظ، قال الله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} أي: تيقظ بالقرآن، وقال النابغة (الكامل):

لو أنها عرضت لأشمط راهب = عبد الإله صرورة متهجد
قال الأصمعي: ساب أعرابي امرأته فقال: عليك لعنة المتهجدين). [كتاب الأضداد: 40]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو عمرو: ... غيره: الهاجد المصلي بالليل والهاجد النائم، قال الحطيئة:
فحياك ود من هداك لفتية = وخوص بأعلى ذي طوالة هجد).
[الغريب المصنف: 2/628]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والهاجد حرف من الأضداد، يقال للنائم هاجد، وللساهر هاجد، قال المرقش:

سرى ليلا خيال من سليمى = فأرقني وأصحابي هجود
أراد نيام. وقال الآخر:
وحاضروا الماء هجود ومصل
وقال الآخر:

ألا هلك امرؤ ظلت عليه = بشط عنيزة بقر هجود
أراد نسوى كالبقى في حسن أعينهن، سواهر. وقال الحطيئة:
فحياك ود ما هداك لفتية = وخوص بأعلى ذي طوالة هجد
وقال الأخطل:
عوامد للإلجام ألجام حامر = يثرن قطا لولا سراهن هجدا
ويروى: (هجدا). الألجام: ما بين الحزن والسهولة. قال أبو بكر. واحدها لجم، قال لبيد:
قال هجدنا فقد طال السرى = وقدرنا إن خنا الدهر غفر
أراد بـ (هجدنا) نومنا. وقال الآخر:
أسرى لأشعث هاجد بمفازة = بخيال ناعمة السرى مكسال
وقال الآخر:
بسير لا ينيخ القوم فيه = لساعات الكرى إلا هجودا
معناه إلا ساهرين؛ أي من السهر نومة وإناخته، فلا نوم ولا إناخة له. ويروى:
بسير لا ينيخ الركب فيه
ومثل هذا قول الكميت:
إن قيل قيلوا ففوق أظهرها = أو عرسوا فالذميل والخبب
الذميل والخبب: ضربان من السير، ومعناه من الذميل والخبب تعريسه، فلا تعريس له، وقال الله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك}، فمعناه فاسهر به.
وقال الأصمعي: ساب رجل امرأته فقال: عليها لعنة
المتهجدين، أي الساهرين بذكر الله عز وجل. وقال نابغة بني ذبيان:

ولو أنها عرضت لأشمط راهب = عبد الإله صرورة متهجد
لرنا لبهجتها وحسن حديثها = ولخاله رشدا وإن لم يرشد).
[كتاب الأضداد: 50-52]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
ألا هلك امرؤ ظلت عليه = بشط عنيزةٍ بقر هجود
شبه النساء بالبقر. والهجود ههنا المنتبهات، والمتهجد والهاجد من الأضداد والهاجد هو النائم والمنتبه، قال الله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به}، قال الأصمعي: ودعا رجل على امرأته فقال: عليك لعنة المتهجدين). [شرح المفضليات: 551]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) }

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: زهق الباطل زهوقا: درس وذهب، وزهقت نفس الرجل زهوقا. وقالوا أيضا: زهقت الدابة تزهق زهوقا: إذا اشتد مخ العظم وأكثر قصبه). [الأضداد: 123]

تفسير قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومن حرف من الأضداد، تكون لبعض الشيء، وتكون لكله، فكونها للتبعيض لا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونها بمعنى (كل)، شاهده قول الله عز وجل: {ولهم فيها من كل الثمرات}، معناه كل الثمرات، وقوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم}، معناه يغفر لكم ذنوبكم. وقوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}، معناه: وعدهم الله كلهم مغفرة؛ لأنه قدم وصف قوم يجتمعون في استحقاق هذا الوعد. وقول الله عز وجل في غير هذا الموضع: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، معناه: ولتكونوا كلكم أمة تدعو إلى الخير، قال الشاعر:

أخو رغائب يعطاها ويسألها = يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
أراد: يأبى الظلامة لأنه نوفل زفر. ومستحيل أن تكون
(مِنْ) هاهنا تبعيضا إذ دخلت على ما لا يتبعض، والعرب تقول: قطعت من الثوب قميصا، وهم لا ينوون أن القميص قطع من بعض الثوب دون بعض؛ إنما يدلون بـ(من) على التجنيس، كقوله عز وجل: {فاجتبوا الرجس من الأوثان} معناه: فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس، واجتنبوا الرجس من جنس الأوثان؛ إذ كان يكون من هذا الجنس ومن غيره من الأجناس.
وقال الله عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء}، فـ (مِنْ)، ليست هاهنا تبعيضا؛ لأنه لا يكون بعض القرآن شفاء وبعضه غير شفاء، فـ(مِنْ) تحتمل تأويلين: أحدهما التجنيس، أي ننزل الشفاء من جهة القرآن، والتأويل الآخر أن تكون (من) مزيدة للتوكيد، كقوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، وهو يريد يغضوا أبصارهم، وكقول ذي الرمة:

إذا ما امرؤ حاولن يقتتلنه = بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل
تبسمن عن نور الأقاحي في الثرى = وفترن من أبصار مضروجة نجل
أراد: وفترن أبصار مضروجة.
وكان بعض أصحابنا يقول: من ليست مزيدة للتوكيد في قوله: {من كل الثمرات}، وفي قوله: {من أبصارهم} وفي قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم}. وقال: أما قوله: {من كل الثمرات}، فإن (من) تبعيض، لأن العموم في جميع الثمرات لا يجتمع لهم في وقت واحد؛ إذ كان قد تقدم منها ما قد أكل، وزال وبقي منها ما يستقبل ولا ينفد أبدا، فوقع التبعيض لهذا المعنى.
قال: وقوله: {يغضوا من أبصارهم} معناه: يغضوا بعض أبصارهم. وقال: لم يحظر علينا كل النظر، إنما حظر علينا بعضه، فوجب التبعيض من أجل هذا التأويل.
قال: وقوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} من هاهنا مجنسة، وتأويل الآية: يغفر لكم من إذنابكم، وعلى إذنابكم، أي يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم، كما يقول الرجل: اشتكيت من دواء شربته، أي من أجل الدواء.
وقال بعض المفسرين: من في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} مبعضة، لأنه ذكر أصحاب نبيه صلى الله عليه، وكان قد ذكر
قبلهم الذين كفروا فقال: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية}. وقال بعد: {منهم}؛ أي من هذين الفريقين، ومن هذين الجنسين). [كتاب الأضداد: 252-255] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:52 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:53 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} الآية. هذه بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة.
فقال ابن عمر، وابن عباس، وأبو بردة، والحسن، والجمهور: "دلوك الشمس": زوالها، والإشارة إلى الظهر والعصر، و"غسق الليل" أشير به إلى المغرب والعشاء، و"قرآن الفجر" أريد به صلاة الصبح، فالآية -على هذا- تعم جميع الصلوات" وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر"، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عنده وقد طعم وزالت الشمس، فقال: "اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس".
[المحرر الوجيز: 5/523]
وقال ابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن أسلم: "دلوك الشمس": غروبها، والإشارة بذلك إلى المغرب. و"غسق الليل": اجتماع ظلمته، فالإشارة إلى العتمة، و"قرآن الفجر": صلاة الصبح، ولم تقع إشارة -على التأويل- إلى الظهر والعصر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والقول الأول أصوب لعمومه الصلوات، وهما من جهة اللغة حسنان، وذلك أن "الدلوك" هو الميل في اللغة، فأول الدلوك هو الزوال، وآخره هو المغرب، ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا، لأنها في حالة ميل، فذكر الله الصلوات التي في حالة الدلوك وعنده، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب، ويصح أن تكون المغرب داخلة في "غسق الليل"، ومن الدلوك الذي هو الميل قول الأعرابي للحسن بن أبي الحسن: أيدالك الرجل امرأته؟ يريد: أيميل بها إلى المطل في دينها؟ فقال له الحسن: نعم، إذا كان ملحفا، أي: عديما، ومنه قول ذي الرمة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها ... نجوم ولا بالآفلات الدوالك
ومن ذلك قول الشاعر:
هذا مكان قدمي رباح ... غدوة حتى دلكت براح
[المحرر الوجيز: 5/524]
ويروى "براح" بكسر الباء، قال أبو عبيدة، والأصمعي، وأبو عمرو الشيباني: معناه: براحة الناظر يستكف بها أبدا لينظر كيف ميلها وما بقي لها، وهذا نحو قول الحجاج:
والشمس قد كادت تكون دنفا ... أدفعها بالراح كي تزحلفا
وذكر الطبري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "دلكت براح، يعني: براح مكانا". قال: فإن كان هذا من تفسير ابن مسعود فهو أعلم، وإن كان من كلام راو فأهل الغريب أعلم بذلك.
ويروى البيت الأول: "غدوة حتى هلكت براح" بفتح الباء، على وزن قطام وحزام، وهو اسم من أسماء الشمس.
و"غسق الليل": اجتماعه وتكاثف ظلمته، قال الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/525]
آب هذا الليل إذ غسقا
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: غسق الليل: بدؤه.
ونصب قوله تعالى: {وقرآن الفجر} بفعل مضمر، تقديره: واقرأ قرآن، ويصح أن ينصب عطفا على "الصلاة"، أي: وأقم قرآن الفجر، وعبر عن صلاة الصبح خاصة بالقرآن لأن القرآن هو عظمها، إذ قراءتها طويلة مجهود بها. ويصح أن ينصب قوله: "قرآن" على الإغراء. وقوله: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} معناه: يشهده حفظة النهار وحفظة الليل من الملائكة حسبما ورد في الحديث المشهور من قوله عليه السلام: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر" الحديث بطوله من رواية أبي هريرة وغيره. وعلى القول بذلك مضى الجمهور.
وذكر الطبري حديثا عن ابن عسكر، من طريق أبي الدرداء في قوله تعالى: {كان مشهودا}، قال محمد بن سهل بن عسكر: (يشهده الله وملائكته)، وذكر في ذلك الحديث أن الله تبارك وتعالى ينزل في آخر الليل، ونحو هذا مما ليس بقوي). [المحرر الوجيز: 5/526]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن الليل}، "من" للتبعيض، والتقدير: ووقتا من الليل، أي: وأقم وقتا من الليل، والضمير في "به" عائد على هذا المقدر، ويحتمل أن يعود على القرآن وإن كان لم يجر له ذكر مطلق، كما هو الضمير مطلق، لكن جرى مضافا إلى الفجر. و"تهجد" معناه: اطرح الهجود عنك، والهجود: النوم، يقال: هجد يهجد -بضم الجيم- هجودا إذا نام، ومنه قول الشاعر:
ألا طرقتنا والرفاق هجود ... فباتت بعلات النوال تجود
ومنه قول الحطيئة:
فحياك ود ما هداك لفتية ... وخوص بأعلى ذي طوالة هجد
وهذا الفعل جار مجرى: تحرب وتحرج وتأثم وتحنث، ومثله فظلتم تفكهون، فمعناه: تندمون، أي تطرحون الفاكهة عن أنفسكم، وهي انبساط النفس وسرورها، يقال: رجل فكه إذا كان كثير السرور والضحك، فالمعنى: ووقتا من الليل اسهر به في صلاة وقراءة، وقال الأسود، وعلقمة، وعبد الرحمن بن الأسود: التهجد بعد نومة، وقال الحجاج بن عمرو: إنما التهجد بعد رقدة، وقال الحسن: التهجد ما كان بعد العشاء الآخرة.
[المحرر الوجيز: 5/527]
وقوله تعالى: {نافلة لك}، قال ابن عباس وغيره: معناه: زيادة لك في الفرض، قالوا: وكان قيام الليل فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحتمل الآية أن يكون هذا على جهة الندب في التنفل، ويكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد هو وأمته، كخطابه في قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}. وقال مجاهد: إنما هي نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم; لأنه مغفور له، والناس يحطون بمثل ذلك خطاياهم، وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عام الحديبية، فإنما كانت نوافله واستغفاره فضائل من العمل، وقربا أشرف من نوافل أمته; لأن هذه إما أن تجبر بها فرائضهم، وإما أن تحط بها خطيئاتهم، وقد يتصور من لا ذنب له ينتفل، فيكون تنفله فضلا، كنصراني يسلم وصبي يحتلم، وضعف الطبري قول مجاهد.
وقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} عدة من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء حتى ينتهي إليه عليه الصلاة والسلام. والحديث بطوله في البخاري ومسلم فلذلك اختصرناه، ولأجل ذلك الاحتمال الذي له في مرضاة جميع العالم مؤمنهم وكافرهم قال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر". و"عسى" من الله واجبة، و"مقاما" نصب على الظرف.
[المحرر الوجيز: 5/528]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن غريب حديث الشفاعة اقتضابه المعنى، وذلك أن صدر الحديث يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم يستنهض للشفاعة في أن يحاسب الناس، وينطلقون من الموقف، فيذهب لذلك، وينص بأثر ذلك على أنه شفع في إخراج المذنبين من النار، فمعناه الاقتضاب والاختصار; لأن الشفاعة في المذنبين لم تكن إلا بعد الحساب والزوال من الموقف ودخول قوم الجنة ودخول قوم النار، وهذه الشفاعة لا يتدافعها الأنبياء، بل يشفعون ويشفع العلماء، وذكر الطبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وينبغي أن يتأول هذا على ما قلناه: لأمته وغيرها، أو يقال: كل منهما مقام محمود. وقال النقاش: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات: العامة، وشفاعة في السبق إلى الجنة، وشفاعة في أهل الكبائر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والمشهور أنهما شفاعتان فقط. حكى الطبري عن فرقة منها مجاهد أنها قالت: المقام المحمود هو أن الله عز وجل يجلس محمدا عليه الصلاة والسلام - معه على عرشه، وروت في ذلك حديثا، وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفيه بعد، ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله. وقد ذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
من أنكر جوازه على تأويله). [المحرر الوجيز: 5/529]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}
ظاهر هذه الآية والأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور، ويحاول من الأسفار والأعمال، وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة، فهي على أتم عموم، معناها: رب أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري، وذهب المفسرون إلى أنها في غرض مخصوص، ثم اختلفوا في تعيينه -فقال ابن عباس، والحسن، وقتادة: أراد: أدخلني المدينة وأخرجني من مكة، وتقدم في هذا التأويل المتأخر في الوقوع، فإنه متقدم في القول لأن الإخراج من مكة هو المتقدم، اللهم إن مكان الدخول والفرار هو الأهم. وقال أبو صالح، ومجاهد: أدخلني في أمر تبليغ الشرع، وأخرجني منه بالإعداد التام، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الإدخال بالموت في القبر، والإخراج البعث. وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله أصوب.
وقرأ الجمهور: "مدخل" و"مخرج" بضم الميم، فهو جرى على: أدخلني وأخرجني. وقرأ أبو حيوة، وقتادة، وحميد: "مدخل" و"مخرج" بفتح الميم، فهو غير جار على: أدخلني، ولكن التقدير: "أدخلني فأدخل مدخل"، لأنه إنما يجري على دخل، و"الصدق" هنا صفة تقتضي رفع المذام واستيعاب المدح، كما تقول: "رجل صدق" أي: جامع للمحاسن.
وقوله تعالى: {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا}، قال مجاهد وغيره: حجة، يريد: تنصرني ببيانها على الكفار، وقال الحسن وقتادة: يريد: منعة ورياسة وسيفا ينصر دين الله تعالى، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر الله إياه به رغبة في نصر الدين، فروي أن الله تعالى وعده بذلك، ثم أنجز له في حياته وتممه بعد وفاته). [المحرر الوجيز: 5/530]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل} الآية. قال قتادة: "الحق": القرآن، و"الباطل": الشيطان، وقالت فرقة: "الحق" الإيمان، و"الباطل": الكفر، وقال ابن جريج: الحق: الجهاد، و"الباطل": الشرك، وقيل غير ذلك، والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة، فيكون التعبير: جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه، وزهق الكفر بجميع ما انطوى فيه، و"الباطل": كل ما لا تنال به غاية نافعة. وقوله سبحانه: {كان زهوقا}، ليست "كان" إشارة إلى زمن مضى، بل المعنى: كان وهو يكون، وهذا كقولك: كان الله عالما قادرا، ونحو هذا.
وهذه الآية نزلت بمكة، ثم إن رسول الله كان يستشهد بها يوم فتح مكة، وقت طعنه الأصنام، وسقوطها لطعنه إياها بمخصرة، حسبما في السيرة لابن هشام وفي غيرها). [المحرر الوجيز: 5/531]

تفسير قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "وننزل" بالنون، وقرأ مجاهد: "وينزل" بالياء خفيفة، ورواها المروزي عن حفص. وقوله تعالى: {من القرآن}، يصح أن تكون "من" لابتداء الغاية، ويصح أن تكون لبيان الجنس، كأنه قال وننزل ما فيه شفاء من "القرآن"، وأنكر بعض المتأولين أن تكون "من" للتبعيض، لأنه تحفظ من أن يلزمه أن بعضه لا شفاء فيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس يلزمه هذا، بل يصح أن تكون "من" للتبعيض بحسب أن إنزاله إنما هو مبعض، فكأنه قال: "وننزل من القرآن" شيئا شيئا ما فيه كله شفاء. واستعارته الشفاء للقرآن هو بحسب إزالته للريب، وكشفه غطاء القلب لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى، المقررة لشرعه. ويحتمل أن يراد بالشفاء نفعه من الأمراض بالرقى
[المحرر الوجيز: 5/531]
والتعويذ ونحوه، وكونه رحمة ظاهرة. وقوله تعالى: {ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} بمعنى أنه عليهم عمى; إذ هم معرضون بحالة من لا يفهم ولا يلقن). [المحرر الوجيز: 5/532]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:41 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا (78) ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا (79)}.
يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم آمرًا له بإقامة الصّلوات المكتوبات في أوقاتها: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} قيل لغروبها. قاله ابن مسعودٍ، ومجاهدٌ، وابن زيدٍ.
وقال هشيم، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، عن ابن عبّاسٍ: "دلوكها": زوالها. ورواه نافعٌ، عن ابن عمر. ورواه مالكٌ في تفسيره، عن الزّهريّ، عن ابن عمر. وقاله أبو برزة الأسلميّ وهو روايةٌ أيضًا عن ابن مسعودٍ. ومجاهدٍ. وبه قال الحسن، والضّحّاك، وأبو جعفرٍ الباقر، وقتادة. واختاره ابن جريرٍ، وممّا استشهد عليه ما رواه عن ابن حميدٍ، عن الحكم بن بشيرٍ، حدّثنا عمرو بن قيسٍ، عن ابن أبي ليلى، [عن رجلٍ]، عن جابر بن عبد اللّه قال: دعوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي، ثمّ خرجوا حين زالت الشّمس، فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "اخرج يا أبا بكرٍ، فهذا حين دلكت الشمس".
ثمّ رواه عن سهل بن بكّارٍ، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيسٍ، عن نبيحٍ العنزيّ، عن جابرٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه. فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصّلاة الخمسة فمن قوله: {لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} وهو: ظلامه، وقيل: غروب الشّمس، أخذ منه الظّهر والعصر والمغرب والعشاء، وقوله [تعالى]: {وقرآن الفجر} يعني: صلاة الفجر.
وقد ثبتت السّنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تواترًا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات، على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم، ممّا تلقّوه خلفًا عن سلفٍ، وقرنًا بعد قرنٍ، كما هو مقرّرٌ في مواضعه، وللّه الحمد.
{إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ -وعن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: {إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: "تشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار".
وقال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة -وسعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمسٌ وعشرون درجةً، وتجتمع ملائكة اللّيل وملائكة النّهار في صلاة الفجر". ويقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا}.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أسباطٌ، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -وحدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} قال: "تشهده ملائكة اللّيل، وملائكة النّهار".
ورواه التّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجه، ثلاثتهم عن عبيد بن أسباط بن محمّدٍ، عن أبيه، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وفي لفظٍ في الصّحيحين، من طريق مالكٌ، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة اللّيل وملائكة النّهار، ويجتمعون في صلاة الصّبح وفي صلاة العصر، فيعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم -وهو أعلم بكم -كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون، وتركناهم وهم يصلّون" وقال عبد اللّه بن مسعودٍ: يجتمع الحرسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء.
وكذا قال إبراهيم النّخعي، ومجاهدٌ، وقتادة، وغير واحدٍ في تفسير هذه الآية.
وأمّا الحديث الّذي رواه ابن جريرٍ هاهنا -من حديث اللّيث بن سعدٍ، عن زيادة، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدّرداء، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر حديث النّزول وأنّه تعالى يقول: "من يستغفرني أغفر له، من يسألني أعطه، من يدعني فأستجيب له حتّى يطلع الفجر". فلذلك يقول: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} فيشهده اللّه، وملائكة اللّيل، وملائكة النّهار -فإنّه تفرّد به زيادةً، وله بهذا حديثٌ في سنن أبي داود). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 101-103]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} أمرٌ له بقيام اللّيل بعد المكتوبة، كما ورد في صحيح مسلمٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سئل: أيّ الصّلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: "صلاة اللّيل".
ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام اللّيل، فإنّ التّهجّد: ما كان بعد نومٍ. قاله علقمة، والأسود وإبراهيم النّخعيّ، وغير واحدٍ وهو المعروف في لغة العرب. وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه كان يتهجّد بعد نومه، عن ابن عبّاسٍ، وعائشة، وغير واحدٍ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم، كما هو مبسوطٌ في موضعه، وللّه الحمد والمنّة.
وقال الحسن البصريّ: هو ما كان بعد العشاء. ويحمل على ما بعد النّوم.
واختلف في معنى قوله: {نافلةً لك} فقيل: معناه أنّك مخصوصٌ بوجوب ذلك وحدك، فجعلوا قيام اللّيل واجبًا في حقّه دون الأمّة. رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ، وهو أحد قولي العلماء، وأحد قولي الشّافعيّ، رحمه اللّه، واختاره ابن جريرٍ.
وقيل: إنّما جعل قيام اللّيل في حقّه نافلةً على الخصوص؛ لأنّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وغيره من أمّته إنّما يكفّر عنه صلواته النّوافل الذّنوب الّتي عليه، قاله مجاهدٌ، وهو في المسند عن أبي أمامة الباهليّ، رضي اللّه عنه.
وقوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} أي: افعل هذا الّذي أمرتك به، لنقيمك يوم القيامة مقامًا يحسدك فيه الخلائق كلّهم وخالقهم، تبارك وتعالى.
قال ابن جريرٍ: قال أكثر أهل التّأويل: ذلك هو المقام الّذي يقومه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة للشّفاعة للنّاس، ليريحهم ربّهم من عظيم ما هم فيه من شدّة ذلك اليوم.
ذكر من قال ذلك: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: يجمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، حفاةً عراة كما خلقوا قيامًا، لا تكلّم نفسٌ إلّا بإذنه، ينادى: يا محمّد، فيقول: "لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، لا منجى ولا ملجأ منك إلّا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك ربّ البيت". فهذا المقام المحمود الّذي ذكره اللّه عزّ وجلّ .
ثمّ رواه عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، به. وكذا رواه عبد الرّزّاق عن معمرٍ والثّوريّ، عن أبي إسحاق، به.
وقال ابن عبّاسٍ: هذا المقام المحمود مقام الشّفاعة. وكذا قال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ. وقاله الحسن البصريّ.
وقال قتادة: هو أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل شافعٍ، وكان أهل العلم يرون أنّه المقام المحمود الّذي قال اللّه: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}
قلت: لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسليمًا تشريفاتٌ [يوم القيامة] لا يشركه فيها أحدٌ، وتشريفاتٌ لا يساويه فيها أحدٌ؛ فهو أوّل من تنشقّ عنه الأرض ويبعث راكبًا إلى المحشر، وله اللّواء الّذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الّذي ليس في الموقف أكثر واردًا منه، وله الشّفاعة العظمى عند اللّه ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق، وذلك بعدما يسأل النّاس آدم ثمّ نوحًا ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ثمّ عيسى، فكلٌّ يقول: "لست لها" حتّى يأتوا إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول: "أنا لها، أنا لها" كما سنذكر ذلك مفصّلًا في هذا الموضع، إن شاء اللّه تعالى. ومن ذلك أنّه يشفّع في أقوامٍ قد أمر بهم إلى النّار، فيردّون عنها. وهو أوّل الأنبياء يقضى بين أمّته، وأوّلهم إجازةً على الصّراط بأمّته. وهو أوّل شفيعٍ في الجنّة، كما ثبت في صحيح مسلمٍ. وفي حديث الصّور: إنّ المؤمنين كلّهم لا يدخلون الجنّة إلّا بشفاعته وهو أوّل داخلٍ إليها وأمّته قبل الأمم كلّهم. ويشفّع في رفع درجات أقوامٍ لا تبلغها أعمالهم. وهو صاحب الوسيلة الّتي هي أعلى منزلةٍ في الجنّة، لا تليق إلّا له. وإذا أذن اللّه تعالى في الشّفاعة للعصاة شفّع الملائكة والنّبيّون والمؤمنون، فيشفّع هو في خلائق لا يعلم عدّتهم إلّا اللّه، ولا يشفّع أحدٌ مثله ولا يساويه في ذلك. وقد بسطت ذلك مستقصًى في آخر كتاب "السّيرة" في باب الخصائص، ولله الحمد والمنة.
ولنذكر الآن الأحاديث الواردة في المقام المحمود، وباللّه المستعان:
قال البخاريّ: حدّثنا إسماعيل بن أبانٍ، حدّثنا أبو الأحوص، عن آدم بن عليٍّ، سمعت ابن عمر [يقول]: إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثًا، كلّ أمّةٍ تتبع نبيّها، يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذلك يوم يبعثه اللّه مقامًا محمودًا.
ورواه حمزة بن عبد اللّه، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، حدّثنا شعيب بن اللّيث، حدّثني اللّيث، عن عبيد اللّه بن أبي جعفرٍ أنّه قال: سمعت حمزة بن عبد اللّه بن عمر يقول: سمعت عبد اللّه بن عمر يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "إنّ الشّمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم، فيقول: لست صاحب ذلك، ثمّ بموسى فيقول كذلك، ثمّ بمحمّدٍ فيشفع بين الخلق، فيمشي حتّى يأخذ بحلقة باب الجنّة، فيومئذٍ يبعثه اللّه مقامًا محمودًا". [يحمده أهل الجنّة كلّهم].
وهكذا رواه البخاريّ في "الزّكاة" عن يحيى بن بكير، وعبد اللّه بن صالحٍ، كلاهما عن اللّيث بن سعدٍ، به، وزاد "فيومئذٍ يبعثه اللّه مقامًا محمودًا، بحمده أهل الجمع كلّهم".
قال البخاريّ: وحدّثنا عليّ بن عيّاش، حدّثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من قال حين يسمع النّداء: اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة، والصّلاة القائمة، آت محمّدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الّذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة". انفرد به دون مسلمٍ.
حديث أبيٍّ:
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ الأزديّ، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن الطّفيل بن أبيّ بن كعبٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا كان يوم القيامة، كنت إمام الأنبياء وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر".
وأخرجه التّرمذيّ، من حديث أبي عامرٍ عبد الملك بن عمرو العقديّ، وقال: "حسنٌ صحيحٌ ". وابن ماجه من حديث عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ به. وقد قدّمنا في حديث: "أبيّ بن كعبٍ" في قراءة القرآن على سبعة أحرفٍ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في آخره: "فقلت: اللّهمّ، اغفر لأمّتي، اللّهمّ اغفر لأمّتي، وأخّرت الثّالثة ليومٍ يرغب إليّ فيه الخلق، حتّى إبراهيم عليه السلام".
حديث أنس بن مالكٍ:
قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، حدّثنا قتادة، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيلهمون ذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فأراحنا من مكاننا هذا. فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك اللّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيءٍ، فاشفع لنا إلى ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول لهم آدم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الّذي أصاب، فيستحيي ربّه، عزّ وجلّ، من ذلك، ويقول: ولكن ائتوا نوحًا، فإنّه أوّل رسولٍ بعثه اللّه إلى أهل الأرض. فيأتون نوحًا فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئة سؤاله ربّه ما ليس له به علمٌ، فيستحيي ربّه من ذلك، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرّحمن. فيأتونه فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا موسى، عبدًا كلّمه اللّه، وأعطاه التّوراة. فيأتون موسى فيقول: لست هناكم، ويذكر لهم النّفس الّتي قتل بغير نفسٍ فيستحيي ربّه من ذلك، ولكن ائتوا عيسى عبد اللّه ورسوله، وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدًا عبدًا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر فيأتوني". قال الحسن هذا الحرف: "فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين". قال أنسٌ: "حتّى أستأذن على ربّي، فإذا رأيت ربّي وقعت له -أو: خررت -ساجدًا لربّي، فيدعني ما شاء اللّه أن يدعني". قال: "ثمّ يقال: ارفع محمّد، قل يسمع، واشفع تشفّع، وسل تعطه. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميدٍ يعلّمنيه، ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا، فأدخلهم الجنّة": "ثمّ أعود إليه الثّانية، فإذا رأيت ربّي وقعت -أو: خررت -ساجدًا لربّي، فيدعني ما شاء اللّه أن يدعني. ثمّ يقال: ارفع محمّد، قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأحمده بتحميدٍ يعلّمنيه، ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود في الثّالثة؛ فإذا رأيت ربّي وقعت -أو: خررت -ساجدًا لربّي، فيدعني ما شاء اللّه أن يدعني، ثمّ يقال: ارفع محمّد، قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأحمده بتحميدٍ يعلّمنيه ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: يا ربّ، ما بقي إلّا من حبسه القرآن". فحدّثنا أنس بن مالكٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "فيخرج من النّار من قال: "لا إله إلّا اللّه" وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرةً، ثمّ يخرج من النّار من قال: "لا إله إلّا اللّه" وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة ثمّ يخرج من النّار من قال: "لا إله إلّا اللّه" وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرّةً".
أخرجاه [في الصّحيح] من حديث سعيدٍ، به وهكذا رواه الإمام أحمد، عن عفّان، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنس بطوله.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا حرب بن ميمونٍ أبو الخطّاب الأنصاريّ، عن النّضر بن أنسٍ، عن أنسٍ قال: حدّثني نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّي لقائمٌ أنتظر أمّتي تعبر الصّراط، إذ جاءني عيسى، عليه السّلام، فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمّد يسألون -أو قال: يجتمعون إليك -ويدعون اللّه أن يفرّق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء اللّه، لغمّ ما هم فيه، فالخلق ملجمون بالعرق، فأمّا المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأمّا الكافر فيغشاه الموت، فقال: انتظر حتّى أرجع إليك. فذهب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقام تحت العرش، فلقي ما لم يلق ملك مصطفًى ولا نبيٌّ مرسلٌ. فأوحى اللّه، عزّ وجلّ، إلى جبريل: أن اذهب إلى محمّدٍ، وقل له: ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فشفعت في أمّتي: أن أخرج من كلّ تسعةٍ وتسعين إنسانًا واحدًا. فما زلت أتردّد إلى ربّي، عزّ وجلّ، فلا أقوم منه مقامًا إلّا شفّعت، حتّى أعطاني اللّه من ذلك، أن قال: يا محمّد، أدخل [من أمّتك] من خلق اللّه، عزّ وجلّ، من شهد أن لا إله إلّا اللّه يومًا واحدًا مخلصًا ومات على ذلك ".
حديث بريدة، رضي اللّه عنه:
قال الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا الأسود بن عامرٍ، أخبرنا أبو إسرائيل، عن الحارث بن حصيرة، عن ابن بريدة، عن أبيه: أنّه دخل على معاوية، فإذا رجلٌ يتكلّم، فقال بريدة: يا معاوية، تأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم -وهو يرى أنّه يتكلّم بمثل ما قال الآخر -فقال بريدة: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّي لأرجو أن أشفّع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرةٍ ومدرةٍ". قال: فترجوها أنت يا معاوية، ولا يرجوها عليٌّ، رضي اللّه عنه؟!.
حديث ابن مسعودٍ:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عارم بن الفضل، حدّثنا سعيد بن زيدٍ، حدّثنا عليّ بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعودٍ قال: جاء ابنا مليكة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا إنّ أمّنا [كانت] تكرم الزّوج، وتعطف على الولد -قال: وذكر الضّيف -غير أنّها كانت وأدت في الجاهليّة؟ فقال: "أمّكما في النّار". قال: فأدبرا والسّوء يرى في وجوههما، فأمر بهما فردّا، فرجعا والسّرور يرى في وجوههما؛ رجاء أن يكون قد حدث شيءٌ، فقال: "أمّي مع أمّكما". فقال رجلٌ من المنافقين: وما يغني هذا عن أمّه شيئًا! ونحن نطأ عقبيه. فقال رجلٌ من الأنصار -ولم أر رجلًا قطّ أكثر سؤالًا منه-: يا رسول اللّه، هل وعدك ربّك فيها أو فيهما؟. قال: فظنّ أنّه من شيءٍ قد سمعه، فقال: "ما شاء اللّه ربّي وما أطمعني فيه، وإنّي لأقوم المقام المحمود يوم القيامة". فقال الأنصاريّ: يا رسول اللّه، وما ذاك المقام المحمود؟ قال:" ذاك إذا جيء بكم حفاةً عراةً غرلًا فيكون أوّل من يكسى إبراهيم، عليه السّلام، فيقول: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما ثمّ يقعده مستقبل العرش، ثمّ أوتى بكسوتي فألبسها، فأقوم عن يمينه مقامًا لا يقومه أحدٌ، فيغبطني فيه الأوّلون والآخرون. ويفتح نهرٌ من الكوثر إلى الحوض". فقال المنافقون: إنّه ما جرى ماءٌ قطّ إلّا على حالٍ أو رضراضٍ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "حاله المسك، ورضراضه التّوم". [قال المنافق: لم أسمع كاليوم. قلّما جرى ماءٌ قطّ على حالٍ أو رضراضٍ، إلّا كان له نبتةٌ. فقال الأنصاريّ: يا رسول اللّه، هل له نبتٌ؟ قال "نعم، قضبان الذّهب"]. قال المنافق: لم أسمع كاليوم، فإنّه قلّما ينبت قضيبٌ إلّا أورق، وإلّا كان له ثمرٌ! قال الأنصاريّ: يا رسول اللّه، هل له ثمرةٌ؟ قال: "نعم، ألوان الجوهر، وماؤه أشدّ بياضًا من اللّبن، وأحلى من العسل، من شرب منه شربةً لا يظمأ بعده، ومن حرمه لم يرو بعده".
وقال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزّعراء، عن عبد اللّه قال: ثمّ يأذن اللّه، عزّ وجلّ، في الشّفاعة، فيقوم روح القدس جبريل، ثمّ يقوم إبراهيم خليل اللّه، ثمّ يقوم عيسى أو موسى -قال أبو الزّعراء: لا أدري أيّهما -قال: ثمّ يقوم نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم رابعًا، فيشفع لا يشفع أحدٌ بعده أكثر ممّا شفع، وهو المقام المحمود الّذي قال اللّه عزّ وجلّ: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}.
حديث كعب بن مالكٍ، رضي اللّه عنه:
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن عبد ربّه، حدّثنا محمّد بن حربٍ، حدّثنا الزّبيديّ، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه [بن كعب] بن مالكٍ، عن كعب بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يبعث النّاس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلٍّ، ويكسوني ربّي، عزّ وجلّ، حلّةً خضراء ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء اللّه أن أقول، فذلك المقام المحمود".
حديث أبي الدّرداء، رضي اللّه عنه:
قال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عبد الرّحمن ابن جبير، عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا أوّل من يؤذن له بالسّجود يوم القيامة، وأنا أوّل من يؤذن له أن يرفع رأسه، فأنظر إلى ما بين يدي، فأعرف أمّتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك". فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، كيف تعرف أمّتك من بين الأمم، فيما بين نوحٍ إلى أمّتك؟ قال: "هم غرٌّ محجّلون، من أثر الوضوء، ليس أحدٌ كذلك غيرهم، وأعرفهم أنّهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريتهم".
حديث أبي هريرة، رضي اللّه عنه:
قال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا أبو حيّان، حدّثنا أبو زرعة بن عمرو بن جريرٍ، عن أبي هريرة، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلحمٍ، فرفع إليه الذّراع -وكانت تعجبه -فنهس منها نهسة، ثمّ قال: "أنا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذاك؟ يجمع اللّه الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعضٍ: [ألّا ترون إلى ما أنتم فيه؟ ألا ترون إلى ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم عزّ وجلّ؟ فيقول بعض النّاس لبعضٍ]: أبوكم آدم!.
فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك اللّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك؛ فاشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي، نفسي، نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوحٍ.
فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وسمّاك اللّه عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوحٌ: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه كانت لي دعوةٌ على قومي، نفسي، نفسي، نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم.
فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبيّ اللّه وخليله من أهل الأرض، [اشفع لنا إلى ربّك] ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، فذكر كذباته نفسي، نفسي، نفسي [اذهبوا إلى غيري] اذهبوا إلى موسى.
فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول اللّه، اصطفاك اللّه برسالاته وبكلامه على النّاس، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى.
فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه -قال: هكذا هو -وكلّمت النّاس في المهد، فاشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمّدٍ.
فيأتوني فيقولون: يا محمّد، أنت رسول اللّه، وخاتم الأنبياء، غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فاشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأقوم فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربّي، عزّ وجلّ، ثمّ يفتح اللّه عليّ، ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه ما لم يفتحه على أحدٍ قبلي. فيقال: يا محمّد، ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأقول: يا ربّ، أمّتي أمّتي، يا ربّ أمّتي أمّتي، يا ربّ، أمّتي أمّتي! فيقال: يا محمّد: أدخل من أمّتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سواه من الأبواب". ثمّ قال: "والّذي نفس محمّدٍ بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنّة كما بين مكّة وهجر، أو كما بين مكّة وبصرى". أخرجاه في الصّحيحين.
وقال مسلمٌ، رحمه اللّه: حدّثنا الحكم بن موسى، حدّثنا هقل بن زيادٍ، عن الأوزاعيّ، حدّثني أبو عمّارٍ، حدّثني عبد اللّه بن فرّوخ، حدّثني أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّل شافعٍ، وأوّل مشفّع".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا وكيع، عن داود بن يزيد الزّعافريّ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}، سئل عنها فقال: "هي الشّفاعة ".
رواه الإمام أحمد عن وكيعٍ وعن محمّد بن عبيدٍ، عن داود، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: "هو المقام الّذي أشفع لأمّتي فيه".
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا كان يوم القيامة، مدّ اللّه الأرض مدّ الأديم، حتّى لا يكون لبشرٍ من النّاس إلّا موضع قدمه. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فأكون أوّل من يدعى، وجبريل عن يمين الرّحمن واللّه ما رآه قبلها، فأقول ربّ، إنّ هذا أخبرني أنّك أرسلته إليّ. فيقول اللّه تبارك وتعالى: صدق، ثمّ أشفّع. فأقول: يا ربّ عبادك عبدوك في أطراف الأرض"، قال: "فهو المقام المحمود"، وهذا حديث مرسل). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 103-110]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا (80) وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا (81)}.
قال الإمام أحمد: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة ثمّ أمر بالهجرة، فأنزل اللّه: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا}.
وقال الحسن البصريّ في تفسير هذه الآية: إنّ كفّار أهل مكّة لمّا ائتمروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه، وأراد اللّه قتال أهل مكّة، فأمره أن يخرج إلى المدينة، فهو الّذي قال اللّه عزّ وجلّ:: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ}
وقال قتادة: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ} يعني: المدينة {وأخرجني مخرج صدقٍ} يعني: مكّة.
وكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم. وهذا القول هو أشهر الأقوال.
وقال: العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {أدخلني مدخل صدقٍ} يعني: الموت {وأخرجني مخرج صدقٍ} يعني: الحياة بعد الموت. وقيل غير ذلك من الأقوال. والأوّل أصحّ، وهو اختيار ابن جريرٍ.
وقوله: {واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} قال الحسن البصريّ في تفسيرها: وعده ربّه لينزعنّ ملك فارس، وعزّ فارس، وليجعلنّه له، وملك الرّوم، وعزّ الرّوم، وليجعلنّه له.
وقال قتادة فيها أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، علم ألّا طاقة له بهذا الأمر إلّا بسلطانٍ، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب اللّه، ولحدود اللّه، ولفرائض اللّه، ولإقامة دين اللّه؛ فإنّ السّلطان رحمةٌ من اللّه جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعضٍ، فأكل شديدهم ضعيفهم.
قال مجاهدٌ: {سلطانًا نصيرًا} حجّةً بيّنةً.
واختار ابن جريرٍ قول الحسن وقتادة، وهو الأرجح؛ لأنّه لا بدّ مع الحقّ من قهرٍ لمن عاداه وناوأه؛ ولهذا قال [سبحانه و] تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب} [الحديد: 25] وفي الحديث: "إنّ اللّه ليزع بالسّلطان ما لا يزع بالقرآن" أي: ليمنع بالسّلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثيرٌ من النّاس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد، والتّهديد الشّديد، وهذا هو الواقع). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 111]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} تهديدٌ ووعيد لكفار قريش؛ فإنه قد جاءهم من اللّه الحقّ الّذي لا مرية فيه ولا قبل لهم به، وهو ما بعثه اللّه به من القرآن والإيمان والعلم النّافع. وزهق باطلهم، أي اضمحلّ وهلك، فإنّ الباطل لا ثبات له مع الحقّ ولا بقاء {بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ} [الأنبياء: 18].
وقال البخاريّ: حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن أبي معمر، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: دخل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة وحول البيت ستّون وثلاثمائة نصبٍ، فجعل يطعنها بعودٍ في يده، ويقول: {جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا}، جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد".
وكذا رواه البخاريّ أيضًا في غير هذا الموضع، ومسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، كلّهم من طرقٍ عن سفيان بن عيينة به. [وكذا رواه عبد الرّزّاق عن الثّوريّ عن ابن أبي نجيحٍ].
وكذا رواه الحافظ أبو يعلى: حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا شبابة، حدّثنا المغيرة، حدّثنا أبو الزّبير، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، قال: دخلنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة، وحول البيت ثلاثمائةٍ وستّون صنمًا يعبدون من دون اللّه. فأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأكبّت لوجهها، وقال: "جاء الحقّ وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقًا"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 111-112]

تفسير قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا (82)}.
يقول تعالى مخبرًا عن كتابه الّذي أنزله على رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم -وهو القرآن الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ -إنّه: {شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين} أي: يذهب ما في القلوب من أمراضٍ، من شكٍّ ونفاقٍ، وشركٍ وزيغٍ وميلٍ، فالقرآن يشفي من ذلك كلّه. وهو أيضًا رحمةٌ يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرّغبة فيه، وليس هذا إلّا لمن آمن به وصدّقه واتّبعه، فإنّه يكون شفاءً في حقّه ورحمةً. وأمّا الكافر الظّالم نفسه بذلك، فلا يزيده سماعه القرآن إلّا بعدًا وتكذيبًا وكفرًا. والآفة من الكافر لا من القرآن، كما قال تعالى: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ} [فصّلت: 44] وقال تعالى: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون وأمّا الّذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [التوبة: 124، 125]. والآيات في ذلك كثيرة.
قال قتادة في قوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين} إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه {ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا} إنّه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، فإنّ اللّه جعل هذا القرآن شفاءً، ورحمةً للمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 112-113]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة