العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الإسراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:03 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة الإسراء [ من الآية (70) إلى الآية (72) ]

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:03 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن زيد بن أسلم في قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم الآية قال: قالت الملائكة يا ربنا أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها وينعمون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة فقال وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون). [تفسير عبد الرزاق: 1/382]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم} [الإسراء: 70]
«كرّمنا وأكرمنا واحدٌ»). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله تعالى ولقد كرّمنا بني آدم)
كرّمنا وأكرمنا واحدٌ أي في الأصل وإلّا فالتشديد أبلغ قال أبو عبيدة كرّمنا أي أكرمنا إلّا أنّها أشدّ مبالغةً في الكرامة انتهى وهي من كرم بضمّ الرّاء مثل شرف وليس من الكرم الّذي هو في المال). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم} (الإسراء: 70)
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: {ولقد كرمنا} وليست في بعض النّسخ هذه التّرجمة، قوله: (ولقد كرمنا بني آدم) أي: بالعقل، قاله ابن عبّاس، وعن الضّحّاك: بالنطق والتمييز، وعن عطاء: بتعديل القامة وامتدادها، وعن يمان: بحسن الصّورة، وعن محمّد ابن جرير: بتسليطهم على غيرهم من الخلق وتسخير سائر الخلق لهم، وعن ابن عبّاس: كل شيء يأكل بفيه إلاّ ابن آدم يأكل بيده.
كرّمنا وأكرمنا واحدٌ
قال بعضهم: أي في الأصل وإلاّ فبالتشديد أبلغ قلت: إذا كان مراده بالأصل الوضع فليس كذلك لأن لكل منهما بابا في الأصل موضوعا، وإن كان مراده بالأصل الاستعمال فليس كذلك، لأن كرمنا بالتّشديد من باب التفعيل، وأكرمنا من باب الأفعال، بل المراد أنّها واحد في التّعدّي، غير أن في كرمنا بالتّشديد من المبالغة ما ليس في أكرمنا. فافهم). [عمدة القاري: 19/23]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب
{كرّمنا} وأكرمنا واحدٌ، ضعف الحياة: عذاب الحياة وعذاب الممات. خلافك وخلفك: سواءٌ، ونأى: تباعد: شاكلته: ناحيته وهي من شكله. صرّفنا: وجّهنا، قبيلًا معاينةً ومقابلةً وقيل: القابلة لأنّها مقابلتها وتقبل ولدها. خشية الإنفاق: أنفق الرّجل أملق ونفق الشّيء ذهب. قتورًا: مقتّرًا، للأذقان مجتمع اللّحيين، والواحد ذقنٌ. وقال مجاهدٌ: موفورًا: وافرًا. تبيعًا: ثائرًا، وقال ابن عبّاسٍ: نصيرًا. خبت: طفئت، وقال ابن عبّاسٍ: لا تبذّر: لا تنفق في الباطل.
ابتغاء رحمةٍ: رزقٍ مثبورًا: ملعونًا. لا تقف: لا تقل، فجاسوا: تيمّموا. يزجي الفلك: يجري الفلك، يخرّون للأذقان: للوجوه.
({كرمنا}) ولأبي ذر باب قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] كرمنا (وأكرمنا واحد) وهو من كرم بالضم كشرف والمعنى جعلنا لهم كرمًا أي شرفًا وفضلًا وهذا كرم نفي النقصان لا كرم المال وتكريمهم كما قال في الأنوار بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإفهام بالنطق والإشارة والخط والهدى إلى أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه، واستدلّ بالآية على طهارة ميتة الآدمي لأن قضية تكريمه أن لا يحكم بنجاسته بالموت كما نص عليه في الأم ولأنه، -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل عثمان بن مظعون بعد موته ودموعه تجري على خده فلو كان نجسًا لما قبّله مع ظهور رطوبته ولأنا تعبدنا بغسله والنجس لا يتعبد بغسله لأن غسله يزيد النجاسة وسواء المسلم والكافر، وأما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] فالمراد نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس لا نجاسة الأبدان). [إرشاد الساري: 7/202]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً}.
يقول تعالى ذكره: {ولقد كرّمنا بني آدم} بتسليطنا إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم {وحملناهم في البرّ} على ظهور الدّوابّ والمراكب {و} في {البحر} في الفلك الّتي سخّرناها لهم {ورزقناهم من الطّيّبات} يقول: من طيّبات المطاعم والمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها {وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً} ذكر لنا أنّ ذلك تمكّنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها ورفعها بها إلى أفواههم، وذلك غير متيسّرٍ لغيرهم من الخلق، كما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله {ولقد كرّمنا بني آدم}. الآية، قال: وفضّلناهم في اليدين يأكل بهما، ويعمل بهما، وما سوى الإنس يأكل بغير ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم، في قوله: {ولقد كرّمنا بني آدم} قال: قالت الملائكة: يا ربّنا إنّك أعطيت بني آدم الدّنيا يأكلون منها، ويتنعّمون، ولم تعطنا ذلك، فأعطناه في الآخرة، فقال: وعزّتي لا أجعل ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان). [جامع البيان: 15/5]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 70 - 72.
أخرج الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من شيء أكرم على الله من بني آدم يوم القيامة، قيل: يا رسول الله ولا الملائكة المقربون،، قال: ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا وقال: هو الصحيح). [الدر المنثور: 9/399-400]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: المؤمن أكرم على الله من ملائكته). [الدر المنثور: 9/400]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة قالت: يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة، قال: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم مثله). [الدر المنثور: 9/400-401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة قالوا: ربنا خلقتنا وخلقت بني آدم، فجعلتهم يأكلون الطعام ويشربون الشراب ويلبسون الثياب ويأتون النساء ويركبون الدواب وينامون ويستريحون ولم تجعل لنا من ذلك شيئا، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال الله: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عروة بن رويم مرسلا). [الدر المنثور: 9/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عروة بن رويم الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال الله تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان). [الدر المنثور: 9/401]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم اللخمي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه إلا أنه قال: ويركبون الخيل ولم يذكر ونفخت فيه من روحي). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولقد كرمنا بني آدم} قال: جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولقد كرمنا بني آدم} قال: الكرامة الأكل بالأصابع). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال: ما من رجل يرى مبتلى فيقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير من خلقه تفضيلا إلا عافاه الله من ذلك البلاء كائنا ما كان). [الدر المنثور: 9/402]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق السموات سبعا فاختار العليا منها فأسكنها ما شاء من خلقه ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشا واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم فأنا من خيار الأخيار). [الدر المنثور: 9/402-403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل: أرأيت قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تصب المسألة اقرأ ما قبلها {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر} حتى بلغ {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فمن كان أعمى عن هذا النعيم الذي قد رأى وعاين فهو في أمر الآخرة التي لم تر ولم تعاين {أعمى وأضل سبيلا} ). [الدر المنثور: 9/405] (م)

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن القطمير القشرة التي تكون على النواة، والنقير النقطة التي على ظهرها، والفتيل الذي في شق النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/20] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة أنه سمع عطاء يقول: القطمير القشر الذي يكون بين النواة والتمرة، والنقير الذي في ظهر النواة، والفتيل الذي في بطن النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/91-92] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى يوم ندعوا كل أناس بإمامهم يقول بأنبيائهم
قال معمر وقال الحسن بكتابهم الذي فيه أعمالهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/382]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا يظلمون فتيلا قال الذي في شق النواة). [تفسير عبد الرزاق: 1/382]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن أبي إسحاق وابن عيينة عن أصحابه عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم أنه قال لابن عباس ما ولا يظلمون فتيلا قال ففت بين أصبعيه فخرج بينهما شيء فقال هو هذا
قال أخبرني الثوري عن رجل عن الحكم قال: قال لي مجاهد كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود (أو يكون له بيت من ذهب)). [تفسير عبد الرزاق: 1/389-390]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن جابرٍ عن عديٍّ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} قال: إمام هدًى أو إمام ضلالة [الآية: 71]). [تفسير الثوري: 174]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قول الله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعًا، ويبيّض وجهه، ويجعل على رأسه تاجٌ من لؤلؤٍ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعدٍ فيقولون: اللّهمّ ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتّى يأتيهم فيقول لهم: أبشروا لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا، قال: وأمّا الكافر فيسوّد وجهه ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعًا على صورة آدم فيلبس تاجًا، فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ باللّه من شرّ هذا، اللّهمّ لا تأتنا بهذا، قال: فيأتيهم فيقولون: اللّهمّ أخزه، فيقول: أبعدكم اللّه فإنّ لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
والسّدّيّ اسمه: إسماعيل بن عبد الرّحمن). [سنن الترمذي: 5/153-154]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً}.
اختلفت أهل التّأويل في معنى الإمام الّذي ذكر اللّه جلّ ثناؤه أنّه يدعو كلّ أناسٍ به، فقال بعضهم: هو نبيّه، ومن كان يقتدى به في الدّنيا ويأتمّ به
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيلٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بنبيّهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بنبيّهم
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بإمامهم} قال: بنبيّهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بنبيّهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنّه يدعو بهم بكتب أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: الإمام: ما عمل وأملى، فكتب عليه، فمن بعث متّقيًا للّه جعل كتابه بيمينه، فقرأه واستبشر، ولم يظلم فتيلاً، وهو مثل قوله: {وإنّهما لبإمامٍ مبينٍ} والإمام: ما أملى وعمل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بأعمالهم.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: قال الحسن: بكتابهم الّذي فيه أعمالهم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} يقول: بكتابهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: بأعمالهم.
وقال آخرون: بل معناه: يوم ندعو كلّ أناسٍ بكتابهم الّذي أنزلت عليهم بأمري ونهيي.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت يعنى ابن زيدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: بكتابهم الّذي أنزل عليهم فيه أمر اللّه ونهيه وفرائضه، والّذي عليه يحاسبون، وقرأ: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال: الشّرعة: الدّين، والمنهاج: السّنّة، وقرأ: {شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحًا} قال: فنوحٌ أوّلهم، وأنت آخرهم.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} بكتبهم.
وأولى هذه الأقوال عندنا بالصّواب، قول من قال: معنى ذلك: يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم الّذي كانوا يقتدون به، ويأتمّون به في الدّنيا، لأنّ الأغلب من استعمال العرب الإمام فيما ائتمّ واقتدي به، وتوجيه معاني كلام اللّه إلى الأشهر أولى ما لم تثبت حجّةٌ بخلافه يجب التّسليم لها.
وقوله: {فمن أوتي كتابه بيمينه} يقول: فمن أعطي كتاب عمله بيمينه {فأولئك يقرءون كتابهم} ذلك حتّى يعرفوا جميع ما فيه {ولا يظلمون فتيلاً} يقول تعالى ذكره: ولا يظلمهم اللّه من جزاء أعمالهم فتيلاً، وهو المنفتل الّذي في شقّ بطن النّواة.
وقد مضى البيان عن الفتيل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله {ولا يظلمون فتيلاً} قال: الّذي في شقّ النّواة). [جامع البيان: 15/6-9]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إن الفتيل الذي في شق النواة). [تفسير مجاهد: 166]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي صلى الله عليه وسلم {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} [الإسراء: 71] قال: «يدعى أحدهم، فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعاً، ويبيضّ وجهه، ويجعل على رأسه تاجٌ من لؤلؤٍ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه الذين كانوا يجتمعون إليه فيرونه من بعيد، فيقولون، اللهم ائتنا بهذا، فيأتيهم، فيقول: أبشروا لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا المتبوع على الهدى، وأما الكافر: فيعطى كتابه بشماله، ويسودّ وجهه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعاً، ويلبس تاجاً من نارٍ، فإذا رآه أصحابه يقولون: نعوذ بالله من شر هذا، اللّهمّ لا تأتنا به، فيأتيهم، فيقولون: اللهم أّخّره، فيقول لهم: أبعدكم الله، فإنّ لكلّ رجلٍ منكم هذا». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/213-214]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: إمام هدى وإمام ضلالة). [الدر المنثور: 9/403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن أنس رضي الله عنه في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: بنبيهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه مثله). [الدر المنثور: 9/403-404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: بكتاب أعمالهم). [الدر المنثور: 9/404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم). [الدر المنثور: 9/404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه والبزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} قال: يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ستين ذراعا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من نور يتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول: أبشروا، لكل رجل منكم مثل هذا.
وأمّا الكافر فيسود له وجهه ويمد له في جسمه ستين ذراعا على صورة آدم ويلبس تاجا من نارا فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من شر هذا، اللهم لا تأتنا بهذا، قال فيأتيهم.
فيقول: ربنا أخره فيقول: ابعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا). [الدر المنثور: 9/404-405]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى قال في الدنيا أعمى عما أراه الله من آياته من خلق السماوات والأرض والجبال والنجوم فهو في الآخرة الغائبة التي لم يراها أعمى وأضل سبيلا). [تفسير عبد الرزاق: 1/382-383]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى أعمى قال أعمى عن حجته في الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/383]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً}.
اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي أشير إليه بقوله " هذه " فقال بعضهم: أشير بذلك إلى النّعم الّتي عددّها تعالى ذكره بقوله: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً} فقال: ومن كان في هذه النعم أعمى فهو في نعم الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن محمّد بن أبي موسى، قال: سئل عن هذه الآية، {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً} فقال: قال {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً} قال: من عمّي عن شكر هذه النّعم في الدّنيا، فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن كان في هذه الدّنيا أعمى عن قدرة اللّه فيها وحججه، فهو في الآخرة أعمى
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن كان في هذه أعمى} يقول: من عمي عن قدرة اللّه في الدّنيا فهو في الآخرة أعمى.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {في هذه أعمى} قال: الدّنيا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} يقول: من كان في هذه الدّنيا أعمى عمّا عاين فيها من نعم اللّه وخلقه وعجائبه {فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً} فيما يغيب عنه من أمر الآخرة وأعمى.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ومن كان في هذه أعمى} في الدّنيا فيما أراه اللّه من آياته من خلق السّماوات والأرض والجبال والنّجوم {فهو في الآخرة} الغائبة الّتي لم يرها {أعمى وأضلّ سبيلاً}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، وسئل عن قول اللّه، تعالى {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً} فقرأ: {إنّ في السّموات والأرض لآياتٍ للمؤمنين} {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} وقرأ: {ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون} وقرأ حتّى بلغ: {وله من في السّموات والأرض كلٌّ له قانتون} قال: كلٌّ له مطيعون، إلاّ ابن آدم قال: فمن كان في هذه الآيات الّتي يعرف أنّها منّا ويشهد عليها وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى فهو في الآخرة الّتي لم يرها أعمى وأضلّ سبيلاً.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب، قول من قال: معنى ذلك: ومن كان في هذه الدّنيا أعمى عن حجج اللّه على أنّه المنفرد بخلقها وتدبيرها، وتصريف ما فيها، فهو في أمر الآخرة الّتي لم يرها ولم يعاينها، وفيما هو كائنٌ فيها أعمى وأضلّ سبيلاً: يقول: وأضلّ طريقًا منه في أمر الدّنيا الّتي قد عاينها ورآها.
وإنّما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصّواب، لأنّ اللّه تعالى ذكره لم يخصّص في قوله {ومن كان في هذه} الدّنيا {أعمى} عمى الكافر به عن بعض حججه عليه فيها دون بعضٍ، فيوجّه ذلك إلى عمّاه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم، وحمله إيّاهم في البرّ والبحر، وما عدّد في الآية الّتي ذكر فيها نعمه عليهم، بل عمّ بالخبر عن عماه في الدّنيا، فهم كما عمّ تعالى ذكره.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله {فهو في الآخرة أعمى} فكسرت القرأة جميعًا أعني الحرف الأوّل قوله {ومن كان في هذه أعمى}.
وأمّا قوله {فهو في الآخرة أعمى} فإنّ عامّة قرّاء الكوفيّين أمالت أيضًا قوله: {فهو في الآخرة أعمى} وأمّا بعض قرّاء البصرة فإنّه فتحه، وتأوّله بمعنى: فهو في الآخرة أشدّ عمًى. واستشهد لصحّة قراءته بقوله: {وأضلّ سبيلاً}.
وهذه القراءة هي أولى القراءتين في ذلك بالصّواب للشّاهد الّذي ذكرنا عن قارئه كذلك، وإنّما كره من كره قراءته كذلك ظنًّا منه أنّ ذلك مقصودٌ به قصد عمى العينين الّذي لا يوصف أحدٌ بأنّه أعمى من آخر أعمى، إذ كان عمى البصر لا يتفاوت فيكون أحدهما أزيد عمًى من الآخر، إلاّ بإدخال أشدّ أو أبين، فليس الأمر في ذلك كذلك.
وإنّما قلنا: ذلك من عمى القلب الّذي يقع فيه التّفاوت، فإنّما عنى به عمى قلوب الكفّار عن حجج اللّه الّتي قد عاينتها أبصارهم، فلذلك جاز ذلك وحسن.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فهو في الآخرة أعمى} قال: أعمى عن حجّته في الآخرة). [جامع البيان: 15/9-12]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن كان في هذه أعمى يعني في الدنيا). [تفسير مجاهد: 367]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل: أرأيت قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تصب المسألة اقرأ ما قبلها {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر} حتى بلغ {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فمن كان أعمى عن هذا النعيم الذي قد رأى وعاين فهو في أمر الآخرة التي لم تر ولم تعاين {أعمى وأضل سبيلا} ). [الدر المنثور: 9/405]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن كان} في الدنيا {أعمى} عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا {فهو} عما وصفت له في الآخرة ولم يره {أعمى وأضل سبيلا} يقول: أبعد حجة). [الدر المنثور: 9/405-406]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس: من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى). [الدر المنثور: 9/406]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن قتادة في الآية قال: من عمي عما يراه من الشمس والقمر والليل والنهار وما يرى من الآيات ولم يصدق بها فهو عما غاب عنه من آيات الله أعمى وأضل سبيلا). [الدر المنثور: 9/406]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:05 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلا} [الإسراء: 70] الفرات بن سلمان، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه كانوا في سفرٍ، فمرّوا ببركٍ فيها ماءٌ فوضع بعضهم رءوسهم يشربون منها، فقال رسول اللّه: «اغسلوا أيديكم واشربوا فيها».
قال يحيى: سمعت بعضهم يقول: إنّ هذه الآية نزلت عند ذلك.
وقال الحسن: فضّل بنو آدم على البهائم والسّباع والهوامّ.
وقال بعضهم: {ورزقناهم من الطّيّبات} [الإسراء: 70] : يعني جميع رزق بني آدم: الخبز، واللّحم، والعسل، والسّمن، ونحوه من طيّبات الطّعام والشّراب، فجعل رزقهم أطيب من رزق الدّوابّ والطّير والجنّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/150]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولقد كرّمنا بني آدم} أي أكرمنا إلا أنها أشدّ مبالغةً في الكرامة).
[مجاز القرآن: 1/386]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، وقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} أي: شرفناهم وفضّلناهم). [تأويل مشكل القرآن: 494]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا }
تأويله أن اللّه - جل ثناؤه - فضلهم بالتمييز، وبأن سخر لهم ما في السّماوات والأرض وبحملهم في البر والبحر.
{وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا}.
قال: {على كثير} ولم يقل على كلّ من خلقنا، لأن اللّه - جل وعلا - فضل الملائكة، فقال: {ولا الملائكة المقربون}.
ولكن ابن آدم مفضل على سائر الحيوان الذي لا يعقل ولا يميز.
وجاء في التفسير أن فضيلة ابن آدم أنه يمشي قائما وأن الدوابّ والإبل والحمير وما أشبهها تمشي منكبّة، وأن ابن آدم
يتناول الطعام بيديه ويرفعه إلى فيه، وأن سائر الحيوان يتناول ذلك بفيه. وهذا الذي في التفسير هو بعض ما فضل به ابن آدم.
وفضله فيما أعطي من التمييز ورزق من الطيبات وبصّر من الهدى مع ما لا يحصى من النعم عليه كثير جدّا). [معاني القرآن: 3/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}
قال عبد الله بن عباس فضلوا بأنهم يأكلون بأيديهم والبهائم تأكل بأفواهها
وقال غيره فضلوا بالفهم والتمييز وبما سخر لهم). [معاني القرآن: 4/176]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} [الإسراء: 71] قال الحسن: بكتابهم.
ما نسخت عليهم الملائكة من أعمالهم.
وقال قتادة: بإمامهم، بنبيّهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/150]
قال: {فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم} [الإسراء: 71] وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
{ولا يظلمون فتيلا} [الإسراء: 71]، والفتيل: يكون في بطن النّواة). [تفسير القرآن العظيم: 1/151]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم...}

قراءة العوامّ بالنون. و(يدعو) أيضاً لله تبارك وتعالى. ... وسألني هشيم فقال: هل يجوز {يوم يدعوا كلّ أناسٍ} رووه عن الحسن فأخبرته أني لا أعرفه، فقال: قد سألت أهل العربيّة عن ذلك فلم يعرفوه). [معاني القرآن: 2/127]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} أي بالذي اقتدوا به وجعلوه إماماً، ويجوز أن يكون بكتابهم: {ولا يظلمون فتيلاً} وهو المتفتّل الذي في شق بطن النواة). [مجاز القرآن: 1/386]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (مجاهد "يوم يدعو كل أناس" بالياء.
وأبي "يوم يدعى كل" ). [معاني القرآن لقطرب: 828]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم} أي بكتابهم الذي فيه أعمالهم، على قول الحسن.
وقال ابن عباس - في رواية أبي صالح -: برئيسهم.
{ولا يظلمون فتيلًا} والفتيل: ما في شق النواة). [تفسير غريب القرآن: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإمام: أصله ما ائتممت به. قال الله تعالى لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}
أي: يؤتمّ بك، ويقتدى بسنّتك.
ثم يجعل الكتاب إماما يؤتم بما أحصاه. قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} أي: بكتابهم الذي جمعت فيه أعمالهم في الدنيا.
وقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} يعني: كتابا، أو يعني: اللّوح المحفوظ). [تأويل مشكل القرآن: 459] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا}
وتقرأ يوم يدعو - بالياء - {كلّ أناس بإمامهم}، يعنى به يوم القيامة، وهو منصوب على اذكر يوم يدعو كل أناس بإمامهم، ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى يعيدكم الذي فطركم يوم يدعو كل أناس بإمامهم، ومعنى بإمامهم بدينهم الذي ائتموا به، وقيل بكتابهم، والمعنى واحد.
ويدل عليه {فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم}.
أي من كان على حق أعطي كتابه بيمينه.
{ولا يظلمون فتيلا} المعنى ولا يظلمون مقدار فتيل، والفتيل القشرة التي في شق النواة). [معاني القرآن: 3/253-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}
روي عن ابن عباس أي بنبيهم وقال الحسن والضحاك بكتابهم
قال أبو جعفر ويدل على هذا قوله بعد: {فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا} الفتيل الذي يكون في شق النواة والنقير النقرة التي فيها والقطمير الفوقة التي تكون على النواة أي لا يظلمون مقدار هذا الحقير). [معاني القرآن: 4/177-176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بإمامهم} قال ثعلب: اختلف الناس، فقالت طائفة: بكتابهم وقالت طائفة: بنبيهم، وقالت طائفة: بشرعهم). [ياقوتة الصراط: 312]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بإمامهم} أي بكتابهم وقيل: برئيسهم.
(والفتيل) ما في شق النواة. وقيل: ما يحدث بين الأصابع من العرق إذا فتل بعضها إلى بعض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن كان في هذه أعمى} [الإسراء: 72]، يعني: من كان في هذه النّعماء الّتي ذكر اللّه في هذه الآية.
{فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} [الإسراء: 72].
{ولقد كرّمنا بني آدم} [الإسراء: 70] إلى آخر الآية {أعمى} [الإسراء: 72]، يعني: أعمى القلب، فلا تعرف ربّها فتوحّده، فهو عن ما في الآخرة، يعني: فهو عن ما ذكر اللّه من أمر الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا.
وهو تفسير السّدّيّ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: يقول: من كان في هذه الدّنيا أعمى عن ما عاين فيها من نعم اللّه وخلقه وعجائبه، قال يحيى: أي فيعلم أنّ له معادًا.
وهذا تفسير الحسن في أشباه هذا ممّا جعله اللّه تبصرةً للعباد فيعلمون أن البعث حقٌّ.
قال قتادة: فهو فيما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى.
{وأضلّ سبيلا} [الإسراء: 72] طريقًا.
وتفسير الحسن: من كان في هذه الدّنيا أعمى، الكافر عمي عن الهدى، فهو في الآخرة أعمى في الحجّة، أي: ليست له حجّةٌ، كقوله: {قال ربّ لم حشرتني أعمى} [طه: 125] عن حجّتي). [تفسير القرآن العظيم: 1/151]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ومن كان في هذه أعمى...}

يعني: في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم {فهو في الآخرة} في نعم الآخرة {أعمى وأضلّ سبيلاً}.
والعرب إذا قالوا: هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل، وما لا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف. فإذا كان في فعللت مثل زخرفت، أو افعللت مثل احمررت واصفررت لم يقولوا: هو أفعل منك؛ إلا أن يقولوا: هو أشدّ حمرةً منك، وأشدّ زخرفة منك. وإنما جاز في العمى لأنه لم يرد به عمى العين، إنما أراد به - والله أعلم - عمى القلب. فيقال: فلان أعمى من فلان في القلب
و(لا تقل): هو أعمى منه في العين. فذلك أنه لمّا جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منك كما ترك في كثيره. وقد تلقى بعض النحويين يقول: أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نقول: عمي وزرق وعرج وعشي ولا نقول: صفر ولا حمر ولا بيض. وليس ذلك بشيء، إنما ينظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقلّ أو يكثر، فيكون أفعل دليلاً على قلّة الشيء وكثرته؛ ألا ترى أنك قد تقول: فلان أقوم من فلان وأجمل؛ لأنّ قيام ذا وجماله قد يزيد على قيام الآخر وجماله، ولا تقول لأعميين: هذا أعمى من هذا، ولا لمّيتين: هذا أموت من هذا. فإن جاءك منه شيء في شعر فأجزته احتمل النوعان الإجازة: ... حدثني شيخ من أهل البصرة أنه سمع العرب تقول: ما أسود شعره.
وسئل الفراء عن الشيخ فقال: هذا بشّار الناقط.
وقال الشاعر:
أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم = لؤماً وأبيضهم سربال طبّاخ
فمن قال هذا لزمه أن يقول: الله أبيضك والله أسودك وما أسودك. ولعبة للعرب يقولون أبيضي حالا وأسيدي حالا والعرب تقول مسودة مبيضة إذا ولدت السودان والبيضان وأكثر ما يقولون: موضحة إذا ولدت البيضان وقد يقولون مسيدة). [معاني القرآن: 2/128-127]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فهو في الآخرة أعمى} أشدّ عمىً). [مجاز القرآن: 1/386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} أي في هذه الدنيا.
{فهو في الآخرة أعمى} وهذا من عمى القلب، أي هو في الآخرة أشد عمى.
وتأويله أنه إذا عمي في الدنيا، وقد عرّفه - جل وعلا - وجعل له إلى التوبة وصلة، وفسح له في ذلك إلى وقت مماته، فعمي عن رشده ولم يتب ففي الآخرة لا يجد متابا ولا متخلّصا مما هو فيه، فهو في الآخرة أشد عمى {وأضل سبيلا}.
أي وأضل طريقا، لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية فقد حصل على عمله). [معاني القرآن: 3/253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}
قال عكرمة قال رجل لعبد الله بن عباس كيف يكون في الآخرة أعمى فقال له أخطأت التأويل ألا ترى أنه جل وعز عدد النعم ثم قال ومن كان في هذه أعمى أي من عمي عن هذه النعم التي يراها وتدله على قدرة الله فهو فيما لم يره من أمر الآخرة أعمى وكذلك قال قتادة
وقال غيره ومن كان في الدنيا أعمى وقد فسح الله له في العمر ووعده قبول التوبة ودعاه إلى الطاعة فلم يجب وعمى عن ذلك فهو في الآخرة إذا كان لا تقبل منه توبة ولا إنابة أعمى وأضل سبيلا). [معاني القرآن: 4/178-177]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:08 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) }

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن ما جاوز الثلاثة بغير زيادة لم يجز أن يقال فيه: ما أفعله. وذلك لأنك إن بنيته هذا البناء حذفت من الأصل حرفاً. وهذا مما لا يجوز؛ لأن معناه إنما كمل بحروفه؛ إذ كن كلهن أصولا، وإنما يستعمل فيما كان من هذا القبيل ما يدل عليه من فعل غيره وذلك انك إذا قلت: دحرج، واحرنجم، وما أشبه ذلك من الأفعال من غير هذا الجنس قلت: ما أشد دحرجته، وما أشد احرنجامه. لأنك لو أدخلت على هذا الهمزة لخرج من بناء الأفعال، ولا يجوز الحذف لما وصفت لك.
وكذلك ما كان من الألوان والعيوب، نحو: الأعور والأحمر، لا يقال: ما أحمره، ولا ما أعوره. وإنما امتنع هذا لشيئين: أحدهما: أن أصل فعله أن يكون أفعل، وافعال. نحو: احمر واحمار. ودخول الهمزة على هذا محال.
والقول الآخر قول الخليل: وهو أن هذا شيء قد ثبت واستقر، فليس يجوز فيه الزيادة والنقصان. فهو وإن كان مشتقاً من الفعل بمنزلة اليد، والرجل لا تقوله؛ كما لا تقول: ما أيداه، ولا ما أرجله. وإنما أقول: ما أشد يده. فعلى هذا: ما أشد حمرته، وما أشد عوره، وكذلك جميع بابها.
ومثل هذا قوله: هذا أحسن من هذا، وهذا أضرب من ذا، وهذا أشد عوراً من ذا، وأشد حولاً من ذا؛ لأن هذا والتعجب من باب واحد.
فإن قال قائل: فقد جاء في القرآن: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً}.
قيل له: في هذا جوابان، كلاهما مقنع: أحدهما: أن يكون من عمى القلب، وإليه ينسب أكثر الضلال؛ لأنه حقيقته كما قال: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}. فعلى هذا تقول: ما أعماه؛ كما تقول: ما أحمقه.
والوجه الآخر: أن يكون من عمى العين، فيكون {فهو في الآخرة أعمى} لا تريد به أعمى من كذا، ولكنه في الآخرة أعمى، كما كان في الدنيا، وهو في الآخرة أضل سبيلا.
وتقول: يا هند أحسن بزيد، ويا رجلان أحسن بزيد؛ لأنك لست تأمرهم أن يصنعوا شيئاً، وإنما المعنى: ما أحسنه فإذا كان من الألوان، والعيوب قلت يا هند، أشدد بحمرة زيد، ويا رجال، أشدد بحمرة زيد. ومن هذا الباب قول الله عز وجل: {أسمع بهم وأبصر}.
ولا يقال لله عز وجل تعجب. ولكنه خرج على كلام العباد. أي هؤلاء ممن يجب أن يقال لهم: ما أسمعهم، وأبصرهم في ذلك الوقت.
ومثل هذا قوله: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} ولعل إنما هي للترجي. ولا يقال ذلك لله ولكن المعنى والله أعلم، إذهبا أنتما على رجائكما، وقولا القول الذي ترجوان به. ويرجو به المخلوقون تذكر من طالبوه.
وأما قوله: {فما أصبرهم على النار} فليس من هذا. ولكنه والله أعلم التقرير والتوبيخ. وتقديره: أي شيء أصبرهم على النار? . أي دعاهم إليها، واضطرهم إليها؛ كما تقول: صبرت زيداً على القتل. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر الروح). [المقتضب: 4/180-183]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 02:39 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 02:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 02:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}
"كرمنا" تضعيف "كرم"، فالمعنى: جعلنا لهم كرما، أي شرفا وفضلا، وهذا هو كرم نفي النقصان، لا كرم المال، وإنما هو كما تقول: "ثوب كريم"، أي: جمة محاسنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الآية عدد الله تعالى فيها على بني آدم ما خصهم به من بين سائر الحيوان. والجن هو الكثير المفضول، والملائكة هم الخارجون عن الكثير المفضول. حملهم في البر والبحر مما لا يصلح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يحمل بإرادته وقصده وتدبيره في البر والبحر جميعا. والرزق من الطيبات، ولا ينتفع فيه حيوان انتفاع بني آدم؛ لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان، ويلبسون الثياب، ويأكلون المركبات من الأطعمة، غاية كل حيوان أن يأكل لحما نيئا، أو طعاما غير مركب. و"الرزق": كل ما صح الانتفاع به، وحكى الطبري عن جماعة أنهم قالوا: التفضيل هو أن يأكل بيديه; وسائر الحيوان بالفم. وقال غيره: وأن ينظر من إشراف أكثر من كل حيوان، ويمشي قائما، ونحو هذا من التفضيل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله غير محذق، وذلك للحيوان من هذا النوع ما كان يفضل به ابن آدم، كجري الفرس وسمعه وإبصاره، وقوة الفيل وشجاعة الأسد وكرم الديك، وإنما التكريم والتفضيل بالعقل الذي يملك به الحيوان كله، وبه يعرف الله تعالى، ويفهم
[المحرر الوجيز: 5/514]
كلامه ويوصل إلى نعيمه. وقالت فرقة: هذه الآية تقضي بفضل الملائكة على الإنس من حيث هم المستثنون، وقد قال تبارك وتعالى: {ولا الملائكة المقربون}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا غير لازم من الآية، بل التفضيل بين الإنس والجن لم تعن له الآية، بل يحتمل أن الملائكة أفضل، ويحتمل التساوي، وإنما صح تفضيل الملائكة من مواضع أخرى من الشرع). [المحرر الوجيز: 5/515]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} الآية. يحتمل قوله: "يوم" أن يكون منصوبا على الظرف، والعامل فيه فعل مضمر تقديره: اذكر، أو فعل يدل عليه قوله: {ولا يظلمون}، تقديره: ولا يظلمون يوم ندعو، ثم فسره "يظلمون" الآخر، ويجوز أن يعمل فيه "وفضلناهم"، وذلك أن فضل البشر على سائر الحيوان يوم القيامة بين; لأنهم المنعمون المكلمون المحاسبون الذين لهم القدر، إلا أن هذا يرده أن الكفار يومئذ أخسر من كل حيوان; إذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا، ولا يعمل فيه "ندعوا" لأنه مضاف إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يكون "يوم" منصوبا على البناء لما أضيف إلى غير متمكن، ويكون موضعه رفعا بالابتداء، والخبر في التقسيم الذي أتى بعد في قوله: {فمن أوتي} إلى قوله: {ومن كان}.
[المحرر الوجيز: 5/515]
وقرأ الجمهور: "ندعو" بنون العظمة، وقرأ مجاهد: "يدعو" بالياء، على معنى: يدعو الله، ورويت عن عاصم، وقرأ الحسن: "يدعو" بضم الياء وسكون الواو، وأصلها: يدعى، ولكنها لغة لبعض العرب، يقلبون هذه الألف واوا فيقولون: أفعو، وحبلو.
ذكر هاتين أبو الفتح وأبو علي في ترجمة أعمى بعد. وقرأ الحسن: "كل" بالرفع، على معنى: يدعو كل. وذكر أبو عمرو الداني عن الحسن أنه قرأ: "يدعى كل" و"الأناس" اسم جمع لا واحد له من لفظه.
وقوله: "بإمامهم" يحتمل أن يريد: باسم إمامهم، ويحتمل أن يريد: مع إمامهم، فعلى التأويل الأول يقال: يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-، ويا أتباع فرعون، ونحو هذا، وعلى التأويل الثاني تجيء كل أمة معها إمامها من هاد أو مضل، واختلف المفسرون في الإمام فقال مجاهد، وقتادة: نبيهم، وقال أبو زيد: كتابهم الذي نزل عليهم، وقال ابن عباس، والحسن: كتابهم الذي فيه أعمالهم، وقالت فرقة: متبعهم من هاد ومضل. ولفظة "الإمام" تعم هذا كله; لأن الإمام هو ما يؤتم به ويهتدى به في القصد، ومنه قيل لخيط البناء: إمام، قال الشاعر يصف قدحا:
وقومته حتى إذا تم واستوى ... كمخة ساق أو كمتن إمام
[المحرر الوجيز: 5/516]
ومنه قيل للطريق: إمام; لأنه يؤتم به في المقاصد حتى ينتهي إلى المراد.
وقوله تعالى: {فمن أوتي كتابه بيمينه} حقيقة في أن في يوم القيامة صحائف تتطاير وتوضع في الأيمان لأهل الإيمان، وفي الشمائل لأهل الكفر، وتوضع في أيمان المذنبين الذين ينفذهم الوعيد، فسيستفيدون منها أنهم غير مخلدين في النار. وقوله تبارك وتعالى: {يقرءون كتابهم}، عبارة عن السرور بها، أي: يرددنها ويتناقلونها، وقوله: {ولا يظلمون فتيلا}، أي: ولا أقل ولا أكثر، فهذا هو مفهوم الخطاب، حكم المسكوت عنه كحكم المذكور، كقوله تعالى: {فلا تقل لهما أف}، وكقوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}، وهذا كثير. ومعنى الآية أنهم لا يبخسون من جزاء أعمالهم الصالحة شيئا، و"الفتيل" هو الخيط الذي في شق نواة التمر، يضرب به المثل في القلة وتفاهة القدر). [المحرر الوجيز: 5/517]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى} الآية. قال محمد بن أبي موسى: الإشارة بـ "هذه" إشارة إلى النعم التي ذكرها سبحانه وتعالى في قوله: {ولقد كرمنا بني آدم}، أي: من عمي عن شكر هذه النعم والإيمان بمسديها فهو في أمور الآخرة وشأنها أعمى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل "أعمى" الثاني أن يكون بمنزلة الأول، على أنه تشبيه بأعمى البصر، ويحتمل أن يكون صفة تفضيل، أي أشد عمى، و"العمى" في هذه الآية هو عمى القلب في الأول والثاني، وقال ابن عباس، ومجاهد، قتادة، وابن زيد: الإشارة بـ "هذه" إلى الدنيا، أي: من كان في هذه الدار أعمى عن النظر في آيات الله تبارك وتعالى وعبره والإيمان بآياته فهو في الآخرة أعمى، إما أن يكون على حذف مضاف، أي: في شأن الآخرة، وإما أن يكون: فهو في يوم القيامة أعمى، على معنى أنه حيران، لا يتوجه إليه صواب، ولا يلوح له نجح. قال مجاهد: في الآخرة أعمى عن حجته.
[المحرر الوجيز: 5/517]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والظاهر عندي أن الإشارة بـ "هذه" إلى الدنيا، أي: من كان في دنياه هذه ووقت إدراكه وفهمه أعمى عن النظر في آيات الله تعالى، فهو في الآخرة أشد حيرة وأعمى; لأنه قد باشر الخيبة، ورأى مخايل العذاب. وبهذا التأويل تكون معادلة للتي قبلها، من ذكر من يؤتى كتابه بيمينه، وإذا جعلنا قوله تعالى: {في الآخرة} بمعنى: "في شأن الآخرة" لم تطرد المعادلة بين الاثنين.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "أعمى" في الموضعين بغير إمالة، وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم -بخلاف عنه- في الموضعين بإمالة، وقرأ أبو عمرو بإمالة الأول وفتح الثاني، وتأوله بمعنى: "أشد عمى"، ولذلك لم يمله. قال أبو عمرو: لأن الإمالة إنما تحسن في الأواخر، و"أعمى" ليس كذلك; لأن تقديره: أعمى من كذا، فليس يتم إلا في قولنا: "من كذا" على ما هو شبيه به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما جعله في الآخرة أضل سبيلا، لأن الكافر في الدنيا ممكن أن يؤمن فينجو، وهو في الآخرة لا يمكنه ذلك، فهو أضل سبيلا، وأشد حيرة، وأقرب إلى العذاب. وقول سيبويه: "لا يقال أعمى من كذا، كما يقال: ما أيداه" إنما هو في عمى العين الذي لا تفاضل فيه، وأما في عمى القلب فيقال ذلك لأنه يقع فيه التفاضل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذكر مكي في هذه الآية، أن العمى الأول هو عمى العين عن الهدى. وهذا بين الاختلال، والله المعين). [المحرر الوجيز: 5/518]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلا (70)}.
يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم، وتكريمه إيّاهم، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كما قال: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ} [التّين: 4] أي: يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه -وغيره من الحيوانات يمشي على أربعٍ ويأكل بفمه -وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به، ويفرّق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّنيويّة والدّينيّة.
{وحملناهم في البرّ} أي: على الدّوابّ من الأنعام والخيل والبغال، وفي "البحر" أيضًا على السّفن الكبار والصّغار.
{ورزقناهم من الطّيّبات} أي: من زروعٍ وثمارٍ، ولحومٍ وألبانٍ، من سائر أنواع الطّعوم والألوان، المشتهاة اللّذيذة، والمناظر الحسنة، والملابس الرّفيعة من سائر الأنواع، على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها، ممّا يصنعونه لأنفسهم، ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنّواحي.
{وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلا} أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات.
وقد استدل بهذه الآية على أفضليّة جنس البشر على جنس الملائكة، قال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: قالت الملائكة: يا ربّنا، إنّك أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون منها ويتنعّمون، ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة. فقال اللّه: "وعزّتي وجلالي لا أجعل صالح ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان".
وهذا الحديث مرسلٌ من هذا الوجه، وقد روي من وجهٍ آخر متّصلًا.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي، حدثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن خالدٍ المصّيصيّ، حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، حدّثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّفٍ، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسارٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الملائكة قالت: يا ربّنا، أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون فيها ويشربون ويلبسون، ونحن نسبّح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدّنيا فاجعل لنا الآخرة. قال: لا أجعل صالح ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن، فكان".
وقد روى ابن عساكر من طريق محمّد بن أيّوب الرّازيّ، حدّثنا الحسن بن عليّ بن خلفٍ الصّيدلانيّ، حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن، حدّثني عثمان بن حصن بن عبيدة بن علاق، سمعت عروة بن رويم اللّخميّ، حدّثني أنس بن مالكٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الملائكة قالوا: ربّنا، خلقتنا وخلقت بني آدم، فجعلتهم يأكلون الطّعام، ويشربون الشّراب، ويلبسون الثّياب، ويتزوّجون النّساء، ويركبون الدّوابّ، ينامون ويستريحون، ولم تجعل لنا من ذلك شيئًا، فاجعل لهم الدّنيا ولنا الآخرة. فقال اللّه عزّ وجلّ: لا أجعل من خلقته بيدي، ونفخت فيه من روحي، كمن قلت له: كن، فكان".
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا عبدان بن أحمد، حدّثنا عمر بن سهلٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن تمّامٍ، عن خالدٍ الحذاء، عن بشر بن شغاف عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما شيءٌ أكرم على اللّه يوم القيامة من ابن آدم". قيل: يا رسول اللّه ولا الملائكة؟ قال: "ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشّمس والقمر". وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 97-98]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا (72)}.
يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة: أنّه يحاسب كلّ أمّةٍ بإمامهم.
وقد اختلفوا في ذلك، فقال مجاهدٌ وقتادة: أي بنبيّهم. وهذا كقوله: {ولكلّ أمّةٍ رسولٌ فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} [يونس: 47].
وقال بعض السّلف: هذا أكبر شرفٍ لأصحاب الحديث؛ لأنّ إمامهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن زيدٍ: بكتابهم الّذي أنزل على نبيّهم، من التّشريع.
واختاره ابن جريرٍ، وروي عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أنّه قال: بكتبهم. فيحتمل أن يكون أراد هذا، وأن يكون أراد ما رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} أي: بكتاب أعمالهم، وكذا قال أبو العالية، والحسن، والضّحّاك. وهذا القول هو الأرجح؛ لقوله تعالى: {وكلّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبينٍ} [يس: 12]. وقال تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربّك أحدًا} [الكهف: 49].
وقال تعالى: {وترى كلّ أمّةٍ جاثيةً كلّ أمّةٍ تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون} [الجاثية: 28، 29].
وهذا لا ينافي أن يجاء بالنّبيّ إذا حكم اللّه بين أمّته، فإنّه لا بدّ أن يكون شاهدًا عليها بأعمالها، كما قال: {وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنّبيّين والشّهداء} [الزّمر: 69]، وقال {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النّساء: 41]..
ولكنّ المراد هاهنا بالإمام هو كتاب الأعمال؛ ولهذا قال تعالى: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم} أي: من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصّالح، يقرؤه ويحبّ قراءته، كما قال تعالى: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه} إلى أن قال: {وأمّا من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه} [الحاقّة: 19 -26]..
وقوله: {ولا يظلمون فتيلا} قد تقدّم أنّ "الفتيل" هو الخيط المستطيل في شقّ النّواة.
وقد روى الحافظ أبو بكرٍ البزّار حديثًا في هذا فقال: حدّثنا محمّد بن يعمر ومحمّد بن عثمان بن كرامة قالا حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قول الله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: "يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه، ويبيّض وجهه، ويجعل على رأسه تاجٌ من لؤلؤة تتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيدٍ، فيقولون: اللّهمّ ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا. فيأتيهم فيقول لهم: أبشروا، فإنّ لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا. وأمّا الكافر فيسود وجهه، ويمدّ له في جسمه، ويراه أصحابه فيقولون: نعوذ باللّه من هذا -أو: من شرّ هذا -اللّهمّ لا تأتنا به. فيأتيهم فيقولون: اللّهمّ أخزه فيقول: أبعدكم اللّه، فإنّ لكل رجل منكم مثل هذا".
ثمّ قال البزّار: لا يروى إلّا من هذا الوجه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 98-100]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وابن زيدٍ: {ومن كان في هذه} أي: في الحياة الدّنيا {أعمى} عن حجج اللّه وآياته وبيّناته {فهو في الآخرة أعمى} أي: كذلك يكون {وأضلّ سبيلا} أي: وأضلّ منه كما كان في الدّنيا، عياذًا باللّه من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 100]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة