العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (17) إلى الآية (18) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (17) إلى الآية (18) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)}




رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 03:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح في قول الله: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةٍ}، قال عطاء: عملٌ بالسوء جهالةٌ). [الجامع في علوم القرآن: 1/18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى:{ للذين يعملون السوء بجهالة} قال:
«اجتمع أصحاب الرسول فرأوا أن في كل شيء عصي به تعالى فهو جهالة عمدا كان وغير ذلك»). [تفسير عبد الرزاق: 1/151]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن رجل عن الضحاك قال
«ثم يتوبون من قريب قال كل شيء قبل الموت فهو قريب»). [تفسير عبد الرزاق: 1/151]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن عثمان بن الأسود عن مجاهدٍ في قول اللّه: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السوء بجهالة} قال:
«ما أتى من خطأٍ أو عمد فهو جهالة ».
سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء مثله). [تفسير الثوري: 92]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {إنّما التّوبة على الله للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا (17) وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن شيخٍ من أهل الكوفة، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحم يقول في قوله: {يتوبون من قريب}، قال:
«كلّ توبةٍ قبل الموت فهو من قريب »). [سنن سعيد بن منصور: 3/1198]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله تعالى: {للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال: الدّنيا كلّها قريبٌ، كلّها جهالةٌ). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 436]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليمًا حكيمًا}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} ما التّوبة على اللّه لأحدٍ من خلقه، إلاّ للّذين يعملون السّوء من المؤمنين بجهالةٍ. {ثمّ يتوبون من قريبٍ} يقول: ما اللّه براجعٍ لأحدٍ من خلقه إلى ما يحبّه من العفو عنه والصّفح عن ذنوبه الّتي سلفت منه، إلاّ للّذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالةً منهم وهم بربّهم مؤمنون، ثمّ يراجعون طاعة اللّه ويينبون منه إلى ما أمرهم اللّه به من النّدم عليه والاستغفار وترك العود إلى مثله من قبل نزول الموت بهم، وذلك هو القريب الّذي ذكره اللّه تعالى ذكره، فقال: {ثمّ يتوبون من قريبٍ}.
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك، قال: أهل التّأويل غير أنّهم اختلفوا في معنى قوله: {بجهالةٍ} فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه، وذهب إلى أنّ عمله السّوء هو الجهالة الّتي عناها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي العالية، أنّه كان يحدّث أنّ أصحاب، رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يقولون:
«كلّ ذنبٍ أصابه عبدٌ فهو بجهالةٍ ».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«اجتمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرأوا أنّ كلّ شيءٍ عصى به فهو جهالةٌ، عمدًا كان أو غيره ».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«كلّ من عصى ربّه فهو جاهلٌ، حتّى ينزع عن معصيته».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«كلّ من عمل بمعصية اللّه فذاك منه بجهلٍ حتّى يرجع عنه».
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ}
«ما دام يعصي اللّه فهو جاهلٌ».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن فضيل بن غزوان، عن أبي النّضر، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«من عمل السّوء فهو جاهلٌ، من جهالته عمل السّوء ».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال:
« من عصى اللّه فهو جاهلٌ حتّى ينزع عن معصيته».
قال ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال:
«كلّ عاملٍ بمعصيةٍ فهو جاهلٌ حين عمل بها».
قال ابن جريجٍ: وقال لي عطاء بن أبي رباحٍ نحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال:
«الجهالة كلّ امرئٍ عمل شيئًا من معاصي اللّه فهو جاهلٌ أبدًا حتّى ينزع عنها وقرأ: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون}، وقرأ: {وإلاّ تصرف عني كيدهنّ أصب إليهنّ وأكن من الجاهلين}، قال: من عصى اللّه فهو جاهلٌ حتّى ينزع عن معصيته».
وقال آخرون: معنى قوله: {للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} يعملون ذلك على عمدٍ منهم له.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن مجاهدٍ: {يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
« الجهالة: العمد».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«الجهالة: العمد».
وقال آخرون:
«معنى ذلك إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء في الدّنيا».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
« الدّنيا كلّها جهالةٌ».
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: تأويلها: إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء، وعملهم السّوء هو الجهالة الّتي جهلوها عامدين كانوا للإثم، أو جاهلين بما أعدّ اللّه لأهلها. وذلك أنّه غير موجودٍ في كلام العرب تسمية العامد للشّيء الجاهل به، إلاّ أن يكون معنيًّا به أنّه جاهلٌ بقدر منفعته ومضرّته، فيقال: هو به جاهلٌ، على معنى جهله بمعنى نفعه وضرّه؛ فأمّا إذا كان عالمًا بقدر مبلغ نفعه وضرّه قاصدًا إليه، فغير جائزٍ من اجل قصده إليه أن يقال هو به جاهلٌ؛ لأنّ الجاهل بالشّيء هو الّذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التّقدّم عليه، أو يعلمه فيشبه فاعله، إذ كان خطأً ما فعله بالجاهل الّذي يأتي الأمر وهو به جاهلٌ فيخطئ موضع الإصابة منه، فيقال: إنّه لجاهلٌ به، وإن كان به عالمًا لإتيانه الأمر الّذي لا يأتي مثله إلاّ أهل الجهل به.
وكذلك معنى قوله: {يعملون السّوء بجهالةٍ} قيل فيهم:
«يعملون السّوء بجهالةٍ وإن أتوه على علمٍ منهم بمبلغ عقاب اللّه أهله، عامدين إتيانه، مع معرفتهم بأنّه عليهم حرامٌ؛ لأنّ فعلهم ذلك كان من الأفعال الّتي لا يأتي مثله إلاّ من جهل عظيم عقاب اللّه عليه أهله في عاجل الدّنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالمٌ: أتاه بجهالةٍ، بمعنى أنّه فعل فعل الجهّال به، لا أنّه كان جاهلا».
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ معناه: أنّهم جهلوا كنه ما فيه من العقاب، فلم يعلموه كعلم العالم، وإن علموه ذنبًا، فلذلك قيل: {يعملون السّوء بجهالةٍ}.
ولو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول لوجب أن لا تكون توبةٌ لمن علم كنه ما فيه، وذلك أنّه جلّ ثناؤه قال: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ} دون غيرهم. فالواجب على صاحب هذا القول أن لا يكون للعالم الّذي عمل سوءًا على علمٍ منه بكنه ما فيه ثمّ تاب من قريبٍ توبةً، وذلك خلاف الثّابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أنّ كلّ تائبٍ عسى اللّه أن يتوب عليه، وقوله: باب التّوبة مفتوحٌ ما لم تطلع الشّمس من مغربها، وخلاف قول اللّه عزّ وجلّ: {إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا}). [جامع البيان: 6/506-511]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ يتوبون من قريبٍ}.
اختلف أهل التّأويل في معنى القريب في هذا الموضع، فقال بعضهم:
«معنى ذلك ثمّ يتوبون في صحّتهم قبل مرضهم وقبل موتهم ».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} والقريب قبل الموت ما دام في صحّته.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن أبي النّضر، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال:
«في الحياة والصّحّة».
وقال آخرون:
«بل معنى ذلك ثمّ يتوبون من قبل معاينة ملك الموت».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} والقريب فيما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حديرٍ، قال: قال أبو مجلزٍ:
« لا يزال الرّجل في توبةٍ حتّى يعاين الملائكة ».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، قال:
« القريب: ما لم تنزل به آيةٌ من آيات اللّه تعالى وينزل به الموت ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ} له التّوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذاك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك:
«ثمّ يتوبون من قبل الموت».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن رجلٍ، عن الضّحّاك: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال:
«كلّ شيءٍ قبل الموت فهو قريبٌ ».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال:
«الدّنيا كلّها قريبٌ».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} قبل الموت.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن أبي قلابة، قال: ذكر لنا أنّ إبليس لمّا لعن وأنظر، قال: وعزّتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الرّوح فقال تبارك وتعالى:
« وعزّتي لا أمنعه التّوبة ما دام فيه الرّوح ».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا عمران، عن قتادة، قال: كنّا عند أنس بن مالكٍ وثمّ أبو قلابة، فحدّث أبو قلابة قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا لعن إبليس سأله النّظرة، فقال:
«وعزّتك لا أخرج من قلب ابن آدم فقال اللّه تبارك وتعالى: وعزّتي لا أمنعه التّوبة ما دام فيه الرّوح ».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا لعن إبليس سأله النّظرة، فأنظره إلى يوم الدّين، فقال:
«وعزّتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الرّوح قال: وعزّتي لا أحجب عنه التّوبة ما دام فيه الرّوح ».
- حدّثني ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، قال: بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ إبليس لمّا رأى آدم أجوف، قال وعزّتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الرّوح فقال اللّه تبارك وتعالى:
«وعزّتي لا أحول بينه وبين التّوبة ما دام فيه الرّوح ».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن العلاء بن زيادٍ، عن أبي أيّوب بشير بن كعبٍ أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عبادة بن الصّامت، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال؛ فذكر مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
« إنّ اللّه تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: تأويله ثمّ يتوبون قبل مماتهم في الحال الّتي يفهمون فيها أمر اللّه تبارك وتعالى ونهيه، وقبل أن يغلبوا على أنفسهم وعقولهم، وقبل حال اشتغالهم بكرب الحشرجة وغمّ الغرغرة، فلا يعرفوا أمر اللّه ونهيه، ولا يعقلوا التّوبة؛ لأنّ التّوبة لا تكون توبةً إلاّ ممّن ندم على ما سلف منه، وعزم فيه على ترك المعاودة، وهو يعقل النّدم، ويختار ترك المعاودة، فأمّا إذا كان بكرب الموت مشغولاً، وبغمّ الحشرجة مغمورًا، فلا إخاله إلاّ عن النّدم على ذنوبه مغلوبًا، ولذلك قال من قال: إنّ التّوبة مقبولةٌ ما لم يغرغر العبد بنفسه، فإن كان المرء في تلك الحال يعقل عقل الصّحيح، ويفهم فهم العاقل الأريب، فأحدث إنابةً من ذنوبه، ورجعةً من شروده عن ربّه إلى طاعته كان إن شاء اللّه ممّن دخل في وعد اللّه الّذي وعد التّائبين إليه من إجرامهم من قريبٍ بقوله: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}). [جامع البيان: 6/511-515]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليمًا حكيمًا}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فأولئك} فهؤلاء الّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ {يتوب اللّه عليهم} دون من لم يتب، حتّى غلب على عقله وغمرته حشرجة ميتته، فقال: وهو لا يفقه ما يقول: {إنّي تبت الآن} خداعًا لربّه ونفاقًا في دينه.
ومعنى قوله: {يتوب اللّه عليهم} يرزقهم إنابةً إلى طاعته، ويتقبّل منهم أوبتهم إليه، وتوبتهم الّتي أحدثوها من ذنوبهم.
أمّا قوله: {وكان اللّه عليمًا حكيمًا} فإنّه يعني: ولم يزل اللّه جلّ ثناؤه عليمًا بالنّاس من عباده المنيبين إليه بالطّاعة بعد إدبارهم عنه، المقبلين إليه بعد التّولية، وبغير ذلك من أمور خلقه، حكيمٌ في توبته على من تاب منهم من معصيته، وفي غير ذلك من تدبيره وتقديره، ولا يدخل أفعاله خللٌ، ولا يخلطه خطأٌ ولا زللٌ). [جامع البيان: 6/515-516]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليمًا حكيمًا (17) }.
قوله تعالى: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، ثنا عثمان ابن الأسود قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ } قال:
«من عمل ذنباً سواءً من شيخٍ أو شابٍّ فهو بجهالةٍ».
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ يعني: الرّازيّ، عن الرّبيع في قوله: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ }قال:
«هم أهل الإيمان ».
قوله تعالى: {بجهالةٍ}.
[الوجه الأول]:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد وجويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله:{ إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ } قالا:
«ليس من جهالته أن يعلم حلالا وحراماً، ولكن من جهالته حين دخل فيه ».
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«من عصى ربّه فهو جاهلٌ حتّى ينزع عن معصيته».
- حدّثنا الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ
{إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ } قال:
«الجهالة: العمد». وروي عن عطاءٍ مثله.
[الوجه الثّاني]:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن جهير بن يزيد قال: سألت الحسن عن قوله: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ } قلت: لم هذه الجهالة؟ قال: فيخرجوا منها فإنّها جهالةٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا منصور بن أبي مزاحمٍ، ثنا أبو سعيدٍ يعني: محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«من عمل سوءاً خطاً أو إثماً أو عمداً فهو جاهلٌ حتّى ينزع منه ». وروي عن قتادة وعمرو بن مرّة والثّوريّ نحو ذلك: عمدا أو خطأ.
[الوجه الثّالث]:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا يحيى بن خلفٍ والمقدّميّ وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا: ثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله {للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ} قال:
«الدّنيا كلّها جهالةٌ».
قوله تعالى: {ثم يتوبون من قريب}.
[الوجه الأول]:
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، أخبرني إبراهيم بن ميمونٍ، أخبرني رجلٌ من بلحارث يقال له أيّوب قال: سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول:
«من تاب قبل موته بعامٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بشهرٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بجمعةٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه ومن تاب قبل موته بساعةٍ تيب عليه، فقلت له: إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فقال: إنّما أحدّثك بما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ».
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله:
«ثمّ يتوبون من قريبٍ والقريب: ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت ».
[الوجه الثّاني]:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يونس يعني: ابن بكيرٍ، عن النّضر بن طهمان قال: سمعت الضّحّاك يقول:
« ثمّ يتوبون من قريبٍ قال: ما كان دون الموت فهو قريبٌ ».
[الوجه الثّالث]:
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، حدّثني الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله:
«ثمّ يتوبون من قريبٍ قال: كلّ الدنيا قريب ».
[الوجه الرّابع]:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله:
«ثمّ يتوبون من قريب والقريب: قبل الموت مادام في صحّته » - وروي عن قتادة نحوه.
[الوجه الخامس]:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبيد اللّه بن صخرٍ الغدانيّ، ثنا مسكين بن عبد اللّه الطّاحيّ أبو فاطمة، ثنا حوشبٌ، عن الحسن في قوله:
«ثمّ يتوبون من قريبٍ قال: ما لم يغرغر ».
قوله تعالى:{ فأولئك يتوب اللّه عليهم}.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، أخبرني إبراهيم ابن ميمونٍ، حدّثني رجلٌ من بلحارث يقال له: أيّوب قال: سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول:
«من تاب قبل موته بعامٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بشهرٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بجمعةٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بيومٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بساعةٍ تيب عليه، فقلت له: إنّما قال اللّه تعالى: ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان الله عليما حكيما فقال: إنّما أحدّثك ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
قوله تعالى: {وكان اللّه}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو يحيى الرّازيّ، عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن مطرّفٍ، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبّاسٍ: سمعت اللّه يقول: وكان اللّه كأنّه شيءٌ كان، فقال ابن عبّاسٍ: أمّا قوله:
« وكان اللّه فإنّه لم يزل ولا يزال، وهو الأوّل والآخر، والظّاهر والباطن».
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله:
«كان اللّه فهو كذلك ».
قوله تعالى: {عليماً حكيماً}.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق عليماً أي: عليمٌ بما تخفون، الحكيم في عذره وحجّته إلى عباده). [تفسير القرآن العظيم: 3/897-900]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد للذين يعملون السوء بجهالة قال من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن المعصية). [تفسير مجاهد: 149]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {إنما التوبة على الله} الآية، قال:
«هذه للمؤمنين » وفي قوله {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} قال: « هذه لأهل النفاق » {ولا الذين يموتون وهم كفار} قال: «هذه لأهل الشرك ».
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال:
«نزلت الأولى في المؤمنين ونزلت الوسطى في المنافقين والأخرى في الكفار».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من وجه آخر عن أبي العالية أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون:
«كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة ».
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة قال:
« اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة عمدا كان أو غيره ».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن مجاهد في قوله جهالة قال:
«كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته».
وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {إنما التوبة على الله} الآية، قال:
« من عمل السوء فهو جاهل من جهالته عمل السوء {ثم يتوبون من قريب} قال: في الحياة والصحة».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {ثم يتوبون من قريب} قال القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت.
وأخرج ابن جرير عن أبي مجلز قال:
«لا يزال الرجل في توبة حتى يعاين الملائكة ».
وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس قال القريب ما لم تنزل به آية من آيات الله أو ينزل به الموت.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الضحاك في الآية قال:
«كل شيء قبل الموت فهو قريب له التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذاك ».
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال:
« الدنيا كلها قريب والمعاصي كلها جهالة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {ثم يتوبون من قريب} قال:
«ما لم يغرغر ».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر في الآية قال:
«لو غرغر بها - يعني المشرك بالإسلام - لرجوت له خيرا كثيرا ».
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبليس لما رأى آدم أجوف قال: وعزتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الروح، فقال الله تبارك وتعالى:
«وعزتي لا أحول بينه وبين التوبة ما دام الروح فيه ».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير والبيهقي في البعث عن قتادة قال: كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة فحدث أبو قلابة قال: إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة، فأنظره إلى يوم الدين فقال: وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، قال:
« وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو يعلى، وابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال:
« لا أخبركم إلا ما سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته أذناي ووعاه قلبي أن عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا ثم عرضت له التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل فأتاه فقال: إني قتلت تسعة وتسعين نفسا فهل لي من توبة قال بعد قتل تسعة وتسعين نفسا، قال: فانتضى سيفه فقتله فأكمل به مائة، ثم عرضت له التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل فأتاه فقال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة أخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى القرية الصالحة قرية كذا وكذا، فاعبد ربك فيها، فخرج يريد القرية الصالحة فعرض له أجله في الطريق فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقال إبليس أنا أولى به إنه لم يعصيني ساعة قط، فقالت الملائكة: إنه خرج تائبا، فبعث الله ملكا فاختصموا إليه فقال: انظروا أي القريتين كانت أقرب إليه فألحقوه بها، فقرب الله منه القرية الصالحة وباعد منه القرية الخبيثة فألحقه بأهل القرية الصالحة ».
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
« إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ».
وأخرج البيهقي في الشعب عن رجل من الصحابة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
« ما ما إنسان يتوب إلى الله عز وجل قبل أن تغرغر نفسه في شدقه إلا قبل الله توبته»). [الدر المنثور: 4/279-284]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) }.
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن يعلى بن نعمان قال أخبرني من سمع ابن عمر يقول التوبة مبسوطة للعبد ما لم يسق ثم قرأ ابن عمر {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } قال ثم قال وهل حضور إلا السوق). [تفسير عبد الرزاق: 1/150]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن يعلى بن النعمان قال: أخبرني من سمع ابن عمر يقول: التّوبة مبسوطةٌ للعبد ما لم يسق ثمّ قرأ: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت} قال:
«يا هؤلاء هل ترون الحضور إلا السوق»). [تفسير الثوري: 92]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {إنّما التّوبة على الله للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا (17) وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن (بن) البيلماني، عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«والّذي نفسي بيده، ما من إنسانٍ يتوب قبل أن يموت بيومٍ إلّا قبل اللّه عزّ وجلّ توبته» ، قال: فأخبرت بذلك رجلًا من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أنت سمعت ذلك منه؟ فقلت: نعم، قال: فأشهد لقد سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من إنسانٍ يتوب قبل أن يموت بنصف يومٍ إلا قبل الله توبته»، قال: فأخبرت بذلك رجلًا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أنت سمعت ذاك منه؟ قلت: نعم، قال: فأشهد لسمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من إنسانٍ يتوب قبل أن يموت بضحوة إلّا قبل اللّه توبته» ، فأخبرت بذلك رجلًا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أنت سمعت ذلك (منه) ؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد لسمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: « ما من إنسانٍ يتوب قبل أن تغرغر نفسه في شدقه، إلّا قبل اللّه توبته» ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1201-1202]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أعتدنا} :«أعددنا أفعلنا من العتاد»). [صحيح البخاري: 6/43] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أعتدنا أعددنا أفعلنا من العتاد كذا للأكثر وهو تفسير أبي عبيدة ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيّ اعتددنا افتعلنا والأوّل هو الصّواب والمراد أنّ أعتدنا وأعددنا بمعنًى واحدٍ لأنّ العتيد هو الشّيء المعدّ
تنبيهٌ: وقعت هذه الكلمة في هذا الموضع سهوًا من بعض نسّاخ الكتاب ومحلّها بعد هذا قبل باب لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهًا). [فتح الباري: 8/241]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وأشار بقوله: (أعتدنا) إلى قوله تعالى: {أولئك أعتدنا لهم عذابا أليمًا} وفسره بقوله: أعددنا، وأراد أن معناهما واحد، وكذا فسره أبو عبيدة في كتابه (المجاز) (قلت):اعتدنا من باب الافتعال، وأعددنا من باب الأفعال، ولهذا قال: فعلنا من العتاد، بفتح العين، وهو ما يصلح لكل ما يقع من الأمور وهذا المذكور هو رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: اعتددنا افتعلنا، وقال بعهم: الأول هو الصّواب. (قلت):يفهم منه أن رواية أبي ذر غير صواب، وليس كذلك، بل الصّواب رواية أبي ذر، يعرفه من له يد في علم الصّرف.
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {أعتدنا} يريد {أعتدنا لهم عذابًا} قال أبو عبيدة: أي (أعددنا أفعلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني اعتددنا افتعلنا (من العتاد) بفتح العين). [إرشاد الساري: 7/76]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات من أهل الإصرار على معاصي اللّه، حتّى إذا حضر أحدهم الموت، يقول:
«إذا حشرج أحدهم بنفسه، وعاين ملائكة ربّه قد أقبلوا إليه لقبض روحه قال: وقد غلب على نفسه، وحيل بينه وبين فهمه بشغله بكرب حشرجته وغرغرته: إنّي تبت الآن، يقول فليس لهذا عند اللّه تبارك وتعالى توبةٌ؛ لأنّه قال ما قال في غير حال توبةٍ».
- كما: حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن يعلى بن نعمانٍ، قال: أخبرني من، سمع ابن عمر، يقول: التّوبة مبسوطةٌ ما لم يسق ثمّ قرأ ابن عمر: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} ثمّ قال:
«وهل الحضور إلا السّوق».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} قال:
«إذا تبيّن الموت فيه لم يقبل اللّه له توبةً».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن أبي النّضر، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} فليس لهذا عند اللّه توبةٌ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت إبراهيم بن ميمونٍ، يحدّث عن رجلٍ، من بني الحارث، قال: حدّثنا رجلٌ منّا، عن عبد اللّه بن عمرٍو، أنّه قال:
«من تاب قبل موته بعامٍ تيب عليه، حتّى ذكر شهرًا، حتّى ذكر ساعةً، حتّى ذكر فواقًا، قال: فقال رجلٌ: كيف يكون هذا واللّه تعالى يقول: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن}؟ فقال عبد اللّه: أنا أحدّثك ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن إبراهيم قال: كان يقال: التّوبة مبسوطةٌ ما لم يؤخذ بكظمه.
واختلف أهل التّأويل فيمن عني بقوله: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} فقال بعضهم:
«عني به أهل النّفاق».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال: نزلت الأولى في المؤمنين، ونزلت الوسطى في المنافقين يعني: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات} والأخرى في الكفّار يعني: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ}.
وقال آخرون:
«بل عني بذلك أهل الإسلام».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، قال: بلغنا في هذه الآية: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} قال:
هم المسلمون ألا ترى أنّه قال: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ}.
وقال آخرون:
«بل هذه الآية كانت نزلت في أهل الإيمان، غير أنّها نسخت».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} فأنزل اللّه تبارك وتعالى بعد ذلك: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فحرّم اللّه تعالى المغفرة على من مات وهو كافرٌ، وأرجأ أهل التّوحيد إلى مشيئته، فلم يؤيّسهم من المغفرة.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب ما ذكره الثّوريّ أنّه بلغه أنّه في الإسلام، وذلك أنّ المنافقين كفّارٌ، فلو كان معنيًّا به أهل النّفاق لم يكن لقوله: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} معنًى مفهومٌ، لأنّهم إن كانوا هم والّذين قبلهم في معنًى واحدٍ من أنّ جميعهم كفّارٌ، فلا وجه لتفريق أحكامهمٍ والمعنى الّذي من أجله بطل أن تكون توبة واحدٍ مقبولةً، وفي تفرقة اللّه جلّ ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم بأن سمّى أحد الصّنفين كافرًا، ووصف الصّنف الآخر بأنّهم أهل سيّئاتٍ، ولم يسمّهم كفّارًا ما دلّ على افتراق معانيهم، وفي صحّة كون ذلك كذلك صحّة ما قلنا، وفساد ما خالفه). [جامع البيان: 6/516-519]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولا التّوبة للّذين يموتون وهم كفّارٌ فموضع الّذين خفضٌ؛ لأنّه معطوفٌ على.
قوله: {للّذين يعملون السّيّئات} وقوله: {أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} يقول: هؤلاء الّذين يموتون وهم كفّارٌ، أعتدنا لهم عذابًا أليمًا؛ لأنّهم من التّوبة أبعدهم لموتهم على الكفر.
- كما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن أبي النّضر عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} أولئك أبعد من التّوبة.
واختلف أهل العربيّة في معنى: {أعتدنا لهم} فقال بعض البصريّين: معنى: {أعتدنا} أفعلنا من العتاد، قال: ومعناها: أعددنا.
وقال بعض الكوفيّين: أعددنا وأعتدنا معناهما واحدٌ.
فمعنى قوله: {أعتدنا لهم} أعددنا لهم {عذابًا أليمًا} يقول: مؤلمًا موجعًا). [جامع البيان: 6/520]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا (18)}.
قوله تعالى: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا شعبة، عن إبراهيم ابن ميمونٍ، عن رجلٍ من بلحارث بن كعبٍ، ثنا رجلٌ منّا يقال له: أيّوب قال: سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول:
«من تاب قبل موته عاماً أو بعامٍ تيب عليه، حتّى قال: بشهرٍ، حتّى قال: بجمعةٍ، حتى قال بيومٍ، حتّى قال: بساعةٍ، حتّى قال: بفواقٍ، فقلت: سبحان اللّه، ألم يقل اللّه تعالى وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت فقال: إنّما أحدّثك ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله :{وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات} قال:
«هذا في أهل النّفاق».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسماعيل بن محمّد بن جحادة قال: سألت سفيان الثّوريّ عن قوله: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات } قال:
« الشّرك».
قوله تعالى: {حتّى إذا حضر أحدهم الموت}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ الثّوريّ، عن يعلى بن نعمان، أخبرني من سمع من ابن عمر يقول:
«التّوبة مبسوطةٌ للعبد ما لم يسق، ثمّ قرأ ابن عمر: حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال: ثمّ يقول: وهل الحضور إلا السّوق».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسماعيل بن محمّد بن جحادة قال: سألت سفيان الثّوريّ عن قوله:
«حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال: إذا عاين».
قوله تعالى:{قال إنّي تبت الآن}.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن نميرٍ، ثنا مصعب بن المقدام، عن شريكٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد اللّه :
«حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن قال: لا يقبل ذاك منه».
قوله تعالى: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله:
«وليست التّوبة إلى قوله: ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ قال: فأنزل اللّه تعالى بعد ذلك: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فحرّم اللّه المغفرة على من مات وهو كافرٌ».
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله:
«ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ قال: هذا في أهل الشّرك » - وروي عن ابن عبّاسٍ، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: {أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله:{ عذاباً } يقول:
«نكالا».
قوله تعالى:{أليماً}.
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل، حدّثني أبي عمرٌو، ثنا أبي، أنبأ شبيب بن بشرٍ، أنبأ عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله:{أليماً } قال:
«كلّ شيءٍ وجعٌ».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: {أليماً } قال:
«الأليم: الموجع في القرآن كلّه »
.
- وروي عن سعيد بن جبيرٍ والضّحّاك وقتادة وأبي مالكٍ وأبي عمران الجونيّ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 3/900-901]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر قال: التوبة مبسوطة للعبد ما لم يسق، ثم قرأ {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} ثم قال:
«وهل الحضور إلا السوق».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله {حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} قال:
«لا يقبل ذلك منه».
وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} الآية، قال
« هم أهل الشرك».
وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} الآية، قال
«هم أهل الشرك».
وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} فليس لهذا عند الله توبة {ولا الذين يموتون وهم كفار} أولئك أبعد من التوبة.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {وليست التوبة} الآية، قال: فأنزل الله بعد ذلك {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فحرم الله المغفرة على من مات وهو كافر وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمرو قال:
«ما من ذنب مما يعمل بين السماء والأرض يتوب منه العبد قبل أن يموت إلا تاب الله عليه».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال:
«كان يقال: التوبة مبسوطة ما لم يؤخذ بكظمه ».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو قال: من تاب قبل موته بفواق تيب عليه، قيل: ألم يقل الله {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ والحاكم، وابن مردويه عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الله يقبل توبة عبده، أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب» ، قيل: وما وقوع الحجاب قال: «تخرج النفس وهي مشركة»). [الدر المنثور: 4/284-286]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 08:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)}.
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ثمّ يتوبون من قريبٍ...} يقول: قبل الموت، فمن تاب في صحّته أو في مرضه قبل أن ينزل به الموت فتوبته مقبولة.
وقوله: {يعملون السّوء بجهالةٍ} لا يجهلون أنه ذنب، ولكن لا يعلمون كنه ما فيه كعلم العالم). [معاني القرآن: 1/259]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله تعالى:
{إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليما حكيما}.
ليس معناه: أنهم يعملون السوء وهم جهّال، غير مميزين فإن من لا عقل له ولا تمييز لا حدّ عليه، وإنّما معنى {بجهالة}: أنهم في اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية جهّال، فليس ذلك الجهل مسقطا عنهم العذاب، لو كان كذلك لم يعذب أحد ولكنه جهل في الاختيار.
ومعنى {يتوبون من قريب}: يتوقفون قبل الموت، لأن ما بين الإنسان وبين الموت قريب، فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت). [معاني القرآن: 2/29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} قال قتادة:
« اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل من عصى الله عز وجل فهو جاهل»). [معاني القرآن: 2/42]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ثم يتوبون من قريب} روي عن الضحاك أنه قال:
«كل ما كان دون الموت فهو قريب »). [معاني القرآن: 2/43]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)}.
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ...}{الذين} في موضع خفض، يقول:
« إن أسلم الكافر في مرضه قبل أن ينزل به الموت كان مقبولا، فإذا نزل به الموت فلا توبة »). [معاني القرآن: 1/259]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أعتدنا لهم عذاباً أليماً}: أفعلنا من العتاد،
ومعناها: أعددنا لهم؛ و{أليماً} مؤلماً). [مجاز القرآن: 1/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}{حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} إنما لم تكن له التوبة، لأنه تاب في وقت لا يمكن الإقلاع بالتصرف فيما يحقق التوبة.
{أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما} أي: مؤلما موجعا، والمؤلم الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ). [معاني القرآن: 2/29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} روي عن عبد الله بن عمر أنه قال:
«ما حضور الموت إلا السوق»، يعني: أنه إذا عاين تبين له الحق ولا تنفعه التوبة عند ذلك كما قال عز وجل عن فرعون آمنت). [معاني القرآن: 2/43]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 10:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) }.

تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) }.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وروى الهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: « أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم فقال: يا بني هاشم، ألا تحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم أبالرضا بكم أم بالاجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعًا؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتت حقًا ولا أسّست ملكًا، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما منع العباس عمّ النبي ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعًا فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة بها وحدها وأنتم تدّعونها بهم وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بهم من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليهم ونقلوا أقدامهم إليه الرغبة وطارت إليه أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجههم. إن أمركم لأمرٌ تضيق به الصدور، إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه من غيركم قلتم حقٌّ. فإن كانوا اجتمعوا على حقّ فقد أخرجكم الحقّ من دعواكم. انظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن كانوا أخذوا حقّهم فسّلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم. فقال ابن عباس: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا عليّنا حقًّا ضيعوه وحظًّا حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطئ الورد والصّدر، ولا ينقص فضل ذي فضلٍ فضل غيره عليه ». قال اللّه عز وجل: {ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله}، فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ودنّا بتأويله، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهانا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارًّا، انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يفهّمهم داود وفهّمهم سليمان ولم يضرّ داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه: «أنت عمّي وصنو أبي ومن أبغض العباس فقد أبغضني، وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوّتي آخر النبوّة» وقال لأبي طالب عند موته: «يا عم قل لا إله إلا اللّه أشفع لك بهم غدًا» وليس ذاك لأحد من الناس. قال اللّه تعالى: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} ). [عيون الأخبار: 1/6] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) }.
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليماً حكيماً (17) وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً (18)}.
إنّما حاصرة، وهو مقصد المتكلم بها أبدا، فقد تصادف من المعنى ما يقتضي العقل فيه الحصر، كقوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} وقد تصادف من المعنى ما لا يقتضي العقل فيه الحصر، كقوله: إنما الشجاع عنترة فيبقى الحصر في مقصد المادح، ويتحصل من ذلك لكل سامع تحقيق هذه الصفة للموصوف بمبالغة، وهذه الآية مما يوجب النظر فيها أنها حاصرة، وهي في عرف الشرع:
الرجوع من شر إلى خير، وحد التوبة: الندم على فارط فعل، من حيث هو معصية الله عز وجل، وإن كان الندم من حيث أضر ذلك الفعل في بدن أو ملك فليس بتوبة، فإن كان ذلك الفعل مما يمكن هذا النادم فعله في المستأنف فمن شروط التوبة العزم على ترك ذلك الفعل في المستأنف، وإلا فثم إصرار لا توبة معه، وإن كان ذلك الفعل لا يمكنه، مثل أن يتوب من الزنا فيجب بأثر ذلك ونحو ذلك، فهذا لا يحتاج إلى شرط العزم على الترك، والتوبة فرض على المؤمنين بإجماع الأمة، والإجماع هي القرينة التي حمل بها قوله تعالى: {وتوبوا إلى اللّه جميعاً } على الوجوب، وتصح التوبة من ذنب من الإقامة على غيره من غير نوعه، خلافا للمعتزلة في قولهم: لا يكون تائبا من أقام على ذنب، وتصح التوبة وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب، فإن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت، وهو محتاج بعد موافقة الذنب إلى توبة أخرى مستأنفة، والإيمان للكافر ليس نفس توبته، وإنما توبته ندمه على سالف كفره، وقوله تعالى: على اللّه فيه حذف مضاف تقديره: على فضل الله ورحمته لعباده، وهذا نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ »قال الله ورسوله أعلم، قال: «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم سكت قليلا» ، ثم قال: «يا معاذ أتدري ما حق العباد على الله؟ » قال الله ورسوله أعلم، قال: « أن يدخلهم الجنة »، فهذا كله إنما معناه: ما حقهم على فضل الله ورحمته، والعقيدة: أنه لا يجب على الله تعالى شيء عقلا، لكن إخباره تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يقتضي وجوب تلك الأشياء سمعا، فمن ذلك تخليد الكفار في النار، ومن ذلك قبول إيمان الكافر، والتوبة لا يجب قبولها على الله تعالى عقلا، فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب، قال أبو المعالي وغيره: فهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن لا قطعا على الله بقبول التوبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد خولف أبو المعالي وغيره في هذا المعنى، فإذا فرضنا رجلا قد تاب توبة نصوحا تامة الشروط، فقول أبي المعالي يغلب على الظن قبول توبته، وقال غيره: «يقطع على الله تعالى بقبول توبته، كما أخبر عن نفسه عز وجل».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكان أبي رحمة الله عليه يميل إلى هذا القول ويرجحه، وبه أقول، والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله تعالى: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده}وقوله: {وإنّي لغفّارٌ لمن تاب وآمن} والسّوء في هذه الآية يعم الكفر والمعاصي، وقوله تعالى: بجهالةٍ معناه: بسفاهة وقلة تحصيل أدى إلى المعصية، وليس المعنى أن تكون «الجهالة» ان ذلك الفعل معصية، لأن المتعمد للذنوب كان يخرج من التوبة، وهذا فاسد إجماعا، وبما ذكرته في «الجهالة» قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ذلك عنهم أبو العالية، وقال قتادة: «اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة»، عمدا كانت أو جهلا، وقال به ابن عباس ومجاهد والسدي، وروي عن مجاهد والضحاك أنهما قالا: «الجهالة هنا العمد»، وقال عكرمة: «أمور الدنيا كلها جهالة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: « يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة الله» ، وهذا المعنى عندي جار مع قوله تعالى: {إنّما الحياة الدّنيا لعبٌ ولهوٌ } وقد تأول قوم قول عكرمة بأنه للذين يعملون السوء في الدنيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكأن «الجهالة اسم للحياة الدنيا»، وهذا عندي ضعيف، وقيل بجهالةٍ، أي لا يعلم كنه العقوبة، وهذا أيضا ضعيف، ذكره ابن فورك ورد عليه، واختلف المتأولون في قوله تعالى: {من قريبٍ } فقال ابن عباس والسدي: «معنى ذلك قبل المرض والموت »، وقال أبو مجلز ومحمد بن قيس والضحاك وعكرمة وابن زيد وغيرهم: «معنى ذلك قبل المعاينة للملائكة والسوق، وأن يغلب المرء على نفسه» ، وروى أبو قلابة، أن الله تعالى لما خلق آدم فرآه إبليس أجوف، ثم جرى له ما جرى ولعن وأنظر، قال: وعزتك لا برحت من قلبه ما دام فيه الروح، فقال الله تعالى: «وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فابن عباس رضي الله عنه ذكر أحسن أوقات التوبة، والجمهور حددوا آخر وقتها، وقال إبراهيم النخعي: كان يقال: «التوبة مبسوطة لأحدكم ما لم يؤخذ بكظمه» ، وروى بشير بن كعب والحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ويغلب على عقله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأن الرجاء فيه باق ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل في المستأنف، فإذا غلب تعذرت التوبة لعدم الندم والعزم على الترك، وقوله تعالى: {من قريبٍ } إنما معناه: «من قريب» إلى وقت الذنب، ومدة الحياة كلها قريب، والمبادر في الصحة أفضل، والحق لأمله من العمل الصالح، والبعد كل البعد الموت، ومنه قول مالك بن الريب: الطويل وأين مكان البعد إلّا مكانيا وقوله تعالى:{ وكان اللّه عليماً حكيماً } أي بمن يتوب وييسره هو للتوبة حكيما فيما ينفذه من ذلك، وفي تأخير من يؤخر حتى يهلك). [المحرر الوجيز: 2/493-496]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم نفى بقوله تعالى: {وليست التّوبة } الآية أن يدخل في حكم التائبين من حضره موته وصار في حيز اليأس، وحضور الموت هو غاية قربه، كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق، فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان، وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجماعة المفسرين، وقال الربيع: «الآية الأولى قوله: {إنّما التّوبة على اللّه هي في المؤمنين}، والآية الثانية قوله: {وليست التّوبة} الآية نزلت في المسلمين ثم نسخت بقوله تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فحتم أن لا يغفر للكافر وأرجأ المؤمنين إلى مشيئته لم ييئسهم من المغفرة ».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وطعن بعض الناس في هذا القول بأن خبر، والأخبار لا تنسخ». وهذا غير لازم، لأن الآية لفظها الخبر، ومعناه تقرير حكم شرعي، فهي نحو قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} ونحو قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} وإنما يضعف القول بالنسخ من حيث تنبني الآيتان ولا يحتاج إلى تقرير نسخ، لأن هذه الآية لم تنف أن يغفر للعاصي الذي لم يتب من قريب، فنحتاج أن نقول، إن قوله: {ويغفر ما دون ذلك} نسخها وإنما نفت هذه الآية أن يكون تائبا من لم يتب إلا مع حضور الموت، فالعقيدة عندي في هذه الآيات: أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب، هذا مذهب أبي المعالي وغيره، وقال غيرهم: بل هو مغفور له قطعا، لإخبار الله تعالى بذلك، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة، ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين، فإن كان كافرا فهو يخلد، وإن كان مؤمنا فهو عاص في المشيئة، لكن يغلب الخوف عليه، ويقوي الظن في تعذيبه، ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر الله له تعالى تفضلا منه ولا يعذبه.
وأعلم الله تعالى أيضا أن الّذين يموتون وهم كفّارٌ فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة، وقوله تعالى:{ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً} إن كانت الإشارة إلى الذين يموتون وهم كفار فقط، فالعذاب عذاب خلود، وإن كانت الإشارة إليهم وإلى من ينفذ عليه الوعيد، ممن لا يتوب إلا مع حضور الموت من العصاة فهو في جهة هؤلاء، عذاب ولا خلود معه، وأعتدنا معناه: يسرناه وأحضرناه، وظاهر هذه الآية أن النار مخلوقة بعد). [المحرر الوجيز: 2/496-497]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) }.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليمًا حكيمًا (17) وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا (18) }.
يقول تعالى: {إنّما يتقبّل اللّه التّوبة ممّن عمل السّوء بجهالةٍ}، ثمّ يتوب ولو قبل معاينة الملك لقبض روحه قبل الغرغرة.
قال مجاهدٌ وغير واحدٍ:
«كلّ من عصى اللّه خطأً أو عمدًا فهو جاهلٌ حتّى ينزع عن الذّنب».
وقال قتادة عن أبي العالية:
«أنّه كان يحدّث أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كلّ ذنبٍ أصابه عبدٌ فهو بجهالةٍ». رواه ابن جريرٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة قال:
« اجتمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرأوا أنّ كلّ شيءٍ عصي به فهو جهالةٌ، عمدًا كان أو غيره ».
وقال ابن جريج: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال:
«كلّ عاملٍ بمعصية اللّه فهو جاهلٌ حين عملها ». قال ابن جريجٍ: وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه.
وقال أبو صالحٍ عن ابن عبّاسٍ:
« من جهالته عمل السّوء».
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {ثمّ يتوبون من قريبٍ} قال:
« ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت»، وقال الضّحّاك: «ما كان دون الموت فهو قريبٌ ». وقال قتادة والسّدّيّ: «ما دام في صحّته ». وهو مرويٌ عن ابن عبّاسٍ. وقال الحسن البصريّ: {ثمّ يتوبون من قريبٍ} «ما لم يغرغر». وقال عكرمة: «الدّنيا كلّها قريبٌ ».
ذكر الأحاديث في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن عيّاش وعصام بن خالدٍ، قالا حدّثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحولٍ، عن جبير بن نفير عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ».
و رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ. ووقع في سنن ابن ماجه: عن عبد اللّه بن عمرو. وهو وهم، إنّما هو عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب.
حديثٌ آخر عن ابن عمر: قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن معمرٍ حدّثنا عبد اللّه بن الحسن الخراسانيّ، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه البابلتّيّ حدّثنا أيّوب بن نهيك الحلبيّ قال: سمعت عطاء بن أبي رباحٍ قال: سمعت عبد اللّه بن عمر، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول:
«ما من عبدٍ مؤمن يتوب قبل الموت بشهرٍ إلّا قبل اللّه منه، وأدنى من ذلك، وقبل موته بيومٍ وساعةٍ، يعلم اللّه منه التّوبة والإخلاص إليه إلّا قبل منه ».
حديثٌ آخر: قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا شعبة، أخبرنا إبراهيم بن ميمونٍ، أخبرني رجلٌ من ملحان يقال له: أيّوب -قال: سمعت عبد اللّه بن عمر يقول:
« من تاب قبل موته بعامٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بشهرٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بجمعةٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بيومٍ تيب عليه، ومن تاب قبل موته بساعةٍ تيب عليه. فقلت له: إنّما قال اللّه: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ} فقال: إنّما أحدّثك ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ».
وهكذا رواه أبو داود الطّيالسيّ، وأبو عمر الحوضي، وأبو عامرٍ العقدي، عن شعبة.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا محمّد بن مطرّف، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن بن البيلماني قال:
«اجتمع أربعةٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنّ اللّه يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيومٍ ». فقال الآخر: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يومٍ»فقال الثّالث: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحو ». قال الرّابع: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال وأنا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه ». وقد رواه سعيد بن منصورٍ عن الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن بن البيلمانيّ فذكر قريبًا منه.
حديثٌ آخر: قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيدٍ، حدّثنا عمران بن عبد الرّحيم، حدّثنا عثمان بن الهيثم، حدّثنا عوف، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ اللّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر ».
أحاديث في ذلك مرسلةٌ:
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوف، عن الحسن قال:بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال:
« إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » هذا مرسلٌ حسنٌ. عن الحسن البصريّ، رحمه اللّه.
آخر: قال ابن جريرٍ أيضًا، رحمه اللّه: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثني أبي، عن قتادة، عن العلاء بن زيادٍ، عن أبي أيّوب بشير بن كعبٍ؛ أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ».
وحدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن عبادة بن الصّامت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال، فذكر مثله.
أثرٌ آخر: قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا أبو داود، حدّثنا عمران، عن قتادة قال: كنا عند أنس بن مالكٍ وثمّ أبو قلابة، فحدّث أبو قلابة فقال: إنّ اللّه تعالى لمّا لعن إبليس سأله النّظرة فقال: وعزّتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الرّوح. فقال اللّه:
«وعزّتي لا أمنعه التّوبة ما دام فيه الرّوح».
وقد ورد هذا في حديثٍ مرفوعٍ، رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرٍو وأبي الهيثم العتواري كلاهما عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«قال إبليس: وعزّتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال اللّه عزّ وجلّ: «وعزّتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني »».
فقد دلّت هذه الأحاديث على أنّ من تاب إلى اللّه عزّ وجلّ وهو يرجو الحياة، فإنّ توبته مقبولةٌ منه ؛ ولهذا قال تعالى: {فأولئك يتوب اللّه عليهم وكان اللّه عليمًا حكيمًا} فأمّا متى وقع الإياس من الحياة، وعاين الملك، وحشرجت الرّوح في الحلق، وضاق بها الصّدر، وبلغت الحلقوم، وغرغرت النّفس صاعدةً في الغلاصم -فلا توبة متقبّلةٌ حينئذٍ، ولات حين مناصٍ؛ ولهذا قال تعالى {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/235-238]

تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) }.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} وهذا كما قال تعالى: {فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا باللّه وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا} الآيتين، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشّمس طالعةً من مغربها كما قال تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا}.
وقوله: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} الآية يعني: أنّ الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته، ولا يقبل منه فديةٌ ولو بملء الأرض ذهبًا.
قال ابن عبّاسٍ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ: {ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ} قالوا:
«نزلت في أهل الشّرك».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدّثني أبي، عن مكحولٍ: أنّ عمر بن نعيمٍ حدّثه عن أسامة بن سلمان: أنّ أبا ذرٍّ حدّثهم: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:«إنّ اللّه يقبل توبة عبده -أو يغفر لعبده-ما لم يقع الحجاب
»
. قيل: وما وقوع الحجاب؟ قال:
«أن تخرج النّفس وهي مشركة » ؛ ولهذا قال تعالى: {أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} أي: « موجعا شديدا مقيما »).[تفسير القرآن العظيم: 2/238]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة