العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة محمد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الأولى 1434هـ/23-03-2013م, 05:46 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي تفسير سورة محمد [ من الآية (25) إلى الآية (32) ]

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)

روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 06:14 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم قال هم أهل الكتاب يقول بين لهم الهدى أي أنهم يجدونه مكتوبا عندهم والشيطان سول لهم يقول زين لهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/224]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى} يقول اللّه عزّ وجلّ إنّ الّذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفّارًا باللّه من بعد ما تبيّن لهم الحقّ وقصد السّبيل، فعرفوا واضح الحجّة، ثمّ آثروا الضّلال على الهدى عنادًا لأمر اللّه تعالى ذكره من بعد العلم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى} هم أعداء اللّه أهل الكتاب، يعرفون بعث محمّدٍ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه عندهم، ثمّ يكفرون به.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {من بعد ما تبيّن لهم الهدى} إنّهم يجدونه مكتوبًا عندهم.
وقال آخرون: عنى بذلك أهل النّفاق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم} إلى قوله {فأحبط أعمالهم} هم أهل النّفاق.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم} إلى {إسرارهم} هم أهل النّفاق.
وهذه الصّفة بصفة أهل النّفاق عندنا أشبه منها بصفة أهل الكتاب، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ أخبر أنّ ردّتهم كانت بقيلهم {للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر} ولو كانت من صفة أهل الكتاب لكان في وصفهم بالتّكذيب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الكفاية من الخبر عنهم بأنّهم إنّما ارتدّوا من أجل قيلهم ما قالوا.
وقوله: {الشّيطان سوّل لهم} يقول تعالى ذكره: الشّيطان زيّن لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبيّن لهم الهدى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم} يقول: زيّن لهم.
- حدّثنا قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {سوّل لهم} يقول: زيّن لهم.
وقوله: {وأملى لهم} يقول: ومدّ اللّه لهم في آجالهم ملاوةً من الدّهر، ومعنى الكلام: الشّيطان سوّل لهم، واللّه أملى لهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والكوفة {وأملى لهم} بفتح الألف منها بمعنى: وأملى اللّه لهم وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة (وأملي لهم) على وجه ما لم يسمّ فاعله وقرأ مجاهدٌ فيما ذكر عنه (وأملي) بضمّ الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من اللّه جلّ ثناؤه عن نفسه أنّه يفعل ذلك بهم.
وأولى هذه القراءات بالصّواب الّتي عليها عامّة قرّاء الحجاز والكوفة من فتح الألف في ذلك، لأنّها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، وإن كان يجمعها مذهبٌ تتقارب معانيها فيه). [جامع البيان: 21/217-219]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 25 - 28.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: هم أعداء الله أهل الكتاب يعرفون نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم ويجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ثم يكفرون به {الشيطان سول لهم} قال: زين لهم {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله} قال: هم المنافقون). [الدر المنثور: 13/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: اليهود ارتدوا عن الهدى بعد أن عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي {الشيطان سول لهم وأملى لهم} قال: أملى الله لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله قال: يهود تقول للمنافقين من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكانوا يسرون إليهم إنا {سنطيعكم في بعض الأمر} وكان بعض الأمر أنهم يعلمون أن محمدا نبي وقالوا: اليهودية الدين فكان المنافقون يطيعون اليهود بما أمرتهم {والله يعلم إسرارهم} قال: ذلك سر القول {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} قال: عند الموت). [الدر المنثور: 13/447-448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن الذين ارتدوا على أدبارهم}، إلى {إسرارهم} هم أهل النفاق). [الدر المنثور: 13/448]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى كرهوا ما نزل الله قال هم المنافقون). [تفسير عبد الرزاق: 2/224]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر واللّه يعلم إسرارهم}.
يقول تعالى ذكره: أملى اللّه لهؤلاء المنافقين وتركهم، والشّيطان سوّل لهم، فلم يوفّقهم للهدى من أجل أنّهم {قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه} من الأمر بقتال أهل الشّرك به من المنافقين: {سنطيعكم في بعض الأمر} الّذي هو خلافٌ لأمر اللّه تبارك وتعالى، وأمر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر} فهؤلاء المنافقون.
{واللّه يعلم إسرارهم} يقول تعالى ذكره: واللّه يعلم إسرار هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النّفاق، على خلاف أمر اللّه وأمر رسوله، إذ يتسارّون فيما بينهم بالكفر باللّه ومعصية الرّسول، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلّها.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة (أسرارهم) بفتح الألف من (أسرارهم) على وجه جماع (سرٍّ) وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة {إسرارهم} بكسر الألف على أنّه مصدرٌ من أسررت إسرارًا.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أنّهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 21/219-220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 25 - 28.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: هم أعداء الله أهل الكتاب يعرفون نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم ويجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ثم يكفرون به {الشيطان سول لهم} قال: زين لهم {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله} قال: هم المنافقون). [الدر المنثور: 13/447] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قال: اليهود ارتدوا عن الهدى بعد أن عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي {الشيطان سول لهم وأملى لهم} قال: أملى الله لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله قال: يهود تقول للمنافقين من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكانوا يسرون إليهم إنا {سنطيعكم في بعض الأمر} وكان بعض الأمر أنهم يعلمون أن محمدا نبي وقالوا: اليهودية الدين فكان المنافقون يطيعون اليهود بما أمرتهم {والله يعلم إسرارهم} قال: ذلك سر القول {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} قال: عند الموت). [الدر المنثور: 13/447-448] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن الذين ارتدوا على أدبارهم}، إلى {إسرارهم} هم أهل النفاق). [الدر المنثور: 13/448] (م)

تفسير قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني حرملة بن عمران أنه سمع عمر بن عبد الله مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول: {كلا}، فإنما يقول: كذبت؛ وإذا [سمعت الله يقول (؟)]: {يضربون وجوههم وأدبارهم}، قال: يريد أستاههم). [الجامع في علوم القرآن: 2/57]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}.
يقول تعالى ذكره: واللّه يعلم إسرار هؤلاء المنافقين، فكيف لا يعلم حالهم إذا توفّتهم الملائكة، وهم يضربون وجوههم وأدبارهم، يقول: فحالهم أيضًا لا يخفى عليه في ذلك الوقت ويعني بالأدبار: الأعجاز، وقد ذكرنا الرّواية في ذلك فيما مضى قبل). [جامع البيان: 21/220-221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يضربون وجوههم وأدبارهم} قال: يضربون وجوههم وأستاهم ولكن الله كريم يكني). [الدر المنثور: 13/448]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه} يقول تعالى ذكره: تفعل الملائكة هذا الّذي وصفت بهؤلاء المنافقين من أجل أنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه، فأغضبه عليهم من طاعة الشّيطان {وكرهوا رضوانه} يقول: وكرهوا ما يرضيه عنهم من قتال الكفّار به، بعد ما افترضه عليهم.
وقوله: {فأحبط أعمالهم} يقول: فأبطل اللّه ثواب أعمالهم وأذهبه، لأنّها عملت في غير رضاه ولا محبّته، فبطلت، ولم تنفع عاملها). [جامع البيان: 21/221]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {أضغانهم} [محمد: 29] : «حسدهم»). [صحيح البخاري: 6/134]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاس أضغانهم حسدهم وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ في قوله أن لن يخرج اللّه أضغانهم قال أعمالهم خبثهم والحسد). [فتح الباري: 8/579]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم أنا علّي بن المبارك فيما كتب إليّ أنا زيد بن المبارك ثنا أبو ثور عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله 29 محمّد {أن لن يخرج الله أضغانهم} قال أعمالهم خبثهم والحسد الّذي في قلوبهم). [تغليق التعليق: 4/312]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ أضغانهم حسدهم
أي: قال ابن عبّاس في قوله تعالى: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} (محمّد: 29) وفسّر الأضغان بالحسد، وهو جمع ضغن وهو الحقد والحسد، والضّمير في: قلوبهم يرجع إلى المنافقين). [عمدة القاري: 19/172]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (أضغانهم) في قوله تعالى: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض} [محمد: 29] أن لن يخرج الله أضعانهم أي (حسدهم) بالحاء المهملة وقيل بغضهم وعدوانهم). [إرشاد الساري: 7/342]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول واللّه يعلم أعمالكم}.
يقول تعالى ذكره: أحسب هؤلاء المنافقون الّذين في قلوبهم شكٌّ في دينهم، وضعفٌ في يقينهم، فهم حيارى في معرفة الحقّ أن لن يخرج اللّه ما في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين، فيبديه لهم ويظهره، حتّى يعرفوا نفاقهم، وحيرتهم في دينهم {ولو نشاء لأريناكهم} يقول تعالى ذكره: ولو نشاء يا محمّد لعرّفناك هؤلاء المنافقين حتّى تعرفهم من قول القائل: سأريك ما أصنع، بمعنى سأعلّمك.
قوله: {فلعرفتهم بسيماهم} يقول: فلتعرفنّهم بعلامات النّفاق الظّاهرة منهم في فحوى كلامهم، وظاهر أفعالهم، ثمّ إنّ اللّه تعالى ذكره عرّفه إيّاهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم} إلى آخر الآية، قال: هم أهل النّفاق، وقد عرفه إيّاهم في براءة، فقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} وقال: {قل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا}.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ} الآية، هم أهل النّفاق {فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول} فعرّفه اللّه إيّاهم في سورة براءة، فقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} وقال {فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا}
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم} قال: هؤلاء المنافقون، قال: والّذي أسرّوا من النّفاق هو الكفر). [جامع البيان: 21/221-222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 29 - 32.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} قال: أعمالهم، خبثهم والحسد الذي في قلوبهم ثم دل الله النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد على المنافقين فكان يدعو باسم الرجل من أهل النفاق). [الدر المنثور: 13/448]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} قال: هؤلاء المنافقون، قال: وقد أراه اللّه إيّاهم، وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد، قال: فأبوا إلاّ أن تمسّكوا بلا إله إلاّ اللّه؛ فلمّا أبوا إلاّ أن تمسّكوا بلا إله إلاّ اللّه حقنت دماؤهم، ونكحوا ونوكحوا بها.
وقوله: {ولتعرفنّهم في لحن القول} يقول: ولتعرفنّ هؤلاء المنافقين في معنى قولهم نحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {في لحن القول} قال: قولهم.
{واللّه يعلم أعمالكم} لا يخفى عليه العامل منكم بطاعته، والمخالف ذلك، وهو مجازي جميعكم عليها). [جامع البيان: 21/223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله {ولتعرفنهم في لحن القول} قال: ببغضهم علي بن أبي طالب). [الدر المنثور: 13/449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم علي بن أبي طالب). [الدر المنثور: 13/449]

تفسير قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلوا أخباركم (31) إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى لن يضرّوا اللّه شيئًا وسيحبط أعمالهم}.
يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {ولنبلونّكم} أيّها المؤمنون بالقتل، وجهاد أعداء اللّه {حتّى نعلم المجاهدين منكم} يقول: حتّى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في اللّه منكم، وأهل الصّبر على قتال أعدائه، فيظهر ذلك لهم، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشّكّ والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النّفاق ونبلو أخباركم، فنعرف الصّادق منكم من الكاذب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين}، وقوله: {ولنبلونّكم بشيءٍ من الخوف والجوع} ونحو هذا قال: أخبر اللّه سبحانه المؤمنين أنّ الدّنيا دار بلاءٍ، وأنّه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصّبر، وبشّرهم فقال: {وبشّر الصّابرين} ثمّ أخبرهم أنّه، هكذا فعل بأنبيائه، وصفوته لتطيب أنفسهم، فقال: {مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا} فالبأساء: الفقر، والضّرّاء: السّقم، وزلزلوا بالفتن وأذى النّاس إيّاهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين} قال: نختبركم، البلوى: الاختبار. وقرأ {الم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون} قال: لا يختبرون {ولقد فتنّا الّذين من قبلهم} الآية.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم}، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار بالنّون: نبلو و{نعلم}، ونبلو على وجه الخبر من اللّه جلّ جلاله عن نفسه، سوى عاصمٍ فإنّه قرأ جميع ذلك بالياء والنّون هي القراءة عندنا لإجماع الحجّة من القرّاء عليها، وإن كان للأخرى وجهٌ صحيحٌ). [جامع البيان: 21/223-224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه أنه تلا هذه الآية {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين} الآية فقال: اللهم عافنا واسترنا ولا تبل أخبارنا). [الدر المنثور: 13/449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ أو ليبلونكم بالياء حتى يعلم بالياء ويبلو بالياء ونصب الواو والله أعلم). [الدر المنثور: 13/449]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه} يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين جحدوا توحيد اللّه، وصدّوا النّاس عن دينه الّذي ابتعث به رسله {وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى} يقول: وخالفوا رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فحاربوه وآذوه من بعد ما علموا أنّه نبيّ مبعوثٌ، ورسولٌ مرسلٌ، وعرفوا الطّريق الواضح بمعرفته، وأنّه للّه رسولٌ.
وقوله: {لن يضرّوا اللّه شيئًا} لأنّ اللّه بالغ أمره، وناصر رسوله، ومظهره على من عاداه وخالفه {وسيحبط أعمالهم} يقول: وسيذهب أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا فلا ينفعهم بها في الدّنيا والآخرة، ويبطلها إلاّ ممّا يضرّهم). [جامع البيان: 21/225]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 06:17 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ...}.
زين لهم وأملى لهم الله، وكذلك قرأها الأعمش وعاصم، وذكر عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت (رحمهم الله) أنهم قرءوها كذلك بفتح الألف.
وذكر عن مجاهد أنه قرأها: {وَأَمْلَى لَهُمْ } مرسلة الياء، يخبر الله جل وعز عن نفسه، وقرأ بعض أهل المدينة: وأملي لهم بنصب الياء وضم الألف، يجعله فعلاً لم يسمّ فاعله، والمعنى متقارب). [معاني القرآن: 3/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {" سَوَّلَ لَهُمْ} " زين لهم). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سول لهم}: زين لهم). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {سَوَّلَ لَهُمْ}: زين لهم، {وَأَمْلَى لَهُمْ }: أطال لهم الأمل). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)} المعنى رجعوا - بعد سماع الهدى وتبيّنه - إلى الكفر.
وقوله:{الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}. معنى (سوّل لهم) زيّن لهم {وَأَمْلَى لَهُمْ }، أملى اللّه لهم كما قال: {إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما} معناه إنما نؤخرهم.
وقد قرئت {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلي لَهُمْ} على الإخبار عن اللّه عزّ وجلّ، المعنى وأنا أملي.
وقرئت {وأملي لهم} بفتح الياء على ما لم يسم فاعله). [معاني القرآن: 5/13-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } [آية: 25]
قال قتادة هؤلاء أهل الكتاب عندهم صفة محمد فأنكروها وكفروا من بعد ما تبين لهم الهدى
وقال الضحاك هم أهل النفاق
{الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} قال قتادة أي زين لهم
ثم قال تعالى: {وَأَمْلَى لَهُمْ } المعنى وأملى الله لهم أي مد الله لهم في آجالهم ملاوة من الدهر كما قال تعالى: {وأملي لهم إن كيدي متين}
وقرأ مجاهد الشيطان سول لهم "وأملي لهم" وهذه قراءة حسنة والمعنى وأنا أملي لهم
وحكى الفراء أنه قرئ (وأملي لهم) وهي قراءة شيبة وأبي عمرو). [معاني القرآن: 6/483-484]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَوَّلَ}: زين). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إِسْرَارَهُمْ...}.
قرأها الناس: أسرارهم: جمع سر، وقرأها يحيى بن وثاب وحده: إسرارهم بكسر الألف، واتبعه الأعمش وحمزة والكسائي، وهو مصدر، ومثله: {وإدبار السجود} ). [معاني القرآن: 3/63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)}
المعنى - والله أعلم - الأمر ذلك أي ذلك الإضلال بقولهم للذين كرهوا ما نزل اللّه، وجاء في التفسير أنهم اليهود، قالوا سنطيعكم في بعض الأمر، أي سنطيعكم في التظاهر على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}.
و{إِسْرَارَهُمْ} قرئ بهما جميعا، فمن قرأ (أسرارهم)- بالفتح - فهو جمع سرّ وأسرار، مثل حمل وأحمال، ومن قرأ {إِسْرَارَهُمْ}فهو مصدر أسررت إسرارا). [معاني القرآن: 5/14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ } [آية: 26]
أي في التضافر على عداوة محمد
وقال سفيان يعني الفرائض
قال قتادة هم المنافقون). [معاني القرآن: 6/484]

تفسير قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)}
يفعلون بهم ذلك في نار جهنم - واللّه أعلم - ويكون المعنى فكيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم وأدبارهم). [معاني القرآن: 5/14]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}
المعنى - واللّه أعلم - ذلك جزاؤهم بأنهم اتبعوا الشيء الذي أسخط اللّه وكرهوا رضوانه، أي اتبعو من خالف النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن خالف الشريعة وكرهوا الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واتباع شريعته.
{فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي ما كان من عمل خير نحو صلة رحم أو بر أو صدقة، أحبط اللّه ذلك بكفرهم بما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم-). [معاني القرآن: 5/14-15]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ...} يقول: أن لن يبدي الله عداوتهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه). [معاني القرآن: 3/63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)}
{الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} المنافقون أي لن يبدي اللّه عداوتهم لرسوله عليه السلام ويظهره على نفاقهم). [معاني القرآن: 5/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } [آية: 29] أي عداوتهم أي يظهروا عداوتهم لأهل الإسلام). [معاني القرآن: 6/485]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ ...}.
يريد: لعرفناكهم، تقول للرجل: قد أريتك كذا وكذا، ومعناه عرفتكه وعلمتكه، ومثله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، في نحو القول، وفي معنى القول). [معاني القرآن: 3/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ("فِي لَحْنِ الْقَوْلِ" في فحوى القول، يقال: فلان ألحن بحجته من فلان). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {في لحن القول}: أي في فحواه ومعناه، وفلان ألحن
[غرائب القرآن :339]
بحجته من فلان أي أفطن). [غريب القرآن وتفسيره: 340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، في نحو كلامهم ومعناه). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}
معنى {لَأَرَيْنَاكَهُمْ}لعرفناكهم، تقول: قد أريتك هذا الأمر أي قد عرفتك إياه، المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السيمياء.
{فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي بتلك العلامة.
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، أي في فحوى القول.
فدلّ بهذا والله أعلم - على أن قول القائل وفعله يدلّ على نيّته.
وقول الناس: قد لحن فلان، تأويله: قد أخذ في ناحية عن الصواب، وعدل عن الصواب إليها، وقول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيا... نا وخير الحديث ما كان لحنا
تأويله: خير الحديث من مثل هذه ما كان لا يعرفه كلّ أحد، إنما يعرف قولها في أنحاء قولها). [معاني القرآن: 5/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } [آية: 30] أي لعرفناكهم يقال قد أريتك كذا أي عرفتكه
{فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي بعلامتهم
ثم قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[آية: 30]
أي فحواه ومعناه كما قال الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيانا = وخير الحديث ما كان لحنا
أي ما لم يصرح به وما عرف بالمعنى ونحو الكلام
وقولهم لحن فلان في هذا إنما معناه أخذ في ناحية غير الصواب). [معاني القرآن: 6/485-486]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} أي: في معنى القول، ويروى عن ابن عباس: في لحن القول - قال: ببغضهم عليا - عليه السلام). [ياقوتة الصراط: 470]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَحْنِ الْقَوْلِ}: ظاهره ويقين القول). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "{حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}" حتى نميز). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)}
معنى {لَنَبْلُوَنَّكُمْ} لنختبرنكم بالحرب.
{حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} وهو عزّ وجلّ قد علم قبل خلقهم المجاهدين منهم والصابرين، ولكنه أراد العلم الذي يقع به الجزاء، لأنه إنما يجازيهم على أعمالهم.
فتأويله حتى يعلم المجاهدين علم شهادة، وقد علم - عزّ وجلّ - الغيب، ولكن الجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم شهادة). [معاني القرآن: 5/16]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضُّرّ: الشدة والبلاء ... ومنه النقص، كقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 32] ). [تأويل مشكل القرآن: 483]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 06:18 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (

إذا غاب عنها البعل لم تفش سرهوترضي إياب البعل حين يؤوب

قال الضبي: يقول إذا غاب بعلها لم تفش سره والسر الاسم والإسرار المصدر). [شرح المفضليات: 769]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) }

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلين اختصما إليه في مواريث وأشياء قد درست فقال صلى الله عليه وسلم: ((لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار))، فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله! حقي هذا لصاحبي، فقال: ((لا، ولكن اذهبا فتوخيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه)).
قال: حدثناه صفوان بن عيسى عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: ((لعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض)) يعني أفطن لها وأجدل، واللحن: الفطنة بفتح الحاء.
ومنه قول عمر بن عبد العزيز: عجبت لمن لاحن الناس، كيف لا يعرف جوامع الكلم، ويقال منه: رجل لَحِن إذا كان فطنا قال لبيد يذكر رجلا كاتبا:


متعود لحن يعيـد بكفـهقلما على عسب ذبلن وبان

واللحن في أشياء سوى هذا، منه: الخطأ في الكلام وهو بجزم الحاء.
يقال منه: قد لحن الرجل لحنا.
ومنه قول عمر رضي الله عنه
قال حدثناه أبو معاوية عن عاصم عن مورق عن عمر رحمه الله قال: تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن.
وحدثناه الدقيعي محمد بن عبد الله عن يزيد بن هارون عن عاصم الأحول عن مورق.
ومنه حديث أبي العالية: كنت أطوف مع ابن عباس وهو يعلمني لحن الكلام، وإنما سماه لحنا لأنه إذا بصره الصواب فقد بصره اللحن.
ومن اللحن أيضا قول الله تبارك وتعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} فكان تأويله -والله أعلم- في فحواه وفي معناه وفي مذهبه.
وفي هذا الحديث من الفقه قوله: ((اذهبا فتوخيا)) يقول : توخيا الحق، فكأنه قد أمر الخصمين بالصلح). [غريب الحديث: 2/40-44]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( واللحن حرف من الأضداد؛ يقال للخطأ لحن، وللصواب لحن. فأما كون اللحن على معنى الخطأ فلا يحتاج فيه إلى شاهد، وأما كونه على معنى الصواب فشاهده قول الله عز وجل: {ولتعرفنهم في لحن القول} معناه: في صواب القول وصحته.

وأخبرنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي، قال: يقال:
لحن الرجل يلحن لحنا، إذا أخطأ، ولحن يلحن إذا أصاب.
وقال غير أبي العباس: يقال للصواب. اللحن واللحن.
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: خبرنا الأصمعي، عن عيسى بن عمر، قال: قال معاوية للناس. كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال: فذاك أظرف له؛ ذهب معاوية إلى أن معنى (يلحن) يفطن ويصيب.
وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن أبي هارون الغنوي، عن مسلم بن شداد، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب، قال تعلموا اللحن في القرآن كما تتعلمونه.
قال أبو بكر: فيجوز أن يكون اللحن في هذا الحديث الصواب، ويجوز أن يكون الخطأ، لأنه إذا عرف القارئ الخطأ عرف الصواب.
وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا أبو بلال –من ولد أبي موسى- قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن مورق، عن عمر، قال: تعلموا الفرائض والسنة واللحن؛ كما تتعلموا القرآن. فيجوز أن يكون اللحن الصواب؛ ويجوز أن يكون الخطأ، يعرف فيتجنب.
وحدث يزيد بن هارون بهذا الحديث، فقيل له: ما اللحن؟ فقال: النحو.
وقال عمر بن عبد العزيز: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أراد بـ (لاحن) فاطن.
وقال أبو العالية: كان ابن عباس يعلمنا لحن الكلام.
وقال لبيد:

متعود لحن يعيـد بكفـهقلما على عسب ذبلن وبان

فاللحن: المصيب الفطن، يقال: رجل لحن ولاحن، من الفطنة والصواب، ورجل لاحن من الخطأ لا غير. وقال القتال:

ولقد لحنت لكم لكيما تفقهواووحيت وحيا ليس بالمرتاب

وقال ابن أحمر يصف صحيفة كتبها:

وتعرف في عنوانها بعض لحنهـاوفي جوفها صمعاء تبلي النواصيا

الصمعاء: الداهية.
واللحن أيضا يكون بمعنى اللغة، وقال شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة، في قول الله عز وجل: {سيل العرم} العرم: المسناة بلحن اليمن، أي بلغتهم. وقال بعض الأعراب:


وما هاج هذا الشـوق إلا حمامـةتبكت على خضراء سمـر قيودهـا
هتوف الضحى معروفة اللحن لم تزلتقود الهوى من مسعـد ويقودهـا

وقال الآخر يذكر حمامتين:

باتا على غصن بان في ذرا فننيرددان لحونـا ذات ألـوان

وأنشدنا أبو العباس وغيره


وحديث ألـذه هـو ممـاتشتهيه النفوس يوزن وزنـا
منطق صائب وتلحن أحيـانا وخير الحديث ما كان لحنا

وقال: أراد (تلحن) تصيب وتفطن، وأراد بقوله: (ما كان لحنا) ما كان صوابا.
وقال ابن قتيبة: اللحن في هذا البيت الخطأ، وهذا الشاعر استملح من هذه المرأة ما يقع في كلامها من الخطأ.
قال أبو بكر: وقوله عندنا محال، لأن العرب لم تزل تستقبح اللحن من النساء كما تستقبحه من الرجال، ويستملحون البارع من كلام النساء كما يستملحونه من الرجال، الدليل على هذا قول ذي الرمة يصف امرأة:

لها بشر مثل الحريـر ومنطـقرخيم الحواشي لا هراة ولا تزر

فوصفها بحسن الكلام؛ واللحن لا يكون عند العرب حسنا إذا كان بتأويل الخطأ، لأنه يقلب المعنى، ويفسد التأويل الذي يقصد له المتكلم. وقال قيس بن الخطيم يذكر امرأة أيضا:


ولا يغث الحديث ما نطقتوهو بفيها ذو لذة طـرف
تخزنه وهو مشتهى حسـنوهو إذا كا تكلمت أنـف

فلو كانت هذه المرأة تلحن وتفسد ألفاظها كانت عند هذا الشاعر الفصيح غثة الكلام، ولم تستحق عنده وصفا بجودة المنطق وحلاوة الكلام. وقال كثير:

من الخفرات البيض ود جليسهاإذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

فخبر بهذا لصحة ألفاظها. ولم تزل العرب تصف النساء بحسن المنطق، وتستملح منهم رواية الشعر، وأن تقرض
المرأة منه البيت والأبيات، فإذا قدرت على ذلك زاد في معانيها، وتناهت عند من يشغف بها؛ الدليل على هذا ما يروى عن عزة، وبثينة، وليلى الأخيلية، وعفراء بنت مهاصر من قول الشعر؛ وأن ذلك كان يزيد في محبة أصحابهن لهن، فليلى الأخيلية، تقول في جواب توبة بن الحمير حين قال:


عفا الله عنها هل أبيتن ليلـةمن الدهر لا يسري إلى خيالها
وعنه عفا ربي وأصلح حالـهفعز علينا حاجـة لا ينالهـا

وليلى صاحبة المجنون تقول:


ألا ليت شعري والخطوب كثيرةمتى رحل قيس مستقل فراجـع
بنفسي من لا يستقـي برحلـهومن هو إن لم يحفظ الله ضائـع

وعفراء بنت مهاصر ترثي عروة بن حزام:


ألا أيها الركب المخبون ويحكمبحق نعيتم عروة بـن حـزام
فلا نفع الفرسان بعدك غـارةولا رجعوا من غيبـة بسـلام
وقل للحبالى لا يرجين غائبـاولا فرحلـت بعـده بغـلام

وقالت بثينة ترثي جميلا:


وإن سلوى عـن جميـل لساعـةمن الدهر ما جاءت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميـل بـن معمـرإذا مت بأسـاء الحيـاة ولينهـا

ثم كان الناس على هذا إلى وقتنا أو قبل وقتنا؛ إذا عرف من المرأة فصاحة واقتدار على قول الشعر حلت في قلوب الرجال، وكان ذلك منها زائدا في كمالها، ومن قدر على قول الشعر حكم له بمعرفة أكثر الإعراب وتجنب اللحن. وكيف يكون الخطأ في الكلام مستحسنا والصواب مستسمجا، والعرب تقرب المعربين، وتتنقص اللاحنين وتبعدهم، فعمر بن الخطاب رحمه الله يقول لقوم استقبح رميهم: ما أسوأ رميكم! فيقولون: نحن قوم (متعلمين)، فيقول: لحنكم أشد على من فساد رميكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: ((رحم الله امرأ أصلح من لسانه))، وكان ابن عمر يضرب بنيه على اللحن.
وقال محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، قال رسول الله صلى الله عليهِ: ((أعربوا الكلام كي تعربوا القرآن)).
وقال عمر بن عبد العزيز: إن الرجل ليكلمني في الحاجة
يستوجبها فيلحن فأرده عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض، لبغضي استماع اللحن، يكلمني آخر في الحاجة لا يستوجبها فيعرب، فأجيبه إليها التذاذا لما أسمع من كلامه.
وقال عمر بن عبد العزيز أيضا: أكاد أضرس إذا سمعت اللحن). [كتاب الأضداد: 238-245]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (مطلب الكلام على مادة لحن وقوله تعالى {ولتعرفنّهم في لحن القول} [محمد: 30]
قال أبو بكر الأنباري، رحمه الله: معنى قوله عز وجل: {ولتعرفنّهم في لحن القول} [محمد: 30] أي في معنى القول، وفى مذهب القول وأنشد للقتال الكلابي:

ولقد لحنت لكم لكيما تفهمواووحيت وحيا ليس بالمرتـاب

معناه: ولقد بينت لكم: واللحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما أسكنوا الحاء في الفطنة، ورجل لحن، أي فطن، قال لبيد يصف كاتبا:

متعود لحن يعيـد بكفـهقلما على عسب ذبلن وبان

ومن اللّحن الحديث الّذي يروى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلين اختصما إليه في مواريث وأشياء قد درست، فقال عليه السّلام: لعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته من الآخر فمن قضيت له بشيءٍ من حقّ أخيه فإنّما أقطع له قطعةً من النّار فقال كلّ واحدٍ من الرّجلين: يا رسول الله، حقّي هذا لصاحبي، فقال: لا ولكن اذهبا فتوخّيا ثمّ استهما ثمّ ليحلّل كلّ واحدٍ منكما صاحبه.
ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أي فاطنهم.
وحدّثني أبو بكر، عن أبى العبّاس، عن ابن الأعرابي، قال: يقال: قد لحن الرجل يلحن لحنًا فهو لاحن إذا أخطأ، ولحن يلحن لحنا فهو لحن، إذا أصاب وفطن، وأنشد


وحديث ألذه هو مما تشتهيهالنفـوس يـوزن وزنـا
منطق صائب وتلحن أحياناوخير الحديث ما كان لحنا

معناه: وتصيب أحيانا
وحدّثني أيضًا، قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عليٍّ، قال: أخبرنا الأصمعيّ، عن عيسى بن عمر، قال: قال معاوية للنّاس: كيف ابن زيادٍ فيكم "؟ قالوا: ظريفٌ على أنّه يلحن، قال: " فذاك أظرف له، ذهب معاوية إلى اللّحن الّذي هو الفطنة، وذهبوا هم إلى اللّحن الّذي هو الخطأ واللحن أيضًا: اللغة، ذكره الأصمعي، وأبو زيد؛ ومنه قول عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه: تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن.
فاللحن: اللغة وروى شريك عن أبى إسحاق عن ميسرة أنّه قال في قوله عز وجل: {فأرسلنا عليهم سيل العرم}[سبأ: 16] : العرم: المسناة بلحن اليمن، أي بلغة اليمن، وقال الشاعر


وما هاج هـذا الشـوق إلا حمامـةتغنت على خضـراء سمـر قيودهـا
صدوح الضحى معروفة اللحن لم تزلتقود الهوى مـن مسعـد ويقودهـا

وقال الآخر:


لقد تركت فؤادك مستجنامطوقة على فنـنٍ تغنـى
يميل بها وتركبـه بلحـنإذا ما عنّ للمحزون أنّـا
فلا يحزنك أيـام تولـىتذكرها ولا طيـر أرنـا

وقال الآخر:


وهاتفين بشجوٍ بعد ما سجعتورق الحمام بترجيـع وإرنـان
باتا على غصن بان في ذرى فننٍيـرددان لحونـا ذات ألـوان

معناه: يرددان لغاتٍ، وصرف أبو زيد منه فعلا فقال: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته، قال: ويقال: لحنت له لحنًا إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره، ولحنه عنى لحنا، أي فهمه، وألحنته أنا إياه إلحانا، وهذا مذهب أبى بكر بن دريد في تفسير قول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيانا
قال: يريد: تعوص في حديثها فتزيله عن جهينة لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قال. . . وخير الحديث ما كان لحنا أي خير الحديث ما فهمه صاحبك الذي تحب إفهامه وحده، وخفي على غيره.
قال: وأصل اللحن أن تريد الشيء فتورى عنه بقول آخر، كقول رجل من بنى العنبر كان أسيرا في بكر بن وائل، فسألهم رسولا إلى قومه، فقالوا له: لا ترسل إلا بحضرتنا، لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجيء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إني لعاقل، قال: ما أراك عاقلًا؛ ثم قال: ما هذا؟ وأشار بيده إلى الليل، فقال: هذا الليل، فقال: أراك عاقلًا، ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدرى وإنه لكثير، فقال: أيهما أكثر، النجوم أو النيران؟ فقال: كل كثير، فقال: أبلغ قومي التحية وقل لهم: ليكرموا فلانا يعنى أسيرا كان في أيديهم من بكر بن وائل، فإن قومه لي مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى وقد شكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيسا؛ واسألوا الحارث عن خبري.
فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف له
ناقة حمراء، ولا جملا أصهب؛ ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم.
أما قوله: قد أدبى العرفج: فإنه يريد أن الرجال قد استلأموا، أي لبسوا الدروع.
وقوله: شكت النساء، أي اتخذن الشكاء للسفر.
وقوله: ناقتي الحمراء: أي ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب.
وقوله: بآية ما أكلت معكم حيسًا: يريد اخلاطا من الناس قد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط.
فامتثلوا ما قال وعرفوا فحوى كلامه.
وأخذ هذا المعنى أيضًا رجل من بني تميمٍ كان أسيرا فكتب إلى قومه:


حلو عن الناقة الحمراء أرحلكـموالبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا
إن الذئاب قد اخضـرت براثنهـاوالناس كلهـم بكـر إذا شبعـوا

يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بن وائل.
ومعنى صائب، على مذهب أبى العبّاس في البيت: قاصد، كما قال

جميل وما صائب من نابلٍ قذفت بهيـد وممـر العقدتيـن وثـيـق

فيكون معنى قوله: منطق صائب، أي قاصد للصواب وإن لم يصب؛ وتلحن أحيانا، أي تصيب وتفطن؛ ثم قال: وخير الحديث ما كان لحنًا أي إصابة وفطنة). [الأمالي: 1/4-7]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} قال: قد علم قبل ذاك، ولكن أراد أن نعلم نحن). [مجالس ثعلب: 164]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 11:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 11:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 05:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم} الآية، قال قتادة: إنها نزلت في قوم من اليهود كانوا قد عرفوا من التوراة أمر محمد صلى الله عليه وسلم وتبين لهم الهدى بهذا الوجه، فلما باشروا أمره حسدوه فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم، والآية تعم كل من دخل في ضمن لفظها غابر الدهر، و"سول" معناه: رجاهم سؤلهم وأمانيهم، وقال أبو الفتح عن أبي علي: أنه بمعنى: دلاهم، مأخوذ من السول: وهو الاسترخاء والتدلي، وقرأ جمهور القراء: "وأملى لهم"، وأمال ابن كثير، وشبل، وابن مصرف "أملى"، وفاعل "أملى" هنا قال الحسن: هو الشيطان، جعل وعده الكاذب بالبقاء كالإبقاء، وذلك أن الإملاء هو الإبقاء ملاوة من الدهر، يقال: ملاوة وملاوة وملاوة بضم الميم وفتحها وكسرها، وهي القطعة من الزمان، ومنه "الملوان"، وهما الليل والنهار، فإذا أملى الشيطان إملاء لا صحة له إلا بطمعهم الكاذب، ويحتمل أن يكون الفاعل في "أملى" الله عز وجل، كأنه تعالى قال: الشيطان سول لهم، وأملى الله لهم، وحقيقة الإملاء إنما هو بيد الله تعالى، وهذا هو الأرجح. وقرأ الأعرج، ومجاهد، والجحدري، والأعمش: "وأملي لهم" بضم الهمزة وكسر اللام وإرسال ياء المتكلم، ورواها الخفاف عن أبي عمرو، وقرأ أبو عمرو: "وأملي" بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول، وهي قراءة شيبة، وابن سيرين، والجحدري، وعيسى البصري، وعيسى الهمذاني، وهذا يحتمل فاعله من الخلاف ما في القراءة الأولى). [المحرر الوجيز: 7/ 654-655]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا} الآية، قيل: إنها نزلت في بني إسرائيل الذين تقدم ذكرهم في تفسير قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا}، وروي أن قوما من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلاف عليه بنصر وموازرة، فذلك قولهم: {سنطيعكم في بعض الأمر}. وقرأ الجمهور: "أسرارهم" بفتح الهمزة، وذلك على جمع "سر" لأن أسرارهم كانت كثيرة، وقرأ حمزة والكسائي، وحفص عن عاصم: "إسرارهم" بكسر الهمزة، وهي قراءة ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وعيسى، وهو مصدر اسم الجنس.
وقوله تعالى: {فكيف إذا توفتهم الملائكة} الآية، يحتمل أن يتوعدوا بها، وأنها على معنيين: أحدهما هذا هلعهم وجزعهم لفرض القتال وقراع الأعداء، فكيف فزعهم وجزعهم إذا توفتهم الملائكة؟ والثاني أن يريد: هذه معاصيهم وعنادهم وكفرهم، فكيف تكون حالهم مع الله تعالى إذا توفتهم الملائكة؟ وقال الطبري: المعنى: والله أعلم بإسرارهم، فكيف علمه بها إذا توفتهم الملائكة؟ وهم هنا ملك الموت والمتصرفون معه، والضمير في "يضربون" للملائكة الذين يتوفون فذلك ضعيف.
و ما أسخط الله هو الكفر، و"الرضوان" هنا: الشرع والحق المؤدي إلى الرضوان، وقد تقدم القول في تفسير قوله تعالى: {فأحبط أعمالهم}، وقرأ الأعمش: (فكيف إذا توفاهم الملائكة) ). [المحرر الوجيز: 7/ 655]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم * ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم * إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم}
هذه الآية توبيخ للمنافقين وفضح لهم، وقوله تعالى: {أم حسب} توقيف، وهي "أم" المنقطعة، وتقدم تفسير مرض القلب، وقوله تعالى: {أن لن يخرج الله أضغانهم} أي يبديها من مكانها في نفوسهم، و"الضغن": الحقد.
وقوله تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم} مقاربة في شهرتهم، ولكنه تعالى لم يعينهم قط بالأسماء والتعريف التام إبقاء عليهم وعلى قراباتهم وإن كانوا قد عرفوا بلحن القول، وكانوا في الاشتهار على مراتب كعبد الله بن أبي، والجد بن قيس وغيرهم ممن دونهم في الشهرة، و"السيما": العلامة التي كان تعالى يجعل لهم لو أراد التعريف التام بهم، وقال ابن عباس، والضحاك: إن الله تعالى قد عرفه بهم في سورة براءة في قوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}، وفي قوله تعالى: {فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا}، وهذا في الحقيقة ليس بتعريف تام، بل هو لفظ يشير إليهم على الإجمال لا أنه سمى أحدا، وأعظم ما روي في اشتهارهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوما فأخرجت منهم جماعة من المسجد، كأنه وسمهم بهذا، لكنهم أقاموا على التبري من ذلك وتمسكوا بلا إله إلا الله فحقنت دماؤهم.
وروي عن حذيفة ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم عرفه بهم أو ببعضهم، وله في ذلك كلام مع عمر رضي الله عنهما.
ثم أخبر تعالى أنه سيعرفهم في لحن القول، ومعناه: في مذهب القول ومنحاه ومقصده، وهذا هو كما يقول لك إنسان معتقده وتفهم أنت من مقاطع كلامه وهيئته وقرائن أمره أنه على خلاف ما يقول، وهذا معنى قوله تعالى: {في لحن القول}، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض" الحديث، أي أذهب بها في جهات الكلام، وقد يكون هذا اللحن متفقا عليه، أن يقول الإنسان قولا يفهم السامعون منه معنى، ويفهم الذي اتفق مع المتكلم معنى آخر، ومنه الحديث الذي قال سعد بن معاذ وابن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عضل والقارة، وفي هذا المعنى قول الشاعر:
وخير الحديث ما كان لحنا
أي: ما فهمه عنك صاحبك وخفي على غيرك، فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن أقوالهم المحرقة التي هي على خلاف عقدهم ستتبين له فيعرفهم بها، واحتج بهذه الآية من جعل في التعريض بالقذف، وقوله تعالى: {والله يعلم أعمالكم} مخاطبة للجميع من مؤمن وكافر). [المحرر الوجيز: 7/ 655-658]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "ولنبلونكم" بالنون، وكذلك "يعلم" وكذلك "يبلوا"، وروى رويس عن يعقوب: "ونبلو" بالرفع على القطع والإعلام بأن ابتلاءه دائم، وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم، لا تبتلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا. وقوله تعالى: {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} معناه: حتى نعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود، وبان تكسبهم الذي به يتعلق ثوابهم، وعلم الله تبارك وتعالى بالمجاهدين قديم أزلي، وإنما المعنى ما ذكرناه). [المحرر الوجيز: 7/ 658]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وصدوا} يحتمل أن يكون المعنى: وصدوا غيرهم، ويحتمل أن يكون غير متعد بمعنى؟ وصدوهم في أنفسهم، وقوله تعالى: {وشاقوا الرسول} معناه: خالفوه فكانوا في شق وهو صلى الله عليه وسلم في شق، وقوله تعالى: {من بعد ما تبين لهم الهدى} قالت فرقة: نزلت في قوم من بني إسرائيل فعلوا هذه الأفاعيل بعد تبينهم لأمر محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة، وقالت فرقة: نزلت في قوم من المنافقين حدث النفاق في نفوسهم بعد ما كان الإيمان داخلها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في المطعمين سفرة بدر، و"تبين الهدى" هو وجوده عند الداعي إليه، وقالت فرقة: بل هي عامة في كل كافر، وألزمهم أنه قد تبين لهم الهدى من حيث كان الهدى بينا في نفسه، وهذا كما تقول لإنسان يخالفك في احتجاج على معنى التوبيخ له: أنت تخالف في شيء لا خفاء به عليك، بمعنى أنه هو هكذا في نفسه. وقوله تعالى: {لن يضروا الله شيئا} تحقير لهم، وقوله سبحانه: {وسيحبط أعمالهم} أما على قول من يرى أن أعمالهم الصالحة من صلة رحم ونحوه تكتب، فيجيء هذا الإحباط فيها متمكنا، وأما على قول من لا يرى ذلك فمعنى "سيحبط" أنها عبارة عن إعدام أعمالهم وإفسادها وأنها لا توجد شيئا منتفعا به، فذلك إحباط على تشبيه واستعارة). [المحرر الوجيز: 7/ 658-659]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 05:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 08:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم} أي: فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر، {من بعد ما تبيّن لهم الهدى الشّيطان سوّل لهم} أي: زيّن لهم ذلك وحسّنه، {وأملى لهم} أي: غرهم وخدعهم.
{ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر} أي: مالئوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون؛ ولهذا قال اللّه عزّ وجلّ: {واللّه يعلم إسرارهم} أي: [يعلم] ما يسرّون وما يخفون، اللّه مطّلعٌ عليه وعالمٌ به، كقوله: {واللّه يكتب ما يبيّتون} [النّساء: 81]). [تفسير ابن كثير: 7/ 320-321]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصّت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضّرب، كما قال: {ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} الآية [الأنفال: 50]، وقال: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم} أي: بالضّرب {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام: 93]؛ ولهذا قال هاهنا: {ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}). [تفسير ابن كثير: 7/ 321]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول واللّه يعلم أعمالكم (30) ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم (31)}.
يقول تعالى: {أم حسب الّذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللّه أضغانهم} أي: اعتقد المنافقون أنّ اللّه لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بل سيوضّح أمرهم ويجلّيه حتّى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل تعالى في ذلك سورة "براءة"، فبيّن فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الأفعال الدّالّة على نفاقهم؛ ولهذا إنّما كانت تسمّى الفاضحة. والأضغان: جمع ضغنٍ، وهو ما في النّفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره). [تفسير ابن كثير: 7/ 321]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} يقول تعالى: ولو نشاء يا محمّد لأريناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانًا، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين سترًا منه على خلقه، وحملًا للأمور على ظاهر السّلامة، وردّ السّرائر إلى عالمها، {ولتعرفنّهم في لحن القول} أي: فيما يبدو من كلامهم الدّالّ على مقاصدهم، يفهم المتكلّم من أيّ الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه: ما أسرّ أحدٌ سريرةً إلّا أبداها اللّه على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. وفي الحديث: "ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ". وقد ذكرنا ما يستدلّ به على نفاق الرّجل، وتكلّمنا على نفاق العمل والاعتقاد في أوّل "شرح البخاريّ"، بما أغنى عن إعادته ها هنا. وقد ورد في الحديث تعيين جماعةٍ من المنافقين. قال الإمام أحمد:
حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن سلمة، عن عياض بن عياضٍ، عن أبيه، عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرٍو، رضي اللّه عنه، قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطبةً فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: "إنّ منكم منافقين، فمن سمّيت فليقم". ثمّ قال: "قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان". حتّى سمّى ستّةً وثلاثين رجلًا ثمّ قال: "إنّ فيكم -أو: منكم- فاتّقوا اللّه". قال: فمرّ عمر برجلٍ ممّن سمّى مقنّعٌ قد كان يعرفه، فقال: ما لك؟ فحدّثه بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: بعدًا لك سائر اليوم). [تفسير ابن كثير: 7/ 321-322]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولنبلونّكم} أي: ولنختبرنّكم بالأوامر والنّواهي، {حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم}. وليس في تقدّم علم اللّه تعالى بما هو كائنٌ أنّه سيكون شكٌّ ولا ريبٌ، فالمراد: حتّى نعلم وقوعه؛ ولهذا يقول ابن عبّاسٍ في مثل هذا: إلّا لنعلم، أي: لنرى). [تفسير ابن كثير: 7/ 322]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى لن يضرّوا اللّه شيئًا وسيحبط أعمالهم (32) يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم (33) إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ثمّ ماتوا وهم كفّارٌ فلن يغفر اللّه لهم (34) فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون واللّه معكم ولن يتركم أعمالكم (35)}.
يخبر تعالى عمّن كفر وصدّ عن سبيل اللّه، وخالف الرّسول وشاقّه، وارتدّ عن الإيمان من بعد ما تبيّن له الهدى: أنّه لن يضرّ اللّه شيئًا، وإنّما يضرّ نفسه ويخسرها يوم معادها، وسيحبط اللّه عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدّم من عمله الّذي عقّبه بردّته مثقال بعوضةٍ من خيرٍ، بل يحبطه ويمحقه بالكلّيّة، كما أنّ الحسنات يذهبن السّيّئات.
وقد قال الإمام محمّد بن نصرٍ المروزيّ في كتاب الصّلاة: حدّثنا أبو قدامة، حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يظنّون أنّه لا يضرّ مع "لا إله إلّا اللّه" ذنبٌ، كما لا ينفع مع الشّرك عملٌ، فنزلت: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم} فخافوا أن يبطل الذنب العمل.
ثمّ روي من طريق عبد اللّه بن المبارك: أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: كنّا معشر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نرى أنّه ليس شيءٌ من الحسنات إلّا مقبولٌ، حتّى نزلت: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم}، فقلنا: ما هذا الّذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش، حتّى نزلت: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النّساء: 48]، فلمّا نزلت كففنا عن القول في ذلك، فكنّا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن لم يصيبها.
ثمّ أمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله الّتي هي سعادتهم في الدّنيا والآخرة، ونهاهم عن الارتداد الّذي هو مبطلٌ للأعمال؛ ولهذا قال: {ولا تبطلوا أعمالكم} أي: بالرّدّة؛ ولهذا قال بعدها: {إنّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ثمّ ماتوا وهم كفّارٌ فلن يغفر اللّه لهم}، كقوله {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} الآية). [تفسير ابن كثير: 7/ 322-323]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة