العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:07 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (64) إلى الآية (66) ]

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:56 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن شوذبٍ مولى الشّعبيّ عن الشعبي {يا أيها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين} الله [الآية: 64]). [تفسير الثوري: 121]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه، وحسب من اتّبعك من المؤمنين اللّه. يقول لهم جلّ ثناؤه: ناهضوا عدوّكم، فإنّ اللّه كافيكم أمرهم، ولا يهولنّكم كثرة عددهم وقلّة عددكم، فإنّ اللّه مؤيّدكم بنصره.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، قال: حدّثنا سفيان، عن شوذب بن معاذٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين} قال: حسبك اللّه وحسب من اتّبعك من المؤمنين اللّه.
- حدّثني أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا سفيان، عن شوذبٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {يا أيّها النّبيّ حسبك} اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين قال: حسبك اللّه وحسب من معك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن سفيان، عن شوذبٍ، عن عامرٍ، بنحوه، إلاّ أنّه قال: حسبك اللّه وحسب من شهد معك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، في قوله: {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين} قال: يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه وحسب من اتّبعك من المؤمنين، إنّ حسبك أنت وهم اللّه.
فـ {من} من قوله: {ومن اتّبعك من المؤمنين} على هذا التّأويل الّذي ذكرناه عن الشّعبيّ نصب عطفًا على معنى الكاف في قوله: {حسبك اللّه} لا على لفظه؛ لأنّها في محلّ خفضٍ في الظّاهر وفي محلّ نصبٍ في المعنى؛ لأنّ معنى الكلام: يكفيك اللّه، ويكفي من اتّبعك من المؤمنين.
وقد قال بعض أهل العربيّة في من: إنّها في موضع رفعٍ على العطف على اسم اللّه، كأنّه قال: حسبك اللّه ومتبعوك إلى جهاد العدوّ من المؤمنين دون القاعدين عنك منهم. واستشهد على صحّة قوله ذلك بقوله: {حرّض المؤمنين على القتال}). [جامع البيان: 11/259-261]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين (64)
قوله تعالى: يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتبعك
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ ثنا عبيد اللّه بن موسى أنبأ سفيان عن شوذبٍ عن الشّعبيّ في قوله: يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين قال: حسبك اللّه وحسب من شهد معك. وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ وعبد الرّحمن بن زيدٍ مثله.
- حدّثنا أبي ثنا يحيى الحمّانيّ ثنا جريرٌ ثنا يعقوب القمّيّ عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبيرٍ قال: لمّا أسلم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثةٌ وثلاثون رجلاً وستّ نسوةٍ ثمّ أسلم عمر فنزلت يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين وروي عن سعيد بن المسيّب نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ ثنا نعيم بن حمّادٍ ثنا أبو تميلة عن محمّد بن إسحاق عن الزّهريّ في قول اللّه: حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين قال: يقال: نزلت في الأنصار). [تفسير القرآن العظيم: 5/1727-1728]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه} [الأنفال: 64].
- عن ابن عبّاسٍ قال: «أسلم مع النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - تسعةٌ وثلاثون رجلًا وامرأةً، وأسلم عمر تمام الأربعين، فأنزل اللّه - تبارك وتعالى - {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين} [الأنفال: 64]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه إسحاق بن بشرٍ الكاهليّ وهو كذّابٌ). [مجمع الزوائد: 7/28]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 64.
وأخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون: قد انتصف القوم منا اليوم وأنزل الله {يا أيها النّبيّ حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أسلم مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا وامرأة ثم إن عمر رضي الله عنه أسلم فصاروا أربعين فنزل {يا أيها النّبيّ حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي اله عنه قال: لما أسلم مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم عمرنزلت {يا أيها النّبيّ حسبك الله} الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه أنزل الله في إسلامه {يا أيها النّبيّ حسبك الله}.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن الزهري رضي الله عنه في قوله {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} قال: فقال: نزلت في الأنصار.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه في قوله {يا أيها النّبيّ حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} قال: حسبك الله وحسبك من اتبعك.
وأخرج أبو محمد إسمعيل بن علي الحطبي في الأول من تحديثه من طريق طارق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أسلمت رابع أربعين فنزلت {يا أيها النّبيّ حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}.
وأخرج عن مجاهد رضي اله عنه في الآية قال: يقول: حسبك الله والمؤمنون). [الدر المنثور: 7/192-193]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة الأنفال: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون}؛
ثم نسخت بالآية التي تليها، فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}). [الجامع في علوم القرآن: 3/73]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مائتين ألا يفروا وأنهم إن لم يفروا غلبوا ثم خفف الله عنهم فقال {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين} فيقول لا ينبغي أن يفر ألف من ألفين فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/261]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن جويبر عن الضحاك في قوله تعالى {إن يكن منكم عشرون صابرون} الآية قال هذا واجب عليهم ألا يفر واحد منهم عن عشرة عن الثوري عن ليث عن عطاء مثل ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/261-262]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن عطاءٍ في قول اللّه: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين} قال: كان لا ينبغي لواحدٍ أن يفرّ من عشرةٍ - فخفّف الله عنهم [الآية: 65].
سفيان [الثوري] عن ابن جريج عن عطاء مثله). [تفسير الثوري: 121]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (65) : قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال... } إلى قوله تعالى: {بأنّهم قومٌ لا يفقهون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ - {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} -، قال: كتب عليهم أن لا يفرّ عشرون من مائتين، ثمّ خفّف اللّه عنهم، فقال: {الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا}، فلا ينبغي لمائةٍ أن يفرّوا من مائتين.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، وإسماعيل بن إبراهيم، عن ابن أبي نجيح، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إن فرّ رجلٌ من رجلين فقد فرّ، وإن فرّ من ثلاثةٍ فلم يفرّ). [سنن سعيد بن منصور: 5/224-226]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون}
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، " لمّا نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} ، وإن يكن منكم مائةٌ فكتب عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ " - فقال سفيان غير مرّةٍ: أن لا يفرّ عشرون من مائتين - " ثمّ نزلت: {الآن خفّف اللّه عنكم} [الأنفال: 66] الآية، فكتب أن لا يفرّ مائةٌ من مائتين " وزاد سفيان مرّةً: نزلت: {حرّض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون} [الأنفال: 65] ، قال سفيان: وقال ابن شبرمة: «وأرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثل هذا»). [صحيح البخاري: 6/63]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال الآية)
ساق غير أبي ذرٍّ الآية إلى يفقهون وسقط عندهم باب

[4652] قوله عن عمرٍو هو بن دينارٍ قوله فكتب عليهم أن لا يفرّ أي فرض عليهم والسّياق وإن كان بلفظ الخبر لكنّ المراد منه الأمر لأمرين أحدهما أنّه لو كان خبرًا محضًا للزم وقوع خلاف المخبر به وهو محالٌ فدلّ على أنّه أمرٌ والثّاني لقرينة التّخفيف فإنّه لا يقع إلّا بعد تكليفٍ والمراد بالتّخفيف هنا التّكليف بالأخفّ لا رفع الحكم أصلًا قوله أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ فقال سفيان غير مرّةٍ أن لا يفرّ عشرون من مائتين أي أنّ سفيان كان يرويه بالمعنى فتارةً يقول باللّفظ الّذي وقع في القرآن محافظةً على التّلاوة وهو الأكثر وتارةً يرويه بالمعنى وهو أن لا يفرّ واحدٌ من العشرة ويحتمل أن يكون سمعه باللّفظين ويكون التّأويل من غيره ويؤيّده الطّريق الّتي بعد هذه فإنّ ذلك ظاهرٌ في أنّه من تصرّف بن عبّاس وقد روى الطّبريّ من طريق بن جريج عن عمرو بن دينار عن بن عبّاسٍ قال جعل على الرّجل عشرةٌ من الكفّار ثمّ خفّف عنهم فجعل على الرّجل رجلان وروى أيضًا الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة ومن طريق العوفيّ وغيرهما عن بن عبّاسٍ نحوه مطوّلًا ومختصرًا قوله وزاد سفيان كأنّه حدّث مرّةً بالزّيادة ومرّةً بدونها وقد روى بن مردويه من طريق محمّد بن مسلمٍ عن عمرو بن دينار عن بن عبّاسٍ قال كان الرّجل لا ينبغي له أن يفرّ من عشرةٍ ثمّ أنزل اللّه الآن خفف الله عنكم الآية فجعل الرّجل منهم لا ينبغي له أن يفرّ من اثنين وهذا يؤيّد ما قلناه أنه من تصرف بن عبّاس لا بن عيينة فكأنّه سمعه من عمرو بن دينارٍ باللّفظين وسأذكر ما فيه في الباب الّذي يليه إن شاء اللّه تعالى قوله قال سفيان وقال بن شبرمة هو عبد اللّه قاضي الكوفة وهو موصولٌ ووهم من زعم أنّه معلّقٌ فإنّ في رواية بن أبي عمر عن سفيان عند أبي نعيمٍ في المستخرج قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله قوله وأرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثل هذا أي أنّه عنده في حكم الجهاد لجامع ما بينهما من إعلاء كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل). [فتح الباري: 8/311-312]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {يا أيّها النبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون} (الأنفال: 6)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {يا أيها النّبي} الآية. ولم يذكر لفظ باب، عند أحد من الرواة، وسياق الآية إلى (يفقهون) غير أبي ذر، وعنده: {يا أيها النّبي حرض المؤمنين على القتال} الآية. قوله: (حرض المؤمنين) ، من التحريض وهو الحث على الشّيء. قوله: (وإن يكن منكم مائة) ، أي: صابرة محتسبة تثبت عند لقاء العسكر. قوله: (قوم لا يفقهون) أي: إن المشركين يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب.
- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدّثنا سفيان عن عمروٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما لمّا نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} فكتب عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ فقال سفيان غير مرّةٍ أن لا يفرّ عشرون من مائتين ثمّ نزلت: {الآن خفّف الله عنكم} (الأنفال: 66) الآية فكتب أن لا يفرّ مائةٌ من مائتين وزاد سفيان مرّةً نزلت: {حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون} قال سفيان وقال ابن شبرمة وأرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثل هذا.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله المعروف بابن المدينيّ، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار. والحديث من أفراده.
قوله: (فكتب عليهم) أي: فرض عليهم. والآية وإن كانت بلفظ الخبر ولكن المراد منه الأمر فلذلك دخلها النّسخ لأنّه لما شقّ ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين فهو على هذا تخفيف لا نسخ. وقال القاضي أبو بكر بن الطّيب أن الحكم إذا نسخ بعضه أو بعض أوصافه أو غير عدده فجائز أن يقال: إنّه نسخ لأنّه حينئذٍ ليس بالأول بل هو غيره، وقال قوم: إنّه كان يوم بدر، قال ابن العربيّ: وهو خطأ، وقد نص مقاتل على أنه كان بعد بدر، والآية معلقة بأنّهم كانوا يفقهون ما يقاتلون به وهو الثّواب، والكفّار لا يفقهونه. وقيل: أنهم كانوا في أول الإسلام قليلا فلمّا كثروا خفف، ثمّ هذا في حقنا، وأما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب عليه مصابرة العدو الكثير لأنّه موعود بالنصر كامل القوّة. قوله: (وقال سفيان غير مرّة) أراد به أن سفيان كان يرويه بالمعنى. فتارة يقول باللّفظ الّذي وقع في القرآن محافظة على التّلاوة وهو الأكثر، وتارة يرويه بالمعنى، وهو: أن لا يفر واحد من عشرة، ويحتمل أن يكون سمعه باللفظين ويكون التّأويل من غيره. قوله: (ثمّ نزلت أي) الآية الّتي هي قوله: {الآن خفف الله عنكم} قوله: (وزاد سفيان) أشار به إلى أنه حدث مرّة بالزّيادة ومرّة بدونها. قوله: (وقال ابن شبرمة) بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وضم الرّاء، واسمه عبد الله التّابعيّ قاضي الكوفة وعالمها مات سنة أربع وأربعين ومائة، وقال صاحب (التّلويح) هذا التّعليق رواه ابن أبي حاتم عن محمّد بن عبد الله بن يزيد المقري عن سفيان. قال: قال ابن شبرمة، فذكره ومعناه أن لا يفر من اثنين إذا كانا على منكر وله أن يفر إذا كان الّذي على المنكر أكثر منهما. قيل: وهم من زعم أنه معلّق قال في رواية ابن أبي عمر عن سفيان عند أبي نعيم في (المستخرج) قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله. قوله: (مثل هذا) أي: مثل الحكم المذكور في الجهاد ووجه الجامع بينهما أعلاه كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل). [عمدة القاري: 18/252]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون} [الأنفال: 65]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يا أيها النبي حرّض المؤمنين}) بالغ في حثّهم ({على القتال}) ولذا قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه يوم بدر لما أقبل المشركون في عددهم وعددهم: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" ({إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة}) أي صابرة ({يغلبوا ألفًا من الذين كفروا}) شرط في معنى الأمر يعني ليصبر عشرون في مقابلة مائتين ومائة في مقابلة ألف كل واحد لعشرة ({بأنهم قوم لا يفقهون}) [الأنفال: 65]. أي بسبب أنهم جهلة بالله واليوم الآخر يقاتلون لغير طلب ثواب واعتقاد أجر في الآخرة لتكذيبهم لها، وسقط: {إن يكن منك عشرون} الخ .. ولأبي ذر وقال بعد قوله: {القتال} الآية. وسقط لفظ باب لغيره.
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- لمّا نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} فكتب عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ فقال سفيان: غير مرّةٍ أن لا يفرّ عشرون من مائتين ثمّ نزلت: {الآن خفّف اللّه عنكم} الآية، فكتب أن لا يفرّ مائةٌ من مائتين، زاد سفيان مرّةً نزلت {حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون} قال سفيان: وقال ابن شبرمة وأرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثل هذا. [الحديث 4652 - طرفه في: 4653].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (لما نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين}) زاد أبو ذر: وإن يكن منكم مائة (فكتب) بضم الكاف أي فرض (عليهم أن لا يفرّ واحد من عشرة) هو معنى الآية. (فقال سفيان) بن عيينة (غير مرة أن لا يفر عشرون من مائتين) وهذا يوافق لفظ القرآن، فالظاهر أن سفيان كان يرويه تارة بالمعنى وتارة باللفظ (ثم نزلت: {الآن خفف الله عنكم}) [الأنفال: 66] (الآية فكتب) بفتح الكاف أي فرض الله تعالى (أن لا يفر مائة من مائتين، زاد) ولأبي ذر: وزاد (سفيان مرة نزلت): ({حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون}) يريد أنه حدث بالزيادة مرة ومرة بدونها (قال سفيان: وقال ابن شبرمة) بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة التابعي (وأرى) بضم الهمزة أي أظن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا) الحكم المذكور في الجهاد بجامع إعلاء كلمة الحق وإدحاض كلمة الباطل، وقول صاحب التلويح هذا التعليق رواه ابن أبي حاتم تعقبه في الفتح بأنه وهم لأن في رواية ابن أبي عمر عن سفيان
عند أبي نعيم في مستخرجه قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله). [إرشاد الساري: 7/137-138]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون (65) الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال} حثّ متّبعيك ومصدّقيك على ما جئتهم به من الحقّ على قتال من أدبر وتولّى عن الحقّ من المشركين. {إن يكن منكم عشرون} رجلاً {صابرون} عند لقاء العدوّ، يحتسبون أنفسهم ويثبتون لعدوّهم {يغلبوا مائتين} من عدوّهم ويقهروهم. {وإن يكن منكم مائةٌ} عند ذلك {يغلبوا} منهم {ألفًا}. {بأنّهم قومٌ لا يفقهون} يقول: من أجل أنّ المشركين قومٌ يقاتلون على غير رجاء ثوابٍ ولا لطلب أجرٍ ولا احتسابٍ؛ لأنّهم لم يفقهوا أنّ اللّه موجبٌ لمن قاتل احتسابًا وطلب موعود اللّه في المعاد ما وعد المجاهدين في سبيله، فهم لا يثبتون إذا صدقوا في اللّقاء خشية أن يقتلوا فتذهب دنياهم). [جامع البيان: 11/261]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مئةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون (65)
قوله تعالى: يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن أبي رجاءٍ قال: أخبرني رجلٌ عن أبي سنانٍ قوله: يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال قال: عظهم.
قوله تعالى: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ ويونس بن عبد الأعلى المصريّ والسّياق لابن المقرئ- قالا: حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينارٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت إنّ يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا يفرّ عشرون من المائتين ولا يفرّ واحدٌ من عشرة ثمّ قال: الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من اثنين ومائةٌ من المائتين، فإن فرّ من ثلاثةٍ فلم يفرّ.
- حدّثنا ابن المقرئ قال: قال سفيان: قال شبرمة: أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثله.
- حدّثنا إسحاق بن وهبٍ العلاف الواسطيّ ثنا عمر بن يونس اليماميّ ثنا أبي عن عطاء بن أبي رباحٍ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين وعظّموا أن يقاتل عشرون مائتين ومائةٌ ألفًا فخفّف اللّه عنهم فنسختها الآية الّتي بعدها الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين
وروي عن عطاءٍ ومجاهدٍ وعكرمة والحسن وزيد بن أسلم وعطاءٍ الخراسانيّ والضّحّاك نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ ثنا وهب بن جرير بن حازمٍ عن أبيه عن الزّبير بن الخرّيت عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال ابن عبّاسٍ: نقصوا من النّصر بقدر ما خفّف عنهم من العدّة.
قوله تعالى: يغلبوا مائتين
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين يعني: يقتلوا مائتين من المشركين.
قوله تعالى: وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا فكان يوم بدرٍ جعل اللّه على المسلمين أن يقاتل الرّجل الواحد منهم عشرةً من المشركين ليقطع دابرهم فلمّا هزم اللّه المشركين، وقطع دابرهم خفّف على المسلمين بعد ذلك فنزلت الآن خفّف اللّه عنكم يعني: بعد قتال بدرٍ وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا يعني: يقاتلوا مائتين من المشركين
قوله تعالى: بأنّهم قومٌ لا يفقهون
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا أبو غسّان محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه بأنّهم قومٌ لا يفقهون لا يقاتلون عن نيّةٍ ولا حقٍّ ولا معرفةٍ لخيرٍ ولا شرٍّ). [تفسير القرآن العظيم: 5/1728-1729]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعلوا على كل رجل منهم قتال عشرة من الكفار فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل منهم قتال رجلين فنزل التخفيف من الله عز وجل فقال الآن خفف الله عنكم). [تفسير مجاهد: 267-268]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} [الأنفال: 65] إلى آخر الآيات.
- عن ابن عبّاسٍ قال: «افترض عليهم أن يقاتل كلّ رجلٍ منهم عشرةً، فثقل ذلك عليهم وشقّ عليهم، فوضع عنهم إلى أن يقاتل الرّجل الرّجلين، فأنزل اللّه في ذلك: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} [الأنفال: 65] إلى آخر الآيات. ثمّ قال: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} [الأنفال: 68] يقول: لولا أنّي لا أعذّب من عصاني حتّى أتقدّم إليه. ثمّ قال: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} [الأنفال: 70] فقال العبّاس: فيّ واللّه نزلت حين أخبرت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقيّة الّتي وجدت معي، فأعطاني بها عشرين عبدًا كلّهم تاجرٌ بمالٍ في يده، مع ما أرجو من مغفرة اللّه - جلّ ذكره». قلت: في الصّحيح بعضه.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط والكبير باختصارٍ، ورجال الأوسط رجال الصّحيح غير ابن إسحاق، وقد صرّح بالسّماع). [مجمع الزوائد: 7/28]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا يزيد بن هارون، أبنا محمّد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- قال: "فرض على المسلمين أن يقاتل الرّجل من المسلمين العشرة من المشركين قوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الذين كفروا) فكبر ذلك عليهم فخفّف اللّه عنهم فأنزل اللّه- تعالى- (الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله) .
- قال: وثنا ابن عليّة، ثنا ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ "أيّما رجلٍ فرّ من ثلاثةٍ فلم يفرّ، فإن فرّ من اثنين فقد فرّ".
- قال: وثنا يزيد، أبنا جرير بن حازمٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ بمثله، وزاد في حديثه: "ونقصوا من الصبر-، بقدر ذلك"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/213-214]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 65 - 66
أخرج البخاري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سفيان بن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا} فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة وأن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت {الآن خفف الله عنكم} الآية، فكتب أن لا يفر مائة من مائتين قال سفيان: وقال ابن شبرمة رضي الله عنه: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا إن كانا رجلين أمرهما وإن كانا ثلاثة فهو في سعة من تركهم.
وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: افترض أن يقاتل كل رجل عشرة فثقل ذلك عليهم وشق عليهم فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين فأنزل الله في ذلك {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} إلى آخر الآيات.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: افترض عليهم أن يقاتل كل رجل عشرة فثقل ذلك عليهم وشق عليهم فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين فأنزل الله في ذلك {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} إلى آخر الآيات.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية: {يا أيها النّبيّ حرض المؤمنين على القتال} ثقلت على المسلمين فأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ومائة ألفا فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} الآية، قال: فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحرزوا عنهم ثم عاتبهم في الأسارى وأخذ المغانم ولم يكن أحد قبله من الأنبياء عليهم السلام يأكل مغنما من عدو هو لله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون} الآية، قال: ففرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم فجهد الناس ذلك وشق عليهم فنزلت الآية {الآن خفف الله عنكم} إلى قوله {ألفين} ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم ونقص من الصبر بقدر ما تخفف عنهم من العدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {إن يكن منكم عشرون} الآية، قال: كان يوم بدر جعل الله على المسلمين أن يقاتل الرجل الواحد منهم عشرة من المشركين لقطع دابرهم فلما هزم الله المشركين وقطع دابرهم خفف على المسلمين بعد ذلك فنزلت {الآن خفف الله عنكم} يعني بعد قتال بدر.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت في أهل بدر شدد عليهم فجاءت الرخصة بعد.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل الله كل رجل منهم يقاتل عشرة من الكفار فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل منهم قتال رجلين تخفيف من الله عز وجل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمير رضي الله عنهما في قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن عدي والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} رفع.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ، أنه قرأ {وعلم أن فيكم ضعفا}.
وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {وعلم أن فيكم ضعفا} وقرأ كل شيء في القرآن ضعف). [الدر المنثور: 7/193-197]

تفسير قوله تعالى: (الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة الأنفال: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون}؛
ثم نسخت بالآية التي تليها، فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}). [الجامع في علوم القرآن: 3/73] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مائتين ألا يفروا وأنهم إن لم يفروا غلبوا ثم خفف الله عنهم فقال {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين} فيقول لا ينبغي أن يفر ألف من ألفين فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/261] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن عطاءٍ فأنزل اللّه: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين} قال: لا ينبغي لواحدٍ أن يفر من اثنين [الآية: 66].
سفيان [الثوري] عن ابن جريج عن عطاء مثله). [تفسير الثوري: 121]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب (الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا) الآية إلى قوله {واللّه مع الصّابرين} [الأنفال: 66]
- حدّثنا يحيى بن عبد اللّه السّلميّ، أخبرنا عبد اللّه بن المبارك، أخبرنا جرير بن حازمٍ، قال: أخبرني الزّبير بن خرّيتٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " لمّا نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شقّ ذلك على المسلمين، حين فرض عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ، فجاء التّخفيف "، فقال: (الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين) قال: «فلمّا خفّف اللّه عنهم من العدّة نقص من الصّبر بقدر ما خفّف عنهم»). [صحيح البخاري: 6/63]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أن فيكم ضعفا الآية)
زاد غير أبي ذرٍّ إلى قوله والله مع الصابرين

[4653] قوله أخبرني الزّبير بن الخرّيت بكسر المعجمة وتشديد الرّاء بعدها تحتانيّةٌ ساكنةٌ ثمّ مثنّاةٌ فوقانيّةٌ بصريٌّ ثقةٌ من صغار التّابعين وقد تقدّم ذكره في كتاب المظالم ولجرير بن حازم راوي هذا الحديث عن الزّبير بن الخريت شيخ آخر أخرجه بن مردويه من طريق إسحاق بن إبراهيم بن راهويه في تفسيره عن وهب بن جرير بن حازمٍ عن أبيه عن محمّد بن إسحاق حدّثني عبد اللّه بن أبي نجيحٍ عن عطاء عن بن عبّاسٍ وقد أخرجه الإسماعيليّ من طريق زياد بن أيّوب عن وهب بن جريرٍ عن أبيه عن الزّبير وهو ممّا يؤيّد أنّ لجريرٍ فيه طريقين ولفظ رواية عطاءٍ افترض اللّه عليهم أن يقاتل الواحد عشرةً فشقّ عليهم فوضع اللّه عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرّجلين ثمّ ذكر الآية وزاد بعدها ثمّ قال لولا كتابٌ من اللّه سبق فذكر تفسيرها ثمّ قال يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى فذكر قول العبّاس في العشرين وفي قوله فأعطاني عشرين عبدًا كلّهم قد تاجر بمالي مع ما أرجوه من مغفرة اللّه تعالى قلت وفي سند طريق عطاءٍ محمّد بن إسحاق وليست هذه القصّة عنده مسندةٌ بل معضلة وصنيع بن إسحاق وتبعه الطّبرانيّ وبن مردويه يقتضي أنّها موصولةٌ والعلم عند اللّه تعالى قوله شقّ ذلك على المسلمين زاد الإسماعيليّ من طريق سفيان بن أبي شيبة عن جريرٍ جهد النّاس ذلك وشقّ عليهم قوله فجاء التّخفيف في رواية الإسماعيليّ فنزلت الآية الأخرى وزاد ففرض عليهم أن لا يفرّ رجلٌ من رجلين ولا قومٌ من مثلهم واستدلّ بهذا الحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفّار وتحريم الفرار عليه منهما سواء طلباه أو طلبهما سواءٌ وقع ذلك وهو واقفٌ في الصّفّ مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر وهذا هو ظاهر تفسير بن عبّاس ورجحه بن الصّبّاغ من الشّافعيّة وهو المعتمد لوجود نصّ الشّافعيّ عليه في الرّسالة الجديدة رواية الرّبيع ولفظه ومن نسخةٍ عليها خطّ الرّبيع نقلت قال بعد أن ذكر للآية آياتٍ في كتابه أنّه وضع عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الإثنين ثمّ ذكر حديث بن عبّاسٍ المذكور في الباب وساق الكلام عليه لكنّ المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبةٍ جاز له التّولّي عنهما جزمًا وإن طلبهما فهل يحرم وجهان أصحّهما عند المتأخّرين لا لكن ظاهر هذه الآثار المتضافرة عن بن عبّاسٍ يأباه وهو ترجمان القرآن وأعرف النّاس بالمراد لكن يحتمل أن يكون ما أطلقه إنّما هو في صورة ما إذا قاوم الواحد المسلم من جملة الصّفّ في عسكر المسلمين اثنين من الكفّار أمّا المنفرد وحده بغير العسكر فلا لأنّ الجهاد إنّما عهد بالجماعة دون الشّخص المنفرد وهذا فيه نظرٌ فقد أرسل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعض أصحابه سريّةً وحده وقد استوعب الطّبريّ وبن مردويه طرق هذا الحديث عن بن عبّاسٍ وفي غالبها التّصريح بمنع تولّي الواحد عن الإثنين واستدلّ بن عبّاسٍ في بعضها بقوله تعالى ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله وبقوله تعالى فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلّا نفسك قوله فلمّا خفّف اللّه عنهم من العدّة نقص من الصّبر كذا في رواية بن المبارك وفي رواية وهب بن جريرٍ عن أبيه عند الإسماعيليّ نقص من النّصر وهذا قاله بن عبّاسٍ توقيفًا على ما يظهر ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء). [فتح الباري: 8/312-313]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ الآن: {خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفا} (الأنفال: 66) الآية)
أي: هذا باب في قوله تعالى: الآن خفف الله عنكم} الآية. وهذا المقدار هو في رواية أبي ذر، وعند غيره إلى قوله: {والله مع الصابرين} (الأنفال: 46) قوله: (الآن) اسم للوقت الّذي أنت فيه، وهو ظرف غير منكر وقع معرفة ولم يدخل الألف واللّام عليه للتعريف لأنّه ليس له ما يشركه قوله: (ضعفا) بفتح الضّاد وقرئ بضمها وقرأ أبو جعفر: ضعفاء جمع ضعيف والضعف في العدد في قول أكثر العلماء وقيل: في القوّة والجلد.
- حدّثنا يحيى بن عبد الله السّلميّ أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا جرير بن حازم قال أخبرني الزّبير بن خرّيث عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال لمّا نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} (الأنفال: 66) شقّ ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ فجاء التّخفيف فقال: {الآن خفّف الله عنكم وعلم إنّ فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} قال فلمّا خفّف الله عنهم من العدّة نقص من الصّبر بقدر ما خفّف عنهم.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ويحيى بن عبد الله السّلميّ، بضم السّين المهملة وفتح اللّام، ويقال له: خاقان البلخي، وجرير، بفتح الجيم: ابن حازم بالحاء المهملة والزّاي، والزّبير بضم الزّاي ابن الحريث، بكسر الخاء المعجمة والرّاء المشدّدة وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثنّاة من فوق، البصريّ من صغار التّابعين والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد عن أبي توبة الرّبيع بن نافع. قوله: (من الصّبر) ، ووقع في رواية وهب بن جرير عن أبيه عند الإسماعيليّ نقص من النّصر، وهذا القول من ابن عبّاس توقيف في الظّاهر، ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء، والله أعلم). [عمدة القاري: 18/252-253]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} [الأنفال: 66] الآية
({الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا}) في القوة والجلد (الآية) زاد غير أبي ذر إلى قوله: {واللّه مع الصّابرين}.
- حدّثنا يحيى بن عبد اللّه السّلميّ، أخبرنا عبد اللّه بن المبارك، أخبرنا جرير بن حازمٍ قال: أخبرني الزّبير بن خرّيتٍ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شقّ ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ، فجاء التّخفيف فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} قال: فلمّا خفّف اللّه عنهم من العدّة نقص من الصّبر بقدر ما خفّف عنهم.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي) بضم السين وفتح اللام خاقان البلخي قال: (أخبرنا عبد الله بن المبارك) المروزي قال: (أخبرنا جرير بن حازم) بفتح جيم جرير وحازم بالحاء المهملة والزاي (قال: أخبرني) بالإفراد (الزبير) بضم الزاي (ابن خريت) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وبعد التحتية الساكنة فوقية بصري من صغار التابعين (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف) عنهم وعند ابن إسحاق من طريق عطاء عن ابن عباس فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى (فقال: {الآن خفف الله عنكم}) وسقط قوله فقال لأبي ذر ({وعلم أن فيكم ضعفًا}) في البدن أو في البصيرة ({فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين}) أمر بلفظ الخبر إذ لو كان خبرًا لم يقع بخلاف المخبر عنه، والمعنى في وجوب المصابرة لمثلينا أن المسلم على إحدى الحسنيين إما أن يقتل فيدخل الجنة أو يسلم فيفوز بالأجر والغنيمة والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا وقد زاد الإسماعيلي في الحديث ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم، والحاصل أنه يحرم على المقاتل الانصراف عن الصف إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا فلو لقي مسلم كافرين فله الانصراف وإن كان هو الذي طلبهما لأن فرض الجهاد والثبات إنما هو في الجماعة، لكن قال البلقيني الأظهر بمقتضى نص الشافعي في المختصر أنه ليس له الانصراف. (قال) ابن عباس (فلما خفف الله عنهم من العدة نقص) بالتخفيف (من الصبر بقدر ما خفف عنهم).
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد). [إرشاد الساري: 7/138]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمّ خفّف اللّه تعالى ذكره عن المؤمنين إذ علم ضعفهم فقال لهم: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} يعني أنّ في الواحد منهم عن لقاء العشرة من عدوّهم ضعفًا {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ} عند لقائهم للثّبات لهم {يغلبوا مائتين} منهم {وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين} منهم {بإذن اللّه} يعني بتخلية اللّه إيّاهم لغلبتهم ومعونته إيّاهم. {واللّه مع الصّابرين} لعدوّهم وعدوّ اللّه، احتسابًا في صبره وطلبًا لجزيل الثّواب من ربّه، بالعون منه له والنّصر عليه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن محبّبٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، في قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: كان الواحد لعشرةٍ، ثمّ جعل الواحد باثنين، لا ينبغي له أن يفرّ منهما.
- حدّثنا سعيد بن يحيى، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جعل على المسلمين على الرّجل عشرةٌ من الكفّار، فقال: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} فخفّف ذلك عنهم، فجعل على الرّجل رجلان. قال ابن عبّاسٍ: فما أحبّ أن يعلم النّاس تخفيف ذلك عنهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني عبد اللّه بن أبي نجيحٍ المكّيّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ومائةٌ ألفًا، فخفّف اللّه عنهم، فنسخها بالآية الأخرى فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين} قال: وكانوا إذا كانوا على الشّطر من عدوّهم لم ينبغ لهم أن يفرّوا منهم، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم أن يقاتلوا، وجاز لهم أن يتحوّزوا عنهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: كان لكلّ رجلٍ من المسلمين عشرةٌ لا ينبغي له أن يفرّ منهم، فكانوا كذلك حتّى أنزل اللّه: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} فعبّأ لكلّ رجلٍ من المسلمين رجلين من المشركين، فنسخ الأمر الأوّل. وقال مرّةً أخرى في قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} فأمر اللّه الرّجل من المؤمنين أن يقاتل عشرةً من الكفّار، فشقّ ذلك على المؤمنين ورحمهم اللّه، فقال: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين} فأمر اللّه الرّجل من المؤمنين أن يقاتل رجلين من الكفّار.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال} إلى قوله: {بأنّهم قومٌ لا يفقهون} وذلك أنّه كان جعل على كلّ رجلٍ من المسلمين عشرةً من العدوّ يؤشّبهم، يعني يغريهم بذلك ليوطّنوا أنفسهم على الغزو، وإنّ اللّه ناصرهم على العدوّ، ولم يكن أمرًا عزمه اللّه عليهم ولا أوجبه، ولكن كان تحريضًا ووصيّةً أمر اللّه بها نبيّه. ثمّ خفّف عنهم فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} فجعل على كلّ رجلٍ رجلين بعد ذلك تخفيفًا، ليعلم المؤمنون أنّ اللّه بهم رحيمٌ، فتوكّلوا على اللّه وصبروا وصدقوا، ولو كان عليهم واجبًا الغزو إذن بعد كلّ رجلٍ من المسلمين عمّن لقي من الكفّار إذا كانوا أكثر منهم فلم يقاتلوهم. فلا يغرّنّك قول رجالٍ، فإنّي قد سمعت رجالاً يقولون: إنّه لا يصلح لرجلٍ من المسلمين أن يقاتل حتّى يكون على كلّ رجلٍ رجلان، وحتّى يكون على كلّ رجلين أربعةٌ، ثمّ بحساب ذلك، وزعموا أنّهم يعصون اللّه إن قاتلوا حتّى يبلغوا عدّة ذلك، وإنّه لا حرج عليهم أن لا يقاتلوا حتّى يبلغوا عدّة أن يكون على كلّ رجلٍ رجلان، وعلى كلّ رجلين أربعةٌ، وقد قال اللّه: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه واللّه رءوفٌ بالعباد} وقال اللّه: {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلاّ نفسك وحرّض المؤمنين} فهو التّحريض الّذي أنزل اللّه عليهم في الأنفال، فلا يعجزك قائلٌ: قد سقطت بين ظهري أناسٍ كما شاء اللّه أن يكونوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، والحسن، قالا: قال في سورة الأنفال: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون} ثمّ نسخ فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} إلى قوله: {واللّه مع الصّابرين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن عكرمة، في قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون} قال: واحدٌ من المسلمين وعشرةٌ من المشركين، ثمّ خفّف عنهم فجعل عليهم أن لا يفرّ رجلٌ من رجلين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون} إلى قوله: {وإن يكن منكم مائةٌ} قال: هذا لأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، جعل على الرّجل منهم عشرةً من الكفّار، فضجّوا من ذلك، فجعل على الرّجل رجلين تخفيفًا من اللّه.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينارٍ، وأبي معبدٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّما أمر الرّجل أن يصبّر نفسه لعشرةٍ، والعشرة لمائةٍ إذ المسلمون قليلٌ، فلمّا كثر المسلمون خفّف اللّه عنهم، فأمر الرّجل أن يصبر لرجلين، والعشرة للعشرين، والمائة للمائتين.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مائتين أن لا يفرّوا فإنّهم إن لم يفرّوا غلبوا، ثمّ خفّف اللّه عنهم وقال: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين} فيقول: لا ينبغي أن يفرّ ألفٌ من ألفين، فإنّهم إن صبروا لهم غلبوهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين} جعل اللّه على كلّ رجلٍ رجلين بعدما كان على كلّ رجلٍ عشرةٌ وهذا الحديث عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن جرير بن حازمٍ، عن الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: كان فرض على المؤمنين أن يقاتل الرّجل منهم عشرةً من المشركين، قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا} فشقّ ذلك عليهم، فأنزل اللّه التّخفيف، فجعل على الرّجل أن يقاتل الرّجلين، قوله: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} فخفّف اللّه عنهم، ونقصوا من الصّبر بقدر ذلك.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} يقول: يقاتلوا مائتين، فكانوا أضعف من ذلك، فنسخها اللّه عنهم، فخفّف فقال: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} فجعل أوّل مرّةٍ الرّجل لعشرةٍ، ثمّ جعل الرّجل لاثنين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مائتين أن لا يفرّوا، فإنّهم إن لم يفرّوا غلبوا، ثمّ خفّف اللّه عنهم فقال: {فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه} فيقول: لا ينبغي أن يفرّ ألفٌ من ألفين، فإنّهم إن صبروا لهم غلبوهم.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: كان هذا واجبًا أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ.
- وبه قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، مثل ذلك. وأما قوله: {بأنّهم قومٌ لاّ يفقهون} فقد بيّنّا تأويله.
- وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما: حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {بأنّهم قومٌ لا يفقهون} أي لا يقاتلون على نيّةٍ، ولا حقٍّ فيه، ولا معرفةٍ لخيرٍ ولا شرٍّ.
وهذه الآية، أعني قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} وإن كان مخرجها مخرج الخبر، فإنّ معناها الأمر، يدلّ على ذلك قوله: {الآن خفّف اللّه عنكم} فلم يكن التّخفيف إلاّ بعد التّثقيل، ولو كان ثبوت العشرة منهم للمائة من عدوّهم كان غير فرضٍ عليهم قبل التّخفيف وكان ندبًا لم يكن للتّخفيف وجهٌ؛ لأنّ التّخفيف إنّما هو ترخيصٌ في ترك الواحد من المسلمين الثّبوت للعشرة من العدوّ، وإذا لم يكن التّشديد قد كان له متقدّمًا لم يكن للتّرخيص وجهٌ؛ إذ كان المفهوم من التّرخيص إنّما هو بعد التّشديد. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن حكم قوله: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} ناسخٌ لحكم قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا}، وقد بيّنّا في كتابنا لطيف البيان عن أصول الأحكام أنّ كلّ خبرٍ من اللّه وعد فيه عباده على عملٍ ثوابًا وجزاءً، وعلى تركه عقابًا وعذابًا وإن لم يكن خارجًا ظاهره مخرج الأمر، ففي معنى الأمر، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وعلم أنّ فيكم ضعفًا}.
فقرأه بعض المدنيّين وبعض البصريّين: (وعلم أنّ فيكم ضعفًا) بضمّ الضّاد في جميع القرآن وتنوين الضّعف على المصدر من ضعف الرّجل ضعفًا.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {وعلم أنّ فيكم ضعفًا} بفتح الضّاد على المصدر أيضًا من ضعف.
وقرأه بعض المدنيّين: (ضعفاء) على تقدير فعلاء، جمع ضعيفٍ على ضعفاء كما يجمع الشّريك شركاء والرّحيم رحماء.
وأولى القراءة في ذلك بالصّواب قراءة من قرأه: {وعلم أنّ فيكم ضعفًا} و(ضعفًا)، بفتح الضّاد أو ضمّها؛ لأنّهما القراءتان المعروفتان، وهما لغتان مشهورتان في كلام العرب فصيحتان بمعنًى واحدٍ، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ الصّواب.
فأمّا قراءة من قرأ ذلك: ضعفاء فإنّها عن قراءة القرّاء شاذّةٌ، وإن كان لها في الصّحّة مخرجٌ، فلا أحبّ لقارئٍ القراءة بها). [جامع البيان: 11/262-270]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مئةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين (66)
قوله تعالى: الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: فلمّا هزم اللّه المشركين وقطع دابرهم، خفّف على المسلمين بعد ذلك فنزلت الآن خفّف اللّه عنكم يعني: بعد قتال بدرٍ.
قوله تعالى: فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ ثنا زكريّا بن منظورٍ حدّثني محمّد بن عقبة عن عمّه ثعلبة بن أبي مالكٍ قال: بات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مسجدٍ وراء بني حارثة عند الشخين، ومعه جدّي أبو مالكٍ وأصيب يوم حنينٍ وكان من المائة الصّابرة.
قوله تعالى: يغلبوا مائتين
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا يعني: يقتلوا مائتين من المشركين.
قوله تعالى: وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين يعني: ألف رجلٍ يغلبوا، يعني: يقتلوا ألفين من المشركين بإذن اللّه.
قوله تعالى: واللّه مع الصّابرين
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ واللّه مع الصّابرين يعني: من المسلمين في النّصر لهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1729-1730]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ د) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} [الأنفال: 65] كتب عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ، ولا عشرون من مائتين، ثم نزلت: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} [الأنفال: 66] فكتب أن لا يفرّ مائة من مائتين. أخرجه البخاري.
وفي أخرى له، ولأبي داود قال: لمّا نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شقّ ذلك على المسلمين، فنزل {الآن خفّف اللّه عنكم... } الآية، قال: فلمّا خفّف الله عنهم من العدّة نقص عنهم من الصّبر بقدر ما خفّف عنهم). [جامع الأصول: 2/148]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا يزيد بن هارون، أبنا محمّد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- قال: "فرض على المسلمين أن يقاتل الرّجل من المسلمين العشرة من المشركين قوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الذين كفروا) فكبر ذلك عليهم فخفّف اللّه عنهم فأنزل اللّه- تعالى- (الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله) .
- قال: وثنا ابن عليّة، ثنا ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ "أيّما رجلٍ فرّ من ثلاثةٍ فلم يفرّ، فإن فرّ من اثنين فقد فرّ".
- قال: وثنا يزيد، أبنا جرير بن حازمٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ بمثله، وزاد في حديثه: "ونقصوا من الصبر-، بقدر ذلك"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/213-214] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 65 - 66
أخرج البخاري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سفيان بن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا} فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة وأن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت {الآن خفف الله عنكم} الآية، فكتب أن لا يفر مائة من مائتين قال سفيان: وقال ابن شبرمة رضي الله عنه: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا إن كانا رجلين أمرهما وإن كانا ثلاثة فهو في سعة من تركهم.
وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: افترض أن يقاتل كل رجل عشرة فثقل ذلك عليهم وشق عليهم فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين فأنزل الله في ذلك {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} إلى آخر الآيات.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: افترض عليهم أن يقاتل كل رجل عشرة فثقل ذلك عليهم وشق عليهم فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين فأنزل الله في ذلك {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} إلى آخر الآيات.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية: {يا أيها النّبيّ حرض المؤمنين على القتال} ثقلت على المسلمين فأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ومائة ألفا فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} الآية، قال: فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحرزوا عنهم ثم عاتبهم في الأسارى وأخذ المغانم ولم يكن أحد قبله من الأنبياء عليهم السلام يأكل مغنما من عدو هو لله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون} الآية، قال: ففرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم فجهد الناس ذلك وشق عليهم فنزلت الآية {الآن خفف الله عنكم} إلى قوله {ألفين} ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم ونقص من الصبر بقدر ما تخفف عنهم من العدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {إن يكن منكم عشرون} الآية، قال: كان يوم بدر جعل الله على المسلمين أن يقاتل الرجل الواحد منهم عشرة من المشركين لقطع دابرهم فلما هزم الله المشركين وقطع دابرهم خفف على المسلمين بعد ذلك فنزلت {الآن خفف الله عنكم} يعني بعد قتال بدر.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت في أهل بدر شدد عليهم فجاءت الرخصة بعد.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل الله كل رجل منهم يقاتل عشرة من الكفار فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل منهم قتال رجلين تخفيف من الله عز وجل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمير رضي الله عنهما في قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن عدي والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} رفع.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ، أنه قرأ {وعلم أن فيكم ضعفا}.
وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {وعلم أن فيكم ضعفا} وقرأ كل شيء في القرآن ضعف). [الدر المنثور: 7/193-197] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:25 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}


تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك...}
جاء التفسير: يكفيك الله ويكفى من اتبعك؛ فموضع الكاف في {حسبك} خفض. و{من} في موضع نصب على التفسير؛ كما قال الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا =فحسبك والضّحاك سيفٌ مهنّد
وليس بكثير من كلامهم أن يقولوا: حسبك وأخاك، حتى يقولوا: حسبك وحسب أخيك، ولكنا أجرناه لأن في {حسبك} معنى واقعٍ من الفعل، رددناه على تأويل الكاف لا على لفظها؛ كقوله: {إنّا منجّوك وأهلك} فردّ الأهل على تأويل الكاف. وإن شئت جعلت {من}في موضع رفع، وهو أحبّ الوجهين إليّ؛ لأن التلاوة تدلّ على معنى الرفع؛ ألا ترى أنه قال:
{إن يكن مّنكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين...} ). [معاني القرآن: 1/417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [آية: 64]
أي الله يكفيك ويكفي من اتبعك
وقيل المعنى ومن اتبعك ينصرك). [معاني القرآن: 3/168]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {إن يكن مّنكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين...}
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يغزي أصحابه على أنّ العشرة للمائة، والواحد للعشرة، فكانوا كذلك، ثم شقّ عليهم أن يقرن الواحد للعشرة فنزل:
{الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن مّنكم مّئةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن مّنكم ألفٌ يغلبوا ألفين}.
فبين الله قوّتهم أوّلا وآخرا. وقد قال هذا القول الكسائيّ ورفع {من} ). [معاني القرآن: 1/417-418]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الّذين كفروا بأنّهم قوم لا يفقهون}
تأويله حثّهم على القتال.
وتأويل التحريض في اللغة أن يحث الإنسان على الشيء حثّا يعلم معه أنه حارض إن تخلف عنه، والحارض الذي قد قارب الهلاك، وقوله تعالى:
[معاني القرآن: 2/423]
{حتى تكون حرضا} أي حتى تذوب غمّا فتقارب الهلاك فتكون من الهالكين.
وقوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون}.
لا يجوز إلا كسر العين. وزعم أهل اللغة أن أول عشرين كسر كما كسر أول اثنين، لأن عشرين من عشرة مثل اثنين من واحد.
ودليلهم على ذلك فتحهم ثلاثين كفتح ثلاثة.
وكسرة تسعين ككسرة تسعة). [معاني القرآن: 2/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} [آية: 65]
التحريض الحث الشديد وهو مأخوذ من الحرض وهو المقاربة
للهلاك أي حثهم حتى يعلم من يخالف أنه قد قارب الهلاك
قال جل عز: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} [آية: 65] ثم قال ابن عباس فرض على الرجل أن يقاتل عشرة ثم سهل عليهم فقال الآن خفف الله عنكم إلى قوله: {والله مع الصابرين} وكتب عليهم أن لا يفر مائة من مائتين
قال ابن شبرمة وأنا أرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذا
وروى الأعمش عن مرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم بدر جيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما ترون في هؤلاء الأسرى)) فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم فلعل الله يتوب عليهم فقال عمر:
يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وذكر الحديث وقال فيه فأنزل الله). [معاني القرآن: 3/168- 170]

تفسير قوله تعالى: (الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {إن يكن مّنكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين...}
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يغزي أصحابه على أنّ العشرة للمائة، والواحد للعشرة، فكانوا كذلك، ثم شقّ عليهم أن يقرن الواحد للعشرة فنزل:
{الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن مّنكم مّئةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن مّنكم ألفٌ يغلبوا ألفين}.
فبين الله قوّتهم أوّلا وآخرا. وقد قال هذا القول الكسائيّ ورفع {من}). [معاني القرآن: 1/417-418 ] (م)
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {فإن يكن منكم مائة صابرة} بالياء، والأعرج {تكن} بالتاء، وقد فسرنا ذلك في صدر الكتاب.
الحسن في كلهن {يكن}.
وأبو عمرو {يكن} بالياء حتى يبلغ {مائة صابرة} ثم يجعلها {تكن} بالتاء.
قال أبو علي: وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {ضعفا} وهي قراءة أبي عمرو.
والحسن {ضعفا} بنصب الضاد.
أبو جعفر المدني {وعلم أن فيكم ضعفاء} على فعلاء). [معاني القرآن لقطرب: 618]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين})
{وعلم أنّ فيكم ضعفا}.
قرئت على ثلاثة أوجه: قرئت ضعفا بفتح الضاد، وضعفا بضم الضاد والمعنى واحد، يقال هو الضعف والضّعف، والمكث والمكث، والفقر والفقر، وباب فعل وفعل بمعنى واحد في اللغة كثير.
وقرأ بعض الشيخة: وعلم أن فيكم ضعفاء على فعلاء، على جمع ضعيف وضعفاء ولم يصرف ولم ينوّن لأن فعلاء في آخرها ألف التأنيث.
{فإن يكن منكم مائة صابرة}
وقرئت { فإن تكن } بالتاء، فمن أنث فلأن لفظ المائة مؤنث، ومن ذكّر فلأنّ المائة وقعت على عدد فذكّر). [معاني القرآن: 2/424]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:54 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) }

قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (تفسير قوله تعالى {إن الله كان على كل شيء حسيبا}
وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: في قوله عز وجل: {إن الله كان على كل شيء حسيبًا} أربعة أقوال، يقال: عالما، ويقال: مقتدرا، ويقال: كافيًا، ويقال: محاسبًا، فالذي يقول: كافيًا، يحتجّ بقوله جل وعز: {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه} [الأنفال: 64] ، أي: كافيك الله، وبقوله عز وجل: {عطاءً حسابًا} [النبأ: 36] أي كافيًا، وبقول الشاعر:

إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا = فحسبك والضّحّاك سيفٌ مهنّد
أي يكفيك ويكفي الضحاك، وبقول امرئ القيس:
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا = وحسبك من غنىً شبع ورى
أي يكفيك الشّبع والرّيّ، وتقول العرب: أحسبني الشيء يحسبني إحسابًا وهو محسبٌ، قال الشاعر:
وإذ ما أرى في الناس حسنًا يفوقها = وفيهنّ حسنٌ لو تأملّت محسب
ويقول الآخر:
ونقفى وليد الحيّ إن كان جائعًا = ونحسبه إن كان ليس بجائع
أي نعطيه حتى يقول: حسبي أي كفاني، وقالت الخنساء:
يكّبون العشار لمن أتاهم = إذا لم تحسب المائة الوليدا
والذي يجعله بمعنى محاسب يحتجّ بقول قيس المجنون:

دعا المحرمون الله يستغفرونه = بمكة يومًا أن تمحي ذنوبها
وناديت يا رباه أوّل سؤلتي = لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فمعناه أنت محاسبها على ظلمها.
والذي يقول: عالما، يحتج بقول المخبّل السّعدي:
فلا تدخلنّ الدّهر قبرك حوبةً = يقوم بها يومًا عليك حسيب
أي محاسبك عليها عالم بظالمك والذي قال مقتدرًا، لم يحتجّ بشيء: والقولان الأوّلان صحيحان في الاشتقاق مع الرواية، والقولان الآخران لا يصحّان في الاشتقاق، ألا تراه قال في تفسير بيت المخّبل السّعدي: محاسبك عليها عالم بظلمك، فالحسيب في بيته المحاسب وهو بمنزلة قول العرب: الشّريب للمشارب). [الأمالي: 2/262]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) }

تفسير قوله تعالى: {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين قال النقاش: نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال، وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج خاصة، قال ويقال إنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين، قاله ابن عمر وأنس، فهي على هذا مكية، وحسبك في كلام العرب وشرعك بمعنى كافيك ويكفيك، والمحسب الكافي، وقالت فرقة: معنى هذه الآية يكفيك الله ويكفيك من اتبعك من المؤمنين، ف من في هذا التأويل رفع عطفا على اسم الله عز وجل، وقال عامر الشعبي وابن زيد: معنى الآية حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، ف من في هذا التأويل في موضع نصب عطفا على موضع الكاف، لأن موضعها نصب على المعنى ليكفيك التي سدّت حسبك مسدّها، ويصح أن تكون من في موضع خفض بتقدير محذوف كأنه قال وحسب وهذا كقول الشاعر: [المتقارب]
أكلّ امرئ تحسبين امرأ = ونار توقّد بالليل نارا
التقدير وكل نار، وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه بابه ضرورة الشعر، ويروى البيت ونارا، ومن نحو هذا قول الشاعر: [الطويل]
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا = فحسبك والضحّاك سيف مهند
يروى «الضحاك» مرفوعا والضحاك منصوبا والضحاك مخفوضا فالرفع عطف على قوله سيف بنية التأخير كما قال الشاعر:
... ... ... ... = عليك ورحمة الله السلام
ويكون «الضحاك» على هذا محسبا للمخاطب، والنصب عطفا على موضع الكاف من قوله «حسبك» والمهند على هذا محسب للمخاطب، والضحاك على تقدير محذوف كأنه قال فحسبك الضحاك). [المحرر الوجيز: 4/ 233-234]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفاً من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون (65) الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين (66)
قوله حرّض معناه حثهم وحضهم، قال النقاش وقرئت «حرص» بالصاد غير منقوطة والمعنى متقارب والحارض الذي هو القريب من الهلاك لفظة مباينة لهذه ليست منها في شيء، وقالت فرقة من المفسرين: المعنى حرض على القتال حتى يبين لك فيمن تركه أنه حرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول غير ملتئم ولا لازم من اللفظ، ونحا إليه الزجّاج، والقتال مفترض على المؤمنين بغير هذه الآية، وإنما تضمنت هذه الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بتحريضهم على أمر قد وجب عليهم من غير هذا الموضع، وقوله إن يكن إلى آخر الآية في لفظ خبر ضمنه وعد بشرط لأن قوله إن يكن منكم عشرون صابرون بمنزلة أن يقال إن يصبر منكم عشرون يغلبوا، وفي ضمنه الأمر بالصبر وكسرت العين من «عشرون» لأن نسبة عشرين من عشرة نسبة اثنين من واحد فكما جاء أول اثنين مكسورا كسرت العين من عشرين ثم اطرد في جموع أجزاء العشرة، فالمفتوح كأربعة وخمسة وسبعة فتح أول جمعه، والمكسور كستة وتسعة كسر أول جمعه، هذا قول سيبويه، وذهب غيره إلى أن عشرين جمع عشر الإبل وهو وردها للتسع، فلما كان في عشرة وعشرة عشر وعشر ويومان من الثالث جمع ذلك على عشرين، كما قال امرؤ القيس:
... ... ... ... = ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
لما كان في الثلاثين حول وحول وبعض الثالث وتظاهرت الروايات عن ابن عباس وغيره من الصحابة بأن ثبوت الواحد للعشرة كان فرضا من الله عز وجل على المؤمنين ثم لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو النسخ لأنه رفع حكم مستقر بحكم آخر شرعي، وفي ضمنه التخفيف، إذ هذا من نسخ الأثقل بالأخف، وذهب بعض الناس إلى أن ثبوت الواحد للعشرة إنما كان على جهة ندب المؤمنين إليه، ثم حط ذلك حين ثقل عليهم إلى ثبوت الواحد للاثنين، وروي أيضا هذا عن ابن عباس، قال كثير من المفسرين: وهذا تخفيف لا نسخ إذ لم يستقر لفرض العشرة حكم شرعي، قال مكي: وإنما هو كتخفيف الفطر في السفر وهو لو صام لم يأثم وأجزأه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا نظر، ولا يمتنع كون المنسوخ مباحا من أن يقال نسخ، واعتبر ذلك في صدقة النجوي، وهذه الآية التخفيف فيها نسخ للثبوت للعشرة، وسواء كان الثبوت للعشرة فرضا أو ندبا هو حكم شرعي على كل حال، وقد ذكر القاضي ابن الطيب أن الحكم إذا نسخ بعضه أو بعض أوصافه أو غير عدده فجائز أن يقال له نسخ لأنه حينئذ ليس بالأول وهو غيره، وذكر في ذلك خلافا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي يظهر في ذلك أن النسخ إنما يقال حينئذ على الحكم الأول مقيدا لا بإطلاق واعتبر ذلك في نسخ الصلاة إلى بيت المقدس،
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «إن يكن منكم مائة» في الموضعين بياء على تذكير العلامة، ورواها خارجة عن نافع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بحسب المعنى لأن الكائن في تلك المائة إنما هم رجال فذلك في الحمل على المعنى كقوله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] إذ أمثالها حسنات، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر «إن تكن منكم مائة» في الموضعين على تأنيث العلامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بحسب اللفظ والمقصد كأنه أراد إن تكن فرقة عددها مائة وقرأ أبو عمرو بالياء في صدر الآية وبالتاء في آخرها، ذهب في الأولى إلى مراعاة يغلبوا وفي الثانية إلى مراعاة صابرةٌ قال أبو حاتم: وقرأ «إن تكن» بالتاء من فوق منكم «عشرون صابرون» الأعرج وجعلها كلها على «ت».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: إلا قوله وإن يكن منكم ألفٌ فإنه لا خلاف في الياء من تحت، قوله لا يفقهون معناه لا يفهمون مراشدهم ولا مقصد قتالهم لا يريدون به إلا الغلبة الدنياوية، فهم يخافون إذا صبر لهم، ومن يقاتل ليغلب أو يستشهد فيصير إلى الجنة أثبت قدما لا محالة). [المحرر الوجيز: 4/ 234-237]

تفسير قوله تعالى: {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وروى المفضل عن عاصم «وعلم» بضم العين وكسر اللام على البناء للمفعول، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وابن عمرو والحسن والأعرج وابن القعقاع وقتادة وابن أبي إسحاق «ضعفا» بضم الضاد وسكون العين، وقرأ عاصم وحمزة وشيبة وطلحة «ضعفا» بفتح الضاد وسكون العين، وكذلك اختلافهم في سورة الروم، وقرأ عيسى بن عمر «ضعفا» بضم الضاد والعين وذكره النقاش، وهي مصادر بمعنى واحد، قال أبو حاتم: من ضم الضاد جاز له ضم العين وهي لغة، وحكى سيبويه الضّعف والضّعف لغتان بمنزلة الفقر والفقر، حكى الزهراوي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: ضم الضاد لغة أهل الحجاز وفتحها لغة تميم ولا فرق بينهما في المعنى، وقال الثعالبي في كتاب فقه اللغة له: الضّعف بفتح الضاد في العقل والرأي، والضّعف بضمها في الجسم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ترده القراءة وذكره أبو غالب بن التياني غير منسوب، وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع أيضا «ضعفاء» بالجمع كظريف وظرفاء، وحكاها النقاش عن ابن عباس، وقوله واللّه مع الصّابرين لفظ خبر في ضمنه وعد وحض على الصبر، ويلحظ منه وعيد لمن لم يصبر بأنه يغلب). [المحرر الوجيز: 4/ 237-238]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:12 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:12 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين (64) يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا بأنّهم قومٌ لا يفقهون (65) الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين (66)}
يحرّض تعالى نبيّه، صلوات اللّه وسلامه عليه، والمؤمنين على القتال ومناجزة الأعداء ومبارزة الأقران، ويخبرهم أنّه حسبهم، أي: كافيهم وناصرهم ومؤيّدهم على عدوّهم، وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم، ولو قلّ عدد المؤمنين.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأنا سفيان، عن شوذبٍ عن الشّعبيّ في قوله: {يا أيّها النّبيّ حسبك اللّه ومن اتّبعك من المؤمنين} قال: حسبك اللّه، وحسب من شهد معك.
قال: وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ، وعبد الرّحمن بن زيد [بن أسلم] مثله). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 86]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولهذا قال: {يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال} أي: حثّهم وذمّر عليه، ولهذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحرّض على القتال عند صفّهم ومواجهة العدوّ، كما قال لأصحابه يوم بدرٍ، حين أقبل المشركون في عددهم وعددهم: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض". فقال عمير بن الحمام: عرضها السموات والأرض؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "نعم" فقال: بخٍ بخٍ، فقال: "ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟ " قال رجاء أن أكون من أهلها! قال: "فإنّك من أهلها" فتقدّم الرّجل فكسر جفن سيفه، وأخرج تمراتٍ فجعل يأكل منهنّ، ثمّ ألقى بقيّتهنّ من يده، وقال: لئن أنا حييت حتّى آكلهنّ إنّها لحياةٌ طويلةٌ! ثمّ تقدّم فقاتل حتى قتل، رضي الله عنه
وقد روي عن سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ: أنّ هذه الآية نزلت حين أسلم عمر بن الخطّاب، وكمل به الأربعون.
وفي هذا نظرٌ؛ لأنّ هذه الآية مدنيّةٌ، وإسلام عمر كان بمكّة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة، واللّه أعلم.
ثمّ قال تعالى مبشّرًا للمؤمنين وآمرًا: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفًا من الّذين كفروا} كلّ واحدٍ بعشرةٍ ثمّ نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة.
قال عبد اللّه بن المبارك: حدّثنا جرير بن حازمٍ، حدّثني الزّبير بن الخرّيت عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شقّ ذلك على المسلمين حين فرض اللّه عليهم ألّا يفرّ واحدٌ من عشرةٍ، ثمّ جاء التّخفيف، فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم} إلى قوله: {يغلبوا مائتين} قال: خفّف اللّه عنهم من العدّة، ونقص من الصّبر بقدر ما خفّف عنهم.
وروى البخاريّ من حديث ابن المبارك، نحوه
وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية قال: كتب عليهم ألّا يفرّ عشرون من مائتين، ثمّ خفّف اللّه عنهم، فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} فلا ينبغي لمائةٍ أن يفرّوا من مائتين.
وروى البخاريّ، عن عليّ بن عبد الله، عن سفيان، به ونحوه
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائةٌ ألفًا، فخفّف اللّه عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} الآية، فكانوا إذا كانوا على الشّطر من عدوٍّ لهم لم ينبغ لهم أن يفرّوا من عدوّهم، وإذا كانوا دون ذلك، لم يجب عليهم قتالهم، وجاز لهم أن يتحوّزوا عنهم.
وروى عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، نحو ذلك. قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، وعكرمة، والحسن، وزيد بن أسلم، وعطاءٍ الخراسانيّ، والضّحّاك نحو ذلك.
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه، من حديث المسيّب بن شريكٍ، عن ابن عونٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، رضي اللّه عنهما: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت فينا أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروى الحاكم في مستدركه، من حديث أبي عمرو بن العلاء، عن نافعٍ، عن ابن عمر؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا} رفعٌ، ثمّ قال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 86-88]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة