العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 05:24 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (78) إلى الآية (82) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (78) إلى الآية (82) ]


{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 08:59 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتب إلا أماني} قال:
«أمثال البهائم لا يعلمون شيئا»، قال: {إلا أماني} قال: «يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 50]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم إلاّ يظنّون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ومنهم أمّيّون} ومن هؤلاء اليهود الّذين قصّ اللّه قصصهم في هذه الآيات، وأيأس أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من إيمانهم، فقال لهم: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه} وهم إذا لقوكم قالوا آمنّا.
- كما حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{ومنهم أمّيّون} يعني من اليهود».
- وحدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ومنهم أمّيّون} قال:«أناسٌ من يهود».
قال أبو جعفرٍ: يعني بالأمّيّين: الّذين لا يكتبون ولا يقرءون، ومنه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّا أمّةٌ أمّيّةٌ لا نكتب ولا نحسب».
يقال منه رجلٌ أمّيٌّ بين الأمّيّة.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثني سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب} قال: «منهم من لا يحسن أن يكتب».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {ومنهم أمّيّون} قال: «أمّيّون لا يقرءون الكتاب من اليهود».
- وروي عن ابن عبّاسٍ قولٌ خلاف هذا القول، وهو ما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ومنهم أمّيّون} قال: «الأمّيّون قومٌ لم يصدّقوا رسولاً أرسله اللّه، ولا كتابًا أنزله اللّه، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثمّ قالوا لقومٍ سفلةٍ جهّالٍ: {هذا من عند اللّه}». وقال: «قد أخبر أنّهم يكتبون بأيديهم، ثمّ سمّاهم أمّيّين لجحودهم كتب اللّه ورسله».
وهذا التّأويل تأويلٌ على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أنّ الأمّيّ عند العرب هو الّذي لا يكتب.
قال أبو جعفرٍ: وأرى أنّه قيل للأمّيّ أمّيٌّ نسبةً له بأنّه لا يكتب إلى أمّه، لأنّ الكتاب كان في الرّجال دون النّساء، فنسب من لا يكتب ولا يخطّ من الرّجال إلى أمّه في جهله بالكتابة دون أبيه، كما ذكرنا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من قوله: «إنّا أمّةٌ أمّيّةٌ لا نكتب ولا نحسب»، وكما قال: {هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولاً منهم}.
فإذا كان معنى الأمّيّ في كلام العرب ما وصفنا، فالّذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النّخعيّ من أنّ معنى قوله: {ومنهم أمّيّون}: «ومنهم من لا يحسن أن يكتب»). [جامع البيان: 2/ 152-154]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ}.
يعني بقوله: {لا يعلمون الكتاب} لا يعلمون ما في الكتاب الّذي أنزله اللّه ولا يدرون ما أودعه اللّه من حدوده وأحكامه وفرائضه كهيئة البهائم.
- كالّذي حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ}: «إنّما هم أمثال البهائم لا يعلمون شيئًا».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {لا يعلمون الكتاب} يقول: «لا يدرون ما فيه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية:«{لا يعلمون الكتاب}لا يدرون ما فيه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لا يعلمون الكتاب} قال:«لا يدرون ما فيه».
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ:«{لا يعلمون الكتاب}لا يعلمون شيئًا، لا يقرءون التّوراة ليست تستظهر إنّما تقرأ هكذا، فإذا لم يكتب أحدهم لم يستطع أن يقرأه».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {لا يعلمون الكتاب} يقول: «لا يعرفون الكتاب الّذي أنزله اللّه».
قال أبو جعفرٍ: وإنّما عني بالكتاب: التّوراة، ولذلك أدخلت فيه الألف واللاّم لأنّه قصد به كتابٌ معروفٌ بعينه.
ومعناه: ومنهم فريقٌ لا يكتبون ولا يدرون ما في الكتاب الّذي عرفتموه الّذي هو عندهم وهم ينتحلونه ويدّعون الإقرار به من أحكام اللّه وفرائضه وما فيه من حدوده الّتي بيّنها فيه.
واختلف أهل التأويل فى تأويل قوله: {إلاّ أمانيّ}.
- فقال بعضهم بما
حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ أمانيّ} يقول: «إلاّ قولاً يقولونه بأفواههم كذبًا».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ} إلاّ كذبًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وقال آخرون بما
حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إلاّ أمانيّ} يقول: «يتمنّون على اللّه ما ليس لهم».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {إلاّ أمانيّ} يقول:«يتمنّون على اللّه الباطل وما ليس لهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، عن معاويه بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ} يقول: «إلاّ أحاديث».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ} قال: «أناسٌ من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا، وكانوا يتكلّمون بالظّنّ بغير ما في كتاب اللّه، ويقولون هو من الكتاب، أمانيّ يتمنّونها».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{إلاّ أمانيّ} يتمنّون على اللّه ما ليس لهم».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {إلاّ أمانيّ} قال: «تمنّوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم».
وأولى ما روّينا في تأويل قوله: {إلاّ أمانيّ} بالحقّ وأشبهه بالصّواب، الّذي قاله ابن عبّاسٍ، الّذي رواه عنه الضّحّاك، وقول مجاهدٍ: «إنّ الأمّيّين الّذين وصفهم اللّه بما وصفهم به في هذه الآية أنّهم لا يفقهون من الكتاب الّذي أنزله اللّه على موسى شيئًا، ولكنّهم يتخرّصون الكذب ويتقوّلون الأباطيل كذبًا وزورًا».

والتّمنّي في هذا الموضع: هو تخلّق الكذب وتخرّصه وافتعاله، يقال منه: تمنّيت كذا: إذا افتعلته وتخرّصته.
ومنه الخبر الّذي روي عن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه: «ما تعتيت ولا تمنّيت». يعني بقوله: «ما تمنّيت»: ما تخرّصت الباطل ولا اختلقت الكذب والإفك.
والّذي يدلّ على صحّة ما قلنا في ذلك وأنّه أولى بتأويل قوله: {إلاّ أمانيّ} من غيره من الأقوال، قول اللّه جلّ ثناؤه: {وإنّ هم إلاّ يظنّون} فأخبر عنهم جلّ ثناؤه أنّهم يتمنّون ما يتمنّون من الأكاذيب ظنًّا منهم لا يقينًا.
ولو كان معنى ذلك أنّهم يتلونه بما يكونوا ظانّين، وكذلك لو كان معناه: يشتهونه؛ لأنّ الّذي يتلوه إذا تدبّره علمه، ولا يستحقّ الّذي يتلو كتابًا قرأه وإن لم يتدبّره بتركه التّدبير أن يقال: هو ظانٌّ لما يتلو إلاّ أن يكون شاكًّا في نفس ما يتلوه لا يدري أحقٌّ هو أم باطلٌ. ولم يكن القوم الّذين كانوا يتلون التّوراة على عصر نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من اليهود فيما بلغنا شاكّين في التّوراة أنّها من عند اللّه. وكذلك المتمنّي الّذي هو في معنى المشتهي غير جائزٍ أن يقال: هو ظانٌّ تمنّيه، لأنّ التّمنّي من المتمنّي إذا تمنّى ما قد وجدت عينه فغير جائزٍ أن يقال: هو شاكٌّ فيما هو به عالمٌ؛ لأنّ العلم والشّكّ معنيان ينفي كلّ واحدٍ منهما صاحبه لا يجوز اجتماعهما في جزٍء واحدٍ، والمتمنّي في حال تمنّيه موجودٌ تمنيه فغير جائزٍ أن يقال: هو يظنّ تمنّيه. وإنّما قيل: {لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ}. والأمانيّ من غير نوع الكتاب، كما قال ربّنا جلّ ثناؤه: {ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} والظّنّ من العلم بمعزلٍ، وكما قال: {وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى إلاّ ابتغاء وجه ربّه الأعلى} وكما قال الشّاعر:
ليس بيني وبين قيسٍ عتابٌ ....... غير طعن الكلى وضرب الرّقاب
وكما قال نابغة بني ذبيان:
حلفت يمينًا غير ذي مثنويّةٍ ....... ولا علم إلاّ حسن ظنٍّ بصاحب
في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب.
ويخرج بإلاّ ما بعدها من معنى ما قبلها، ومن صفته، وإن كان كلّ واحدٍ منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه، ويسمّي ذلك بعض أهل العربيّة استثناءً منقطعًا لانقطاع الكلام الّذي يأتي بعد إلاّ عن معنى ما قبلها. وإنّما يكون ذلك كذلك في كلّ موضعٍ حسن أن يوضع فيه مكان إلاّ لكن، فيعلم حينئذٍ انقطاع معنى الثّاني عن معنى الأوّل، ألا ترى أنّك إذا قلت: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ}
ثمّ أردت وضع لكن مكان إلاّ وحذف إلاّ، وجدت الكلام صحيحًا معناه صحّته وفيه إلاّ؟ وذلك إذا قلت: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب} لكن أمانيّ، يعني لكنّهم يتمنّون، وكذلك قوله: {ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} لكن اتّباع الظّنّ، بمعنى: لكنّهم يتّبعون الظّنّ، وكذلك جميع هذا النّوع من الكلام على ما وصفنا.
وقد ذكر عن بعض القرّاء أنّه قرأ: (إلاّ أماني) مخفّفةً، ومن خفّف ذلك وجّهه إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتح، والقرقور قراقرٌ، وإنّ ياء الجمع لمّا حذفت خفّفت الياء الأصليّة، أعني من الأمانيّ، كما جمعوا الأثفيّة أثافي مخفّفةً، كما قال زهير بن أبي سلمى:
أثافيّ سفعًا في معرّس مرجل ....... ونؤيًا كجذم الحوض لم يتثلّم
وأمّا من ثقّل: {أمانيّ} فشدّد ياءها فإنّه وجّه ذلك إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتيح، والقرقور قراقير، والزّنبور زنابير، فاجتمعت ياء فعاليل ولامها وهما جميعًا ياءان فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارتا ياءً واحدةً مشدّدةً.
فأمّا القراءة الّتي لا يجوز غيرها عندي لقارئٍ في ذلك فتشديد ياء الأمانيّ، لإجماع القرّاء على أنّها القراءة الّتي مضى على القراءة بها السّلف مستفيضٌ ذلك بينهم غير مدفوعةٍ صحّته، وشذوذ القارئ بتخفيفها عمّا عليه الحجّة مجمعةٌ في ذلك وكفى شاهدا خطأً قارئ ذلك بتخفيفها إجماعًا على تخطئته). [جامع البيان: 2/ 154-161]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن هم إلاّ يظنّون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإن هم إلاّ يظنّون} وما هم كما قال جلّ ثناؤه: {قالت لهم رسلهم إن نحن إلاّ بشرٌ مثلكم} يعني بذلك: ما نحن إلاّ بشرٌ مثلكم. ومعنى قوله: {إلاّ يظنّون} إلا يشكّون ولا يعلمون حقيقته وصحّته، والظّنّ في هذا الموضع الشّكّ.
فمعنى الآية: ومنهم من لا يكتب ولا يخطّ ولا يعلم كتاب اللّه ولا يدري ما فيه إلاّ تخرّصًا وتقوّلاً على اللّه الباطل ظنًّا منه أنّه محقٌّ في تخرّصه وتقوّله الباطل. وإنّما وصفهم اللّه تعالى ذكره بأنّهم في تخرّصهم على ظنّ هل خم فيه محقّون أم مبطلون، لأنّهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورًا حسبوها من كتاب اللّه، ولم تكن من كتاب اللّه، فوصفهم جلّ ثناؤه بأنّهم يتركون التّصديق بالّذي يوقنون به أنّه من عند اللّه ممّا جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، ويتّبعون ما هم فيه شاكّون، وفي حقيقته مرتابون ممّا أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤهم وأحبارهم عنادًا منهم للّه ولرسوله، ومخالفةً منهم لأمر اللّه واغترارًا منهم بإمهال اللّه إيّاهم.
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: {وإن هم إلاّ يظنّون} قال فيه المتأوّلون من السّلف.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{وإن هم إلاّ يظنّون} إلاّ يكذبون».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم إلاّ يظنّون} أي: لا يعلمون ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوّتك بالظّنّ».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإن هم إلاّ يظنّون} قال: «يظنّون الظّنون بغير الحقّ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «يظنّون الظّنون بغير الحقّ».
- حدّثت عن عمارة، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله). [جامع البيان: 2/ 161-163]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ وإن هم إلّا يظنّون (78)}
قوله: {ومنهم أمّيّون}
- به، عن أبي العالية:«يقول اللّه: {ومنهم أمّيّون} يعني اليهود».
- وبه، في قوله: {لا يعلمون الكتاب}:«لا يدرون ما فيه».
قال: وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 152]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الكتاب}
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان، عن منصورٍ قال:
سألت إبراهيم عن ذبائح نصارى العرب. قال: «لا بأس»، ثمّ قرأ: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ}، ثمّ قال:«أو ليس من أهل الكتاب من لا يحسن الكتاب»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 152]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلّا أمانيّ}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا أمانيّ} يقول: «إلا أحاديث».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم ؟ أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {إلا أمانيّ}: «يتمنّون على اللّه ما ليس لهم».
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ وقتادة نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ} إلا كذباً»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 152]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإن هم إلا يظنّون}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن أبي العالية يعني قوله: {وإن هم إلا يظنّون}: «يظنّون الظّنون بغير الحقّ».
وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{وإن هم إلا يظنون} إلا يكذبون».
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، ثنا سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: قوله: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ وإن هم إلا يظنّون} قال: «هؤلاء ناسٌ من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا كما قال اللّه، فكانوا يتكلّمون بالظّنون بغير ما في كتاب اللّه، ويقولون: هو من الكتاب، أمانيٌّ يتمنّونها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 152-153]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال نا آدم، قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} قال: هذا قول يهود قريظة، حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا إخوة القرود والخنازير»، فقالوا له: من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم عليا عليه السلام، فآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم:«يا أخوة القردة والخنازير»، يقول الله: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} يعني: كذبا {وإن هم إلا يظنون} يعني: يكذبون). [تفسير مجاهد: 80-81]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون}.
- أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزله، فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله»، وقال: «قد أخبرهم أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله».
- وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: «منهم من لا يحسن أن يكتب».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: «لا يدرون ما فيه {وإن هم إلا يظنون} وهم يجحدون نبؤتك بالظن».
- وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: «ناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولن هو من الكتاب، أماني تمنونها».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلا أماني} قال:«إلا أحاديث».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إلا أماني} قال: «إلا قولا يقولون بأفواههم كذبا».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {إلا أماني} قال: «إلا كذبا»، {وإن هم إلا يظنون} قال: «إلا يكذبون»). [الدر المنثور: 1/ 431-433]

تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال:
«الويل وادٍ في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لماعت من شدة حره»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 15]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {فويل للذين يكتبون الكتب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله} قال:
«كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتبا ليتأكلوا بها الناس، ثم قالوا هذه من عند الله، وما هي من عند الله»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 50-51]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم}
- أخبرنا الحسن بن أحمد بن حبيبٍ، حدّثنا محمّدٌ وهو ابن عبد الله بن نميرٍ، حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن عبد الرّحمن بن علقمة، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، يقول:
«{للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم} نزلت في أهل الكتاب»).
[السنن الكبرى للنسائي: 10/ 11]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فويلٌ}.
- فقال بعضهم بما
حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {فويلٌ لهم} يقول: «فالعذاب عليهم».
- وقال آخرون بما حدّثنا به ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن زياد بن فيّاضٍ، قال: سمعت أبا عياضٍ، يقول: «الويل: ما يسيل من صديدٍ في أصل جهنّم».
- حدّثنا مشرف بن أبان الخطّاب، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن زياد بن فيّاضٍ، عن أبي عياضٍ: في قوله: {فويلٌ} قال: «صهريجٌ في أصل جهنّم يسيل فيه صديدهم».
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا زيد بن أبي الزّرقاء، قال: حدّثنا سفيان عن زياد بن فيّاضٍ، عن أبي عياضٍ، قال: «الويل وادٍ من صديدٍ في جهنّم».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، قال: «{ويلٌ} ما يسيل من صديدٍ في أصل جهنّم».
- وقال آخرون بما حدّثنا به المثنّى، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد السّلام بن صالحٍ التّستريّ، قال: حدّثنا عليّ بن جريرٍ، عن حمّاد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن كنانة العدويّ، عن عثمان بن عفّان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قال: «الويل جبلٌ في النّار».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عمرو بن الحارث، عن درّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ويلٌ وادٍ في جهنّم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ إلى قعره».
قال أبو جعفرٍ: فمعنى الآية على ما روي عمّن ذكرت قوله في تأويل {ويلٌ} فالعذاب الّذي هو شرب صديد أهل جهنّم الذى في أسفل الجحيم لليهود الّذين يكتبون الباطل بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه). [جامع البيان: 2/ 163-165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلاً}.
يعني بذلك: الّذين حرّفوا كتاب اللّه من يهود بني إسرائيل، وكتبوا كتابًا على ما تأوّلوه من تأويلاتهم مخالفًا لما أنزل اللّه على نبيّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ باعوه من قومٍ لا علم لهم بها ولا بما في التّوراة جهّالٌ بما في كتب اللّه طلب عرضٍ من الدّنيا خسيسٍ، فقال اللّه لهم: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}.
- كما حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلاً} قال: «كان ناسٌ من اليهود كتبوا كتابًا من عندهم يبيعونه من العرب، ويحدّثونهم أنّه من عند اللّه ليأخذوا به ثمنًا قليلاً».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «الأمّيّون قومٌ لم يصدّقوا رسولاً أرسله اللّه، ولا كتابًا أنزله اللّه، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثمّ قالوا لقومٍ سفلةٍ جهّالٍ:{هذا من عند اللّه ليشتروا به}»، قال: «ليتابعوا به»، {ثمنًا قليلاً} قال: «عرضًا من عرض الدّنيا».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه} قال: «هؤلاء الّذين عرفوا أنّه من عند اللّه يحرّفونه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله، إلاّ أنّه قال: «ثمّ يحرّفونه».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن قتادة: «{فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم} الآية، وهم اليهود».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه} قال: «كان ناسٌ من بني إسرائيل كتبوا كتابًا بأيديهم ليتأكّلوا النّاس، فقالوا: هذا من عند اللّه، وما هو من عند اللّه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: قوله: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلاً} قال: «عمدوا إلى ما أنزل اللّه في كتابهم من نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فحرّفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضًا من عرض الدّنيا، فقال الله: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد السّلام، قال: حدّثنا عليّ بن جريرٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن كنانة العدويّ، عن عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «{فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون} الويل: جبلٌ في النّار وهو الّذي أنزل في اليهود لأنّهم حرّفوا التّوراة، وزادوا فيها ما يحبّون، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من التّوراة، فلذلك غضب اللّه عليهم فرفع بعض التّوراة فقال: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيّوب، عن محمّد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، قال: «{ويلٌ} وادٍ في جهنّم لو سيّرت فيه الجبال لاماعت من شدّة حرّه».
فإن قال لنا قائلٌ: فما وجه قوله {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم}؟ وهل يكتبون بغير اليد حتّى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة إلى أن يخبروا عن هؤلاء القوم الّذين قصّ اللّه قصّتهم أنّهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم؟
قيل له: إنّ الكتاب من بني آدم وإن كان منهم باليد، فإنّه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولّي رسم خطّه، فيقال: كتب فلانٌ إلى فلانٍ بكذا، وإن كان المتولّي كتابته غير المضاف إليه الكتاب، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب. فأعلم ربّنا بقوله: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم} عباده المؤمنين أنّ أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على اللّه بأيديهم على علمٍ منهم وعمدٍ للكذب على اللّه ثمّ تنحله إلى أنّه من عند اللّه وفي كتاب اللّه تكذّبًا على اللّه وافتراءً عليه.
فنفى جلّ ثناؤه بقوله: {يكتبون الكتاب بأيديهم} أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهّالهم بأمر علمائهم وأحبارهم. وذلك نظير قول القائل: باعني فلانٌ عينه كذا، واشترى فلانٌ نفسه كذا، يراد بإدخال النّفس والعين في ذلك نفي اللّبس عن سامعه أن يكون المتولّي بيع ذلك وشراءه غير الموصوف به بأمره، ويوجب حقيقة الفعل للمخبر عنه؛ فكذلك قوله: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم}). [جامع البيان: 2/ 165-169]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم} أي: فالعذاب في الوادي السّائل من صديد أهل النّار في أسفل جهنّم لهم، يعني للّذين يكتبون الكتاب الّذي وصفنا أمره من يهود بني إسرائيل محرّفًا، ثمّ قالوا: هذا من عند اللّه؛ ابتغاء عرضٍ من الدّنيا قليلٍ ممّن يبتاعه منهم.
وقوله: {ممّا كتبت أيديهم} يقول: من الّذي كتبت أيديهم من ذلك {وويلٌ لهم} أيضًا {ممّا يكسبون} يعني ممّا يعملون من الخطايا، ويجترحون من الآثام، ويكسبون من الحرام بكتابهم الّذي يكتبونه بأيديهم، بخلاف ما أنزل اللّه، ثمّ يأكلون ثمنه وقد باعوه مّنهم باعوه منهم على أنّه من كتاب اللّه.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{وويلٌ لهم ممّا يكسبون} يعني من الخطيئة».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {فويلٌ لهم} يقول: «فالعذاب عليهم»، قال:«يقول: من الّذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب»، {وويلٌ لهم ما يكسبون} يقول: «ممّا يأكلون به الناس السّفلة وغيرهم».
وأصل الكسب: العمل، فكلّ عاملٍ عملاً بمباشرةٍ منه لما عمل ومعاناةً باحترافٍ، فهو كاسبٌ لما عمل، كما قال لبيد بن ربيعة:

لمعفّرٍ قهدٍ تنازع شلوه ....... غبسٌ كواسب لا يمنّ طعامها
). [جامع البيان: 2/ 169-170]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون (79)}
قوله: {فويلٌ}
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى المصريّ، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرٌو- يعني ابن الحارث- عن درّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ويلٌ وادٍ في جهنّم يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره».
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن زياد بن فياض قال: سمعت عياضٍ يقول: «ويلٌ: سيلٌ من صديدٍ في أصل جهنّم».
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، أنبأ المبارك، أخبرنا سعيد بن أبي أيّوب، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ قال: «الويل: وادٍ في جهنّم لو سيّرت فيه الجبال لماعت من حرّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /153]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {للّذين يكتبون الكتاب}
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل، حدّثني أبي، حدّثني أبو الضّحّاك بن مخلدٍ، أنبأ شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال:«هم أحبار اليهود».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال: «كان ناسٌ من اليهود يكتبون كتابًا ويبيعونه على العرب»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 153]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بأيديهم}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرٌو، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {بأيديهم} قال: «من عندهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /153]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمّ يقولون هذا من عند اللّه}
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عزيزٍ الأيليّ، ثنا سلامة، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ، أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال:«يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيءٍ وكتابكم الّذي أنزل اللّه على نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أحدث أخبار اللّه، تعرفونه غضًّا لم يشب، وقد حدّثكم اللّه أنّ أهل الكتاب قد بدّلوا كتاب اللّه وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلا؟ أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم. لا واللّه ما رأينا أحدًا منهم قطّ يسألكم عن الّذي أنزل إليكم».
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل، حدّثني أبي عمرو بن الضّحّاك، حدّثني أبو الضّحّاك بن مخلدٍ، أنبأ شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عباس: «الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلا: أحبار يهود، وجدوا صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم محمّدٍ مكتوبًا في التّوراة أكحل، أعين ربعةٌ جعد الشّعرة حسن الوجه، فلمّا وجدوه في التّوراة محوه حسدًا وبغيًا، فأتاهم نفرٌ من قريشٍ من أهل مكّة فقالوا: أتجدون في التّوراة نبيًّا أمّيًّا؟ فقالوا: نعم، نجده طويلا أزرق سبط الشّعر. فأنكرت قريشٌ وقالوا: ليس هذا منّا».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه} قال: «كان ناسٌ من اليهود يكتبون كتابًا من عندهم ويبيعونه من العرب، ويحدّثونهم أنّه من عند اللّه، فيأخذون ثمنًا قليلا».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرو بن عبد اللّه الأوديّ، قالا: ثنا وكيعٌ، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم أنّه كره كتابة المصاحف بالأجر، وتلا هذه الآية: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم}). [تفسير القرآن العظيم: 1 /154]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ليشتروا به ثمنًا قليلا}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة في
قوله: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلا} قال: «كان ناسٌ من بني إسرائيل كتبوا كتبًا بأيديهم ليتأكّلوا النّاس، فقالوا: هذه من عند اللّه، وما هي من عند اللّه».
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: «قوله: {ليشتروا به ثمنًا قليلا} كذبًا وفجورًا وما هو من عند اللّه». قال: «ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 154-155]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمنًا قليلا}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسن، عن ابن المبارك، أنبأ عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن هارون بن يزيد، قال: سئل الحسن عن قوله: {ثمنًا قليلا} قال: «الثّمن القليل الدّنيا بحذافيرها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 155]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: «عمدوا إلى ما أنزل اللّه في كتابهم من نعت محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلم- فحرفوه عن مواضعه، يبتغون بذلك غرض الدّنيا. قال اللّه عزّ وجلّ: {فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 155]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وويلٌ لهم ممّا يكسبون}
- حدّثنا عصامٌ، به، عن أبي العالية: «{وويلٌ لهم ممّا يكسبون} يعني من الخطيّة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 155]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم، قال: نا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: «عمدوا إلى ما أنزل الله عز وجل في كتابه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه، يبتغون بذلك عرضا من عرض الدنيا، فقال الله عز وجل: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} يعني من الخطيئة كأنهم لا يعلمون، فهذا كله في اليهود»). [تفسير مجاهد: 81-82]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}.
- أخرج وكيع، وابن المنذر والنسائي عن ابن عباس في قوله: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال:«نزلت في أهل الكتاب».
- وأخرج أحمد وهناد بن السري بن الزهد، وعبد بن حميد والترمذي، وابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ويل واد في حهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره».
- وأخرج ابن جرير عن عثمان بن عفان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله: {فويل لهم مما كتبت أيديهم} قال: «الويل جبل في النار، وهو الذي أنزل في اليهود، لأنهم حرفوا التوراة زادوا فيها ما أحبوا، ومحوا منها ما كانوا يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة».
- وأخرج البزار، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في النار حجرا يقال لها ويل يصعد عليه العرفاء وينزلون فيه».
- وأخرج الحربي في فوائده عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا عائشة»، فجزعت منها، فقال لي:«يا حميراء إت ويحك أو ويك رحمة فلا تجزعي منها، ولكن اجزعي من الويل».
- وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن علي بن أبي طالب قال:«الويح والويل بابان، فأما الويح فباب رحمة، وأما الويل فباب عذاب».
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر والطبراني والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: «ويل واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن النعمان بن بشير قال: «الويل واد من فيح في جهنم».
- وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن عطاء بن يسار قال:«ويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من شدة حره».
- وأخرج هناد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:«ويل سيل من صديد في أصل جهنم». وفي لفظ: «ويل واد في جهنم يسيل فيه صديده».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى عفرة قال: «إذا سمعت الله يقول: {ويل} هي النار».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فويل للذين يكتبون الكتاب} الآية، قال:«هم أحبار اليهود وجدوا صفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه، فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا، فأتاهم نفر من قريش، فقالوا: تجدون في التوراة نبيا أميا؟ فقالوا: نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر، فأنكرت قريش وقالوا: ليس هذا منا».
- وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: «وصف الله محمد -صلى الله عليه وسلم- في التوراة، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسده أحبار اليهود فغيروا صفته في كتابهم، وقالوا: لا نجد نعته عندنا، وقالوا للسفلة: ليس هذا نعت النّبيّ الذي يحرم كذا وكذا كما كتبوه وغيروا نعت هذا كذا كما وصف، فلبسوا على الناس، وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم إياها السفلة لقيامهم على التوراة، فخافوا أن تؤمن السفلة فتنقطع تلك المأكلة».
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أنه قال: «يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه أحدث أخبارا لله تعرفونه غضا محضا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلهم؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: «كان ناس من اليهود يكتبون كتابا من عندهم ويبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذون ثمنا قليلا».
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر واين أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: «كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ليتأكلوا الناس فقالوا: هذه من عند الله، وما هي من عند الله».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ليشتروا به ثمنا قليلا} قال: «عرضا من عرض الدنيا»،
قال: «فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب»، {وويل لهم مما يكسبون} يقول: «مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم».
- وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي داود في المصاحف، وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي، أنه كره كتابة المصاحف بالأجر، وتلا هذه الآية {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} الآية.
- وأخرج وكيع عن الأعمش، أنه كره أن يكتب المصاحف بالأجر، وتأول هذه الآية {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله}.
- وأخرج وكيع، وابن أبي داود عن محمد بن سيرين أنه يكره شراء المصاحف وبيعها.
- وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد، وابن أبي داود عن أبي الضحى قال:
سألت ثلاثة من أهل الكوفة عن شراء المصاحف، عبد الله بن يزيد الخطمي ومسروق بن الأجدع وشريحا فكلهم قال:«لا نأخذ لكتاب الله ثمنا».
- وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن زرارة، عن مطرف، قال: «شهدت فتح تستر مع الأشعري، فأصبنا دانيال بالسوس وأصبنا معه ربطتين من كتان، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب الله، وكان أول من وقع عليه رجل من بلعنبر يقال له: حرقوص فأعطاه الأشعري الربطتين وأعطاه مائتي درهم، وكان معنا أجير نصراني يسمى نعيما فقال: بيعوني هذه الربعة بما فيها، فقالوا: إن يكن فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله، قال: فإن الذي فيها كتاب الله، فكرهوا أن يبيعوه الكتاب فبعناه الربعة بدرهمين ووهبنا له الكتاب»، قال قتادة: «فمن ثم كره بيع المصاحف لأن الأشعري وأصحابه كرهوا بيع ذلك الكتاب».
- وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما كرها بيع المصاحف.
- وأخرج ابن أبي داود عن حماد بن أبي سليمان أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: إن إبراهيم يكره بيعها وشراءها.
- وأخرج ابن أبي داود عن سالم قال: كان ابن عمر إذا أتى على الذي يبيع المصاحف قال: «بئس التجارة».
- وأخرج ابن أبي داود عن عبادة بن نسي، أن عمر كان يقول: «لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها».
- وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين وإبراهيم، أن عمر كان يكره بيع المصاحف وشراءها.
- وأخرج ابن أبي داود عن ابن مسعود: أنه كره بيع المصاحف وشراءها.
- وأخرج ابن أبي داود من طريق نافع عن ابن عمر قال: «وددت أن الأيدي تقطع على بيع المصاحف».
- وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي داود من طريق سعيد بن جبير قال: «وددت أن الأيدي قطعت على بيع المصاحف وشرائها».
- وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: «بئس التجارة المصاحف».
- وأخرج ابن أبي داود، عن جابر بن عبد الله أنه كره بيع المصاحف وشراءها.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي داود عن عبد الله بن شقيق العقيلي: أنه كان يكره بيع المصاحف، قال: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشددون في بيع المصاحف ويرونه عظيما.
- وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كره بيع المصاحف كراهية شديدة، وكان يقول: «أعن أخاك بالكتاب أو هب له».
- وأخرج ابن أبي داود عن علي بن حسين قال: «كانت المصاحف لا تباع، وكان الرجل يأتي بورقة عند المنبر فيقول: من الرجل يحتسب فيكتب لي؟، ثم يأتي الآخر فيكتب، حتى يتم المصحف».
- وأخرج ابن أبي داود عن مسروق وعلقمة وعبد الله بن يزيد الأنصاري وشريح وعبادة أنهم كرهوا بيع المصاحف وشراءها، وقالوا: «لا نأخذ لكتاب الله ثمنا».
- وأخرج ابن أبي داود عن إبراهيم عن أصحابه قال: «كانوا يكرهون بيع المصاحف وشراءها».
- وأخرج ابن أبي داود عن أبي العالية، أنه كان يكره بيع المصاحف، وقال: «وددت أن الذين يبيعون المصاحف ضربوا».
- وأخرج ابن ابي داود عن ابن سيرين قال: «كانوا يكرهون بيع المصاحف وكتابتها بالأجر».
- وأخرج ابن أبي داود عن ابن جريج، قال: قال عطاء: «لم يكن من مضى يبيعون المصاحف إنما حدث ذلك الآن، وإنما يجلسون بمصاحفهم في الحجر فيقول أحدهم للرجل إذا كان كاتبا وهو يطوف: يا فلان إذا فرغت تعال فاكتب لي»، قال: «فيكتب المصحف وما كان من ذلك حتى يفرغ من مصحفه».
- وأخرج ابن أبي داود عن عمرو بن مرة، قال: «كان في أول الزمان يجتمعون فيكتبون المصاحف، ثم إنهم استأجروا العباد فكتبوها لهم، ثم إن العباد بعد أن كتبوها باعوها، وأول من باعها هم العباد». (العباد: جمع عبد، وهم قبائل شتى من العرب اجتمعوا بالحيرة على المسيحية قبل الإسلام والنسبة عبادي).
- وأخرج أبو عبيد، وابن أبي داود عن عمران بن جرير قال: سألت أبا مجلز عن بيع المصاحف، قال: «إنما بيعت في زمن معاوية فلا تبعها».
- وأخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال: «كتاب الله أعز من أن يباع».
- وأخرج ابن سعيد عن حنظلة قال: كنت أمشي مع طاووس فمر بقوم يبيعون المصاحف فاسترجع.

ذكر من رخص في بيعها وشراءها
- أخرج ابن أبي داود عن ابن عباس أنه سئل عن بيع المصاحف، فقال: «لا بأس، إنما يأخذون أجور أيديهم».
- وأخرج ابن أبي داود عن ابن الحنفية أنه سئل عن بيع المصاحف، قال: «لا بأس، إنما يبيع الورق».
- وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد، وابن أبي داود عن الشعبي قال: «لا بأس ببيع المصاحف، إنهم لا يبيعون كتاب الله، إنما يبيعون الورق وعمل أيديهم».
- وأخرج ابن أبي داود، عن جعفر، عن أبيه قال: «لا بأس بشراء المصاحف، وأن يعطى الأجر على كتابتها».
- وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد، وابن أبي داود عن مطر الوراق أنه سئل عن بيع المصاحف، فقال: «كان خيرا أو حبرا هذا الأمة لا يريان يبيعها بأسا: الحسن والشعبي».
- وأخرج ابن أبي داود عن حميد، أن الحسن كان يكره بيع المصاحف فلم يزل به مطر الوراق حتى رخص فيه.
- وأخرج ابن أبي داود من طرق عن الحسن قال: «لا بأس ببيع المصاحف ونقطها بالأجر».
- وأخرج ابن أبي داود عن الحكم أنه كان لا يرى بأسا بشراء المصاحف وبيعها.
- وأخرج أبو عبيد، وابن أبي داود عن أبي شهاب موسى بن نافع قال: قال لي سعيد بن جبير: «هل لك في مصحف عندي قد كفيتك عرضه فتشتريه».
- وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد، وابن أبي داود من طرق عن ابن عباس قال: «اشتر المصاحف ولا تبعها».
- وأخرج ابن ابي داود عن ابن عباس قال:«رخص في شراء المصاحف وكره في بيعها»، قال ابن أبي داود: كذا قال: «رخص»، كأنه صار مسندا.
- وأخرج أبو عبيد، وابن أبي داود، عن جابر بن عبد الله في بيع المصاحف قال:«ابتعها ولا تبعها».
- وأخرج ابن أبي داود عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، مثله.
- وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر، مثله). [الدر المنثور: 1/ 433-447]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني عيّاش بن عقبة، عن ابن أبي فروة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لناسٍ من يهود: من أصحاب النّار غدًا، قالوا: نحن سبعة أيّامٍ، ثمّ تخلفوننا فيها، فنزل القرآن: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده أن تقولون على اللّه ما لا تعلمون (80) بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 105]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، عن قتادة، في قوله: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} قال:
«أياما معدودة بما أصبنا في العجل، قال الله: {قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 51]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ):
(ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة} قال: «الأيّام الّتي خلق فيهنّ آدم»).
[جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 73]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً قل أتّخذتم عند الله عهدًا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون}.
يعني بقوله: {وقالوا} اليهود، يقول: وقالت اليهود: {لن تمسّنا النّار} يعني لن تلاقي أجسامنا النّار، ولن ندخلها إلاّ أيّامًا معدودةً.
وإنّما قيل معدودةً وإن لم يكن مبيّنًا عددها في التّنزيل؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عنهم بذلك وهم عارفون عدد الأيّام الّتي يوقّتونها لمكثهم في النّار، فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيّام وسمّاها معدودةً لما وصفنا.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في مبلغ الأيّام المعدودة الّتي عنتها اليهود القائلون ما أخبر اللّه عنهم من ذلك.
- فقال بعضهم بما
حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} قالوا: «هى أربعون يوما لأمر عذبوا فيه، ثم لا يصيبنا بعدها عذاب».
- حدّثنا بشر بن معاذ، قال حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيد، عن قتاده: «{وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً}: قال ذلك أعداء اللّه اليهود، قالوا: لن يدخلنا اللّه النّار إلاّ تحلّة القسم الأيّام الّتي أصبنا فيها العجل أربعين ليله، فإذا انقضت عنّا تلك الأيّام، انقطع عنّا العذاب والقسم».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً}: «قالوا: أيّامًا معدودةً بما أصبنا في العجل».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} قال: «قالت اليهود: إنّ اللّه يدخلنا النّار فنمكث فيها أربعين ليلةً، حتّى إذا أكلت النّار خطايانا واستنقينا، نادى منادٍ: أخرجوا كلّ مختونٍ من ولد إسرائيل، فلذلك أمرنا أن نختتن. قالوا: فلا يدعون منّا في النّار أحدًا إلاّ أخرجوه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «قالت اليهود: إنّ ربّنا عتب علينا في أمر، فأقسم ليعذّبنا أربعين ليلةً، ثمّ يخرجنا. فأكذبهم اللّه جل ثناؤه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن قتادة، قال: «قالت اليهود: لن ندخل النّار إلاّ تحلّة القسم، عدد الأيّام الّتي عبدنا فيها العجل».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} الآية. قال ابن عبّاسٍ: «ذكر أنّ اليهود وجدوا في التّوراة مكتوبًا: إنّ ما بين طرفي جهنّم مسيرة أربعين سنةً إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزّقّوم نابتةً في أصل الجحيم». وكان ابن عبّاسٍ يقول:«إنّ الجحيم سقر، وفيه شجرة الزّقّوم، فزعم أعداء اللّه أنّه إذا خلا العدد الّذي وجدوا في كتابهم أيّامًا معدودةً».
وإنّما يعني بذلك المسير الّذي ينتهي إلى أصل الجحيم، فقالوا: إذا خلا العدد انقضى الأجل فلا عذاب وتذهب جهنّم وتهلك؛ فذلك قوله: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} يعنون بذلك الأجل.

فقال ابن عبّاسٍ: «لمّا اقتحموا من باب جهنّم ساروا في العذاب، حتّى انتهوا إلى شجرة الزّقّوم آخر يومٍ من الأيّام المعدودة، وهى الأربعون سنه، فلما أكلوا من شجرة الزقوم وملئوا منها البطون اخر يوم من الأيام المعدوده قال لهم خزّان سقر: زعمتم أنّكم لن تمسّكم النّار إلاّ أيّامًا معدودةً، فقد خلا العدد وأنتم في الأبد. فأخذ بهم في الصّعود في جهنّم يرهقون».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} فإنهم اليهود قالوا: لن تمسنا النار إلاّ أربعين ليلةً».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال: خاصمت اليهود رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقالوا: لن ندخل النّار إلاّ أربعين ليلةً، وسيخلفنا فيها قومٌ آخرون. يعنون محمّدًا وأصحابه. فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بيده على رءوسهم: «بل أنتم فيها خالدون لا يخلفكم إليها أحدٌ»، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} الآيه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال: اجتمعت يهود يومًا تخاصم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} أربعين يومًا، ثمّ يخلفنا أو يلحقنا فيها أناسٌ؛ فأشاروا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كذبتم، بل أنتم فيها خالدون مخلّدون لا نلحقكم أو نخلفكم فيها إن شاء اللّه أبدًا».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا عليّ بن معبدٍ، عن أبي معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: في قوله: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} قال: «قالت اليهود: لا نعذّب في النّار يوم القيامة إلاّ أربعين يومًا مقدار ما عبدنا العجل».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: حدّثني أبي أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال لهم: «أنشدكم باللّه وبالتّوراة الّتي أنزلها اللّه على موسى يوم طور سيناء، من أهل النّار الّذين أنزلهم اللّه في التّوراة؟»، قالوا: إنّ ربّهم غضب عليهم غضبةً، فنمكث في النّار أربعين ليلةً، ثمّ نخرج فتخلفوننا فيها. فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «كذبتم واللّه، لا نخلفكم فيها أبدًا»، فنزل القرآن تصديقًا لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وتكذيبًا لهم: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا} إلى قوله: {هم فيها خالدون}.
- وقال آخرون في ذلك بما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كانت يهود يقولون: إنّما هذة الدّنيا سبعة آلاف سنةٍ، وإنّما يعذّب اللّه النّاس يوم القيامة بكلّ ألف سنةٍ من أيّام الدّنيا يومًا واحدًا من أيّام الآخرة، وإنّها هى سبعة أيّامٍ. فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} الآية».
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة ويهود تقول: إنّما مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنةٍ، وإنّما يعذّب النّاس في النّار بكلّ ألف سنةٍ من أيّام الدّنيا يومًا واحدًا في النّار من أيّام الآخرة، فإنّما هي سبعة أيّامٍ ثمّ ينقطع العذاب. فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم {لن تمسّنا النّار} الآية».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} قال: «كانت تقول: إنّما الدّنيا سبعة آلاف سنةٍ، وإنّما نعذّب مكان كلّ ألف سنةٍ يومًا».

- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله، إلاّ أنّه قال: «كانت اليهود تقول: إنّما الدّنيا»، وسائر الحديث مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: «{وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} من الدّهر، وسمّوا عدّة سبعة آلاف سنةٍ، من كلّ ألف سنةٍ يومًا؛ يهود تقول»). [جامع البيان: 2/ 170-176]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}.
ولمّا قالت اليهود ما قالت من قولها: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} على ما قد بيّنّا من تأويل ذلك، قال اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لمعشر اليهود {أتّخذتم عند اللّه عهدًا} بما تقولون من أن النار لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً، فلن يخلف الله عهده ويعنى بقوله: {أتّخذتم عند اللّه عهدًا}: أخذتم بما تقولون من ذلك من اللّه ميثاقًا فاللّه لا ينقض ميثاقه ولا يبدّل وعده وعقده، أم تقولون على اللّه الباطل جهلاً وجراءةً عليه؟
- كما حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا} أي: موثقًا من اللّه بذلك أنّه كما تقولون».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن قتادة، قال: «قالت اليهود: لن ندخل النّار إلاّ تحلّة القسم عدّة الأيّام الّتي عبدنا فيها العجل. فقال اللّه: {أتّخذتم عند اللّه عهدًا} بهذا الّذي تقولونه، ألكم بهذا حجّةٌ وبرهانٌ {فلن يخلف اللّه عهده} فهاتوا حجّتكم وبرهانكم {أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا قالت اليهود ما قالت، قال اللّه جلّ ثناؤه لمحمّدٍ: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا} يقول: أدّخرتم عند اللّه عهدًا؟ يقول: أقلتم لا إله إلاّ اللّه لم تشركوا، ولم تكفروا به؟ فإن كنتم قلتموها فارجوا بها، وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على اللّه ما لا تعلمون؟ يقول: لو كنتم قلتم لا إله إلاّ اللّه، ولم تشركوا به شيئًا، ثمّ متّم على ذلك لكان لكم ذخرًا عندي، ولم أخلف وعدي لكم أنّي أجازيكم بها».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «لمّا قالت اليهود ما قالت، قال اللّه عزّ وجلّ: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده} وقال في مكانٍ آخر: {وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون} ثمّ أخبر الخبر، فقال: {بلى من كسب سيّئةً}».
وهذه الأقوال الّتي روّيناها عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ وقتادة بنحو ما قلنا في تأويل قوله: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا} لأنّ ممّا أعطاه اللّه عباده من ميثاقه أنّ من آمن به وأطاع أمره نجّاه من ناره يوم القيامة.
ومن الإيمان به الإقرار بأن لا إله إلاّ اللّه، وكذلك من ميثاقه الّذي واثقهم به أنّ من أتى اللّه يوم القيامة بحجّةٍ تكون له نجاةٌ من النّار أن ينجيه منها.

وكلّ ذلك وإن اختلفت ألفاظ قائليه، فمتّفق المعاني على ما قلنا فيه، واللّه تعالى أعلم). [جامع البيان: 2/ 176-178]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّامًا معدودةً قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون (80)}
قوله: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودة}
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد ابن إسحاق: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قدم رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- المدينة ويهود تقول: إنّما مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنةٍ، وإنّما يعذّب النّاس بكلّ ألف سنةٍ من أيّام الدّنيا يومًا واحدًا في النّار من أيّام الآخرة، فإنّما هي سبعة أيّامٍ ثمّ ينقطع العذاب، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً}».

وروي عن ابن عبّاسٍ قولٌ آخر.
[الوجه الثاني]
- أخبرنا أبو الأزهر النّيسابوريّ أحمد بن الأزهر فيما كتب إليّ، ثنا وهب ابن جريرٍ، ثنا أبي، عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك في قوله: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً}: «فإنّ ابن عبّاسٍ قال: زعم اليهود أنّهم وجدوا في التّوراة مكتوبًا أنّ ما بين طرفي جهنّم مسيرة أربعين سنةً إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزّقّوم الّتي هي نابتةٌ في أصل جهنّم الجحيم. وقال أعداء اللّه: إنّما نعذّب حتّى ننتهي إلى شجرة الزّقّوم فتذهب جهنّم وتقلّل، وذلك: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً}».
الوجه الثّالث:
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم -يعني ابن أبان-، عن عكرمة، في قوله: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} قال:
خاصمت اليهود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: لن ندخل النّار إلا أربعين ليلةً وسيخلفنا إليها قومٌ آخرون. يعنون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيده على رؤوسهم: «بل أنتم فيها خالدون مخلّدون لا يخلفكم إليها أحدٌ»، فأنزل اللّه: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً}: «قالوا: أيّامًا معدودةً بما أصبنا في العجل. قال اللّه: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده}».
الوجه الرّابع:
- حدّثني أبي، ثنا الحكم بن موسى، ثنا مروان -يعني الفزاريّ-، أنبأ جويبرٌ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} قال: «وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنّم مسيرة أربعين. فقالوا: لن يعذّب أهل النّار إلا قدر أربعين، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النّار فساروا فيها حتّى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزّقّوم إلى آخر يومٍ من الأيّام المعدودة. فقال لهم خزنة النّار: يا أعداء اللّه، زعمتم أنّكم لن تعذّبوا في النّار إلا أيّامًا معدودةً، فقد انقضى العدد وبقي الأبد. فيؤخذون في الصعود يرهقون على وجوههم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 155-156]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن قتادة، قال: «قالت اليهود: لن ندخل النّار إلا تحلّة القسم خلال عدد الأيّام الّتي عبدنا فيها العجل. فقال اللّه: أتّخذتم عند اللّه عهدًا بهذا الّذي تقولون؟ ألكم بهذا حجّةٌ وبرهانٌ فلن يخلف اللّه عهده؟ هاتوا حجّتكم وبرهانكم أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون؟».

قال أبو محمّدٍ: وكذا روي عن الرّبيع بن أنسٍ.
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «قوله: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا} موثقًا من اللّه بذلك أنّه كما تقولون؟».
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: «{قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا} أي: هل عندكم من اللّه من عهدٍ أنّه ليس معذّبكم؟ أم هل أرضيتم اللّه بأعمالكم فعملتم بما افترض عليكم وعهد إليكم فلن يخلف اللّه عهده؟ أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون؟»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 157]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}؟
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا شيبان النّحويّ، عن قتادة: {أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}؟ قال: «قال القوم الكذب والباطل، وقالوا على اللّه ما لا يعلمون»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 157]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: «قالت اليهود الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما العذاب مكان كل ألف يوم، فقال الله: {قل أتخذتم عند الله عهدا} أي: موثقا بهذا الذي تقولون، إنه كما تقولون فلن يخلف الله عهده»). [تفسير مجاهد: 83]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّامًا معدودةً}.
- عن ابن عبّاسٍ: «أنّ يهود كانوا يقولون: هذه الدّنيا سبعة آلاف سنةٍ، وإنّما نعذّب لكلّ سنةٍ يومًا في النّار، وإنّما هي سبعة أيّامٍ معدوداتٍ. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّامًا معدودةً}، إلى قوله: {فيها خالدون}».رواه الطّبرانيّ). [مجمع الزوائد: 6/ 314]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله لن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون}.
- أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي، عن ابن عباس: «أن يهود كانوا يقولون: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودات، ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله في ذلك: {وقالوا لن تمسنا النار} إلى قوله: {هم فيها خالدون}».
- وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد، مثله.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والواحدي عن ابن عباس قال: «وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين، فقالوا: لن يعذب أهل النار إلا قدر أربعين، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها، حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعهودة، فقال له خزنة النار: يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة، فقد انقضى العدد، وبقي الأبد، فيأخذون في الصعود يرهقون على وجوههم».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: «أن اليهود قالوا: لن تمسنا النار إلا أربعين يوما مدة عبادة العجل».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن ابي حاتم عن عكرمة قال: اجتمعت يهود يوما فخاصموا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، وسموا أربعين يوما، ثم يخلفنا فيها ناس، وأشاروا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -ورد يده على رؤوسهم-: «كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها، لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدا»، ففيهم أنزلت هذه الآية: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} يعنون أربعين ليلة.
- وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود: «أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله على موسى يوم طور سيناء؛ من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟»،قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة، فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا»، فنزل القرآن تصديقا لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} إلى قوله: {وهم فيها خالدون}.
- وأخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة، قال: لما افتتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا لي من كان ههنا من اليهود»، فقال لهم: «من أبوكم؟»، قال: فلان، قال: «كذبتم، بل أبوكم فلان»، قالوا: صدقت وبررت، ثم قال لهم: «هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟»، قالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم:«من أهل النار؟»، قالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخسئوا -والله- لا نخلفكم فيها أبدا».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {قل أتخذتم عند الله عهدا}:«أي: موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «لما قالت اليهود ما قالت؛ قال الله لمحمد: {قل أتخذتم عند الله عهدا} يقول: ادخرتم عند الله عهدا، يقول: أقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به، فإن كنتم قلتموها فأرجوا بها، وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على الله ما لا تعلمون».
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {قل أتخذتم عند الله} قال: «بفراكم وبزعمكم أن النار ليس تمسكم إلا أياما معدودة، يقول: إن كنتم اتخذتم عند الله عهدا بذلك فلن يخلف الله عهده»، {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} قال: «قال القوم الكذب والباطل، وقالوا عليه ما لا يعلمون»). [الدر المنثور: 1/ 447-450]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني عيّاش بن عقبة، عن ابن أبي فروة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لناسٍ من يهود:
«من أصحاب النّار غدًا؟»، قالوا: نحن سبعة أيّامٍ، ثمّ تخلفوننا فيها، فنزل القرآن: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده أن تقولون على اللّه ما لا تعلمون (80) بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}). [الجامع في علوم القرآن: 1 /105] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته} قال:
«السيئة: الشرك، والخطيئة: الكبائر»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 51]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {من كسب سيّئةً} قال: «الشرك»، {وأحاطت به خطيئته} قال: «كلّ عملٍ أوجب عليه النار»). [تفسير الثوري: 47]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي رزينٍ، عن ربيع بن خثيمٍ {بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته} قال: ماتوا على كفرهم، وربّما قال: ماتوا على المعصية). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 269]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}.


وقوله: {بلى من كسب سيّئةً} تكذيبٌ من اللّه القائلين من اليهود: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} وإخبارٌ منه لهم أنّه يعذّب من أشرك وكفر به وبرسله وأحاطت به ذنوبه فمخلّده في النّار؛ فإنّ الجنّة لا يسكنها إلاّ أهل الإيمان به وبرسوله، وأهل الطّاعة له، والقائمون بحدوده.
- كما حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته} أي: من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به، حتّى يحيط كفره بما له من حسنةٍ {فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}».
وأمّا {بلى} فإنّها إقرارٌ في كلّ كلامٍ في أوّله جحدٌ، كما نعم إقرارٌ في الاستفهام الّذي لا جحد فيه، وأصلها بل الّتي هي رجوعٌ عن الجحد المحض في قولك: ما قام عمرٌو بل زيدٌ؛ فزيدٌ فيها الياء ليصلح عليها الوقوف، إذ كانت عطفًا ورجوعًا عن الجحد، ولتكون، أعني بلى، رجوعًا عن الجحد فقط، وإقرارًا بالفعل الّذي بعد الجحد؛ فدلّت الياء منها على معنى الإقرار والإنعام، ودلّ لفظ بلى على الرّجوع عن الجحد.
وأمّا السّيّئة الّتي ذكر اللّه في هذا المكان فإنّها الشّرك باللّه.
- كما حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، قال: حدّثني عاصمٌ، عن أبي وائلٍ: {بلى من كسب سيّئةً} قال: «الشّرك».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:«{بلى من كسب سيّئةً}شركًا».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {بلى من كسب سيّئةً} قال: «أمّا السّيّئة فالشّرك».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{بلى من كسب سيّئةً} أمّا السّيّئة فهي الذّنوب الّتي وعد عليها النّار».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {بلى من كسب سيّئةً} قال: «الشّرك».
- قال ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ:«{سيّئةً}شركًا».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «قوله: {بلى من كسب سيّئةً} يعني الشّرك».
وإنّما قلنا: إنّ السّيّئة الّتي ذكر اللّه جلّ ثناؤه أنّ من كسبها وأحاطت به ذنوبه فهو من أهل النّار المخلّدين فيها في هذا الموضع، إنّما عنى اللّه بها بعض السّيّئات دون بعضٍ، وإن كان ظاهرها في التّلاوة عامًّا، أنّ اللّه قضى على أهلها بالخلود في النّار، والخلود في النّار لأهل الكفر باللّه دون أهل الإيمان به لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّ أهل الإيمان لا يخلّدون فيها، وأنّ الخلود في النّار لأهل الكفر باللّه دون أهل الإيمان به.
وبعد فإنّ اللّه جلّ ثناؤه قد قرن بقوله: {بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} قوله:{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} فكان معلومًا بذلك أنّ الّذين لهم الخلود في النّار من أهل السّيّئات، غير الّذي لهم الخلود في الجنّة من أهل الإيمان.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ الّذين لهم الخلود في الجنّة من الّذين آمنوا هم الّذين عملوا الصّالحات دون الّذين عملوا السّيّئات، فإنّ في إخبار اللّه أنّه مكفّرٌ باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه سيّئاتنا، ومدخلنا المدخل الكريم، ما ينبئ عن صحّة ما قلنا في تأويل قوله: {بلى من كسب سيّئةً} بأنّ ذلك على خاصٍّ من السّيّئات دون عامّها.
فإن قال لنا قائلٌ: فإنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما ضمن لنا تكفير سيّئاتنا باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه، فما الدّلالة على أنّ الكبائر غير داخلةٍ في قوله: {بلى من كسب سيّئةً}؟
قيل: لمّا صحّ من أنّ الصّغائر غير داخلةٍ فيه، وأنّ المعنى بالآية خاصٌّ دون عامٍّ، ثبت وصحّ أنّ القضاء والحكم بها غير جائزٍ لأحدٍ على أحدٍ إلاّ على من وقّفه اللّه عليه بدلالةٍ من خبرٍ قاطعٍ عذر من بلغه. وقد ثبت وصحّ أنّ اللّه تعالى ذكره قد عنى بذلك أهل الشّرك والكفر به، بشهادة جميع الأمّة، فوجب بذلك القضاء على أنّ أهل الشّرك والكفر ممّن عناه اللّه بالآية. فأمّا أهل الكبائر فإنّ الأخبار القاطعة عذر من بلغته قد تظاهرت عندنا بأنّهم غير معنيّين بها، فمن أنكر ذلك ممّن دافع حجّة الأخبار المستفيضة والأنباء المتظاهرة فاللاّزم له ترك قطع الشّهادة على أهل الكبائر بالخلود في النّار بهذه الآية ونظائرها الّتي جاءت بعمومهم في الوعيد، إذ كان تأويل القرآن غير مدركٍ إلاّ ببيان من جعل اللّه إليه بيان القرآن، وكانت الآية تأتي عامًّا في صنف ظاهرها، وهي خاصٌّ في ذلك الصّنف باطنها.
ويسأل مدافعو الخبر بأنّ أهل الكبائر من أهل الاستثناء سؤالنا منكرى رجم الزّاني المحصن، وزوال فرض الصّلاة عن الحائض في حال الحيض، فإنّ السّؤال عليهم نظير السّؤال على أولاء سواءٌ). [جامع البيان: 2/ 178-182]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأحاطت به خطيئته}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وأحاطت به خطيئته} اجتمعت عليه فمات عليها قبل الإنابة والتّوبة منها. وأصل الإحاطة بالشّيء: الإحداق به بمنزلة الحائط الّذي تحاط به الدّار فتحدق به، ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: {نارًا أحاط بهم سرادقها}.
فتأويل الآية إذًا: من أشرك باللّه واقترف ذنوبًا جمّةً فمات عليها قبل الإنابة والتّوبة، فأولئك أصحاب النّار هم فيها مخلّدون أبدًا.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك، قال المتأوّلون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزين: {وأحاطت به خطيئته} قال:«مات بذنبه».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوح، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي رزين: {وأحاطت به خطيئته} قال: «مات بذنبه».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جرير بن نوحٍ، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيمٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «مات عليها».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: أخبرني ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «يحيط كفره بما له من حسنةٍ».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «ما وعد اللّه عليه النّار».
حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفه، قال: حدّثنا شبل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «ما أوجب اللّه فيه النّار».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وأحاطت به خطيئته} قال:«أمّا الخطيئة فالكبيرة الموجبة».
- حدّثنا الحسن، قال، أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: {وأحاطت به خطيئته} قال:«الخطيئة: الكبائر».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا وكيعٌ، ويحيى بن آدم، عن سلاّم بن مسكينٍ، قال: سأل رجلٌ الحسن عن قوله {وأحاطت به خطيئته} فقال: «ما ندري ما الخطيئة يا بنيّ. اتل القرآن، فكلّ آيةٍ وعد اللّه عليها النّار فهي الخطيئة».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته} قال: «كلّ ذنبٍ محيطٌ فهو ما أوعد اللّه عليه النّار».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزينٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «مات بخطيئته».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا الأعمش، قال: حدّثنا مسعود أبو رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيمٍ: في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: «هو الّذي يموت على خطيئته، قبل أن يتوب».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: قال وكيعٌ: سمعت الأعمش، يقول في قوله: {وأحاطت به خطيئته}: «مات بذنوبه».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{وأحاطت به خطيئته} الكبيرة الموجبة».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{وأحاطت به خطيئته} فمات ولم يتب».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجاج، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «الشّرك»، ثمّ تلا: {ومن جاء بالسّيّئة فكبّت وجوههم في النّار}). [جامع البيان: 2/ 182-185]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فأولئك} الّذين كسبوا السّيّئات وأحاطت بهم خطيئاتهم أصحاب النّار.
ويعني بقوله جلّ ثناؤه: {أصحاب النّار} أهل النّار؛ وإنّما جعلهم لها أصحابًا لإيثارهم في حياتهم الدّنيا ما يوردهموها، ويوردهم سعيرها على الأعمال الّتي توردهم الجنّة، فجعلهم جلّ ذكره بإيثارهم أسبابها على أسباب الجنّه لها أصحابًا، كصاحب الرّجل الّذي يصاحبه مؤثرًا صحبته على صحبة غيره حتّى يعرف به.
{هم فيها} يعني في النّار خالدون، ويعني بقوله {خالدون} مقيمون.
- كما حدّثني محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{هم فيها خالدون} أي: خالدون أبدًا».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{هم فيها خالدون} لا يخرجون منها أبدًا»). [جامع البيان: 2/ 185-186]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (81)}
قوله: {بلى من كسب سيئة}
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ:«{بلى من كسب سيّئةً} أي: من عمل بمثل أعمالكم، وكفر بمثل ما كفرتم به».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد الحميد الحمّانيّ، ثنا رجلٌ -يعني النّضر الخزّاز-، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {بلى من كسب سيئة} قال: «الشرك».
قال أبو محمّدٍ: وكذا روي عن أبي وائلٍ وأبي العالية ومجاهدٍ وعطاءٍ وقتادة والحسن والربيع بن أنس وعكرمة. ورى عن الحسن قولٌ آخر.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: {بلى من كسب سيّئةً} قال:«السّيّئة: الكبيرة من الكبائر».

وروي عن السّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 157-158]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأحاطت به}
[الوجه الأول]
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا زكريّا بن عدي، أنبأ ابن المبارك، عن ابن جرير، عن مجاهدٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «بقلبه».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{وأحاطت به خطيئته} أي: من عمل بمثل أعمالكم، وكفر بمثل ما كفرتم به، حتّى يحيط كفره بماله من حسنةٍ».
- حدّثنا عبد اللّه بن إسماعيل البغداديّ، ثنا سريج بن يونس، ثنا نحيى بن أبي بكير، عن أبي بكر عيّاشٍ، عن يحيى بن أيّوب، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- يعني قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: «أحاط به شركه».
قال أبو محمّدٍ: وروي في تفسير هذا الحرف ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما تقدّم وقد أتينا به. وكذا فسّره أبو وائلٍ، وعطاءٌ والحسن في رواية عبّاد بن منصورٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وأحمد بن سنانٍ، قالا: ثنا أبو نحيى الحمّانيّ، ثنا الأعمش، عن أبي رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيمٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «الّذي يموت على خطاياه من قبل أن يتوب». والسّياق لأحمد.

قال: وروي عن السّدّيّ، وأبي رزينٍ، والأعمش نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته} قال: «الكبيرة الموجبة».

قال: وروي عن الحسن في رواية سلام بن مسكينٍ ومجاهدٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 158-159]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ سعيد أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} أي: خالدًا أبدًا».
وروي عن السّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 159]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: «الخطيئة يعني مما يعذب الله عليها»). [تفسير مجاهد: 83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}.
- أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بلى من كسب} قال: «الشرك».
- وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة وقتادة، مثله.
- وأخرج ابن ابي حاتم عن أبي هريرة في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: «أحاط به شركه».
- وأخرج ابن اسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بلى من كسب سيئة}: «أي: من عمل مثل أعمالكم وكفر بما كفرتم به، حتى يحيط كفره بما له من حسنة {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (81) والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي: من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له أبدا».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال:«هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار».
- وأخرج وكيع، وابن جرير عن الحسن أنه سئل عن قوله: {وأحاطت به خطيئته} ما الخطيئة؟ قال: «اقرؤوا القرآن فكل آية وعد الله عليها النار فهي الخطيئة».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: «الذنوب تحيط بالقلوب، فكلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب حتى يكون هكذا»، وقبض كفه، ثم قال: «والخطيئة كل ذنب وعد الله عليه النار».
- وأخرج ابن ابي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن الربيع بن خيثم في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: «هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب».
- وأخرج وكيع، وابن جرير عن الأعمش في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: «مات بذنبه»). [الدر المنثور: 1/ 451-452]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}.
ويعني بقوله: {والّذين آمنوا} أي: صدّقوا بما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ويعني بقوله: {وعملوا الصّالحات} أطاعوا اللّه فأقاموا حدوده، وأدّوا فرائضه، واجتنبوا محارمه.
ويعني بقوله: {أولئك} الّذين هم كذلك {أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} يعني أهلها الّذين هم أهلها {هم فيها خالدون} مقيمون أبدًا.
وإنّما هذه الآية والّتي قبلها إخبارٌ من اللّه عباده عن بقاء النّار وبقاء أهلها فيها، وبقاء الجنه وبقاء أهلها فيها ودوام ما أعدّ الله عز وجل في كلّ واحدةٍ منهما لأهلها، تكذيبًا من اللّه جلّ ثناؤه القائلين من يهود بني إسرائيل إنّ النّار لن تمسّهم إلاّ أيّامًا معدودةً، وأنّهم صائرون بعد ذلك إلى الجنّة؛ فأخبرهم بخلود كفّارهم في النّار وخلود مؤمنيهم في الجنّة.
- كما حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} أي: من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنّة خالدين فيها؛ يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله أبدًا لا انقطاع له أبدًا».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه أولئك أصحاب الجنّة {هم فيها خالدون}»). [جامع البيان: 2/ 186-187]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (82) وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلّا اللّه وبالوالدين إحسانًا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للنّاس حسنًا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة ثمّ تولّيتم إلّا قليلًا منكم وأنتم معرضون (83)}
قوله: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرارٍ، أنبأ إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد اللّه بن نافعٍ الصّائغ، عن عاصم بن عمر، عن زيد بن أسلم: {
والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} قال: «رسول اللّه وأصحابه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 159]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}
- حدّثنا محمد بن نحيى، ؟ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق:
حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} أي: من آمن بما كفرتم وعمل ما تركتم من دينه، فلهم الجنّة خالدين فيها، يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله لا انقطاع له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 159]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن اسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بلى من كسب سيئة}:«أي: من عمل مثل أعمالكم وكفر بما كفرتم به، حتى يحيط كفره بما له من حسنة {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (81) والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي: من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له أبدا»). [الدر المنثور: 1/ 451] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 08:46 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم...}

فـ"الأمانيّ " على وجهين في المعنى، ووجهين في العربية؛
فأما في العربية؛ فإنّ من العرب من يخفّف الياء فيقول: "إلاّ أماني وإن هم" ومنهم من يشدّد، وهو أجود الوجهين.
وكذلك ما كان مثل "أمنيّة"، ومثل "أضحيّة"، و"أغنيّة"، ففي جمعه وجهان: التخفيف والتشديد، وإنما تشدّد لأنك تريد الأفاعيل، فتكون مشدّدة لاجتماع الياء من جمع الفعل والياء الأصلي، وإن خفّفت حذفت ياء الجمع فخففت الياء الأصلية، وهو كما يقال: القراقير والقراقر، فمن قال (الأماني) بالتخفيف فهو الذي يقول القراقر، ومن شدّد (الأمانيّ) فهو الذي يقول القراقير.
والأمنيّة في المعنى: التلاوة، كقول الله عزّ وجلّ: {إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} أي: في تلاوته، والأمانيّ -أيضا-: أن يفتعل الرجل الأحاديث المفتعلة؛ قال بعض العرب لابن دأب وهو يحدّث الناس: أهذا شيء رويته أم شيء تمنّيته؟ يريد: افتعلته، وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم ليست من كتاب الله، وهذا أبين الوجهين). [معاني القرآن: 1/ 49-50]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم إلاّ يظنّون}
باب من الاستثناء.
{ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ} منصوبة لأنه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى "لكن" خارجا من أول الكلام إنما يريد "لكن أمانيّ" و"لكنّهم يتمنّون"، وإنما فسرناه بـ"لكن" لنبين خروجه من الأول، ألا ترى أنك إذا ذكرت "لكن" وجدت الكلام منقطعاً من أوله، ومثل ذلك في القرآن كثير [منه قوله عز وجل] {وما لأحدٍ عنده من نّعمةٍ تجزى * إلاّ ابتغاء وجه ربّه} وقال: {ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} وقال: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً} يقول: "فهلاّ كان منهم من ينهى"، ثم قال: "ولكن قليلاً منهم من ينهى"، ثم قال "ولكن قليلٌ منهم قد نهوا"، فلما جاء مستثنى خارجاً من الأول انتصب، ومثله {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس} يقول: "فهلاّ كانت"، ثم قال: "ولكنّ قوم يونس" فـ"إلا" تجيء في معنى "لكنّ"، وإذا عرفت أنها في معنى "لكنّ" فينبغي أن تعرف خروجها من أوله، وقد يكون {إلاّ قوم يونس} رفعا، تجعل "إلاّ" وما بعده في موضع صفة بمنزلة "غير" كأنه قال: "فهلا كانت قريةٌ آمنت غير قرية قوم يونس"، ومثلها {لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ اللّه لفسدتا} فقوله: {إلاّ اللّه} صفة [و] لولا ذلك لانتصب، لأنه مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام، وكل مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام نصب، وهذا قد يجوز إلقاؤه [فـ] لو قلت "لو كان فيهما آلهةٌ لفسدتا" جاز، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله "ما مرّ بي أحدٌ إلاّ زيداً مثلك"، قال الشاعر فيما هو صفة:
أنيخت فألقت بلدةً فوق بلدةٍ ....... قليلٌ بهـا الأصـوات إلاّ بغامهـا
وقال:
وكــلّ أخٍ مفـارقـه أخـــوه ....... لعمر أبيك إلا الفرقدان
ومثل المنصوب الذي في معنى "لكن" قول الله عز وجل: {وإن نّشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون * إلاّ رحمةً مّنّا} وهو في الشعر كثير وفي الكلام، قال الفرزدق:
وما سجنوني غير أني ابن غالب ....... وأنـي مـن الأثـريـن غـيـر الزعـانـف
يقول: "ولكنّني"، وهو مثل قولهم: "ما فيها أحدٌ إلا حماراً" لما كان ليس من أول الكلام جعل على معنى "لكنّ" ومثله:
لـيـس بيـنـي وبـيـن قـيـسٍ عـتــاب ....... غير طعن الكلا وضرب الرقاب
وقوله:
حلفـت يمينـاً غيـر ذي مثنـويّـةٍ ....... ولا علم إلاّ حسن ظنٍّ بغايب
وبصاحب.
باب الجمع.
وأمّا تثقيل {الأمانيّ} فلأن واحدها "أمنيّة" مثقّل، وكلّ ما كان واحده مثقلا مثل: "بختيّة" و"بخاتيّ" فهو مثقّل، وقد قرأ بعضهم (إلاّ أماني) فخفف، وذلك جائز لأن الجمع على غير واحده وينقص منه ويزاد فيه، فأما "الأثافي" فكلّهم يخفّفها وواحدها "أثفيّة" مثقّلة، وإنما خففوها لأنهم يستعملونها في الكلام والشعر كثيرا، وتثقيلها في القياس جائز، ومثل تخفيف "الأماني" قولهم: "مفتاح" و"مفاتح" وفي "معطاء": "معاطٍ"،
قال الأخفش: قد سمعت بلعنبر تقول: "صحاري" و"معاطيّ" فتثقل.
وقوله: {وإن هم إلاّ يظنّون} أي: فماّ هم إلاّ يظنّون). [معاني القرآن: 1/ 89-91]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أهل المدينة {إلا أماني وإن هم}، مثقلة حيث وقعت.
وكان أبو جعفر يخففها، وكل ما في القرآن من آماني.
[معاني القرآن لقطرب: 250]
وقالوا في كلامهم: أمنية، وأمان يا هذا؛ وبختية وبخات؛ وعارية وعوار؛ بغير تثقيل.
قال الشاعر فخفف:
وأطفأ نار المرء عمرو وكيده = وكان يمني النفس مني الأمانيا
وهي لغة مطردة في كلامهم: أماني؛ مخففة.
والأري مثقل؛ والتثقيل فيه أقيس؛ لأن الواحد مثقل.
قال الراعي في مثل ذلك:
بذي الرضم سار الحي منها فما ترى = بها العين إلا مسجدا وأواريا
فخفف على هذه القراءة.
وقال بعضهم: إمنية بكسر الألف). [معاني القرآن لقطرب: 251]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب}، فإنهم يقولون: فيك أمية؛ كأنه الغفلة.
[معاني القرآن لقطرب: 321]
قال أبو علي: والذي سمعنا: الجهالة؛ كأن الأمي من ذلك الذي لا يقرأ؛ وهو الجهل بالكتاب عند العرب.
وقال الراجز:
ولا أعود بعدها كريا
وأمارس الكهلة والصبيا
والعزب المنفه الأميا). [معاني القرآن لقطرب: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأماني} الأمنية في المعنى: التلاوة، ويقال للحديث: المفتعل، قيل لبعضهم في حديث: تمنيته أم حديث رويته؟ أي: افتعلته). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ} أي: لا يعلمون الكتاب إلّا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء، فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو كذب، ومنه قول عثمان -رضي اللّه عنه-: «ما تغنّيت ولا تمنّيت» أي: ما اختلقت الباطل.
وتكون الأمانيّ: التّلاوة، قال اللّه عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} يريد: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
يقول: فهم لا يعلمون الكتاب إلّا تلاوة ولا يعلمون به، وليسوا كمن يتلوه حقّ تلاوته، فيحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ولا يحرفه عن مواضعه). [تفسير غريب القرآن:55-56]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ وإن هم إلّا يظنّون}
معنى "الأمّي" في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلّة أمّته، أي: لا يكتب فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه، وارتفع {أمّيّون} بالابتداء و{منهم} الخبر، ومن قول الأخفش يرتفع {أمّيّون} بفعل "هم"، كان المعنى: واستقر منهم أمّيّون.
ومعنى {إلّا أمانيّ} قال الناس في معناه قولين:
قالوا: معناه: لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة، كما قال عزّ وجلّ: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} أي: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
وقد قيل: الأماني أكاذيب العرب، تقول أنت إنما تتمنى هذا القول، أي: تختلقه.
ويجوز أن يكون أماني منسوبا إلى القائل إذا قال ما لا يعلمه فكأنه إنما يتمناه، وهذا مستعمل في كلام الناس، تقول للذي يقول ما لا حقيقة له وهو يحبه: هذا منى، وهذه أمنية.
وفي لفظ أماني وجهان:
العرب تقول هذه أمان وأمانيّ يا هذا، بالتشديد والتخفيف، فمن قال (أمانيّ) بالتشديد فهو مثل أحدوثة وأحاديث، وقرقورة وقراقير، ومن قال (أمان) بالتخفيف فهو مما اجتمعت فيه الياءان أكثر لثقل الياء.
والعرب تقول في أثفية أثافيّ وأثاف، والتخفيف أكثر لكثرة استعمالهم أثاف،
والأثافي: الأحجار التي تجعل تحت القدر). [معاني القرآن: 1/ 159-160]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و"الأماني": التلاوة). [ياقوتة الصراط: 175]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا أماني} إلا أباطيل وأكاذيب، قال عثمان رضي الله عنه:«ما تمنيت منذ أسلمت» أي: ما كذبت.
أي: لا يعلمون الكتاب إلا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو باطل كذب.
(الأماني) في غير هذه: التلاوة، وكقوله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} أي: تلاوته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("الأمنية": التلاوة). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فويلٌ لّلّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً فويلٌ لّهم مّمّا كتبت أيديهم وويلٌ لّهم مّمّا يكسبون}
{فويلٌ لّلّذين يكتبون الكتاب} يرفع "الويل" لأنه اسم مبتدأ جعل ما بعده خبره، وكذلك "الويح و"الويل" و"الويس" إذا كانت بعدهنّ هذه اللام ترفعهن، وأما "التعس" و"البعد" وما أشبههما فهو نصب أبدا، وذلك أنّ كل ما كان من هذا النحو تحسن إضافته بغير لام فهو رفع باللام، ونصب بغير لام، نحو: {ويلٌ لّلمطفّفين} و"ويلٌ لزيدٍ"، ولو ألقيت اللام قلت: "ويل زيدٍ" و"ويح زيدٍ" و"ويس زيدٍ"، فقد حسنت إضافته بغير لام فلذلك رفعته باللام مثل: {ويلٌ يومئذٍ لّلمكذّبين}.
وأما قوله: {ألا بعداً لّمدين} و{ألا بعداً لّثمود} و{والّذين كفروا فتعساً لّهم} فهذا لا تحسن إضافته بغير لام، ولو قلت: "تعسهم" أو "بعدهم" لم يحسن، وانتصاب هذا كله بالفعل، كأنك قلت: "أتعسهم اللّه تعساً" و"أبعدهم اللّه بعدا"، وإذا قلت: "ويل زيدٍ" فكأنك قلت: "ألزمه اللّه الويل"، وأما رفعك إياه باللام؛ فإنما كان لأنك جعلت ذلك واقعا واجبا لهم في الاستحقاق، ورفعه على الابتداء، وما بعده مبني عليه، وقد ينصبه قوم على ضمير الفعل وهو قياس حسن، فيقولون: "ويلاً لزيد" و"ويحاً لزيد"، قال الشاعر:
كسا اللؤم تيماً خضرةً في جلودها....... فـويـلاً لتـيـمٍ مـــن سرابيـلـهـا الـخـضـر
قال الأخفش: "حدثني عيسى بن عمر أنه سمع الأعراب ينشدونه هكذا بالنصب، ومنهم من يرفع ما ينصب في هذا الباب، قال أبو زبيد:
أغار وأقوى ذات يومٍ وخيبةٌ ....... لأوّل مــن يلـقـى غــيٌ ميـسّـر
باب اللام.
وقوله: {ليشتروا به ثمناً قليلاً} فهذه اللام إذا كانت في معنى "كي" كان ما بعدها نصبا على ضمير "أن"، وكذلك المنتصب بـ"كي" هو أيضاً على ضمير "أن" كأنه يقول: "الاشتراء"، فـ"يشتروا" لا يكون اسما إلا بـ"أن"، فـ"أن" مضمرة وهي الناصبة وهي في موضع جر باللام. وكذلك {كي لا يكون دولةً} "أن" مضمرة وقد جرتها "كي"، وقالوا: "كيمه" فـ"مه" اسم لأنه "ما" التي في الاستفهام وأضاف "كي" إليها، وقد تكون "كي" بمنزلة "أن" هي الناصبة وذلك قوله: {لّكيلا تأسوا} فأوقع عليها اللام، ولو لم تكن "كي" وما بعدها اسما لم تقع عليها اللام وكذلك ما انتصب بعد "حتّى" إنّما انتصب بمضمر "أن" قال: {حتّى يأتي وعد اللّه} و{حتّى تتّبع ملّتهم} إنّما هو "حتّى أن يأتي " و"حتّى أن تتّبع"، وكذلك جميع ما في القرآن من "حتّى"، وكذلك {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول} أي: "حتّى أن يقول"، لأنّ "حتّى" في معنى "إلىّ"، تقول "أقمنا حتّى الليل" أي: "إلى اللّيل".
فإن قيل: إظهار "أن" ههنا قبيح؛ قلت: "قد تضمر أشياء يقبح إظهارها إذا كانوا يستغنون عنها"، ألا ترى أنّ قولك: "إن زيداً ضربته" منتصب بفعل مضمر لو أظهرته لم يحسن، وقد قرئت هذه الآية (وزلزلوا حتّى يقولُ الرّسولُ) يريد: "حتّى الرّسول قائلٌ"، جعل ما بعد "حتّى" مبتدأ، وقد يكون ذلك نحو قولك: "سرت حتّى أدخلها" إذا أردت: "سرت فإذا أنا داخلٌ فيها"، و"سرت أمس حتّى أدخلها اليوم" أي: حتّى "أنا اليوم أدخلها فلا أمنع"، وإذا كان غاية للسير نصبته، وكذلك ما لم يجب مما يقع عليه "حتّى" نحو: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقباً}.
وأما {ولن يخلف اللّه وعده} فنصب بـ"لن" كما نصب بـ"أن"، وقال بعضهم: إنما هي "أن" جعلت "لا" كأنه يريد "لا أن يخلف اللّه وعده" فلما كثرت في الكلام حذفت، وهذا قول، وكذلك جميع "لن" في القرآن.
وينبغي لمن قال ذلك القول أن يرفع "أزيدٌ لن تضرب" لأنه في معنى "أزيد لا ضرب له"، وكذلك ما نصب بـ"إذن" تقول: "إذن آتيك" تنصب بها كما تنصب بـ"أن" وبـ"لن" فإذا كان قبلها الفاء أو الواو رفعت نحو قول الله عز وجل: {وإذاً لاّ تمتّعون إلاّ قليلاً} وقال: {فإذاً لاّ يؤتون النّاس نقيراً} وقد يكون هذا نصبا أيضاً عنده على إعمال "إذن"، وزعموا أنّه في بعض القراءة منصوب؛ وإنّما رفع لأنّ معتمد الفعل صار على الفاء والواو ولم يحمل على "إذن"، فكأنه قال: "فلا يؤتون الناس إذا نقيرا" [و] "ولا تمتّعون إذن"، وقوله: {لّئلاّ يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيءٍ} [و] {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} و{أن لا يرجع إليهم قولاً} فارتفع الفعل بعد "أن لا" لأنّ ["أن"] هذه مثقّلة في المعنى، ولكنها خففت وجعل الاسم فيها مضمرا، والدليل على ذلك أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل، ألا ترى أنّك تقول "أفلا يرون أنّه لا يرجع إليهم"، وتقول: "أنّهم لا يقدرون على شيء" [و] "أنّه لا تكون فتنة". وقال: {آيتك أن لا تكلّم الناس} نصب لأن هذا ليس في معنى المثقّل، إنما هو {آيتك أن لا تكلّم} كما تقول: (آيتك أن تكلّم) وأدخلت "لا" للمعنى الذي أريد من النفي، ولو رفعت هذا جاز على معنى (آيتك أنك لا تكلم)، ولو نصب الآخر جاز على أن تجعلها "أن" الخفيفة التي تعمل في الأفعال، ومثل ذلك {إنّه ظنّ أن لّن يحور} وقال: {تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} وقال: {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} وتقول: "علمت أن لا تكرّمني" و"حسبت أن لا تكرمني"، فهذا مثل ما ذكرت لك، فإنما صار "علمت" و"استيقنت" ما بعده رفع لأنه واجب، فلما كان واجبا لم يحسن أن يكون بعده "أن" التي تعمل في الأفعال، لأن تلك إنما تكون في غير الواجب، ألا ترى أنك تقول "أريد أن تأتيني" فلا يكون هذا إلا لأمر لم يقع، وارتفع ما بعد الظن وما أشبهه لأنه مشاكل للعلم لأنه يعلم بعض الشيء إذا كان يظنه، وأما "خشيت أن لا تكرمني" فهذا لم يقع، ففي مثل هذا تعمل "أن" الخفيفة، ولو رفعته على أمر قد استقر عندك وعرفته كأنك جريته فكان لا يكرمك فقلت: "خشيت أن لا تكرمني" أي: "خشيت أنّك لا تكرمني" جاز.
وزعم يونس أن ناسا من العرب يفتحون اللام التي في مكان "كي" وأنشدوا هذا البيت، فزعم أنه سمعه مفتوحا:
يؤامـرنـي ربيـعـة كــلّ يـــومٍ ....... لأهلكه وأقتني الدّجاجا
وزعم خلف أنها لغة لبني العنبر وأنه سمع رجلا ينشد هذا البيت منهم مفتوحا:
فقلـت لكلبيّـي قضاعـة إنّـمـا ....... تخبّر تماني أهل فلجٍ لأمنعا
يريد "من أهل فلجٍ".
وقد سمعت أنا ذلك من العرب، وذلك أن أصل اللام الفتح وإنما كسرت في الإضافة ليفرق بينها وبين لام الابتداء.
وزعم أبو عبيدة أنه سمع لام "لعلّ" مفتوحة في لغة من يجرّبها ما بعدها في قول الشاعر:
لعـلّ اللّـه يمكننـي عليهـا ....... جهاراً من زهيرٍ أو أسيد
يريد "لعلّ عبد اللّه" فهذه اللام مكسورة لأنها لام إضافة.
وقد زعم أنه قد سمعها مفتوحة فهي مثل لام "كي"، وقد سمعنا من العرب من يرفع بعد "كيما" وأنشد:
إذا أنت لـم تنفـع فضـرّ فإنّمـا ....... يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع
فهذا جعل "ما" اسما وجعل "يضرّ" و"ينفع" من صلته جعله اسما للفعل وأوقع "كي" عليه وجعل "كي" بمنزلة اللام.
وقوله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم}، وقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ} فيشبه أن تكون الفاء زائدة كزيادة "ما" ويكون الذي بعد الفاء بدلا من "أن" التي قبلها، وأجوده أن تكسر "إن" وأن تجعل الفاء جواب المجازاة، وزعموا أنهم يقولون "أخوك فوجد" "بل أخوك فجهد" يريدون "أخوك وجد" و"بل أخوك جهد" فيزيدون الفاء، وقد فسر الحسن {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها} على حذف الواو، وقال: «معناها: قال لهم خزنتها»، فالواو في هذا زائدة، قال الشاعر:
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ....... إلاّ كــلــمّـــة حـــالــــمٍ بــخـــيـــال
وقال:
فــــإذا وذلــــك لــيــس إلاّ حـيـنــه ....... وإذا مضى شيءٌ كأن لم يفعل
كأنه زاد الواو وجعل خبره مضمرا، ونحو هذا مما خبره مضمر كثير). [معاني القرآن: 1 /92-96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه} أي: يزيدون في كتب اللّه ما ليس منها، لينالوا بذلك غرضا حقيرا من الدنيا). [تفسير غريب القرآن: 56]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكسبون}
"الويل" في اللغة: كلمة يستعملها كل واقع في هلكة، وأصله في العذاب والهلاك، وارتفع "ويل" بالابتداء، وخبره {للّذين}، ولو كان في غير القرآن لجاز (فويلا للذين) على معنى: جعل الله ويلا للذين، والرفع على معنى: ثبوت الويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا.
يقال: إن هذا في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كتبوا صفته على غير ما كانت عليه في التوراة،
ويقال في التفسير: إنهم كتبوا صفته أنه آدم طويل، وكانت صفته فيها أنه آدم ربعة، فبدّلوا فألزمهم الله الويل بما كتبت أيديهم ومن كسبهم على ذلك، لأنهم أخذوا عليه الأموال وقبلوا الهدايا). [معاني القرآن: 1 /160]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ أيّاماً مّعدودةً...}
يقال: كيف جاز في الكلام: لآتينك أياما معدودة، ولم يبين عددها؟
وذلك أنهم نووا الأيام التي عبدوا فيها العجل، فقالوا: لن نعذّب في النار إلا تلك الأربعين الليلة التي عبدنا فيها العجل، فلما كان معناها مؤقّتا معلوما عندهم وصفوه بـ"معدودة" و"معدودات"، فقال الله: قل يا محمد: هل عندكم من الله عهدٌ بهذا الذي قلتم {أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}). [معاني القرآن: 1/ 50]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اتخذتم عند الله عهداً} أي: وعداً، والميثاق: العهد يوثق له). [مجاز القرآن: 1/ 45]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عند الله عهدا} أي: وعدا). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّاماً معدودةً} قالوا: إنما نعذّب أربعين يوما قدر ما عبد أصحابنا العجل.
{قل أتّخذتم عند اللّه عهداً} أي أتخذتم بذلك من اللّه وعدا؟). [تفسير غريب القرآن: 56]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة قل أتّخذتم عند اللّه عهدا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}
{تمسنا} نصب بـ{لن}، وقد اختلف النحويون في علة النصب بـ"لن".
فروي عن الخليل قولان؛
أحدهما: أنها نصبت كما نصبت "أن" وليس ما بعدها بصلة لها، لأن "لن يفعل"، نفي "سيفعل" فقدم ما بعدها عليها، نحو قولك: زيدا لن أضرب، كما تقول: زيدا لم أضرب،
وقد روى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل عن الخليل أنه قال: الأصل في "لن": "لا أن"، ولكن الحذف وقع استخفافا، وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، لو كان كذلك لم يجز (زيدا لن أضرب)، وعلى مذهب سيبويه جميع النحويين، وقد حكى هشام عن الكسائي في "لن" مثل هذا القول الشاذ عن الخليل، ولم يأخذ به سيبويه ولا أصحابه.
ومعنى {أيّاما معدودة} قالوا: إنّما نعذّب لأننا عبدنا العجل أياما، قيل في عددها قولان، قيل: سبعة أيام، وقيل: أربعون يوما، وهذه الحكاية عن اليهود، هم الذين قالوا: {لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.
وقوله عزّ وجلّ: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدا} بقطع الألف هي تقرأ على ضربين: {أتخذتم} بتبيين الذال، و(اتختم) بإدغام الذال في التاء، والألف قطع لأنها ألف استفهام وتقرير.
وقوله عزّ وجلّ: {عند اللّه عهدا} المعنى: عهد اللّه إليكم في أنه لا يعذبكم إلا هذا المقدار.
وقوله عزّ وجلّ: {فلن يخلف اللّه عهده} أي: إن كان لكم عهد فلن يخلفه اللّه، {أم تقولون على الله ما لا تعلمون}). [معاني القرآن: 1/ 160-161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا أياما معدودة} قالوا: نعذب قدر ما عبدنا العجل، أربعين يوما.
وقيل: قالوا: إنما نعذب سبعة أيام، لكل ألف سنة من سني الدنيا يوم، وعمر الدنيا عندهم سبعة آلاف سنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَهْداً}: وعدا). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بلى من كسب سيّئةً...}
وضعت "بلى" لكل إقرار في أوّله جحد، ووضعت "نعم" للاستفهام الذي لا جحد فيه، فـ"بلى" بمنزلة "نعم" إلا أنها لا تكون إلاّ لما في أوّله جحد؛ قال الله تبارك وتعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقاً قالوا نعم} فـ"بلى" لا تصلح في هذا الموضع.
وأما الجحد فقوله: {ألم يأتكم نذيرٌ. قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ} ولا تصلح ها هنا "نعم" أداة؛ وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب بـ "نعم" و"لا" ما لم يكن فيه جحدٌ، فإذا دخل الجحد في الاستفهام لم يستقم أن تقول فيه "نعم" فتكون كأنك مقرٌّ بالجحد وبالفعل الذي بعده؛ ألا ترى أنّك لو قلت لقائل قال لك: أما لك مالٌ؟ فلو قلت: "نعم" كنت مقرّاً بالكلمة بطرح الاستفهام وحده، كأنك قلت :"نعم مالي مالٌ"، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويقرّوا بما بعده فاختاروا "بلى" لأنّ أصلها كان رجوعا محضاً عن الجحد إذا قالوا: ما قال عبد الله بل زيدٌ، فكانت "بل" كلمة عطف ورجوع لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفا يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعا عن الجحد فقط، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد، فقالوا: "بلى"، فدلّت على معنى الإقرار والإنعام، ودل لفظ "بل" على الرجوع عن الجحد فقط). [معاني القرآن: 1/ 52-53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقراءة أهل المدينة {وأحاطت به خطيئاته}
الحسن والعامة {خطيئته} ). [معاني القرآن لقطرب: 252]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم قال عزّ وجلّ: {بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} ردا لقولهم: {لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.
وقوله عزّ وجلّ: {وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} فألحق في هذه الآية، والإجماع أن هذا لليهود خاصة لأنه عزّ وجلّ في ذكرهم،
وقد قيل: {من كسب سيئة}: الشرك باللّه، {وأحاطت به خطيئته}: الكبائر، والذي جرى في هذه الأقاصيص إنما هو إخبار عن اليهود). [معاني القرآن: 1/ 162]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 02:40 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
عـلـون بأنطاكـيـة فــوق عقـمـة .......كجرمة نخل أو كجنة يثرب

...
والجنة: البستان. ويثرب: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم). [شرح ديوان امرئ القيس: 366]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 11:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 11:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 11:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 11:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(أمّيّون) هنا عبارة عن جهلة بالتوراة،
قال أبو العالية ومجاهد وغيرهما: «المعنى: ومن هؤلاء اليهود المذكورين»، فالآية منبهة على عامتهم وأتباعهم، أي: إنهم ممن لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضلال،
وقيل: المراد هنا بالأميين قوم ذهب كتابهم لذنوب ركبوها فبقوا أميين،
وقال عكرمة والضحاك: «هم في الآية نصارى العرب»،
وقيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قال: «هم المجوس».
والضمير في (منهم) على هذه الأقوال هو للكفار أجمعين،
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول أبي العالية ومجاهد أوجه هذه الأقوال،
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «أميون» بتخفيف الميم،
والأمي في اللغة: الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب،
- نسب إلى الأم: إما لأنه بحال أمه من عدم الكتاب لا بحال أبيه، إذ النساء ليس من شغلهن الكتاب، قاله الطبري، وإما لأنه بحال ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها،
- وقيل: نسب إلى الأمة وهي القامة والخلقة، كأنه ليس له من الآدميين إلا ذلك،
- وقيل: نسب إلى الأمة على سذاجتها قبل أن تعرف المعارف، فإنها لا تقرأ ولا تكتب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في العرب: «إنا أمة أميّة لا نحسب ولا نكتب»، الحديث.
والألف واللام في (الكتاب) للعهد، ويعني به التوراة في قول أبي العالية ومجاهد.
والأماني جمع أمنية، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع في بعض ما روي عنه «أماني» بتخفيف الياء، وأصل أمنية أمنوية على وزن أفعولة، ويجمع هذا الوزن على أفاعل، وعلى هذا يجب تخفيف الياء، ويجمع على أفاعيل فعلى هذا يجيء أمانيي أدغمت الياء في الياء فجاء «أماني».
واختلف في معنى أمانيّ؛
- فقالت طائفة: هي هنا من تمني الرجل إذا ترجى، فمعناه أن منهم من لا يكتب ولا يقرأ وإنما يقول بظنه شيئا سمعه، فيتمنى أنه من الكتاب،
- وقال آخرون: هي من تمنى إذا تلا، ومنه قوله تعالى: {إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} [الحج: 52] ، ومنه قول الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليله ....... وآخره لاقى حمام المقادر
فمعنى الآية أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى لا علم لهم بصحته،
- وقال الطبري: هي من تمنى الرجل إذا حدث بحديث مختلق كذب، وذكر أهل اللغة أن العرب تقول تمنى الرجل إذا كذب واختلق الحديث، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: «ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت».
فمعنى الآية أن منهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أنهم يسمعون من الأحبار أشياء مختلقة يظنونها من الكتاب،
و(إن) نافية بمعنى (ما)، والظن هنا على بابه في الميل إلى أحد الجائزين). [المحرر الوجيز: 1/ 262-263]

تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون (79) وقالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّاماً معدودةً قل أتّخذتم عند اللّه عهداً فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون (80) بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (81) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (82)}
(الذين) في هذه الآية يراد بهم الأحبار والرؤساء،
قال الخليل: الويل شدة الشر، وقال الأصمعي: الويل القبوح وهو مصدر لا فعل له، ويجمع على ويلات، والأحسن فيه إذا انفصل الرفع، لأنه يقتضي الوقوع، ويصح النصب على معنى الدعاء أي: ألزمه الله ويلا، وويل وويح وويس وويب تتقارب في المعنى، وقد فرق بينها قوم،
- وروى سفيان وعطاء بن يسار أن الويل في هذه الآية: «واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار»،
- وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه واد في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا»،
- وقال أبو عياض: «إنه صهريج في جهنم»،
- وروى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه جبل من جبال النار».
- وحكى الزهراوي عن آخرين أنه باب من أبواب جهنم.
والذين يكتبون: هم الأحبار الذين بدلوا التوراة.
وقوله تعالى: {بأيديهم} بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم الله، وفرق بين من كتب وبين من أمر، إذ المتولي للفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله، وإن كان رأيا له، وقال ابن السراج: هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم، والذي بدلوا هو صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم،
- وقال ابن إسحاق: «كانت صفته في التوراة أسمر ربعة، فردوه آدم طويلا»،
- وذكر السدي: «أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدلون فيها صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في أتباعهم ويقولون هي من عند الله»،
وتناسق هذه الآية على التي قبلها يعطي أن هذا الكتب والتبديل إنما هو للأتباع الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرئ لهم.
والثمن قيل: عرض الدنيا، وقيل: الرشا والمآكل التي كانت لهم، ووصفه بالقلة إما لفنائه وإما لكونه حراما،
وكرر الويل لتكرار الحالات التي استحقوه بها، ويكسبون معناه من المعاصي والخطايا، وقيل: من المال الذي تضمنه ذكر الثمن). [المحرر الوجيز: 1/ 264-265]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقالوا لن تمسّنا النّار} الآية،
- روى ابن زيد وغيره أن سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود: «من أهل النار؟»، فقالوا: نحن ثم تخلفوننا أنتم، فقال لهم: «كذبتم، لقد علمتم أنا لا نخلفكم»، فنزلت هذه الآية،
- ويقال: «إن السبب أن اليهود قالت: إن الله تعالى أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوما عدد عبادتهم العجل»، قاله ابن عباس وقتادة وعطاء،
- وقالت طائفة: قالت اليهود إن في التوراة أن طول جهنم مسيرة أربعين سنة وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم،
- وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وابن جريج: «إنهم قالوا إن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإن الله تعالى يعذبهم بكل ألف سنة يوما».
و(أتّخذتم) أصله «ايتخذتم»، وزنه افتعلتم من الأخذ، سهلت الهمزة الثانية لامتناع جمع همزتين فجاء «ايتخذتم» فاضطربت الياء في التصريف فجاءت ألفا في ياتخذوا وواوا في «موتخذ» فبدلت بحرف جلد ثابت وهو التاء وأدغمت، فلما دخلت في هذه الآية ألف التقرير استغني عن ألف الوصل، ومذهب أبي علي أن أتّخذتم من «تخذ» لا من «أخذ» وقد تقدم ذكر ذلك.
- وقال أهل التفسير: العهد من الله تعالى في هذه الآية الميثاق والوعد،
- وقال ابن عباس وغيره: «معناه: هل قلتم لا إله إلا الله وآمنتم وأطعتم فتدلون بذلك وتعلمون أنكم خارجون من النار؟»،
فعلى هذا التأويل الأول يجيء المعنى: هل عاهدكم الله على هذا الذي تدعون؟
وعلى التأويل الثاني يجيء: هل أسلفتم عند الله أعمالا توجب ما تدعون؟، وقوله: {فلن يخلف اللّه عهده} اعتراض أثناء الكلام). [المحرر الوجيز: 1/ 265-266]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(بلى) رد بعد النفي بمنزلة نعم بعد الإيجاب،
- وقال الكوفيون: أصلها بل التي هل للإضراب عن الأول وزيدت عليها الياء ليحسن الوقف عليها وضمنت الياء معنى الإيجاب والإنعام بما يأتي بعدها،
- وقال سيبويه: هي حرف مثل بل وغيره،
وهي في هذه الآية رد لقول بني إسرائيل لن تمسّنا النّار، فرد الله عليهم وبين الخلود في النار والجنة بحسب الكفر والإيمان،
و(من) شرط في موضع رفع بالابتداء، و«أولئك» ابتداء ثان، و(أصحاب) خبره، والجملة خبر الأول، والفاء موطئة أن تكون الجملة جواب الشرط.
وقالت طائفة: السيئة: الشرك، كقوله تعالى: {ومن جاء بالسّيّئة فكبّت وجوههم في النّار} [النمل: 90]، والخطيئات: كبائر الذنوب، وقال قوم: «خطيئته» بالإفراد،
وقال قوم: السيئة هنا: الكبائر، وأفردها وهي بمعنى الجمع لما كانت تدل على الجنس، كقوله تعالى: {وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها} [إبراهيم: 34]، والخطيئة: الكفر،
ولفظة الإحاطة تقوي هذا القول وهي مأخوذة من الحائط المحدق بالشيء،
وقال الربيع بن خيثم والأعمش والسدي وغيرهم: «معنى الآية: مات بذنوب لم يتب منها»،
وقال الربيع أيضا: «المعنى: مات على كفره»،
وقال الحسن بن أبي الحسن والسدي: «المعنى: كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة»،
والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في المشركين، ومستعار بمعنى الطول والدوام في العصاة وإن علم انقطاعه، كما يقال: ملك خالد ويدعى للملك بالخلد.
وقوله تعالى: {والّذين آمنوا} الآية. يدل هذا التقسيم على أن قوله: {من كسب سيّئةً} الآية في الكفار لا في العصاة،
- ويدل على ذلك أيضا قوله: {أحاطت} لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئته،
- ويدل على ذلك أيضا أن الرد كان على كفار ادعوا أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة فهم المراد بالخلود، والله أعلم). [المحرر الوجيز: 1/ 266-267]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 11:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 11:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ وإن هم إلا يظنّون (78) فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلا فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون (79)}
يقول تعالى: {ومنهم أمّيّون}:«أي: ومن أهل الكتاب»، قاله مجاهدٌ،
والأمّيّون جمع أمّيٍّ،«وهو: الرّجل الذي لا يحسن الكتابة»، قاله أبو العالية، والرّبيع، وقتادة، وإبراهيم النّخعي، وغير واحدٍ وهو ظاهرٌ في قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب [إلا أمانيّ]} أي: لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أمّيٌّ؛ لأنّه لم يكن يحسن الكتابة، كما قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتابٍ ولا تخطّه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: 48] ، وقال عليه الصّلاة والسّلام: «إنّا أمّةٌ أمّيّةٌ، لا نكتب ولا نحسب، الشّهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث. أي: لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتابٍ ولا حسابٍ، وقال تعالى: {هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا منهم} [الجمعة: 2].
وقال ابن جريرٍ: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرّجال إلى أمّه في جهله بالكتاب دون أبيه، قال: وقد روي عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما قولٌ خلاف هذا، وهو ما حدّثنا به أبو كريب: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومنهم أمّيّون} قال: «الأمّيّون قومٌ لم يصدّقوا رسولًا أرسله اللّه، ولا كتابًا أنزله اللّه، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثمّ قالوا لقومٍ سفلة جهّال: {هذا من عند اللّه}»، وقال:«قد أخبر أنّهم يكتبون بأيديهم، ثمّ سمّاهم أمّيّين، لجحودهم كتب اللّه ورسله». ثمّ قال ابن جريرٍ: وهذا التّأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم. وذلك أنّ الأمّيّ عند العرب: الذي لا يكتب.
قلت: ثمّ في صحّة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد، نظر. والله أعلم.
قوله تعالى: {إلا أمانيّ} قال ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: «{إلا أمانيّ} إلّا أحاديث».
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إلا أمانيّ} يقول: «إلّا قولًا يقولونه بأفواههم كذبًا».
وقال مجاهدٌ: «إلّا كذبًا».
وقال سنيدٌ، عن حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ} قال: «أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا، وكانوا يتكلّمون بالظّنّ بغير ما في كتاب اللّه، ويقولون: هو من الكتاب، أمانيّ يتمنّونها».
وعن الحسن البصريّ، نحوه.
وقال أبو العالية، والرّبيع وقتادة: «{إلا أمانيّ} يتمنّون على اللّه ما ليس لهم».
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {إلا أمانيّ} قال: «تمنّوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم».
قال ابن جريرٍ: والأشبه بالصّواب قول الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ،
وقال مجاهدٌ: «إنّ الأمّيّين الّذين وصفهم اللّه أنّهم لا يفقهون من الكتاب -الذي أنزل اللّه على موسى- شيئًا، ولكنّهم يتخرّصون الكذب ويتخرّصون الأباطيل كذبًا وزورًا».
والتّمنّي في هذا الموضع هو تخلّق الكذب وتخرّصه. ومنه الخبر المرويّ عن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه: «ما تغنّيت ولا تمنّيت». يعني: ما تخرّصت الباطل ولا اختلقت الكذب.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ وإن هم إلا يظنّون} ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوّتك بالظّنّ».
وقال مجاهدٌ: «{وإن هم إلا يظنّون} يكذبون».
وقال قتادة: وأبو العالية، والرّبيع: «يظنّون الظّنون بغير الحقّ»). [تفسير ابن كثير: 1/ 310-311]

تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلا} الآية: هؤلاء صنفٌ آخر من اليهود، وهم الدّعاة إلى الضّلال بالزّور والكذب على اللّه، وأكل أموال النّاس بالباطل.
والويل: الهلاك والدّمار، وهي كلمةٌ مشهورةٌ في اللّغة. وقال سفيان الثّوريّ، عن زياد بن فيّاضٍ: سمعت أبا عياضٍ يقول: «ويلٌ: صديدٌ في أصل جهنّم».
وقال عطاء بن يسارٍ: «الويل: وادٍ في جهنّم لو سيّرت فيه الجبال لماعت».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «ويلٌ وادٍ في جهنّم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره».
ورواه التّرمذيّ عن عبد بن حميدٍ، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن درّاجٍ، به. وقال: هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديث ابن لهيعة.
قلت: لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكنّ الآفة ممّن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد -مرفوعًا- منكرٌ، واللّه أعلم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا إبراهيم بن عبد السّلام بن صالحٍ العشيريّ حدّثنا عليّ بن جريرٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن كنانة العدوّيّ، عن عثمان بن عفّان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون} قال: «الويل جبلٌ في النّار. وهو الذي أنزل في اليهود؛ لأنّهم حرّفوا التّوراة، زادوا فيها ما أحبّوا، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من التّوراة. ولذلك غضب اللّه عليهم، فرفع بعض التّوراة، فقال: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}».
وهذا غريبٌ أيضًا جدًا.
[وعن ابن عبّاسٍ: «الويل: السّعير من العذاب»،
وقال الخليل بن أحمد: الويل: شدّة الشّرّ،
وقال سيبويه: ويلٌ: لمن وقع في الهلكة، وويحٌ لمن أشرف عليها،
وقال الأصمعيّ: الويل: تفجّعٌ والويل ترحّمٌ،
وقال غيره: الويل: الحزن.
وقال الخليل: وفي معنى ويلٍ: ويحٌ وويشٌ وويهٌ وويكٌ وويبٌ، ومنهم من فرّق بينها،
وقال بعض النّحاة: إنّما جاز الابتداء بها وهي نكرةٌ؛ لأنّ فيها معنى الدّعاء، ومنهم من جوّز نصبها، بمعنى: ألزمهم ويلًا.
قلت: لكن لم يقرأ بذلك أحدٌ].
وعن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال: «هم أحبار اليهود».
وكذا قال سعيدٌ، عن قتادة: «هم اليهود».
وقال سفيان الثّوريّ، عن عبد الرّحمن بن علقمة: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله تعالى: {فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال: «نزلت في المشركين وأهل الكتاب».
وقال السّدّيّ:«كان ناسٌ من اليهود كتبوا كتابًا من عندهم، يبيعونه من العرب، ويحدّثونهم أنّه من عند اللّه، ليأخذوا به ثمنًا قليلًا».
وقال الزّهريّ: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيءٍ، وكتابكم الذي أنزل اللّه على نبيّه، أحدث أخبار اللّه تقرؤونه محضًا لم يشب؟ وقد حدّثكم اللّه تعالى أنّ أهل الكتاب قد بدّلوا كتاب اللّه وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند اللّه ليشتروا به ثمنًا قليلًا؛ أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ولا واللّه ما رأينا منهم أحدًا قطّ سألكم عن الذي أنزل إليكم». رواه البخاريّ من طرقٍ عن الزّهريّ.
وقال الحسن بن أبي الحسن البصريّ: «الثّمن القليل: الدّنيا بحذافيرها».
وقوله تعالى: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون} أي: فويلٌ لهم ممّا كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان، والافتراء، وويلٌ لهم ممّا أكلوا به من السّحت، كما قال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: {فويلٌ لهم} يقول: «فالعذاب عليهم، من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب»، {وويلٌ لهم ممّا يكسبون} يقول:«ممّا يأكلون به النّاس السّفلة وغيرهم»). [تفسير ابن كثير: 1/ 311-313]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون (80)}
يقول تعالى إخبارًا عن اليهود فيما نقلوه وادّعوه لأنفسهم، من أنّهم لن تمسّهم النّار إلّا أيّامًا معدودةً، ثمّ ينجون منها، فردّ اللّه عليهم ذلك بقوله: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا} أي: بذلك؟ فإن كان قد وقع عهدٌ فهو لا يخلف عهده.
ولكنّ هذا ما جرى ولا كان. ولهذا أتى بـ"أم" التي بمعنى: بل، أي: بل تقولون على اللّه ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه.
قال محمّد بن إسحاق، عن سيف بن سليمان عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ اليهود كانوا يقولون: هذه الدّنيا سبعة آلاف سنةٍ، وإنّما نعذّب بكلّ ألف سنةٍ يومًا في النّار، وإنّما هي سبعة أيّامٍ معدودةٍ. فأنزل اللّه تعالى: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} إلى قوله: {خالدون}».
ثمّ رواه عن محمّدٍ، عن سعيدٍ -أو عكرمة- عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: «{وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} اليهود قالوا: لن تمسّنا النّار إلّا أربعين ليلةً»، [زاد غيره: «هي مدّة عبادتهم العجل»، وحكاه القرطبيّ عن ابن عبّاسٍ وقتادة].
وقال الضّحّاك: قال ابن عبّاسٍ: «زعمت اليهود أنّهم وجدوا في التّوراة مكتوبًا: أنّ ما بين طرفي جهنّم مسيرة أربعين سنةً، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزّقّوم، التي هي نابتةٌ في أصل الجحيم. وقال أعداء اللّه: إنّما نعذّب حتّى ننتهي إلى شجرة الزّقّوم فتذهب جهنّم وتهلك. فذلك قوله تعالى: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً}».
وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة: «{وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} يعني: الأيّام التي عبدنا فيها العجل».
وقال عكرمة: خاصمت اليهود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: لن ندخل النّار إلّا أربعين ليلةً، وسيخلفنا إليها قومٌ آخرون، يعنون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيده على رءوسهم: «بل أنتم خالدون مخلّدون لا يخلفكم إليها أحدٌ». فأنزل اللّه: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} الآية.
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه اللّه: حدّثنا عبد الرّحمن بن جعفرٍ، حدّثنا محمّد بن محمّد بن صخرٍ، حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، حدّثنا ليث بن سعدٍ، حدّثني سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: لمّا فتحت خيبر أهديت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شاةٌ فيها سمٌّ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان من اليهود هاهنا»، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أبوكم؟»، قالوا: فلانٌ. قال: «كذبتم، بل أبوكم فلانٌ». فقالوا: صدقت وبررت، ثمّ قال لهم: «هل أنتم صادقيّ عن شيءٍ إن سألتكم عنه؟». قالوا: نعم، يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أهل النّار؟»، فقالوا: نكون فيها يسيرًا ثمّ تخلفونا فيها. فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اخسأوا، واللّه لا نخلفكم فيها أبدًا». ثمّ قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هل أنتم صادقيّ عن شيءٍ إن سألتكم عنه؟». قالوا: نعم يا أبا القاسم. فقال: «هل جعلتم في هذه الشّاة سمًّا؟». فقالوا: نعم. قال: «فما حملكم على ذلك؟». فقالوا: أردنا إن كنت كاذبًا أن نستريح منك، وإن كنت نبيًّا لم يضرّك.
ورواه أحمد، والبخاريّ، والنّسائيّ، من حديث اللّيث بن سعدٍ، بنحوه). [تفسير ابن كثير: 1/ 313-314]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (81) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (82)}
يقول تعالى: ليس الأمر كما تمنّيتم، ولا كما تشتهون، بل الأمر: أنّه من عمل سيّئةً وأحاطت به خطيئته، وهو من وافى يوم القيامة وليس له حسنةٌ، بل جميع عمله سيّئاتٌ، فهذا من أهل النّار، والّذين آمنوا باللّه ورسوله وعملوا الصالحات -من العمل الموافق للشّريعة- فهم من أهل الجنّة. وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا* ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا} [النّساء: 123، 124].
قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ -أو عكرمة- عن ابن عبّاسٍ: «{بلى من كسب سيّئةً} أي: عمل مثل أعمالكم، وكفر بمثل ما كفرتم به، حتّى يحيط به كفره فما له من حسنةٍ».
وفي روايةٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: «الشّرك».
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن أبي وائلٍ، وأبي العالية، ومجاهدٍ، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، نحوه.
وقال الحسن -أيضًا- والسّدّيّ: «السّيّئة: الكبيرة من الكبائر».
وقال ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وأحاطت به خطيئته} قال: «بقلبه».
وقال أبو هريرة، وأبو وائلٍ، وعطاءٌ، والحسن: {وأحاطت به خطيئته} قالوا:«أحاط به شركه».
وقال الأعمش، عن أبي رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيم: {وأحاطت به خطيئته} قال: «الذي يموت على خطايا من قبل أن يتوب». وعن السّدّيّ، وأبي رزينٍ، نحوه.
وقال أبو العالية، ومجاهدٌ، والحسن، في روايةٍ عنهما، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ: «{وأحاطت به خطيئته} الكبيرة الموجبة».
وكلّ هذه الأقوال متقاربةٌ في المعنى، واللّه أعلم.
ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عمرو بن قتادة عن عبد ربّه، عن أبي عياضٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إيّاكم ومحقّرات الذّنوب، فإنّهنّ يجتمعن على الرّجل حتّى يهلكنه». وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضرب لهنّ مثلًا كمثل قومٍ نزلوا بأرضٍ فلاةٍ، فحضر صنيع القوم، فجعل الرّجل ينطلق فيجيء بالعود، والرّجل يجيء بالعود، حتّى جمعوا سوادًا، وأجّجوا نارًا، فأنضجوا ما قذفوا فيها). [تفسير ابن كثير: 1/ 315-316]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّدٌ، عن سعيدٍ -أو عكرمة-، عن ابن عبّاسٍ: «{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} أي: من آمن بما كفرتم به، وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنّة خالدين فيها. يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله، لا انقطاع له أبدًا»). [تفسير ابن كثير: 1/ 316]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة