العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:00 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (9) إلى الآية (14) ]

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:49 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {مردفين} قال متتابعين). [تفسير عبد الرزاق: 1/255]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {بألفٍ من الملائكة مردفين} قال: متتابعين [الآية: 9]). [تفسير الثوري: 116]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هشيمٌ، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: ... (مردفين) : " فوجًا بعد فوجٍ، ردفني وأردفني: جاء بعدي "). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مردفين فوجًا بعد فوجٍ يقال ردفني وأردفني جاء بعدي وقال أبو عبيدة في قوله مردفين بكسر الدّال فاعلين من أردفوا أي جاؤوا بعد قومٍ قبلهم وبعضهم يقول ردفني جاء بعدي وهما لغتان ومن قرأ بفتح الدّال فهو من أردفهم اللّه من بعد من قبلهم انتهى وقراءة الجمهور بكسر الدّال ونافعٍ بفتحها وقال الأخفش بنو فلانٍ يردفوننا أي يجيئون بعدنا). [فتح الباري: 8/307]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مردفين فوجاً بعد فوجٍ ردفني وأردفني جاء بعدي
أشار به إلى قوله تعالى: {إنّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين} (الأنفال: 9) وفسّر مردفين بقوله: فوجاً بعد فوج، وعن ابن عبّاس: مردفين متتابعين، وعنه: المردفون المدد، وعنه: وراء كل ملك ملك، وعنه: بعضهم على إثر بعض، وكذا قال الضّحّاك وقتادة، وقال ابن جرير: حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن محمّد الزّهريّ حدثني عبد العزيز بن عمران عن الزمعي عن أبي الحويرث عن محمّد ابن جبير عن عليّ رضي الله عنه، قال: نزل جبريل عليه السّلام، وفي ألف من الملائكة عن ميمنة النّبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه، ونزل ميكائيل عليه السّلام، في ألف من الملائكة عن ميسرة النّبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في الميسرة، وقال ابن كثير: وهذا يقتضي، لو صحّ إسناده، أن الألف مردوفه بمثلها، ولهذا قرأ بعضهم مردفين، بفتح الدّال. قوله: (ردفني وأردفني) ، أشار بهذا إلى أن ردف بكسر الدّال وأردف بمعنى واحد، قال الطّبريّ: العرب تقول: أردفته وردفته بمعنى، وقال الجوهري: ردفه بالكسر أي تبعه، والردف المرتدف وهو الّذي يركب خلف الرّاكب، وأردفته أنا إذا أركبته معك، وذلك الموضع الّذي يركبه رداف، فكل شيء تبع شيئا فهو ردفه، والترادف التّتابع). [عمدة القاري: 18/245]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({مردفين}) بكسر الدال أي متبعين من أردفته إذا اتبعته أو جئت بعده (فوجًا بعد فوج). يقال: (ردفني) بكسر الدال (وأردفني) أي (جاء بعدي) وعن ابن عباس وراء كل ملك ملك وعنه مما روي من طريق علي بن أبي طلحة قال: وأمدّ الله تعالى نبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم- والمؤمنين بألف من الملائكة وكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة). [إرشاد الساري: 7/133]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عمر بن يونس اليماميّ، قال: حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ، قال: حدّثنا أبو زميلٍ، قال: حدّثنا عبد الله بن عبّاسٍ، قال: حدّثنا عمر بن الخطّاب، قال: نظر نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألفٌ وأصحابه ثلاث مائةٍ وبضعة عشر رجلاً، فاستقبل نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وجعل يهتف بربّه: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربّه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة حتّى سقط رداؤه من منكبيه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثمّ التزمه من ورائه، فقال: يا نبيّ الله كفاك مناشدتك ربّك، إنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} فأمدّهم اللّه بالملائكة.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، لا نعرفه من حديث عمر إلاّ من حديث عكرمة بن عمّارٍ عن أبي زميلٍ.
وأبو زميلٍ: اسمه سماكٌ الحنفيّ، وإنّما كان هذا يوم بدرٍ). [سنن الترمذي: 5/120-121]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ مّن الملائكة مردفين}.
يقول تعالى ذكره: ويبطل الباطل حين تستغيثون ربّكم، فـ إذ من صلة يبطل.
ومعنى قوله: {تستغيثون ربّكم} تستجيرون به من عدوّكم، وتدعونه للنّصر عليهم. {فاستجاب لكم} يقول: فأجاب دعاءكم بأنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة يردف بعضهم بعضًا ويتلو بعضهم بعضًا.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل وجاءت الرّواية عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر الأخبار بذلك:
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، عن عكرمة بن عمّارٍ، قال: حدّثني سماكٌ الحنفيّ قال: سمعت ابن عبّاسٍ، يقول: حدّثني عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال: لمّا كان يوم بدرٍ ونظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين وعدّتهم، ونظر إلى أصحابه نيّفًا على ثلاثمائةٍ، فاستقبل القبلة، فجعل يدعو ويقول: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تعبد في الأرض، فلم يزل كذلك حتّى سقط رداؤه، وأخذه أبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه، فوضع رداءه عليه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: كفاك يا نبيّ اللّه بأبي وأمّي مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا اصطفّ القوم قال أبو جهلٍ: اللّهمّ أولانا بالحقّ فانصره، ورفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده، فقال: يا ربّ إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: قام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: اللّهمّ ربّنا أنزلت عليّ الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني بالنّصر، ولا تخلف الميعاد فأتاه جبريل عليه السّلام، فأنزل اللّه: {ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين}.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن ابن إسحاق، عن زيد بن يثيعٍ، قال: كان أبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في العريش، فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو يقول: اللّهمّ انصر هذه العصابة، فإنّك إن لم تفعل لن تعبد في الأرض قال: فقال أبو بكرٍ: بعض مناشدتك منجزك ما وعدك.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو اللّه ويستغيثه ويستنصره، فأنزل اللّه عليه الملائكة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إذ تستغيثون ربّكم} قال: دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إذ تستغيثون ربّكم} أي: بدعائكم حين نظروا إلى كثرة عدوّهم وقلّة عددهم، فاستجاب لكم بدعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعائكم معه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن أبي صالحٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، جعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يناشد ربّه أشدّ النّشدة، يدعو فأتاه عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه فقال: يا رسول اللّه بعض نشدتك، فواللّه ليفينّ اللّه لك بما وعدك.
وأمّا قوله: {أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} فقد بيّنا معناه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} يقول: المزيد، كما تقول: ائت الرّجل فزده كذا وكذا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أحمد بن بشيرٍ، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {مردفين} قال: متتابعين.
- قال: حدّثني أبي، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} قال: وراء كلّ ملكٍ ملكٌ.
- حدّثني ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي كدينة يحيى بن المهلّب، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {مردفين} قال: متتابعين.
- قال: حدّثنا هانئ بن سعيدٍ، عن حجّاج بن أرطأة، عن قابوس، قال: سمعت أبا ظبيان، يقول: {مردفين} قال: الملائكة بعضهم على إثر بعضٍ.
- قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: {مردفين} قال: بعضهم على إثر بعضٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {مردفين} قال: ممدّين.
قال ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثير قال: {مردفين} الإرداف: الإمداد بهم.
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {بألفٍ من الملائكة مردفين} أي: متتابعين.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ،.........
- قال: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {بألفٍ من الملائكة مردفين} يتبع بعضهم بعضًا.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {مردفين} قال: المردفين: بعضهم على إثر بعضٍ، يتبع بعضهم بعضًا.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بألفٍ من الملائكة مردفين} يقول: متتابعين يوم بدرٍ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة (مردفين) بنصب الدّال.
وقرأه بعض المكّيّين وعامّة قرّاء الكوفيّين والبصريّين: {مردفين} وكان أبو عمرٍو يقرؤه كذلك، ويقول فيما ذكر عنه: هو من أردف بعضهم بعضًا. وأنكر هذا القول من قول أبي عمرٍو بعض أهل العلم بكلام العرب، وقال: إنّما الإرداف: أن يحمل الرّجل صاحبه خلفه قال: ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدرٍ.
واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى ذلك إذا قرئ بفتح الدّال أو بكسرها.
فقال بعض البصريّين والكوفيّين: معنى ذلك إذا قرئ بالكسر أنّ الملائكة جاءت يتبع بعضهم بعضًا على لغة من قال: أردفته، وقالوا: العرب تقول: أردفته وردفته، بمعنى: تبعته وأتبعته، واستشهد لصحّة قولهم ذلك بما قال الشّاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثّريّا = ظننت بآل فاطمة الظّنونا
قالوا: فقال الشّاعر: أردفت، وإنّما أراد ردفت جاءت بعدها؛ لأنّ الجوزاء تجئ بعد الثّريّا. وقالوا معناه إذا قرئ {مردفين} أنّه مفعولٌ بهم، كأنّ معناه: بألفٍ من الملائكة يردف اللّه بعضهم بعضًا.
وقال آخرون: معنى ذلك إذا كسرت الدّال: أردفت الملائكة بعضها بعضًا، وإذا قرئ بفتحها: أردف اللّه المسلمين بهم.
والصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ: {بألفٍ من الملائكة مردفين} بكسر الدّال؛ لإجماع أهل التّأويل على ما ذكرت من تأويلهم أنّ معناه: يتبع بعضهم بعضًا ومتتابعين. ففي إجماعهم على ذلك من التّأويل الدّليل الواضح على أنّ الصّحيح من القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدّال، بمعنى: أردف بعض الملائكة بعضًا، ومسموعٌ من العرب: جئت مردفًا لفلانٍ: أي: جئت بعده.
وأمّا قول من قال: معنى ذلك إذا قرئ (مردفين) بفتح الدّال: أنّ اللّه أردف المسلمين بهم، فقولٌ لا معنى له إذ الذّكر الّذي في مردفين من الملائكة دون المؤمنين.
وإنّما معنى الكلام: أن يمدّكم بألفٍ من الملائكة يردف بعضهم ببعضٍ، ثمّ حذف ذكر الفاعل، وأخرج الخبر غير مسمًّى فاعله، فقيل: {مردفين} بمعنى: مردفٌ بعض الملائكة ببعضٍ، ولو كان الأمر على ما قاله من ذكرنا قوله وجب أن يكون في المردفين ذكر المسلمين لا ذكر الملائكة، وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر القرآن.
وقد ذكر في ذلك قراءةٌ أخرى وهي ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: قال عبد اللّه بن يزيد: مردفين، ومردفين ومردّفين مثقّلٌ على معنى: مرتدفين.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، قال: حدّثني عبد العزيز بن عمران عن الرّبعيّ، عن أبي الحويرث، عن محمّد بن جبيرٍ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه قال: نزل جبريل في ألفٍ من الملائكة عن ميمنة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفيها أبو بكرٍ رضي اللّه عنه، ونزل ميكائيل عليه السّلام في ألفٍ من الملائكة عن ميسرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنا فيها). [جامع البيان: 11/50-58]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين (9)
قوله تعالى: إذ تستغيثون ربّكم
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ ثنا عمر بن يونس بن القاسم، ثنا عكرمة بن عمّارٍ حدّثنا أبو زميلٍ ثنا عبد اللّه بن عبّاسٍ ثنا عمر بن الخطّاب قال: لمّا كان يوم بدرٍ نظر نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين وهو وأصحابه ثلاثمائةٍ وتسعة عشر رجلاً قال: فاستقبل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- القبلة، ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني اللّه، أين ما وعدتني؟ اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض أبدًا، فما زال يهتف بربّه مادًّا يديه مستقبل القبلة حتّى سقط رداؤه عن مكبيه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثمّ التزمه من ورائه فقال: يا نبيّ اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه تعالى إذ تستغيثون ربكم
- حدّثنا أبي حدّثنا الحسن بن الرّبيع حدّثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق إذ تستغيثون ربّكم أي دعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمين معه.
قوله تعالى: فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ ثنا عمر بن يونس ثنا عكرمة بن عمّارٍ ثنا أبو زميلٍ ثنا عبد اللّه بن عبّاسٍ ثنا عمر بن الخطّاب قال: لمّا كان يوم بدرٍ نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين، وهو وأصحابه ثلاثمائةٍ وتسعة عشر رجلاً فاستقبل القبلة، ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه فأنزل اللّه تعالى إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين فأمدّه اللّه بالملائكة.
قوله تعالى: مردفين
- حدّثنا أبي حدّثنا مقاتل بن محمّدٍ حدّثنا وكيعٌ عن سفيان عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عبّاسٍ في قوله: مردفين قال: متتابعين، وروي عن قتادة وأبي مالكٍ ومحمّد بن كعبٍ والسّدّيّ والضّحّاك وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم:
نحو ذلك.
- حدّثنا أبي حدّثنا هلال بن عبد الملك بن سهيد العيشيّ حدّثنا أبو هلالٍ الرّاسبيّ عن داود بن أبي هند عن الشّعبيّ قال: كان ألفٌ مردفين وثلاثة آلافٍ منزلين، فكانوا أربعة آلافٍ، وهم مدد المسلمين في ثغورهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1662-1663]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مردفين يعني ممدين). [تفسير مجاهد: 258]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما جعله اللّه إلاّ بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم}.
يقول تعالى ذكره: لم يجعل اللّه إرداف الملائكة بعضها بعضًا وتتابعها بالمصير إليكم أيّها المؤمنون مددًا لكم إلاّ بشرى لكم: أي: بشارةً لكم تبشّركم بنصر اللّه إيّاكم على أعدائكم. {ولتطمئنّ به قلوبكم} يقول: ولتسكن قلوبكم بمجيئها إليكم، وتوقن بنصرة اللّه لكم، يقول: وما تنصرون على عدوّكم أيّها المؤمنون إلاّ أن ينصركم اللّه عليهم، لا بشدّة بأسكم وقواكم، بل بنصر اللّه لكم؛ لأنّ ذلك بيده وإليه، ينصر من يشاء من خلقه. يقول: إنّ اللّه الّذي ينصركم وبيده نصر من يشاء من خلقه، عزيزٌ لا يقهره شيءٌ، ولا يغلبه غالبٌ، بل يقهر كلّ شيءٍ ويغلبه؛ لأنّه خلقه، {حكيمٌ} يقول: حكيمٌ في تدبيره ونصره من نصر، وخذلانه من خذل من خلقه، لا يدخل تدبيره وهنٌ ولا خللٌ.
وروي عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ في ذلك ما::
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني ابن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: ما مدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا ذكر اللّه غير ألفٍ من الملائكة مردفين، وذكر الثّلاثة والخمسة بشرى، ما مدّوا بأكثر من هذه الألف الّذي ذكر اللّه عزّ وجلّ في الأنفال. وأمّا الثّلاثة والخمسة، فكانت بشرى.
وقد أتينا على ذلك في سورة آل عمران بما فيه الكفاية). [جامع البيان: 11/58-59]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما جعله اللّه إلّا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلّا من عند اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (10)
قوله تعالى: وما جعله اللّه إلا بشرى
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وما جعله اللّه إلا بشرى قال: إنّما جعلهم اللّه ليستبشروا بهم.
قوله تعالى: ولتطمئنّ به قلوبكم
- وبه عن مجاهدٍ ولتطمئنّ به قلوبكم تطمئنّوا إليه.
قوله تعالى: وما النّصر إلا من عند اللّه
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: وما النّصر إلا من عند اللّه إلا من عندي، إلا بسلطاني وقدرتي، وذلك أنّ العزّ والحكم إليّ لا إلى أحدٍ من خلقي.
قوله تعالى: إنّ اللّه عزيزٌ
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ عن ابن العالية أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ يقول: عزيزٌ في نقمته إذا انتقم. وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق: عزيزٌ حكيمٌ العزيز في نصرته ممّن كفر به إذا شاء.
قوله تعالى: حكيمٌ
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم حدّثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ يقول: حكيمٌ في أمره.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق عزيزٌ حكيمٌ قال: الحكيم في عذره وحجّته إلى عباده). [تفسير القرآن العظيم: 5/1663-1664]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 10.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو عوانة، وابن حبان وأبو الشيخ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر النّبيّ إلى أصحابه وهم ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلا ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم مد يده وجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}، فلما كان يومئذ والتقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلا واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا رضي الله عنهم فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب قلت: ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه حتى يعلم الله تعالى أنه ليس في قلوبنا مودة للمشركين هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر رضي الله عنه: فغدوت إلى النّبيّ وأبو بكر رضي الله عنه وهما يبكيان، فقلت: يا يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الذي عرض على أصحابك من أخذ الفداء قد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة الشجرة قريبة وأنزل الله تعالى (ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) (الأنفال الآية 67) إلى قوله (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم) من الفداء ثم أحل لهم الغنائم فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه، فأنزل الله تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) (آل عمران الآية 165) بأخذكم الفداء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالصوت فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم وشق وجهه كضربة السوط فأحضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت ذاك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
وأخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: نزل جبريل عليه السلام في ألف
من الملائكة عن ميمنة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا في الميسرة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة رضي الله عنه أن رسول الله قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب.
وأخرج سنيد، وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: ما أمد النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله تعالى في الأنفال وما ذكر الثلاثة آلاف أو الخمسة آلاف إلا بشرى ثم أمدوا بالألف ما أمدوا بأكثر منه
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه وكان من أهل بدر قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة.
وأخرج أبو الشيخ عن عطية بن قيس رضي الله عنه قال: وقف جبريل عليه السلام على فرس أخضر أنثى قد علاه الغبار وبيد جبريل عليه السلام رمح وعليه درع فقال: يا محمد إن الله بعثني إليك فأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى فهل رضيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {مردفين} يقال: المدد.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {مردفين} يقال: المدد.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مردفين} قال: وراء كل ملك ملك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه قال: كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين فكانوا أربعة آلاف وهم مدد المسلمين في ثغورهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {مردفين} قال: ممدين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {مردفين} قال: متتابعين أمدهم الله تعالى بألف ثم بثلاثة ثم أكملهم خمسة آلاف
{وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم} قال: يعني نزول الملائكة عليهم السلام قال: وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال: أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة عليهم السلام كانوا معنا وأما بعد ذلك فالله أعلم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه {مردفين} قال: بعضهم على أثر بعض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وما جعله الله إلا بشرى} قال: إنما جعلهم الله يستبشر بهم). [الدر المنثور: 7/50-56]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى {ليطهركم به} قال كانت بينهم وبين القوم رملة يوم بدر وكانت أصابتهم جنابة وليس عندهم ماء فألقى الشيطان في قلوبهم من ذلك شيئا فأنزل الله عليهم من السماء ماء فطهرهم به وأذهب عنهم ما ألقى الشيطان وثبت به أقدامهم حين أصابهم الرملة الغيث فكان أشد لها فذلك قوله تعالى {ماء ليطهركم به} {ويثبت به الأقدام}). [تفسير عبد الرزاق: 1/255]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري في قوله تعالى {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} عن عاصم عن أبي رزين قال: قال عبد الله بن مسعود النعاس في الصلاة من الشيطان والنعاس في القتال أمنة من الله تعالى). [تفسير عبد الرزاق: 1/256]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {ويذهب عنكم رجز الشيطان} قال: الوسوسة [الآية: 11]). [تفسير الثوري: 116]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً}
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا خالدٌ، حدّثنا حميدٌ، قال أنسٌ: قال أبو طلحة: «كنت ممّن ألقي عليه النّعاس يوم أحدٍ حتّى سقط السّيف من يدي ثلاثًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/53]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه} [الأنفال: 11]
- أخبرنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، عن أبي طلحة، قال: «رفعت رأسي يوم أحدٍ فجعلت لا أرى أحدًا من القوم إلّا تحت حجفته يميل من النّعاس»
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن حميدٍ، عن أنسٍ، عن أبي طلحة، قال: «كنت ممّن أنزل عليه النّعاس أمنةً يوم أحدٍ حتّى سقط سيفي من يدي مرارًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/105]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام (11) إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا}.
يقول تعالى ذكره: ولتطمئنّ به قلوبكم إذ يغشّيكم النّعاس. ويعني بقوله: {يغشّيكم النّعاس} يلقي عليكم النّعاس، {أمنةً} يقول: أمانًا من اللّه لكم من عدوّكم أن يغلبكم، وكذلك النّعاس في الحرب أمنةً من اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن أبي رزينٍ، عن عبد اللّه، قال: النّعاس في القتال أمنةً من اللّه عزّ وجلّ، وفي الصّلاة من الشّيطان.
- حدّثني الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، في قوله: يغشاكم النّعاس أمنةً منه، عن عاصمٍ، عن أبي رزينٍ، عن عبد اللّه، بنحوه قال: قال عبد اللّه: فذكر مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن أبي رزينٍ، عن عبد اللّه بنحوه. والأمنة: مصدرٌ من قول القائل: أمنت من كذا أمنةً وأمانًا وأمنًا، وكلّ ذلك بمعنى واحدٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أمنةً منه} أمانًا من اللّه عزّ وجلّ.
- قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أمنةً} قال: أمنًا من اللّه.
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه} قال: أنزل اللّه عزّ وجلّ النّعاس أمنةً من الخوف الّذي أصابهم يوم أحدٍ. فقرأ: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (إذ يغشاكم النّعاس أمنةً منه) فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة (يغشيكم النّعاس) بضمّ الياء وتخفيف الشّين ونصب النّعاس، من أغشاهم اللّه النّعاس، فهو يغشيهم.
وقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين: {يغشّيكم} بضمّ الياء وتشديد الشّين من غشّاهم اللّه النّعاس، فهو يغشّيهم.
وقرأ ذلك بعض المكّيّين والبصريّين: (يغشاكم النّعاس) بفتح الياء ورفع (النّعاس)، بمعنى غشيهم النّعاس، فهو يغشاهم، واستشهد هؤلاء لصحّة قراءتهم كذلك بقوله في آل عمران: {يغشى طائفةً}.
وأولى ذلك بالصّواب: {إذ يغشّيكم} على ما ذكرت من قراءة الكوفيّين؛ لإجماع جميع القرّاء على قراءة قوله: {وينزّل عليكم من السّماء ماءً} بتوجيه ذلك إلى أنّه من فعل اللّه عزّ وجلّ، فكذلك الواجب أن يكون كذلك: {يغشّيكم} إذ كان قوله: {وينزّل} عطفًا على يغشّي، ليكون الكلام متّسقًا على نحو واحدٍ.
وأمّا قوله: {وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به} فإنّ ذلك مطرٌ أنزله اللّه من السّماء يوم بدرٍ، ليطهّر به المؤمنين لصلاتهم؛ لأنّهم كانوا أصبحوا يومئذٍ مجنبين على غير ماءٍ، فلمّا أنزل اللّه عليهم الماء اغتسلوا وتطهّروا. وكان الشّيطان وسوس لهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماءٍ، فأذهب اللّه ذلك من قلوبهم بالمطر فذلك ربطه على قلوبهم وتقويته أسبابهم وتثبيته بذلك المطر أقدامهم؛ لأنّهم كانوا التقوا مع عدوّهم على رملةٍ هشّاء فلبّدها المطر حتّى صارت الأقدام عليها ثابتةً لا تسوخ فيها، توطئةً من اللّه عزّ وجلّ لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام وأوليائه أسباب التّمكّن من عدوّهم والظّفر بهم.
وبمثل الّذي قلنا تتابعت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغيره من أهل العلم.
ذكر الأخبار الواردة بذلك:
- حدّثنا هارون بن إسحاق، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه قال: أصابنا من اللّيل طشٌّ من المطر يعني اللّيلة الّتي كانت في صبيحتها وقعة بدرٍ فانطلقنا تحت الشّجر والحجف، نستظلّ تحتها من المطر، وبات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو ربّه: اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فلمّا أن طلع الفجر نادى: الصّلاة عباد اللّه، فجاء النّاس من تحت الشّجر والحجف، فصلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحرّض على القتال.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، وأبو خالدٍ، عن داود، عن سعيد بن المسيّب: {ماءً ليطهّركم به} قال: طشّ يوم بدرٍ.
- حدّثني الحسن بن يزيد قال: حدّثنا حفصٌ، عن داود، عن سعيدٍ، بنحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، وعبد الأعلى، عن داود، عن الشّعبيّ، وسعيد بن المسيّب، قالا: طشّ يوم بدرٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن الشّعبيّ، وسعيد بن المسيّب، في هذه الآية: {ينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان} قالا: طشٌّ كان يوم بدرٍ، فثبّت اللّه به الأقدام.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (إذ يغشاكم النّعاس أمنةً منه) الآية، ذكر لنا أنّهم مطروا يومئذٍ حتّى سال الوادي ماءً، واقتتلوا على كثيبٍ أعفر، فلبّده اللّه بالماء، وشرب المسلمون وتوضّئوا وسقوا، وأذهب اللّه عنهم وسواس الشّيطان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: نزل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يعني حين سار إلى بدرٍ والمسلمون بينهم وبين الماء رملةٌ دعصةٌ فأصاب المسلمين ضعفٌ شديدٌ، وألقى الشّيطان في قلوبهم الغيظ، فوسوس بينهم: تزعمون أنّكم أولياء اللّه وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلّون مجنبين، فأمطر اللّه عليهم مطرًا شديدًا، فشرب المسلمون وتطهّروا، وأذهب اللّه عنهم رجز الشّيطان، وثبّت الرّمل حين أصابه المطر، ومشى النّاس عليه والدّوابّ فساروا إلى القوم، وأمدّ اللّه نبيّه بألفٍ من الملائكة، فكان جبريل عليه السّلام في خمسمائةٍ من الملائكة مجنّبةً، وميكائيل في خمسمائةٍ مجنّبةً.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: (إذ يغشاكم النّعاس أمنةً منه) إلى قوله: {ويثبّت به الأقدام} وذلك أنّ المشركين من قريشٍ لمّا خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عنها، نزلوا على الماء يوم بدرٍ، فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظّمأ، فجعلوا يصلّون مجنبين محدثين، حتّى تعاظم ذلك في صدور أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فأنزل اللّه من السّماء ماءً حتّى سال الوادي، فشرب المسلمون وملئوا الأسقية، وسقوا الرّكاب واغتسلوا من الجنابة، فجعل اللّه في ذلك طهورًا، وثبّت الأقدام. وذلك أنّه كانت بينهم وبين القوم رملةٌ فبعث اللّه عليها المطر. فضربها حتّى اشتدّت، وثبتت عليها الأقدام.
- حدّثني محمّد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمون، فسبقهم المشركون إلى ماء بدرٍ، فنزلوا عليه، انصرف أبو سفيان وأصحابه تلقاء البحر، فانطلقوا. قال: فنزلوا على أعلى الوادي، ونزل محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في أسفله. فكان الرّجل من أصحاب محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام يجنب فلا يقدر على الماء، فيصلّي جنبًا، فألقى الشّيطان في قلوبهم، فقال: كيف ترجون أن تظهروا عليهم وأحدكم يقوم إلى الصّلاة جنبًا على غير وضوءٍ؟ قال: فأرسل اللّه عليهم المطر، فاغتسلوا وتوضّئوا وشربوا، واشتدّت لهم الأرض، وكانت بطحاء تدخل فيها أرجلهم، فاشتدّت لهم من المطر واشتدّوا عليها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: غلب المشركون المسلمين في أوّل أمرهم على الماء فظمئ المسلمون، وصلّوا مجنبين محدثين، وكانت بينهم رمالٌ، فألقى الشّيطان في قلوب المؤمنين الحزن، فقال: تزعمون أنّ فيكم نبيًّا وأنّكم أولياء اللّه، وقد غلبتم على الماء وتصلّون مجنبين محدثين؟ قال: فأنزل اللّه ماءً من السّماء، فسال كلّ وادٍ، فشرب المسلمون وتطهّروا، وثبتت أقدامهم، وذهبت وسوسة الشّيطان.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ماءً ليطهّركم به} قال: المطر أنزله عليهم قبل النّعاس. {رجز الشّيطان} قال: وسوسته. قال: فأطفأ بالمطر الغبار، والتبدت به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ماءً ليطهّركم به} أنزله عليهم قبل النّعاس، طبّق المطر الغبار، ولبّد به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به الأقدام.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ماءً ليطهّركم به} قال: القطر {ويذهب عنكم رجز الشّيطان} وساوسه. أطفأ بالمطر الغبار، ولبّد به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: رجز الشّيطان: وسوسته.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به} قال: هذا يوم بدرٍ أنزل عليهم القطر. {ويذهب عنكم رجز الشّيطان} الّذي ألقى في قلوبكم ليس لكم بهؤلاء طاقةٌ. {وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: (إذ يغشاكم النّعاس أمنةً منه) إلى قوله: {ويثبّت به الأقدام} إنّ المشركين نزلوا بالماء يوم بدرٍ، وغلبوا المسلمين عليه، فأصاب المسلمين الظّمأ، وصلّوا محدثين مجنبين، فألقى الشّيطان في قلوب المؤمنين الحزن، ووسوس فيها: إنّكم تزعمون أنّكم أولياء اللّه وأنّ محمّدًا نبيّ اللّه، وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلّون محدثين مجنبين، فأمطر اللّه السّماء حتّى سال كلّ وادٍ، فشرب المسلمون وملئوا أسقيتهم وسقوا دوابّهم واغتسلوا من الجنابة، وثبّت اللّه به الأقدام، وذلك أنّهم كان بينهم وبين عدوّهم رملةٌ لا تجوزها الدّوابّ، ولا يمشي فيها الماشي إلاّ بجهدٍ، فضربها اللّه بالمطر حتّى اشتدّت وثبتت فيها الأقدام.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إذ يغشاكم النّعاس أمنةً منه): أي: أنزلت عليكم الأمنة حتّى نمتم لا تخافون، ونزل عليكم من السّماء المطر الّذي أصابهم تلك اللّيلة، فحبس المشركون أن يسبقوا إلى الماء، وخلّي سبيل المؤمنين إليه. {ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام} ليذهب عنهم شكّ الشّيطان بتخويفه إيّاهم عدوّهم، واستجلاد الأرض لهم، حتّى انتهوا إلى منزلهم الّذي سبق إليه عدوّهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ثمّ ذكر ما ألقى الشّيطان في قلوبهم من شأن الجنابة وقيامهم يصلّون بغير وضوءٍ، فقال: (إذ يغشاكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام) حتّى تشتدّون على الرّمل، وهو كهيئة الأرض.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، قال: قال رجلٌ عند سعيد بن المسيّب، وقال مرّةً قرأ: {وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به} فقال سعيدٌ: إنّما هي: {وينزل عليكم من السّماء ماءً ليطهركم به}.
قال: وقال الشّعبيّ: كان ذلك طشًّا يوم بدرٍ.
وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل البصرة، أنّ مجاز قوله: {ويثبّت به الأقدام} ويفرغ عليهم الصّبر وينزّله عليهم، فيثبتون لعدوّهم. وذلك قولٌ خلافٌ لقول جميع أهل التّأويل من الصّحابة والتّابعين، وحسب قولٍ خطأً أن يكون خلافًا لقول من ذكرنا. وقد بيّنّا أقوالهم فيه، وأنّ معناه: ويثبّت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرّمل حتّى لا تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابّهم). [جامع البيان: 11/59-68]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام (11)
قوله تعالى: إذ يغشّيكم النّعاس
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن عاصم بن أبي النّجود عن أبي رزينٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: النّعاس في القتال: أمنةٌ، يعني من اللّه، والنّعاس في الصّلاة من الشّيطان.
- حدّثنا عليّ بن الحسن حدّثنا أبو الجماهر قال: سمعت سعيد بن بشيرٍ يقول: سمعت قتادة يقول: النّعاس في الرّأس، والنّوم في القلب.
- حدّثنا أبي ثنا الأنصاريّ ثنا حميدٌ الطّويل عن أنس بن مالكٍ قال: قال أبو طلحة كنت فيمن أنزل عليه النّعاس يوم أحدٍ، حتّى سقط سيفي من يدي مرارًا
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أحمد بن صالحٍ ثنا ابن وهبٍ أخبرني يونس عن ابن شهابٍ عن قول اللّه إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه قال: بلغنا أنّ هذه الآيات أنزلت في المؤمنين يوم بدرٍ، فيما أغشاهم اللّه من النّعاس أمنةً منه.
قوله تعالى: أمنة منه
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: النّعاس أمنةً منه أمنٌ من اللّه.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً أنبأ ابن شعيب بن شابور أنبأ سعيد بن بشيرٍ عن قتادة في قوله: إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه رحمةً منه أمنةً من العدوّ.
قوله تعالى: وينزّل عليكم من السماء ماء
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفص بن غياثٍ عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيّب وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به قال: طشٌّ يوم بدرٍ، يعني أصابهم. وروي عن الشّعبيّ: مثل ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق حدّثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير قال: بعث اللّه السّماء وكان الوادي دهسًا وأصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- وأصحابه منها ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشٌ ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به المطر أنزله عليهم قبل النّعاس فأطفأ بالمطر الغبار والتبدت به الأرض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم، وروي عن الضّحّاك وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم. نحو ذلك.
قوله تعالى: ليطهّركم به
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً أنبأ ابن شعيبٍ أنبأ سعيد بن بشيرٍ عن قتادة في قوله: وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به وذلك أنّ المشركين سبقوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الماء، فقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنزل بحيالهم وبينه وبينهم الوادي، فقذف الشّيطان في قلوب أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أنتم تزعمون أنّكم عباد اللّه وعلى دين اللّه وأنتم تصلّون محدثين مجنبين وقد سبقكم المشركون إلى الماء؟ فمطروا فطهّرهم اللّه من الأحداث والجنابة، وأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بحياضٍ فشربوا وسقوا فقال: ليطهّركم به
قوله تعالى: ويذهب عنكم رجز الشّيطان
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: رجز الشّيطان وسوسته، فأطفأ بالمطر. وروي عن عكرمة نحو ذلك.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً أنبأ ابن شعيب بن شابور أنبأ سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قوله: ويذهب عنكم رجز الشّيطان ما أوقع الشّيطان في قلوبهم من الصّلاة بغير طهورٍ.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ، أخبرنا ابن زيدٍ يعني عبد الرّحمن قوله: ويذهب عنكم رجز الشّيطان الّذي ألقى في قلوبهم ليس لكم بهؤلاء طاقةٌ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق، ثنا محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير ويذهب عنكم رجز الشّيطان أي ليذهب عنكم شكّ الشّيطان، لتخويفه إيّاهم عدوّهم، واستجلاد الأرض لهم حتّى انتهوا إلى منزلهم الّذي سبقوا إليه عدوّهم.
قوله تعالى: وليربط على قلوبكم
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً أنبأ ابن شعيبٍ أنبأ سعيد بن بشيرٍ عن قتادة في قوله: وليربط على قلوبكم قال: بالصبر.
قوله تعالى: ويثبّت به الأقدام
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسبطا عن السّدّيّ ويثبّت به الأقدام حتّى يشتدّوا على الرّمل وهو كهيئة الأرض.
وروي عن قتادة قال اقتتلوا على كثيبٍ أعفر، فلبّده اللّه تعالى بالماء.
- حدّثنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ أنبأ ابن شعيبٍ أنبأ سعيد بن بشيرٍ عن قتادة في قوله: ويثبّت به الأقدام قال: كان بطن الوادي دهاس، فلمّا مطروا اشتدّت الرّملة). [تفسير القرآن العظيم: 5/1664-1667]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إذ يغشيكم النعاس أمنة منه قال يعني أمن من الله وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وهو المطر أنزله عليهم قبل النعاس ويذهب عنكم رجز الشيطان يعني وسوسة الشيطان فأطفأ بالماء الغبار والبدت به الأرض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم). [تفسير مجاهد: 258-259]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 11.
أخرج أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت الشجرة حتى أصبح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب رضي الله عنه في قوله {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} قال: بلغنا أن هذه الآية أنزلت في المؤمنين يوم بدر فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {أمنة منه} قال: أمنا من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: (أمنه منه) . قال: رحمة منه أمنة من العدو .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: النعاس في الرأس والنوم في القلب.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: كان النعاس أمنة من الله وكان النعاس نعاسين، نعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في قوله {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} قال: طس كان يوم بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} قال: المطر: أنزله عليهم قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار والتبدت به الأرض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهسا وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فكانت بينهم رمال فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن وقال: أتزعمون أن فيكم نبيا وأنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {رجز الشيطان} قال: وسوسته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وليربط على قلوبكم} قال: بالصبر {ويثبت به الأقدام} قال: كان ببطن الوادي دهاس فلما مطر اشتد الرملة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {ويثبت به الأقدام} قال: حتى يشتد على الرمل وهو وجه الأرض
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصلي تلك الليلة ليلة بدر ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد وأصابهم تلك الليلة مطر شديد فذلك قوله {ويثبت به الأقدام}). [الدر المنثور: 7/56-59]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا قوله: {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم} أنصركم، {فثبّتوا الّذين آمنوا} يقول: قوّوا عزمهم، وصحّحوا نيّاتهم في قتال عدوّهم من المشركين.
وقد قيل: إنّ تثبيت الملائكة المؤمنين كان حضورهم حربهم معهم، وقيل: كان ذلك معونتهم إيّاهم بقتال أعدائهم، وقيل: كان ذلك بأنّ الملك يأتي الرّجل من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: سمعت هؤلاء القوم يعني المشركين يقولون: واللّه لئن حملوا علينا لننكشفنّ، فيحدّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك، فتقوى أنفسهم. قالوا: وذلك كان وحي اللّه إلى ملائكته.
وأمّا ابن إسحاق، فإنّه قال بما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فثبّتوا الّذين آمنوا} أي: فآزروا الّذين آمنوا.

القول في تأويل قوله تعالى: {سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ}.
يقول تعالى ذكره: سأرعب قلوب الّذين كفروا بي أيّها المؤمنون منكم، وأملؤها فرقًا حتّى ينهزموا عنكم، فاضربوا فوق الأعناق.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فوق الأعناق} فقال بعضهم: معناه: فاضربوا الأعناق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة: {فاضربوا فوق الأعناق} قال: اضربوا الأعناق.
- قال: حدّثنا أبي، عن المسعوديّ، عن القاسم، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لم أبعث لأعذّب بعذاب اللّه، إنّما بعثت لضرب الأعناق وشدّ الوثاق.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: اضربوا الرّقاب.
واحتجّ قائلو هذه المقالة بأنّ العرب تقول: رأيت نفس فلانٍ، بمعنى رأيته، قالوا: فكذلك قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} إنّما معناه: فاضربوا الأعناق.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فاضربوا الرّءوس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: وحدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة: {فاضربوا فوق الأعناق} قال: الرّءوس.
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأنّ الّذي فوق الأعناق الرّءوس، وقالوا: وغير جائزٍ أن تقول: فوق الأعناق، فيكون معناه الأعناق. قالوا: ولو جاز كان أن يقال تحت الأعناق، فيكون معناه الأعناق. قالوا: وذلك خلاف المعقول من الخطّاب، وقلب معاني الكلام.
وقال آخرون: معنى ذلك: فاضربوا على الأعناق. وقالوا: على وفوق معناهما متقاربان، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه أمر المؤمنين معلّمهم كيفيّة قتل المشركين وضربهم بالسّيف أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل، وقوله: {فوق الأعناق} محتملٌ أن يكون مرادًا به الرّءوس، ومحتملٌ أن يكون مرادًا به فوق جلدة الأعناق، فيكون معناه: على الأعناق وإذا احتمل ذلك صحّ قول من قال: معناه الأعناق. وإذا كان الأمر محتملاً ما ذكرنا من التّأويل، لم يكن لنا أن نوجّهه إلى بعض معانيه دون بعضٍ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها، ولا حجّة تدلّ على خصوصه، فالواجب أن يقال: إنّ اللّه أمر بضرب رءوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم أصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين شهدوا معه بدرًا.
وأمّا قوله: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} فإنّ معناه: واضربوا أيّها المؤمنون من عدوّكم كلّ طرفٍ ومفصلٍ من أطراف أيديهم وأرجلهم.
والبنان: جمع بنانةٍ، وهي أطراف أصابع اليدين والرّجلين، ومن ذلك قول الشّاعر:
ألا ليتني قطّعت منّي بنانةً = ولاقيته في البيت يقظان حاذرا
يعني بالبنانة واحدة البنان.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال: كلّ مفصلٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال: المفاصل.
- قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال: كلّ مفصلٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسن، عن يزيد، عن عكرمة: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال: الأطراف، ويقال: كلّ مفصلٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} يعني بالبنان الأطراف.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال: الأطراف.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} يعني الأطراف). [جامع البيان: 11/69-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ (12)
قوله تعالى: إذ يوحي ربّك إلى الملائكة
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الكوفيّ ثنا محمّد بن إسحاق المسيّبيّ ثنا محمّد بن فليحٍ عن موسى بن عقبة عن ابن شهابٍ: ثمّ أخبرهم بما أوحى اللّه إلى الملائكة بنصرهم فقال: إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم
قوله تعالى: أنّي معكم
- أخبرنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الغبريّ فيما كتب إليّ قال: سمعت أبا سعيدٍ يعني أحمد بن داود الحدّاد يقول: لم يقل اللّه عزّ وجلّ لشيءٍ أنّه معه إلا الملائكة يوم بدرٍ قال: أنّي معكم بالنّصر.
قوله تعالى: فثبّتوا الّذين آمنوا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا أبو غسّان زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق ثنا محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير فثبّتوا الّذين آمنوا أي وآزروا الّذين آمنوا.
قوله تعالى: سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب قال قذف الله في قلب أبي سفيان الرّعب فرجع إلى مكّة، فقال النبي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، إنّ أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب.
قوله تعالى فاضربوا فوق الأعناق
- حدّثنا أبي ثنا أبو موسى الأنصاريّ ثنا يونس بن بكيرٍ ثنا عيسى بن عبد اللّه السّعديّ التّميميّ يعني أبا جعفرٍ الرّازيّ- عن الرّبيع بن أنسٍ قال: كان النّاس يوم بدرٍ يعرفون قتلى الملائكة ممّن قتلوهم بضربهم فوق الأعناق وعلى البنان، مثل سمة النّار قد أحرق به.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة ثنا عليّ بن الحسين بن واقدٍ عن أبيه عن يزيد النّحويّ عن عكرمة فاضربوا فوق الأعناق يقول: الرّؤوس.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ عن عبيد بن سليمان عن الضّحّاك يقول: اضربوا الرّقاب.
قوله تعالى: واضربوا منهم كلّ بنانٍ
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: واضربوا منهم كلّ بنانٍ يعني بالبنان: الأطراف.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن إدريس عن أبيه عن عطيّة واضربوا منهم كلّ بنانٍ قال: كلّ مفصلٍ. وروي عن عكرمة والضّحّاك والسّدّيّ مثل ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن وهب بن عطيّة السّلميّ ثنا عبيد بن الوليد بن أبي السّائب عن هقل بن زيادٍ عن الأوزاعيّ في قوله: واضربوا منهم كلّ بنانٍ قال: اضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهابٍ من نارٍ، فإذا أخذته حرّم ذلك كلّه عليك). [تفسير القرآن العظيم: 5/1667-1668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 12 - 14
أخرج ابن أبي حاتم أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد المغبري فيما كتب إلي قال: سمعت أبا سعيد أحمد بن داود الحداد يقول: إنه لم يقل الله لشيء إنه معه إلا للملائكة يوم بدر، قال: إني معكم بالنصر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عليها نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه فأصاب المؤمنين الظمأ فجعلوا يصلون مجنبين ومحدثين فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن فقال لهم: أتزعمون أن فيكم النّبيّ وإنكم أولياء الله وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب النّبيّ: فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي فشرب المؤمنون وملأوا الأسقية وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة فجعل الله في ذلك طهورا وثبت أقدامهم وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة فبعث الله المطر عليها فلبدها حتى اشتدت وثبت عليها الأقدام ونفر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا منهم سبعون ومائتان من الأنصار وسائرهم من المهاجرين وسيد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة لكبر سنه، فقال عتبة: يا معشر قريش إني لكم ناصح وعليكم مشفق لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم وقد بلغتم الذي تريدون وقد نجا أبو سفيان فارجعوا وأنتم سالمون فإن يكن محمد صادقا فأنتم أسعد الناس بصدقه وإن يك كاذبا فأنتم أحق من حقن دمه، فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفج وجهه وقال له: قد امتلأت أحشاؤك رعبا، فقال له عتبة: سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه.
فنزل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة حتى إذا كانوا أقرب أسنة المسلمين قالوا: ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم، فقام غلمة من بني الخزرج فأجلسهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا بني هاشم أتبعثون إلى أخويكم - والنبي منكم - غلمة بني الخزرج فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث فمشوا إليهم في الحديد فقال عتبة: تكلموا نعرفكم فإن تكونوا أكفاءنا نقاتلكم، فقال حمزة رضي الله عنه: أنا أسد الله وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عتبة: كفء كريم، فوثب إليه شيبة فاختلفا ضربتين فضربه حمزة فقتله ثم قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة فاختلفا ضربتين فضربه علي رضي الله عنه فقتله ثم قام عبيدة فخرج إليه عتبة فاختلفا ضربتين فجرح كل واحد منهما صاحبه وكر حمزة على عتبة فقتله فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ربنا أنزلت علي الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا تخلف الميعاد فأتاه جبريل عليه السلام فأنزل عليه (ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة مردفين) (آل عمران الآية 124) فأوحى الله إلى الملائكة {أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} فقتل أبو جهل في تسعة وستين رجلا وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبرا فوفى ذلك سبعين وأسر سبعون
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى الله: إليهم إني معكم فثبتوا الذين آمنوا وتثبيتهم أن الملائكة عليهم السلام تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول: أبشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال: إني بريء منكم وهو في صورة سراقة وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فلا تقتلوا وخذوهم أخذا.
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما حضر القتال ورسول الله صلى الله عليه وسلم رافع يديه يسأل الله النصر ويقول: اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين وأبو بكر رضي الله عنه يقول: والله لينصرنك الله ويبيضن وجهك فأنزل الله عز وجل ألفا من الملائكة مردفين عند أكتاف العدو وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعة ثم نزل على ثنايا النقع يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة عليهم السلام ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: الرؤوس.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في قوله {فاضربوا فوق الأعناق} قال: اضربوا الأعناق.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: اضربوا الرقاب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {واضربوا منهم كل بنان} قال: يعني بالبنان الأطراف .
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية في قوله: (واضربوا منهم كل بنان) قال: كل مفصل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله {واضربوا منهم كل بنان} قال: اضرب منه الوجه والعين وارمه بشهاب من نار.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {واضربوا منهم كل بنان} قال: أطراف الأصابع وبلغة هذيل الجسد كله، قال: فأنشدني في كلتيهما قال: نعم أما أطراف الأصابع فقول عنترة العبسي:
فنعم فوارس الهيجاء قومي * إذا علق الأعنة بالبنان
وقال الهذلي في الجسد:
لها أسد شاكي البنان مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن أبي داود المازني رضي الله عنه قال: بينا أنا أتبع رجلا من المشركين يوم بدر فأهويت إليه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه فعرفت أن قد قتله غيري.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} قال: ما وقعت يومئذ ضربة إلا برأس أو وجه أو مفصل). [الدر المنثور: 7/59-65]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك بأنّهم شآقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ الله شديد العقاب}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ذلك بأنّهم} هذا الفعل من ضرب هؤلاء الكفرة فوق الأعناق، وضرب كلّ بنانٍ منهم، جزاءٌ لهم بشقاقهم اللّه ورسوله، وعقابٌ لهم عليه، ومعنى قوله: {شاقّوا اللّه ورسوله} فارقوا أمر اللّه ورسوله وعصوهما، وأطاعوا أمر الشّيطان.
ومعنى قوله: {ومن يشاقق اللّه ورسوله} ومن يخالف أمر اللّه وأمر رسوله، وفارق طاعتهما. {فإنّ اللّه شديد العقاب} له، وشدّة عقابه له في الدّنيا: إحلاله به ما كان يحلّ بأعدائه من النّقم، وفي الآخرة الخلود في نار جهنّم. وحذف له من الكلام لدلالة الكلام عليها). [جامع البيان: 11/73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب (13)
قوله تعالى: أنّ اللّه شديد العقاب
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبدة أنبأ حمّاد بن زيدٍ عن عليّ بن زيدٍ قال: تلا مطرّف هذه الآية شديد العقاب قال: لو يعلم النّاس قدر عقوبة اللّه ونقمة اللّه وبأس اللّه ونكال اللّه لما رقى لهم دمعٌ وما قرّت أعينهم بشيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/1668]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هشيمٌ، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: ... ذوقوا: «باشروا وجرّبوا، وليس هذا من ذوق الفم»). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ذوقوا باشروا وجرّبوا وليس هذا من ذوق الفم هو قول أبي عبيدة أيضًا ونظيره قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت). [فتح الباري: 8/307]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ذوقوا باشروا وجرّبوا وليس هذا من ذوق الفم
أشار به إلى قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه وإن للكافرين عذاب النّار} (الأنفال: 14) وفسّر: ذوقوا، بقوله: باشروا وجربوا وهذا من المجاز أن يستعمل الذّوق وهو ممّا يتعلّق بالأجسام في المعاني، كما في قوله تعالى: {فذاقوا وبال أمرهم} (الحشر: 15 والتغابن: 5) ولهذا قيد بقوله: وليس هذا من ذوق الفم، والضّمير المنصوب في: فذوقوه، يرجع إلى العقاب المذكور قبله، وهو قوله: {فإن الله شديد العقاب} (البقرة: 211 والأنفال: 13) ). [عمدة القاري: 18/245]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (ذوقوا) يريد قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه} [الأنعام: 14] أي (باشروا وجربوا) أي العذاب العاجل من ضرب الأعناق وقطع الأطراف (وليس هذا من ذوق الفم) ). [إرشاد الساري: 7/133]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار}.
يقول تعالى ذكره: هذا العقاب الّذي عجّلته لكم أيّها الكافرون المشاقّون للّه ورسوله في الدّنيا، من الضّرب فوق الأعناق منكم، وضرب كلّ بنانٍ بأيدي أوليائي المؤمنين، فذوقوه عاجلاً، واعلموا أنّ لكم في الآجل والمعاد عذاب النّار. ولفتح أنّ من قوله: {وأنّ للكافرين} من الإعراب وجهان: أحدهما الرّفع، والآخر النّصب.
فأمّا الرّفع فبمعنى: ذلكم فذوقوه، ذلكم وأنّ للكافرين عذاب النّار بنيّة تكرير ذلكم، كأنّه قيل: ذلكم الأمر وهذا.
وأمّا النّصب فمن وجهين: أحدهما: ذلكم فذوقوه، واعلموا، أو وأيقنوا أنّ للكافرين، فيكون نصبه بنيّة فعلٍ مضمرٍ قال الشّاعر:
ورأيت زوجك في الوغى = متقلّدًا سيفًا ورمحا
بمعنى: وحاملاً رمحًا. والآخر بمعنى: ذلكم فذوقوه، وبأنّ للكافرين عذاب النّار، ثمّ حذفت الباء فنصبت). [جامع البيان: 11/74]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:34 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}


*تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {بألفٍ مّن الملائكة مردفين...}
ويقرأ {مردفين} فأما {مردفين} فمتتابعين، و {مردفين} فعل بهم). [معاني القرآن: 1/404]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بألفٍ من الملائكة مردفين) مجازه: مجاز فاعلين، من أردفوا أي جاءوا بعد قوم قبلهم وبعضهم يقول: ردفني أي جاء بعدي وهما لغتان، ومن قرأها بفتح الدال وضعها في موضع مفعولين من أردفهم الله من بعد من قبلهم وقدامهم). [مجاز القرآن:1/241]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن وأبي عمرو {مردفين} من أردفوا إردافًا، فعلوا هم.
وقراءة الأعرج وأهل المدينة {مردفين} على أردفوا فعل بهم). [معاني القرآن لقطرب: 612]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({مردفين}: بعضهم على أثر بعض). [غريب القرآن وتفسيره:157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {مردفين} رادفين يقال: ردفته وأردفته: إذا جئت بعده.
{الأمنة}: الأمن). [تفسير غريب القرآن:177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألف من الملائكة مردفين}
لما رأوا أنفسهم في قلة عدد استغاثوا فأمدّهم اللّه بالملائكة.
قال اللّه - عزّ وجلّ -: {أنّي ممدّكم بألف من الملائكة مردفين}.
يقال: ردفت الرجل إذا ركبت خلفه، وأردفته إذا أركبته خلفي، ويقال: هذه دابة لا ترادف، ولا يقال لا تردف، ويقال أردفت الرجل إذا جئت بعده، فمعنى {مردفين} يأتون فرقة بعد فرقة، ويقرأ مردفين، ويجوز في اللغة {مردّفين}، ويجوز مردّفين ومردّفين. يجوز في الراء مع تشديد الدال: كسرها وفتحها وضمها، والدال مشدّدة مكسورة على كل حال: قال سيبويه: الأصل مرتدفين. فأدغمت التاء في الدال فصارت مردّفين، لأنك طرحت حركة التاء على الراء، قال: وإن شئت لم تطرح حركة التاء وكسرت الراء لالتقاء السّاكنين، والذين ضموا الراء جعلوها تابعة لضمة الميم). [معاني القرآن:403-2/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [آية:9]
قال ابن عباس أي متتابعين
وقال أبو جعفر قال أهل اللغة يقال ردفته وأردفته إذا تبعته
قال مجاهد مردفين أي ممدين). [معاني القرآن:3/134]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {مُرْدِفِينَ} بعضهم في إثر بعض). [تفسير المشكل من غريب القرآن:91]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {مُرْدِفِينَ}: بعض في أثر بعض). [العمدة في غريب القرآن:142]

*تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {وما جعله اللّه...}
هذه الهاء للإرداف: ما جعل الله الإرداف {إلاّ بشرى}). [معاني القرآن:1/404]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وما جعله اللّه إلّا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلّا من عند اللّه إنّ اللّه عزيز حكيم}
أي ما جعل اللّه المدد إلا بشرى). [معاني القرآن:2/403]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما جعله الله إلا بشرى} [آية:10]
يعني الإمداد ويجوز أن يكون يعني الإرداف). [معاني القرآن:3/134]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (قوله - جل وعز: {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} أي: ترجو وتلين عند الوعيد، وذكر الله - عز وجل). [ياقوتة الصراط:236]

*تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ(ت:207هـ): (وقوله: {إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً مّنه...}
بات المسلمون ليلة بدر على غير ماء، فأصبحوا مجنبين، فوسوس إليهم الشيطان فقال: تزعمون أنكم على دين الله وأنتم على غير الماء وعدوّكم على الماء تصلّون مجنبين، فأرسل الله عليهم السماء وشربوا واغتسلوا؛ وأذهب الله عنهم رجز الشيطان يعني وسوسته، وكانوا في رمل تغيب فيه الأقدام فشدّده المطر حتى اشتدّ عليه الرجال، فذلك قوله: {ويثبّت به الأقدام}). [معاني القرآن:1/404]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {النّعاس أمنةً منه} وهي مصدر بمنزلة أمنت أمنةً وأماناً وأمنا، كلهن سواء.
{رجز الشّيطان} (11) أي لطخ الشيطان، وما يدعو إليه من الكفر.
{ويثبّت به الأقدام} (11) مجازه: يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم). [مجاز القرآن:1/242]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {يغشيكم} من غشى يثقل.
والأعرج وأبو جعفر ونافع {يغشيكم} من أغشى.
والحسن أيضًا وأبو عمرو {يغشيكم النعاس} بالرفع). [معاني القرآن لقطرب: 612]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أمنة}: نعاسا. الأمنة والأمان واحد). [غريب القرآن وتفسيره:157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {رجز الشّيطان}: كيده. والرّجز والرّجس يتصرفان على معان قد ذكرتها في كتاب «المشاكل»). [تفسير غريب القرآن:177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إذ يغشّيكم النّعاس أمنة منه وينزّل عليكم من السّماء ماء ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام}
" {إذ} " موضعها نصب على معنى وما جعله اللّه إلا بشرى في ذلك الوقت، ويجوز على أن يكون: اذكروا إذ يغشيكم النعاس.
يقال: نعس الرجل ينعس نعاسا وهو ناعس، وبعضهم يقول: نعسان ولكن لا أشتهيها.
و {أمنة} منصوب مفعول له كقولك: فعلت ذلك حذر الشر.
والتأويل أن اللّه أمّنهم أمنا حتى غشيهم النعاس لما وعدهم من النصر.
يقال: قد آمنت آمن أمنا - بفتح الألف - وأمانا وأمنة.
وقوله: {وينزّل عليكم من السّماء ماء ليطهّركم به}.
كان المشركون قد نزلوا على الماء وسبقوا المسلمين، ونزل المسلمون في رمل تسوخ فيه الأرجل، وأصابت بعضهم الجنابة فوسوس لهم الشيطان بأن عدوّهم يقدرون على الماء وهم لا يقدرون على الماء، وخيل إليهم أن ذلك عون من اللّه لعدوهم، فأمطر اللّه المكان الذي كانوا فيه فتطهروا من الماء، واستوت الأرض التي كانوا عليها حتى أمكن الوقوف فيها والتصرف.
وهذا من آيات اللّه جل ثناؤه التي تدل على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأمر بدر كان من أعظم الآيات لأن عدد المسلمين كان قليلا جدا، وكانوا رجّالة فأيدهم الله، وكان المشركون أضعافهم، وأمدّهم اللّه بالملائكة.
قال بعضهم: كان الملائكة خمسة آلاف، وقال بعضهم تسعة آلاف.
وقوله: {ويذهب عنكم رجز الشيطان}.
أي وساوسه وخطاياه.
{ويثبّت به الأقدام}
أي ويثبّت بالماء الذي أنزله على الرمل حتى استوى، وجائز أن يكون زين به للربط على قلوبهم، فيكون المعنى " وليربط على قلوبكم ويثبّت" بالربط الأقدام). [معاني القرآن:404-2/403]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} قال ابن أبي نجيح كان المطر قبل النعاس
ويقال أمن يأمن أمنا وأمانا وأمنة وأمنة وروي عن ابن محيصن أنه قرأ أمنة بإسكان الميم وقال عبد الله بن مسعود النعاس في الصلاة من الشيطان وفي الحرب أمنة
ثم قال جل وعز: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}
قال الضحاك سبق المشركون المسلمين إلى الماء ببدر فبقي المسلمون عطاشا محدثين مجنبين لا يصلون إلى الماء فوسوس إليهم الشيطان فقال إنكم تزعمون أنكم على الحق وأن فيكم النبي صلى الله عليه وسلم وعدوكم معه الماء وأنتم لا تصلون إليه فأنزل الله جل وعز المطر فشربوا منه حتى رووا واغتسلوا وسقوا دوابهم قال ابن أبي نجيح رووا من الماء وسكن الغبار
وقال غيره كان ذلك من الآيات العظام لأنهم كانوا على سبخة لا تثبت فيها الأقدام فلما جاء المطر ثبتت أقدامهم
ثم قال جل وعز: {ويذهب عنكم رجز الشيطان} [آية:11]
قال ابن أبي نجيح أي وساوسه
قال الضحاك وأما قوله: {ويثبت به الأقدام} فإنه كانت به رميلة لا يقدر أحد أن يقف عليها فلما جاء المطر ثبتت الأقدام عليها وكقوله جل وعز: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا}يجوز أن يكون المعنى ثبتوهم بشيء تلقونه في قلوبهم
ويجوز أن يكون المعنى ثبتوهم بالنصر والقتال عنهم). [معاني القرآن:137-3/134]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ( {أمنة منه} قال: الأمنه والأمان والأمن كله بمعنى واحد، وقد حكيت: إمن - بالكسر - والأول أفصح). [ياقوتة الصراط:236]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأمنة} الأمن.
{رِجْزَ الشَّيْطَانِ} كيده). [تفسير المشكل من غريب القرآن:91]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:
437هـ): ( {أَمَنَةً}: أمان). [العمدة في غريب القرآن:142]

*تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا...}
كان الملك يأتي الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: سمعت هؤلاء القوم - يعني أبا سفيان وأصحابه - يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفنّ، فيحدّث المسلمون بعضهم بعضا بذلك فتقوى أنفسهم. فذلك وحيه إلى الملائكة.
وقوله: {فاضربوا فوق الأعناق} علّمهم مواضع الضرب فقال: اضربوا الرءوس والأيدي والأرجل.
فذلك قوله: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} ). [معاني القرآن:1/405]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاضربوا فوق الأعناق} مجازه: على الأعناق، يقال ضربته فوق الرأس وضربته على الرأس.
{واضربوا منهم كلّ بنانٍ} وهي أطراف الأصابع واحدتها بنانى، قال عباس بن مرداس:
ألا ليتني قطّعت مني بنانةً... ولاقيته في البيت يقظان حاذرا يعني أبا ضبٍّ رجلاً من هذيل قتل هريم بن مرداس وهو نائم وكان جاورهم بالربيع). [مجاز القرآن:243-1/242]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ( {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان}
وقال: {فاضربوا فوق الأعناق} معناها: "اضربوا الأعناق" كما تقول: "رأيت نفس زيدٍ" تريد "زيداً".
{واضربوا منهم كلّ بنان} واحد "البنان": "البنانة"). [معاني القرآن:4]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فاضربوا فوق الأعناق} المعنى: على الأعناق، لأن فوق وعلى قريبان في المعنى.
وقوله {كل بنان} وبنانة، وهي الأصابع، والأنملة والأنملة واحد الأنامل؛ وهي أطراف الأصابع.
وقال الشاعر:
فيا ليتني قطعت مني بنانة = وصاحبت عمرًا ما صحبت اللياليا). [معاني القرآن لقطرب: 620]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كل بنان}: الأطراف واحدها بنانة). [غريب القرآن وتفسيره:157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {فاضربوا فوق الأعناق} أي الأعناق.
و(البنان): أطراف الأصابع). [تفسير غريب القرآن:177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان}
" {إذ} " في موضع نصب على " وليربط إذ يوحي " ويجوز أن يكون على {اذكروا}".
{فثبّتوا الّذين آمنوا}.
جائز أن يكون أنهم يثبتوهم بأشياء يلقونها في قلوبهم تقوى بها.
وجائز أن يكونوا يرونهم مددا، فإذا عاينوا نصر الملائكة ثبتوا.
وقوله: {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان}.
أباحهم اللّه قتلهم بكل نوع في الحرب.. واحد البنان: بنانة، ومعناه ههنا الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء.
وإنما اشتقاق البنان من قولهم أبنّ بالمكان إذا أقام به، فالبناء به يعتمل كل ما يكون للإقامة والحياة). [معاني القرآن: 2/404-405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فاضربوا فوق الأعناق} [آية:12]
قيل إن فوق ههنا زائدة وإنما أبيحوا أن يضربوهم على كل حال
ويدل عليه واضربوا منهم كل بنان لأن البنان أطراف الأصابع الواحدة بنانة مشتق من قولهم أبن بالمكان إذا أقام به). [معاني القرآن:3/137]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {الرعب}: الفزع). [ياقوتة الصراط:236]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} أي الأعناق، وقيل: الرؤوس.
{والبنان} أطراف الأصابع). [تفسير المشكل من غريب القرآن:92-91]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {البَنَانٍ}: أطراف الأصابع). [العمدة في غريب القرآن:143]

*تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {شاقّوا الله} مجازه: خانوا الله وجانبوا أمره ودينه وطاعته.
{ومن يشاقق الله ورسوله فإنّ الله شديد العقاب} والعرب إذا جازت بـ «من يفعل كذا» فإنهم يجعلون خبر الجزاء لـ«من» وبعضهم يترك الخبر الذي يجاز به لمن ويخبر عما بعده فيجعل الجزاء له كقول شدّاد بن معاوية العبسيّ وهو أبو عنترة:
فمن يك سائلاً عني فإني..=. وجروة لا ترود ولا تعار
لا أدعها تجئ وتذهب تعار. ترك الخبر عن نفسه وجعل الخبر لفرسه، والعرب أيضاً إذا خبروا عن اثنين أظهروا الخبر عن أحدهما وكفوا عن خبر الآخر ولم يقولوا: ومن يحارب الصلت وزيداً فإن الصلت وزيداً شجاعان كما فعل ذلك قائل:
فمن يك سائلاً عني فإني = وجروة لا ترود ولا تعار
ولم يقل لا نرود ولا نعار فيدخل نفسه معها في الخبر، وكذلك قول الأعشى:

وإنّ إمراءً أهدى إليك ودونه = من الأرض موماةٌ ويهماء خيفق
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته = وأن تعلمي أن المعان موفّق
قال أبو عبيدة: كان المحلق أهدى إليه طلباً لمديحه وكانت العرب تحب المدح فقال لناقته يخاطبها:
وإن امراءً أهدى إليك ودونه
ترك الخبر عن امرئ وأخبر عن الناقة فخاطبها. وفي آية أخرى: {ومن يتوكّل على الله فإنّ الله عزيزٌ حكيمٌ} [8: 49] ). [مجاز القرآن: 1/243-244]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( {شاقوا الله}: المشاقة المبانية والمجانبة). [غريب القرآن وتفسيره:157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {شاقّوا اللّه ورسوله}: نابذوه وباينوه). [تفسير غريب القرآن:177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب}{شاقّوا}. جانبوا، صاروا في شقّ غير شقّ المؤمنين، ومثل شاقوا جانبوا وحازبوا وحاربوا.
معنى حازبوا صار هؤلاء حزبا وهؤلاء حزبا.
{ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب}
{يشاقق، ويشاقّ} جميعا، إلا أنها ههنا يشاقق، بإظهار التضعيف مع الجزم وهي لغة أهل الحجاز، وغيرهم يدغم، فإذا أدغمت قلت: من يشاقّ زيدا أهنه، بفتح القاف، لأن القافين ساكنتان فحركت الثانية بالفتح لالتقاء السّاكنين ولأن قبلها ألفا، وإن شئت كسرت فقلت يشاقّ زيدا، كسرت القاف لأن أصل التقاء السّاكنين الكسر.
فإذا استقبلتها ألف ولام اخترت الكسر فقلت {ومن يشاقّ اللّه} ولا أعلم أحدا قرأ بها). [معاني القرآن:2/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}
أي خالفوا كأنهم صاروا في شق آخر). [معاني القرآن:3/137]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {شَاقُّواْ}: حاربوا). [العمدة في غريب القرآن:143]

*تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ذلكم فذوقوه...}
خاطب المشركين.
ثم قال: {وأنّ للكافرين عذاب النّار} فنصب {أنّ} من جهتين. أما إحداهما: وذلك بأن للكافرين عذاب النار، فألقيت الباء فنصبت. والنصب الآخر أن تضمر فعلا مثل قول الشاعر:
تسمع للأحشاء منه لغطا = ولليدين جسأةً وبددا
أضمر {وترى لليدين}كذلك قال {ذلكم فذوقوه} واعلموا {أنّ للكافرين عذاب النّار}. وإن شئت جعلت {أن} في موضع رفع تريد: {ذلكم فذوقوه} وذلكم {أنّ للكافرين عذاب النّار} ومثله في كتاب الله تبارك وتعالى: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةً} قرأها عاصم فيما حدثني المفضل، وزعم أن عاصما أخذها عليه مرتين بانصب. وكذلك قوله: {وحورٌ عينٌ} ). [معاني القرآن:406-1/405]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ( {ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار}
وقال: {ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين} كأنه جعل "ذلكم" خبراً لمبتدأ أو مبتدأ أضمر خبره حتى كأنه قال: "ذلكم الأمر" أو "الأمر ذلكم". ثم قال: {وأنّ للكافرين عذاب النّار} أي: الأمر ذلكم وهذا، فلذلك انفتحت {أن}. ومثل ذلك قوله: {وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين} وأمّا قول الشاعر:
ذاك وإنّي على جاري لذو حدبٍ = أحنو عليه كما يحنى على الجار
فإنما كسر "إنّ" لدخول اللام. قال الشاعر:

وأعلم علماً ليس بالظنّ أنّه = إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليل
وإنّ لسان المرء ما لم تكن له = حصاةٌ على عوراته لدليل
فكسر الثانية لأن اللام بعدها.
ومن العرب من يفتحها لأنه لا يدري أن بعدها لاما، وقد سمع مثل ذلك من العرب في قوله: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور [9] وحصّل ما في الصّدور [10] إنّ ربّهم بهم يومئذٍ لّخبيرٌ [11]} ففتح وهو غير ذاكر للام وهذا غلط قبيح). [معاني القرآن: 2/24-25]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:07 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وتحذف ألف الوصل حيث حركت القاف كما حذفت الألف في رد
حيث حركت الراء والألف في قل لأنهما حرفان في كلمة واحدة لحقهما الإدغام فحذفت الألف كما حذفت في رد لأنه قد أدغم كما أدغم.
وتصديق ذلك قول الحسن إلا من خطف الخطفة ومن قال يقتل قال مقتلٌ ومن قال يقتل قال مقتلٌ.
وحدثني الخليل وهارون أن ناساً يقولون: {مُرُدِّفِين} فمن قال هذا فإنه يريد مرتدفين وإنما أتبعوا الضمة الضمة حيث حركوا وهي قراءةٌ لأهل مكة كما قالوا رد يا فتى فضموا لضمة الراء فهذه الراء أقرب ومن قال هذا قال مقتلين وهذا أقل اللغات ومن قال قتل قال ردف في ارتدف يجري مجرى اقتتل ونحوه). [الكتاب: 4/443-444]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) }

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) }

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب آخر من أبواب أن
تقول ذلك وأن لك عندي ما أحببت وقال الله عز وجل: {ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين} وقال: {ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار} وذلك لأنها شركت ذلك فيما حمل عليه كأنه قال الأمر ذلك وأن الله ولو جاءت مبتدأةً لجازت يدلك على ذلك قوله عز وجل: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله} فمن ليس محمولاً على ما حمل عليه ذلك فكذلك يجوز أن يكون إن منقطعةً من ذلك قال الأحوص:

عوّدت قومي إذا ما الضّيف نبّهني = عقر العشار على عسري وإيساري
إنّي إذا خفيت نارٌ لمرملةٍ = ألفي بأرفع تلٍّ رافعاً ناري
ذاك وإنّي على جاري لذو حدبٍ = أحنو عليه بما يحنى على الجار
فهذا لا يكون إلا مستأنفاً غير محمول على ما حمل عليه ذاك فهذا أيضاً يقوي ابتداء إن في الأول). [الكتاب: 3/125-126] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: إذ تستغيثون ربّكم الآية، إذ متعلقة بفعل، تقديره واذكر إذ وهو الفعل الأول الذي عمل في قوله وإذ يعدكم [الأنفال الآية: 7] وقال الطبري: هي متعلقة ب ليحقّ.. ويبطل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويصح أن يعمل فيها يعدكم [الأنفال: 7] فإن الوعد كان في وقت الاستغاثة، وقرأ أبو عمرو بإدغام الذال في التاء واستحسنها أبو حاتم، وتستغيثون معناه تطلبون، وليس يبين من ألفاظ هذه الآية أن المؤمنين علموا قبل القتال بكون الملائكة معهم، فإن استجاب يمكن أن يقع في غيبه تعالى، وقد روي أنهم علموا ذلك قبل القتال، ومعنى التأنيس وتقوية القلوب يقتضي ذلك، وقرأ جمهور الناس «أني» بفتح الألف، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر بخلاف عنه «إني» بكسر الألف أي قال إني، وممدّكم، أي مكثركم ومقويكم من أمددت. وقرأ جمهور الناس «بألف» وقرأ عاصم الجحدري «بأألف» على مثل فلس وأفلس فهي جمع ألف، والإشارة بها إلى الآلاف المذكورة في آل عمران، وقرأ عاصم الجحدري أيضا «بآلاف» ومردفين معناه متبعين، ويحتمل أن يراد المردفين المؤمنين أي أردفوا بالملائكة ف مردفين على هذا حال من الضمير في قوله ممدّكم ويحتمل أن يراد به الملائكة أي أردف بعضهم ببعض، وهذه القراءة بفتح الدال وهي قراءة نافع وجماعة من أهل المدينة وغيرهم، وقرأ سائر السبعة غير نافع «مردفين» بكسر الدال وهي قراءة الحسن ومجاهد والمعنى فيها تابع بعضهم بعضا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: خلف كل ملك ملك، وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا أتبع وجاء بعد الشيء، ويحتمل أن يراد مردفين المؤمنين.
ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضا، ومن قال «مردفين» بمعنى أن كل ملك أردف ملكا وراءه فقول ضعيف لم يأت بمقتضاه رواية، وقرأ رجل من أهل مكة رواه عنه الخليل «مردّفين» بفتح الراء وكسر الدال وشدها.
وروي عن الخليل أنها بضم الراء كالتي قبلها وفي غير ذلك، وقرأ بعض الناس بكسر الراء مثلهما في غير ذلك، حكى ذلك أبو عمرو عن سيبويه، وحكاه أبو حاتم قال: كأنه أراد مرتدفين فأدغم وأتبع الحركة، ويحسن مع هذه القراءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة، وأنشد الطبري شاهدا على أن أردف بمعنى جاء تابعا قول الشاعر [خزيمة بن مالك]: [الوافر]
إذا الجوزاء أردفت الثّريّا = ظننت بآل فاطمة الظّنونا
والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر، واختلف في غيره من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت وهذا ضعيف، وحكى الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: نزل جبريل في ألف ملك على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف ملك في المسيرة وأنا فيها، وقال ابن عباس: كانا في خمسمائة خمسمائة، وقال الزجّاج: قال بعضهم: إن الملائكة خمسة آلاف، وقال بعضهم: تسعة آلاف، وفي هذا المعنى أحاديث هي مستوعبة في كتاب السير). [المحرر الوجيز: 4/ 142-143]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما جعله اللّه الآية، الضمير في جعله عائد على الوعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى، وقال الزجّاج: الضمير عائد على المدد، ويحتمل أن يعود على الإمداد، وهذا يحسن مع قول من يقول إن الملائكة لم تقاتل وإنما أنست بحضورها مع المسلمين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا عندي ضعيف ترده الأحاديث الواردة بقتال الملائكة وما رأى من ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن مسعود وغيره، ويحتمل أن يعود على الإرداف وهو قول الطبري، وهذا أيضا يجري مجرى القول الذي قبله ويحتمل أن يعود على «الألف» وهذا أيضا كذلك، لأن البشرى بالشيء إنما هي ما لم يقع بعد، و «البشرى» مصدر من بشرت، والطمأنينة السكون والاستقرار وقوله وما النّصر إلّا من عند اللّه توقيف على أن الأمر كله لله وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوبا بالجد كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، وهذه القصة كلها من قصة الكفار وغلبة المؤمنين لهم تليق بها من صفات الله عز وجل العزة والحكمة إذا تؤمل ذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 143-144]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام (11) إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ (12)
العامل في إذ هو العامل الذي عمل في قوله وإذ يعدكم [الأنفال: 7] بتقدير تكراره لأن الاشتراك في العامل الأول نفسه لا يكون إلا بحرف عطف، وإنما القصد أن تعدد نعمة الله تعالى على المؤمنين في يوم بدر فقال: واذكروا إذ فعلنا بكم كذا
وقال الطبري: العامل في إذ قوله ولتطمئنّ [الأنفال: 10].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مع احتماله فيه ضعف، ولو جعل العامل في إذ شيئا قريبا مما قبلها لكان الأولى في ذلك أن يعمل في إذ حكيمٌ [الأنفال: 10] لأن إلقاء النعاس عليهم وجعله أمنة حكمة من الله عز وجل، وقرأ نافع «يغشيكم» بضم الياء وسكون الغين وهي قراءة الأعرج وأبي حفص وابن نصاح، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر والكسائي «يغشّيكم» بفتح الغين وشد الشين المكسورة وهي قراءة عروة بن الزبير وأبي رجاء والحسن وعكرمة وغيرهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يغشاكم» بفتح الياء وألف بعد الشين وهي قراءة مجاهد وابن محيصن وأهل مكة «النعاس» بالرفع، وحجة من قرأ «يغشاكم» إجماعهم في آية أحد على يغشى طائفةً منكم [آل عمران: 154]، وحجة من قرأ «يغشيكم» أن يجيء الكلام متسقا مع ينزّل، ومعنى يغشّيكم يغطيكم به ويفرغه عليكم، وهذه استعارة والنّعاس أخف النوم وهو الذي قد يصيب الإنسان وهو واقف أو ماش، وينص على ذلك قصص هذه الآية أنهم إنما كان بهم خفق في الرؤوس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا نعس أحدكم في صلاته» الحديث، وينص على ذلك قول الشاعر [ابن الرقاع]: [الكامل]
وسنان أقصده النعاس فرنّقت = في عينه سنة وليس بنائم
وقوله أمنةً مصدر من أمن الرجل يأمن أمنا وأمنة وأمانا، والهاء فيها لتأنيث المصدر كما هي في المساءة والمشقة، وقرأ ابن محيصن «أمنة» بسكون الميم وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: النعاس عند حضور القتال علامة أمن من العدو وهو من الله، وهو في الصلاة من الشيطان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إنما طريقه الوحي فهو لا محالة إنما يسنده، وقوله وينزّل عليكم من السّماء ماءً تعديد أيضا لهذه النعمة في المطر، فقال بعض المفسرين وحكاه الطبري عن ابن عباس وغيره، وقاله الزجّاج: إن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر فنزلوا عليه وبقي المؤمنون لا ماء لهم فوجست نفوسهم وعطشوا وأجنبوا وصلوا كذلك، فقال بعضهم في نفوسهم- بإلقاء الشيطان إليهم- نزعم أنّا أولياء الله وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالنا هذه والمشركون على الماء، فأنزل الله المطر ليلة بدر السابعة عشرة من رمضان حتى سالت الأودية فشرب الناس وتطهروا وسقوا الظهر.
وتدمثت السبخة التي كانت بينهم وبين المشركين حتى ثبتت فيها أقدام المسلمين وقت القتال وكانت قبل المطر تسوخ فيها الأرجل فلما نزل الطش تلبدت قالوا: فهذا معنى قوله ليطهّركم به أي من الجنابة، ويذهب عنكم رجز الشّيطان أي عذابه لكم بوساوسه المتقدمة الذكر، والرجز العذاب، وقرأ أبو العالية «رجس» بالسين أي وساوسه التي تمقت وتتقذر، وقرأ ابن محيصن «رجز» بضم الراء، وقرأ عيسى بن عمر «ويذهب» بجزم الباء، وليربط على قلوبكم أي بتنشيطها وإزالة الكسل عنها وتشجيعها على العدو ومنه قولهم: رابط الجأش أي ثابت النفس عند جأشها في الحرب ويثبّت به الأقدام أي في الرملة الدهسة التي كان المشي فيها صعبا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصحيح من القول وهو الذي في سيرة ابن إسحاق وغيرها أن المؤمنين سبقوا إلى الماء ببدر، وفي هذا كلام حباب بن المنذر الأنصاري حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أول ماء، فقال له حباب: أبوحي يا رسول الله هو المنزل فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو عندك الرأي والمكيدة؟ الحديث المستوعب في السيرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولكن نزول المطر كان قبل وصولهم إلى الماء وذلك أن القوم من المؤمنين لحقتهم في سفرهم الجنابات وعدموا الماء قريب بدر فصلوا كذلك فوقع في نفوسهم من ذلك، ووسوس الشيطان لهم في ذلك مع تخويفه لهم من كثرة العدو وقتلهم، وهذا قبل الترائي بالأعين، وأيضا فكانت بينهم وبين ماء بدر مسافة طويلة من رمل دهس لين تسوخ فيه الأرجل وكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكفار إلى ماء بدر فتحرضوا هم أن يسبقوهم إليه فأنزل الله تلك المطرة فسالت الأودية فاغتسلوا وطهرهم الله فذهب رجز الشيطان وتدمت الطريق وتلبدت تلك الرملة فسهل المشي فيها وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى الماء، ووقع في السير أن ما أصاب المشركين من ذلك المطر بعينه صعب عليهم طريقهم، فسر المؤمنون وتبينوا من جعل الله بهم ذلك قصد المعونة لهم، فطابت نفوسهم واجتمعت وتشجعت، فذلك الربط على قلوبهم وتثبيت الأقدام منهم على الرملة اللينة فأمكنهم لحاق الماء قبل المشركين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا أحد ما يحتمله قوله ويثبّت به الأقدام والضمير في به على هذا الاحتمال عائد على الماء، ويحتمل أن يعود الضمير في به على ربط القلوب فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب، وبين أن الرابط الجأش تثبت قدمه عند مكافحة الهول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ونزول الماء كان في الزمن قبل تغشية النعاس ولم يترتب ذلك في الآية إذ القصد فيها تعديد النعم فقط، وحكى أبو الفتح أن الشعبي قرأ «وينزل عليكم من السماء ما» ساكنة الألف ليطهّركم به قال: وهي بمعنى الذي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف وقرأ ابن المسيب «ليطهركم به» بسكون الطاء). [المحرر الوجيز: 4/ 144-148]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إذ يوحي ربّك إلى الملائكة الآية، العامل في إذ العامل الأول على ما تقدم فيما قبلها، ولو قدرناه قريبا لكان قوله ويثبّت على تأويل عود الضمير على الربط، وأما على عوده على الماء فيقلق أن تعمل ويثبّت في إذ ووحي الله إلى الملائكة إما بإلهام أو بإرسال بعض إلى بعض، وقرأ عيسى بن عمر بخلاف عنه «إني معكم» بكسر الألف على استئناف إيجاب القصة، وقرأ جمهور الناس «أني» بفتح الألف على أنها معمولة ل يوحي، ووجه الكسر أن الوحي في معنى القول، وقوله فثبّتوا يحتمل أن يكون بالقتال معهم على ما روي.
ويحتمل بالحضور في حيزهم والتأنيس لهم بذلك، ويحتمل أن يريد: فثبوتهم بأقوال مؤنسة مقوية للقلب، وروي في ذلك أن بعض الملائكة كان في صورة الآدميين فكان أحدهم يقول للذي يليه من المؤمنين: لقد بلغني أن الكفار قالوا لئن حمل المسلمون علينا لننكشفن، ويقول آخر: ما أرى الغلبة والظفر إلا لنا. ويقول آخر: أقدم يا فلان، ونحو هذا من الأقوال المثبتة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أيضا أن يكون التثبيت الذي أمر به ما يلقيه الملك في قلب الإنسان بلمته من توهم الظفر واحتقار الكفار ويجري عليه من خواطر تشجيعه ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى: سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب وإن كان إلقاء الرعب يطابق التثبيت على أي صورة كان التثبيت ولكنه أشبه بهذا إذ هي من جنس واحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا التأويل يجيء قوله سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب مخاطبة للملائكة، ثم يجيء قوله تعالى: فاضربوا فوق الأعناق لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر عن صورة الحال كما تقول إذا وصفت حربا لمن تخاطبه لقينا القوم وهزمناهم فاضرب بسيفك حيث شئت واقتل وخذ أسيرك، أي هذه كانت صفة الحال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن يكون سألقي إلى آخر الآية خبرا يخاطب به المؤمنين عما يفعله في الكفار في المستقبل كما فعله في الماضي، ثم أمرهم بضرب الرقاب والبنان تشجيعا لهم وحضا على نصرة الدين، وقرأ الأعرج «الرعب» بضم العين والناس على تسكينها، واختلف الناس في قوله فوق الأعناق، فقال الأخفش فوق زيادة، وحكاه الطبري عن عطية أن المعنى فاضربوا الأعناق وقال غيره بمعنى على، وقال عكرمة مولى ابن عباس: هي على بابها وأراد الرؤوس إذ هي فوق الأعناق، وقال المبرد: وفي هذا إباحة ضرب الكافر في الوجه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التأويل أنبلها، ويحتمل عندي أن يريد بقوله فوق الأعناق وصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس في المفصل، وينظر إلى هذا المعنى قول دريد بن الصمة السلمي حين قال له خذ سيفي وارفع به عن العظم واخفض عن الدماغ فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال، ومثله قول الشاعر: [الوافر].
جعلت السيف بين الجيد منه = وبين أسيل خديه عذارا
فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكنا، وقال ابن قتيبة فوق في هذه الآية بمعنى دون، وهذا خطأ بين، وإنما دخل عليه اللبس من قوله تعالى: ما بعوضةً فما فوقها [البقرة: 26] أي فما دونها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليست فوق هنا بمعنى دون وإنما المراد فما فوقها في القلة والصغر فأشبه المعنى دون وال بنانٍ قالت فرقة: هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء، فالمعنى على هذا واضربوا منهم في كل موضع، وقالت فرقة: البنان الأصابع، وهذا هو القول الصحيح، فعلى هذا التأويل وإن كان الضرب في كل موضع مباحا فإنما قصد أبلغ المواضع لأن المقاتل إذا قطع بنانه استأسر ولم ينتفع بشيء من أعضائه في مكافحة وقتال). [المحرر الوجيز: 4/ 148-151]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب (13) ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار (14) يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار (15) ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفاً لقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (16)
هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون داخلون فيه بالمعنى والضمير في أنّهم عائد على الذين كفروا، وشاقّوا معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا، وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين، وهذه مفاعلة فكأن الله لما شرع شرعا وأمر بأوامر وكذبوا هم وصدوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق، والشق مأخوذ من هذا لأنه مع شقه الآخر تباعدا وانفصلا وعبر المفسرون عن قوله تعالى: شاقّوا أي صاروا في شق غير شقه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا وإن كان معناه صحيحا فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه، والمثال الأول إنما هو الشّق بفتح الشين، وأجمعوا على الإظهار في شاقق
اتباعا لخط المصحف، وقوله إنّ اللّه شديد العقاب جواب الشرط تضمن وعيدا وتهديدا). [المحرر الوجيز: 4/ 151-152]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ذلكم فذوقوه المخاطبة للكفار، أي ذلكم الضرب والقتل وما أوقع الله بهم يوم بدر، فكأنه قال الأمر ذلكم فذوقوه وكذا فسره سيبويه، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون ذلكم في موضع نصب كقوله زيدا فاضربه، وقرأ جمهور الناس «وأن» بفتح الألف، فإما على تقدير وحتم أن. فيقدر على ابتداء محذوف يكون «أن» خبره، وإما على تقدير واعلموا أن، فهي على هذا في موضع نصب، وروى سليمان عن الحسن بن أبي الحسن و «إن» على القطع والاستئناف). [المحرر الوجيز: 4/ 152]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين (9) وما جعله اللّه إلّا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلّا من عند اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (10) }
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو نوحٍ قراد، حدّثنا عكرمة بن عمّار، حدّثنا سماكٌ الحنفي أبو زميل، حدّثني ابن عبّاسٍ حدّثني عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، قال: لمّا كان يوم بدرٍ نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه، وهم ثلاثمائةٍ ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألفٌ وزيادةٌ، فاستقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: " اللّهمّ أين ما وعدتني، اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا"، قال: فما زال يستغيث ربّه [عزّ وجلّ] ويدعوه حتّى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءه فردّاه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا رسول اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} فلمّا كان يومئذٍ والتقوا، فهزم اللّه المشركين، فقتل منهم سبعون رجلًا وأسر منهم سبعون رجلًا واستشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكرٍ وعليًّا وعمر فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان، وإنّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه منهم قوّةً لنا على الكفّار، وعسى أن يهديهم اللّه فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما ترى يا ابن الخطّاب؟ " قال: قلت: واللّه ما أرى ما رأى أبو بكرٍ، ولكنّي أرى أن تمكنني من فلانٍ -قريبٍ لعمر -فأضرب عنقه، وتمكن عليًّا من عقيلٍ فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلانٍ -أخيه -فيضرب عنقه، حتّى يعلم اللّه أن ليس في قلوبنا هوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمّتهم وقادتهم، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلمّا كان من الغد -قال عمر-غدوت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبي بكرٍ وهما يبكيان، فقلت: يا رسول اللّه، [أخبرني] ما يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما! قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " للّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، قد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة -لشجرةٍ قريبةٍ"، وأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} إلى قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم} [الأنفال: 67، 68] من الفداء، ثمّ أحلّ لهم الغنائم، فلمّا كان يوم أحدٍ من العام المقبل، عوقبوا ممّا صنعوا يوم بدرٍ، من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدّم على وجهه، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [آل عمران: 165] بأخذكم الفداء..
ورواه مسلمٌ، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن جريرٍ، وابن مردويه، من طرقٍ عن عكرمة بن عمّارٍ، به. وصحّحه عليّ بن المدينيّ والتّرمذيّ، وقالا لا يعرف إلّا من حديث عكرمة بن عمّارٍ اليمانيّ
وهكذا روى عليّ بن أبي طلحة والعوفي، عن ابن عبّاسٍ: أنّ هذه الآية الكريمة قوله: {إذ تستغيثون ربّكم [فاستجاب لكم]} أنّها في دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكذا قال يزيد بن يثيع، والسّدّي، وابن جريجٍ.
وقال أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصين، عن أبي صالحٍ قال: لمّا كان يوم بدرٍ، جعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يناشد ربّه أشدّ النّشدة يدعو، فأتاه عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فقال: يا رسول اللّه، بعض نشدتك، فواللّه ليفين اللّه لك بما وعدك
وقال البخاريّ في "كتاب المغازي"، باب قول اللّه عزّ وجلّ: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم} إلى قوله: {فإنّ اللّه شديد العقاب} حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعودٍ يقول: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى لموسى: {اذهب أنت وربّك فقاتلا} [المائدة: 24] ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك، فرأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه -يعني قوله
وحدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حوشب، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ: "اللّهمّ أنشدك عهدك ووعدك، اللّهمّ إن شئت لم تعبد"، فأخذ أبو بكرٍ بيده، فقال: حسبك! فخرج وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} [القمر: 45].
ورواه النّسائيّ عن بندار عن عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثقفي
وقوله تعالى: {بألفٍ من الملائكة مردفين} أي: يردف بعضهم بعضًا، كما قال هارون بن عنترة عن ابن عبّاسٍ: {مردفين} متتابعين.
ويحتمل أن [يكون] المراد {مردفين} لكم، أي: نجدةً لكم، كما قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {مردفين} يقول: المدد، كما تقول: ائت الرّجل فزده كذا وكذا.
وهكذا قال مجاهدٌ، وابن كثيرٍ القارئ، وابن زيدٍ: {مردفين} ممدّين.
وقال أبو كدينة، عن قابوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} قال: وراء كلّ ملكٍ ملكٌ.
وفي روايةٍ بهذا الإسناد: {مردفين} قال: بعضهم على أثر بعضٍ. وكذا قال أبو ظبيان، والضّحّاك، وقتادة.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا إسحاق، حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، حدّثني عبد العزيز بن عمران، عن الزّمعي، عن أبي الحويرث، عن محمّد بن جبير، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: نزل جبريل في ألفٍ من الملائكة عن ميمنة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وفيها أبو بكرٍ، ونزل ميكائيل في ألفٍ من الملائكة عن ميسرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنا في الميسرة.
وهذا يقتضي -لو صحّ إسناده -أنّ الألف مردفةٌ بمثلها؛ ولهذا قرأ بعضهم: "مردفين" بفتح الدّال، فاللّه أعلم.
والمشهور ما رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: وأمدّ اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين بألفٍ من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائةٍ من الملائكة مجنّبة، وميكائيل في خمسمائةٍ مجنّبة.
وروى الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، ومسلمٌ، من حديث عكرمة بن عمّارٍ، عن أبي زميل سماك بن وليدٍ الحنفي، عن ابن عبّاسٍ، عن عمر، الحديث المتقدّم. ثمّ قال أبو زميل حدّثني ابن عبّاسٍ قال: بينا رجلٌ من المسلمين يشتدّ في أثر رجلٍ من المشركين أمامه، إذ سمع ضربةً بالسّوط فوقه، وصوت الفارس يقول: "أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مستلقيًا قال: فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشقّ وجهه كضربة السّوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاريّ فحدّث ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "صدقت، ذلك من مدد السّماء الثّالثة"، فقتلوا يومئذٍ سبعين وأسروا سبعين.
وقال البخاريّ: "باب شهود الملائكة بدرًا ": حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا جريرٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن معاذ بن رفاعة بن رافعٍ الزّرقي، عن أبيه -وكان أبوه من أهل بدرٍ -قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما تعدّون أهل بدرٍ فيكم؟ قال: " من أفضل المسلمين" -أو كلمةً نحوها -قال: "وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.
انفرد بإخراجه البخاريّ وقد رواه الطّبرانيّ في المعجم الكبير من حديث رافع بن خديج، وهو خطأٌ والصّواب رواية البخاريّ، واللّه [تعالى] أعلم.
وفي الصّحيحين: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعمر لمّا شاوره في قتل حاطب بن أبي بلتعة: "إنّه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعلّ اللّه قد اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 18-21]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى [ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلا من عند الله]} الآية أي: وما جعل اللّه بعث الملائكة وإعلامه إيّاكم بهم إلّا بشرى، {ولتطمئنّ به قلوبكم}؛ وإلّا فهو تعالى قادرٌ على نصركم على أعدائكم بدون ذلك، ولهذا قال: {وما النّصر إلا من عند اللّه} كما قال تعالى: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً حتّى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم} [محمّدٍ: 4-6] وقال تعالى: {وتلك الأيّام نداولها بين النّاس وليعلم اللّه الّذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء واللّه لا يحبّ الظّالمين وليمحّص اللّه الّذين آمنوا ويمحق الكافرين} [آل عمران: 140، 141] فهذه حكمٌ شرع اللّه جهاد الكفّار بأيدي المؤمنين لأجلها، وقد كان تعالى إنّما يعاقب الأمم السّالفة المكذّبة للأنبياء بالقوارع الّتي تعمّ تلك الأمّة المكذّبة، كما أهلك قوم نوحٍ بالطّوفان، وعادًا الأولى بالدّبور، وثمود بالصّيحة، وقوم لوطٍ بالخسف والقلب وحجارة السّجّيل وقوم شعيبٍ بيوم الظّلّة، فلمّا بعث اللّه تعالى موسى [عليه السّلام] وأهلك عدوّه فرعون وقومه بالغرق في اليمّ، ثمّ أنزل على موسى التّوراة، شرع فيها قتال الكفّار، واستمرّ الحكم في بقيّة الشّرائع بعده على ذلك، كما قال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر [للنّاس]} [القصص: 43] وقتل المؤمنين الكافرين أشدّ إهانةً للكافرين، وأشفى لصدور المؤمنين، كما قال تعالى للمؤمنين من هذه الأمّة: {قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين [ويذهب غيظ قلوبهم]} [التّوبة: 14، 15]؛ ولهذا كان قتل صناديد قريشٍ بأيدي أعدائهم الّذين ينظرون إليهم بأعين ازدرائهم، أنكى لهم وأشفى لصدور حزب الإيمان. فقتل أبي جهلٍ في معركة القتال وحومة الوغى، أشدّ إهانةً له من أن يموت على فراشه بقارعةٍ أو صاعقةٍ أو نحو ذلك، كما مات أبو لهبٍ -لعنه اللّه-بالعدسة بحيث لم يقربه أحدٌ من أقاربه، وإنّما غسّلوه بالماء قذفًا من بعيدٍ، ورجموه حتّى دفنوه؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ اللّه عزيزٌ} أي: له العزّة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد [يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم]} [غافر: 51، 52] {حكيم} فيما شرعه من قتال الكفّار، مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم، بحوله وقوّته، سبحانه وتعالى).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 21-22]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام (11) إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ (12) ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب (13) ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار (14) }
يذكّرهم اللّه بما أنعم به عليهم من إلقائه النّعاس عليهم، أمانًا من خوفهم الّذي حصل لهم من كثرة عدوّهم وقلّة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد، كما قال تعالى: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم} [آل عمران: 154].
قال أبو طلحة كنت ممّن أصابه النّعاس يوم أحدٍ، ولقد سقط السّيف من يدي مرارًا يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحجف.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا زهير، حدّثنا ابن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرّب، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: ما كان فينا فارسٌ يوم بدرٍ غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلّا نائمٌ إلّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يصلّي تحت شجرةٍ ويبكي حتّى أصبح
وقال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ عن أبي رزين، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، أنّه قال: النّعاس في القتال أمنةٌ من اللّه، وفي الصّلاة من الشّيطان.
وقال قتادة: النّعاس في الرّأس، والنّوم في القلب.
قلت: أمّا النّعاس فقد أصابهم يوم أحدٍ، وأمر ذلك مشهورٌ جدًّا، وأمّا يوم بدرٍ في هذه الآية الشّريفة إنّما هي في سياق قصّة بدرٍ، وهي دالّةٌ على وقوع ذلك أيضًا وكأنّ ذلك كان سجية للمؤمنين عند شدّة البأس لتكون قلوبهم آمنةً مطمئنّةً بنصر اللّه. وهذا من فضل اللّه ورحمته بهم ونعمه عليهم، وكما قال تعالى: {فإنّ مع العسر يسرًا إنّ مع العسر يسرًا} [الشّرح: 5، 6]؛ ولهذا [جاء] في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما كان يوم بدرٍ في العريش مع الصّدّيق، رضي اللّه عنه، وهما يدعوان، أخذت رسول اللّه سنةٌ من النّوم، ثمّ استيقظ متبسّمًا فقال: "أبشر يا أبا بكرٍ، هذا جبريل على ثناياه النّقع" ثمّ خرج من باب العريش، وهو يتلو قوله تعالى: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} [القمر: 45].
وقوله: {وينزل عليكم من السّماء ماءً} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: نزل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني: حين سار إلى بدرٍ -والمسلمون بينهم وبين الماء رملةٌ دعصةٌ وأصاب المسلمين ضعفٌ شديدٌ، وألقى الشّيطان في قلوبهم الغيظ، يوسوس بينهم: تزعمون أنّكم أولياء اللّه تعالى وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلّون مجنبين! فأمطر اللّه عليهم مطرًا شديدًا، فشرب المسلمون وتطهّروا، وأذهب اللّه عنهم رجز الشّيطان، وانشفّ الرّمل حين أصابه المطر ومشى النّاس عليه والدّوابّ، فساروا إلى القوم وأمدّ اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين بألفٍ من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائةٍ مجنّبة، وميكائيل في خمسمائةٍ مجنّبة.
وكذا قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: إنّ المشركين من قريشٍ لمّا خرجوا لينصروا العير وليقاتلوا عنها، نزلوا على الماء يوم بدرٍ، فغلبوا المؤمنين عليه. فأصاب المؤمنين الظّمأ، فجعلوا يصلّون مجنبين محدثين، حتّى تعاظموا ذلك في صدورهم، فأنزل اللّه من السّماء ماءً حتّى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملئوا الأسقية، وسقوا الرّكاب واغتسلوا من الجنابة، فجعل اللّه في ذلك طهورًا، وثبّت الأقدام. وذلك أنّه كانت بينهم وبين القوم رملةٌ، فبعث اللّه المطر عليها، فضربها حتّى اشتدّت، وثبتت عليها الأقدام.
ونحو ذلك روي عن قتادة، والضّحّاك، والسّدّيّ.
وقد روي عن سعيد بن المسيّب، والشّعبيّ، والزّهريّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: إنّه طشٌّ أصابهم يوم بدرٍ.
والمعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سار إلى بدرٍ، نزل على أدنى ماءٍ هناك أي: أوّل ماءٍ وجده، فتقدّم إليه الحباب بن المنذر فقال: يا رسول اللّه، هذا المنزل الّذي نزلته منزلٌ أنزلكه اللّه فليس لنا أن نجاوزه، أو منزلٌ نزلته للحرب والمكيدة؟ فقال: " بل منزلٌ نزلته للحرب والمكيدة". فقال: يا رسول اللّه إنّ هذا ليس بمنزلٍ، ولكن سر بنا حتّى ننزل على أدنى ماءٍ يلي القوم ونغوّر ما وراءه من القلب، ونستقي الحياض فيكون لنا ماءٌ وليس لهم ماءٌ. فسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ففعل كذلك
وفي مغازي " الأمويّ" أنّ الحباب لمّا قال ذلك نزل ملكٌ من السّماء وجبريل جالسٌ عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال ذلك الملك: يا محمّد، إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: إنّ الرّأي ما أشار به "الحباب بن المنذر" فالتفت رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] إلى جبريل، عليه السّلام، فقال: هل تعرف هذا؟ فنظر إليه فقال: ما كلّ الملائكة أعرفهم، وإنّه ملكٌ وليس بشيطانٍ.
وأحسن ما في هذا ما رواه الإمام محمّد بن إسحاق بن يسارٍ صاحب "المغازي"، رحمه اللّه: حدّثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير قال: بعث اللّه السّماء -وكان الوادي دهسًا -فأصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ما لبّد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير، وأصاب قريشًا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه
وقال مجاهدٌ: أنزل اللّه عليهم المطر قبل النّعاس، فأطفأ بالمطر الغبار، وتلبّدت به الأرض، وطابت نفوسهم وثبتت به أقدامهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا هارون بن إسحاق، حدّثنا مصعب بن المقدام، حدّثنا إسرائيل، حدّثنا أبو إسحاق، عن جارية، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: أصابنا من اللّيل طشٌّ من المطر -يعني اللّيلة الّتي كانت في صبيحتها وقعة بدرٍ -فانطلقنا تحت الشّجر والحجف نستظلّ تحتها من المطر. وبات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو ربّه: "اللّهمّ إنّ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"! فلمّا أن طلع الفجر، نادى: "الصّلاة، عباد اللّه"، فجاء النّاس من تحت الشّجر والحجف، فصلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحرّض على القتال.
وقوله: {ليطهّركم به} أي: من حدثٍ أصغر أو أكبر، وهو تطهير الظّاهر {ويذهب عنكم رجز الشّيطان} أي: من وسوسةٍ أو خاطرٍ سيّئٍ، وهو تطهير الباطن، كما قال تعالى في حقّ أهل الجنّة: {عاليهم ثياب سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ وحلّوا أساور من فضّةٍ} فهذا زينة الظّاهر {وسقاهم ربّهم شرابًا طهورًا} [الإنسان: 21] أي: مطهّرًا لما كان من غلٍّ أو حسدٍ أو تباغضٍ، وهو زينة الباطن وطهارته.
{وليربط على قلوبكم} أي: بالصّبر والإقدام على مجالدة الأعداء، وهو شجاعة الباطن، {ويثبّت به الأقدام} وهو شجاعة الظّاهر، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 22-24]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا} وهذه نعمةٌ خفيّةٌ أظهرها اللّه تعالى لهم، ليشكروه عليها، وهو أنّه -تعالى وتقدّس وتبارك وتمجّد -أوحى إلى الملائكة الّذين أنزلهم لنصر نبيّه ودينه وحزبه المؤمنين، يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبّتوا الّذين آمنوا.
قال ابن إسحاق: وازروهم. وقال غيره: قاتلوا معهم. وقيل: كثّروا سوادهم. وقيل: كان ذلك بأنّ الملك كان يأتي الرّجل من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: سمعت هؤلاء القوم -يعني المشركين -يقولون: "واللّه لئن حملوا علينا لننكشفنّ"، فيحدّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك، فتقوى أنفسهم حكاه ابن جريرٍ، وهذا لفظه بحروفه.
وقوله: {سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب} أي: ثبّتوا أنتم المسلمين وقوّوا أنفسهم على أعدائهم، عن أمري لكم بذلك، سألقي الرّعب والمذلّة والصّغار على من خالف أمري، وكذّب رسولي {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ} أي: اضربوا الهام ففلّقوها، واحتزّوا الرّقاب فقطّعوها، وقطّعوا الأطراف منهم، وهي أيديهم وأرجلهم.
وقد اختلف المفسّرون في معنى: {فوق الأعناق} فقيل: معناه اضربوا الرؤوس. قاله عكرمة.
وقيل: معناه: {فوق الأعناق} أي: على الأعناق، وهي الرّقاب. قاله الضّحّاك، وعطيّة العوفيّ.
ويشهد لهذا المعنى أنّ اللّه تعالى أرشد المؤمنين إلى هذا في قوله تعالى: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق} [محمّدٍ: 4].
وقال وكيعٌ، عن المسعوديّ، عن القاسم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لم أبعث لأعذّب بعذاب اللّه، إنّما بعثت بضرب الرّقاب وشدّ الوثاق"
واختار ابن جريرٍ أنّها قد تدلّ على ضرب الرّقاب وفلق الهام.
قلت: وفي مغازي "الأمويّ" أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل يمرّ بين القتلى يوم بدرٍ فيقول:
"نفلّق هامًا = ".
فيقول أبو بكر: من رجال أعزة عليناوهم كانوا أعق وأظلما
فيبتدئ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأوّل البيت، ويستطعم أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، إنشاد آخره؛ لأنّه كان لا يحسن إنشاد الشّعر، كما قال تعالى: {وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له} [يس:69].
وقال الرّبيع بن أنسٍ: كان النّاس يوم بدرٍ يعرفون قتلى الملائكة ممّن قتلوا هم بضربٍ فوق الأعناق، وعلى البنان مثل سمة النّار قد أحرق به.
وقوله: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال ابن جريرٍ: معناه: واضربوه أيّها المؤمنون من عدوّكم كلّ طرفٍ ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم. و "البنان": جمع بنانةٍ، كما قال الشاعر ألا ليتني قطّعت منه بنانةًولاقيته في البيت يقظان حاذرا
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} يعني بالبنان: الأطراف. وكذا قال الضّحّاك وابن جريجٍ.
وقال السّدّيّ: البنان: الأطراف، ويقال: كلّ مفصل.
وقال عكرمة، وعطيّة العوفيّ والضّحّاك -في روايةٍ أخرى-: كلّ مفصلٍ.
وقال الأوزاعيّ في قوله تعالى: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال: اضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهابٍ من نارٍ، فإذا أخذته حرم ذلك كلّه عليك.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ -فذكر قصّة بدرٍ إلى أن قال-: فقال أبو جهلٍ: لا تقتلوهم قتلًا ولكن خذوهم أخذًا، حتّى تعرّفوهم الّذي صنعوا من طعنهم في دينكم، ورغبتهم عن اللّات والعزّى. فأوحى اللّه إلى الملائكة: {أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ} فقتل أبو جهلٍ لعنه اللّه، في تسعةٍ وستّين رجلًا وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبرًا، فوفّى ذلك سبعين -يعني: قتيلًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 25-26]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولذلك قال [اللّه] تعالى: {ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله} أي: خالفوهما فساروا في شقٍّ، وتركوا الشّرع والإيمان به واتّباعه في شقٍّ -وهو مأخوذٌ أيضًا من شقّ العصا، وهو جعلها فرقتين - {ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب} أي: هو الطّالب الغالب لمن خالفه وناوأه، لا يفوته شيءٌ، ولا يقوم لغضبه شيءٌ، تبارك وتعالى، لا إله غيره، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 26]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار} هذا خطابٌ للكفّار أي: ذوقوا هذا العذاب والنّكال في الدّنيا، واعلموا أيضًا أنّ للكافرين عذاب النّار في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 26]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة