العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:25 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (189) إلى الآية (194) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (189) إلى الآية (194) ]


{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:14 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل بن حاتم، عن سليمان بن المغيرة، عن الحسن في هذه الآية: {وأتوا البيوت من أبوابها}، قال: كان أهل الجاهلية إذا هم الرجل بالأمر فعاقه شيءٌ لم يدخل بيته من بابه، يدخل من ظهر البيت). [الجامع في علوم القرآن: 1/135]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى مواقيت للناس قال هي مواقيت لهم في حجهم وصومهم وفطرهم ونسكهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/72]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري قال كان أناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك فكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدوا له الحاجة بعدما يخرج من بيته فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت لا يحول بينه وبين السماء فيقتحم الجدار من ورائه ثم يقوم من حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته حتى بلغنا أن النبي أهل زمان الحديبية بالعمرة فدخل إلى حجرته فدخل على أثره رجل من الأنصار من بني سلمة فقال له النبي إني أحمس). [تفسير عبد الرزاق: 1/72]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر وقال الزهري وكانت قريش و حلفاؤها الخمس لا يبالون ذلك فقال الأنصاري وأنا أحمس يقول وأنا على دينك قال فأنزل الله تعالى وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/73]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله تبارك وتعالى: {يسألونك عن الأهلة} قال: هي مواقيت للنّاس في حجّهم وديونهم وفطرهم ونحرهم وعدّة نسائهم [الآية: 189]). [تفسير الثوري: 58]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم - في قوله عزّ وجلّ: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} - قال: كان الرّجل من أهل الجاهليّة إذا أتى البيت من بيوت بعض أصحابه، أو بني عمّه، رفع البيت من خلفه، - أي بيوت الشّعر -، ثمّ يدخل، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يأتوا البيوت من أبوابها، ثمّ يسلّموا). [سنن سعيد بن منصور: 2/707]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} [البقرة: 189]
[صحيح البخاري: 6/26]
- حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: «كانوا إذا أحرموا في الجاهليّة أتوا البيت من ظهره» فأنزل اللّه: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} [البقرة: 189]). [صحيح البخاري: 6/26]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب قوله: {ليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا الله لعلّكم تفلحون} (البقرة: 189)
أي: هذا باب في ذكر قوله: (وليس البر) الآية كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره ساق إلى آخر الآية، واختلفوا في سبب نزول هذه الآية. فروى أبو داود الطّيالسيّ عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء، قال: كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية وقال الحسن البصريّ: كان أقوام الجاهليّة إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفره الّذي خرج له ثمّ بدا له بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره لم يدخل البيت من بابه ولكن يتسوره من قبل ظهره. فقال الله تعالى: {ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} (البقرة: 189) الآية. وقال مجاهد: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل من باب البيت فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال عطاء بن أبي رباح: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها، ويرون ذلك من أدنى البر فقال الله تعالى: {ليس البربان تأتوا البيوت من ظهورها} (البقرة: 189).
- حدّثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال كانوا إذا أحرموا في الجاهليّة أتوا البيت من ظهره فأنزل الله {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولاكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي.
والحديث من أفراده بهذا الطّريق وعن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا لا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون الأمن الباب في الإحرام فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاريّ: فقالوا يا رسول الله أن قطبة بن عامر رجل فاجر، وإنّه خرج معك من الباب فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته ففعلته. فقال إنّي رجل أحمس. قال: فإن ديني دينك، فأنزل الله: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} (البقرة: 189) الآية قلت الحمس: بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبسين مهملة جمع أحمس: وهم قريش وكنانة وجديلة قيس سمو: حمسا لأنهم تحمسوا في دينهم أي: تشددوا والحماسة الشجاعة وكانوا يقفون بمزدلفة ولا يقفون بعرفة ويقولون نحن أهل الله فلا تخرج من الحرم وكانوا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون). [عمدة القاري: 18/108]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} [البقرة: 189]
({وليس البر}) ولأبي ذر باب قوله وليس البر ({بأن تأتوا البيوت من ظهورها}) إذا أحرمتم ({ولكن البر من اتقى}) ذلك أو اتقى المحارم والشهوات ({وأتوا البيوت من أبوابها}) محلّين ومحرمين ({واتقوا الله}) في تغيير أحكامه والاعتراض على أفعاله ({لعلكم تفلحون}) [البقرة: 189]. لكي تظفروا بالهدى والبر ووقع
[إرشاد الساري: 7/27]
في رواية أبي ذر بعد قوله: ({من اتقى}) الآية وحذف ما بعدها.
- حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن البراء، قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهليّة أتوا البيت من ظهره، فأنزل اللّه: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: كانوا) أي الأنصار وسائر العرب غير الحمس وهم قريش (إذا أحرموا) بالحج والعمرة (في الجاهلية أتوا البيت من ظهره) من نقب أو فرجة من ورائه لا من بابه (فأنزل الله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}) وسقطت واو ليس لأبي ذر ({ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}) ونقل ابن كثير عن محمد بن كعب قال: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فأنزل الله تعالى الآية). [إرشاد الساري: 7/28]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون}
قوله: (وأتوا البيوت من أبوابها) ونقل ابن كثير عن محمدبن كعب، قال: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل الله تعالى الآية). [حاشية السندي على البخاري: 3/40]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}
- أخبرنا عليّ بن الحسين، حدّثنا أميّة، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء: " كانت الأنصار إذا حجّت لم تدخل من أبوابها، ودخلت من ظهورها، فأنزل الله تبارك وتعالى {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} [البقرة: 189]
[السنن الكبرى للنسائي: 10/26]
- أخبرنا محمّد بن حاتم بن نعيمٍ، أخبرنا حبّان، أخبرنا عبد الله، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} [البقرة: 189] قال: كان ناسٌ من أهل الجاهليّة إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت من أبوابها، ودخلوها من ظهورها من الحيطان، فأنزل الله جلّ ثناؤه {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها، ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} [البقرة: 189]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/26]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}.
ذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن زيادة الأهلّة، ونقصانها، واختلاف أحوالها، فأنزل اللّه تعالى ذكره هذه الآية جوابًا لهم فيما سألوا عنه.
ذكر الأخبار بذلك
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس} قال قتادة: سألوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك: لم جعلت هذه الأهلّة؟ فأنزل اللّه فيها ما تسمعون: {هي مواقيت للنّاس} فجعلها لصوم المسلمين، ولإفطارهم، ولمناسكهم، وحجّهم، ولعدّة نسائهم، ومحلّ دينهم وفي أشياء، واللّه أعلم بما يصلح خلقه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق،
[جامع البيان: 3/280]
قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال ذكر لنا أنّهم سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لم خلقت الأهلّة؟ فأنزل اللّه تعالى: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ} جعلها اللّه مواقيت لصوم المسلمين، وإفطارهم، ولحجّهم، ومناسكهم، وعدّة نسائهم، وحلّ ديونهم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {مواقيت للنّاس والحجّ} قال هي مواقيت للنّاس في حجّهم، وصومهم، وفطرهم، ونسكهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال النّاس لم جعلت هذه الأهلّة؟ فنزلت: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس} لصومهم وإفطارهم وحجّهم ومناسكهم. قال: قال ابن عبّاسٍ: ووقت حجّهم، وعدّة نسائهم، وحلّ دينهم.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {يسألونك عن الأهلّة، قل هي مواقيت للنّاس} فهي مواقيت الطّلاق، والحيض، والحجّ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: حدّثنا الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، {يسألونك عن الأهلّة، قل هي مواقيت للنّاس} يعني حلّ دينهم، ووقت حجّهم، وعدّة نسائهم.
[جامع البيان: 3/281]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال سأل النّاس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الأهلّة، فنزلت هذه الآية: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس} يعلمون بها حلّ دينهم، وعدّة نسائهم، ووقت حجّهم.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، عن شريكٍ، عن جابرٍ، عن عبد اللّه بن نجيٍ، عن عليٍّ، أنّه سئل عن قوله: {مواقيت للنّاس} قال هي مواقيت الشّهر هكذا وهكذا وهكذا، وقبض إبهامه فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فأتمّوا ثلاثين.
فتأويل الآية إذا كان الأمر على ما ذكرنا عمّن ذكرنا عنه قوله في ذلك: يسألونك يا محمّد عن الأهلّة، ومحاقها، وسرارها، وتمامها، واستوائها، وتغيّر أحوالها بزيادةٍ، ونقصانٍ، ومحاقٍ، واستسرارٍ، وما المعنى الّذي خالف بينه وبين الشّمس الّتي هي دائمةٌ أبدًا على حالٍ واحدةٍ لا تتغيّر بزيادةٍ، ولا نقصانٍ، فقل يا محمّد خالف بين ذلك ربّكم لتصييره الأهلّة الّتي سألتم عن أمرها ومخالفة ما بينها وبين غيرها فيما خالف بينها وبينه مواقيت لكم ولغيركمٍ من بني آدم، في معايشهم، توقتون بزيادتها، ونقصانها، ومحاقها، واستسرارها، وإهلالكم إيّاها أوقات حلّ ديونكم، وانقضاء مدّة إجارة من استأجرتموه من أجرائكم، وتصرّم عدّة نسائكم، ووقت صومكم، وإفطاركم، فجعلها مواقيت للنّاس.
[جامع البيان: 3/282]
وأمّا قوله: {والحجّ} فإنّه يعني وللحجّ، يقول: وجعلها أيضًا ميقاتًا لحجّكم تعرفون بها وقت مناسككم، وحجّكم). [جامع البيان: 3/283]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}.
قيل: نزلت هذه الآية في قومٍ كانوا لا يدخلون إذا أحرموا بيوتهم من قبل أبوابها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء، يقول كانت الأنصار إذا حجّوا ورجعوا لم يدخلوا البيوت إلاّ من ظهورها. قال: فجاء رجلٌ من الأنصار فدخل من بابه، فقيل له في ذلك، فنزلت هذه الآية: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}.
- حدّثني سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال كانوا في الجاهليّة إذا أحرموا أتوا البيوت من ظهورها، ولم يأتوا من أبوابها، فنزلت: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}.. الآية.
[جامع البيان: 3/283]
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود، عن قيس بن جبيرٍ، أنّ ناسًا، كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطًا من بابه، ولا دارًا من بابها، أو بيتًا، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه دارًا. وكان رجلٌ من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت، فجاء فتسوّر الحائط، ثمّ دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا خرج من باب الدّار أو قال من باب البيت خرج معه رفاعة، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول اللّه رأيتك خرجت منه، فخرجت منه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي رجلٌ أحمس، فقال: إن تكن رجلاً أحمس فإنّ ديننا واحدٌ. فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}.
[جامع البيان: 3/284]
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} يقول ليس البرّ بأن تأتوا البيوت من كوّاتٍ في ظهور البيوت، وأبوابٍ في جنوبها تجعلها أهل الجاهليّة. فنهوا أن يدخلوا منها وأمروا أن يدخلوا من أبوابها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال كان ناسٌ من أهل الحجاز إذا أحرموا لم يدخلوا من أبواب بيوتهم ودخلوا من ظهورها، فنزلت: {ولكنّ البرّ من اتّقى} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وليس البرّ} بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها قال كان المشركون إذا أحرم الرّجل منهم نقب كوّةً في ظهر بيته فجعل سلّمًا فجعل يدخل منها. قال فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ ومعه رجلٌ من المشركين، قال: فأتى الباب ليدخل، منه. قال: فانطلق الرّجل ليدخل من الكوّة. قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما شأنك؟ فقال: إنّي أحمس، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وأنا أحمس.
[جامع البيان: 3/285]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال كان ناسٌ من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السّماء شيءٌ يتحرّجون من ذلك، وكان الرّجل يخرج مهلًّا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السّماء، فيفتح الجدار من ورائه، ثمّ يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته. حتّى بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أهلّ زمن الحديبية بالعمرة، فدخل حجرةً، فدخل رجلٌ على أثره من الأنصار من بني سلمة، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أحمس قال الزّهريّ: وكانت الحمس لا يبالون ذلك. فقال الأنصاريّ: وأنا أحمس، يقول: وأنا على دينك. فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت} الآية كلّها. قال قتادة كان هذا الحيّ من الأنصار في الجاهليّة إذا أهلّ أحدهم بحجٍّ، أو عمرةٍ لا يدخل دارًا من بابها إلاّ أنّ يتسوّر حائطًا تسوّرًا، وأسلموا وهم كذلك. فأنزل اللّه تعالى ذكره في ذلك ما تسمعون، ونهاهم عن صنيعهم ذلك، وأخبرهم أنّه ليس من البرّ صنيعهم ذلك، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ،
[جامع البيان: 3/286]
قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} فإنّ ناسًا من العرب كانوا إذا حجّوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها، فلمّا حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حجّة الوداع أقبل يمشي ومعه رجلٌ من أولئك وهو مسلمٌ. فلمّا بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم باب البيت احتبس الرّجل خلفه وأبى أن يدخل قال: يا رسول اللّه إنّي أحمس يقول: إنّي محرمٌ وكان أولئك الّذين يفعلون ذلك يسمّون الحمس. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وأنا أيضًا أحمس فادخل فدخل الرّجل، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وأتوا البيوت من أبوابها}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} وإنّ رجالاً من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوّه شيئًا أحرم فأمن، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتّخذ نقبًا من ظهر بيته. فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة كان بها رجلٌ محرمٌ كذلك، وأنّ أهل المدينة كانوا يسمّون البستان: الحشّ. وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل بستانًا، فدخله من بابه، ودخل معه ذلك المحرم، فناداه رجلٌ من ورائه: يا فلان إنّك محرمٌ وقد دخلت مع الناس فقال: أنا أحمس، وقال: يا رسول اللّه إن كنت محرمًا فأنا محرمٌ، وإنّ كنت أحمس فأنا أحمس. فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} إلى آخر الآية. فأحلّ اللّه للمؤمنين أن يدخلوا البيوت من أبوابها.
[جامع البيان: 3/287]
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} قال كان أهل المدينة وغيرهم إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت إلاّ من ظهورها، وذلك أنّ يتسوّروها، فكان إذا أحرم أحدهم لا يدخل البيت إلاّ أن يتسوّره من قبل ظهره. وإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل ذات يومٍ بيتًا لبعض الأنصار، فدخل رجلٌ على أثره ممّن قد أحرم، فأنكروا ذلك عليه، وقالوا: هذا رجلٌ فاجرٌ فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لم دخلت من الباب وقد أحرمت؟ فقال: رأيتك يا رسول اللّه دخلت فدخلت على أثرك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أحمس وقريشٌ يومئذٍ تدعى الحمس؛ فلمّا أن قال ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال الأنصاريّ: إنّ ديني دينك. فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}.. الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ، قوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} قال كان أهل الجاهليّة يأتون البيوت من ظهورها ويرونه برًّا، فقال البرّ، ثمّ نعت البرّ، وأمر بأن يأتوا البيوت من أبوابها.
- قال ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا يقول كانت هذه الآية في الأنصار يأتون البيوت من ظهورها يتبرّرون بذلك.
فتأويل الآية إذًا: وليس البرّ أيّها النّاس بأن تأتوا البيوت في حال إحرامكم من ظهورها، ولكنّ البرّ من اتّقى اللّه فخافه، وتجنّب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه الّتي أمره بها، فأمّا إتيان البيوت من ظهورها فلا برّ للّه فيه، فأتوها من حيث شئتم من أبوابها وغير أبوابها، ما لم تعتقدوا تحريم إتيانها من أبوابها في حالٍ من الأحوال، فإنّ ذلك غير جائزٍ لكم اعتقاده، لأنّه ممّا لم أحرّمه عليكم). [جامع البيان: 3/288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واتّقوا اللّه أيّها النّاس فاحذروه، وارهبوه بطاعته فيما أمركم من فرائضه، واجتناب ما نهاكم عنه لتفلحوا فتنجحوا في طلباتكم لديه وتدركوا به البقاء في جنّاته، والخلود في نعيمه.
وقد بيّنّا معنى الفلاح فيما مضى قبل بما يدلّ عليه). [جامع البيان: 3/289]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون (189)
قوله: يسألونك عن الأهلّة
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عبيد اللّه ومسدّدٌ، قالا حدّثنا محمّد بن جابرٍ، عن قيس بن طلقٍ، عن أبيه طلق بن عليٍّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: جعل اللّه الأهلّة مواقيت). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: هي مواقيت للنّاس
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، قال: سأل النّاس رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، عن الأهلة، فنزلت هذه الآية يسئلونك، عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس يعلمون بها حلّ دينهم، وعدّة نسائهم، ووقت حجهم.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: بلغنا أنّهم قالوا: يا رسول اللّه: لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله:
يسئلونك، عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس يقول: جعلها اللّه مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وعدّة نسائهم ومحلّ دينهم وروي، عن عطاءٍ والضّحّاك وقتادة والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والحجّ
وبه، عن أبي العالية: قل هي مواقيت للنّاس والحجّ يقول: مواقيت لحجّهم ومناسكهم وروي، عن الضّحّاك وقتادة والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كانت الأنصار إذا قدموا من سفرٍ، لم يدخل الرّجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا أبو الجوّاب، عن عمّار بن رزيقٍ، عن سليمان الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ قال: كانت قريشٌ تدعى الحمس، فكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من بابٍ في الإحرام فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بستانٍ، إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامرٍ الأنصاريّ فقالوا يا رسول اللّه: إنّ قطبة بن عامرٍ رجلٌ فاجرٌ، وإنّه خرج معك من الباب، فقالوا له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت. قال: إنّي أحمس. قال له: فإنّ ديني دينك فأنزل اللّه: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها وإنّ رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوّه شيئًا، أحرم فأمن. فإذا أحرم لم يلج من باب بيته، واتّخذ نقبًا من ظهر بيته، فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة كان بها رجلٌ محرمٌ كذلك- وإنّ أهل المدينة كانوا يسمّون البستان «الحشّ» وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل بستانًا، فدخله من بابه، ودخل معه ذلك المحرم فناداه رجلٌ من ورائه: يا فلان إنّك محرمٌ وقد دخلت مع النّاس فقال: يا رسول اللّه إن كنت محرمًا فأنا محرمٌ، وإن كنت أحمسا فأنا أحمس، فنزلت هذه الآية وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور ابن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من
[تفسير القرآن العظيم: 1/323]
ظهورها
قال: كان أقوامٌ من أهل الجاهليّة إذا أراد أحدهم سفرًا أو خرج من بيته يريد سفره الّذي خرج له، ثمّ بدا له بعد خروجه منه أن يقيم ويدع سفره الّذي خرج له لم يدخل البيت من بابه ولكن يتسوّره من قبل ظهره تسوّرًا، فقال اللّه: «ليس ذلك بالبرّ، أن تأتوا البيوت من ظهورها، وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون».
الوجه الرّابع:
- ذكر، عن زيد بن الحباب، عن موسى بن عبيدة الرّبذيّ قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ يقول: كان الرّجل إذا اعتكف، لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل اللّه: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها.
الوجه الخامس:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي شيبة، عن عطاءٍ، قال: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم، دخلوا البيوت من ظهورها ويرون أنّ ذلك أدنى إلى البرّ، فقال اللّه تعالى: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولكنّ البرّ من اتّقى
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً، أخبرني ابن شعيبٍ، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاءٍ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتقى قال: إنّما البرّ: أن تتّقوا اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبي، عن جدي، عن عبّاسٍ، قوله: وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون فأحلّ اللّه للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واتّقوا اللّه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: واتّقوا اللّه يعني المؤمنين، يحذّرهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لعلّكم تفلحون
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، ثنا أبو صخرٍ المدينيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، أنّه كان يقول في هذه الآية لعلّكم تفلحون يقول:
لعلّكم تفلحون غدًا إذا لقيتموني). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) البراء بن عازب رضي الله عنهما: قال: نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجّوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت، فجاء رجلٌ من الأنصار فدخل من قبل بابه، فكأنّه عيّر بذلك فنزلت: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وائتوا البيوت من أبوابها} [البقرة: 189].
وفي رواية قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وائتوا البيوت من أبوابها} أخرجه البخاري ومسلم). [جامع الأصول: 2/30]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون.
أخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الأهلة} قال: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة وهما رجلان من الأنصار قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد فنزلت {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} في محل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدة نسائهم والشروط التي تنتهي إلى أجل معلوم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال سألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لم جعلت الأهلة فأنزل الله {يسألونك عن الأهلة} الآية، فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه
[الدر المنثور: 2/305]
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال ذكر لنا أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لم خلقت الأهلة فأنزل الله {يسألونك عن الأهلة} الآية، جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم ولحجهم ومناسكهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة فنزلت هذه الآية {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} يعلمون بها حل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} قال: لحجكم وصومكم وقضاء ديونكم وعدة نسائكم.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {مواقيت للناس} قال: في عدة نسائهم ومحل دينهم وشروط الناس قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر وهو يقول:
والشمس تجري على وقت مسخرة * إذا قضت سفرا استقبلت سفرا
[الدر المنثور: 2/306]
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما.
وأخرج أحمد والطبراني، وابن عدي والدارقطني بسند ضعيف عن طلق بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الله الأهلة مواقيت للناس فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين). [الدر المنثور: 2/307]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت} الآية.
أخرج وكيع والبخاري، وابن جرير عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}.
وأخرج الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن البراء، كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه فقيل له في ذلك فنزلت
[الدر المنثور: 2/307]
الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن جابر قال كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا: يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال له: ما حملك على ما صنعت قال: رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت، قال: إني رجل أحمس، قال له: فإن ديني دينك، فأنزل الله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوه شيئا أحرم فأمن فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ نقبا من ظهر بيته فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان بها رجل محرم كذلك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بستانا فدخله من بابه ودخل
[الدر المنثور: 2/308]
معه ذلك المحرم فناداه رجل من ورائه: يا فلان إنك محرم وقد دخلت مع الناس، فقال: يا رسول الله إن كنت محرما فأنا محرم وإن كنت أحمس فأنا أحمس، فأنزل الله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}
إلى آخر الآية، فأحل للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قيس بن جبير النهشلي أن الناس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطا من بابه ولا دارا من بابها وكانت الحمس يدخلون البيوت من أبوابها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دارا وكان رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت فتسور الحائط ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج من باب الدار خرج معه رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ذلك قال: يا رسول الله رأيتك خرجت منه فخرجت منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رجل أحمس، فقال: إن تكن رجلا أحمس فإن ديننا واحد فأنزل الله {وليس البر} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الزهري قال كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك وكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء فيفتح الجدار من ورائه ثم يقوم في حجرته
[الدر المنثور: 2/309]
فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته حتى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبة بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إني أحمس، وكان الحمس لا يبالون ذلك فقال الأنصاري: وأنا أحمس، يقول: وأنا على دينك، فأنزل الله {ليس البر} الآية.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال أن نايا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوادع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل، قال: يا رسول الله إني أحمس، وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أيضا أحمس فادخل فدخل الرجل فأنزل الله {وأتوا البيوت من أبوابها}.
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي في الآية قال: كان الرجل من أهل الجاهلية إذا أتى البيت من بيوت بعض أصحابه أو ابن عمه رفع البيت من خلفه أي بيوت الشعر ثم يدخل فنهوا عن ذلك وأمروا أن يأتوا البيوت
[الدر المنثور: 2/310]
من أبوابها ثم يسلموا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: كان الرجل إذا إعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فأنزل الله {ليس البر} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها ويرون أن ذلك أدنى إلى البر فأنزل الله الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال: كان الرجل في الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك فكان لا يأتي بيته من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به وأراده). [الدر المنثور: 2/311]

تفسير قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: هذه الآية هي أوّل آيةٍ نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشّرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكفّ عمّن كفّ عنهم منهم، ثمّ نسخت ببراءة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، وابن أبي جعفرٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، في قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} قال هذه أوّل آيةٍ نزلت في القتال بالمدينة، فلمّا نزلت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقاتل من قاتله ويكفّ عمّن كفّ عنه حتّى نزلت براءة ولم يذكر عبد الرّحمن المدينة.
[جامع البيان: 3/289]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم} إلى آخر الآية. قال: قد نسخ هذا، وقرأ قول اللّه: {قاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} وهذه النّاسخة، وقرأ: {براءةٌ من اللّه ورسوله} حتّى بلغ: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
وقال آخرون: بل ذلك أمرٌ من اللّه تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفّار لم ينسخ، وإنّما الاعتداء الّذي نهاهم اللّه عنه هو نهيه عن قتل النّساء، والذّراريّ. قالوا: والنّهي عن قتلهم ثابتٌ حكمه اليوم. قالوا: فلا شيء نسخ من حكم هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن صدقة الدّمشقيّ، عن يحيى بن يحيى الغسّانيّ، قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز، أسأله عن قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} قال: فكتب إليّ أنّ ذلك في النّساء، والذّرّيّة ومن لم ينصب لك الحرب منهم.
[جامع البيان: 3/290]
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم} لأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أمروا بقتال الكفّار.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} يقول لا تقتلوا النّساء، ولا الصّبيان، ولا الشّيخ الكبير، ولا من ألقى إليكم السّلم وكفّ يده، فإن فعلتم فقد اعتديتم.
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: كتب عمر بن عبد العزيز، إلى عديّ بن أرطأة إنّي وجدت آيةً في كتاب اللّه: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} أي لا تقاتل من لا يقاتل، يعني النّساء، والصّبيان، والرّهبان.
وأولى هذين القولين بالصّواب، القول الّذي قاله عمر بن عبد العزيز؛ لأنّ دعوى المدّعي نسخ آيةٍ يحتمل أن تكون غير منسوخةٍ بغير دلالةٍ على صحّة دعواه تحكّمٌ، والتّحكّم لا يعجز عنه أحدٌ.
[جامع البيان: 3/291]
وقد دللنا على معنى النّسخ، والمعنى الّذي من قبله يثبت صحّة النّسخ بما قد أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
فتأويل الآية إذا كان الأمر على ما وصفنا: وقاتلوا أيّها المؤمنون في سبيل اللّه وسبيله: طريقه الّذي أوضحه ودينه الّذي شرعه لعباده. يقول لهم تعالى ذكره: قاتلوا في طاعتي، وعلى ما شرعت لكم من ديني، وادعوا إليه من ولّى عنه، واستكبر بالأيدي، والألسن، حتّى ينيبوا إلى طاعتي، أو يعطوكم الجزية صغارًا إن كانوا أهل كتابٍ. وأمرهم تعالى ذكره بقتال من كان منه قتالٌ من مقاتلة أهل الكفر دون من لم يكن منه قتالٌ من نسائهم، وذراريّهم، فإنّهم أموالٌ وخوّل لهم إذا غلب المقاتلون منهم فقهروا، فذلك معنى قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم} لاأنّه أباح الكفّ عمّن كفّ، فلم يقاتل من مشركي أهل الأوثان، أو الكافّين عن قتال المسلمين من كفّار أهل الكتاب على غير إعطاء الجزية صغارًا.
فمعنى قوله: {ولا تعتدوا} لا تقتلوا وليدًا ولا امرأةً ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابين والمجوس {إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} الّذين يجاوزون حدوده، فيستحلّون ما حرّمه اللّه عليهم من قتل هؤلاء الّذين حرّم قتلهم من نساء المشركين وذراريّهم). [جامع البيان: 3/292]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (190)
قوله: وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم قال هذه أوّل آيةٍ نزلت في القتال بالمدينة، فلمّا نزلت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقاتل من قاتله، ويكفّ، عن من كفّ، عنه، حتّى نزلت سورة براءة.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم لأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي، عنهم، أمروا بقتال الكفّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا تعتدوا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ولا تعتدوا يقول: لا تقتلوا النّساء والصّبيان والشّيخ الكبير ولا من ألقى السّلم، وكفّ يده، فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم. وروي، عن عمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك، إلا قوله: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكرٍ وعثمان، أنبأ أبي شيبة قالا، ثنا محمّد بن الحسن الواسطيّ، ثنا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قوله: ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين قال: هو الرّجل يقتل الرّجل ثمّ يهرب فيجيء قومه فيصالحون على الدّية، ثمّ يخرج الآخر وقد أمن في نفسه، فيؤتى، فيقتل، وتردّ الدّية إليه، فأنزل اللّه في هذا وأخيه ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين
- حدّثني حبّان بن هلالٍ، ثنا ثابتٌ أبو زيدٍ، ثنا عاصمٌ الأحول، عن الحسن إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين قال: لا تعتدوا إلى ما حرّم اللّه عليكم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/325]
- حدّثنا الحسين بن السّكن، ثنا أبو زيدٍ النّحويّ، ثنا قيسٌ، عن عاصمٍ، عن الحسن، في قول اللّه: ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين قال: أن تأتوا ما نهيتم، عنه). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.
أخرج آدم بن أبي إياس في تفسيره، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {وقاتلوا في سبيل الله
[الدر المنثور: 2/311]
الذين يقاتلونكم} قال: لأصحاب محمد أمروا بقتال الكفار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تعتدوا} يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال كنا إذا استنفرنا نزلنا بظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول انطلقوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون أعداء الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة عن يحيى بن يحيى الغساني قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية من لم ينصب لك الحرب منهم). [الدر المنثور: 2/312]

تفسير قوله تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله والفتنة أشد من القتل قال يقول الشرك أشد من القتل). [تفسير عبد الرزاق: 1/73]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام قال نسخها قوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/73]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}.
[جامع البيان: 3/292]
يعني تعالى ذكره: واقتلوا أيّها المؤمنون الّذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مقاتلهم وأمكنكم قتلهم، وذلك هو معنى قوله: {حيث ثقفتموهم}.
ومعنى الثّقافة بالأمر: الحذق به والبصر، يقال: إنّه لثقفٌ لقفٌ إذا كان جيّد الحذر في القتال بصيرًا بمواضع القتل.
وأمّا التّثقيف فمعنًى غير هذا وهو التّقويم.
فمعنى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} اقتلوهم في أيّ مكانٍ تمكّنتم من قتلهم وأبصرتم مقاتلهم.
وأمّا قوله: {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} فإنّه يعني بذلك المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكّة، فقال لهم تعالى ذكره: أخرجوا هؤلاء الّذين يقاتلونكم وقد أخرجوكم من دياركم من مساكنكم وديارهم كما أخرجوكم منها). [جامع البيان: 3/293]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والفتنة أشدّ من القتل}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {والفتنة أشدّ من القتل} والشّرك باللّه أشدّ من القتل.
وقد بيّنت فيما مضى أنّ أصل الفتنة الابتلاء، والاختبار.
فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتّى يرجع عنه فيصير مشركًا باللّه من بعد إسلامه أشدّ عليه وأضرّ من أن يقتل مقيمًا على دينه متمسّكًا عليه محقًّا فيه.
[جامع البيان: 3/293]
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {والفتنة أشدّ من القتل} قال ارتداد المؤمن إلى الوثن أشدّ عليه من أن يقتل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {والفتنة أشدّ من القتل} يقول الشّرك أشدّ من القتل.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {والفتنة أشدّ من القتل} يقول الشّرك أشدّ من القتل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {والفتنة أشدّ من القتل} قال: الشّرك.
[جامع البيان: 3/294]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {والفتنة أشدّ من القتل} قال الفتنة: الشّرك.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك: {والفتنة أشدّ من القتل} قال الشّرك أشدّ من القتل.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله جلّ ذكره {والفتنة أشدّ من القتل} قال: فتنة الكفر). [جامع البيان: 3/295]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}.
والقرّاء مختلفةٌ في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة ومكّة: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} بمعنى: ولا تبتدئوا أيّها المؤمنون المشركين بالقتال عند المسجد الحرام حتّى يبدءوكم به، فإن بدءوكم به هنالك عند المسجد الحرام في الحرم فاقتلوهم، فإنّ اللّه جعل ثواب الكافرين على كفرهم، وأعمالهم السّيّئة القتل في الدّنيا، والخزي الطّويل في الآخرة.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} كانوا لا يقاتلون فيه حتّى يبدءوا بالقتال. ثمّ نسخ بعد ذلك فقال: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} حتّى لا يكون شركٌ {ويكون الدّين للّه} أن يقال: لا إله إلاّ اللّه، عليها قاتل نبيّ اللّه وإليها دعا.
[جامع البيان: 3/295]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا همّامٌ، عن قتادة: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن لا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلاّ أن يبدءوا فيه بقتالٍ، ثمّ نسخ اللّه ذلك بقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فأمر اللّه نبيّه إذا انقضى الأجل أن يقاتلهم في الحلّ، والحرم وعند البيت، حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّدًا رسول اللّه.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} فكانوا لا يقاتلونهم فيه، ثمّ نسخ ذلك بعد، فقال: {قاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ}.
وقال بعضهم: هذه آيةٌ محكمةٌ غير منسوخةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة،
[جامع البيان: 3/296]
قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فإن قاتلوكم} في الحرم {فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين} لا تقاتل أحدًا فيه أبدًا، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك.
وقرأ ذلك عظم قرّاء الكوفيّين: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم) بمعنى: ولا تبدءوهم بقتلٍ حتّى يبدءوكم به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن حمزة الزّيّات، قال: قلت للأعمش: أرأيت قراءتك: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} إذا قتلوهم كيف يقتلونهم؟ قال إنّ العرب إذا قتل منهم رجلٌ، قالوا: قتلنا، وإذا ضرب منهم رجلٌ قالوا: ضربنا.
وأولى هاتين القراءتين بالصّواب قراءة من قرأ: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} لأنّ اللّه تعالى ذكره لم يأمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم حتّى يقتلوا منهم قتيلاً بعد ما أذن له ولهم بقتالهم، فتكون القراءة بالإذن بقتلهم بعد أن يقتلوا منهم أولى من القراءة بما اخترنا. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّه قد كان تعالى ذكره أذن لهم بقتالهم إذا كان ابتداء القتال من المشركين قبل أن يقتلوا منهم قتيلاً، وبعد أن يقتلوا.
[جامع البيان: 3/297]
وقد نسخ اللّه تعالى ذكره هذه الآية بقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} وقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ونحو ذلك من الآيات.
وقد ذكرنا بعض قول من قال هي منسوخةٌ، وسنذكر قول من حضرنا ذكره ممّن لم يذكر.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} قال: نسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} قال حتّى يبدءوكم كان هذا قد حرّم، فأحلّ اللّه ذلك له، فلم يزل ثابتًا حتّى أمره اللّه بقتالهم بعد). [جامع البيان: 3/298]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191)
قوله: واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم قال:، عنى اللّه بهذا المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والفتنة أشدّ من القتل
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: والفتنة أشدّ من القتل يقول: الشّرك أشدّ من القتل. وروي، عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة والحسن وأبي مالكٍ وقتادة والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أشدّ من القتل
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ والفتنة أشدّ من القتل قال: الفتنة الّتي أنتم مقيمون عليها أكبر من القتل). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه
فأمر اللّه نبيّه ألّا يقاتلوهم، عند المسجد الحرام إلّا أن يبدوا فيه بقتالٍ، ثمّ نسخ هذه الآية في براءةٌ فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: المسجد الحرام
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمد بن علي بن الحسن ابن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان ولا تقاتلوهم، عند المسجد الحرام يعني: الحرم). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حتّى يقاتلوكم فيه إلى قوله: الكافرين
- وبه، عن مقاتل بن حيّان حتّى يقاتلوكم فيه يقول: فإن قاتلوكم في الحرم، فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد والفتنة أشد من القتل قال يقول ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد من أن يقتل محقا). [تفسير مجاهد: 98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم
[الدر المنثور: 2/312]
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} الآية، قال: عنى الله بهذا المشركين.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {ثقفتموهم} قال: وجدتموهم، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول حسان: فإما يثقفن بني لؤي * جذيمة إن قتلهم دواء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {والفتنة أشد من القتل} قال: الشرك أشد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {والفتنة أشد من القتل} قال: الفتنة التي أنتم مقيمون عليها أكبر من القتل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {والفتنة أشد من القتل} قال: ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من أن يقتل محقا.
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم {ولا
[الدر المنثور: 2/313]
تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم} كلها بالألف {فاقتلوهم} آخرهن بغير ألف.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الأحوص قال: شمعت أبا إسحاق يقرؤهن كلهن بغير ألف.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يقرؤونها كلهن بغير ألف.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه عن قتادة في قوله {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه}
قال: حتى يبدؤوا بالقتال ثم نسخ بعد ذلك فقال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) (البقرة الآية 193).
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود والنحاس معا في الناسخ عن قتادة في قوله {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} وقوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) (البقرة الآية 217) فكان كذلك حتى نسخ هاتين الآيتين جميعا في براءة قوله (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5)، (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) (التوبة الآية 36) ). [الدر المنثور: 2/315]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: فإن انتهى الكافرون الّذين يقاتلونكم عن قتالكم وكفرهم باللّه، فتركوا ذلك وتابوا، فإنّ اللّه غفورٌ لذنوب من آمن منهم وتاب من شركه، وأناب إلى اللّه من معاصيه الّتي سلفت منه واثامه الّتي مضت، رحيمٌ به في آخرته بتفضله عليه، وإعطائه ما يعطي أهل طاعته من الثّواب بإنابته إلى محبّته من معصيته.
[جامع البيان: 3/298]
- كما حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، فإن انتهوا فإن تابوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ). [جامع البيان: 3/299]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (192) وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين (193)
قوله: فإن انتهوا
- وبه، عن مقاتلٍ فإن انتهوا، عن قتالكم وأسلموا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: فإن انتهوا فإن تابوا، فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فإن الله غفور رحيم
وبالإسناد إلى مقاتلٍ، قوله: فإنّ اللّه غفورٌ رحيم يغفر ما كان في شركهم إذا أسلموا). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: رحيمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: رحيمٌ قال: رحيمٌ بهم بعد التّوبة). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {فإن انتهوا} قال: فإن
[الدر المنثور: 2/314]
تابوا). [الدر المنثور: 2/315]

تفسير قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال حتى لا يكون شرك). [تفسير عبد الرزاق: 1/73]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن بيان، عن وبرة بن عبد الرّحمن، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: خرج علينا عبد اللّه بن عمر، فرجونا أن يحدّثنا حديثًا حسنًا، فبدر إليه رجلٌ، فقال: يا أبا عبد الرّحمن، ما تقول في القتال في الفتنة واللّه يقول: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} ؟ فقال ابن عمر: تدري ما الفتنة ثكلتك أمّك؟! إنّما كان محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم يقاتل المشركين، وكان الدّخول في دينهم فتنةً، وليس بقتالكم على الملك). [سنن سعيد بن منصور: 2/708]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين} [البقرة: 193]
[صحيح البخاري: 6/26]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، أتاه رجلان في فتنة ابن الزّبير فقالا: إنّ النّاس صنعوا وأنت ابن عمر، وصاحب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال «يمنعني أنّ اللّه حرّم دم أخي» فقالا: ألم يقل اللّه: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [الأنفال: 39] ، فقال: «قاتلنا حتّى لم تكن فتنةٌ، وكان الدّين للّه، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنةٌ، ويكون الدّين لغير اللّه» ،
- وزاد عثمان بن صالحٍ، عن ابن وهبٍ، قال: أخبرني فلانٌ، وحيوة بن شريحٍ، عن بكر بن عمرٍو المعافريّ، أنّ بكير
[صحيح البخاري: 6/26]
بن عبد اللّه، حدّثه عن نافعٍ، أنّ رجلًا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرّحمن ما حملك على أن تحجّ عامًا، وتعتمر عامًا وتترك الجهاد في سبيل اللّه عزّ وجلّ، وقد علمت ما رغّب اللّه فيه، قال: «يا ابن أخي بني الإسلام على خمسٍ، إيمانٍ باللّه ورسوله، والصّلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزّكاة، وحجّ البيت» قال يا أبا عبد الرّحمن: ألا تسمع ما ذكر اللّه في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه} [الحجرات: 9] {قاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [الأنفال: 39] قال: " فعلنا على عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وكان الإسلام قليلًا، فكان الرّجل يفتن في دينه: إمّا قتلوه، وإمّا يعذّبونه، حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنةٌ ".
- قال: فما قولك في عليٍّ وعثمان؟ قال: «أمّا عثمان فكأنّ اللّه عفا عنه، وأمّا أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه، وأمّا عليٌّ فابن عمّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وختنه» وأشار بيده، فقال: «هذا بيته حيث ترون»). [صحيح البخاري: 6/27]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله)
ساق إلى آخر الآية
- قوله أتاه رجلان تقدّم في مناقب عثمان أنّ اسم أحدهما العلاء بن عرارٍ وهو بمهملاتٍ واسم الآخر حبّان السّلميّ صاحب الدّثينة أخرج سعيد بن منصورٍ من طريقه ما يدلّ على ذلك وسيأتي في تفسير سورة الأنفال أنّ رجلًا اسمه حكيم سأل بن عمر عن شيءٍ من ذلك ويأتي شرح الحديث هناك إن شاء اللّه تعالى وقوله في فتنة بن الزبير في رواية سعيد بن منصورٍ أنّ ذلك عام نزول الحجّاج بابن الزّبير فيكون المراد بفتنة بن الزّبير ما وقع في آخر أمره وكان نزول الحجّاج وهو بن يوسف الثّقفيّ من قبل عبد الملك بن مروان جهّزه لقتال عبد اللّه بن الزّبير وهو بمكّة في أواخر سنة ثلاثٍ وسبعين وقتل عبد اللّه بن الزّبير في آخر تلك السّنة ومات عبد اللّه بن عمر في أوّل سنة أربعٍ وسبعين كما تقدّمت الإشارة إليه في باب العيدين قوله إنّ النّاس قد ضيّعوا بضمّ المعجمة وتشديد التّحتانيّة المكسورة للأكثر في رواية الكشميهنيّ صنعوا بفتح المهملة والنّون ويحتاج إلى تقدير شيءٍ محذوفٍ أي صنعوا ما ترى من الاختلاف وقوله في الرّواية الأخرى وزاد عثمان بن صالحٍ هو السّهميّ وهو من شيوخ البخاريّ وقد أخرج عنه في الأحكام حديثًا غير هذا وقوله أخبرني فلانٌ وحيوة بن شريحٍ لم أقف على تعيين اسم فلانٍ وقيل إنّه عبد اللّه بن لهيعة وسيأتي سياق لفظ حيوة وحده في تفسير سورة الأنفال وهذا الإسناد من ابتدائه إلى بكير بن عبد الله وهو بن الأشجّ بصريّون ومنه إلى منتهاه مدنيّون قوله ما حملك على أن تحجّ عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد في سبيل اللّه أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادًا وسوّى بينه وبين جهاد الكفّار بحسب اعتقاده وإن كان الصّواب عند غيره خلافه وأنّ الّذي ورد في التّرغيب في الجهاد خاصٌّ بقتال الكفّار بخلاف قتال البغاة فإنّه وإن كان مشروعًا لكنّه لا يصل الثّواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفّار ولا سيّما إن كان الحامل إيثار الدّنيا قوله إمّا قتلوه وإمّا يعذّبونه كذا فيه الأوّل بصيغة الماضي لكونه إذا قتل ذهب والثّاني بصيغة المضارع لأنّه يبقى أو يتجدّد له التّعذيب قوله فكرهتم أن يعفو بالتّحتانيّة أوّله وبالإفراد إخبارٌ عن اللّه وهو الأوجه وبالمثنّاة من فوق والجمع وهو الأكثر قوله وختنه بفتح المعجمة والمثنّاة من فوق ثمّ نونٍ قال الأصمعيّ الأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الزّوج والصّهر جمعهما وقيل اشتقّ الختن ممّا اشتقّ منه الختان وهو التقاء الختانين). [فتح الباري: 8/184]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
- ثنا محمّد بن بشار ثنا عبد الوهّاب ثنا عبيدالله عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن النّاس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة} فقال قاتلنا حتّى لم تكن فتنة وكان الدّين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة ويكون الدّين لغير الله
- وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرّحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان باللّه ورسوله والصلوات الخمس
[تغليق التعليق: 4/178]
وصيام شهر رمضان وأداء الزّكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرّحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى أمر الله {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة} قال فعلنا على عهد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إمّا قتلوه وأما يعذبونه حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنة
- قال فما قولك في علّي وعثمان قال أما عثمان فكان الله قد عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه وأما علّي فابن عم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون). [تغليق التعليق: 4/179]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} (البقرة: 193).
[عمدة القاري: 18/108]
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: {وقاتلوهم} الآية. قوله: قوله: (وقاتلوهم) أي: المشركين. قوله: (حتّى لا تكون فتنة)، أي: شرك، قاله ابن عبّاس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حبان والسّديّ وزيد بن أسلم. قوله: (ويكون الدّين) أي: دين الله كله لله لأنّه الظّاهر العالي على سائر الأديان قوله: (فإن انتهوا) أي: عن الشّرك والقتال (فلا عدوان إلّا على الظّالمين) فلا تعتدوا على المنتهين لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم فوضع قوله: (إلاّ على الظّالمين)، موضع على المنتهين كذا فسره الزّمخشريّ لكن يحتاج إلى تحرير الكلام لأن هذه الجملة الأسمية لا يمكن أن تكون جزاء لأن الشّرط لا بد أن يكون سببا للجزاء وإثبات العدوان على سبيل الحصر على الظّالمين ليس سببا لانتهاء المشرك عن الشّرك. وهذا الموضع لا يحتمل بسط الكلام فيه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ حدّثنا عبد الوهاب حدّثنا عبيد الله عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلانٍ في فتنة ابن الزّبيير فقالا إنّ النّاس ضيّعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أنّ الله حرّم دم أخي فقالا ألم يقل الله {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} (البقرة: 193) فقال قاتلنا حتّى لم تكن فتنةٌ وكان الدّين لله. وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنةٌ وتكون الدّين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلانٌ وحيوة بن شريحٍ عن بكرٍ بن عمرٍ والمعافريّ أنّ بكير بن عبد الله حدثه عن نافعٍ أنّ رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرّحمان ما حملك على أن تحجّ عام وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ وقد علمت ما رغّب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمانٍ باللّه ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزّكاة وحجّ البيت قال يا أبا عبد الرّحمان ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة} (الحجرات: 9) قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلاً فكان الرّجل يفتن في دينه إمّا قتلوه وإمّا يعذّبوه حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنةٌ قال فما قولك في عليٍّ وعثمان قال أمّا عثمان فكأنّ الله عفا عنه وأمّا أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأمّا عليٌّ فابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وختمه وأشار بيده فقال هاذا بيته حيث ترون.
مطابقة للآية ظاهرة، وفيه عشرة رجال (الأول): محمّد بن بشار، بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وقد تكرر ذكره (والثّاني): عبد الوهّاب بن عبد الحميد الثّقفيّ (الثّالث): عبيد الله بن عمر العمريّ. (الرّابع): نافع مولى ابن عمر. (الخامس): عثمان بن صالح السّهمي وهو من شيوخ البخاريّ. وقد أخرج عنه في الأحكام حديثا غير هذا. (السّادس): عبد الله بن وهب (السّابع): فلان قيل إنّه عبيد الله بن لهيعة، بفتح اللّام وكسر الهاء وبالعين المهملة. قاضي مصر مات سنة أربع وتسعين ومائة، وقال البيهقيّ: اجمعوا على ضعفه وترك الاحتجاج بما ينفرد به (الثّامن): حيوة بن شريح المصريّ، وهذا غير حيوة بن شريح الحضرميّ، فلا يشتبه عليك (التّاسع): بكر بن عمر والعابد القدوة المعافري، بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء وبالراء، وقيل بضم الميم نسبة إلى المعافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن قرّة بن ادد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان، ينسب إليه كثير وعامتهم بمصر (العاشر): بكير. مصغر ابن عبد الله بن الأشج، ومن عثمان بن صالح إلى هنا كلهم
[عمدة القاري: 18/109]
مصريون.
قوله: (رجلان) (أحدهما): العلاء بن عرار، بالمهملات والأولى مكسورة قال ابن ماكولا: علاء بن عرار سمع عبد الله بن عمر وروى عنه أبو إسحاق السبيعي (والآخر) حبان: بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: صاحب الدثنية، ضبطه بعضهم بفتح الدّال والثاء المثلّثة وكسر النّون وتشديد الياء آخر الحروف المفتوحة، وقال: هو موضع بالشّام، قلت: كل ذلك غلط، وقال ابن الأثير: الدثنية، بكسر الثّاء المثلّثة وسكون الياء ناحية قرب عدن. قوله: (في فتنة ابن الزبير) وهي محاصرة الحجّاج عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، وكانت في أواخر سنة ثلاث وسبعين، وكان الحجّاج أرسله عبد الملك بن مروان لقتال ابن الزبير، وقتل عبد الله بن الزبير في آخر تلك السّنة ومات عبد الله بن عمر في أول سنة أربع وسبعين. قوله: (أن النّاس ضيعوا)، بضم الضّاد المعجمة وكسر الياء آخر الحروف المشدّدة من التضييع وهو الهلاك في الدّنيا والدّين هذه رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بفتح الصّاد المهملة، وفيه حذف تقديره: صنعوا ما ترى من الاختلاف.
قوله: (وزاد عثمان بن صالح) أي: زاد على رواية محمّد بن بشار. قوله: (أن رجلا) قيل: إنّه حكيم، ذكره الحميدي عن البخاريّ. قوله: (وتترك الجهاد) أي الجهاد الّذي هو القتال مع هؤلاء كالجهاد في سبيل الله في الأجر، وليس المراد الجهاد الحقيقيّ الّذي هو القتال مع الكفّار. قوله: (أما قتلوه وأما يعذبوه) إنّما قال في القتل بلفظ الماضي وفي العذاب بلفظ المضارع لأن التعذيب كان مستمرا بخلاف القتل. قوله: (فكرهتم أن تعفوا عنه) بلفظ خطاب لجمع ويروى أن يعفو بالإفراد للغائب أي: الله عز وجل. قوله: (وخنته)، بفتح الخاء المعجمة والتّاء المثنّاة من فوق وبالنون. قال ابن فارس: الختن أبو الزّوجة، وقال الأصمعي: الأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الزّوج، والصهر يجمع ذلك كله. قوله: (فهذا بيته)، يريد بين بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد بذلك قربه). [عمدة القاري: 18/110]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} [البقرة: 193]
({وقاتلوهم}) ولأبي ذر باب قوله: {وقاتلوهم} يعني أهل مكة ({حتى لا تكون فتنة}) شرك ({ويكون الدين لله}) خالصًا ليس للشيطان فيه نصيب أو يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان لحديث الصحيحين "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" ({فإن انتهوا}) عن الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم ({فلا عدوان}) أي فمن قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان ({إلا على الظالمين}) [البقرة: 193]. أو المراد فإن تخلصوا من الظلم وهو الشرك فلا عدوان عليهم بعد ذلك.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أتاه رجلان في فتنة ابن الزّبير فقالا: إنّ النّاس صنعوا وأنت ابن عمر
وصاحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أنّ اللّه حرّم دم أخي فقالا: ألم يقل اللّه {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} فقال: قاتلنا حتّى لم تكن فتنةٌ، وكان الدّين للّه وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنةٌ ويكون الدّين لغير اللّه.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة العبدي البصبري قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (أتاه رجلان) قيل: هما العلاء بن عرار بمهملات الأولى مكسورة، وحباب بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة صاحب الدثنية بفتح المهملة والمثلثة وكسر النون وتشديد التحتية أو نافع بن الأزرق (في فتنة ابن الزبير) عبد الله حين حاصره الحجّاج في آخر سنة ثلاث وسبعين بمكة (فقالا: إن الناس صنعوا) بصاد مهملة ونون مفتوحتين أي صنعوا ما ترى من الاختلاف، ولغير الكشميهني ضيعوا بمعجمة مضمومة فتحتية مشددة مكسورة (وأنت ابن عمر صاحب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي) المسلم (فقالا): أي الرجلان ولأبي ذر قالا: (ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} فقال) ابن عمر: (قاتلنا) أي على عهد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم (حتى لم تكن فتنة) أي شرك (وكان الذين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا) أي على الملك (حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله).
وحاصل هذا أن الرجلين كانا يريان قتال من خالف الإمام وابن عمر لا يرى القتال على الملك.
- وزاد عثمان بن صالحٍ عن ابن وهبٍ، قال: أخبرني فلانٌ وحيوة بن شريحٍ، عن بكر بن عمرٍو المعافريّ أنّ بكير بن عبد اللّه حدّثه عن نافعٍ، أنّ رجلًا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرّحمن ما حملك على أن تحجّ عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد في سبيل اللّه عزّ وجلّ وقد علمت ما رغّب اللّه فيه؟ قال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمسٍ: إيمانٍ باللّه ورسوله، والصّلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزّكاة، وحجّ البيت، قال: يا أبا عبد الرّحمن ألا تسمع ما ذكر اللّه في كتابه {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات: 90] {قاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [البقرة: 193] قال: فعلنا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان الإسلام قليلًا فكان الرّجل يفتن في دينه إمّا قتلوه، وإمّا يعذّبوه حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنةٌ.
(وزاد عثمان بن صالح) السهمي المصري أحد شيوخ المؤلّف على رواية محمد بن بشار (عن ابن وهب) عبد الله المصري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (فلان) قيل هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء وبعد التحتية الساكنة عين مهملة قاضي مصر وعالمها ضعفه غير واحد
(وحيوة بن شريح) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو وشريح بالشين المعجمة وفتح الراء المصري وهو الأكبر وليس هو الحضرمي (عن بكر بن عمرو المعافري) بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء (أن بكير بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا ابن الأشج (حدثه عن نافع) مولى ابن عمر (أن رجلًا أتى ابن عمر فقال) له: (يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد) أي القتال الذي هو كالجهاد (في سبيل الله عز وجل) في الثواب (وقد علمت ما رغب الله فيه؟) ثبتت واو وقد لأبي ذر (قال): أي ابن عمر للرجل (يا ابن أخي بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت. قال): أي الرجل (يا أبا عبد الرحمن ألا) بالتخفيف (تسمع ما ذكر الله في كتابه {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}) باغين بعضهم على بعض والجمع باعتبار المعنى لأن كل طائفة جمع ({فأصلحوا بينهما) بالصح والدعاء إلى حكم الله ({فإن بغت
[إرشاد الساري: 7/28]
إحداهما}) أي تعدت ({على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء}) أي ترجع ({إلى أمر الله}) [الحجرات: 95]. وتسمع للحق وتطيعه، وسقط لغير أبي ذر قوله: {فإن بغت إحداهما} إلى آخر قوله: {حتى تفيء}.
({قاتلوهم حتى لا تكون فتنة}) شرك (قال) ابن عمر: (فعلنا) ذلك (على عهد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان الإسلام قليلًا فكان الرجل يفتن في دينه) مبني للمفعول (إما قتلوه وإما يعذبوه) بلفظ الماضي في الأول والمضارع في الثاني إشارة إلى استمرار التعذيب بخلاف القتل، وفي الفرع أو يعذبوه، ولأبي ذر: وإما يعذبونه بإثبات النون وهو الصواب لأن إما التي تجزم هي الشرطية وليست هنا شرطية ووجهت الأولى بأن النون قد تحذف لغير ناصب ولا جازم في لغة شهيرة (حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة).
- قال: فما قولك في عليٍّ وعثمان قال: أمّا عثمان فكانّ اللّه عفا عنه. وأمّا أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأمّا عليٌّ فابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وختنه وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون.
(قال) الرجل: (فما قولك في علي وعثمان؟) وهذا يشير إلى أن السائل كان في الخوارج فإنهم يوالون الشيخين ويخطئون عثمان وعليًّا، فردّ عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حيث (قال: أما عثمان) رضي الله تعالى عنه (فكان الله عفا عنه) لما فرّ يوم أحد في كتابه العزيز حيث قال في آل عمران {ولقد عفا عنكم} [آل عمران: 152] والجلالة رفع اسم كان وخبرها عفا ويجوز نصبها اسم كان التشبيه أخت أن (وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه) بمثناة فوقية مع سكون الواو خطابًا للجماعة ولأبي ذر يعفو بالتحتية وفتح الواو أي فكرهتم أن يعفو الله تعالى عنه. (أما عليّ فابن عم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وختنه) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية أي زوج ابنته (وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون) أي بين أبيات رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يريد بيان قربه وقرابته منه صلّى اللّه عليه وسلّم منزلًا ومنزلة). [إرشاد الساري: 7/29]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله جلّ ثناؤه: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ}
- أخبرنا عمرو بن عليٍّ، عن عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن خالد بن عبد الله، عن بيانٍ، عن وبرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: خرج إلينا ابن عمر ونحن نرجو أن يحدّثنا حديثًا عجيبًا، فبدر إليه رجلٌ بالمسألة فقال: يا أبا عبد الرّحمن، ما يمنعك من القتال، والله تعالى يقول: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [البقرة: 193] قال: ثكلتك أمّك، أتدري ما الفتنة، إنّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقاتل المشركين، وكان الدّخول في دينهم فتنةٌ، وليس يقاتلهم على الملك "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/26]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وقاتلوا المشركين الّذين يقاتلونكم {حتّى لا تكون فتنةٌ} يعني: حتّى لا يكون شركٌ باللّه، وحتّى لا يعبد دونه أحدٌ، وتضمحلّ عبادة الأوثان، والآلهة، والأنداد، وتكون العبادة، والطّاعة للّه وحده دون غيره من الأصنام، والأوثان.
كما قال قتادة فيما؛
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قال حتّى لا يكون شركٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قال حتّى لا يكون شركٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قال: الشّرك {ويكون الدّين للّه}.
[جامع البيان: 3/299]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني موسى بن هارون، قال حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قال أمّا الفتنة: فالشّرك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} يقول قاتلوا حتّى لا يكون شركٌ.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} أي شركٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قال حتّى لا يكون كفرٌ، وقرأ: {تقاتلونهم أو يسلمون}.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} يقول: شركٌ.
[جامع البيان: 3/300]
وأمّا الدّين الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع فهو العبادة والطّاعة للّه في أمره ونهيه، من ذلك قول الأعشى:
هو دان الرّباب إذ كرهوا الدّيـ = ن دراكًا بغزوةٍ، وصيال
يعني بقوله: إذ كرهوا الدّين: إذ كرهوا الطّاعة وأبوها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع {ويكون الدّين للّه} يقول: حتّى لا يعبد إلاّ اللّه، وذلك لا إله إلاّ اللّه؛ عليه قاتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وإليه دعا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ويكون الدّين للّه} أن يقال: لا إله إلاّ اللّه. ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: إنّ اللّه أمرني أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه. ثمّ ذكر مثل حديث الرّبيع). [جامع البيان: 3/301]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}.
[جامع البيان: 3/301]
يعني تعالى ذكره بقوله: {فإن انتهوا} فإن انتهى الّذين يقاتلونكم من الكفّار عن قتالكم، ودخلوا في ملّتكم، وأقرّوا بما ألزمهم اللّه تعالى ذكره من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداء عليهم، وقتالهم، وجهادهم، فإنّه لا ينبغي أن يعتدى إلاّ على الظّالمين وهم المشركون باللّه، والّذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم.
فإن قال قائلٌ: وهل يجوز الاعتداء على الظّالم فيقال: {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}.
قيل: إنّ المعنى في ذلك غير الوجه الّذي ذهبت، وإنّما ذلك على وجه المجازاة لما كان من المشركين من الاعتداء، يقول: افعلوا بهم مثل الّذي فعلوا بكم، كما يقال: إن تعاطيت منّي ظلمًا تعاطيته منك، والثّاني ليس بظلمٍ، كما قال عمرو بن شأسٍ الأسديّ.
جزينا ذوي العدوان بالأمس قرضهم = قصاصًا سواءً حذوك النّعل بالنّعل
وإنّما كان ذلك نظير قوله: {اللّه يستهزئ بهم} و{فيسخرون منهم سخر اللّه منهم} وقد بيّنّا وجه ذلك ونظائره فيما مضى قبل.
وبالّذي قلنا في ذلك من التّأويل قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} والظّالم الّذي أبى أن يقول لا إله إلاّ اللّه.
[جامع البيان: 3/302]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} قال: هم المشركون.
- حدّثني ابن المثنّى، قال. حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عثمان بن غياثٍ، قال: سمعت عكرمة، في هذه الآية: {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} قال هم من أبى أن يقول لا إله إلاّ اللّه.
وقال آخرون: معنى قوله. {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} فلا تقاتل إلاّ من قاتل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} يقول لا تقاتلوا إلاّ من قاتلكم.
- حدّثني المثنّى، قال. حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
[جامع البيان: 3/303]
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال {فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} فإنّ اللّه لا يحبّ العدوان على الظّالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول: اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم.
وكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول في قوله {فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين} لا يجوز أن يقول فإن انتهوا، إلاّ وقد علم أنّهم لا ينتهون إلاّ بعضهم، فكأنّه قال: فإن انتهى بعضهم فلا عدوان إلاّ على الظّالمين منهم، فأضمر كما قال: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي} يريد فعليه ما استيسر من الهدي، وكما تقول: إلى من تقصد أقصد، يعني إليه.
وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوّله، فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ لمن انتهى، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين الّذين لا ينتهون). [جامع البيان: 3/304]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ
- حدّثنا أبي، ثنا العقيليّ، ثنا زهيرٌ، ثنا بيانٌ، عن وبرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: خرج علينا عبد اللّه بن عمر، فبدرنا رجلٌ منّا يقال له حكمٌ، فقال: يا أبا عبد الرّحمن: كيف تقول في القتال؟ قال: ثكلتك أمّك وهل تدري ما الفتنة؟ إنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقاتل المشركين، وكان الدّخول فيه فتنةً وليس بقتالكم على الملك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: حتّى لا تكون فتنةٌ قال: يقول حتّى لا يكون شركٌ باللّه. وروى مجاهدٌ والحسن وقتادة والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ وزيد بن أسلم، نحو قول ابن عبّاسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ويكون الدّين للّه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في
قوله: ويكون الدّين للّه ويخلص التّوحيد للّه.
وروي، عن أبي العالية وقتادة والرّبيع بن أنسٍ: قالوا: حتّى يقول:
لا إله إلا اللّه.
وقال الحسن وزيد بن أسلم: حتّى لا يعبد إلا اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فإن انتهوا
قد تقدم تفسيره. آية 192). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فلا عدوان
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظّالمين قال: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ وأمّا فلا عدوان إلا على الظّالمين فإنّ اللّه لا يحبّ العدوان على الظّالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول: فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم.
وروي، عن مقاتل بن حيّان، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إلا على الظّالمين
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: فلا عدوان إلا على الظّالمين يعني:
على من أبى أن يقول: لا إله إلا اللّه. وروي، عن عكرمة وقتادة والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد حتى لا تكون فتنة يقول لا يكون شرك ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين يقول لا تقاتلوا إلا من قاتلكم). [تفسير مجاهد: 98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس في قوله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} يقول: شرك بالله {ويكون الدين} ويخلص التوحيد لله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فكان هذا كذا حتى نسخ فأنزل الله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي شرك {ويكون الدين لله} قال: حتى يقال: لا إله إلا الله عليها قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليها دعا، وذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلأه إلا الله {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} قال: وإن الظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله يقاتل حتى يقول: لا إله إلا الله
[الدر المنثور: 2/315]
وأخرج ابن جرير عن الربيع {ويكون الدين لله} يقول: حتى لا يعبد إلا الله.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فلا عدوان إلا على الظالمين} قال: هم من أبى أن يقول لا إله إلا الله.
وأخرج البخاري وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج قال: يمنعني إن الله حرم دم أخي، قالا: ألم يقل الله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله). [الدر المنثور: 2/316]

تفسير قوله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن رجل عن قتادة عن عكرمة في قوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال كان
[تفسير عبد الرزاق: 1/73]
هذا في سفر الحديبية صد المشركون النبي وأصحابه عن البيت في الشهر الحرام فقاضوا يومئذ المشركين قضية أن لهم أن يعتمروا في العام المقبل في هذا الشهر الذي صدوهم فيه فجعل الله تعالى لهم شهرا حراما يعتمرون فيه مكان شهرهم الذي صدوا فيه فلذلك قال والحرمات قصاص). [تفسير عبد الرزاق: 1/74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام} ذا القعدة، وهو الشّهر الّذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اعتمر فيه عمرة الحديبية، فصدّه مشركو أهل مكّة عن البيت ودخول مكّة، وكلّ ذلك سنة ستٍّ من هجرته، وصالح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين في تلك السّنة، على أن يعود من العام المقبل، فيدخل مكّة ويقيم ثلاثًا، فلمّا كان العام المقبل، وذلك سنة سبعٍ من هجرته خرج معتمرًا وأصحابه في ذي القعدة، وهو الشّهر الّذي كان المشركون صدّوه عن البيت فيه في سنة ستٍّ، وأخلى له أهل مكّة البلد، حتّى دخلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقضى حاجته منها، وأتمّ عمرته، وأقام بها ثلاثًا، ثمّ خرج منها منصرفًا إلى المدينة،
[جامع البيان: 3/304]
فقال اللّه جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وللمسلمين معه: {الشّهر الحرام} يعني ذا القعدة الّذي أوصلكم اللّه فيه إلى حرمه بيته على كراهة مشركي قريشٍ ذلك حتّى قضيتم منه وطركم {بالشّهر الحرام} الّذي صدّكم مشركو قريشٌ العام الماضي قبله فيه، حتّى انصرفتم عن كرهٍ منكم عن الحرام، فلم تدخلوه ولم تصلوا إلى بيت اللّه، فأقصدكم اللّه أيّها المؤمنون من المشركين بإدخالكم الحرم في الشّهر الحرام على كرهٍ منهم لذلك، بما كان منهم إليكم في الشّهر الحرام من الصّدّ والمنع من الوصول إلى البيت.
- كما حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا يوسف يعني ابن خالدٍ السّمتيّ، قال: حدّثنا نافع بن مالكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {والحرمات قصاصٌ} قال هم المشركون حبسوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم في ذي القعدة، فرجعه اللّه في ذي القعدة، فأدخله البيت الحرام، فاقتصّ له منهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه جلّ ثناؤه: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} قال فخرّت قريشٌ بردّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية محرمًا في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله اللّه مكّة في العام المقبل من ذي القعدة فقضى عمرته، وأقصّه بما حيل بينه وبينه يوم الحديبية.
[جامع البيان: 3/305]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} أقبل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه فاعتمروا في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتّى إذا كانوا بالحديبية صدّهم المشركون، فصالحهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يرجع من عامه ذلك، حتّى يرجع من العام المقبل، فيكون بمكّة ثلاثة ليّال، ولا يدخلها إلاّ بسلاحٍ راكبٍ ويخرج، ولا يخرج بأحدٍ من أهل مكّة، فنحروا الهدي بالحديبية، وحلقوا، وقصّروا. حتّى إذا كان من العام المقبل أقبل نبيّ اللّه وأصحابه حتّى دخلوا مكّة، فاعتمروا في ذي القعدة، فأقاموا بها ثلاث ليالٍ، فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردّوه يوم الحديبية، فأقصّه اللّه منهم، فأدخله مكّة في ذلك الشّهر الّذي كانوا ردّوه فيه في ذي القعدة، فقال اللّه: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، وعن عثمان، عن مقسمٍ، في قوله: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} قالا كان هذا في سفر الحديبية، صدّ المشركون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه عن البيت في الشّهر الحرام، فقاضوا المشركين يومئذٍ قضيّةً إنّ لكم أن تعتمروا في العام المقبل في هذا الشّهر الّذي صدّوهم فيه، فجعل اللّه تعالى ذكره لهم شهرًا حرامًا يعتمرون فيه مكان شهرهم الّذي صدّوا، فلذلك قال: {والحرمات قصاصٌ}.
[جامع البيان: 3/306]
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} قال لمّا اعتمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ستٍّ من مهاجره صدّه المشركون، وأبوا أن يتركوه، ثمّ إنّهم صالحوه في صلحهم على أن يخلوا له مكّة من عامٍ قابلٍ ثلاثة أيّامٍ يخرجون، ويتركونه فيها، فأتاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد فتح خيبر من السّنة السّابعة، فخلّوا له مكّة ثلاثة أيّامٍ، فنكح في عمرته تلك ميمونة بنت الحارث الهلاليّة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} أحصروا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في ذي القعدة عن البيت الحرام، فأدخله اللّه البيت الحرام العام المقبل، واقتصّ له منهم، فقال: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال أقبل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتّى إذا كانوا بالحديبية صدّهم المشركون، فصالحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يرجع ذلك العام حتّى يرجع العام المقبل، فيقيم بمكّة ثلاثة أيّامٍ، ولا يخرج معه بأحدٍ من أهل مكّة. فنحروا الهدي بالحديبية، وحلقوا، وقصّروا. حتّى إذا كانوا من العام المقبل، أقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه حتّى دخلوا مكّة، فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاثة أيّامٍ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردّوه يوم الحديبية، فقاصّ اللّه له منهم، وأدخله مكّة في ذلك الشّهر الّذي كانوا ردّوه فيه في ذي القعدة. قال اللّه جلّ ثناؤه: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
[جامع البيان: 3/307]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: ثنى عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {والحرمات قصاصٌ} فهم المشركون كانوا حبسوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم في ذي القعدة عن البيت، ففخروا عليه بذلك، فرجعه اللّه في ذي القعدة، فأدخله اللّه البيت الحرام واقتصّ له منهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام} حتّى فرغ من الآية. قال: هذا كلّه قد نسخ، أمره أن يجاهد المشركين وقرأ: {قاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} وقرأ: {قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار} العرب، فلمّا فرغ منهم، قال اللّه جلّ ثناؤه: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله} حتّى بلغ قوله: {وهم صاغرون} قال: وهم الرّوم قال: فوجّه إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، قال: حدّثنا أيّوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في هذه الآية: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} قال أمركم اللّه بالقصاص، ويأخذ منكم العدوان.
[جامع البيان: 3/308]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ، وسألته عن قوله: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} قال: نزلت في الحديبية، منعوا في الشّهر الحرام، فنزلت: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام} عمرةٌ في شهرٍ حرامٍ بعمرةٍ في شهرٍ حرامٍ.
وإنّما سمّى اللّه جلّ ثناؤه ذا القعدة الشّهر الحرام؛ لأنّ العرب في الجاهليّة كانت تحرّم فيه القتال والقتل وتضع فيه السّلاح، ولا يقتل فيه أحدٌ أحدًا ولو لقي الرّجل قاتل أبيه أو ابنه. وإنّما كانوا سمّوه ذا القعدة لقعودهم فيه عن المغازي، والحروب، فسمّاه اللّه بالاسم الّذي كانت العرب تسمّيه به.
وأمّا الحرمات فإنّها جمع حرمةٍ كالظّلمات جمع ظلمةٍ، والحجرات جمع حجرةٍ.
وإنّما قال جلّ ثناؤه: {والحرمات قصاصٌ} فجمعٌ، لأنّه أراد الشّهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام، فقال جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ والمؤمنين معه: دخولكم الحرم بإحرامكم هذا في شهركم هذا الحرام قصاصٌ ممّا منعتم من مثله عامكم الماضي، وذلك هو الحرمات الّتي جعلها اللّه قصاصًا.
وقد بيّنّا أنّ القصاص هو المجازاة من جهة الفعل أو القول أو البدل، وهو في هذا الموضع من جهة الفعل). [جامع البيان: 3/309]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} اختلف أهل التّأويل فيما نزل فيه قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.
[جامع البيان: 3/309]
فقال بعضهم بما؛
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فهذا ونحوه نزل بمكّة والمسلمون يومئذٍ قليلٌ، وليس لهم سلطانٌ يقهر المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشّتم، والأذى، فأمر اللّه المسلمين من يجازي منهم أن يجازي بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو فهو أمثل فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، وأعزّ اللّه سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، وأن لا يعدو بعضهم على بعضٍ كأهل الجاهليّة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن قاتلكم أيّها المؤمنون من المشركين، فقاتلوهم كما قاتلوكم. وقالوا: نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة وبعد عمرة القضيّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم.
وأشبه التّأويلين بما دلّ عليه ظاهر الآية الّذي حكي عن مجاهدٍ، لأنّ الآيات قبلها إنّما هي أمرٌ من اللّه للمؤمنين بجهاد عدوّهم على صفةٍ، وذلك قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم} والآيات بعدها،
[جامع البيان: 3/310]
وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} إنّما هو في سياق الآيات الّتي فيها الأمر بالقتال، والجهاد، واللّه جلّ ثناؤه إنّما فرض القتال على المؤمنين بعد الهجرة فمعلومٌ بذلك أنّ قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} مدنيّ لا مكّيّ، إذ كان فرض قتال المشركين لم يكن وجب على المؤمنين بمكّة، وأنّ قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} نظير قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم} وأنّ معناه: فمن اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إيّاكم، لأنّي قد جعلت الحرمات قصاصًا، فمن استحلّ منكم أيّها المؤمنون من المشركين حرمةً في حرمي، فاستحلّوا منه مثله فيه.
وهذه الآية منسوخةٌ بإذن اللّه لنبيّه بقتال أهل الحرم ابتداءً في الحرم وقوله: {وقاتلوا المشركين كافّةً} على نحو ما ذكرنا من القول فى ذلك عن ابن زيد.
وأما قوله: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فإن فيه وجهين من التأويل؛ أحدهما، ما قد ذكرنا قبل من أنّه بمعنى المجازاة وإتباع لفظٍ لفظًا وإن اختلف معناهما، كما قال: {ومكروا ومكر اللّه} وقد قال: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم} وما أشبه ذلك ممّا أتبع لفظٌ لفظًا واختلف المعنيان.
والآخر أن يكون بمعنى العدو الّذي هو شدٌّ ووثوبٌ من قول القائل: عدا الأسد على فريسته. فيكون معنى الكلام: فمن عدا عليكم: أي فمن شدّ عليكم ووثب بظلمٍ، فاعدوا عليه أي فشدّوا عليه وثبوا بحق قصاصًا لما فعل بكم لا ظلمًا ثمّ تدخل التّاء في عدا،
[جامع البيان: 3/311]
فيقال افتعل مكان فعل، كما يقال: اقترب هذا الأمر بمعنى قرب، واجتلب كذا بمعنى جلب، وما أشبه ذلك). [جامع البيان: 3/312]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}.
يعني جلّ ثناؤه بذلك: واتّقوا اللّه أيّها المؤمنون في حرماته، وحدوده أن تعتدوا فيها فتتجاوزوا فيها ما بينه وحده لكم، واعلموا أنّ اللّه يحبّ المتّقين الّذين يتّقونه بأداء فرائضه وتجنّب محارمه). [جامع البيان: 3/312]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (194)
قوله: الشّهر الحرام بالشّهر الحرام
وبه، عن أبي العالية، قوله: الشّهر الحرام بالشّهر الحرام قال: أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة، ومعهم الهدي، حتّى إذا كانوا بالحديبية صدّهم المشركون، فصالحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/328]
يرجع ثم يقدم عاما قابلٍ فيقيم بمكّة ثلاثة أيّامٍ، ولا يخرج معه بأحدٍ من أهل مكّة، فنحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه الهدي بالحديبية وحلقوا أو قصّروا، فلمّا كان عام قابلٍ أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، حتّى دخلوا مكّة في ذي القعدة فاعتمروا وأقاموا بها ثلاثة أيّامٍ. وكان المشركون قد فخروا عليه حين صدّوه يوم الحديبية، فقصّ اللّه له منهم، فأدخله مكّة في ذلك الشّهر الّذي ردّوه فيه في ذي القعدة، فقال اللّه: الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والحرمات قصاصٌ
- حدّثنا أبي، ثنا النّفيليّ، ثنا إسماعيل بن عليّة أنبأ أيّوب، عن عكرمة، قال: قال ابن عبّاسٍ رضي الله بالقصاص من عباده ويأخذ منكم العدوان قال اللّه:
الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فحجّةٌ بحجّةٍ، وعمرةٌ بعمرةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فمن اعتدى عليكم
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فهذا نزل بمكّة والمسلمون يومئذٍ قليلٌ ليس لهم (سلطانٌ) يقهر المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشّتم والأذى، فأمر اللّه المسلمين، من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه، أو يصبر أو يعفو، فهو أمثل. فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، وأعزّ اللّه سلطانه، أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، ولا يعتدوا بعضهم على بعضٍ كأهل الجاهليّة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: فمن اعتدى عليكم يعني: فمن قاتلكم من المشركين في الحرم فاعتدوا عليه. وروي، عن عطاءٍ ومجاهدٍ ومقاتل بن حيّان نحو قول سعيدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
وبه، عن سعيدٍ، في قول اللّه: فاعتدوا عليه يقول: قاتلوا في الحرم، بمثل ما اعتدى عليكم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/329]
وروي، عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واتّقوا اللّه
وبه، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: واتّقوا اللّه يعني: المؤمنين، يحذرهم، فلا تبدأوهم بالقتال في الحرم، فإن بدأ المشركون ف اعلموا أنّ اللّه مع المتّقين). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين
وبه، عن سعيدٍ في قوله: واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين يعني: متّقي الشّرك، في النّصر لهم يخبرهم أنّه ناصرهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فخرت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام فادخله الله مكة في العام المقبل في ذي القعدة فقضى عمرته قضاها بيوم الحديبية فقال الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص). [تفسير مجاهد: 98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين.
أخرج البخاري عن نافع، أن رجلا أتى ابن عمر فقال: ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله وقد علمت ما رغب الله فيه قال: يا ابن أخي: بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت، قال: ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) (الحجرات الآية 9) {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: فعلنا على عهد
[الدر المنثور: 2/316]
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا وكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي ظبيان قال: جاء رجل إلى سعد فقال له: ألا تخرج تقاتل مع الناس حتى لا تكون فتنة فقال سعد: قد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم تكن فتنة فأما أنت وذا البطين تريدون أن أقاتل حتى تكون فتنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا في سنة ست من الهجرة وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت وصدوه بمن معه
من المسلمين في ذي القعدة وهو شهر حرام حتى قاضاهم على الدخول من قابل فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصه الله منهم نزلت هذه الآية {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}.
وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في صلح الحديبية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه القابل فلما كان العام القابل تجهز
[الدر المنثور: 2/317]
وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي قريش بذلك وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام فأنزل الله ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع ثم يقدم عاما قابلا فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهدي بالحديبية وحلقوا أو قصروا فلما كان عام قابل أقبلوا حتى دخلوا مكة في ذي القعدة فاعتمروا وأقاموا بها ثلاثة أيام وكان المشركون قد فخروا عليه حين صدوه يوم الحديبية فقص الله له منهم فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي ردوه فيه فقال {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} قال فخرت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله مكة من العام المقبل
[الدر المنثور: 2/318]
فقضى عمرته وأقصه ما حيل بينه وبين يوم الحديبية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ومعهم الهدي حتى إذا كانوا بالحديبية فصدهم المشركون فصالحهم نبي الله أن يرجع عامه ذلك حتى يرجع من العام المقبل فيكون بمكة ثلاث ليال ولا يدخلوها إلا بسلاح الراكب ولا يخرج بأحد من أهل مكة فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا حتى إذا كان من العام المقبل أقبل نبي الله وأصحابه معتمرين في ذي القعدة حتى دخلوا فأقام بها ثلاث ليال وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله منهم وأدخله مكة في
ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة فقال الله {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}.
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن جريج قال قلت لعطاء: قول الله عز وجل {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} فقال: هذا يوم الحديبية صدوا رسول الله صلى اللهعليه وسلم عن البيت الحرام وكان معتمرا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التي بعدها معتمرا مكة فعمرة في الشهر الحرام بعمره في الشهر الحرام
[الدر المنثور: 2/319]
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة، وابن شهاب قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام وأنزل الله في تلك العمرة {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقوله {وجزاء سيئة سيئة مثلها} الشورى الآية 40 وقوله (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) (الشورى الآية 41) وقوله (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) (النحل الآية 126) قال: هذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل فليس لهم سلطان يقهر المشركين فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر الله المسلمين أن ينتهوا في مظالهم إلى سلطانهم ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية فقال (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) (الإسراء الآية 33) الآية، يقول: ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه ومن انتصر لنفسه دون السلطان
[الدر المنثور: 2/320]
فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله تعالى.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} قال: فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم.
وأخرج أحمد، وابن جرير والنحاس في ناسخه، عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ويغزو فإذا حضره أقام حتى ينسلخ). [الدر المنثور: 2/321]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 11:42 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الأهلّة...}
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نقصان القمر وزيادته, ما هو؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: ذلك لمواقيت حجكم, وعمرتكم, وحلّ ديونكم, وانقضاء عدد نسائكم). [معاني القرآن: 1/115]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها...}
وذلك أن أهل الجاهلية ألا قريشاً, ومن ولدته قريش من العرب , كان الرجل منهم إذا أحرم في غير أشهر الحج في بيت مدرٍ , أو شعرٍ , أو خباءٍ نقب في بيته نقباً من مؤخّره , فخرج منه ودخل , ولم يخرج من الباب، وإن كان من أهل الأخبية , والفساطيط خرج من مؤخّره , ودخل منه, فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو محرم, ورجل محرم يراه، دخل من باب حائطٍ , فاتّبعه ذلك الرجل، فقال له: «تنحّ عني».
قال: ولم؟ .
قال: «دخلت من الباب, وأنت محرم».
قال: إني قد رضيت بسنّتك وهديك.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أحمس».
قال: فإذا كنت أحمس , فإني أحمس, فوفّق الله الرجل، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}).[معاني القرآن: 1/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} : البرّ هنافي موضع البار، ومجازها: أي: اطلبوا البرّ من أهله, ووجهه, ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
قال: {هي مواقيت للنّاس والحجّ}, فجر {الحجّ}؛ لأنه عطفه على "الناس" , فانجر باللام.
وقال: {ولكنّ البرّ من اتّقى}يريد "برّ من اتقّى"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}
قال الزّهري:« كان أناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك. وكان الرجل يخرج مهلّا بها فتبدو له الحاجة فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل السقف ولكنه يقتحم الجدار من وراء. ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. وكانت قريش وحلفاؤها الحمس لا يبالون ذلك، فأنزل اللّه: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى}» أي برّ من اتقى , كما قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر}, أي: بر من آمن باله). [تفسير غريب القرآن: 75-76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
كان النّبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الهلال في بدئه دقيقاً, وعن عظمه بعد، وعن رجوعه دقيقاً كالعرجون القديم، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه جعل ذلك ليعلم الناس، أوقاتهم في حجهم وعدد نسائهم، وجميع ما يريدون عدمه مشاهرة؛ لأن هذا أسهل على الناس من حفظ عدد الأيام، ويستوي فيه الحاسب , وغير الحاسب.
ومعنى الهلال واشتقاقه: من قولهم : استهل الصبي إذا بكى حين يولد , أو صاح، وكأن قولهم أهل القوم بالحج والعمرة,أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية، وإنما قيل له هلال ؛ لأنه حين يرى , يهل الناس بذكره , ويقال: أهل الهلال , واستهل، ولا يقال: أهلّ، ويقال: أهللنا, أي : رأينا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا، إذا دخلنا فيه.
وأخبرني من أثق به من رواة البصريين والكوفيين جميعاً بما أذكره في أسماء الهلال , وصفات الليالي التي في كل شهر.
فأول ذلك: إنما سمي الشهر شهراً لشهرته وبيانه، وسمّي هلالاً لما وصفنا من رفع الصوت بالإخبار عنه،
وقد اختلف الناس في تسميته هلالاً, وكم ليلة يسمّى؟ , ومتى يسمّى قمراً؟,
1- فقال بعضهم يسمى هلالاً لليلتين من الشهر, ثم لا يسمى هلالاً إلى أن يعود في الشهر التالي،
2-وقال بعضهم يسمى هلالاً ثلاث ليال, ثم يسمى قمراً,
3- وقال بعضهم : يسمى هلالاً إلى أن يحجّر , وتحجيره : أن يستدير بخطة دقيقة, وهو قول الأصمعي,
4-وقال بعضهم يسمى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل، فإذا غلب ضوؤة سواد الليل , قيل له: قمر، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة، والذي عندي, وما عليه الأكثر أنه يسمى هلالاً ابن ليلتين، فإنه في الثالثة يبين ضوؤه,
واسم القمر: الزبرقان، واسم دارته: الهالة، واسم ضوئ: ه الفخت
وقد قال بعض أهل اللغة : لا أدري الفخت اسم ضوئه أم ظلمته، واسم ظلمته على الحقيقة (واسم ظله) : السّمر، ولهذا قيل للمتحدثين ليلاً: سمّار، ويقال: ضاء القمر , وأضاء، ويقال: طلع القمر، ولا يقال: أضاءت القمر , أو ضاءت.
قال أبو إسحاق وحدثني من أثق به, عن الرّياشي , عن أبي زيد، وأخبرني أيضاً من أثق ب, ه عن ابن الأعرابي بما أذكره في هذا الفصل: قال أبو زيد الأنصاري، يقال للقمر ابن ليلة: عتمة سخيلة حل أهلها برميلة، وابن ليلتين: حديث أمتين كذب ومين , ورواه ابن الأعرابي بكذب ومين، وابن ثلاث : حديث فتيات غير جد مؤتلفات.
وقيل ابن ثلاث: قليل اللباث، وابن أربع عتمة ربع , لا جائع /, ولا مرضع، وعن ابن الأعرابي : عتمة أم الربع، وابن خمس حديث وأنس،وقال أبو زيد : عشا خلفات قعس، وابن ست سمروبت, وابن سبع : دلجة الضبع , وابن ثمان : قمر أضحيان , وابن تسع , عن أبي زيد: انقطع السشسع، وعن غيره : يلتقط فيه الجزع، وابن عشر : ثلث الشهر، وعن أبي زيد , وغيره : محنق الفجر,
ولم تقل العرب بعد العشر في صفته ليلة ليلة كما قالت في هده العشر , ولكنهم جزأوا صفته أجزاء عشرة، فجعلوا لكل ثلاث ليال صفة, فقالوا:
ثلاث غرر، وبعضهم يقول غز، وثلاث شهب، وثلاث بهر وبهر، وثلاث عشر، وثلاث بيض، وثلاث درع، ودرع،
ومعنى الدرع: سواد مقدّم الشاة , وبياض مؤخرها، وإنما قيل لها : درع ودرع ؛ لأن القمر يغيب في أولها, فيكون أول الليل أدرع ؛ لأن أوله أسود, وما بعده مضي، وثلاث خنس؛ لأن القمر ينخنس فيها , أي: يتأخر، وثلاث دهم، وإنما قيل لها دهم ؛ لأنها تظلم حتى تدهامّ، وقال بعضهم : ثلاث حنادس، وثلاث فحم ؛ لأن القمر يتفحم فيها، أي: يطلع في آخر الليل , وثلاث دادي، وهي أواخر الشهر , وإنما أخذت من الدأداء , وهو ضرب من السير تسرع فيه الإبل نقل أرجلها إلى موضع أيديها, فالدأدأة آخر نقل القوائم، فكذلك الدأدي في آخر الشهر.
وجمع هلال: أهله،لأدنى العدد وأكثره؛ لأن فعالاً يجمع في أقل العدد على أفعلة , مثل, مثال,وأمثلة,وحمار, وأحمرة , وإذا جاوز أفعلة جمع على فعل، مثل:حمر , ومثل,فكرهوا في التضعيف فعل نحو : هلل, وخلل، فقالوا: أهلة, وأخلة، فاقتصروا على جمع أدنى العدد، كما اقتصروا في ذوات الواو , والياء على ذلك، نحو كساء , وأكسية , ورداء, وأردية.
وقوله عزّ وجلّ: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى}
قيل: إنه كان قوم من قريش , وجماعة معهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها, ولم تتيسر له رجع , فلم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك تطيراً, فأعلمهم اللّه عزّ وجل أن ذلك غير بر، أي: الإقامة على الوفاء بهذه السّنة ليس ببر،
وقال الأكثر من أهل التفسير: إنهم الحمس، وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة , وثقيف , وخزاعة، كانوا إذا أحرموا , لا يأقطون الأقط، ولا ينفون الوبر , ولا يسلون السّمن، وإذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته، وإنما سمّوا الحمس؛ لأنهم تحمّسوا في دينهم , أي: تشددوا.
وقال أهل اللغة الحماسة الشدة في الغضب, والشدة في القتال، والحماسة على الحقيقة الشدة في كل شيء.
وقال العجاج:
وكم قطعنا من قفاف حمس.......

أي: شداد, فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن تشددهم في هذا الإحرام ليس ببر, وأعلمهم أن البر التقي, فقال:{ولكنّ البرّ من اتّقى}.
المعنى: ولكن البر برّ من اتقى مخالفة أمر اللّه عزّ وجلّ، فقال:
{وأتوا البيوت من أبوابها}, فأمرهم اللّه بترك سنة الجاهلية في هذه الحماسة). [معاني القرآن: 1/257-263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}
سبب نزول هذه الآية: أن بعض المسلمين يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لم خلقت هذه الأهلة , فأنزل الله عز وجل: {قل هي مواقيت للناس والحج} : فجعلها الله عز وجل مواقيت لحج المسلمين , وإفطارهم , وصومهم , ومناسكهم , ولعدة نسائهم , ومحل دينهم , والله أعلم بما يصلح خلقه .
قال أبو إسحاق: هلال مشتق من استهل الصبي إذا بكى , وأهل القوم بحجة وعمرة , أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية , فقيل له: هلال ؛ لأنه حين يرى يهل الناس بذكره , وأهل , واستهل , ولا يقال: أهللنا, أي: رأينا الهلال, وأهللنا شهر كذا وكذا إذا دخلنا فيه, وسمي شهر لشهرته , وبيانه .
قال الأصمعي: ولا يسمى هلالاً حتى يحجر, وتحجيره : أن يستدير بخطة دقيقة , وقيل: ليلتين, وثلاث.
وقيل: حتى يغلب ضوءه, وهذا في السابعة .
قال أبو إسحاق: والأجود عندي أن يسمى هلالاً لليلتين ؛ لأنه في الثالثة يتبين ضوءه). [معاني القرآن: 1/103-104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}
روى شعبة , عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: «نزلت فينا هذه الآية , كانت الأنصار إذا حجوا , فجاءوا , لم يدخلوا البيوت من أبوابها ,ولكن من ظهورها, فجاء رجل من الأنصار , فدخل من قبل بابه , فنزلت هذه الآية: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}».). [معاني القرآن: 1/105]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة , لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون بمن ذلك، فاذا خرج الرجل مهلاً,ثم بدت له حاجة رجع , فدخل بيته من ظهره، من أجل السقف، لئلا يحول بينه وبين السماء، فاعلموا أنه ليس من البر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]

تفسير قوله تعالى:{(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 190)}.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}, أي: لا تعتدوا على من وادعكم , وعاقدكم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}
قالوا في تفسيره : قاتلوا أهل مكة،
وقال قوم : هذا أول فرض الجهاد , ثم نسخه:{وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تعتدوا}أي: لا تظلموا، والاعتداء: مجاوزة الحق، وقيل في تفسيره قولان:
قيل: {لا تعتدوا} : لا تقاتلوا غير من أمرتم بقتاله, ولا تقتلوا غيرهم،
وقيل: {لا تعتدوا}أي: لا تجاوزوا إلى قتل النساء والأطفال). [معاني القرآن: 1/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}
قيل, أي: ولا تقاتلوا من عاهدتم , وعاقدتم.
وقيل: لا تقاتلوا من لم يقاتلكم.
قال ابن زيد: «ثم نسخ ذلك فقال جل وعز: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}, أي: وجدتموهم ».
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}, يعني: مكة). [معاني القرآن: 1/105-106]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم...}
فهذا وجه قد قرأت به العامّة, وقرأ أصحاب عبد الله: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم}, والمعنى هاهنا: فإن بدءوكم بالقتل , فاقتلوهم, والعرب تقول: قد قتل بنو فلان إذا قتل منهم الواحد, فعلى هذا قراءة أصحاب عبد الله, وكلّ حسن.
وقوله: {فإن انتهوا} فلم يبدءوكم ,{فلا عدوان} على الذين انتهوا، إنما العدوان على من ظلم: على من بدأكم , ولم ينته.
فإن قال قائل: أرأيت قوله: {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}, أعدوانٌ هو وقد أباحه الله لهم؟ , قلنا: ليس بعدوان في المعنى، إنما هو لفظ على مثل ما سبق قبله؛
ألا ترى أنه قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, فالعدوان من المشركين في اللفظ ظلم في المعنى، والعدوان الذي أباحه الله وأمر به المسلمين إنما هو قصاص. فلا يكون القصاص ظلماً, وإن كان لفظه واحداً, ومثله قول الله تبارك وتعالى:{وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها}, وليست من الله على مثل معناها من المسيء؛ لأنها جزاء). [معاني القرآن: 1/116-117]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والفتنة أشدّ من القتل},أي: الكفر أشدّ من القتل في أشهر الحرم، يقال: رجل مفتون في دينه , أي: كافر). [مجاز القرآن: 1/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({والفتنة أشد من القتل}: الكفر).[غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واقتلوهم حيث ثقفتموهم},أي: حيث وجدتموهم.
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم},يعني: من مكة.
{والفتنة أشدّ من القتل},يقول: الشرك أشد من القتل في الحرم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}
أي: حيث وجدتموهم، يقال: ثقفته أثقفه ثقفاًوثقافة، ويقال: رجل ثقف لقف, ومعنى الآية: لا تمتنعوا من قتلهم في الحرم وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {والفتنة أشدّ من القتل}
أي: فكفرهم في هذه الأمكنة أشد من القتل.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}
كانوا قد نهوا عن ابتدائهم بقتل , أو قتال حتى يبتدي المشركون بذلك.
وتقرأ: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه}, أي: لا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به، وجائز : ولا تقتلوهم, وإن وقع القتل ببعض دون بعض؛ لأن اللغة يجوز فيها قتلت القوم , وإنّما قتل بعضهم إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم). [معاني القرآن: 1/263-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {والفتنة أشد من القتل}
قال مجاهد:«ارتداد المؤمن أشد عليه من القتل.».
والفتنة في الأصل الاختبار , فتأويل الكلام : الاختبار الخبيث الذي يؤدي إلى الكفر أشد من القتل , وفتنته فلانة , أي: صارت له كالمختبرة , أي: اختبر بجمالها, وفتنت الذهب في النار , أي: اختبرته لأعلم خالص هو أم مشوب ؟.
وقيل لهذا السبب لكل ما أحميته في النار فتنته ؛ لأنه بذلك كالمختبر .
وقيل في قوله عز وجل: {يوم هم على النار يفتتنون} , هو من هذا , أي: يشوون.
قال أبو العباس: والقول عندي - والله أعلم - : إنما هو يحرقون بفتنتهم , أي: يعذبون بكفرهم من فتن الكافر .
وقيل: يختبرون, فيقال : ما سلككم في سقر ؟, وأفتنه العذاب , أي: جزاه بفتنته, كقولك: كرب , وأكربته ,والعلم لله تعالى .
يقال: فتن الرجال وفتن وأفتنته , أي: جعلت فيه فتنته كقولك: دهشته , وكحلته , هذا قول الخليل , وأفتنته جعلته فاتناً, وهذا خضر فتن .
وقال الأخفش في قوله عز وجل: {بأيكم المفتنون} , قال يعني : الفتنة, كقولك خذ ميسوره , ودع معسوره.
وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول, ويقول المعتمد خذ ما يسر لك منه). [معاني القرآن: 1/107-108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه}
قال قتادة: «ثم نسخ ذلك بعد فقال:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}» .
قال ابن عباس : «أي: شرك , قال: ويكون الدين لله , ويخلص التوحيد لله».). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ثقفتموهم}, وجدتموهم.
{والفتنة أشد من القتل} في الأشهر الحرم؛ لأنهم استعظموا قتل المسلمين في رجب، فأعلموا أن الشرك الذي هم عليه أشد من ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
أما قوله: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ} , يريد: فإنّ اللّه لهم). [معاني القرآن: 1/128]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}
قوله:{فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}؛ لأنه يجوز أن يقول {إن انتهوا}, وهو قد علم: أنهم لا ينتهون إلا بعضهم , فكأنه قال: {إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم},فأضمركما قال: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر}, أي: فعليه ما استيسر كما تقول: "زيداً أكرمت" , وأنت تريد : "أكرمته" , وكما تقول : إلى من تقصد ؟. أقصد, تريد : "إليه"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ},أي : لا سبيل.
وأصل العدوان: الظلم, وأراد بالعدوان: الجزاء, يقول: لا جزاء ظلم إلّا على ظالم, وقد بينت هذا في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين (193)}
هذا أمر من اللّه عزّ وجلّ أن يقاتل كل كافر ؛ لأن المعنى ههنا في الفتنة والكفر). [معاني القرآن: 1/264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال: {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}
قال قتادة: «والظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله».). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا عدوان}, أي: لا سبيل، وأصل العدوان: الظلم، وأراد به هاهنا: الجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]

تفسير قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
أما قوله: {فاعتدوا عليه} , فإن الله لم يأمر بالعدوان، وإنما يقول: إيتوا إليهم , الذي كان يسمى بالاعتداء, أي: افعلوا بهم كما فعلوا بكم، كما تقول: "إن تعاطيت مني ظلماً تعاطيته منك" , والثاني ليس بظالم, قال عمرو بن شأس:

جزينا ذوي العدوان بالأمس مثله ....... قصاصاً سواءً حذوك النّعل بالنّعل

). [معاني القرآن: 1/128-129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}, قال مجاهد:«فخرت قريش أن صدّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، عن البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام, فأقصّه اللّه , فدخل عليهم من قابل في الشهر الحرام في البلد الحرام إلى البيت الحرام, وأنزل اللّه: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}».
وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجزاؤه جزاء الاعتداء على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77-78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
{الشّهر)} رفع بالابتداء , وخبره {بالشّهر الحرام}, ومعناه: قتال الشهر الحرام.
ويروى أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر الحرام : هل فيه قتال؟, فأنزل الله عز وجلّ أن القتل فيه كبير، أي : عظيم في الإثم، وإنما سألوا ليغرّوا المسلمين، فإن علموا أنهم لم يؤمروا بقتلهم قاتلوهم، فأعلمهم الله عزّ وجلّ أن القتال فيه محرم إلا أن يبتدئ المشركون بالقتال فيه , فيقاتلهم المسلمون.
فالمعنى في قوله: {الشّهر الحرام}, أي : قتال الشهر الحرام، أي: في الشهر الحرام، بالشهر الحرام.
وأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذه الحرمات قصاص، أي : لا يجوز للمسلمين إلا قصاصاً.
وقوله عزّ وجلّ:{فمن اعتدى عليكم}
أي: من ظلم , فقاتل , فقد اعتدى، {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, وسمي الثاني اعتداء ؛ لأنه مجازاة اعتداء , فسمي بمثل اسمه؛ لأن صورة الفعلين واحدة, وإن كان أحدهما طاعة , والآخر معصية، والعرب تقول ظلمني فلان , فظلمته , أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ , فجهلت عليه , أي: جازيته بجهله.
قال الشاعر:

ألا لا يجهلنّ أحد علينا.......فنجهل فوق جهل الجاهلينا

أي: فنكافئ على الجهل بأكثر من مقداره.
وقال اللّه عزّ وجلّ:{ومكروا ومكر اللّه}
وقال: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم}
جعل اسم مجازاتهم مكراً كما مكروا، وجعل اسم مجازاتهم على سخريتهم سخرياً, فكذلك: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}). [معاني القرآن: 1/263-265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}
أي: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام .
قال مجاهد: «صدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , فأقضه الله منهم من قابل , فدخل البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , وقضى عمرة ».
وقال غيره : قال الله عز وجل: {والحرمات قصاص} , فجمع ؛ لأنه جل ثناؤه أراد : الشهر الحرام , والبلد الحرام , وحرمة الإحرام). [معاني القرآن: 1/109]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {فمن اعتدى عليكم}
قال مجاهد : «أي: من قاتلكم فيه , {فاعتدوا عليه} , فاقتلوه فيه, سمي الثاني اعتداء ؛ لأنه جزاء الأول».). [معاني القرآن: 1/109-110]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجازوه بمثله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) }

[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} قال: هذا كافأهم لما دخل مكة، وقد كانوا منعوه في الشهر الحرام فحارب وقاتل جزاء لهم، وما كان له قبل ذلك). [مجالس ثعلب: 158]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 06:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 06:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 06:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 06:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يسئلونك عن الأهلّة} الآية، قال ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم: «نزلت على سؤال قوم من المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم عن الهلال وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس؟»، وجمع الأهلّة وهو واحد في الحقيقة من حيث كونه هلالا في شهر غير كونه هلالا في الآخر، فإنما جمع أحواله من الهلالية، والهلال ليلتان بلا خلاف ثم يقمر، وقيل ثلاث.
وقال الأصمعي: «هو هلال حتى يحجر ويستدير له كالخيط الرقيق»، وقيل هو هلال حتى يبهر بضوئه السماء وذلك ليلة سبع.
وقوله: {مواقيت} معناه لمحل الديون وانقضاء العدد والأكرية وما أشبه هذا من مصالح العباد، ومواقيت الحج أيضا يعرف بها وقته وأشهره، ومواقيت لا ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الآحاد، فهو جمع ونهاية إذ ليس يجمع، وقرأ ابن أبي إسحاق «والحج» بكسر الحاء في جميع القرآن، وفي قوله «حج البيت» في آل عمران.
قال سيبوية: «الحج كالرد والشد، والحج كالذكر، فهما مصدران بمعنى»، وقيل: الفتح مصدر والكسر الاسم.
وقوله تعالى: {وليس البرّ} الآية، قال البراء بن عازب والزهري وقتادة: «سببها أن الأنصار كانوا إذا حجوا أو اعتمروا يلتزمون تشرعا أن لا يحول بينهم وبين السماء حائل، فكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم على الجدرات»، وقيل: كانوا يجعلون في ظهور بيوتهم فتوحا يدخلون منها ولا يدخلون من الأبواب، وقيل غير هذا مما يشبهه فاختصرته، فجاء رجل منهم فدخل من باب بيته فعيّر بذلك، فنزلت الآية فيه.
وقال إبراهيم: «كان يفعل ما ذكر قوم من أهل الحجاز».
وقال السدي: «ناس من العرب، وهم الذين يسمون الحمس، قال: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بابا ومعه رجل منهم، فوقف ذلك الرجل وقال إني أحمس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «وأنا أحمس»، ونزلت الآية».
وروى الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وخلفه رجل أنصاري فدخل وخرق عادة قومه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لم دخلت وأنت قد أحرمت؟»، قال: دخلت أنت فدخلت بدخولك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أحمس»، أي من قوم لا يدينون بذلك، فقال الرجل: وأنا ديني دينك، فنزلت الآية.
وقال أبو عبيدة: «الآية ضرب مثل، المعنى: ليس البر أن تسألوا الجهّال ولكن اتقوا واسألوا العلماء، فهذا كما يقال أتيت هذا الأمر من بابه».
وقال غير أبي عبيدة: «المعنى ليس البر أن تشذوا في الأسئلة عن الأهلّة وغيرها فتأتون الأمور على غير ما يجب».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا يحتمل والأول أسدّ»، وأما ما حكاه المهدوي ومكي عن ابن الأنباري من أن الآية مثل في جماع النساء فبعيد مغير نمط الكلام، وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي ونافع بخلاف عنه «البيوت» بكسر الباء، وقرأ بعض القراء «ولكنّ البرّ» بتشديد نون «لكنّ» ونصب «البرّ»، وقد تقدم القول على من في قوله من آمن باللّه [البقرة: 177]، {واتّقوا}: معناه اجعلوا بينكم وبين عقابه وقاية، ولعلّكم ترجّ في حق البشر، والفلاح درك البغية). [المحرر الوجيز: 1/ 458-462]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه} الآية، هي أول آية نزلت في الأمر بالقتال.
قال ابن زيد والربيع: «معناها قاتلوا من قاتلكم وكفوا عمن كف عنكم، ولا تعتدوا في قتال من لم يقاتلوكم، وهذه الموادعة منسوخة بآية براءة، وبقوله: {قاتلوا المشركين كافّةً} [التوبة: 36]».
وقال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد: «معنى الآية قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم»، فهي محكمة على هذا القول، وقال قوم: المعنى لا تعتدوا في القتال لغير وجه الله كالحمية وكسب الذكر). [المحرر الوجيز: 1/ 462-463]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191) فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (192) وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين (193) الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (194)}
قال ابن إسحاق وغيره: «نزلت هذه الآيات في شأن عمرو بن الحضرمي وواقد، وهي سرية عبد الله بن جحش»، {وثقفتموهم}: معناه أحكمتم غلبهم ولقيتموهم قادرين عليهم، يقال رجل ثقف لقف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور، وأخرجوهم.
قال الطبري: «الخطاب للمهاجرين، والضمير لكفار قريش».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «بل الخطاب لجميع المؤمنين»، ويقال أخرجوكم إذا أخرجوا بعضهم الأجل قدرا وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون، {والفتنة أشدّ من القتل}: أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموكم بها على الرجوع إلى الكفر أشد من القتل.
قال مجاهد: «أي من أن يقتل المؤمن، فالقتل أخف عليه من الفتنة».
قال غيره: بل المعنى الفتنة التي فعلوا أشد في هتك حرمات الحق من القتل الذي أبيح لكم أيها المؤمنون أن توقعوه بهم، ويحتمل أن يكون المعنى والفتنة أي الكفر والضلال الذي هم فيه أشد في الحرم وأعظم جرما من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي.
وقوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} الآية، قال الجمهور: «كان هذا ثم نسخ وأمر بالقتال في كل موضع».
قال الربيع: «نسخه وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ».
وقال قتادة: «نسخه قوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]».
وقال مجاهد: «الآية محكمة ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل».
وقرأ حمزة والكسائي والأعمش «ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم» بالقتل في الأربعة، ولا خلاف في الأخيرة أنها فاقتلوهم، والمعنى على قراءة حمزة والكسائي: فإن قتلوا منكم فاقتلوهم أيها الباقون، وذلك كقوله تعالى: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا} [آل عمران: 146] أي فما وهن الباقون). [المحرر الوجيز: 1/ 463-464]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والانتهاء في هذه الآية هو الدخول في الإسلام، لأن غفران الله ورحمته إنما تكون مع ذلك). [المحرر الوجيز: 1/ 464]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع على قول من رآها ناسخة، ومن رآها غير ناسخة قال: المعنى قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم فإن قاتلوكم، والأول أظهر، وهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار، دليل ذلك قوله: {ويكون الدّين للّه}، والفتنة هنا: الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين، قاله ابن عباس وقتادة والربيع والسدي، والدّين هنا الطاعة والشرع. وقال الأعشى ميمون بن قيس:
هو دان الرباب إذ كرهوا الذي ....... ن دراكا بغزوة وصيال
والانتهاء في هذا الموضع يصح مع عموم الآية في الكفار أن يكون الدخول في الإسلام، ويصح أن يكون أداء الجزية، وسمى ما يصنع بالظالمين عدوانا من حيث هو جزاء عدوان إذ الظلم يتضمن العدوان، والعقوبة تسمى باسم الذنب في غير ما موضع، والظالمون هم على أحد التأويلين: من بدأ بقتال، وعلى التأويل الآخر: من بقي على كفر وفتنة). [المحرر الوجيز: 1/ 465]

تفسير قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام} الآية، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقسم والسدي والربيع والضحاك وغيرهم: «نزلت في عمرة القضية وعام الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا حتى بلغ الحديبية سنة ست، فصده كفار قريش عن البيت، فانصرف ووعده الله أنه سيدخله عليهم، فدخله سنة سبع، فنزلت الآية في ذلك، أي الشهر الحرام الذي غلبكم الله فيه وأدخلكم الحرم عليهم بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه»، ومعنى {الحرمات قصاصٌ} على هذا التأويل: أي حرمة الشهر وحرمة البلد وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد والشهر والقطان حين دخلتم.
وقال الحسن بن أبي الحسن: «نزلت الآية في أن الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل يقاتل في الشهر الحرام؟ فأخبرهم أنه لا يقاتل فيه، فهموا بالهجوم عليه فيه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يدافع فيه، فنزلت: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}، أي هو عليكم في الامتناع من القتال أو الاستباحة بالشهر الحرام عليهم في الوجهين، فأية سلكوا فاسلكوا»، والحرمات على هذا جمع حرمة عموما: النفس والمال والعرض وغير ذلك، فأباح الله بالآية مدافعتهم. والقول الأول أكثر.
وقالت فرقة: قوله: والحرمات قصاصٌ مقطوع مما قبله، وهو ابتداء أمر كان في أول الإسلام أن من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك به، ثم نسخ ذلك بالقتال.
وقالت طائفة: ما تناول من الآية التعدي بين أمة محمد والجنايات ونحوها لم ينسخ، وجائز لمن تعدي عليه في مال أو جرح أن يتعدى بمثل ما تعدي عليه به إذا خفي ذلك له، وليس بينه وبين الله في ذلك شيء، قاله الشافعي وغيره، وهي رواية في مذهب مالك.
وقالت طائفة منهم مالك: ليس ذلك له، وأمور القصاص وقف على الحكام، والأموال يتناولها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك».
وقرأ الحسن بن أبي الحسن «والحرمات» بسكون الراء.
وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم} الآية، اختلف في نسخ هذه الآية حسبما تقدم، وسمي الجزاء على العدوان عدوانا كما قال: {اللّه يستهزئ بهم} [البقرة: 15] إلى غير ذلك، {واتّقوا اللّه}، قيل: معناه في أن لا تعتدوا، وقيل: في أن لا تزيدوا على المثل.
وقال ابن عباس: «نزلت هذه الآية وما هو في معناها بمكة والإسلام لم يعزّ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعز دينه أمر المسلمون برفع أمورهم إلى حكامهم وأمروا بقتال الكفار».
وقال مجاهد: «بل نزلت هذه الآية بالمدينة بعد عمرة القضاء، وهي من التدريج في الأمر بالقتال»). [المحرر الوجيز: 1/ 465-467]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 06:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 06:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون (189)}
قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: «سأل الناس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن الأهلّة، فنزلت هذه الآية: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ} يعلمون بها حلّ دينهم، وعدّة نسائهم، ووقت حجّهم».
وقال أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «بلغنا أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، لم خلقت الأهلّة؟ فأنزل اللّه {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس} يقول: جعلها اللّه مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم، وعدّة نسائهم، ومحلّ دينهم».
وكذا روي عن عطاء، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
وقال عبد الرّزّاق، عن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «جعل اللّه الأهلّة مواقيت للنّاس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإنّ غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يومًا».
ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث ابن أبي روّادٍ، به. وقال: كان ثقةً عابدًا مجتهدًا شريف النّسب، فهو صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
وقال محمّد بن جابرٍ، عن قيس بن طلقٍ؛ عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: «جعل اللّه الأهلّة، فإذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين». وكذا روي من حديث أبي هريرة، ومن كلام عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه .
وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} قال البخاريّ: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: «كانوا إذا أحرموا في الجاهليّة أتوا البيت من ظهره، فأنزل اللّه {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}».
وكذا رواه أبو داود الطّيالسيّ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: «كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرّجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية».
وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ: «كانت قريشٌ تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من بابٍ في الإحرام، فبينا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في بستانٍ إذ خرج من بابه، وخرج معه قطبة بن عامرٍ الأنصاريّ، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ قطبة ابن عامرٍ رجلٌ تاجرٌ وإنّه خرج معك من الباب. فقال له:«ما حملك على ما صنعت؟» قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت. فقال: «إنّي رجلٌ أحمس». قال له: فإنّ ديني دينك. فأنزل اللّه {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}. رواه ابن أبي حاتمٍ. ورواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ بنحوه. وكذا روي عن مجاهدٍ، والزّهريّ، وقتادة، وإبراهيم النّخعيّ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ.
وقال الحسن البصريّ: «كان أقوامٌ من أهل الجاهليّة إذا أراد أحدهم سفرًا وخرج من بيته يريد سفره الذي خرج له، ثمّ بدا له بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره، لم يدخل البيت من بابه، ولكن يتسوّره من قبل ظهره، فقال اللّه تعالى: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى} الآية».
وقال محمّد بن كعبٍ: «كان الرّجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل اللّه هذه الآية».
وقال عطاء بن أبي رباحٍ: «كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها ويرون أنّ ذلك أدنى إلى البرّ، فقال اللّه تعالى: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}».
وقوله: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} أي: اتّقوا اللّه فافعلوا ما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه {لعلّكم تفلحون} غدًا إذا وقفتم بين يديه، فيجزيكم بأعمالكم على التّمام، والكمال). [تفسير ابن كثير: 1/ 521-523]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (190) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191) فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (192) وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظّالمين (193)}
قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم} قال: «هذه أوّل آيةٍ نزلت في القتال بالمدينة، فلمّا نزلت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقاتل من قاتله، ويكفّ عمّن كفّ عنه حتّى نزلت سورة براءةٍ» وكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم حتّى قال: «هذه منسوخةٌ بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التّوبة: 5]». وفي هذا نظرٌ؛ لأنّ قوله: {الّذين يقاتلونكم} إنّما هو تهييج وإغراءٌ بالأعداء الّذين همّتهم قتال الإسلام وأهله، أي: كما يقاتلونكم فقاتلوهم أنتم، كما قال: {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} [التّوبة: 36]؛ ولهذا قال في هذه الآية: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} أي: لتكن همّتكم منبعثةً على قتالهم، كما أنّ همّتهم منبعثةٌ على قتالكم، وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها، قصاصًا.
وقد حكي عن أبي بكرٍ الصّديق، رضي اللّه عنه، أنّ أوّل آيةٍ نزلت في القتال بعد الهجرة، {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا} الآية [الحجّ: 39] وهو الأشهر وبه ورد الحديث.
وقوله: {ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} أي: قاتلوا في سبيل اللّه ولا تعتدوا في ذلك ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي -كما قاله الحسن البصريّ -من المثلة، والغلول، وقتل النّساء والصّبيان والشّيوخ الّذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرّهبان وأصحاب الصّوامع، وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحةٍ، كما قال ذلك ابن عبّاسٍ، وعمر بن عبد العزيز، ومقاتل بن حيّان، وغيرهم. ولهذا جاء في صحيح مسلمٍ، عن بريدة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: «اغزوا في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، ولا أصحاب الصّوامع». رواه الإمام أحمد.
وعن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا بسم اللّه، قاتلوا في سبيل اللّه من كفر باللّه، لا تغدروا ولا تغلّوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصّوامع». رواه الإمام أحمد.
ولأبي داود، عن أنسٍ مرفوعًا، نحوه. وفي الصّحيحين عن ابن عمر قال: «وجدت امرأةٌ في بعض مغازي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مقتولةً، فأنكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قتل النّساء والصّبيان».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا مصعب بن سلام، حدّثنا الأجلح، عن قيس بن أبي مسلمٍ، عن ربعي ابن حراش، قال: «سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمثالًا واحدًا، وثلاثةً، وخمسةً، وسبعةً، وتسعةً، وأحد عشر، فضرب لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منها مثلًا وترك سائرها، قال: «إنّ قومًا كانوا أهل ضعف ومسكنةٍ، قاتلهم أهل تجبّرٍ وعداءٍ، فأظهر اللّه أهل الضّعف عليهم، فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلّطوهم فأسخطوا اللّه عليهم إلى يوم يلقونه».
هذا حديثٌ حسن الإسناد. ومعناه: أنّ هؤلاء الضّعفاء لمّا قدروا على الأقوياء، فاعتدوا عليهم واستعملوهم فيما لا يليق بهم، أسخطوا اللّه عليهم بسبب هذا الاعتداء. والأحاديث والآثار في هذا كثيرةٌ جدًّا). [تفسير ابن كثير: 1/ 523-524]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولمّا كان الجهاد فيه إزهاق النّفوس وقتل الرّجال، نبّه تعالى على أنّ ما هم مشتملون عليه من الكفر باللّه والشّرك به والصّدّ عن سبيله أبلغ وأشدّ وأعظم وأطم من القتل؛ ولهذا قال: {والفتنة أشدّ من القتل} قال أبو مالكٍ: «أي: ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل».
وقال أبو العالية، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع ابن أنسٍ في قوله: {والفتنة أشدّ من القتل} يقول: «الشّرك أشدّ من القتل».
وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} كما جاء في الصّحيحين: «إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّموات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، ولم يحلّ لي إلّا ساعةً من نهارٍ، وإنّها ساعتي هذه، حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه. فإن أحدٌ ترخّص بقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقولوا: إنّ اللّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم».
يعني بذلك -صلوات اللّه وسلامه عليه -قتاله أهلها يوم فتح مكّة، فإنّه فتحها عنوةً، وقتلت رجالٌ منهم عند الخندمة، وقيل: صلحًا؛ لقوله: من أغلق بابه فهو آمنٌ، ومن دخل المسجد فهو آمنٌ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمنٌ.
وقد حكى القرطبيّ: «أنّ النّهي عن القتال عند المسجد الحرام منسوخٌ». قال قتادة: «نسخها قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم} [التّوبة: 5]». قال مقاتل بن حيّان: «نسخها قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}». وفي هذا نظرٌ.
وقوله: {حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين} يقول تعالى: لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدؤوكم بالقتال فيه، فلكم حينئذٍ قتالهم وقتلهم دفعًا للصّيال كما بايع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه يوم الحديبية تحت الشّجرة على القتال، لمّا تألّبت عليه بطون قريشٍ ومن والاهم من أحياء ثقيفٍ والأحابيش عامئذٍ، ثمّ كفّ اللّه القتال بينهم فقال: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: 24]، وقال: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ ليدخل اللّه في رحمته من يشاء لو تزيّلوا لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا} [الفتح: 25]). [تفسير ابن كثير: 1/ 524-525]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: فإن تركوا القتال في الحرم، وأنابوا إلى الإسلام والتّوبة، فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ يغفر ذنوبهم، ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم اللّه، فإنّه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه). [تفسير ابن كثير: 1/ 525]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أمر تعالى بقتال الكفّار: {حتّى لا تكون فتنةٌ} أي: شركٌ. قاله ابن عبّاسٍ، وأبو العالية، ومجاهدٌ، والحسن، وقتادة، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان، والسّدي، وزيد بن أسلم.
{ويكون الدّين للّه} أي: يكون دين اللّه هو الظّاهر العالي على سائر الأديان، كما ثبت في الصّحيحين: عن أبي موسى الأشعريّ، قال: «سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حميّة، ويقاتل رياءً، أيّ ذلك في سبيل اللّه؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا فهو في سبيل اللّه». وفي الصّحيحين: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها، وحسابهم على اللّه».
وقوله: {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظّالمين} يقول: فإن انتهوا عمّا هم فيه من الشّرك، وقتال المؤمنين، فكفّوا عنهم، فإنّ من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالمٌ، ولا عدوان إلّا على الظّالمين، وهذا معنى قول مجاهدٍ: «لا يقاتل إلّا من قاتل». أو يكون تقديره؛ فإن انتهوا فقد تخلّصوا من الظّلم، وهو الشّرك. فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة، كقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقوله: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} [الشّورى: 40]، {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النّحل: 126]. ولهذا قال عكرمة وقتادة: «الظّالم: الذي أبى أن يقول: لا إله إلّا اللّه».
وقال البخاريّ: قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه} الآية: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزّبير فقالا: إنّ النّاس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فما يمنعك أن تخرج؟ قال: «يمنعني أنّ اللّه حرّم دم أخي». قالا ألم يقل اللّه: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ}؟ قال: «قاتلنا حتّى لم تكن فتنةٌ وكان الدّين للّه، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنةٌ ويكون الدّين لغير الله». زاد عثمان ابن صالحٍ عن ابن وهبٍ قال: أخبرني فلانٌ وحيوة بن شريحٍ، عن بكر بن عمرٍو المعافريّ أنّ بكير بن عبد اللّه حدّثه، عن نافعٍ: أنّ رجلًا أتى ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرّحمن، ما حملك على أن تحجّ عامًا وتعتمر عامًا، وتترك الجهاد في سبيل اللّه، وقد علمت ما رغّب اللّه فيه؟ فقال: «يا ابن أخي، بني الإسلام على خمسٍ: الإيمان باللّه ورسوله، والصّلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزّكاة، وحجّ البيت». قال: يا أبا عبد الرّحمن، ألا تسمع ما ذكر اللّه في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه} [الحجرات: 9]، {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قال: «فعلنا على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكان الإسلام قليلًا وكان الرّجل يفتن في دينه: إمّا قتلوه أو عذّبوه حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنةٌ»، قال: فما قولك في عليٍّ وعثمان؟ قال: «أمّا عثمان فكان اللّه عفا عنه، وأمّا أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه، وأمّا عليٌّ فابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وختنه، وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون»). [تفسير ابن كثير: 1/ 525-526]

تفسير قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (194)}
قال عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، والضّحّاك، والسّدّيّ، ومقسم، والرّبيع بن أنسٍ، وعطاءٍ وغيرهم: «لمّا سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معتمرًا في سنة ستٍّ من الهجرة، وحبسه المشركون عن الدّخول والوصول إلى البيت، وصدّوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة، وهو شهرٌ حرامٌ، حتّى قاضاهم على الدّخول من قابلٍ، فدخلها في السّنة الآتية، هو ومن كان معه من المسلمين، وأقصه اللّه منهم، فنزلت في ذلك هذه الآية: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا ليث بن سعدٍ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: «لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يغزو في الشّهر الحرام إلّا أن يغزى ويغزوا فإذا حضره أقام حتّى ينسلخ».
هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ ولهذا لمّا بلغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -وهو مخيّم بالحديبية -أنّ عثمان قد قتل -وكان قد بعثه في رسالةٍ إلى المشركين -بايع أصحابه، وكانوا ألفًا وأربعمائةٍ تحت الشّجرة على قتال المشركين، فلمّا بلغه أنّ عثمان لم يقتل كفّ عن ذلك، وجنح إلى المسالمة والمصالحٍة، فكان ما كان.
وكذلك لمّا فرغ من قتال هوازن يوم حنينٍ وتحصّن فلّهم بالطّائف، عدل إليها، فحاصرها ودخل ذو القعدة وهو محاصرها بالمنجنيق، واستمرّ عليها إلى كمال أربعين يومًا، كما ثبت في الصّحيحين عن أنسٍ. فلمّا كثر القتل في أصحابه انصرف عنها ولم تفتح، ثمّ كرّ راجعًا إلى مكّة واعتمر من الجعرانة، حيث قسّم غنائم حنين. وكانت عمرته هذه في ذي القعدة أيضًا عام ثمانٍ، صلوات اللّه وسلامه عليه.
وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} أمر بالعدل حتّى في المشركين: كما قال: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النّحل: 126]. وقال: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} [الشّورى: 40].
وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ إن قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} نزلت بمكّة حيث لا شوكة ولا جهاد، ثمّ نسخ بآية الجهاد بالمدينة. وقد ردّ هذا القول ابن جريرٍ، وقال: «بل هذه الآية مدنيّةٌ بعد عمرة القضيّة، وعزا ذلك إلى مجاهدٍ، رحمه اللّه».
وقد أطلق هاهنا الاعتداء على الاقتصاص، من باب المقابلة، كما قال عمرو بن أمّ كلثوم:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا ....... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وقال ابن دريد:

لي استواءٌ إن مواليّ استوا ....... لي التواءٌ إن تعادى التوا

وقال غيره:

ولي فرسٌ للحلم بالحلم ملجمٌ ....... ولي فرسٌ للجهل بالجهل مسرج
ومن رام تقويمي فإنّي مقوّمٌ ....... ومن رام تعويجي فإنّي معوّج

وقوله: {واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين} أمرٌ لهم بطاعة اللّه وتقواه، وإخبارٌ بأنّه تعالى مع الّذين اتّقوا بالنّصر والتّأييد في الدّنيا والآخرة).[تفسير ابن كثير: 1/ 526-528]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة