العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنبياء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:01 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير سورة الأنبياء [من الآية(87)إلى الآية(88)]

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:02 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) )

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: {فظن أن لن نقدر عليه}، قال: فظن أن لن نعاقبه بذنب). [الجامع في علوم القرآن: 1/139]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني شبيب عن شعبة عن الحكم عن مجاهد في قول الله: {فظن أن لن نقدر عليه}، أن لن نعاقبه). [الجامع في علوم القرآن: 2/25]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة والكلبي فظن أن لن نقدر عليه قالا ظن أن لن نقضي عليه العقوبة). [تفسير عبد الرزاق: 2/27]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فنادى في الظلمات قال ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل). [تفسير عبد الرزاق: 2/27]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا يحيى بن العلاء قال أخبرني حميد بن صخر عن أنس بن مالك قال: قال النبي لما ألقى يونس نفسه في البحر فالتقمه الحوت هوى به حتى انتهى به إلى الأرض فسمع تسبيح الأرض فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال فأقبلت الدعوة تحن حول العرش فقالت الملائكة يا ربنا إنا لنسمع صوتا ضعيفا من بلاد غربية فقال أو ما تدرون من ذاكم قالوا لا ربنا قال ذاكم عبدي يونس قالوا الذي كنا لا نزال نرفع له عملا متقبلا ودعوة مجابة قال نعم قالوا ربنا ألا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتجيبه عند البلاء قال بلى فأمر الحوت فلفظه قال حميد فحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أنه لفظه حين لفظه في أصل يقطينة وهي الدباء وهو كهيئة الصبي فكان يستظل بظلها وهيأ الله له أروية من الوحش تروح عليه بكرة وعشيا فتفشخ عليه فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه). [تفسير عبد الرزاق: 2/156-157]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله إذ ذهب مغاضبا قال غاضب قومه ولم يغاضب ربه). [تفسير عبد الرزاق: 2/158]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن عبد الملك عن سعيد بن جبير في قوله: {ذهب مغاضبًا فظنّ أن لن نقدر عليه} قال: ذهب مغاضبا لربه [الآية: 87]). [تفسير الثوري: 204]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، قال: حدّثني من لا أتّهم، عن ابن منبّهٍ، أنّه جلس هو وطاوسٌ ونحوهما من أهل ذلك الزّمان فذكروا أيّ أمر الله أسرع، فقال بعضهم: قول الله {كلمح البصر}، وقال بعضهم: السّرير حين أتي به سليمان، فقال ابن منبّهٍ: أسرع أمر الله، أنّ يونس على حافّة السّفينة إذ أوحى اللّه إلى نونٍ في نيل مصر، قال: فما خرّ من حافّتها إلاّ في جوفه). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 363]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن عبد الله بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {فالتقمه الحوت} قال: لمّا التقمه ذهب به حتّى وضعه في الأرض السّابعة فسمع الأرض تسبّح، قال: فهيّجته على التّسبيح، فقال: {لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} قال: فأخرجه حتّى ألقاه على الأرض بلا شعرٍ، ولا ظفرٍ مثل الصّبيّ المنفوس، فأنبت اللّه عليه شجرةً تظلّه، ويأكل من تحتها من حشرات الأرض، فبينما هو نائمٌ تحتها فتساقطت عليه ورقها قد يبست، فشكا ذلك إلى ربّه، فقيل له: أتحزن على شجرةٍ، ولا تحزن على مئة ألفٍ أو يزيدون يعذّبون). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 443]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وذا النّون إذ ذهب مغاضبًا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}.

يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمّد ذا النّون، يعني صاحب النّون. والنّون: الحوت. وإنّما عنى بذي النّون: يونس بن متّى، وقد ذكرنا قصّته في سورة يونس بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع.
وقوله: {إذ ذهب مغاضبًا} يقول: حين ذهب مغاضبًا.
واختلف أهل التّأويل في معنى ذهابه مغاضبًا، وعمّن كان ذهابه، وعلى من كان غضبه، فقال بعضهم: كان ذهابه عن قومه وإيّاهم غاضب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ،، قوله: {وذا النّون إذ ذهب مغاضبًا} يقول: " غضب على قومه ".
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إذ ذهب مغاضبًا} " أمّا غضبه فكان على قومه ".
وقال آخرون: ذهب عن قومه مغاضبًا لربّه، إذ كشف عنهم العذاب بعدما وعدهموه.
ذكر من قال ذلك، وذكر سبب مغاضبته ربّه في قولهم:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيادٍ، عن عبد اللّه بن أبي سلمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " بعثه اللّه يعني يونس إلى أهل قريته، فردّوا عليه ما جاءهم به، وامتنعوا منه. فلمّا فعلوا ذلك أوحى اللّه إليه: إنّي مرسلٌ عليهم العذاب في يوم كذا وكذا، فاخرج من بين أظهرهم فأعلم قومه الّذي وعدهم اللّه من عذابه إيّاهم، فقالوا: ارمقوه، فإن خرج من بين أظهركم فهو واللّه كائنٌ ما وعدكم.
فلمّا كانت اللّيلة الّتي وعدوا بالعذاب في صبحها أدلج ورآه القوم، فخرجوا من القرية إلى برازٍ من أرضهم، وفرّقوا بين كلّ دابّةٍ وولدها، ثمّ عجّوا إلى اللّه، فاستقالوه، فأقالهم، وتنظّر يونس الخبر عن القرية وأهلها، حتّى مرّ به مارٌّ، فقال: ما فعل أهل القرية؟ فقال: فعلوا أنّ نبيّهم خرج من بين أظهرهم، عرفوا أنّه صدقهم ما وعدهم من العذاب، فخرجوا من قريتهم إلى برازٍ من الأرض، ثمّ فرّقوا بين كلّ ذات ولدٍ وولدها. وعجّوا إلى اللّه، وتابوا إليه. فقبل منهم، وأخّر عنهم العذاب قال: فقال يونس عند ذلك وغضب: واللّه لا أرجع إليهم كذّابًا أبدًا، وعدتهم العذاب في يومٍ، ثمّ ردّ عنهم ومضى على وجهه مغاضبًا ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: بلغني " أنّ يونس، لمّا أصاب الذّنب، انطلق مغاضبًا لربّه، واستزلّه الشّيطان ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن مجالد بن سعيدٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {إذ ذهب مغاضبًا} قال: " مغاضبًا لربّه ".
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن سعيد بن جبيرٍ، فذكر نحو حديث ابن حميدٍ، عن سلمة، وزاد، فيه: قال: فخرج يونس ينظر العذاب، فلم ير شيئًا، قال: جرّبوا عليّ كذبًا فذهب مغاضبًا لربّه حتّى أتى البحر ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، قال: سمعته يقول: " إنّ يونس بن متّى كان عبدًا صالحًا، وكان في خلقه ضيقٌ. فلمّا حملت عليه أثقال النّبوّة، ولها أثقالٌ لا يحملها إلاّ قليلٌ، تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل، فقذفها بين يديه، وخرج هاربًا منها. يقول اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرّسل}، {فاصبر لحكم ربّك ولا تكن كصاحب الحوت}، أي: لا تلق أمري كما ألقاه.
وهذا القول، أعني قول من قال: ذهب عن قومه مغاضبًا لربّه، أشبه بتأويل الآية، وذلك لدلالة قوله: {فظنّ أن لن نقدر عليه} على ذلك. على أنّ الّذين وجّهوا تأويل ذلك إلى أنّه ذهب مغاضبًا لقومه، إنّما زعموا أنّهم فعلوا ذلك استنكارًا منهم أن يغاضب نبيّ من الأنبياء ربّه، واستعظامًا له. وهم بقيلهم أنّه ذهب مغاضبًا لقومه قد دخلوا في أمرٍ أعظم ممّا أنكروا، وذلك أنّ الّذين قالوا: ذهب مغاضبًا لربّه اختلفوا في سبب ذهابه كذلك، فقال بعضهم: إنّما فعل ما فعل من ذلك كراهة أن يكون بين قومٍ قد جرّبوا عليه الخلف فيما وعدهم، واستحيا منهم، ولم يعلم السّبب الّذي دفع به عنهم البلاء.
وقال بعض من قال هذا القول: كان من أخلاق قومه الّذين فارقهم قتل من جرّبوا عليه الكذب، عسى أن يقتلوه من أجل أنّه وعدهم العذاب، فلم ينزل بهم ما وعدهم من ذلك وقد ذكرنا الرّواية بذلك في سورة يونس، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
وقال آخرون: بل إنّما غاضب ربّه من أجل أنّه أمر بالمصير إلى قومٍ لينذرهم بأسه، ويدعوهم إليه، فسأل ربّه أن ينظره ليتأهّب للشّخوص إليهم، فقيل له: الأمر أسرع من ذلك، ولم ينظر، حتّى شاء أن ينظر إلى أن يأخذ نعلاً يلبسها، فقيل له نحو القول الأوّل. وكان رجلاً في خلقه ضيقٌ، فقال: أعجلني ربّي أن آخذ نعلاً فذهب مغاضبًا.
- وممّن ذكر هذا القول عنه: الحسن البصريّ حدّثني بذلك الحارث، قال: حدّثنا الحسن بن موسى، عن أبي هلالٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عنه.
قال أبو جعفرٍ: وليس في واحدٍ من هذين القولين من وصف نبيّ اللّه يونس صلوات اللّه عليه شيءٌ إلاّ وهو دون ما وصفه بما وصفه الّذين قالوا: ذهب مغاضبًا لقومه، لأنّ ذهابه عن قومه مغاضبًا لهم، وقد أمره اللّه تعالى بالمقام بين أظهرهم، ليبلّغهم رسالته، ويحذّرهم بأسه وعقوبته على تركهم الإيمان به، والعمل بطاعته، لا شكّ أنّ فيه ما فيه. ولولا أنّه قد كان صلّى اللّه عليه وسلّم أتى ما قاله الّذين وصفوه بإتيان الخطيئة، لم يكن اللّه تعالى ذكره ليعاقبه العقوبة الّتي ذكرها في كتابه، ويصفه بالصّفة الّتي وصفه بها، فيقول لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظومٌ}، ويقول: {فالتقمه الحوت وهو مليمٌ فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}.
وقوله: {فظنّ أن لن نقدر عليه} اختلف أهل التّأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: فظنّ أن لن نعاقبه بالتّضييق عليه. من قولهم: قدرت على فلانٍ: إذا ضيّقت عليه، كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه}
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فظنّ أن لن، نقدر عليه} يقول: " ظنّ أن لن يأخذه العذاب الّذي أصابه ".
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فظنّ أن لن، نقدر عليه} يقول: " ظنّ أن لن نقضي عليه عقوبةً، ولا بلاءً فيما صنع بقومه في غضبه إذ غضب عليهم، وفراره. وعقوبته أخذ النّون إيّاه ".
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، أنّه قال في هذه الآية: {فظنّ أن لن نقدر عليه} قال: " فظنّ أن لن نعاقبه بذنبه ".
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ قال: حدّثني شعبة، عن مجاهدٍ، ولم يذكر فيه الحكم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فظنّ أن لن نقدر عليه} قال: يقول: " ظنّ أن لن نعاقبه ".
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة والكلبي: {فظنّ أن لن نقدر عليه} قالا: " ظنّ أن لن نقضي عليه العقوبة.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فظنّ أن لن نقدر} يقول: " ظنّ أنّ اللّه لن يقضي عليه عقوبةً، ولا بلاءً في غضبه الّذي غضب على قومه، وفراقه إيّاهم ".
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فظنّ أن لن نقدر عليه} قال: " البلاء الّذي أصابه ".
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظنّ أنه يعجز ربّه فلا يقدر عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: بلغني " أنّ يونس، لمّا أصاب الذّنب، انطلق مغاضبًا لربّه، واستزلّه الشّيطان، حتّى ظنّ أن لن نقدر عليه. قال: وكان له سلفٌ وعبادةٌ وتسبيحٌ. فأبى اللّه أن يدعه للشّيطان، فأخذه فقذفه في بطن الحوت، فمكث في بطن الحوت أربعين، من بين ليلةٍ ويومٍ، فأمسك اللّه نفسه، فلم يقتله هناك. فتاب إلى ربّه في بطن الحوت، وراجع نفسه " قال: " فقال: {سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} قال: فاستخرجه اللّه من بطن الحوت برحمته بما كان سلف من العبادة والتّسبيح، فجعله من الصّالحين ". قال عوفٌ: وبلغني " أنّه قال في دعائه: وبنيت لك مسجدًا في مكانٍ لم يبنه أحدٌ قبلي ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن: {فظنّ أن لن، نقدر عليه} " وكان له سلفٌ من عبادةٍ وتسبيحٍ، فتداركه اللّه بها فلم يدعه للشّيطان ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الرّحمن بن الحارث، عن إياس بن معاوية المدنيّ، أنّه كان إذا ذكر عنده يونس، وقوله: {فظنّ أن لن نقدر عليه} يقول إياس: " فلم فرّ ".
وقال آخرون: بل ذلك بمعنى الاستفهام، وإنّما تأويله: أفظنّ أن لن نقدر عليه؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فظنّ أن لن نقدر عليه} قال: هذا استفهامٌ. وفي قوله: {فما تغن النّذر}، قال: " استفهامٌ أيضًا ".
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب، قول من قال: عنى به: فظنّ يونس أن لن نحبسه، ونضيّق عليه، عقوبةً له على مغاضبته ربّه.
وإنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الكلمة، لأنّه لا يجوز أن ينسب إلى الكفر وقد اختاره لنبوّته، ووصفه بأن ظنّ أنّ ربّه يعجز عمّا أراد به، ولا يقدر عليه، وصفٌ له بأنّه جهل قدرة اللّه، وذلك وصفٌ له بالكفر، وغير جائزٍ لأحدٍ وصفه بذلك.
وأمّا ما قاله ابن زيدٍ، فإنّه قولٌ لو كان في الكلام دليلٌ على أنّه استفهامٌ حسنٌ، ولكنّه لا دلالة فيه على أنّ ذلك كذلك. والعرب لا تحذف من الكلام شيئًا لهم إليه حاجةٌ إلاّ وقد أبقت دليلاً على أنّه مرادٌ في الكلام، فإذا لم يكن في قوله: {فظنّ أن لن نقدر عليه} دلالةٌ على أنّ المراد به الاستفهام كما قال ابن زيدٍ، كان معلومًا أنّه ليس به. وإذ فسد هذان الوجهان، صحّ الثّالث، وهو ما قلنا.
وقوله: {فنادى في الظّلمات} اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بهذه الظّلمات، فقال بعضهم: عني بها ظلمة اللّيل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ: {فنادى في الظّلمات} قال: " ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة اللّيل " وكذلك قال أيضًا ابن جريجٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيادٍ، عن عبد اللّه بن أبي سلمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {نادى في الظّلمات}: " ظلمة اللّيل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت {لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} ".
- حدّثني محمّد بن إبراهيم السّلميّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا محمّد بن رفاعة، قال: سمعت محمّد بن كعبٍ، يقول في هذه الآية: {فنادى في الظّلمات} قال: " ظلمة اللّيل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ".
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فنادى في الظّلمات} قال: " ظلمة اللّيل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ".
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فنادى في الظّلمات} قال: " ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة اللّيل ".
وقال آخرون: إنّما عنى بذلك أنّه نادى في ظلمة جوف حوتٍ في جوف حوتٍ آخر في البحر. قالوا: فذلك هو الظّلمات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد: {فنادى في الظّلمات} قال: " أوحى اللّه إلى الحوت أن لا تضرّ له لحمًا ولا عظمًا. ثمّ ابتلع الحوت حوتٌ آخر، قال: {فنادى في الظّلمات} قال: ظلمة الحوت، ثمّ حوتٌ، ثمّ ظلمة البحر ".
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه أخبر عن يونس أنّه ناداه في الظّلمات: {أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} ولا شكّ أنّه قد عنى بإحدى الظّلمات: بطن الحوت، وبالأخرى: ظلمة البحر، وفي الثّالثة اختلافٌ، وجائزٌ أن تكون تلك الثّالثة ظلمة اللّيل، وجائزٌ أن تكون كون الحوت في جوف حوتٍ آخر.
ولا دليل يدلّ على أيّ ذلك من أيٍّ، فلا قول في ذلك أولى بالحقّ من التّسليم لظاهر التّنزيل.
وقوله: {لا إله إلاّ أنت سبحانك} يقول: نادى يونس بهذا القول معترفًا بذنبه، تائبًا من خطيئته {إنّي كنت من الظّالمين} في معصيتي إيّاك.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيادٍ، عن عبد اللّه بن أبي سلمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {فنادى في الظّلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} " معترفًا بذنبه، تائبًا من خطيئته ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال أبو معشرٍ: قال محمّد بن قيسٍ: قوله: {لا إله إلاّ أنت سبحانك} ما صنعت من شيءٍ، فلم أعبد غيرك، {إنّي كنت من الظّالمين} " حين عصيتك ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان، عن عوفٍ الأعرابيّ، قال: " لمّا صار يونس في بطن الحوت ظنّ أنه قد مات. ثمّ حرّك رجليه، فلمّا تحرّكت سجد مكانه، ثمّ نادى: يا ربّ، اتّخذت لك مسجدًا في موضعٍ ما اتّخذه أحدٌ ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، عمّن حدّثه عن عبد اللّه بن رافعٍ، مولى أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لمّا أراد اللّه حبس يونس في بطن الحوت، أوحى اللّه إلى الحوت: أن خذه، ولا تخدش له لحمًا، ولا تكسر عظمًا فأخذه، ثمّ هوى به إلى مسكنه من البحر، فلمّا انتهى به إلى أسفل البحر، سمع يونس حسًّا، فقال في نفسه: ما هذا؟ قال: فأوحى اللّه إليه وهو في بطن الحوت: إنّ هذا تسبيح دوابّ البحر، قال: فسبّح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربّنا، إنّا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرضٍ غريبةٍ، قال: ذاك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. قالوا: العبد الصّالح الّذي كان يصعد إليك منه في كلّ يومٍ وليلةٍ عملٌ صالحٌ؟ قال: نعم. قال: فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في السّاحل كما قال اللّه تبارك وتعالى: وهو سقيمٌ "). [جامع البيان: 16/373-385]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا أبو هلال الراسبي قال ثنا شهر بن حوشب عن ابن عباس قال إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت). [تفسير مجاهد: 413]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب إملاءً وقراءةً، ثنا محمّد بن عليّ بن ميمونٍ الرّقّيّ، ثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ، حدّثني يونس بن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن محمّد بن سعدٍ، عن محمّد بن سعدٍ، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «دعاء ذي النّون إذ دعا به وهو في بطن الحوت، لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين، أنّه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطّ إلّا استجيب له» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/414]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، ثنا سعيد بن مسعودٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، في قوله تعالى: {فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] قال: «ظلمة اللّيل وظلمة بطن الحوت وظلمة البحر» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/415]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وذا النّون} [الأنبياء: 87]- الآية.
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ -: وذا النّون إذ ذهب مغاضبًا قال: عبدٌ أبق من سيّده.
رواه الطّبرانيّ، وفيه يحيى الحمّانيّ وهو ضعيفٌ.
- وعن سعد بن أبي وقّاصٍ قال: «مررت بعثمان بن عفّان في المسجد فسلّمت عليه، فملأ عينيه منّي ثمّ لم يردّ عليّ السّلام، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب فقلت: يا أمير المؤمنين، هل حدث في الإسلام شيءٌ؟ مرّتين، قال: [لا] وما ذاك؟ قلت: لا، إلّا أنّي مررت بعثمان آنفا في المسجد فسلّمت عليه، فملأ عينيه منّي ثمّ لم يردّ عليّ السّلام، قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه، فقال: ما منعك ألّا تكون رددت على أخيك السّلام؟ قال عثمان: ما فعلت؟ قلت: بلى، قال: حتّى حلف وحلفت، قال: ثمّ إنّ عثمان ذكر فقال: بلى وأستغفر اللّه وأتوب إليه، إنّك مررت بي آنفًا وأنا أحدّث نفسي بكلمةٍ سمعتها من رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - واللّه ما ذكرتها قطّ إلّا تغشى بصري وقلبي غشاوةٌ، قال سعدٌ: فأنا أنبّئك بها، إنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - ذكر لنا أوّل دعوةٍ، ثمّ جاءه أعرابيٌّ فشغله حتّى قام رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فتبعته حتّى أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إليّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: " من هذا؟ أبو إسحاق "، قلت: نعم يا رسول اللّه، قال: " فمه؟ "، قلت: لا واللّه، إلّا أنّك ذكرت لنا أوّل دعوةٍ ثمّ جاءك هذا الأعرابيّ فشغلك، قال: " نعم، دعوة ذي النّون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين فإنّه لن يدعو بها مسلمٌ ربّه في شيءٍ قطّ إلّا استجاب له» ". قلت: روى التّرمذيّ طرفًا من آخره.
رواه أحمد، ورجاله رجال الصّحيح، غير إبراهيم بن محمّد بن سعد بن أبي وقّاصٍ وهو ثقةٌ). [مجمع الزوائد: 7/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 87 - 88.
أخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا} يقول: غضب على قومه {فظن أن لن نقدر عليه} يقول: أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره، قال: وعقوبته أخذ النون إياه). [الدر المنثور: 10/357]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا} قال: مغاضبا لقومه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس قال: كانت تكون أنبياء جميعا يكون عليهم واحد فكان يوحى إلى ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أرسل فلان إلى بني فلان فقال الله: {إذ ذهب مغاضبا} قال: مغاضبا لذلك النبي). [الدر المنثور: 10/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه). [الدر المنثور: 10/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {إذ ذهب مغاضبا} قال: انطلق آبقا {فظن أن لن نقدر عليه} فكان له سلف من عمل صالح فلم يدعه الله فبه أدركه). [الدر المنثور: 10/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: ظن أن لن نعاقبه بذلك). [الدر المنثور: 10/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: أن لن نقضي عليه). [الدر المنثور: 10/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} يقول: ظن أن الله لن يقضي عليه عقوبة ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه فراقه إياهم). [الدر المنثور: 10/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن الحارث قال: لما التقم الحوت يونس نبذ به إلى قرار الأرض فسمع تسبيح الأرض فذاك الذي حاجه فناداه). [الدر المنثور: 10/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: ظن أن لن نعاقبه {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} قال الملائكة: صوت معروف في أرض غريبة). [الدر المنثور: 10/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة والكلبي {فظن أن لن نقدر عليه} قالا: ظن أن لن نقضي عليه العقوبة). [الدر المنثور: 10/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب وعمرو بن ميمون وقتادة مثله.
وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير مثله). [الدر المنثور: 10/359-360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت وظلمة البحر). [الدر المنثور: 10/360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سالم بن أبي الجعد قال: أوحى الله تعالى إلى الحوت أن: لا تضر له لحما ولا عظما ثم ابتلع الحوت حوت آخر قال: {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الحوت ثم حوت ثم ظلمة البحر). [الدر المنثور: 10/360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: كل تسبيح في القرآن صلاة إلا قوله: {سبحانك إني كنت من الظالمين} ). [الدر المنثور: 10/360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاوية قال له يوما: إني قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك، قال: وما هما قال: قول الله: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه} وأنه يفوته إن أراده وقول الله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) (يوسف آية 110) كيف هذا يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم فقال ابن عباس: أما يونس فظن أن لن تبلغ خطيئته أن يقدر الله عليه فيها العقاب ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه.
وأمّا الآية الأخرى فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم وظنوا أن من عصاهم لرضا في العلانية قد كذبهم في السر وذلك لطول البلاء ولم تستيئس الرسل من نصر الله ولم يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم، فقال معاوية: فرجت عني با ابن عباس فرج الله عنك). [الدر المنثور: 10/361]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم ن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما دعا يونس قومه أوحى الله إليه أن العذاب يصبحهم فقال لهم فقالوا: ما كذب يونس وليصبحنا العذاب فتعالوا حتى نخرج سخال كل شيء فنجعلها من أولادنا لعل الله أن يرحمهم، فأخرجوا النساء مع الولدان وأخرجوا الإبل مع فصلانها وأخرجوا البقر مع عجاجيلها وأخرجوا الغنم مع سخالها فجعلوه أمامهم وأقبل العذاب، فلما رأوه جأروا إلى الله ودعوا وبكى النساء والولدان ورغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وعجاجيلها وثغت الغنم وسخالها فرحمهم الله فصرف ذلك العذاب عنهم وغضب يونس فقال: كذبت فهو قوله: {إذ ذهب مغاضبا} فمضى إلى البحر وقوم رست سفينتهم فقال: احملوني معكم فحملوه فأخرج الجعل فأبوا أن يقبلوه منه فقال: إذا أخرج عنكم، فقبلوه فلما لجت السفينة في البحر أخذهم البحر والأمواج فقال لهم يونس: اطرحوني تنجوا، قالوا: بل نمسكك ننجو، قال: فساهموني - يعني قارعوني - فساهموه ثلاثا فوقعت عليه القرعة فأوحى إلى سمكة يقال لها النجم من البحر الأخضر أن شقي البحار حتى تأخذي يونس فليس يونس لك رزقا ولكن بطنك له سجن فلا تخدشي له جلدا ولا تكسري له عظما فجاءت حتى استقبلت السفينة فقارعوه الثالثة فوقعت عليه فاقتحم الماء فالتقمته السمكة فشقت به البحار حتى انتهت به إلى البحر الأخضر). [الدر المنثور: 10/361-362]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما التقم الحوت يونس ذهب به حتى أوقفه بالأرض السابعة فسمع تسبيح الأرض فهيجه على التسبيح فقال: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فأخرجته حتى ألقته على الأرض بلا شعر ولا ظفر مثل الصبي المنفوس فأنبتت عليه شجرة تظله ويأكل من تحتها من حشرات الأرض فبينا هو نائم تحتها إذ تساقط ورقها قد يبست، فشكا ذلك إلى ربه فقال: تحزن على شجرة يبست ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون يعذبون). [الدر المنثور: 10/362-363]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن أبي الدنيا في الفرج، وابن مردويه عن أنس رفعه: أن يونس حين بدا له أن يدعو الله بالكلمات حين ناداه في بطن الحوت قال: اللهم {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فأقبلت الدعوة تحف بالعرش فقالت الملائكة: هذا صوت ضعيف معروف في بلاد غريبة فقال: أما تعرفون ذلك قال: يا رب وما هو قال: ذاك عبدي يونس، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة قال: نعم، قالوا: يا رب أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء قال: بلى، فأمر الحوت فطرحه بالعراء فأنبت الله عليه اليقطينة). [الدر المنثور: 10/363]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد، وابن مردويه، وابن عساكر عن علي رضي الله عنه مرفوعا: ليس لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى سبح الله في الظلمات). [الدر المنثور: 10/363-364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له). [الدر المنثور: 10/364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والدبلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية مفزع للأنبياء {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} نادى بها يونس في ظلمة بطن الحوت). [الدر المنثور: 10/364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} ). [الدر المنثور: 10/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: هل أدلكم على اسم الله الأعظم دعاء يونس {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فأيما مسلم دعا ربه به في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ مغفورا له). [الدر المنثور: 10/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب). [الدر المنثور: 10/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مر على ثنية فقال: ما هذه قالوا: ثنية كذا وكذا، قال: كأني أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف وعليه جبة من صوف وهو يقول: لبيك اللهم لبيك). [الدر المنثور: 10/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى - نسبة إلى أبيه - أصاب ذنبا ثم اجتباه ربه). [الدر المنثور: 10/365-366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد والبخاري والنسائي، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم أنا خير من يونس بن متى). [الدر المنثور: 10/366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى، والله أعلم). [الدر المنثور: 10/366]

تفسير قوله تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن عبد الملك عن سعيد بن جبير في قوله: {ونجيناه من الغم} قال: ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل [الآية: 88]). [تفسير الثوري: 204]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: {فاستجبنا} ليونس دعاءه إيّانا، إذ دعانا في بطن الحوت، ونجّيناه من الغمّ الّذي كان فيه بحبسناه في بطن الحوت، وغمّه بخطيئته وذنبه. {وكذلك ننجي المؤمنين} يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك جاء الأثر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو يحيى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثني بشر بن منصورٍ، عن عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: سمعت سعد بن مالكٍ، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " اسم اللّه الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متّى ". قال: فقلت: يا رسول اللّه، هي ليونس بن متّى خاصّةٌ، أم لجماعة المسلمين؟ قال: " هي ليونس بن متّى خاصّةٌ، وللمؤمنين عامّةٌ، إذا دعوا بها، ألم تسمع قول اللّه تبارك وتعالى {فنادى في الظّلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}؟ فهو شرط اللّه لمن دعاه بها ".
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ننجي المؤمنين} فقرأت ذلك قرّاء الأمصار، سوى عاصمٍ، بنونين، الثّانية منهما ساكنةٌ، من أنجيناه، فنحن ننجيه. وإنّما قرءوا ذلك كذلك، وكتابته في المصاحف بنونٍ واحدةٍ، لأنّه لو قرئ بنونٍ واحدةٍ، وتشديد الجيم، بمعنى ما لم يسمّ فاعله، كان المؤمنون رفعًا، وهم في المصاحف منصوبون، ولو قرئ بنونٍ واحدةٍ، وتخفيف الجيم، كان الفعل للمؤمنين، وكانوا رفعًا، ووجب مع ذلك أن يكون قوله ( نجّي ) مكتوبًا بالألف، لأنّه من ذوات الواو، وهو في المصاحف بالياء.
فإن قال قائلٌ: فكيف كتب ذلك بنونٍ واحدٍ، وقد علمت أنّ حكم ذلك إذا قرئ: {ننجي} أن يكتب بنونين؟ قيل: لأنّ النّون الثّانية لمّا سكّنت وكان السّاكن غير ظاهرٍ على اللّسان حذفت، كما فعلوا ذلك بـ إلاّ لا، فحذفوا النّون من ( إنّ ) لخفائها، إذ كانت مندغمةً في اللاّم من ( لا ).
وقرأ ذلك عاصمٌ: ( نجّي المؤمنين ) بنونٍ واحدةٍ، وتثقيل الجيم، وتسكين الياء. فإن يكن عاصمٌ وجّه قراءته ذلك إلى قول العرب: ضرب الضّرب زيدًا، فكنّى عن المصدر الّذي هو النّجاء، وجعل الخبر أعني خبر ما لم يسمّ فاعله المؤمنين، كأنّه أراد: وكذلك نجّي النّجاء المؤمنين، فكنّى عن النّجاء، فهو وجهٌ، وإن كان غيره أصوب، وإلاّ فإنّ الّذي قرأ من ذلك على ما قرأه لحنٌ، لأنّ المؤمنين اسمٌ على القراءة الّتي قرأها ما لم يسمّ فاعله، والعرب ترفع ما كان من الأسماء كذلك. وإنّما حمل عاصمًا على هذه القراءة أنّه وجد المصاحف بنونٍ واحدةٍ، وكان في قراءته إيّاه على ما عليه قراءة القرّاء إلحاق نونٍ أخرى ليست في المصحف، فظنّ أنّ ذلك زيادة ما ليس في المصحف، ولم يعرف لحذفها وجهًا يصرفه إليه.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة الّتي لا أستجيز غيرها في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، من قراءته بنونين، وتخفيف الجيم، لإجماع الحجّة من القرّاء عليها، وتخطئتها خلافه). [جامع البيان: 16/385-387]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سعد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اسم الله الذي دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى، قلت: يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين قال: هي ليونس خاصة وللمؤمنين إذا دعوا بها ألم تسمع قول الله: {وكذلك ننجي المؤمنين} فهو شرط من الله لمن دعاه). [الدر المنثور: 10/364]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:05 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وذا النّون} [الأنبياء: 87] يعني يونس.
وقال في آيةٍ أخرى: {كصاحب الحوت} [القلم: 48] والحوت، النّون.
{إذ ذهب مغاضبًا} [الأنبياء: 87] يعني مكابدًا لدين ربّه في تفسير الحسن.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} [الأنبياء: 87] قال قتادة: فظنّ أن لن نعاقبه بما صنع.
قال: وبلغنا أنّ يونس دعا قومه زمانًا إلى اللّه عزّ وجلّ، فلمّا طال ذلك وأبوا
[تفسير القرآن العظيم: 1/335]
أوحى اللّه إليه أنّ العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا.
فلمّا دنا الوقت تنحّى عنهم، فلمّا كان قبل الوقت بيومٍ جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فسمعه رجلٌ منهم، فانطلق إلى الملك فأخبره أنّه سمع يونس يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فلمّا سمع ذلك الملك دعا قومه، فأخبرهم بذلك وقال: إن كان هذا حقًّا فسيأتيكم العذاب غدًا، فاجتمعوا حتّى ننظر في أمرنا.
فاجتمعوا، فخرجوا من المدينة من الغد، فنظروا فإذا بظلمةٍ وريحٍ شديدةٍ قد أقبلت نحوهم.
فعلموا أنّه الحقّ، ففرّقوا بين الصّبيان وبين أمّهاتهم، وبين البهائم وبين أمّهاتها، ولبسوا الشّعر، وجعلوا الرّماد والتّراب على رءوسهم تواضعًا للّه وتضرّعوا إليه، وبكوا، وآمنوا.
فصرف اللّه عنهم العذاب.
واشترط بعضهم على بعضٍ ألا يكذب منهم أحدٌ كذبةً إلا قطعوا لسانه.
فجاء يونس من الغد، فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا النّاس داخلون وخارجون.
فقال: أمرني ربّي أن أخبر قومي أنّ العذاب يأتيهم فلم يأتهم، فكيف ألقاهم؟ فانطلق حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينةٌ في البحر، فأشار إليهم، فأتوه، فحملوه ولا يعرفونه.
فانطلق إلى ناحيةٍ من السّفينة، فتقنّع ورقد.
فما مضى إلا قليلًا حتّى جاءتهم ريحٌ كادت تغرق السّفينة.
فاجتمع أهل السّفينة، فدعوا اللّه ثمّ قالوا: أيقظوا الرّجل يدعو اللّه معنا ففعلوا.
فدعا اللّه معهم، فرفع اللّه تبارك وتعالى عنهم تلك الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق.
فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق، فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت.
فتفكّر العبد الصّالح يونس فقال: هذا من خطيئتي أو قال: من ذنبي أو كما قال.
فقال لأهل السّفينة: شدّوني وثاقًا وألقوني في البحر.
فقالوا: ما كنّا لنفعل وحالك حالك، ولكنّا نقترع، فمن
[تفسير القرآن العظيم: 1/336]
أصابته القرعة ألقيناه في البحر.
فاقترعوا، فأصابته القرعة، فقال: قد أخبرتكم، فقالوا: ما كنّا لنفعل ولكن اقترعوا الثّانية، فاقترعوا، فأصابته القرعة.
ثمّ اقترعوا الثّالثة فأصابته القرعة وهو قوله عزّ وجلّ: {فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 141] أي: من المقروعين.
ويقال: من المسهومين، يعني أنّه وقع السّهم عليه.
فانطلق إلى صدر السّفينة ليلقي نفسه في البحر، فإذا هو بحوتٍ فاتحٍ فاه، ثمّ انطلق إلى ذنب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى جانب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى الجانب الآخر، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، فلمّا رأى ذلك ألقى نفسه في البحر، فالتقمه الحوت.
فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى الحوت: إنّي لم أجعله لك رزقًا ولكن جعلت بطنك له سجنًا.
فمكث في بطن الحوت أربعين ليلةً.
{فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] كما قال اللّه: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/337]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] يعني ظلمة البحر، وظلمة اللّيل، وظلمة بطن الحوت.
وهو تفسير السّدّيّ.
{أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] يعني بخطيئته). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فظنّ أن لّن نّقدر عليه...}

يريد أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لاّ اله إلاّ أنت} يقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت ومِعاها (مقصور) الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وذا النّون إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لاّ إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
وقال: {إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه} أي: لن نقدر عليه العقوبة، لأنه قد أذنب بتركه قومه وإنما غاضب بعض الملوك ولم يغاضب ربه كان بالله عز وجل أعلم من ذلك). [معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وذا النّون}: ذا الحوت. والنون: الحوت.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} أي نضيق عليه. يقال: فلان مقدّر عليه، ومقتّر عليه في رزقه. وقال: {وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه}، أي ضيّق عليه في رزقه). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، أي لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-408] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوبا، ويحملهم التنزيه لهم، صلوات الله عليهم، على مخالفة كتاب الله جلّ ذكره، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة التي لا تخيل عليهم،
أو على من علم منهم- أنّها ليست لتلك الألفاظ بشكل، ولا لتلك المعاني بلفق.
كتأوّلهم في قوله تعالى: {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} أي: بشم من أكل الشجرة. وذهبوا إلى قول العرب: غوى الفصيل: إذا أكثر من اللبن حتى يبشم. وذلك غوى- بفتح الواو- يغوي غيّا. وهو من البشم غوي- بكسر الواو- يغوى غوى.
قال الشاعر يذكر قوسا:
معطّفة الأثناء ليس فصيلها = برازئها درّا ولا ميّت غوى
وأراد بالفصيل: السّهم. يقول: ليس يرزؤها درّا، ولا يموت بشما، ولو وجد أيضا في (عصى) مثل هذا السّنن لركبوه، وليس في (غوى) شيء إلا ما في (عصى) من معنى الذّنب؛
لأن العاصي لله التّارك لأمره غاو في حاله تلك، والغاوي عاص. والغيّ ضدّ الرّشد، كما أن المعصية ضد الطاعة.
وقد أكل آدم، صلّى الله عليه وسلم، من الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدائعه إيّاه بالله والقسم به إنه لمن الناصحين، حتى دلّاه بغرور. ولم يكن ذنبه عن إرصاد وعداوة وإرهاص كذنوب أعداء الله. فنحن نقول: (عصى وغوى)، كما قال الله تعالى، ولا نقول: آدم (عاص ولا غاو)، لأن ذلك لم يكن عن اعتقاد متقدّم ولا نيّة صحيحة،
كما تقول لرجل قطع ثوبا وخاطه: قد قطعه وخاطه، ولا تقل: خائط ولا خيّاط حتى يكون معاودا لذلك الفعل، معروفا به.
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها! وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.
أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟! هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ.
فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة،
واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}،
يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها.
وقالوا في قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}: إنه غاضب قومه! استيحاشا من أن يكون مع تأييد الله وعصمته وتوفيقه وتطهيره، يخرج مغاضبّا لربّه. ولم يذهب مغاضبا لربّه ولا لقومه، لأنّه بعث إليهم فدعاهم برهة من الدّهر فلم يستجيبوا، ووعدهم عن الله فلم يرغبوا، وحذّرهم بأسه فلم يرهبوا، وأعلمهم أنّ العذاب نازل عليهم لوقت ذكره لهم، ثم إن اعتزلهم ينتظر هلكتهم. فلما حضر الوقت أو قرب فكّر القوم واعتبروا، فتابوا إلى الله وأنابوا، وخرجوا بالمراضيع وأطفالها يجأرون ويتضرّعون، فكشف الله تعالى عنهم العذاب، ومتّعهم إلى حين.
فإن كان نبي الله، صلّى الله عليه وسلم، ذهب مغاضبا على قومه قبل أن يؤمنوا، فإنما راغم من استحق في الله أن يراغم، وهجر من وجب أن يهجر، واعتزل من علم أن قد حقّت عليه كلمة العذاب. فبأيّ ذنب عوقب بالتهام الحوت، والحبس في الظّلمات، والغمّ الطويل؟.
وما الأمر الذي ألام فيه فنعاه الله عليه إذ يقول: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} والمليم: الذي أجرم جرما استوجب به الّلوم.
ولم أخرجه من أولي العزم من الرّسل، حين يقول لنبيه، صلّى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
وإن كان الغضب عليهم بعد أن آمنوا، فهذا أغلظ مما أنكروا، وأفحش مما استقبحوا، كيف يجوز أن يغضب على قومه حين آمنوا، ولذلك انتخب وبه بعث، وإليه دعا؟!.
وما الفرق بين عدو الله ووليّه إن كان وليّه يغضب من إيمان مائة ألف أو يزيدون؟.
والقول في هذا أنّ المغاضبة: المفاعلة من الغضب، والمفاعلة تكون من اثنين، تقول: غاضبت فلانا مغاضبة وتغاضبنا: إذا غضب كلّ واحد منكما على صاحبه، كما تقول: ضاربته مضاربة، وقاتلته مقاتلة، وتضاربنا وتقاتلنا.
وقد تكون المفاعلة من واحد، فنقول: غاضبت من كذا: أي غضبت، كما تقول:سافرت وناولت، وعاطيت الرّجل، وشارفت الموضع، وجاوزت، وضاعفت، وظاهرت، وعاقبت.
ومعنى المغاضبة هاهنا: الأنفة، لأن الأنف من الشيء يغضب، فتسمّى الأنفة غضبا، والغضب أنفة، إذا كان كل واحد بسبب من الآخر، تقول: غضبت لك من كذا، وأنت تريد أنفت،
قال الشاعر:
غضبت لكم أن تساموا اللّفاء= بشجناء من رحم توصل
يروى مرة: (أنفت لكم)، ومرة: (غضبت لكم)، لأنّ المعنيين متقاربان.
وكذلك (العبد) أصله: الغضب. ثم قد تسمّى الأنفة عبدا.
وقال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
يريد: آنف.
وحكى أبو عبيد، عن أبي عمرو، أنه قال في قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: هو من الغضب والأنفة. ففسّر الحرف بالمعنيين لتقاربهما.
فكأنّ نبيّ الله، صلّى الله عليه وسلم، لمّا أخبرهم عن الله أنّه منزل العذاب عليهم لأجل، ثم بلغه بعد مضيّ الأجل أنّه لم يأتهم ما وعدهم- خشي أن ينسب إلى الكذب ويعيّر به، ويحقّق عليه، لاسيّما ولم تكن قرية آمنت عند حضور العذاب فنفعها إيمانها غير قومه، فدخلته الأنفة والحميّة، وكان مغيظا بطول ما عاناه من تكذيبهم وهزئهم وأذاهم واستخفافهم بأمر الله، مشتهيا لأن ينزل بأس الله بهم. هذا إلى ضيق صدره، وقلّة صبره على ما صبر على مثله أولوا العزم من الرّسل.
وقد روي في الحديث أنه كان ضيّق الصدر، فلما حمّل أعباء النّبوّة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثّقيل، فمضى على وجهه مضيّ الآبق النّادّ.
يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وذا النّون إذ ذهب مغاضبا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
{ذا النّون} يونس، والنون السمكة، والمعنى واذكر ذا النون، ويروى أنه ذهب مغاضبا قومه، وقيل إنه ذهب مغاضبا ملكا من الملوك.
{فظنّ أن لن نقدر عليه}.
أي ظن أن لن نقدّر عليه ما قدّرناه من كونه في بطن الحوت، ويقدر بمعنى يقدّر.
وقد جاء هذا في التفسير، وقد روي عن الحسن أنه قال عبد أبق من ربّه، وتأويل قول الحسن أنه هرب من عذاب ربّه، لا أن يونس ظن أن الهرب ينجيه من اللّه - عزّ وجلّ -
ولا من قدره.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت}.
{في الظلمات} وجهان، أحدهما يعنى به ظلمة الليل وظلمة البحر.
وظلمة بطن الحوت، ويجوز أن يكون {نادى في الظلمات} أن يكون أكثر دعائه وندائه كان في ظلمات الليل.
والأجود التفسير الأول لأنه في بطن الحوت لا أحسبه كان يفصل بين ظلمة الليل وظلمة غيره ولكنه أول ما صادف ظلمة الليل ثم ظلمة البحر ثم ظلمة بطن الحوت.
وجائز أن يكون الظلمات اتفقت في وقت واحد، فتكون ظلمة بطن الحوت في الليل والبحر نهاية في الشّدّة). [معاني القرآن: 3/402]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وذا النون إذ ذهب مغاضبا} قال ثعلب: معناه:
مغاضبا الملك). [ياقوتة الصراط: 363-362]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فظن أن لن نقدر عليه} هو من: التقدير، وليس هو من: القدرة، يقال: قدر الله لك الخير يقدره،
ويقدره تقديرا، بمعنى: قدره. قال: ومنه الخبر: ' فاقدروا له '، أي: ' قدروا له ' فهذا كله من التقدير، ونقول من القدرة: قدرت على الشيء اقدر عليه قدرة،
وفي لغة أخرى: قدرت عليه أقدر قدرة). [ياقوتة الصراط: 364-363]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وذَا النُّونِ}:أي ذا الحوت، وهو يونس صلوات الله عليه. {فظن أن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}: أي نضيق عليه).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه تبارك وتعالى: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88] فأوحى اللّه إلى الحوت أن يلقيه إلى البرّ.
قال اللّه: {فنبذناه بالعراء وهو سقيمٌ} [الصافات: 145] وهو ضعيفٌ مثل الصّبيّ الرّضيع.
فأصابته حرارة الشّمس، فأنبت اللّه عليه تبارك وتعالى {شجرةً من
[تفسير القرآن العظيم: 1/337]
يقطينٍ} [الصافات: 146] وهي القرع، فأظلّته فنام، فاستيقظ وقد يبست، فحزن عليها، فأوحى اللّه إليه: أحزنت على هذه الشّجرة وأردت أن أهلك مائة ألفٍ من خلقي أو يزيدون؟ فعلم عند ذلك أنّه قد ابتلي.
فانطلق، فإذا هو بذودٍ من غنمٍ.
فقال للرّاعي: اسقني لبنًا.
فقال: ما هاهنا شاةٌ لها لبنٌ.
فأخذ شاةً منها فمسح بيده على ظهرها، فدرّت فشرب من لبنها.
فقال له الرّاعي: من أنت يا عبد اللّه؟ أخبرني.
فقال له: أنا يونس.
فانطلق الرّاعي إلى قومه، فبشّرهم به.
فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم فلم يجدوا يونس.
فقالوا: إنّا قد شرطنا لربّنا ألا يكذب منّا أحدٌ إلا قطعنا لسانه.
فتكلّمت الشّاة بإذن اللّه فقالت: قد شرب من لبني.
وقالت شجرةٌ كان استظلّ تحتها: قد استظلّ بظلّي، فطلبوه فأصابوه، فرجع إليهم.
فكان فيهم حتّى قبضه اللّه.
وهي مدينةٌ يقال لها: نينوى من أرض الموصل، وهي على دجلةٍ.
- نا يحيى قال: وحدّثنا عثمان أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: في دجلة ركب السّفينة، وفيها التقمه الحوت ثمّ أفضى به إلى البحر.
فدار في البحر ثمّ رجع في دجلة، فثمّ نبذه بالعراء، وهو البرّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير السّدّيّ.
{فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88]
- نا يونس بن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن محمّد بن سعد بن مالكٍ، عن
[تفسير القرآن العظيم: 1/338]
أبيه، عن جدّه سعدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ".
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فإنّه لم يدع بها مسلمٌ ربّه في شيءٍ إلا استجاب اللّه له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكذلك ننجي المؤمنين...}

القراء يقرءونها بنونين، وكتابها بنون واحدة. وذلك أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تظهر السّاكنة على اللسان، فلمّا خفيت حذفت.
وقد قرأ عاصم - فيما أعلم - (نجّي) بنونٍ واحدةٍ ونصب (المؤمنين) كأنه احتمل اللحن ولا نعلم لها جهة إلاّ تلك؛ لأن ما لم يسمّ فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون أضمر المصدر في نجّي فنوى به الرفع ونصب (المؤمنين)
فيكون كقولك: ضرب الضرب زيداً، ثم تكنى عن الضرب فتقول: ضرب زيداً. وكذلك نجّي النجاء المؤمنين). [معاني القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} كتبت في المصاحف بنون واحدة،
وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية، كان يقرأ به أبو جعفر المدني،
وهو قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين:
ولو ولدت فقيرةُ جروَ كلب = لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا).
[تأويل مشكل القرآن: 54-55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}
{وكذلك ننجي المؤمنين}
الذي في المصحف بنون واحدة، كتبت، لأن النون الثانية تخفى مع الجيم، فأمّا ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له، لأن ما لا يسمّى فاعله لا يكون بغير فاعل.
وقد قال بعضهم: نجّي النجاء المؤمنين.
وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم، لا يجوز ضرب زيدا -، تريد ضرب الضرب زيدا لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أنه الذي ضربه ضرب، فلا فائدة في إضماره وإقامته مع الفاعل.
ورواية أبي بكر بن عياش في قوله نجّي المؤمنين يخالف قراءة أبي عمرو ننجي بنونين). [معاني القرآن: 3/403]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:10 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي


التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن كان الاسم على فعلة ففيه ثلاثة أوجه: إن شئت قلت: فعلات، وأتبعت الضمة الضمة؛ كما أتبعت الفتحة الفتحة.
وإن شئت جمعته على فعلات، فأبدلت من الضمة الفتحة لخفتها.
وإن شئت أسكنت فقلت: فعلات؛ كما تقول في عضد: عضد؛ وفي رسل: رسل. قال الله عز وجل: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}. وواحدها خطوة. وقال الشاعر:
ولما رأونا بـادياً ركـبـاتـنـا = على موطنٍ لا نخلط الجد بالهزل
ينشدون: ركباتنا وركباتنا. وهذه الآية تقرأ على الأوجه الثلاثة. وذلك قوله: "في الظُلمات، والظلَمات، والظلْمات"). [المقتضب: 2/186-187] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قول الشاعر:
كل شيء ما خلا الموت جلل = والفتى يسعى ويلهيه الأمل
فدل ما تقدم قبل «جلل» وتأخر بعده على أن معناه: كل شيء ما خلا الموت يسير؛ ولا يتوهم ذو عقل وتمييز أن «الجلل» ههنا معناه «عظيم».
وقال الآخر:

يا خول يا خول لا يطمح بك الأمل = فقد يكذب ظن الآمل الأجل
يا خول كيف يذوق الخفض معترف = بالموت والموت فيما بعده جلل
فدل ما مضى من الكلام على أن «جللا» معناه يسير.
وقال الآخر:

فلئن عفوت لأعفون جللا = ولئن سطوت لأوهنن عظمي
قومي هم قتلوا أميم أخي = فإذا رميت يصيبني سهمي
فدل الكلام على أنه أراد: فلئن عفوت لأعفون عفوا عظيما، لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير؛ فلما كان اللبس في هذين زائلا عن جميع السامعين لم ينكر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين. وقال الله عز وجل، وهو أصدق قيل: {الذين يظنون أنهم ملاقو الله} أراد: الذين يتيقنون ذلك، فلم يذهب وهم عاقل إلى أن الله عز وجل يمدح قوما بالشك في لقائه. وقال في موضع آخر حاكيا عن فرعون في خطابه موسى: {إني لأظنك يا موسى مسحورا} وقال الله حاكيا عن يونس: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه}، أراد: رجا ذلك وطمع فيه، ولا يقول مسلم أن يونس تيقن أن الله لا يقدر عليه). [كتاب الأضداد: 2-3] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 04:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 04:31 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 04:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}
التقدير: واذكر ذا النون، والنون: الحوت، وصاحبه يونس بن متى عليه السلام، ونسب إلى الحوت الذي التقمه على الحالة التي يأتي ذكرها في موضعها الذي يقتضيه، وهو نبي أهل نينوى، وهذا هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب، وفي حديث آخر: لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى، وهذا الحديث وقوله: لا تفضلوني على موسى يتوهم أنهما يعارضان قوله عليه الصلاة والسلام على المنبر: أنا سيد ولد آدم ولا فخر.
[المحرر الوجيز: 6/193]
والانفصال عن هذا بوجهين: أحدهما ذكره الناس وهو أن يكون قوله: أنا سيد ولد آدم يتأخر في التاريخ، وأنها منزلة أعلمه الله تعالى بها لم يكن علمها وقت تلك المقالات الأخر، والوجه الثاني وهو عندي أجرى مع حال النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إنما نهي عن التفضيل بين شخصين مذكورين وذهب مذهب التواضع ولم يزل سيد ولد آدم، ولكنه نهى أن يفضل على موسى كراهة أن يغضب لذلك اليهود فيزيد نفارها عن الإيمان، وسبب الحديث يقتضي هذا، وذلك أن يهوديا قال: لا والذي فضل موسى على العالمين، فقال له رجل من الأنصار: أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ 14 فسرى الأمر وارتفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن تفضيله على موسى، ونهى عليه الصلاة والسلام عن تفضيله على يونس لئلا يظن أحد بيونس عليه السلام نقص فضيلة بسبب ما وقع له، فنهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل على شخص معين، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ثالث: لا تفضلوا بين الأنبياء. وهذا كله مع قوله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر وإطلاق الفضل له دون اقتران بأحد بين صحيح. وتأمل هذا فإنه يلوح، فقد قال عمر رضي الله عنه للحطيئة: امدح ممدوحك ولا تفضل بعض الناس على بعض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولفظة "سيد" ولفظة "خير" سيان، فهذا مبدأ جمع آخر بين الأحاديث يذهب ما يظن من التعارض.
وقوله تعالى: "مغاضبا"، قيل: إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فارا بنفسه، وقد كان الله تعالى أمره بملازمتهم والصبر على دعائهم، فكان ذنبه في مخالفة هذا الأمر، وروي أنه كان شابا فلم يحتمل أثقال النبوة وتفسخ تحتها كما
[المحرر الوجيز: 6/194]
يتفسخ الربع تحت الحمل، ولهذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ولا تكن كصاحب الحوت أي: فاصبر ودم على الشقاء بقومك، وقالت فرقة: إنما غاضب الملك الذي كان على قومه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا نحو من الأول فيما يلحق منه يونس عليه السلام. وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره: إنما ذهب مغاضبا ربه واستفزه إبليس، ورووا في ذلك أن يونس عليه السلام لما طال عليه أمر قومه طلب من الله عذابهم، فقيل له: إن العذاب يجيئهم يوم كذا، فأخبرهم يونس عليه السلام بذلك، فقالوا: إن رحل عنا فالعذاب نازل، وإن أقام بيننا لم نبال، فلما كان سحر ذلك اليوم قام يونس فرحل فأيقنوا بالعذاب فخرجوا بأجمعهم إلى البراز، وفرقوا بين صغار البهائم وأمهاتها وتضرعوا وتابوا فرفع الله عنهم العذاب، وبقي يونس في موضعه الذي خرج إليه ينتظر الخبر، فلما عرف أنهم لم يعذبوا ساءه أن عدوه كاذبا، وقال: والله لا انصرفت إليهم أبدا، وروي أنه كان من دينهم قتل الكذاب، فغضب حينئذ على ربه وخرج على وجهه حتى دخل في سفينة في البحر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا القول من الضعف ما لا خفاء به مما لا يتصف به نبي.
واختلف الناس في قوله تعالى: {فظن أن لن نقدر عليه} فقالت فرقة: استفزه إبليس ووقع في ظنه إمكان أن لن يقدر الله عليه بمعاقبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول مردود.
وقالت فرقة: معنى: " ظن أن له نقدر عليه " أن لن يضيق عليه في مذهبه، من قوله تعالى: " يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر "، وقالت فرقة: هو من القدر، أي ظن أن لن يقضي عليه بعقوبة، وقالت فرقة: الكلام بمعنى الاستفهام، أي: أفظن أن لن
[المحرر الوجيز: 6/195]
نقدر عليه؟ وحكى منذر بن سعيد أن بعضهم قرأ: "أفظن" بالألف، وقرأ الزهري: "نقدر" بضم النون وفتح القاف وشد الدال، وقرأ الحسن: "فظن أن لن يقدر عليه"، وعنه أيضا: "نقدر"، وبعد هذا الكلام حذف كثير اقتضب لبيانه في غير هذه الآية. المعنى: فدخل البحر وكذا وكذا حتى التقمه الحوت وصار في ظلمة جوفه.
واختلف الناس في جمع "الظلمات" ما المراد به؟ فقالت فرقة: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، وقالت فرقة: ظلمة البحر، وظلمة حوت التقم الحوت الأول، وظلمة الحوت الأول الذي التقم يونس عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويصح أن يعبر بالظلمات عن جوف الحوت الأول فقط، كما قال: في غيابت الجب، وكل جهاته ظلمة فجمعها سائغ، وروي أن يونس عليه السلام سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر، ثم قال في دعائه: "اللهم إني قد اتخذت لك مسجدا في موضع لم يتخذه أحد قبلي". و"أن" مفسرة نحو قوله تعالى: "أن امشوا"، وفي هذا نظر، وقوله: "من الظالمين" يريد فيما خالف فيه من ترك مداومة قومه والصبر عليهم، هذا أحسن الوجوه، وقد تقدم ذكر غيره). [المحرر الوجيز: 6/196]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (فاستجاب الله له وأخرجه إلى البر، ووصف هذا يأتي في موضعه. و"الغم" ما كان ناله حين التقمه الحوت.
وقرأ جمهور القراء: "ننجي" بنونين الثانية ساكنة، وقرأ عاصم - في رواية أبي بكر -: "نجي" بنون واحدة مضمومة وشد الجيم، ورويت عن أبي عمرو، وقرأت
[المحرر الوجيز: 6/196]
فرقة: "ننجي" بنونين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة والجيم مشددة، فأما القراءة الأولى والثالثة فبينتان، والأولى فعلها معدى بالهمزة، والأخرى بالتضعيف، وأما القراءة الوسطى التي هي بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة وياء ساكنة فقال أبو علي: لا وجه لها، وإنما هي وهم من السامع، وذلك أن عاصما قرأ: "ننجي" والنون الثانية لا يجوز إظهارها لأنها تخفى مع هذه الحروف، يعني الجيم وما جرى مجراها، فجاء الإخفاء يشبهها بالإدغام، ويمتنع أن يكون الأصل "ننجي" ثم يدعو اجتماع النونين إلى إدغام إحداهما في الجيم؛ لأن اجتماع المثلين إنما يدعو إلى ذلك إذا كانت الحركة فيهما متفقة، ويمتنع أن يكون الأصل "ننجي" وتسكن الياء ويكون المفعول الذي لم يسم فاعله المصدر، كأنه قال: نجي النجاء المؤمنين؛ لأن هذه لا تجيء إلا في ضرورة، فليست في كتاب الله تعالى، والشاهد فيها قول الشاعر:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا
وأيضا فإن الفعل الذي بني للمفعول إذا كان ماضيا لم يسكن آخره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والمصاحف فيها نون واحدة كتبت كذلك من حيث النون الثانية مخفية). [المحرر الوجيز: 6/197]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 04:38 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 04:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وذا النّون إذ ذهب مغاضبًا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين (87) فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين (88)}.
هذه القصّة مذكورةٌ هاهنا وفي سورة "الصّافّات" وفي سورة "ن" وذلك أنّ يونس بن متّى، عليه السّلام، بعثه اللّه إلى أهل قرية "نينوى"، وهي قريةٌ من أرض الموصل، فدعاهم إلى اللّه، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاثٍ. فلمّا تحقّقوا منه ذلك، وعلموا أنّ النّبيّ لا يكذب، خرجوا إلى الصّحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرّقوا بين الأمّهات وأولادها، ثمّ تضرّعوا إلى اللّه عزّ وجلّ، وجأروا إليه، ورغت الإبل وفضلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، فرفع اللّه عنهم العذاب، قال اللّه تعالى: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ} [يونس:98].
وأمّا يونس، عليه السّلام، فإنّه ذهب فركب مع قومٍ في سفينةٍ فلجّجت بهم، وخافوا أن يغرقوا. فاقترعوا على رجلٍ يلقونه من بينهم يتخفّفون منه، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثمّ أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضًا، فأبوا، ثمّ أعادوها فوقعت عليه أيضًا، قال اللّه تعالى: {فساهم فكان من المدحضين} [الصّافّات:141]، أي: وقعت عليه القرعة، فقام يونس، عليه السّلام، وتجرّد من ثيابه، ثمّ ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل اللّه، سبحانه وتعالى، من البحر الأخضر -فيما قاله ابن مسعودٍ-حوتًا يشقّ البحار، حتّى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السّفينة، فأوحى اللّه إلى ذلك الحوت ألّا تأكل له لحمًا، ولا تهشّم له عظمًا؛ فإنّ يونس ليس لك رزقًا، وإنّما بطنك له يكون سجنًا.
وقوله: {وذا النّون} يعني: الحوت، صحّت الإضافة إليه بهذه النّسبة.
وقوله: {إذ ذهب مغاضبًا}: قال الضّحّاك: لقومه، {فظنّ أن لن نقدر عليه} [أي: نضيّق عليه في بطن الحوت. يروى نحو هذا عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والضّحّاك، وغيرهم، واختاره ابن جريرٍ، واستشهد عليه بقوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسًا إلا ما آتاها سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسرًا} [الطّلاق:7].
وقال عطيّة العوفي: {فظنّ أن لن نقدر عليه}، أي: نقضي عليه، كأنّه جعل ذلك بمعنى التّقدير، فإنّ العرب تقول: قدر وقدّر بمعنى واحدٍ، وقال الشاعر:
فلا عائد ذاك الزّمان الّذي مضى = تباركت ما تقدر يكن، فلك الأمر...
ومنه قوله تعالى: {فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر} [القمر: 12]، أي: قدّر.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} قال ابن مسعودٍ: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة اللّيل. وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وعمرو بن ميمونٍ، وسعيد بن جبير، ومحمّد بن كعبٍ، والضّحّاك، والحسن، وقتادة.
وقال سالم بن أبي الجعد: ظلمة حوت في بطن حوتٍ، في ظلمة البحر.
قال ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ وغيرهما: وذلك أنّه ذهب به الحوت في البحار يشقّها، حتّى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره، فعند ذلك وهنالك قال: {لا إله إلا أنت سبحانك}
وقال عوفٌ: لمّا صار يونس في بطن الحوت، ظنّ أنّه قد مات، ثمّ حرّك رجليه فلمّا تحرّكت سجد مكانه، ثمّ نادى: يا ربّ، اتّخذت لك مسجدًا في موضعٍ ما اتّخذه أحدٌ.
وقال سعيد بن أبي الحسن البصريّ: مكث في بطن الحوت أربعين يومًا. رواهما ابن جبيرٍ.
وقال محمّد بن إسحاق بن يسار، عمن حدثه، عن عبد اللّه بن رافعٍ -مولى أمّ سلمة-سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لمّا أراد اللّه حبس يونس في بطن الحوت، أوحى اللّه إلى الحوت أن خذه، ولا تخدش لحمًا ولا تكسر عظمًا، فلمّا انتهى به إلى أسفل البحر، سمع يونس حسًّا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى اللّه إليه، وهو في بطن الحوت: إنّ هذا تسبيح دوابّ البحر. قال: فسبّح وهو في بطن الحوت، فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربّنا، إنّا نسمع صوتًا ضعيفًا [بأرضٍ غريبةٍ] قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. قالوا: العبد الصّالح الّذي كان يصعد إليك منه في كلّ يومٍ وليلةٍ عملٌ صالحٌ؟. قال: نعم". قال: "فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في السّاحل، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {وهو سقيمٌ} [الصّافّات: 145].
ورواه ابن جريرٍ، ورواه البزّار في مسنده، من طريق محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، فذكره بنحوه، ثمّ قال: لا نعلمه يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وروى ابن عبد الحقّ من حديث شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلمة، عن عليٍّ مرفوعًا: لا ينبغي لعبدٍ أن يقول: " أنا خيرٌ من يونس بن متّى"؛ سبّح للّه في الظّلمات.
وقد روي هذا الحديث بدون هذه الزّيادة، من حديث ابن عبّاسٍ، وابن مسعودٍ، وعبد اللّه بن جعفرٍ، وسيأتي أسانيدها في سورة "ن".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهبٍ، حدّثنا عمّي: حدّثني أبو صخرٍ: أن يزيد الرّقاشيّ حدّثه قال: سمعت أنس بن مالكٍ -ولا أعلم إلّا أنّ أنسًا يرفع الحديث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم-أنّ يونس النّبيّ، عليه السّلام، حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمّات وهو في بطن الحوت، قال: "اللّهمّ، لا إله إلّا أنت، سبحانك، إنّي كنت من الظّالمين". فأقبلت هذه الدّعوة تحفّ بالعرش، فقالت الملائكة: يا ربّ، صوتٌ ضعيفٌ معروفٌ من بلادٍ غريبةٍ؟ فقال: أما تعرفون ذاك ؟ قالوا: لا يا ربّ، ومن هو؟ قال: عبدي يونس. قالوا: عبدك يونس الّذي لم يزل يرفع له عملٌ متقبّلٌ، ودعوةٌ مجابةٌ؟. [قال: نعم]. قالوا: يا ربّ، أولا ترحم ما كان يصنع في الرّخاء فتنجيه من البلاء؟ قال: بلى. فأمر الحوت فطرحه في العراء). [تفسير ابن كثير: 5/ 366-368]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ} أي: أخرجناه من بطن الحوت، وتلك الظّلمات، {وكذلك ننجي المؤمنين} أي: إذا كانوا في الشّدائد ودعونا منيبين إلينا، ولا سيّما إذا دعوا بهذا الدّعاء في حال البلاء، فقد جاء التّرغيب في الدّعاء بها عن سيّد الأنبياء، قال الإمام أحمد:
حدّثنا إسماعيل بن عمر، حدّثنا يونس بن أبي إسحاق الهمدانيّ، حدثنا إبراهيم بن محمد ابن سعدٍ، حدّثني والدي محمّدٌ عن أبيه سعدٍ، -وهو ابن أبي وقّاصٍ -قال: مررت بعثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه، في المسجد، فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يردد عليّ السّلام، فأتيت عمر بن الخطّاب فقلت: يا أمير المؤمنين، هل حدث في الإسلام شيءٌ؟ مرّتين، قال: لا وما ذاك؟ قلت: لا إلّا أنّي مررت بعثمان آنفًا في المسجد، فسلّمت عليه، فملأ عينيه منّي، ثمّ لم يردد عليّ السّلام. قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه، فقال: ما منعك ألا تكون رددت على أخيك السّلام؟ قال: ما فعلت. قال سعدٌ: قلت: بلى حتّى حلف وحلفت، قال: ثمّ إنّ عثمان ذكر فقال: بلى، وأستغفر اللّه وأتوب إليه، إنّك مررت بي آنفًا وأنا أحدّث نفسي بكلمةٍ سمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا واللّه ما ذكرتها قطّ إلّا تغشى بصري وقلبي غشاوة. قال سعدٌ: فأنا أنبّئك بها، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر لنا [أوّل دعوةٍ] ثمّ جاء أعرابيٌّ فشغله، حتّى قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاتّبعته، فلمّا أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "من هذا؟ أبو إسحاق؟ " قال: قلت: نعم، يا رسول اللّه. قال: "فمه؟ " قلت: لا واللّه، إلّا إنّك ذكرت لنا أوّل دعوةٍ، ثمّ جاء هذا الأعرابيّ فشغلك. قال: "نعم، دعوة ذي النّون، إذ هو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}، فإنّه لم يدع بها مسلمٌ ربّه في شيءٍ قطّ إلّا استجاب له".
ورواه التّرمذيّ، والنّسائيّ في "اليوم واللّيلة"، من حديث إبراهيم بن محمّد بن سعدٍ، عن أبيه، عن سعدٍ، به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن كثير بن زيدٍ، عن المطّلب بن حنطبٍ -قال أبو خالدٍ: أحسبه عن مصعبٍ، يعني: ابن سعدٍ -عن سعدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "من دعا بدعاء يونس، استجيب له". قال أبو سعيدٍ: يريد به {وكذلك ننجي المؤمنين}.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عمران بن بكّار الكلاعي، حدّثنا يحيى بن صالحٍ، حدّثنا أبو يحيى بن عبد الرّحمن، حدّثني بشر بن منصورٍ، عن عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: سمعت سعد بن مالكٍ -وهو ابن أبي وقّاصٍ-يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اسم اللّه الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متّى". قال: قلت: يا رسول اللّه، هي ليونس خاصّةً أم لجماعة المسلمين؟ قال: هي ليونس بن متّى خاصّةً وللمؤمنين عامّةً، إذا دعوا بها، ألم تسمع قول اللّه عزّ وجلّ: {: فنادى في الظّلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين. فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}. فهو شرطٌ من اللّه لمن دعاه به".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن أبي سريج، حدّثنا داود بن المحبّر بن قحذم المقدسيّ، عن كثير بن معبدٍ قال: سألت الحسن، قلت: يا أبا سعيدٍ، اسم اللّه الأعظم الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؟ قال: ابن أخي، أما تقرأ القرآن؟ قول اللّه: {وذا النّون إذ ذهب مغاضبًا} إلى قوله: {المؤمنين}، ابن أخي، هذا اسم اللّه الأعظم، الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى). [تفسير ابن كثير: 5/ 368-370]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة