العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: إذ تستغيثون ربّكم الآية، إذ متعلقة بفعل، تقديره واذكر إذ وهو الفعل الأول الذي عمل في قوله وإذ يعدكم [الأنفال الآية: 7] وقال الطبري: هي متعلقة ب ليحقّ.. ويبطل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويصح أن يعمل فيها يعدكم [الأنفال: 7] فإن الوعد كان في وقت الاستغاثة، وقرأ أبو عمرو بإدغام الذال في التاء واستحسنها أبو حاتم، وتستغيثون معناه تطلبون، وليس يبين من ألفاظ هذه الآية أن المؤمنين علموا قبل القتال بكون الملائكة معهم، فإن استجاب يمكن أن يقع في غيبه تعالى، وقد روي أنهم علموا ذلك قبل القتال، ومعنى التأنيس وتقوية القلوب يقتضي ذلك، وقرأ جمهور الناس «أني» بفتح الألف، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر بخلاف عنه «إني» بكسر الألف أي قال إني، وممدّكم، أي مكثركم ومقويكم من أمددت. وقرأ جمهور الناس «بألف» وقرأ عاصم الجحدري «بأألف» على مثل فلس وأفلس فهي جمع ألف، والإشارة بها إلى الآلاف المذكورة في آل عمران، وقرأ عاصم الجحدري أيضا «بآلاف» ومردفين معناه متبعين، ويحتمل أن يراد المردفين المؤمنين أي أردفوا بالملائكة ف مردفين على هذا حال من الضمير في قوله ممدّكم ويحتمل أن يراد به الملائكة أي أردف بعضهم ببعض، وهذه القراءة بفتح الدال وهي قراءة نافع وجماعة من أهل المدينة وغيرهم، وقرأ سائر السبعة غير نافع «مردفين» بكسر الدال وهي قراءة الحسن ومجاهد والمعنى فيها تابع بعضهم بعضا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: خلف كل ملك ملك، وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا أتبع وجاء بعد الشيء، ويحتمل أن يراد مردفين المؤمنين.
ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضا، ومن قال «مردفين» بمعنى أن كل ملك أردف ملكا وراءه فقول ضعيف لم يأت بمقتضاه رواية، وقرأ رجل من أهل مكة رواه عنه الخليل «مردّفين» بفتح الراء وكسر الدال وشدها.
وروي عن الخليل أنها بضم الراء كالتي قبلها وفي غير ذلك، وقرأ بعض الناس بكسر الراء مثلهما في غير ذلك، حكى ذلك أبو عمرو عن سيبويه، وحكاه أبو حاتم قال: كأنه أراد مرتدفين فأدغم وأتبع الحركة، ويحسن مع هذه القراءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة، وأنشد الطبري شاهدا على أن أردف بمعنى جاء تابعا قول الشاعر [خزيمة بن مالك]: [الوافر]
إذا الجوزاء أردفت الثّريّا = ظننت بآل فاطمة الظّنونا
والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر، واختلف في غيره من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت وهذا ضعيف، وحكى الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: نزل جبريل في ألف ملك على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف ملك في المسيرة وأنا فيها، وقال ابن عباس: كانا في خمسمائة خمسمائة، وقال الزجّاج: قال بعضهم: إن الملائكة خمسة آلاف، وقال بعضهم: تسعة آلاف، وفي هذا المعنى أحاديث هي مستوعبة في كتاب السير). [المحرر الوجيز: 4/ 142-143]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما جعله اللّه الآية، الضمير في جعله عائد على الوعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى، وقال الزجّاج: الضمير عائد على المدد، ويحتمل أن يعود على الإمداد، وهذا يحسن مع قول من يقول إن الملائكة لم تقاتل وإنما أنست بحضورها مع المسلمين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا عندي ضعيف ترده الأحاديث الواردة بقتال الملائكة وما رأى من ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن مسعود وغيره، ويحتمل أن يعود على الإرداف وهو قول الطبري، وهذا أيضا يجري مجرى القول الذي قبله ويحتمل أن يعود على «الألف» وهذا أيضا كذلك، لأن البشرى بالشيء إنما هي ما لم يقع بعد، و «البشرى» مصدر من بشرت، والطمأنينة السكون والاستقرار وقوله وما النّصر إلّا من عند اللّه توقيف على أن الأمر كله لله وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوبا بالجد كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، وهذه القصة كلها من قصة الكفار وغلبة المؤمنين لهم تليق بها من صفات الله عز وجل العزة والحكمة إذا تؤمل ذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 143-144]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام (11) إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ (12)
العامل في إذ هو العامل الذي عمل في قوله وإذ يعدكم [الأنفال: 7] بتقدير تكراره لأن الاشتراك في العامل الأول نفسه لا يكون إلا بحرف عطف، وإنما القصد أن تعدد نعمة الله تعالى على المؤمنين في يوم بدر فقال: واذكروا إذ فعلنا بكم كذا
وقال الطبري: العامل في إذ قوله ولتطمئنّ [الأنفال: 10].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مع احتماله فيه ضعف، ولو جعل العامل في إذ شيئا قريبا مما قبلها لكان الأولى في ذلك أن يعمل في إذ حكيمٌ [الأنفال: 10] لأن إلقاء النعاس عليهم وجعله أمنة حكمة من الله عز وجل، وقرأ نافع «يغشيكم» بضم الياء وسكون الغين وهي قراءة الأعرج وأبي حفص وابن نصاح، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر والكسائي «يغشّيكم» بفتح الغين وشد الشين المكسورة وهي قراءة عروة بن الزبير وأبي رجاء والحسن وعكرمة وغيرهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يغشاكم» بفتح الياء وألف بعد الشين وهي قراءة مجاهد وابن محيصن وأهل مكة «النعاس» بالرفع، وحجة من قرأ «يغشاكم» إجماعهم في آية أحد على يغشى طائفةً منكم [آل عمران: 154]، وحجة من قرأ «يغشيكم» أن يجيء الكلام متسقا مع ينزّل، ومعنى يغشّيكم يغطيكم به ويفرغه عليكم، وهذه استعارة والنّعاس أخف النوم وهو الذي قد يصيب الإنسان وهو واقف أو ماش، وينص على ذلك قصص هذه الآية أنهم إنما كان بهم خفق في الرؤوس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا نعس أحدكم في صلاته» الحديث، وينص على ذلك قول الشاعر [ابن الرقاع]: [الكامل]
وسنان أقصده النعاس فرنّقت = في عينه سنة وليس بنائم
وقوله أمنةً مصدر من أمن الرجل يأمن أمنا وأمنة وأمانا، والهاء فيها لتأنيث المصدر كما هي في المساءة والمشقة، وقرأ ابن محيصن «أمنة» بسكون الميم وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: النعاس عند حضور القتال علامة أمن من العدو وهو من الله، وهو في الصلاة من الشيطان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إنما طريقه الوحي فهو لا محالة إنما يسنده، وقوله وينزّل عليكم من السّماء ماءً تعديد أيضا لهذه النعمة في المطر، فقال بعض المفسرين وحكاه الطبري عن ابن عباس وغيره، وقاله الزجّاج: إن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر فنزلوا عليه وبقي المؤمنون لا ماء لهم فوجست نفوسهم وعطشوا وأجنبوا وصلوا كذلك، فقال بعضهم في نفوسهم- بإلقاء الشيطان إليهم- نزعم أنّا أولياء الله وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالنا هذه والمشركون على الماء، فأنزل الله المطر ليلة بدر السابعة عشرة من رمضان حتى سالت الأودية فشرب الناس وتطهروا وسقوا الظهر.
وتدمثت السبخة التي كانت بينهم وبين المشركين حتى ثبتت فيها أقدام المسلمين وقت القتال وكانت قبل المطر تسوخ فيها الأرجل فلما نزل الطش تلبدت قالوا: فهذا معنى قوله ليطهّركم به أي من الجنابة، ويذهب عنكم رجز الشّيطان أي عذابه لكم بوساوسه المتقدمة الذكر، والرجز العذاب، وقرأ أبو العالية «رجس» بالسين أي وساوسه التي تمقت وتتقذر، وقرأ ابن محيصن «رجز» بضم الراء، وقرأ عيسى بن عمر «ويذهب» بجزم الباء، وليربط على قلوبكم أي بتنشيطها وإزالة الكسل عنها وتشجيعها على العدو ومنه قولهم: رابط الجأش أي ثابت النفس عند جأشها في الحرب ويثبّت به الأقدام أي في الرملة الدهسة التي كان المشي فيها صعبا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصحيح من القول وهو الذي في سيرة ابن إسحاق وغيرها أن المؤمنين سبقوا إلى الماء ببدر، وفي هذا كلام حباب بن المنذر الأنصاري حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أول ماء، فقال له حباب: أبوحي يا رسول الله هو المنزل فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو عندك الرأي والمكيدة؟ الحديث المستوعب في السيرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولكن نزول المطر كان قبل وصولهم إلى الماء وذلك أن القوم من المؤمنين لحقتهم في سفرهم الجنابات وعدموا الماء قريب بدر فصلوا كذلك فوقع في نفوسهم من ذلك، ووسوس الشيطان لهم في ذلك مع تخويفه لهم من كثرة العدو وقتلهم، وهذا قبل الترائي بالأعين، وأيضا فكانت بينهم وبين ماء بدر مسافة طويلة من رمل دهس لين تسوخ فيه الأرجل وكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكفار إلى ماء بدر فتحرضوا هم أن يسبقوهم إليه فأنزل الله تلك المطرة فسالت الأودية فاغتسلوا وطهرهم الله فذهب رجز الشيطان وتدمت الطريق وتلبدت تلك الرملة فسهل المشي فيها وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى الماء، ووقع في السير أن ما أصاب المشركين من ذلك المطر بعينه صعب عليهم طريقهم، فسر المؤمنون وتبينوا من جعل الله بهم ذلك قصد المعونة لهم، فطابت نفوسهم واجتمعت وتشجعت، فذلك الربط على قلوبهم وتثبيت الأقدام منهم على الرملة اللينة فأمكنهم لحاق الماء قبل المشركين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا أحد ما يحتمله قوله ويثبّت به الأقدام والضمير في به على هذا الاحتمال عائد على الماء، ويحتمل أن يعود الضمير في به على ربط القلوب فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب، وبين أن الرابط الجأش تثبت قدمه عند مكافحة الهول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ونزول الماء كان في الزمن قبل تغشية النعاس ولم يترتب ذلك في الآية إذ القصد فيها تعديد النعم فقط، وحكى أبو الفتح أن الشعبي قرأ «وينزل عليكم من السماء ما» ساكنة الألف ليطهّركم به قال: وهي بمعنى الذي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف وقرأ ابن المسيب «ليطهركم به» بسكون الطاء). [المحرر الوجيز: 4/ 144-148]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إذ يوحي ربّك إلى الملائكة الآية، العامل في إذ العامل الأول على ما تقدم فيما قبلها، ولو قدرناه قريبا لكان قوله ويثبّت على تأويل عود الضمير على الربط، وأما على عوده على الماء فيقلق أن تعمل ويثبّت في إذ ووحي الله إلى الملائكة إما بإلهام أو بإرسال بعض إلى بعض، وقرأ عيسى بن عمر بخلاف عنه «إني معكم» بكسر الألف على استئناف إيجاب القصة، وقرأ جمهور الناس «أني» بفتح الألف على أنها معمولة ل يوحي، ووجه الكسر أن الوحي في معنى القول، وقوله فثبّتوا يحتمل أن يكون بالقتال معهم على ما روي.
ويحتمل بالحضور في حيزهم والتأنيس لهم بذلك، ويحتمل أن يريد: فثبوتهم بأقوال مؤنسة مقوية للقلب، وروي في ذلك أن بعض الملائكة كان في صورة الآدميين فكان أحدهم يقول للذي يليه من المؤمنين: لقد بلغني أن الكفار قالوا لئن حمل المسلمون علينا لننكشفن، ويقول آخر: ما أرى الغلبة والظفر إلا لنا. ويقول آخر: أقدم يا فلان، ونحو هذا من الأقوال المثبتة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أيضا أن يكون التثبيت الذي أمر به ما يلقيه الملك في قلب الإنسان بلمته من توهم الظفر واحتقار الكفار ويجري عليه من خواطر تشجيعه ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى: سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب وإن كان إلقاء الرعب يطابق التثبيت على أي صورة كان التثبيت ولكنه أشبه بهذا إذ هي من جنس واحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا التأويل يجيء قوله سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب مخاطبة للملائكة، ثم يجيء قوله تعالى: فاضربوا فوق الأعناق لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر عن صورة الحال كما تقول إذا وصفت حربا لمن تخاطبه لقينا القوم وهزمناهم فاضرب بسيفك حيث شئت واقتل وخذ أسيرك، أي هذه كانت صفة الحال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن يكون سألقي إلى آخر الآية خبرا يخاطب به المؤمنين عما يفعله في الكفار في المستقبل كما فعله في الماضي، ثم أمرهم بضرب الرقاب والبنان تشجيعا لهم وحضا على نصرة الدين، وقرأ الأعرج «الرعب» بضم العين والناس على تسكينها، واختلف الناس في قوله فوق الأعناق، فقال الأخفش فوق زيادة، وحكاه الطبري عن عطية أن المعنى فاضربوا الأعناق وقال غيره بمعنى على، وقال عكرمة مولى ابن عباس: هي على بابها وأراد الرؤوس إذ هي فوق الأعناق، وقال المبرد: وفي هذا إباحة ضرب الكافر في الوجه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التأويل أنبلها، ويحتمل عندي أن يريد بقوله فوق الأعناق وصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس في المفصل، وينظر إلى هذا المعنى قول دريد بن الصمة السلمي حين قال له خذ سيفي وارفع به عن العظم واخفض عن الدماغ فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال، ومثله قول الشاعر: [الوافر].
جعلت السيف بين الجيد منه = وبين أسيل خديه عذارا
فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكنا، وقال ابن قتيبة فوق في هذه الآية بمعنى دون، وهذا خطأ بين، وإنما دخل عليه اللبس من قوله تعالى: ما بعوضةً فما فوقها [البقرة: 26] أي فما دونها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليست فوق هنا بمعنى دون وإنما المراد فما فوقها في القلة والصغر فأشبه المعنى دون وال بنانٍ قالت فرقة: هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء، فالمعنى على هذا واضربوا منهم في كل موضع، وقالت فرقة: البنان الأصابع، وهذا هو القول الصحيح، فعلى هذا التأويل وإن كان الضرب في كل موضع مباحا فإنما قصد أبلغ المواضع لأن المقاتل إذا قطع بنانه استأسر ولم ينتفع بشيء من أعضائه في مكافحة وقتال). [المحرر الوجيز: 4/ 148-151]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب (13) ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار (14) يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار (15) ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفاً لقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (16)
هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون داخلون فيه بالمعنى والضمير في أنّهم عائد على الذين كفروا، وشاقّوا معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا، وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين، وهذه مفاعلة فكأن الله لما شرع شرعا وأمر بأوامر وكذبوا هم وصدوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق، والشق مأخوذ من هذا لأنه مع شقه الآخر تباعدا وانفصلا وعبر المفسرون عن قوله تعالى: شاقّوا أي صاروا في شق غير شقه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا وإن كان معناه صحيحا فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه، والمثال الأول إنما هو الشّق بفتح الشين، وأجمعوا على الإظهار في شاقق
اتباعا لخط المصحف، وقوله إنّ اللّه شديد العقاب جواب الشرط تضمن وعيدا وتهديدا). [المحرر الوجيز: 4/ 151-152]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ذلكم فذوقوه المخاطبة للكفار، أي ذلكم الضرب والقتل وما أوقع الله بهم يوم بدر، فكأنه قال الأمر ذلكم فذوقوه وكذا فسره سيبويه، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون ذلكم في موضع نصب كقوله زيدا فاضربه، وقرأ جمهور الناس «وأن» بفتح الألف، فإما على تقدير وحتم أن. فيقدر على ابتداء محذوف يكون «أن» خبره، وإما على تقدير واعلموا أن، فهي على هذا في موضع نصب، وروى سليمان عن الحسن بن أبي الحسن و «إن» على القطع والاستئناف). [المحرر الوجيز: 4/ 152]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين (9) وما جعله اللّه إلّا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلّا من عند اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (10) }
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو نوحٍ قراد، حدّثنا عكرمة بن عمّار، حدّثنا سماكٌ الحنفي أبو زميل، حدّثني ابن عبّاسٍ حدّثني عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، قال: لمّا كان يوم بدرٍ نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه، وهم ثلاثمائةٍ ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألفٌ وزيادةٌ، فاستقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: " اللّهمّ أين ما وعدتني، اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا"، قال: فما زال يستغيث ربّه [عزّ وجلّ] ويدعوه حتّى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءه فردّاه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا رسول اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} فلمّا كان يومئذٍ والتقوا، فهزم اللّه المشركين، فقتل منهم سبعون رجلًا وأسر منهم سبعون رجلًا واستشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكرٍ وعليًّا وعمر فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان، وإنّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه منهم قوّةً لنا على الكفّار، وعسى أن يهديهم اللّه فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما ترى يا ابن الخطّاب؟ " قال: قلت: واللّه ما أرى ما رأى أبو بكرٍ، ولكنّي أرى أن تمكنني من فلانٍ -قريبٍ لعمر -فأضرب عنقه، وتمكن عليًّا من عقيلٍ فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلانٍ -أخيه -فيضرب عنقه، حتّى يعلم اللّه أن ليس في قلوبنا هوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمّتهم وقادتهم، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلمّا كان من الغد -قال عمر-غدوت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبي بكرٍ وهما يبكيان، فقلت: يا رسول اللّه، [أخبرني] ما يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما! قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " للّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، قد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة -لشجرةٍ قريبةٍ"، وأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} إلى قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم} [الأنفال: 67، 68] من الفداء، ثمّ أحلّ لهم الغنائم، فلمّا كان يوم أحدٍ من العام المقبل، عوقبوا ممّا صنعوا يوم بدرٍ، من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدّم على وجهه، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [آل عمران: 165] بأخذكم الفداء..
ورواه مسلمٌ، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن جريرٍ، وابن مردويه، من طرقٍ عن عكرمة بن عمّارٍ، به. وصحّحه عليّ بن المدينيّ والتّرمذيّ، وقالا لا يعرف إلّا من حديث عكرمة بن عمّارٍ اليمانيّ
وهكذا روى عليّ بن أبي طلحة والعوفي، عن ابن عبّاسٍ: أنّ هذه الآية الكريمة قوله: {إذ تستغيثون ربّكم [فاستجاب لكم]} أنّها في دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكذا قال يزيد بن يثيع، والسّدّي، وابن جريجٍ.
وقال أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصين، عن أبي صالحٍ قال: لمّا كان يوم بدرٍ، جعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يناشد ربّه أشدّ النّشدة يدعو، فأتاه عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فقال: يا رسول اللّه، بعض نشدتك، فواللّه ليفين اللّه لك بما وعدك
وقال البخاريّ في "كتاب المغازي"، باب قول اللّه عزّ وجلّ: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم} إلى قوله: {فإنّ اللّه شديد العقاب} حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعودٍ يقول: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى لموسى: {اذهب أنت وربّك فقاتلا} [المائدة: 24] ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك، فرأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه -يعني قوله
وحدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حوشب، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ: "اللّهمّ أنشدك عهدك ووعدك، اللّهمّ إن شئت لم تعبد"، فأخذ أبو بكرٍ بيده، فقال: حسبك! فخرج وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} [القمر: 45].
ورواه النّسائيّ عن بندار عن عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثقفي
وقوله تعالى: {بألفٍ من الملائكة مردفين} أي: يردف بعضهم بعضًا، كما قال هارون بن عنترة عن ابن عبّاسٍ: {مردفين} متتابعين.
ويحتمل أن [يكون] المراد {مردفين} لكم، أي: نجدةً لكم، كما قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {مردفين} يقول: المدد، كما تقول: ائت الرّجل فزده كذا وكذا.
وهكذا قال مجاهدٌ، وابن كثيرٍ القارئ، وابن زيدٍ: {مردفين} ممدّين.
وقال أبو كدينة، عن قابوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} قال: وراء كلّ ملكٍ ملكٌ.
وفي روايةٍ بهذا الإسناد: {مردفين} قال: بعضهم على أثر بعضٍ. وكذا قال أبو ظبيان، والضّحّاك، وقتادة.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا إسحاق، حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، حدّثني عبد العزيز بن عمران، عن الزّمعي، عن أبي الحويرث، عن محمّد بن جبير، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: نزل جبريل في ألفٍ من الملائكة عن ميمنة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وفيها أبو بكرٍ، ونزل ميكائيل في ألفٍ من الملائكة عن ميسرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنا في الميسرة.
وهذا يقتضي -لو صحّ إسناده -أنّ الألف مردفةٌ بمثلها؛ ولهذا قرأ بعضهم: "مردفين" بفتح الدّال، فاللّه أعلم.
والمشهور ما رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: وأمدّ اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين بألفٍ من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائةٍ من الملائكة مجنّبة، وميكائيل في خمسمائةٍ مجنّبة.
وروى الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، ومسلمٌ، من حديث عكرمة بن عمّارٍ، عن أبي زميل سماك بن وليدٍ الحنفي، عن ابن عبّاسٍ، عن عمر، الحديث المتقدّم. ثمّ قال أبو زميل حدّثني ابن عبّاسٍ قال: بينا رجلٌ من المسلمين يشتدّ في أثر رجلٍ من المشركين أمامه، إذ سمع ضربةً بالسّوط فوقه، وصوت الفارس يقول: "أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مستلقيًا قال: فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشقّ وجهه كضربة السّوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاريّ فحدّث ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "صدقت، ذلك من مدد السّماء الثّالثة"، فقتلوا يومئذٍ سبعين وأسروا سبعين.
وقال البخاريّ: "باب شهود الملائكة بدرًا ": حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا جريرٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن معاذ بن رفاعة بن رافعٍ الزّرقي، عن أبيه -وكان أبوه من أهل بدرٍ -قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما تعدّون أهل بدرٍ فيكم؟ قال: " من أفضل المسلمين" -أو كلمةً نحوها -قال: "وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.
انفرد بإخراجه البخاريّ وقد رواه الطّبرانيّ في المعجم الكبير من حديث رافع بن خديج، وهو خطأٌ والصّواب رواية البخاريّ، واللّه [تعالى] أعلم.
وفي الصّحيحين: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعمر لمّا شاوره في قتل حاطب بن أبي بلتعة: "إنّه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعلّ اللّه قد اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 18-21]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى [ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلا من عند الله]} الآية أي: وما جعل اللّه بعث الملائكة وإعلامه إيّاكم بهم إلّا بشرى، {ولتطمئنّ به قلوبكم}؛ وإلّا فهو تعالى قادرٌ على نصركم على أعدائكم بدون ذلك، ولهذا قال: {وما النّصر إلا من عند اللّه} كما قال تعالى: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً حتّى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم} [محمّدٍ: 4-6] وقال تعالى: {وتلك الأيّام نداولها بين النّاس وليعلم اللّه الّذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء واللّه لا يحبّ الظّالمين وليمحّص اللّه الّذين آمنوا ويمحق الكافرين} [آل عمران: 140، 141] فهذه حكمٌ شرع اللّه جهاد الكفّار بأيدي المؤمنين لأجلها، وقد كان تعالى إنّما يعاقب الأمم السّالفة المكذّبة للأنبياء بالقوارع الّتي تعمّ تلك الأمّة المكذّبة، كما أهلك قوم نوحٍ بالطّوفان، وعادًا الأولى بالدّبور، وثمود بالصّيحة، وقوم لوطٍ بالخسف والقلب وحجارة السّجّيل وقوم شعيبٍ بيوم الظّلّة، فلمّا بعث اللّه تعالى موسى [عليه السّلام] وأهلك عدوّه فرعون وقومه بالغرق في اليمّ، ثمّ أنزل على موسى التّوراة، شرع فيها قتال الكفّار، واستمرّ الحكم في بقيّة الشّرائع بعده على ذلك، كما قال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر [للنّاس]} [القصص: 43] وقتل المؤمنين الكافرين أشدّ إهانةً للكافرين، وأشفى لصدور المؤمنين، كما قال تعالى للمؤمنين من هذه الأمّة: {قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين [ويذهب غيظ قلوبهم]} [التّوبة: 14، 15]؛ ولهذا كان قتل صناديد قريشٍ بأيدي أعدائهم الّذين ينظرون إليهم بأعين ازدرائهم، أنكى لهم وأشفى لصدور حزب الإيمان. فقتل أبي جهلٍ في معركة القتال وحومة الوغى، أشدّ إهانةً له من أن يموت على فراشه بقارعةٍ أو صاعقةٍ أو نحو ذلك، كما مات أبو لهبٍ -لعنه اللّه-بالعدسة بحيث لم يقربه أحدٌ من أقاربه، وإنّما غسّلوه بالماء قذفًا من بعيدٍ، ورجموه حتّى دفنوه؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ اللّه عزيزٌ} أي: له العزّة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد [يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم]} [غافر: 51، 52] {حكيم} فيما شرعه من قتال الكفّار، مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم، بحوله وقوّته، سبحانه وتعالى).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 21-22]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام (11) إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ (12) ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب (13) ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار (14) }
يذكّرهم اللّه بما أنعم به عليهم من إلقائه النّعاس عليهم، أمانًا من خوفهم الّذي حصل لهم من كثرة عدوّهم وقلّة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد، كما قال تعالى: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم} [آل عمران: 154].
قال أبو طلحة كنت ممّن أصابه النّعاس يوم أحدٍ، ولقد سقط السّيف من يدي مرارًا يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحجف.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا زهير، حدّثنا ابن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرّب، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: ما كان فينا فارسٌ يوم بدرٍ غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلّا نائمٌ إلّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يصلّي تحت شجرةٍ ويبكي حتّى أصبح
وقال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ عن أبي رزين، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، أنّه قال: النّعاس في القتال أمنةٌ من اللّه، وفي الصّلاة من الشّيطان.
وقال قتادة: النّعاس في الرّأس، والنّوم في القلب.
قلت: أمّا النّعاس فقد أصابهم يوم أحدٍ، وأمر ذلك مشهورٌ جدًّا، وأمّا يوم بدرٍ في هذه الآية الشّريفة إنّما هي في سياق قصّة بدرٍ، وهي دالّةٌ على وقوع ذلك أيضًا وكأنّ ذلك كان سجية للمؤمنين عند شدّة البأس لتكون قلوبهم آمنةً مطمئنّةً بنصر اللّه. وهذا من فضل اللّه ورحمته بهم ونعمه عليهم، وكما قال تعالى: {فإنّ مع العسر يسرًا إنّ مع العسر يسرًا} [الشّرح: 5، 6]؛ ولهذا [جاء] في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما كان يوم بدرٍ في العريش مع الصّدّيق، رضي اللّه عنه، وهما يدعوان، أخذت رسول اللّه سنةٌ من النّوم، ثمّ استيقظ متبسّمًا فقال: "أبشر يا أبا بكرٍ، هذا جبريل على ثناياه النّقع" ثمّ خرج من باب العريش، وهو يتلو قوله تعالى: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} [القمر: 45].
وقوله: {وينزل عليكم من السّماء ماءً} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: نزل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني: حين سار إلى بدرٍ -والمسلمون بينهم وبين الماء رملةٌ دعصةٌ وأصاب المسلمين ضعفٌ شديدٌ، وألقى الشّيطان في قلوبهم الغيظ، يوسوس بينهم: تزعمون أنّكم أولياء اللّه تعالى وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلّون مجنبين! فأمطر اللّه عليهم مطرًا شديدًا، فشرب المسلمون وتطهّروا، وأذهب اللّه عنهم رجز الشّيطان، وانشفّ الرّمل حين أصابه المطر ومشى النّاس عليه والدّوابّ، فساروا إلى القوم وأمدّ اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين بألفٍ من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائةٍ مجنّبة، وميكائيل في خمسمائةٍ مجنّبة.
وكذا قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: إنّ المشركين من قريشٍ لمّا خرجوا لينصروا العير وليقاتلوا عنها، نزلوا على الماء يوم بدرٍ، فغلبوا المؤمنين عليه. فأصاب المؤمنين الظّمأ، فجعلوا يصلّون مجنبين محدثين، حتّى تعاظموا ذلك في صدورهم، فأنزل اللّه من السّماء ماءً حتّى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملئوا الأسقية، وسقوا الرّكاب واغتسلوا من الجنابة، فجعل اللّه في ذلك طهورًا، وثبّت الأقدام. وذلك أنّه كانت بينهم وبين القوم رملةٌ، فبعث اللّه المطر عليها، فضربها حتّى اشتدّت، وثبتت عليها الأقدام.
ونحو ذلك روي عن قتادة، والضّحّاك، والسّدّيّ.
وقد روي عن سعيد بن المسيّب، والشّعبيّ، والزّهريّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: إنّه طشٌّ أصابهم يوم بدرٍ.
والمعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سار إلى بدرٍ، نزل على أدنى ماءٍ هناك أي: أوّل ماءٍ وجده، فتقدّم إليه الحباب بن المنذر فقال: يا رسول اللّه، هذا المنزل الّذي نزلته منزلٌ أنزلكه اللّه فليس لنا أن نجاوزه، أو منزلٌ نزلته للحرب والمكيدة؟ فقال: " بل منزلٌ نزلته للحرب والمكيدة". فقال: يا رسول اللّه إنّ هذا ليس بمنزلٍ، ولكن سر بنا حتّى ننزل على أدنى ماءٍ يلي القوم ونغوّر ما وراءه من القلب، ونستقي الحياض فيكون لنا ماءٌ وليس لهم ماءٌ. فسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ففعل كذلك
وفي مغازي " الأمويّ" أنّ الحباب لمّا قال ذلك نزل ملكٌ من السّماء وجبريل جالسٌ عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال ذلك الملك: يا محمّد، إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: إنّ الرّأي ما أشار به "الحباب بن المنذر" فالتفت رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] إلى جبريل، عليه السّلام، فقال: هل تعرف هذا؟ فنظر إليه فقال: ما كلّ الملائكة أعرفهم، وإنّه ملكٌ وليس بشيطانٍ.
وأحسن ما في هذا ما رواه الإمام محمّد بن إسحاق بن يسارٍ صاحب "المغازي"، رحمه اللّه: حدّثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير قال: بعث اللّه السّماء -وكان الوادي دهسًا -فأصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ما لبّد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير، وأصاب قريشًا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه
وقال مجاهدٌ: أنزل اللّه عليهم المطر قبل النّعاس، فأطفأ بالمطر الغبار، وتلبّدت به الأرض، وطابت نفوسهم وثبتت به أقدامهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا هارون بن إسحاق، حدّثنا مصعب بن المقدام، حدّثنا إسرائيل، حدّثنا أبو إسحاق، عن جارية، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: أصابنا من اللّيل طشٌّ من المطر -يعني اللّيلة الّتي كانت في صبيحتها وقعة بدرٍ -فانطلقنا تحت الشّجر والحجف نستظلّ تحتها من المطر. وبات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو ربّه: "اللّهمّ إنّ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"! فلمّا أن طلع الفجر، نادى: "الصّلاة، عباد اللّه"، فجاء النّاس من تحت الشّجر والحجف، فصلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحرّض على القتال.
وقوله: {ليطهّركم به} أي: من حدثٍ أصغر أو أكبر، وهو تطهير الظّاهر {ويذهب عنكم رجز الشّيطان} أي: من وسوسةٍ أو خاطرٍ سيّئٍ، وهو تطهير الباطن، كما قال تعالى في حقّ أهل الجنّة: {عاليهم ثياب سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ وحلّوا أساور من فضّةٍ} فهذا زينة الظّاهر {وسقاهم ربّهم شرابًا طهورًا} [الإنسان: 21] أي: مطهّرًا لما كان من غلٍّ أو حسدٍ أو تباغضٍ، وهو زينة الباطن وطهارته.
{وليربط على قلوبكم} أي: بالصّبر والإقدام على مجالدة الأعداء، وهو شجاعة الباطن، {ويثبّت به الأقدام} وهو شجاعة الظّاهر، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 22-24]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا} وهذه نعمةٌ خفيّةٌ أظهرها اللّه تعالى لهم، ليشكروه عليها، وهو أنّه -تعالى وتقدّس وتبارك وتمجّد -أوحى إلى الملائكة الّذين أنزلهم لنصر نبيّه ودينه وحزبه المؤمنين، يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبّتوا الّذين آمنوا.
قال ابن إسحاق: وازروهم. وقال غيره: قاتلوا معهم. وقيل: كثّروا سوادهم. وقيل: كان ذلك بأنّ الملك كان يأتي الرّجل من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: سمعت هؤلاء القوم -يعني المشركين -يقولون: "واللّه لئن حملوا علينا لننكشفنّ"، فيحدّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك، فتقوى أنفسهم حكاه ابن جريرٍ، وهذا لفظه بحروفه.
وقوله: {سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب} أي: ثبّتوا أنتم المسلمين وقوّوا أنفسهم على أعدائهم، عن أمري لكم بذلك، سألقي الرّعب والمذلّة والصّغار على من خالف أمري، وكذّب رسولي {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ} أي: اضربوا الهام ففلّقوها، واحتزّوا الرّقاب فقطّعوها، وقطّعوا الأطراف منهم، وهي أيديهم وأرجلهم.
وقد اختلف المفسّرون في معنى: {فوق الأعناق} فقيل: معناه اضربوا الرؤوس. قاله عكرمة.
وقيل: معناه: {فوق الأعناق} أي: على الأعناق، وهي الرّقاب. قاله الضّحّاك، وعطيّة العوفيّ.
ويشهد لهذا المعنى أنّ اللّه تعالى أرشد المؤمنين إلى هذا في قوله تعالى: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق} [محمّدٍ: 4].
وقال وكيعٌ، عن المسعوديّ، عن القاسم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لم أبعث لأعذّب بعذاب اللّه، إنّما بعثت بضرب الرّقاب وشدّ الوثاق"
واختار ابن جريرٍ أنّها قد تدلّ على ضرب الرّقاب وفلق الهام.
قلت: وفي مغازي "الأمويّ" أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل يمرّ بين القتلى يوم بدرٍ فيقول:
"نفلّق هامًا = ".
فيقول أبو بكر: من رجال أعزة عليناوهم كانوا أعق وأظلما
فيبتدئ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأوّل البيت، ويستطعم أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، إنشاد آخره؛ لأنّه كان لا يحسن إنشاد الشّعر، كما قال تعالى: {وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له} [يس:69].
وقال الرّبيع بن أنسٍ: كان النّاس يوم بدرٍ يعرفون قتلى الملائكة ممّن قتلوا هم بضربٍ فوق الأعناق، وعلى البنان مثل سمة النّار قد أحرق به.
وقوله: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال ابن جريرٍ: معناه: واضربوه أيّها المؤمنون من عدوّكم كلّ طرفٍ ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم. و "البنان": جمع بنانةٍ، كما قال الشاعر ألا ليتني قطّعت منه بنانةًولاقيته في البيت يقظان حاذرا
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} يعني بالبنان: الأطراف. وكذا قال الضّحّاك وابن جريجٍ.
وقال السّدّيّ: البنان: الأطراف، ويقال: كلّ مفصل.
وقال عكرمة، وعطيّة العوفيّ والضّحّاك -في روايةٍ أخرى-: كلّ مفصلٍ.
وقال الأوزاعيّ في قوله تعالى: {واضربوا منهم كلّ بنانٍ} قال: اضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهابٍ من نارٍ، فإذا أخذته حرم ذلك كلّه عليك.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ -فذكر قصّة بدرٍ إلى أن قال-: فقال أبو جهلٍ: لا تقتلوهم قتلًا ولكن خذوهم أخذًا، حتّى تعرّفوهم الّذي صنعوا من طعنهم في دينكم، ورغبتهم عن اللّات والعزّى. فأوحى اللّه إلى الملائكة: {أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنانٍ} فقتل أبو جهلٍ لعنه اللّه، في تسعةٍ وستّين رجلًا وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبرًا، فوفّى ذلك سبعين -يعني: قتيلًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 25-26]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولذلك قال [اللّه] تعالى: {ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله} أي: خالفوهما فساروا في شقٍّ، وتركوا الشّرع والإيمان به واتّباعه في شقٍّ -وهو مأخوذٌ أيضًا من شقّ العصا، وهو جعلها فرقتين - {ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنّ اللّه شديد العقاب} أي: هو الطّالب الغالب لمن خالفه وناوأه، لا يفوته شيءٌ، ولا يقوم لغضبه شيءٌ، تبارك وتعالى، لا إله غيره، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 26]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار} هذا خطابٌ للكفّار أي: ذوقوا هذا العذاب والنّكال في الدّنيا، واعلموا أيضًا أنّ للكافرين عذاب النّار في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 26]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة