العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الكهف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 02:59 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي تفسير سورة الكهف [ من الآية (92) إلى الآية (98) ]

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (92) إلى الآية (98) ]

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 09:55 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أتبع سببًا (92) حتّى إذا بلغ بين السّدّين وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولاً (93) قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ سار طرقًا ومنازل، وسلك سبلاً). [جامع البيان: 15/384]

تفسير قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى بين السدين قال هما جبلان). [تفسير عبد الرزاق: 1/412-413]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({حتّى إذا بلغ بين السّدّين}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة وبعض الكوفيّين: ( حتّى إذا بلغ بين السّدّين ) بضمّ السّين وكذلك جميع ما في القرآن من ذلك بضمّ السّين. وكان بعض قرّاء المكّيّين يقرؤه بفتح ذلك كلّه.
وكان أبو عمرو بن العلاء يفتح السّين في هذه السّورة، ويضمّ السّين في يس، ويقول: السّدّ بالفتح: هو الحاجز بينك وبين الشّيء، والسّدّ بالضّمّ: ما كان من غشاوةٍ في العين. وأمّا الكوفيّون فإنّ قراءة عامّتهم في جميع القرآن بفتح السّين غير قوله: ( حتّى إذا بلغ بين السّدّين ) فإنّهم ضمّوا السّين في ذلك خاصّةً.
وروي عن عكرمة في ذلك ما؛
- حدّثنا به، أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن أيّوب، عن عكرمة، قال: ما كان من صنعة بني آدم فهو السّدّ، يعني بالفتح، وما كان من صنع اللّه فهو السّدّ.
وكان الكسائيّ يقول: هما لغتان بمعنًى واحدٍ.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، ولغتان متّفقتا المعنى غير مختلفتةٍ، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، ولا معنى للفرق الّذي ذكر عن أبي عمرو بن العلاء، وعكرمة بين السّدّ والسّدّ، لأنّا لم نجد لذلك شاهدًا يبيّن عن فرقان ما بين ذلك على ما حكي عنهما.
ومما يبيّن عن أن ذلك كذلك أنّ جميع أهل التّأويل الّذين روي لنا عنهم في ذلك قولٌ، لم يحك لنا عن أحدٍ منهم تفصيلٌ بين فتح ذلك وضمّه، ولو كانا مختلفي المعنى لنقل الفصل مع التّأويل إن شاء اللّه، ولكن معنى ذلك كان عندهم غير مفترقٍ، ففسّروا الحرف بغير تفصيلٍ منهم بين ذلك. وأمّا ما ذكر عن عكرمة في ذلك، فإنّ الّذي نقل ذلك عن أيّوب وهارون وفي نقله نظرٌ، ولا نعرف ذلك عن أيّوب من رواية ثقات أصحابه.
والسّدّ والسّدّ جميعًا: الحاجز بين الشّيئين، وهما ههنا فيما ذكر جبلان سدّ ما بينهما، فردم ذو القرنين حاجزًا بين يأجوج ومأجوج ومن وراءه، ليقطع مادّة غوائلهم وعيثهم عنهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، " حتّى إذا بلغ بين السّدّين " قال: الجبلين الرّدم الّذي بين يأجوج ومأجوج، أمّتين من وراء ردم ذي القرنين، قال: الجبلين: أرمينية وأذربيجان.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، " حتّى إذا بلغ بين السّدّين " وهما جبلان.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: " بين السّدّين " يعني بين جبلين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: " بين السّدّين " قال: هما جبلان.
وقوله: {وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولاً} يقول عزّ ذكره: وجد من دون السّدّين قومًا لا يكادون يفقهون قول قائلٍ سوى كلامهم.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله {يفقهون} فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة {يفقهون قولاً} بفتح القاف والياء، من فقه الرّجل يفقه فقهًا. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة ( يفقهون قولاً ) بضمّ الياء وكسر القاف: من أفقهت فلانًا كذا أفقهه إفقاهًا: إذا أفهّمته ذلك.
والصّواب عندي من القول في ذلك، أنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، غير دافعةٍ إحداهما الأخرى، وذلك أنّ القوم الّذين أخبر اللّه عنهم هذا الخبر جائزٌ أن يكونوا لا يكادون يفقهون قولاً لغيرهم عنهم، فيكون صوابًا القراءة بذلك، وجائزٌ أن يكونوا مع كونهم كذلك كانوا لا يكادون يفقهون غيرهم عنهم لعللٍ: إمّا بألسنتهم، وإمّا بمنطقهم، فتكون القراءة بذلك أيضًا صوابًا). [جامع البيان: 15/384-388]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {حتى إذا بلغ بين السدين} قال: الجبلين أرمينية وأذربيجان). [الدر المنثور: 9/671]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {قوما لا يكادون يفقهون قولا} قال: الترك). [الدر المنثور: 9/671]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن تميم بن جذيم أنه كان يقرأ {لا يكادون يفقهون قولا}). [الدر المنثور: 9/671]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فهل نجعل لك خرجا قال أجرا). [تفسير عبد الرزاق: 1/412]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، وغير واحدٍ المعنى واحدٌ واللّفظ لابن بشّارٍ، قالوا: حدّثنا هشام بن عبد الملك، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي رافعٍ، عن حديث أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في السّدّ قال: يحفرونه كلّ يومٍ، حتّى إذا كادوا يخرقونه قال الّذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا، فيعيده اللّه كأشدّ ما كان، حتّى إذا بلغ مدّتهم وأراد اللّه أن يبعثهم على النّاس. قال الّذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا إن شاء اللّه واستثنى، قال: فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه، فيخرجون على النّاس، فيستقون المياه، ويفرّ النّاس منهم، فيرمون بسهامهم في السّماء فترجع مخضّبةً بالدّماء، فيقولون: قهرنا من في الأرض وعلونا من في السّماء، قسوةً وعلوًّا، فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم فيهلكون، فوالّذي نفس محمّدٍ بيده إنّ دوابّ الأرض تسمن وتبطر وتشكر شكرًا من لحومهم.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ إنّما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا). [سنن الترمذي: 5/165]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {خراجا} قال: الخراج: الريع). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 96]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} اختلفت القرّاء في قراءة قوله {إنّ يأجوج ومأجوج} فقرأت القرّاء من أهل الحجاز والعراق وغيرهم: ( إنّ ياجوج وماجوج ) بغير همزٍ على فاعولٍ من يججت ومججت، وجعلوا الألفين فيهما زائدتين، غير عاصم بن أبي النّجود والأعرج، فإنّه ذكر أنّهما قرآ ذلك بالهمز فيهما جميعًا، وجعلا الهمز فيهما من أصل الكلام، وكأنّهما جعلا يأجوج: يفعول من أججت، ومأجوج: مفعولٌ.
والقراءة الّتي هي القراءة الصّحيحة عندنا ( إنّ ياجوج وماجوج ) بألفٍ بغير همزٍ لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه الكلام المعروف على ألسن العرب، ومنه قول رؤبة بن العجّاج.
لو أنّ ياجوج وماجوج معا = وعاد عاد واستجاشوا تبّعا
وهما أمّتان من وراء السّدّ.
وقوله: {مفسدون في الأرض} اختلف أهل التّأويل في معنى الإفساد الّذي وصف اللّه به هاتين الأمّتين، فقال بعضهم: كانوا يأكلون النّاس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن الوليد الرّمليّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن أيّوب الحورانيّ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز، يقول في قوله {إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} قال: كانوا يأكلون النّاس.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يأجوج ومأجوج سيفسدون في الأرض لا أنّهم كانوا يومئذٍ يفسدون.
ذكر من قال ذلك.
وذكر صفة اتّباع ذي القرنين الأسباب الّتي ذكرها اللّه في هذه الآيات، وذكر سبب بنائه الرّدم:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني بعض من يسوق أحاديث الأعاجم من أهل الكتاب، ممّن قد أسلم، ممّا توارثوا من علم ذي القرنين، أنّ ذا القرنين كان رجلاً من أهل مصر اسمه مرزبا بن مردبة اليونانيّ، من ولد يوثن بن يافث بن نوحٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: فحدثني محمّد بن إسحاق، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان الكلاعيّ، وكان، خالدٌ رجلاً قد أدرك النّاس: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن ذي القرنين فقال: " ملكٌ مسح الأرض من تحتها بالأسباب ".
- قال خالدٌ: وسمع عمر بن الخطّاب رجلاً يقول: يا ذا القرنين، فقال: اللّهمّ غفرًا، أما رضيتم أن تسمّوا بأسماء الأنبياء، حتّى تسمّوا بأسماء الملائكة؟ فإن كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذلك، فالحقّ ما قال، والباطل ما خالفه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: فحدّثني من لا أتّهم عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، وكان له علمٌ بالأحاديث الأول، أنّه كان يقول: ذو القرنين رجلٌ من الرّوم، ابن عجوزٍ من عجائزهم، ليس لها ولدٌ غيره، وكان اسمه الإسكندريس، وإنّما سمّي ذا القرنين أنّ صفحتي رأسه كانتا من نحاسٍ، فلمّا بلغ وكان عبدًا صالحًا، قال اللّه عزّ وجلّ له: يا ذا القرنين إنّي باعثك إلى أمم الأرض، وهي أممٌ مختلفةٌ ألسنتهم، وهم جميع أهل الأرض، ومنهم أمّتان بينهما طول الأرض كلّه، ومنهم أمّتان بينهما عرض الأرض كلّه، وأممٌ في وسط الأرض منهم الجنّ والإنس ويأجوج ومأجوج فأمّا الأمّتان اللّتان بينهما طول الأرض: فأمّةٌ عند مغرب الشّمس، يقال لها: ناسكٌ. وأمّا الأخرى: فعند مطلعها يقال لها: منسكٌ. وأمّا اللّتان بينهما عرض الأرض، فأمّةٌ في قطر الأرض الأيمن، يقال لها: هاويل.
وأمّا الأخرى الّتي في قطر الأرض الأيسر، فأمّةٌ يقال لها: تاويل، فلمّا قال اللّه له ذلك، قال له ذو القرنين: إلهي إنّك قد ندبتني لأمرٍ عظيمٍ لا يقدر قدره إلاّ أنت، فأخبرني عن هذه الأمم الّتي بعثتني إليها، بأيّ قوّةٍ أكابرهم؟ وبأيّ جمعٍ أكاثرهم؟ وبأيّ حيلةٍ أكايدهم؟ وبأيّ صبرٍ أقاسيهم؟ وبأيّ لسانٍ أناطقهم؟ وكيف لي بأن أفقه لغاتهم؟ وبأيّ سمعٍ أعي قولهم؟ وبأيّ بصرٍ أنفذهم؟ وبأيّ حجّةٍ أخاصمهم؟ وبأيّ قلبٍ أعقل عنهم؟ وبأيّ حكمةٍ أدبّر أمورهم؟ وبأيّ قسطٍ أعدل بينهم؟ وبأيّ حلمٍ أصابرهم؟ وبأيّ معرفةٍ أفصل بينهم؟ وبأيّ علمٍ أتقن أمورهم؟ وبأيّ يدٍ أسطو عليهم؟ وبأيّ رجلٍ أطؤهم، وبأيّ طاقةٍ أحصيهم، وبأيّ جندٍ أقاتلهم؟ وبأيّ رفقٍ أستألفهم، فإنّه ليس عندي يا إلهي شيءٌ ممّا ذكرت يقوم لهم، ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم، وأنت الرّبّ الرّحيم الّذي لا يكلّف نفسًا إلاّ وسعها، ولا يحمّلها إلاّ طاقتها، ولا يعنّتها ولا يفدحها، بل أنت ترأفها وترحمها. قال اللّه عزّ وجلّ: إنّي سأطوّقك ما حملتك، وأشرح لك صدرك، فيسع كلّ شيءٍ وأشرح لك فهمك فتفقه كلّ شيءٍ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكلّ شيءٍ، وأفتح لك سمعك فتعي كلّ شيءٍ، وأمدّ لك بصرك، فتنفذ كلّ شيءٍ، وأدبّر لك أمرك فتتقن كلّ شيءٍ، وأحصي لك فلا يفوتك شيءٌ، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيءٌ، وأشدّ لك ظهرك، فلا يهدّك شيءٌ، وأشدّ لك ركنك فلا يغلبك شيءٌ، وأشدّ لك قلبك فلا يروعك شيءٌ، وأسخّر لك النّور والظّلمة، فأجعلهما جندًا من جنودك، يهديك النّور أمامك، وتحوطك الظّلمة من ورائك، وأشدّ لك عقلك فلا يهولك شيءٌ، وأبسط لك من بين يديك، فتسطو فوق كلّ شيءٍ، وأشدّ لك وطأتك، فتهدّ كلّ شيءٍ، وألبسك الهيبة فلا يرومك شيءٌ.
ولمّا قيل له ذلك، انطلق يؤمّ الأمّة الّتي عند مغرب الشّمس، فلمّا بلغهم، وجد جمعًا وعددًا لا يحصيه إلاّ اللّه، وقوّةً وبأسًا لا يطيقه إلاّ اللّه، وألسنةً مختلفةً وأهواءً متشتّتةً، وقلوبًا متفرّقةً، فلمّا رأى ذلك كابرهم بالظّلمة، فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها، فأحاطتهم من كلّ مكانٍ، وحاشتهم حتّى جمعتهم في مكانٍ واحدٍ، ثمّ أخذ عليهم بالنّور، فدعاهم إلى اللّه وإلى عبادته، فمنهم من آمن له، ومنهم من صدّ، فعمد إلى الّذين تولّوا عنه، فأدخل عليهم الظّلمة. فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت في بيوتهم ودورهم، وغشيتهم من فوقهم، ومن تحتهم ومن كلّ جانبٍ منهم، فماجوا فيها وتحيّروا، فلمّا أشفقوا أن يهلكوا فيها عجّوا إليه بصوتٍ واحدٍ، فكشفها عنهم وأخذهم عنوةً، فدخلوا في دعوته، فجنّد من أهل المغرب أممًا عظيمةً، فجعلهم جندًا واحدًا، ثمّ انطلق بهم يقودهم، والظّلمة تسوقهم من خلفهم وتحوشهم من حولهم، والنّور أمامهم يقودهم ويدلّهم، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى، وهو يريد الأمّة الّتي في قطر الأرض الأيمن الّتي يقال لها هاويل، وسخّر اللّه له يده وقلبه ورأيه وعقله ونظره وائتماره، فلا يخطئ إذا ائتمر، وإذا عمل عملاً أتقنه. فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه، فإذا انتهى إلى بحرٍ أو مخاضةٍ بنى سفنًا من ألواحٍ صغارٍ أمثال النّعال، فنظمها في ساعةٍ، ثمّ حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم وتلك الجنود، فإذا قطع الأنهار والبحار فتّقها، ثمّ دفع إلى كلّ إنسانٍ لوحًا فلا يكرثه حمله، فلم يزل كذلك دأبه حتّى انتهى إلى هاويل، فعمل فيها كعمله في ناسك. فلمّا فرغ منها مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتّى انتهى إلى منسكٍ عند مطلع الشّمس، فعمل فيها وجنّد فيها جنودًا، كفعله في الأمّتين اللّتين قبلها، ثمّ كرّ مقبلاً في ناحية الأرض اليسرى، وهو يريد تاويل وهي الأمّة الّتي بحيال هاويل، وهما متقابلتان بينهما عرض الأرض كلّه، فلمّا بلغها عمل فيها، وجنّد فيها كفعله فيما قبلها، فلمّا فرغ منها عطف منها إلى الأمم الّتي في وسط الأرض من الجنّ وسائر النّاس، ويأجوج ومأجوج، فلمّا كان في بعض الطّريق ما يلي منقطع التّرك نحو المشرق، قالت له أمّةٌ من الإنس صالحةٌ: يا ذا القرنين، إنّ بين هذين الجبلين خلقًا من خلق اللّه، وكثيرٌ منهم مشابه للإنسٍ، وهم أشباه البهائم، يأكلون العشب، ويفترسون الدّوابّ والوحوش كما تفترسها السّباع، ويأكلون خشاش الأرض كلّها من الحيّات والعقارب، وكلّ ذي روحٍ ممّا خلق اللّه في الأرض، وليس للّه خلقٌ ينمى نماءهم في العام الواحد، ولا يزداد كزيادتهم، ولا يكثر ككثرتهم، فإن كانت لهم مدّةٌ على ما نرى من نمائهم وزيادتهم، فلا شكّ أنّهم سيملئون الأرض، ويجلون أهلها منها ويظهرون عليها فيفسدون فيها، وليست تمرّ بنا سنةٌ منذ جاورناهم إلاّ ونحن نتوقّعهم، وننتظر أن يطلع علينا أوائلهم من بين هذين الجبلين {فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا قال ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينوني بقوّةٍ أجعل بينكم وبينهم ردمًا} أعدّوا إليّ الصّخور والحديد والنّحاس حتّى أرتاد بلادهم، وأعلم علمهم، وأقيس ما بين جبليهم. ثمّ انطلق يؤمّهم حتّى دفع إليهم وتوسّط بلادهم، فوجدهم على مقدارٍ واحدٍ، ذكرهم وأنثاهم، يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرّجل المربوع منّا، لهم مخالب في موضع الأظفار من أيدينا، وأضراسٌ وأنيابٌ كأضراس السّباع وأنيابها، وأحناكٌ كأحناك الإبل قوّةً تسمع لها حركةٌ إذا أكلوا كحركة الجرّة من الإبل، أو كقضم البغل المسنّ، أو الفرس القويّ، وهم هلبٌ، عليهم من الشّعر في أجسادهم ما يواريهم، وما يتّقون به الحرّ والبرد إذا أصابهم، ولكلّ واحدٍ منهم أذنان عظيمتان: إحداهما وبرةٌ ظهرها وبطنها، والأخرى زغبةٌ ظهرها وبطنها، تسعانه إذا لبسهما، يلتحف إحداهما، ويفترش الأخرى، ويصيف في إحداهما، ويشتو في الأخرى، وليس منهم ذكرٌ ولا أنثى إلاّ وقد عرف أجله الّذي يموت فيه، ومنقطع عمره، وذلك أنّه لا يموت ميّتٌ من ذكورهم حتّى يخرج من صلبه ألف ولدٍ، ولا تموت الأنثى حتّى يخرج من رحمها ألف ولدٍ، فإذا كان ذلك أيقن بالموت، وهم يرزقون التّنّين في أيّام الرّبيع، ويستمطرونه إذا تحّينوه كما نستمطر الغيث لحينه، فيقذفون منه كلّ سنةٍ بواحدٍ، فيأكلونه عامهم كلّه إلى مثله من العام القابل، فيغنيهم على كثرتهم ونمائهم، فإذا أمطروا وأخصبوا وعاشوا وسمنوا، ورئي أثره عليهم، فدرّت عليهم الإناث، وشبقت منهم الرّجال الذّكور، وإذا أخطأهم هزلوا وأجدبوا، وجفرت الذّكور، وحالت الإناث، وتبيّن أثر ذلك عليهم، وهم يتداعون تداعي الحمام، ويعوون عواء الكلاب، ويتسافدون حيث التقوا تسافد البهائم. فلمّا عاين ذلك منهم ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصّدفين، فقاس ما بينهما وهو في منقطع أرض التّرك ما يلي مشرق الشّمس، فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخٍ، فلمّا أنشأ في عمله، حفر له أساسًا حتّى بلغ الماء، ثمّ جعل عرضه خمسين فرسخًا، وجعل حشوه الصّخور، وطينه النّحّاس، يذاب ثمّ يصبّ عليه، فصار كأنّه عرقٌ من جبلٍ تحت الأرض، ثمّ علاه وشرفه بزبر الحديد والنّحاس المذاب، وجعل خلاله عرقًا من نحاس أصفر، فصار كأنّه بردٌ محبّرٌ من صفرة النّحاس وحمرته وسواد الحديد، فلمّا فرغ منه وأحكمه، انطلق عامدًا إلى جماعة الإنس والجنّ، فبينا هو يسير، دفع إلى أمّةٍ صالحةٍ يهدون بالحقّ وبه يعدلون، فوجد أمّةً مقسطةً مقتصدةً، يقسمون بالسّويّة، ويحكمون بالعدل، ويتآسون ويتراحمون، حالهم واحدةٌ، وكلمتهم واحدةٌ، وأخلاقهم مشتبهةٌ، وطريقتهم مستقيمةٌ، وقلوبهم متألّفةٌ، وسيرتهم مستويه، وقبورهم بأبواب بيوتهم، وليس على بيوتهم أبوابٌ، وليس عليهم أمراء، وليس بينهم قضاةٌ، وليس بينهم أغنياء، ولا ملوكٌ، ولا أشرافٌ، ولا يتفاوتون، ولا يتفاضلون، ولا يختلفون، ولا يتنازعون، ولا يستّبون، ولا يقتتلون، ولا يقحطون، ولا يجردون، ولا تصيبهم الآفات الّتي تصيب النّاس، وهم أطول النّاس أعمارًا، وليس فيهم مسكينٌ، ولا فقيرٌ، ولا فظٌّ، ولا غليظٌ، فلمّا رأى ذلك ذو القرنين من أمرهم، عجب منه وقال: أخبروني أيّها القوم خبركم، فإنّي قد أحصيت الأرض كلّها برّها وبحرها، وشرقها وغربها، ونورها وظلمتها، فلم أجد مثلكم، فأخبروني خبركم، قالوا: نعم، فسلنا عمّا تريد، قال: أخبروني، ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟ قالوا: عمدًا فعلنا ذلك لئلاّ ننسى الموت، ولا يخرج ذكره من قلوبنا، قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبوابٌ؟ قالوا: ليس فينا متّهمٌ، وليس منّا إلاّ أمينٌ مؤتمنٌ، قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا: لا نتظالم، قال: فما بالكم ليس عليكم حكّامٌ؟ قالوا: لا نختصم، قال: فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟ قالوا: لا نتكاثر، قال: فما بالكم ليس فيكم ملوكٌ؟ قالوا: لا نتكابر، قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا، قال: فما بالكم لا تستبّون ولا تقتتلون؟ قالوا: من قبل أنّا غلبنا طبائعنا بالعزم، وسسنا أنفسنا بالأحلام، قال: فما بالكم كلمتكم واحدةٌ، وطريقتكم مستقيمةٌ مستويةٌ؟ قالوا: من قبل أنّا لا نتكاذب، ولا نتخادع، ولا يغتاب بعضنا بعضًا، قال: فأخبروني من أين تشابهت قلوبكم، واعتدلت سيرتكم؟ قالوا: صحّت صدورنا، فنزع بذلك الغلّ والحسد من قلوبنا، قال: فما بالكم ليس فيكم مسكينٌ ولا فقيرٌ؟ قالوا: من قبل أنّا نقسم بالسّويّة، قال: فما بالكم ليس فيكم فظٌّ ولا غليظٌ؟ قالوا: من قبل الذّلّ والتّواضع، قال: فما بالكم أطول النّاس أعمارًا؟ قالوا: من قبل أنّا نتعاطى الحقّ ونحكم بالعدل، قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: لا نغفل عن الاستغفار، قال: فما بالكم لا تحردون؟ قالوا: من قبل أنّا وطّأنا أنفسنا للبلاء منذ كنّا، وأحببناه وحرصنا عليه، فعرينا منه، قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفات كما تصيب النّاس؟ قالوا: لا نتوكّل على غير اللّه، ولا نعمل بالأنواء والنّجوم، قال: حدّثوني أهكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟ قالوا: نعم وجدنا آباءنا يرحمون مساكينهم، ويواسون فقراءهم، ويعفون عمّن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويحلمون عمّن جهل عليهم، ويستغفرون لمن سبّهم، ويصلّون أرحامهم، ويؤدّون أماناتهم، ويحفظون وقتهم لصلاتهم، ويوفّون بعهودهم، ويصدقون في مواعيدهم، ولا يرغبون عن أكفائهم، ولا يستنكفون عن أقاربهم، فأصلح اللّه لهم بذلك أمرهم، وحفظهم ما كانوا أحياءً، وكان حقًّا على اللّه أن يحفظهم في تركتهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ يأجوج ومأجوج يحفرونه كلّ يومٍ، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذي عليهم ارجعوا فتحفرونه غدًا، فيعيده اللّه كأشد ما كان، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غدا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه فيخرجون على النّاس، فينشفون المياه، ويتحصّن النّاس في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السّماء، فيرجع فيها كهيئة الدّماء، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السّماء، فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم فتقتلهم " فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " والّذي نفس محمّدٍ بيده إنّ دوابّ الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاريّ ثمّ الظّفريّ، عن محمود بن لبيدٍ، أخي بني عبد الأشهل، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على النّاس كما قال اللّه عزّ وجلّ {وهم من كلّ حدبٍ ينسلون} فيغشون الأرض، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمّون إليهم مواشيهم، فيشربون مياه الأرض، حتّى إنّ بعضهم ليمرّ بالنّهر فيشربون ما فيه، حتّى يتركوه يابسًا، حتّى إنّ من بعدهم ليمرّ بذلك النّهر، فيقول: لقد كان ها هنا ماءٌ مرّةً، حتّى إذا لم يبق من النّاس أحد إلا أخذ في حصنٍ أو مدينةٍ، قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقي أهل السّماء، قال: ثمّ يهزّ أحدهم حربته، ثمّ يرمي بها إلى السّماء، فترجع إليه مخضّبةً دمًا للبلاء والفتنة. فبينا هم على ذلك، بعث اللّه عليهم دودًا في أعناقهم كالنّغف، فتخرج في أعناقهم فيصبحون موتى، لا يسمع لهم حسٌّ، فيقول المسلمون: ألا رجلٌ يشري لنا نفسه، فينظر ما فعل هذا العدوّ، قال: فيتجرّد رجلٌ منهم لذلك محتسبًا لنفسه، قد وطّنها على أنّه مقتولٌ، فينزل فيجدهم موتى، بعضهم على بعضٍ، فينادي: يا معشر المسلمين، ألا أبشروا، فإنّ اللّه قد كفاكم عدوّكم، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرّحون مواشيهم، فما يكون لها رعي إلاّ لحومهم، فتشكر عنهم أحسن ما شكرت عن شيءٍ من النّبات أصابت قطّ ".
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} قال: كان أبو سعيدٍ الخدريّ يقول: إنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " لا يموت رجلٌ منهم حتّى يولد لصلبه ألف رجلٍ ".
قال: وكان عبد اللّه بن مسعودٍ يعجب من كثرتهم ويقول: لا يموت من يأجوج ومأجوج أحدٌ حتّى يولد له ألف ذكر من صلبه.
- حدّثني بحر بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني معاوية، عن أبي الزّاهريّة، وشريح بن عبيدٍ: أنّ يأجوج، ومأجوج، ثلاثة أصنافٍ: صنفٌ طولهم كطول الأرز، وصنفٌ طوله وعرضه سواءٌ، وصنفٌ يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى فتغطّي سائر جسده.
فالخبر الّذي ذكرناه عن وهب بن منبّه في قصّة يأجوج ومأجوج، يدلّ على أنّ الّذين قالوا لذي القرنين {إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} إنّما أعلموه خوفهم ما يحدث منهم من الإفساد في الأرض، لا أنّهم شكوا منهم فسادًا كان منهم فيهم أو في غيرهم، والأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تخبر عنهم أنّهم سيكون منهم الإفساد في الأرض، ولا دلالة فيها أنّهم قد كان منهم قبل إحداث ذي القرنين السّدّ الّذي أحدثه بينهم وبين من دونهم من النّاس غيرهم إفسادٌ.
فإذا كان ذلك كذلك بالّذي بيّنّا، فالصّحيح من تأويل قوله {إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} إنّ يأجوج ومأجوج سيفسدون في الأرض.
وقوله {فهل نجعل لك خرجًا} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: {فهل نجعل لك خرجًا} كأنّهم نحوا به نحو المصدر من خرج الرّأس، وذلك جعله. وقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين: ( فهل نجعل لك خراجًا ) بالألف، وكأنّهم نحوا به نحو الاسم، وعنوا به أجرةً على بنائك لنا سدًّا بيننا وبين هؤلاء القوم.
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصّواب قراءة من قرأه: ( فهل نجعل لك خراجًا ) بالألف، لأنّ القوم فيما ذكر عنهم، إنّما عرضوا على ذي القرنين أن يعطوه من أموالهم ما يستعين به على بناء السّدّ، وقد بيّن ذلك بقوله: {فأعينوني بقوّةٍ أجعل بينكم وبينهم ردمًا} ولم يعرضوا عليه جزية رءوسهم. والخراج عند العرب: هو الغلّة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، " فهل نجعل لك خراجًا " قال: أجرًا {على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: " فهل نجعل لك خراجًا " قال: أجرًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، قوله: " فهل نجعل لك خراجًا " قال: أجرًا.
وقوله: {على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا} يقول: قالوا له: هل نجعل لك أجرا على أن تجعل بيننا وبين يأجوج ومأجوج حاجزًا يحجز بيننا وبينهم، ويمنعهم من الخروج إلينا. وهو السّدّ). [جامع البيان: 15/388-403]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) زينب بن جحش - رضي الله عنها -: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: «لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلّق بأصبعه: الإبهام والتي تليها-» فقالت زينب بنت جحشٍ: فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث. هذه رواية البخاري، ومسلم.
وفي رواية الترمذي قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النّوم محمرّاً وجهه، يقول: «لا إله إلا الله... » وذكر نحوه.
وفيه «وعقد عشراً ».
[شرح الغريب]
(ردم) ردمت الثلمة ردماً: إذا سددتها، والاسم والمصدر سواء: الردم.
(حلّق وعقد عشراً) حلق: أي جعل أصبعه كالحلقة، وعقد عشراً: هي من مواضعات الحساب، وهو أن تجعل رأس أصبعك السبابة في وسط أصبعك الإبهام من باطنها شبه الحلقة، وعقد التسعين مثلها.، إلا أنها أضيق منها، حتى لا يبين في الحلقة إلا خلل يسير.
(الخبث) بضم الخاء وسكون الباء الموحدة: الفسق والفجور). [جامع الأصول: 2/231-232]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد بيده تسعين ». أخرجه البخاري، ومسلم). [جامع الأصول: 2/232]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: أتينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو في قبة آدم له فخرج إلينا فحمد الله ثم قال: أبشركم أنكم ربع أهل الجنة، فقلنا: نعم يا رسول الله فقال: أبشركم أنكم ثلث أهل الجنة، فقلنا: نعم يا نبي الله قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة إن مثلكم في سائر الأمم كمثل شعرة بيضاء في جنب ثور أسود أو شعرة سوداء في جنب ثور أبيض إن بعدكم يأجوج ومأجوج إن الرجل منهم ليترك بعده من الذرية ألفا فما زاد وإن وراءكم ثلاث أمم: منسك وتاويل وتاريس لا يعلم عدتهم إلا الله). [الدر المنثور: 9/671-672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق البكالي عن عبد الله بن عمر قال: إن الله جزأ الملائكة والإنس والجن عشرة أجزاء تسعة أجزاء منهم الملائكة وجزء واحد الجن والإنس، وجزأ الملائكة عشرة أجزاء تسعة منهم الكروبيون الذي يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزء واحد لرسالاته ولخزائنه وما يشاء من أمره، وجزأ الإنس والجن عشرة أجزاء فتسعة منهم الجن والإنس جزء واحد فلا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة، وجزأ الإنس عشرة أجزاء تسعة منهم يأجوج ومأجوج وجزء سائر الناس والسماء ذات الحبك، قال: السماء السابعة والحرم بحيالة العرش). [الدر المنثور: 9/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية أن يأجوج ومأجوج يزيدون على الإنس الضعفين وإن الجن يزيدون على الإنس الضعفين وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمها يأجوج ومأجوج). [الدر المنثور: 9/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق ابن أبي حاتم عن قتادة قال: إن الله جزأ الإنس عشرة أجزاء تسعة منهم يأجوج ومأجوج وجزء سائر الناس). [الدر المنثور: 9/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: صورت الدنيا على خمس صور على صورة الطير برأسه والصدر والجناحين والذنب فالمدينة ومكة واليمن الرأس والصدر مصر والعراق والجناح الأيمن العراق وخلف العراق أمة يقال لها واق وخلف واق أمة يقال وقواق وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله تعالى، والجناح الأيسر السند وخلف السند الهند وخلف الهند أمة يقال لها ناسك وخلف ذلك أمة يقال لها منسك وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله تعالى، والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس وشر ما في الطير الذنب). [الدر المنثور: 9/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن عبدة بن أبي لبابة أن الدنيا سبعة أقاليم: فيأجوج ومأجوج في ستة أقاليم وسائر الناس في إقليم واحد). [الدر المنثور: 9/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن وهب بن جابر الحيواني قال: سألت عبد الله بن عمرو عن يأجوج ومأجوج: أمن آدم هم قال: نعم ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله تاويل وتاريس ومنسك). [الدر المنثور: 9/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو قال: يأجوج ومأجوج لهم أنهار يلقون ما شاؤوا ونساء يجامعون ما شاؤوا وشجر يلقحون ما شاؤوا ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا). [الدر المنثور: 9/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن حسان بن عطية قال: يأجوج ومأجوج أمتان في كل أمة أربعمائة أمة لا تشبه واحدة منهم الأخرى ولا يموت الرجل منهم حتى ينظر في مائة عين من ولده). [الدر المنثور: 9/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب قال: خلق يأجوج ومأجوج ثلاث أصناف صنف أجسامهم كالأرز وصنف أربعة أذرع طول وأربعة أذرع عرض وضنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى يأكلون مشائم نسائهم). [الدر المنثور: 9/674-675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن خالد الأشج قال: إن بني آدم وبني إبليس ثلاثة أثلاث: فثلثان بنو إبليس وثلث بنو آدم وبنو آدم ثلاثة أثلاث: ثلثان يأجوج ومأجوج وثلث سائر الناس، والناس بعد ثلاث أثلاث: ثلث الأندلس وثلث الحبشة وثلث سائر الناس العرب والعجم). [الدر المنثور: 9/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: يأجوج ومأجوج ثنتان وعشرون قبيلة فسد ذو القرنين على إحدى وعشرين قبيلة وترك قبيلة وهم الأتراك). [الدر المنثور: 9/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الترك فقال: هم سيارة ليس لهم أصل هم من يأجوج ومأجوج لكنهم خرجوا يغيرون على الناس فجاء ذو القرنين فسد بينهم وبين قومهم فذهبوا سيارة في الأرض). [الدر المنثور: 9/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن حسان بن عطية قال: إن يأجوج ومأجوج خمس وعشرون أمة ليس منها أمة تشبه الأخرى). [الدر المنثور: 9/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي المثنى الأملوكي قال: إن الله ذرأ لجهنم يأجوج ومأجوج لم يكن فيهم صديق قط ولا يكون أبدا). [الدر المنثور: 9/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن سلام قال: ما مات رجل من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرية لصلبه فصاعدا). [الدر المنثور: 9/675-676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن يأجوج ومأجوج شبر وشبران وأطوالهم ثلاثة أشبار وهم من ولد آدم). [الدر المنثور: 9/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر والطبراني والبيهقي في البعث، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وإن من وراءهم ثلاث أمم: تاويل وتاريس ومنسك). [الدر المنثور: 9/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر قال: الجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء واحد سائر الناس). [الدر المنثور: 9/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي، وابن مردويه من طريق عمرو بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يأجوج ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاؤوا وشجر يلقحون ما شاؤوا ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا). [الدر المنثور: 9/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عدي، وابن عساكر، وابن النجار عن حذيفة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج فقال: يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة بأربعمائة أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه كل قد حمل السلاح، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز، قلت: وما الأرز قال: شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين لا يقوم لهم ولا حديد وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية). [الدر المنثور: 9/677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج نعيم بن حماد في الفتن، وابن مردويه بسند واه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثني الله ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج فدعوتهم إلى دين الله وعبادته فأبوا أن يجيبوني فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس). [الدر المنثور: 9/677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أبي بكر النسفي أن رجلا قال: يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: انعته لي، قال: كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة سوداء، قال: قد رأيته). [الدر المنثور: 9/677-678]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه غدا ولا يستثني، فإذا أصبحوا وجدوه قد رجع كما كان فإذا أراد الله بخروجهم على الناس قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه إن شاء الله - ويستثني - فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون: قهرنا من في الأرض وعلونا من السماء قسوة وعلوا، فيبعث الله عليهم نغفا في أعناقهم فيهلكون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم). [الدر المنثور: 9/678-679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلق - قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث). [الدر المنثور: 9/679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وعقد بيده تسعين). [الدر المنثور: 9/679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حبيب الأرجاني في قوله: {إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} قال: كان فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس). [الدر المنثور: 9/679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فهل نجعل لك خرجا} قال: أجرا عظيما). [الدر المنثور: 9/679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: ما صنع الله فهو السد وما صنع السد الناس فهو السد). [الدر المنثور: 9/680]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فأعينوني بقوّةٍ أجعل بينكم وبينهم ردمًا}
- أخبرنا عبيد الله بن سعيدٍ، حدّثنا سفيان، عن الزّهريّ، سمعته يقول: عن عروة، عن زينب، عن حبيبة، عن أمّها أمّ حبيبة، عن زينب بنت جحشٍ، قالت: انتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من نومٍ محمرًّا وجهه وهو يقول: «لا إله إلّا الله، ثلاث مرّاتٍ، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وعقد سبعين وعشرةً سواءً، قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/166]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينوني بقوّةٍ أجعل بينكم وبينهم ردمًا}.
يقول تعالى ذكره: قال ذو القرنين: الّذي مكّنني في عمل ما سألتموني من السّدّ بينكم وبين هؤلاء القوم ربّي ووطّأه لي، وقوّاني عليه، خيرٌ من جعلكم والأجرة الّتي تعرضونها عليّ لبناء ذلك، وأكثر وأطيب، ولكن أعينوني منكم بقوّةٍ، يقول: أعينوني بفعلةٍ وصنّاعٍ يحسنون البناء والعمل. كما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا آدم بن عيينة، عن أخيه سفيان بن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهدٍ، {ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينوني بقوّةٍ} قال: برجالٍ {أجعل بينكم وبينهم ردمًا}.
وقال {ما مكّنّي}، فأدغم إحدى النّونين في الأخرى، وإنّما هو ما مكّنني فيه. وقوله: {أجعل بينكم وبينهم ردمًا} يقول: أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج ردمًا. والرّدم: حاجز كالحائط والسّدّ، إلاّ أنّه أمنع منهما وأشدّ، يقال منه: قد ردم فلانٌ موضع كذا يردمه ردمًا وردامًا ويقال أيضًا: ردّم ثوبه يردّمه، وهو ثوبٌ مردّمٌ: إذا كان كثير الرّقاع، ومنه قول عنترة:
هل غادر الشّعراء من متردّم = أم هل عرفت الدّار بعد توهّم
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أجعل بينكم وبينهم ردمًا} قال: هو كأشدّ الحجاب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ رجلاً، قال: يا نبيّ اللّه قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج، قال: " انعته لي "، قال: كأنّه البرد المحبّر، طريقةٌ سوداء، وطريقةٌ حمراء، قال: " قد رأيته "). [جامع البيان: 15/403-404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ما مكني فيه ربي خير} قال: الذي أعطاني ربي هو خير من الذي تبذلون لي من الخراج). [الدر المنثور: 9/680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أجعل بينكم وبينهم ردما} قال: هو كأشد الحجاب). [الدر المنثور: 9/680]

تفسير قوله تعالى: (آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني الليث عمن سمع عمر بن عبد العزيز يقرأ هذه الآية: {حتى إذا ساوى بين الصدفين}؛
قال الليث: حسبت أن الذي حدثني بهذا سليمان بن حميد أو غيره). [الجامع في علوم القرآن: 3/55]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني نافع بن أبي نعيم عن عبد الرحمن الأعرج أنه كان يقرأ: {حتى إذا ساوى بين} الصُّدُفين؛ وأقرأنيها نافع: {الصدفين}). [الجامع في علوم القرآن: 3/55]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى زبر الحديد قال قطع الحديد). [تفسير عبد الرزاق: 1/412]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أفرغ عليه قطرا قال أفرغ عليه نحاسا). [تفسير عبد الرزاق: 1/413]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا عبد العزيز بن عمران قال: حدّثني نافع بن أبي نعيمٍ عن عبد الرّحمن الأعرج أنّه كان يقرأ: {حتّى إذا ساوى بين الصدفين} قال ابن وهبٍ: وأقرأنيها نافعٌ: على الصدفين). [جزء تفسير نافع بن أبي نعيم: 43] [؟؟ الشَّكل]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله تعالى: {زبر الحديد} قال: قطع الحديد). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 95]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصّدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارًا قال آتوني أفرغ عليه قطرًا (96) فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا}
يقول تعالى ذكره: قال ذو القرنين للّذين سألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدًّا {آتوني} أي جيئوني بزبر الحديد، وهي جمع زبرةٍ، والزّبرة: القطعة من الحديد. كما؛
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {زبر الحديد} يقول: قطع الحديد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {آتوني زبر الحديد} قال: قطع الحديد.
- حدّثني إسماعيل بن سيفٍ، قال: حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قوله: {زبر الحديد} قال: قطع الحديد.
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قوله: {آتوني زبر الحديد} قال: قطع الحديد.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {آتوني زبر الحديد} أي فلق الحديد.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {آتوني زبر الحديد} قال: قطع الحديد.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {آتوني زبر الحديد} قال: قطع الحديد.
وقوله: {حتّى إذا ساوى بين الصّدفين} يقول عزّ ذكره: فآتوه زبر الحديد، فجعلها بين الصّدفين حتّى إذا ساوى بين الجبلين بما جعل بينهما من زبر الحديد، ويقال: سوّى. والصّدفان: ما بين ناحيتي الجبلين ورءوسهما، ومنه قول الرّاجز:
قد أخذت ما بين عرض الصّدفين = ناحيتيها وأعالي الرّكنين
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {بين الصّدفين} يقول: بين الجبلين.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاس: {حتّى إذا بلغ بين السّدّين} قال: هو سدٌّ كان بين صدفين، والصّدفان: الجبلان.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، ح، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {الصّدفين} رءوس الجبلين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بين الصّدفين} يعني بين الجبلين، وهما من قبل أرمينية وأذربيجان.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {حتّى إذا ساوى بين الصّدفين} وهما الجبلان.
- حدّثني أحمد بن يوسف، قال: أخبرنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنّه قرأها: {بين الصّدفين} منصوبة الصّاد والدّال، وقال: بين الجبلين.
وللعرب في الصّدفين: لغاتٌ ثلاثٌ، وقد قرأ بكلّ واحدةٍ منها جماعةٌ من القرّاء: الفتح في الصّاد والدّال، وذلك قراءة عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة.
والضّمّ فيهما، وهي قراءة بعض قراءة أهل البصرة. والضّمّ في الصّاد وتسكين الدّالّ، وذلك قراءة بعض أهل مكّة والكوفة.
والفتح في الصّاد والدّال أشهر هذه اللّغات، والقراءة بها أعجب إليّ، وإن كنت مستجيزًا القراءة بجميعها، لاتّفاق معانيها. وإنّما اخترت الفتح فيهما لما ذكرت من العلّة.
وقوله: {قال انفخوا} يقول عزّ ذكره، قال للفعلة: انفخوا النّار على هذه الزّبر من الحديد.
وقوله: {حتّى إذا جعله نارًا} وفي الكلام متروكٌ، وهو فنفخوا، حتّى إذا جعلوا ما بين الصّدفين من الحديد نارًا.
{قال آتوني أفرغ عليه قطرًا} فاختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: {قال آتوني} بمدّ الألف من {آتوني} بمعنى: أعطوني قطرًا أفرغ عليه.
وقرأه بعض قرّاء الكوفة، قال: ( ائتوني ) بوصل الألف، بمعنى: جيئوني قطرًا أفرغ عليه، كما عليه: أخذت الخطام، وأخذت بالخطام، وجئتك زيدًا، وجئتك بزيدٍ.
وقد يتوجّه معنى ذلك إذا قرئ كذلك إلى معنى أعطوني، فيكون كأنّ قارئه أراد مدّ الألف من آتوني، فترك الهمزة الأولى من آتوني، وإذا سقطت الأولى همز الثّانية.
وقوله: {أفرغ عليه قطرًا} يقول: أصبّ عليه قطرًا، والقطر: النّحاس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {أفرغ عليه قطرًا} قال: القطر: النّحاس.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {قطرًا} قال: نّحاسا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أفرغ عليه قطرًا} يعني النّحاس.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أفرغ عليه قطرًا} أي النّحاس ليلزمه به.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {أفرغ عليه قطرًا} قال: نحاسًا.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: القطر: الحديد المذاب، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشّاعر:
حسامًا كلون الملح صافٍ حديده = جزارًا من اقطار الحديد المنعّت). [جامع البيان: 15/404-410]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ساوى بين الصدفين يعني رؤوس الجبلين). [تفسير مجاهد: 381]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أفرغ عليه قطرا قال يعني نحاسا). [تفسير مجاهد: 381]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {زبر الحديد} قال: قطع الحديد). [الدر المنثور: 9/680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال: أخبرني عن قوله {زبر الحديد} قال: قطع الحديد، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يقول:
تلظى عليهم حين شد حميمها * بزبر الحديد والحجارة شاجر). [الدر المنثور: 9/680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بين الصدفين} قال: الجبلين). [الدر المنثور: 9/680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ {بين الصدفين} بفتحتين قال: يعني بين الجبلين). [الدر المنثور: 9/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه كان يقرأ {بين الصدفين} بضمتين). [الدر المنثور: 9/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {بين الصدفين} قال: رأس الجبلين). [الدر المنثور: 9/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قطرا} قال: النحاس). [الدر المنثور: 9/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قطرا} قال: نحاسا). [الدر المنثور: 9/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {آتوني أفرغ عليه قطرا} قال: نحاسا). [الدر المنثور: 9/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {آتوني أفرغ عليه قطرا} قال: نحاسا ليلزم بعضه بعضا). [الدر المنثور: 9/681]

تفسير قوله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فما اسطاعوا أن يظهروه قال ما اسطاعوا أن يرتقوه وما استطاعوا له نقبا). [تفسير عبد الرزاق: 1/413]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه} يقول عزّ ذكره: فما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا الرّدم الّذي جعله ذو القرنين حاجزًا بينهم وبين من دونهم من النّاس، فيصيروا فوقه وينزلوا منه إلى النّاس.
يقال منه: ظهر فلانٌ فوق البيت: إذا علاه، ومنه قول النّاس: ظهر فلانٌ على فلانٍ: إذا قهره وعلاه.
{وما استطاعوا له نقبًا} يقول: ولم يستطيعوا أن ينقّبوه من أسفله.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه} من قوله: {وما استطاعوا له نقبًا} أي من أسفله.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {فما اسطاعوا أن يظهروه} قال: ما استطاعوا أن يرتقوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة {فما اسطاعوا أن يظهروه} قال: أن يرتقوه {وما استطاعوا له نقبًا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {فما اسطاعوا أن يظهروه} قال: أن يرتقوه {وما استطاعوا له نقبًا}".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ {فما استطاعوا أن يظهروه} قال: يعلوه {وما استطاعوا له نقبًا} أي ينقبوه من أسفله.
واختلف أهل العربيّة في وجه حذف التّاء من قوله: {فما اسطاعوا} فقال بعض نحويّي البصرة: فعل ذلك لأنّ لغة للعرب أن تقول: أسطاع يسطيع، يريدون بها: استطاع يستطيع، ولكن حذفوا التّاء إذا جمعت مع الطّاء ومخرجهما واحدٌ. قال: وقال بعضهم: استاع، فحذف الطّاء لذلك. وقال بعضهم: أسطاع يسطيع، فجعلها من القطع كأنّها أطاع يطيع، فجعل السّين عوضًا من إسكان الواو.
وقال بعض نحويّي الكوفة: هذا حرفٌ استعمل فكثر حتّى حذف). [جامع البيان: 15/410-413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه} قال: ما استطاعوا أن يرتقوه). [الدر المنثور: 9/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه} يقول: أن يعلوه {وما استطاعوا له نقبا} قال: من أسفله). [الدر المنثور: 9/682]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه} قال: من فوقه {وما استطاعوا له نقبا} قال: من أسفله). [الدر المنثور: 9/682]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال هذا رحمةٌ من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقًّا}.
يقول عزّ ذكره: فلمّا رأى ذو القرنين أنّ يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يظهروا ما بنى من الرّدم، ولا يقدرون على نقبه، قال: هذا الّذي بنيته وسوّيته حاجزًا بين هذه الأمّة، ومن دون الرّدم رحمةٌ من ربّي رحم بها من دون الرّدم من النّاس، فأعانني برحمته لهم حتّى بنيته وسوّيته ليكفّ بذلك غائلة هذه الأمّة عنهم.
وقوله: {فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء} يقول: فإذا جاء وعد ربّي الّذي جعله ميقاتًا لظهور هذه الأمّة وخروجها من وراء هذا الرّدم لهم، جعله دكّاء، يقول: سوّاه بالأرض، فألزقه بها، من قولهم: ناقةٌ دكّاء: مستوية الظّهر لا سنام لها. وإنّما معنى الكلام: جعله مدكوكًا، فقيل: دكّاء.
وكان قتادة يقول في ذلك ما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء} قال: لا أدري الجبلين يعني به، أو ما بينهما.
وذكر أنّ ذلك كائن كذلك بعد قتل عيسى ابن مريم عليه السّلام الدّجّال.
ذكر الخبر بذلك:
- حدّثني أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ، قال: حدّثنا هشيم بن بشيرٍ، قال: أخبرنا العوّام، عن جبلة بن سحيمٍ، عن مؤثرٍ وهو ابن عفازة العبديّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لقيت ليلة الإسراء إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر السّاعة، وردّوا الأمر إلى إبراهيم فقال إبراهيم: لا علم لي بها، فردّوا الأمر إلى موسى، فقال موسى: لا علم لي بها، فردّوا الأمر إلى عيسى، قال عيسى: أمّا قيام السّاعة فلا يعلمه إلاّ اللّه، ولكن ربّي قد عهد إليّ بما هو كائنٌ دون وجبتها، عهد إليّ أنّ الدّجّال خارجٌ، وأنّه مهبطي إليه، فذكر أنّ معه قضيبين، فإذا رآني أهلكه اللّه، قال: فيذوب كما يذوب الرّصاص، حتّى إنّ الحجر والشّجر ليقول: يا مسلم هذا كافرٌ فاقتله، فيهلكهم اللّه، ويرجع النّاس إلى بلادهم وأوطانهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج من كلّ حدبٍ ينسلون، لا يأتون على شيءٍ إلاّ أهلكوه، ولا يمرّون على ماءٍ إلاّ شربوه، فيرجع النّاس إليّ، فيشكونهم، فأدعو اللّه عليهم فيميتهم حتّى تجوى الأرض من نتن ريحهم، فينزل المطر، فيجرّ أجسادهم، فيلقيهم في البحر، ثمّ ينسف الجبال حتّى تكون الأرض كالأديم، فعهد إليّ ربّي أنّ ذلك إذا كان كذلك، فإنّ السّاعة منهم كالحامل المتمّ الّتي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها، ليلاً أو نهارًا ".
- حدّثني عبيد بن إسماعيل، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن أصبع بن زيدٍ، عن العوّام بن حوشبٍ، عن جبلة بن سحيمٍ، عن مؤثر بن عفازة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: لمّا أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم التقى هو وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السّلام، فتذاكروا أمر السّاعة. فذكر نحو حديث أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ عن هشيمٍ، وزاد فيه: قال العوّام بن حوشبٍ: فوجدت تصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى، قال اللّه عزّ وجلّ: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدبٍ ينسلون واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} وقال: {فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقًّا وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ ونفخ في الصّور فجمعناهم جمعًا}.
وقوله: {وكان وعد ربّي حقًّا} يقول: وكان وعد ربّي الّذي وعد خلقه في دكّ هذا الرّدم، وخروج هؤلاء القوم على النّاس، وعيثهم فيهم، وغير ذلك من وعده حقًّا، لأنّه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنّه كائنٌ). [جامع البيان: 15/412-414]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السّدّ: «يحفرونه كلّ يومٍ، حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غداً، قال: فيعيده الله كأشدّ ما كان، حتى إذا بلغ مدّتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله، واستثنى، قال: فيرجعون، فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه، فيخرجون على الناس، فيشتفّون المياه، ويفرّ الناس منهم، فيرمون بسهامٍ إلى السّماء، فترجع مخضّبة بالدماء، فيقولون: قهرنا من في الأرض، وعلونا من في السّماء، قسوة وعلوًّا، فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفائهم، فيهلكون فيصبحون فرسى، قال: فوالذي نفس محمدٍ بيده، إنّ دوابّ الأرض تسمن وتبطر، وتشكر شكراً من لحومهم». أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(قسوة) القسوة: الغلظة والفظاظة.
(النغف) دود يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نغفة.
(فرسى) جمع فريس بمعنى: مفروس، من فرس الذئب الشاة: إذا قتلها.، فمعنى فرسى: قتلى، مثل: قتيل وقتلى.
(تشكر) شكرت الشاة تشكر شكراً: إذا امتلأ ضرعها لبناً، فالمعنى: تمتلئ أجسادها لحماً وتسمن). [جامع الأصول: 2/233-234]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} قال: جعله طريقا كما كان). [الدر المنثور: 9/682]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} قال: لا أدري الجبلين يعني به أم ما بينهما). [الدر المنثور: 9/682]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن الربيع بن خيثم أنه كان يقرأ {جعله دكاء} ممدوا). [الدر المنثور: 9/682]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: قال علي بن أبي طالب إن يأجوج ومأجوج خلف السد لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف لصلبه وهم يغدون كل يوم على السد فيلحسونه وقد جعلوه مثل قشر البيض فيقولون: نرجع غدا ونفتحه فيصبحون وقد عاد إلى ما كان عليه قبل أن يلحس فلا يزالون كذلك حتى يولد فيهم مولود مسلم فإذا غدوا يلحسون قال لهم: قولوا بسم الله فإذا قالوا بسم الله فأرادوا أن يرجعوا حين يمسون فيقولون: نرجع غدا فنفتحه، فيصبحون وقد عاد إلى ما كان عليه فيقول: قولوا إن شاء الله، فيقولون: إن شاء الله، فيصبحون وهو مثل قشر البيض فينقبونه فيخرجون منه على الناس فيخرج أول من يخرج منهم سبعون ألفا عليهم التيجان ثم يخرجون من بعد ذلك أفواجا فيأتون على النهر مثل نهركم هذا - يعني الفرات - فيشربونه حتى لا يبقى منه شيء ثم يجيء الفوج منهم حتى ينتهوا إليه فيقولون: لقد كان ههنا ماء مرة وذلك قول الله: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} والدك التراب {وكان وعد ربي حقا}). [الدر المنثور: 9/682-683]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب قال: إن يأجوج ومأجوج ينقرون السد بمناقرهم حتى إذا كادوا أن يخرقوه قالوا: نرجع إليه غدا فنفرغ منه فيرجعون إليه وقد عاد كما كان فيرجعون فهم كذلك وإذا بلغ الأمر ألقي على بعض ألسنتهم يقولون: نأتي إن شاء الله غدا فنفرغ منه فيأتونه وهو كما هو فيخرقونه فيخرجون فيأتي أولهم على البحيرة فيشربون ما كان فيها من ماء ويأتي أوسطهم عليها فيلحسون ما كان فيها من الطين ويأتي آخرهم عليها فيقولون: قد كان ههنا مرة ماء، فيرمون بسهامهم نحو السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون: قهرنا من في الأرض وظهرنا على من في السماء فيدعو عليهم عيسى ابن مريم فيقول: اللهم لا طاقة لنا بهم ولا يد فاكفناهم بما شئت فاكفناهم بما شئت، فيبعث الله عليهم دودا يقال له النغف فيأخذهم في أقفائهم فيقتلهم حتى تنتن الأرض من ريحهم ثم يبعث الله عليهم طيرا فتنقل أبدانهم إلى البحر ويرسل الله إليهم السماء أربعين يوما فينبت الأرض حتى أن الرمانة لتشبع أهل البيت). [الدر المنثور: 9/683-684]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن كعب قال: عرض أسكفة يأجوج ومأجوج التي تفتح لهم أربعة وعشرون ذراعا تحفيها حوافر خيلهم والعليا اثنا عشر ذراعا تحفيها أسنة رماحهم). [الدر المنثور: 9/684]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال: إذا خرج يأجوج ومأجوج كان عيسى ابن مريم في ثلثمائة من المسلمين في قصر بالشام يشتد عليهم أمرهم فيدعون الله أن يهلكهم فيسلط عليهم النغف فتنتن الأرض منهم فيدعون الله أن يطهر الأرض منهم فيرسل الله مطرا فيسيل منهم إلى البحر ثم يخصب الناس حتى أن العنقود يشبع منه أهل البيت). [الدر المنثور: 9/684]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: يأجوج ومأجوج يمر أولهم بنهر مثل دجلة ويمر آخرهم فيقول: قد كان في هذا النهر مرة ماء ولا يموت رجل إلا ترك ألفا من ذريته فصاعدا ومن بعدهم ثلاثة أمم ما يعلم عدتهم إلا الله: تاريس وتاويل وناسك أو منسك). [الدر المنثور: 9/684]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه، وابن عساكر عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في السد قال: يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدا، قال: فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله - واستثنى - فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس فيسقون المياه وينفر الناس منهم فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون: قهرنا أهل الأرض وغلبنا في السماء قسوة وعلوا فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكهم، قال: والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم). [الدر المنثور: 9/685]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصحه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أعلم بما مع الدجال منه معه نهران أحدهما نار تأجج في عين من رآه والآخر ماء أبيض فإن أدركه أحد منكم فليغمض ويشرب من الذي يراه نارا فإنه ماء بارد وإياكم والآخر فإنه الفتنة واعلموا أنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من يكتب ومن لا يكتب وإن إحدى عينيه ممسوحة عليها ظفرة إنه يطلع من آخر أمره على بطن الأردن على ثنية أفيق وكل أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن وأنه يقتل من المسلمين ثلثا ويهزم ثلثا ويبقى ثلث ويجن عليهم الليل فيقول بعض المؤمنين لبعض: ما تنتظرون أن تلحقوا إخوانكم في مرضاة ربكم من كان عنده فضل طعام فليغد به على أخيه وصلوا حتى ينفجر الفجر وعجلوا الصلاة ثم أقبلوا على عدوكم، فلما قاموا يصلون نزل عيسى ابن مريم أمامهم فصلى بهم فلما انصرف قال: هكذا فرجوا بيني وبين عدو الله فيذوب وسلط الله عليهم من المسلمين فيقتلونهم حتى أن الشجر والحجر لينادي: يا عبد الله يا عبد الرحمن، يا مسلم هذا يهودي فاقتله، فيقتلهم الله وينصر المسلمون فيكسرون الصليب ويقتلون الخنزير ويضعون الجزية فبينما هم كذلك أخرج الله يأجوج ومأجوج فيشرب أولهم البحيرة ويجيء آخرهم وقد انتشفوه ولم يدعوا فيه قطرة فيقولون: ظهرنا على أعدائنا قد كان ههنا أثر ماء، فيجيء نبي الله وأصحابه وراءه حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها لد فيقولون: ظهرنا على من في الأرض فتعالوا نقاتل من في السماء فيدعو الله نبيه عند ذلك فيبعث الله عليهم قرحة في حلوقهم فلا يبقى منهم بشر فيؤذي ريحهم المسلمين فيدعو عيسى فيرسل الله عليهم ريحا فتقذفهم في البحر أجمعين). [الدر المنثور: 9/685-687]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:50 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ثمّ أتبع سببًا} [الكهف: 92] طرق الأرض ومعالمها لحاجته في تفسير الحسن.
سعيدٌ عن قتادة قال: جبلان، يعني بين الجبلين). [تفسير القرآن العظيم: 1/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ثمّ أتبع سببا}
أي سببا ثالثا مما يبلغه قطرا من أقطار الأرض). [معاني القرآن: 3/310]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولا} [الكهف: 93] كلام غيرهم.
وهي تقرأ على وجهٍ آخر: {لا يكادون يفقهون قولا} [الكهف: 93] لا يفقه أحدٌ كلامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/203]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {بين السّدّين} مضموم إذا جعلوه مخلوقاً من فعل الله وإن كان من فعل الآدميين فهو سدّ، مفتوح). [مجاز القرآن: 1/414]

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {حتى إذا بلغ بين السدين} بالفتح.
[معاني القرآن لقطرب: 860]
والحسن {بين السدين} بالضم؛ وقالوا: السد ما كان خلقة، والسد ما عمله الناس؛ يصير مصدر سددته سدًا.
أبو عمرو والحسن وأهل المدينة {لا يكادون يفقهون قولا} بفتح الياء.
ابن مسعود {يفقهون} من أفقهوا). [معاني القرآن لقطرب: 861]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {السدين}: قال بعض المشيخة. ما كان من فعل الله فهو سد. وقرؤا التي في يسين سدا {ومن خلفهم سدا}
وما كان من فعل الناس فهو سد. وقال قوم هما لغتان بمعنى واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 234-233]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بين السّدّين} أي بين الجبلين. ويقال للجبل: سدّ). [تفسير غريب القرآن: 270]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {حتّى إذا بلغ بين السّدّين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا}
{حتّى إذا بلغ بين السّدّين}
ويقرأ {بين السّدّين}. وقيل ما كان مسدودا خلقة فهو سدّ، وما كان من عمل الناس فهو سدّ.
وقوله: {وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا}.
ويقرأ يفقهون، فمعناه لا يكادون يفهمون). [معاني القرآن: 3/310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين} ويقرأ (السدين)
وقد فرق بينهما أبو عمرو وجماعة من أهل اللغة
فقال بعضهم السد ما كان من صنع الله والسد بالفتح ما كان من صنع الآدميين وقيل السد ما رأيته والسد ما ستر عينيك والصحيح في هذا ما قاله الكسائي أنهما لغتان بمعنى وإن زيد في هذا قيل السد المصدر والسد الاسم). [معاني القرآن: 4/292-291] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} [الكهف: 94] يعني: قاتلين النّاس في الأرض.
تفسير السّدّيّ.
يعني أرض العرب، أرض الإسلام.
{فهل نجعل لك خرجًا} [الكهف: 94] قال قتادة: جعلا). [تفسير القرآن العظيم: 1/204]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يأجوج ومأجوج...}

همزهما عاصم ولم يهمزهما غيره [وقوله: {فهل نجعل لك خرجاً}] الخراج الاسم الأوّل. والخرج كالمصدر كأنه الجعل). [معاني القرآن: 2/159]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يأجوج ومأجوج} لا ينصرفان، وبعضهم يهمز ألقيهما وبعضهم لا يهمزها، قال رؤبة:
لو أن يأجوج ومأجوج معا= وعاد عادٌ واستجاشوا نبّعا
فلم يصرّفها). [مجاز القرآن: 1/414]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدّاً}
وقال: {يأجوج ومأجوج} فهمز وجعل الألف من الأصل وجعل "يأجوج" من "يفعول" و"مأجوج" [من] "مفعول" والذي لا يهمز يجعل الألفين فيهما زائدتين ويعجلهما من فعل مختلف ويجعل "ياجوج" من "يججت" وماجوج من "مججت"). [معاني القرآن: 2/80]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الأعرج وعاصم بن بهدلة {يأجوج ومأجوج} يهمزان.
الحسن وأبو عمرو لا يهمزان، وهي قراءة العامة.
الحسن وأصحاب عبد الله {فهل نجعل لك خراجا} بالألف.
وابن عباس {خرجا} وهي قراءة عاصم بن بهدلة وأبي عمرو وأهل المدينة؛ وقالوا الخرج: الجزية، والخراج في الأرض؛ وقالوا الخرج: السحاب الأبيض أيضًا.
وقال أبو ذؤيب:
إذا هم بالإقلاع هبت له الصبا = فأعقب نوء بعدها وخروج
وقالوا الخروج: المطر بعد المطر؛ ومنه أخذ الخرج من الجزية). [معاني القرآن لقطرب: 861]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} ما هما من الفعل فيمن همز، ومن لم يهمز.
فأما من لم يهمز وهو الكثير: فيكون فاعول، مثل داوود وجارود؛ ويكون ماجوج فاعول من المج؛ وياجوج من اليج؛ وتصير الألف زائدة لكثرة زيادتها في الكلام.
[معاني القرآن لقطرب: 885]
ومن همز صارت يأجوج: يفعول من الأج، وصارت مأجوج مفعولاً من الأج؛ تصير الهمزة من نفس الكلمة، وتصير الياء والميم زائدتين لكثرة زيادتهما.
وإن جعلت ياجوج وماجوج فيمن خفف الهمزة، كانت على حالها، وهي مهموزة). [معاني القرآن لقطرب: 886]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا}
وتقرأ بالهمز في يأجوج ومأجوج، ويقرأ بغير همز، وهما اسمان أعجميان لا ينصرفان لأنهما معرفة.
وقال بعض أهل اللغة: من همز كأنّه يجعله من أجّة الحرّ، ومن قوله: {ملح أجاج}.
وأجّة الحر شدته وتوقده.
ومن هذا قولهم أجّجت النّار ويكون التقدير في يأجوج يفعول، وفي مأجوج مفعول، وجائز أن يكون ترك الهمز على هذا المعنى، ويجوز أن يكون " ماجوج " فاعول، وكذلك ياجوج، وهذا لو كان الاسمان عربيين لكان هذا اشتقاقهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية.
وقوله: {فهل نجعل لك خرجا}.
وتقرأ (خراجا). فمن قرأ خرجا، فالخرج الفيء -، والخراج الضريبة وقيل الجزية، والخراج عند النحويين الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال، والخرج المصدر.
وقوله عزّ وجلّ: {على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا}.
أي تجعل بيننا وبين يأجوج وماجوج). [معاني القرآن: 3/310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} ويقرأ (خراجا)
قال الفراء الخرج المصدر والخراج الاسم
وروى معمر عن قتادة خرجا قال عطية
وكذلك هو في اللغة يقال لك عندي خرج أي عطية وجعل والخراج هو المتعارف وإن كان أصله من ذا). [معاني القرآن: 4/293-292]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خرجا} الخرج على الرؤوس، والخراج على الأرضين). [ياقوتة الصراط: 329]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا {94} قال ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ} [الكهف: 94-95] من جعلكم.
{فأعينوني بقوّةٍ} [الكهف: 95] يعني عددًا من الرّجال في تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/204]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ما مكّنّي...}

أدغمت نونه في النون التي بعدها. وقد ذكر عن مجاهد (ذكره أبو طلحة الناقط ما يحضرني عن غيره) قال: (ما مكّنني) بنونين ظاهرتين وهو الأصل). [معاني القرآن: 2/159]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينوني بقوّةٍ أجعل بينكم وبينهم ردماً}
وقال: {ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ} فادغم ورفع بقوله: {خيرٌ} لأن {ما مكّنّي} اسم مستأنف). [معاني القرآن: 2/80]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ردما} يقال: ردم ثوبه يردمه؛ إذا ركبته الرقاع بعضها فوق بعض؛ ويقال: ردم الحمار يردم ردمًا: ضرط؛ ورذم يرذم رذمًا، مثله). [معاني القرآن لقطرب: 879]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الردم}: شبه الحائط). [غريب القرآن وتفسيره: 234]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال ما مكّنّي فيه ربّي خير فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما}
ويجوز.. ما مكنني بنونين، أي الذي مكنني فيه ربّي خير لي مما يجعلون لي من الخراج.
فمن قرأ (مكني) أدغم النون في النون لاجتماع النونين.
ومن قرأ (مكنني) بنونين أظهر النونين لأنهما من كلمتين.
الأولى من فعل والثانية تدخل مع الاسم المضمر.
وقوله: {فأعينوني بقوّة} أي بعمل تعملونه معي لا بمال
{أجعل بينكم وبينهم ردما} والردم في اللغة أكثر من السد، لأنّ الردم ما جعل بعضه على بعض يقال: ثوب مردّم، إذا كان قد رقع رقعة فوق رقعة). [معاني القرآن: 3/311-310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال ما مكني فيه ربي خير} أي خير مما بذلتم لي). [معاني القرآن: 4/293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} والردم في اللغة أكثر من السد لأنه شيء متكاثف بعضه على بعض وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس بين السدين الجبلين أرمينية وأذربيجان). [معاني القرآن: 4/293]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الرَّدْم): السد، الحائط). [العمدة في غريب القرآن: 192]

تفسير قوله تعالى: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أجعل بينكم وبينهم ردمًا {95} آتوني} [الكهف: 95-96] أعطوني.
{زبر الحديد} [الكهف: 96] قطع الحديد.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: قطع الحديد.
{حتّى إذا جعله نارًا} [الكهف: 96] يعني: أحماه بالنّار.
قال: {آتوني} [الكهف: 96] أعطوني.
{أفرغ عليه قطرًا} [الكهف: 96] فيها تقديمٌ.
أعطوني قطرًا أفرغ عليه.
والقطر: النّحاس.
فجعل أساسه الحديد، وجعل ملاطه النّحاس ليلزمه.
تفسير قتادة.
سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوح قال: «انعته لي».
فقال: هو كالبرد المحبّر، طريقةٌ سوداء وطريقةٌ حمراء.
قال: «قد رأيته»). [تفسير القرآن العظيم: 1/204]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {حتّى إذا ساوى بين الصّدفين...}

و(الصّدفين) و(الصّدفين) ساوى وسوّى بينهما واحد.
[قوله: {آتوني أفرغ عليه}]: قرأ حمزة والأعمش (قال أتوني) (مقصورة) فنصبا القطر بها وجعلاها (من جيئوني) و(آتوني) أعطوني. إذا طوّلت الألف كان جيّدا {آتنا غداءنا}:
آتوني قطرا أفرغ عليه. وإذا لم تطوّل الألف أدخلت الياء في المنصوب فقلت ائتنا بغدائنا. وقول حمزة والأعمش صواب جائز من وجهين. يكون مثل قولك: أخذت الخطام وأخذت بالخطام. ويكون على ترك الهمزة الأولى في (آتوني) فإذا أسقطت الأولى همزت الثانية). [معاني القرآن: 2/160-159]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {زبر الحديد} أي قطع الحديد واحدتها زبرة.
{بين الصّدفين} فبعضهم يضمها وبعضهم يفتحها ويحرّك الدال، ومجازهما ما بين الناحيتين من الجبلين، وقال:
قد أخذت ما بين عرض الصّدفين= ناحيتيها وأعالي الرّكنيين
{أفرغ عليه قطراً} أي أصبّ عليه حديداً ذائباً، قال:
حساماً كلون الملح صافٍ حديده= جرازاً من أقطار الحديد المنعّت
جمع قطرٍ، وجعله قوم الرّصاص النّقر). [مجاز القرآن: 1/415-414]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة ابن مسعود وإبراهيم {حتى إذا ساوى بين الصدفين} بالفتح.
الحسن وأبو عمرو {الصدفين} بالضم.
عاصم بن بهدلة {الصدفين} بإسكان الدال.
[معاني القرآن لقطرب: 861]
والصدفان والصدفان سواء، وهما ناحيتا الجبل، وبين الجبلين والناحيتين.
قراءة الأعمش وعاصم {قال ايتوني} موصولة؛ من أتيت في معنى جئت.
أبو جعفر وشيبة ونافع وسائر القراء {قال ءاتوني} من آتيت بمعنى أعطيت). [معاني القرآن لقطرب: 862]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : ([عن محمد بن صالح].
وأما قوله {زبر الحديد} والواحد: زبرة، وهي القطعة من الحديد؛ ومن الرجال جماعة أيضًا.
والزبرة أيضًا: وسط الصدر.
وقوله {أفرغ عليه قطرا} فقد فسر في سورة إبراهيم.
وأما أفرغ إفراغًا فهو: الصب؛ و{أفرغ علينا صبرا} من ذلك؛ أي صبه علينا وأنزله، كل سواء). [معاني القرآن لقطرب: 878]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {زبر الحديد}: واحده زبرة وهي القطعة العظيمة.
{بين الصدفين}: جنبي الجبل وقد قرئت الصدفين.
{أفرغ عليه قطرا}: أي نحاسا). [غريب القرآن وتفسيره: 234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {زبر الحديد} قطعه. واحدها: زبرة. والزّبر: القطع.
و(القطر) النّحاس). [تفسير غريب القرآن: 270]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصّدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا }
أي قطع الحديد، وواحد الزبر زبرة، وهى القطعة العظيمة.
وقوله: {حتّى إذا ساوى بين الصّدفين} وتقرأ الصّدفين والصّدفين، وهما ناحيتا الجبل.
وقوله: {قال انفخوا}.
وهو أن أخذ قطع الحديد العظام وجعل بينها الحطب والفحم ووضع عليها المنافيخ حتى إذا صارت كالنار، وهو قوله: (حتّى إذا جعله نارا).
والحديد إذا أحمي بالفحم والمنفاخ صار كالنّار.
وقوله: {آتوني أفرغ عليه قطرا} المعنى: أعطوني قطرا وهو النحاس.
فصب النحاس المذاب على الحديد الذي قد صار كالزيت فاختلط ولصق بعضه ببعض حتى صار جبلا صلدا من حديد ونحاس.
ويقال إنه بناحية أرمينية). [معاني القرآن: 3/312-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {آتوني زبر الحديد الزبر} القطع الكبار من الحديد). [معاني القرآن: 4/294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {حتى إذا ساوى بين الصدفين} روى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الجبلين). [معاني القرآن: 4/294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال انفخوا حتى إذا جعله نارا}
قيل جعل قطع الحديد وجعل بينهما الحطب والفحم وأوقد عليها والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار فذلك قوله: {حتى إذا جعله نارا}
ثم أذاب الصفر فأفرغه عليه فذلك قوله تعالى: {قال آتوني أفرغ عليه قطرا} أي أعطوني قطرا أفرغ عليه ومن قرأ ائتوني فالمعنى عنده تعالوا أفرغ عليه نحاسا). [معاني القرآن: 4/294-295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {زبر الحديد} أي: قطع الحديد، واحدها: زبرة). [ياقوتة الصراط: 329]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بين الصدفين} يعني جانبي الجبل). [ياقوتة الصراط: 330]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :{سآوي} وسوى: بمعنى واحد). [ياقوتة الصراط: 330]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {عليه قطرا} قال القطر: النحاس). [ياقوتة الصراط: 330]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زُبَرَ الحديد}: قطع.
{الصَّدَفيْن}: جانبا الجبل.
{قِطْراً}: نحاسا). [العمدة في غريب القرآن: 193-192]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فما اسطاعوا أن يظهروه} [الكهف: 97] من فوقه أو يظهروا عليه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/204]
{وما استطاعوا له نقبًا} [الكهف: 97] من أسفله، وهذا تفسير قتادة.
وقال السّدّيّ: {أن يظهروه} [الكهف: 97] يعني: يرتقوه فيعلوه.
- سعيدٌ عن قتادة عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ يأجوج ومأجوج يخرقونه كلّ يومٍ حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس، قال الّذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا.
فيعيده اللّه كأشدّ ما كان.
حتّى إذا بلغت مدّتهم وأراد اللّه أن يبعثهم على النّاس حفروا، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس، قال الّذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء اللّه غدًا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيخرقونه، فيخرجون على النّاس فينشفون المياه ويتحصّن النّاس منهم في حصونهم، فيرمون سهامهم إلى السّماء فترجع كهيئة الدّماء فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء،
فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم فيقتلهم بها.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إنّ دوابّ الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرًا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {فما استطاعوا أن يظهروه} أي أن يعلوه، ويقال: ظهرت فوق الجبل وفوق البيت، أي علوته). [مجاز القرآن: 1/415]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً}
وقال: {فما اسطاعوا} لأن لغة للعرب تقول "اسطاع" "يسطيع" يريدون به "استطاع" "يستطيع" ولكن حذفوا التاء إذا جامعت الطاء لأن مخرجهما واحد وقال بعضهم "استاع" فحذف الطاء لذلك وقال بعضهم "أسطاع" "يسطيع" فجعلها من القطع كأنها "أطاع" "يطيع" فجعل السين عوضا عن إسكان الياء). [معاني القرآن: 2/80]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ابن مسعود والحسن "فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} يظهران التائين جميعًا.
أبو عمرو وعاصم {فما اسطاعوا أن يظهروه} بغير تاء). [معاني القرآن لقطرب: 862]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {أن يظهروه} يقال: ظهرت البيت ظهورًا؛ وما يظهر على فلان أحد: أي ما يغلبه، وقد ظهر عليه؛ و{فأصبحوا ظاهرين} من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 879]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أن يظهروه}: أي يعلوه). [غريب القرآن وتفسيره: 235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فما اسطاعوا أن يظهروه} أي يعلوه. يقال: ظهر فلان السّطح، أي علاه). [تفسير غريب القرآن: 271]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا}
أي ما قدروا أن يعلو عليه لارتفاعه واملساسه وما استطاعوا أن ينقبوه.
وقوله: {فما اسطاعوا} بغير تاء أصلها استطاعوا بالتاء، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد، فحذفت التاء لاجتماعهما ويخف اللفظ، ومن العرب من يقول: فما استاعوا بغير طاء،
ولا تجوز القراءة بها.
ومنهم من يقول: فما اسطاعوا بقطع الألف، المعنى فما أطاعوا، فزادوا السين.
قال الخليل وسيبويه: زادوهما عوضا من ذهاب حركة الواو، لأن الأصل في أطاع أطوع.
فأمّا من قرأ فما اسطاعوا - بإدغام السين في الطاء - فلاحن مخطئ.
زعم ذلك النحويون، الخليل ويونس وسيبويه، وجميع من قال بقولهم. وحجتهم في ذلك أن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين.
ومن قال: اطرح حركة التاء على السين فأقول: فما اسطاعوا فخطأ أيضا، لأن سين استفعل لم تحرك قط). [معاني القرآن: 3/312]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال جل اسمه {فما اسطاعوا أن يظهروه} أي أن يعلوا عليه لطوله واملاسه
يقال ظهرت على السطح أي علوت عليه
قال كعب فهم يعالجون فيه كل يوم فإذا أمسوا قالوا غدا ننقضه ولا يوفق لهم أن يقولوا إن شاء الله فإذا أذن الله في إخراجهم قالوا إن شاء الله فينقضونه فيخرجون فيشرب أولهم دجله والفرات حتى يمر آخرهم فيقول قد كان هاهنا مرة ماء ويتأذى بهم أهل الأرض ويدعو عليهم عيسى صلى الله عليه وسلم فيهلكون). [معاني القرآن: 4/295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أن يظهروه} أن يعلوا عليه بالتسلق). [ياقوتة الصراط: 330]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {نقبا} أي: ثقبا). [ياقوتة الصراط: 330]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :{اسطاعوا} واستطاعوا واحد، أي: ما قدروا). [ياقوتة الصراط: 331]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أن يظهروه} أي يعلوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 145]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَظْهَرُوهُ}: يعلوه). [العمدة في غريب القرآن: 193]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قال هذا رحمةٌ من ربّي فإذا جاء وعد ربّي} [الكهف: 98] يعني: خروجهم.
{جعله دكّاء} [الكهف: 98] سعيدٌ، عن قتادة قال: يعني الجبلين، أي: يعفر بعضه على بعضٍ.
قال يحيى: يعني السّدّ.
وهي تقرأ على وجهٍ آخر: دكّاء ممدودةً، أي: أرضٌ مستويةٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/205]
{وكان وعد ربّي حقًّا} [الكهف: 98]
- ابن لهيعة، عن عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن سعد بن مسعودٍ، عن رجلين حدّثا أنّ عقبة بن عامرٍ الجهنيّ حدّثهما، قال: كان يومي الّذي كنت أخدم فيه النّبيّ، فخرجت من عنده فإذا أنا برجالٍ من أهل الكتاب معهم مصاحف أو كتبٌ، فقالوا: استأذن لنا على رسول اللّه.
فانصرفت إليه فأخبرته بمكانهم، فقال: " ما لي ولهم يسألونني عمّا لا أدري، إنّما أنا عبدٌ لا أعلم إلا ما علّمني اللّه.
ثمّ قال: أبلغني وضوءًا فأتيته بوضوءٍ، فتوضّأ ثمّ قام إلى المسجد في بيته فركع ركعتين، فما انصرف حتّى بدا لي السّرور في وجهه ثمّ انصرف، فقال: أدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي.
فأدخلتهم، فلمّا وقفوا عليه قال: إن شئتم أخبرتكم بما أردتم أن تسألوني عنه قبل أن تتكلّموا، وإن شئتم سألتم وأخبرتكم.
قالوا: بل أخبرنا بما جئنا له قبل أن نتكلّم.
قال: جئتم تسألوني هكذا عن ذي القرنين، وسوف أخبركم كما تجدونه في كتبكم مكتوبًا.
إنّ أوّل أمره أنّه كان غلامًا من الرّوم وأعطي ملكًا، فسار حتّى أتى أرض مصر فبنى عندها مدينةً يقال لها: الإسكندريّة، فلمّا فرغ من بنيانها، أتاه ملكٌ فعرج به حتّى استقلّه فرفعه ثمّ قال: انظر ما تحتك.
قال: أرى مدينتي وأرى مدائن معها.
ثمّ عرج به فقال: انظر.
فقال: قد اختلطت مدينتي مع المدائن.
ثمّ زاد فقال: انظر.
فقال: أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها.
فقال الملك: إنّما تلك أرضٌ كلّها، وهذا السّواد البحر، وإنّما أراد اللّه أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانًا فيها، فسر في الأرض، فعلّم الجاهل، وثبّت العالم.
فسار حتّى بلغ مغرب الشّمس، ثمّ سار حتّى بلغ مطلع الشّمس، ثمّ أتى السّدّين وهما جبلان ليّنان يزلق عنهما كلّ شيءٍ، فبنى السّدّ فوجد يأجوج ومأجوج يقاتلون قومًا، وجوههم كوجوه الكلاب، ثمّ قطعهم فوجد أمّةً قصارًا يقاتلون الّذين وجوههم كوجوه الكلاب، ثمّ مضى فوجد أمّةً من الغرانيق يقاتلون القوم القصار، ثمّ مضى فوجد أمّةً من الحيّات تلتقم الحيّة منها الصّخرة
العظيمة، ثمّ أفضى إلى البحر المدير بالأرض.
فقالوا: نحن نشهد أنّ أمره كان هكذا وإنّا نجده في كتابنا هكذا ".
[تفسير القرآن العظيم: 1/206]
- عاصم بن حكيمٍ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ من بعد يأجوج ومأجوج لثلاث أممٍ لا يعلم عدّتهم إلا اللّه هاويل وتارس ومنسك.
- سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن أبي الطّفيل أنّ عليًّا سئل عن ذي القرنين، فقال: لم يكن ملكًا ولا نبيًّا، ولكنّه كان عبدًا صالحًا ناصح اللّه فنصحه، دعا قومه إلى الإيمان فلم يجيبوه، فضربوه على قرنه فقتلوه.
فأحياه اللّه، ثمّ دعا قومه أيضًا فضربوه على قرنه فقتلوه.
فأحياه اللّه فسمّي ذا القرنين.
- الحسن بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عروة، عن ابن مسعودٍ الثّقفيّ قال: حدّثني ابن أخي أو ابن عمّي قال: قلت لعبد اللّه بن عمرٍو: يأجوج ومأجوج الأذرع هم أم الأشبار؟ قال: يابن أخي ما أجد من ولد آدم بأعظم منهم ولا أطول، ولا يموت الميّت منهم حتّى يولد له ألفٌ فصاعدًا.
قال: فقلت ما طعامهم؟ قال: هم في ماءٍ ما شربوا، وفي شجرٍ ما هضموا، وفي نساءٍ ما نكحوا.
يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه قال: بلغني أنّ هؤلاء التّرك ممّا سقط من دون الرّوم من ولد يأجوج ومأجوج.
- صاحبٌ له، عن سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الزّعراء، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: يخرج يأجوج ومأجوج يموجون في الأرض فيفسدون فيها ثمّ قرأ عبد اللّه: {وهم من كلّ حدبٍ ينسلون} [الأنبياء: 96].
ثمّ يبعث اللّه عليهم دابّةً مثل النّغف فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها.
قال: فتنتن الأرض منهم فتجأر إلى اللّه فيرسل اللّه ماءً فيطهّر الأرض منهم.
أبو أميّة، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي الضّيف، عن كعبٍ قال: إنّ يأجوج ومأجوج ينقّرون كلّ يومٍ بمناقيرهم في السّدّ فيشرعون فيه فإذا أمسوا قالوا: نرجع غدًا فنفرغ منه، فيصبحون وقد عاد كما كان، فإذا أراد اللّه خروجهم قذف على ألسن بعضهم الاستثناء فقال: نرجع غدًا إن شاء اللّه فنفرغ منه، فيصبحون
[تفسير القرآن العظيم: 1/207]
وهو كما تركوه، فينقّبونه ويخرجون على النّاس، فلا يأتون على شيءٍ
إلا أفسدوه.
فيمرّ أوّلهم على البحيرة فيشربون ماءها، ويمرّ أوسطهم فيلحسون طينها، ويمرّ آخرهم فيقول: قد كان هاهنا مرّةً ماءٌ، فيقهرون النّاس ويفرّ النّاس منهم في البرّيّة والجبال فيقولون: قد قهرنا أهل الأرض فهلمّوا إلى أهل السّماء.
فيرمون نبالهم إلى السّماء فترجع تقطر دمًا فيقولون: قد فرغنا من أهل الأرض وأهل السّماء، فيبعث اللّه عليهم أضعف خلقه: النّغف، دودةً تأخذهم في رقابهم فتقتلهم حتّى تنتن الأرض من جيفهم، ويرسل اللّه الطّير فتنقل جيفهم إلى البحر.
ثمّ يرسل اللّه السّماء فيطهّر الأرض، وتخرج الأرض زهرتها وبركتها ويتراجع النّاس حتّى إنّ الرّمّانة لتشبع السّكن.
قيل: وما السّكن؟ قال: أهل البيت.
وتكون سلوةً من عيشٍ.
فبينما النّاس كذلك إذ جاءهم خبرٌ أنّ ذا السّويقتين صاحب الجيش قد غزا البيت.
فيبعث اللّه جيشًا فلا يصلون إليهم ولا يرجعون إلى أصحابهم حتّى يبعث اللّه ريحًا طيّبةً يمانيّةً من تحت العرش.
فتكفت روح كلّ مؤمنٍ، ثمّ لا أجد مثل السّاعة إلا كرجلٍ أنتج مهرًا له فهو ينتظر متى يركبه.
فمن تكلّف من أمر السّاعة ما وراء هذا فهو متكلّفٌ.
عاصم بن حكيمٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن عطاء بن يزيد عن بعض من أدرك، أنّ عيسى ابن مريم يقتل الدّجّال بباب لدٍّ أو عندها، فبينما النّاس كذلك إذ أوحى اللّه إلى عيسى أنّي قد أخرجت عبادًا لي لا يدين لأحدٍ بقتالهم فاحرز عبادي إلى الطّور.
ويبعث اللّه يأجوج ومأجوج وهم كما قصّ: {وهم من كلّ حدبٍ ينسلون} [الأنبياء: 96].
فيمرّ أوّلهم على بحيرة طبريّة فيشربون ما فيها ويمرّ آخرهم فيقولون: قد كان بهذه ماءٌ مرّةً، ويسيرون حتّى ينتهوا إلى جبل الخمر لا يعدونه فيقول بعضهم لبعضٍ: قد قتلنا من في الأرض إلا من دان لنا، فهلمّوا فلنقتل من في السّماء.
فيرمون بنشابهم نحو السّماء فيردّها اللّه مخضوبةً دماءً، ويحصرون نبيّ اللّه عيسى وأصحابه.
فبينما هم كذلك إذ رغبوا
[تفسير القرآن العظيم: 1/208]
إلى اللّه، فأرسل عليهم النّغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفسٍ واحدةٍ.
ويهبط نبيّ اللّه وأصحابه فلا يجدون في الأرض موضع شبرٍ إلا ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم.
فيرغب عيسى ومن معه إلى اللّه، فيرسل عليهم طيرًا كأعناق البخت فتلقيهم في المهيل.
قلت: يا أبا زيدٍ وأين المهيل؟ قال: مطلع الشّمس.
- سعيدٌ عن قتادة أنّ أبا سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليحجّنّ البيت وليعمرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج»). [تفسير القرآن العظيم: 1/209]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {جعله دكّاء...}

... حدثني قيس بن الربيع عن سعيد بن مسروق عن الشّعبيّ عن الربيع بن خيثم الثوريّ أن رجلا قرأ عليه (دكّاً) فقال (دكّاء) فخّمها. ... يعني: أطلها). [معاني القرآن: 2/160]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {جعله دكّاء} أي تركه مدكوكاً أي ألزقه بالأرض، ويقال: ناقة دكّاء أي لا سنام لها مستوية الظهر، قال الأغلب:
هل غير غارٍ دكّ غاراً فانهدم والعرب تصف الفاعل والمفعول بمصدرهما فمن ذلك (جعله دكّاً) أي مدكوكاً). [مجاز القرآن: 1/416-415]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال هذا رحمةٌ مّن رّبّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقّاً}
وقال: {هذا رحمةٌ مّن رّبّي} أي: هذا الرّدم رحمة من ربي). [معاني القرآن: 2/80]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن والأعرج وشيبة ونافع وأبو جعفر وأبو عمرو {جعله دكا} منون.
الربيع بن خثيم وعاصم والأعمش {جعله دكاء} على فعلاء، وقد فسرنا ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 862]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {هذا رحمة من ربي} فإنه جعل ذلك المذكر رحمة، كقولك: هذا المطر رحمة؛ وهذا الرسول رحمة؛ فتوقع الرحمة على كل شيء؛ وليس مثل قوله {إن رحمت الله قريب من المحسنين} لأنه أوقع المذكر على المؤنث؛ وقد فسرنا ذلك في سورة الأعراف.
وإن شئت قلت: كأنه قال إن رحمة الله ثواب قريب من المحسنين؛ أو فتح قريب؛ والأول كأنه أسهل). [معاني القرآن لقطرب: 886]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جعله دكا}: ملزقا بالأرض. يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها). [غريب القرآن وتفسيره: 235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جعله دكّاء} أي ألصقه بالأرض. يقال: ناقة دكاء: إذا لم يكن لها سنام). [تفسير غريب القرآن: 271]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقّا}
أي هذا التمكين الذي أدركت به السّدّ رحمة من ربي.
{فإذا جاء وعد ربّي جعله [دكّا] وكان وعد ربّي حقّا}.
وتقرأ (دكاء)، على فعلاء - يا هذا - والذكاء والذكاء، كل ما انسبط من الأرض من مرتفع.
يعنى أنه إذا كان يوم القيامة، أو في وقت خروج يأجوج ومأجوج صار هذا الجبل دكّا.
والدليل على أن هذا الجبل يصير دكّا قوله:{وحملت الأرض والجبال فدكّتا دكّة واحدة } ). [معاني القرآن: 3/312]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال هذا رحمة من ربي} أي هذا التمكين رحمة من ربي ثم قال تعالى: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} أي لاصقا بالأرض يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها). [معاني القرآن: 4/296]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {دكاء} أي: ملتصقا بالأرض، أي: متهدما متهشما، ودكا: مثله). [ياقوتة الصراط: 331]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دَكّاءَ}: ملصقاً بالأرض). [العمدة في غريب القرآن: 193]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:54 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) }

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) }

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

أصد نشاص ذي القرنين حتى = تولى عارض الملك الهمام
...
وذو القرنين: المنذر الأكبر، سمي ذا القرنين بضفيرتين كانتا له). [شرح ديوان امرئ القيس: 563] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) }

تفسير قوله تعالى: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والقطر النحاس والقطر ضرب من البرود يقال لها القطرية). [إصلاح المنطق: 26]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والقطر ضرب من البرود والقطر النحاس). [إصلاح المنطق: 34]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والصَّدْف مصدر صدف عنه يصدف إذا عدل عنه والصَّدَف ميل في الحافر إلى الشق الوحشي والصَّدَف جمع صدفة والصَدَف جانب الجبل قال الله عزت أسماؤه: {حتى إذا ساوى بين الصدفين} ). [إصلاح المنطق: 65]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال: من قرأ: {آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}: أراد آتوني قطرًا أفرغ عليه. ومن قصر قال الفراء: إنما أراد هذا المعنى، ولكنه ترك الهمز، وإذا ابتدأ قال ائتوني بلا مد على ترك الهمز. ومن هذه اللغة يقولون آئدم موضع آدم، بطرح الألف الأولى. وحمزة جعل الممدود والمقصور واحدًا). [مجالس ثعلب: 164]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وروى أحمد صدي أشي، قال الواحد صُد ويقال الصُدُدان ما اكتنفك عن يمين الجبل وشماله قال وهما الصُدُفان والصَدَفان والصُدَفان ويقرأ (بين الصُّدُفَين) والصَّدَفَين والصُدَفَين وروى غير أبي عكرمة صددي وهو ثعلب وغيره). [شرح المفضليات: 125]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب المؤنث الذي يقع على المؤنث والمذكر وأصله التأنيث
فإذا جئت بالأسماء التي تبين بها العدة أجريت الباب على التأنيث في التثليث إلى تسع عشرة وذلك قولك له ثلاث شياهٍ ذكورٌ وله ثلاثٌ من الشاء فأجريت ذلك على الأصل لأن الشاء أصله التأنيث وإن
وقعت على المذكر كما أنك تقول هذه غنمٌ ذكورٌ فالغنم مؤنثة وقد تقع على المذكر.
وقال الخليل: قولك: هذا شاةٌ بمنزلة قوله تعالى: {هذا رحمة من ربي} ). [الكتاب: 3/561-562]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 12:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 12:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 12:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما}
قرأت فرقة: "اتبع" بشد التاء، وقرأت فرقة بتخفيفها، وقد تقدم. وهذا يقتضي أنه لما بلغ مطلع الشمس أتبع بعد ذلك سببا، أي: طريقا آخر، فهو -والله أعلم- إما يمنة وإما يسرة من مطلع الشمس). [المحرر الوجيز: 5/658]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"السدان" فيما ذكر أهل التفسير-: جبلان سدا مسالك تلك الناحية من الأرض، وبين طريقي الجبلين فتح هو موضع الروم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الجبلان اللذان بينهما السد أرمينية وأذربيجان. وقالت فرقة: هما من وراء بلاد الترك، ذكره المهدوي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله غير متحقق، وإنما هما في طرف الأرض مما يلي المشرق، ويظهر من ألفاظ التواريخ أنهما إلى ناحية الشمال، وأما تعيين موضع فضعيف.
وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر: "السدين" بضم السين، وكذلك "سدا" حيث وقع، وقرأ حفص عن عاصم بفتح ذلك كله من جميع القراءات، وهي قراءة مجاهد، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، وقرأ ابن كثير: "السدين" بفتح السين، وضم "سدا" في (يس).
[المحرر الوجيز: 5/658]
واختلف بعد فقال الخليل وسيبويه: الضم هو الاسم، والفتح المصدر، وقال الكسائي: الضم والفتح لغتان بمعنى واحد، وقال عكرمة، وأبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيدة: ما كان من خلقة الله تعالى لم يشارك فيه أحد بعمل فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويلزم أهل هذه المقالة أن نقرأ: "بين السدين" بالضم، وبعد ذلك "سدا" بالفتح، وهي قراءة حمزة، والكسائي. وحكى أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة، وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو "سد" بضم السين، وما لا يرى فيه "سد" بالفتح. والضمير في "دونهما" عائد على الجبلين، أي: وجدهم في الناحية التي تأتي إلى المغرب. واختلف في "القوم"، فقيل: هم بشر، وقيل: جن، والأول أصح من وجوه. وقوله: {لا يكادون يفقهون قولا} عبارة عن بعد لسانهم عن ألسنة الناس، لكنهم فقهوا أو فهموا بالترجمة ونحوها. وقرأ حمزة، والكسائي: "يفقهون" من أفقه، وقرأ الباقون: "يفقهون" من فقه). [المحرر الوجيز: 5/659]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "قالوا" للقوم الذين من دون السدين، ويأجوج ومأجوج قبيلتان من بني آدم، لكنهم ينقسمون أنواعا كثيرة اختلف في عددها، فاختصرت ذكره لعدم الصحة، وفي خلقهم تشويه، منهم المفرط الطول، ومنهم المفرط القصر على قدر الشبر وأقل وأكثر، ومنهم صنف عظيم الآذان، الأذن الواحدة وبرة والأخرى زعراء، يصيف بالواحدة ويشتو في الأخرى وهي تعمه. واختلف القراء -فقرأ عاصم وحده: "يأجوج ومأجوج" بالهمز، وقرأ الباقون بغير همز، فأما من همز فاختلف فيه فقالت فرقة: هو أعجمي، علته في منع الصرف التعريف والتأنيث، وأما من لم يهمز فإما أن يراهما اسمين أعجميين، وإما أن يسهل من الهمز، وقرأ رؤبة بن العجاج: "آجوج ومأجوج" بهمزة بدل الياء.
واختلف الناس في إفسادهم الذي وصفوهم به -فقال سعيد بن عبد العزيز: إفسادهم أكل بني آدم، وقالت فرقة: إفسادهم إنما عندهم متوقعا، أي: سيفسدون فطلبوا وجه التحرز منهم، وقالت فرقة: إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر، وهذا أظهر الأقوال؛ لأن الطائفة الشاكية إنما
[المحرر الوجيز: 5/659]
شكت من ضر قد نالهم. وقولهم فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب.
و "الخرج": المجبى، وهو الخراج، وقال قوم: "الخرج": المال يخرج مرة، و"الخراج": المجبى المتكرر، فعرضوا عليه أن يجمعوا له أموالا يقيم بها أمر السد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "خرجا" أجرا. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: "خرجا"، وقرأ حمزة، والكسائي: "خراجا"، وهي قراءة طلحة بن مصرف، والأعمش، والحسن -بخلاف عنه-، وروي في أمر يأجوج ومأجوج أن أرزاقهم هي من التنين يرزقونها ويمطرونها، ونحو هذا مما لم يصح، وروي أيضا أن الذكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف ولد، والأنثى لا تموت حتى يخرج من بطنها ألف، فهم لذلك إذا بلغوا العدد ماتوا، وروي أيضا أنهم يتناكحون في الطرق كالبهائم، وأخبارهم تضيق بها الصحف فاختصرتها لضعف صحتها). [المحرر الوجيز: 5/660]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما}، المعنى: قال لهم ذو القرنين: ما بسط الله لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم، ولكن أعينوني بقوة الأبدان، وبعمل منكم بالأيدي. وقرأ ابن كثير وحده: "ما مكنني" بنونين، وقرأ الباقون "ما مكني" بإدغام النون الأولى في الثانية. وهذا: من تأييد الله تعالى لذي القرنين، فإنه تهدى في هذه المحاورة إلى الأنفع والأنزه، فإنهم لو جمعوا له خرجا ومالا لم يعنه منهم أحد ولوكلوه إلى البنيان، ومعونتهم بالقوة أجمل به، وأمر يطاول مدة العمل، وربما أربى على الخرج.
و "الردم" أبلغ من "السد"؛ إذ السد كل ما يسد به، والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع، ومنه: ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاتفة بعضها فوق بعض، ومنه قول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم؟
أي: من قول يركب بعضه على بعض). [المحرر الوجيز: 5/660]

تفسير قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا}
قرأ عاصم، وحمزة: "إيتوني" بمعنى: جيئوني، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: "آتوني" بمعنى: أعطوني، وهذا كله متقارب، إنما هو استدعاء إلى المناولة لا استدعاء العطية والهبة؛ لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخرج، فلم يبق إلا استدعاء المناولة وأعمال القوة، و"إيتوني" أشبه بقوله: {فأعينوني بقوة}، ونصب "الزبر" على نحو قول الشاعر:
أمرتك الخير.
حذف الجار فنصب الفعل. وقرأ الجمهور: "زبر" بفتح الباء، وقرأ الحسن بضمها، وكل ذلك جمع "زبرة"، وهي القطعة العظيمة منه. والمعنى: فرصفه وبناه حتى إذا ساوى بين الصدفين، فاختصر ذلك لدلالة الظاهر عليه. وقرأ الجمهور: "ساوى"، وقرأ قتادة: "سوى"، و"الصدفان": الجبلان المتناوحان، ولا يقال للواحد: صدف، وإنما يقال "صدفان" لاثنين أحدهما يصادف الآخر. وقرأ نافع، وحمزة،
[المحرر الوجيز: 5/661]
والكسائي: "الصدفين" بفتح الصاد وشدها، وهي قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو: "الصدفين" بضم الصاد والدال، وهي قراءة مجاهد، والحسن، وقرأ عاصم -في رواية أبي بكر -: "الصدفين" بضم الصاد وسكون الدال، وقرأ قتادة: "بين الصدفين" بفتح الصاد وسكون الدال. وكل ذلك بمعنى واحد، هما الجانبان المتناوحان، وقيل: "الصدفان": السطحان الأعليان من الجبلين، وهذا نحو من الأول.
وقوله: {قال انفخوا} الآية، معناه أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة، ثم يوقد عليها حتى تحمى، ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو الرصاص أو بالحديد -بحسب الخلاف في "القطر"- فيفرغه على تلك الطاقة المنضدة، فإذا التأم واشتد استأنف رصف طاقة أخرى إلى أن استوى العمل، وقرأ بعض الصحابة: "بقطر أفرغ عليه".
وقال أكثر المفسرين: "القطر": النحاس المذاب، ويؤيد هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: كيف رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر، طريقة صفراء، وطريقة حمراء، وطريقة سوداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأيته، وقالت فرقة: "القطر": الرصاص المذاب، وقالت فرقة" القطر": الحديد الذائب. وهو مشتق من قطر يقطر). [المحرر الوجيز: 5/662]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: " فما استطاعوا" ليأجوج ومأجوج. وقرأت فرقة: "فما اسطاعوا" بسكون السين وتخفيف الطاء، وقرأت فرقة بشد الطاء، وفيها تكلف للجمع بين الساكنين. و"يظهروه" معناه: يعلوه بصعود فيه، ومنه قوله في الموطإ: "والشمس في حجرتها قبل أن تظهر". وما استطاعوا له نقبا لبعد عرضه وقوته، ولا سبيل
[المحرر الوجيز: 5/662]
سوى هذين، إما ارتقاء وإما نقب. وروي أن في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ وعرضه خمسون فرسخا، وروي غير هذا مما لا ثبوت له إذ لا غاية للتخرص، وقوله في هذه الآية: "انفخوا" أي بالأكوار. وقوله: "اسطاعوا" بتخفيف الطاء على قراءة الجمهور، قيل: هي لغة بمعنى: استطاعوا، وقيل: استطاعوا بعينه كثر في كلام العرب حتى حذف بعضهم منه التاء فقال: اسطاع، وحذف بعضهم الطاء فقال: استاع يستيع، بمعنى استطاع يستطيع، وهي لغة مشهورة. وقرأ حمزة وحده: "فما اسطاعوا" بتشديد الطاء، وهي قراءة ضعيفة الوجه. قال أبو علي: هي غير جائزة، وقرأ الأعمش: "فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا" بالتاء في الموضعين). [المحرر الوجيز: 5/663]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قال هذا رحمة من ربي} الآية. القائل هو ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به، وقرأ ابن أبي عبلة: "هذه رحمة". و"الوعد" يحتمل أن يريد به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد به وقت خروج يأجوج ومأجوج. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عمر: "دكا" مصدر دك يدك إذا هدم ورض، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "دكاء" بالمد، وهذا على التشبيه بالناقة الدكاء، هي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره: جعله مثل دكاء، وأما النصب في "دكا" فيحتمل أن يكون مفعولا ثانيا بـ "جعل"، ويحتمل أن يكون "جعل" بمعنى خلق وينصب "دكا" على الحال، وكذلك أيضا النصب في قراءة من مد يحتمل الوجهين). [المحرر الوجيز: 5/663]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 07:15 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 07:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ أتبع سببًا (92) حتّى إذا بلغ بين السّدّين وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولا (93) قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا (94) قال ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينوني بقوّةٍ أجعل بينكم وبينهم ردمًا (95) آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصّدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارًا قال آتوني أفرغ عليه قطرًا (96)}
يقول تعالى مخبرًا عن ذي القرنين: {ثمّ أتبع سببًا} أي: ثمّ سلك طريقًا من مشارق الأرض). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 195]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({حتّى إذا بلغ بين السّدّين} وهما جبلان متناوحان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد التّرك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويهلكون الحرث والنّسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم، عليه السّلام، كما ثبت في الصّحيحين: "إنّ اللّه تعالى يقول: يا آدم. فيقول: لبّيك وسعديك. فيقول: ابعث بعث النّار. فيقول: وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار، وواحدٌ إلى الجنّة؟ فحينئذٍ يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، فيقال: إنّ فيكم أمّتين، ما كانتا في شيءٍ إلّا كثّرتاه: يأجوج ومأجوج".
وقد حكى النّوويّ، رحمه اللّه، في شرح "مسلمٍ" عن بعض النّاس: أنّ يأجوج ومأجوج خلقوا من منيٍّ خرج من آدم فاختلط بالتّراب، فخلقوا من ذلك فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم، وليسوا من حوّاء. وهذا قولٌ غريبٌ جدًّا، [ثمّ] لا دليل عليه لا من عقلٍ ولا [من] نقلٍ، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب، لما عندهم من الأحاديث المفتعلة، واللّه أعلم.
وفي مسند الإمام أحمد، عن سمرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "ولد نوحٌ ثلاثةً: سامٌ أبو العرب، وحامٌ أبو السّودان، ويافث أبو التّرك". قال بعض العلماء: هؤلاء من نسل يافث أبي التّرك، قال: [إنّما سمّوا هؤلاء تركًا؛ لأنّهم تركوا من وراء السّدّ من هذه الجهة، وإلّا فهم أقرباء أولئك، ولكن كان في أولئك بغيٌ وفسادٌ وجراءةٌ. وقد ذكر ابن جريرٍ هاهنا عن وهب بن منبّهٍ أثرًا طويلًا عجيبًا في سير ذي القرنين، وبنائه السّدّ، وكيفيّة ما جرى له، وفيه طولٌ وغرابةٌ ونكارةٌ في أشكالهم وصفاتهم، [وطولهم] وقصر بعضهم، وآذانهم. وروى ابن أبي حاتمٍ أحاديث غريبةً في ذلك لا تصحّ أسانيدها، واللّه أعلم.
وقوله: {وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولا} [أي]: لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 195-196]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا} قال ابن جريجٍ عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: أجرًا عظيمًا، يعني أنّهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالًا يعطونه إيّاه، حتّى يجعل بينهم وبينهم سدًا).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 196]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فقال ذو القرنين بعفّةٍ وديانةٍ وصلاحٍ وقصدٍ للخير: {ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ} أي: إنّ الّذي أعطاني اللّه من الملك والتّمكين خيرٌ لي من الّذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السّلام: {أتمدّونن بمالٍ فما آتاني اللّه خيرٌ ممّا آتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون} [النّمل: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الّذي أنا فيه خيرٌ من الّذي تبذلونه، ولكن ساعدوني {بقوّةٍ} أي: بعملكم وآلات البناء، {أجعل بينكم وبينهم ردمًا}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 196]

تفسير قوله تعالى: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({آتوني زبر الحديد} والزّبر: جمع زبرة، وهي القطعة منه، قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة. وهي كاللّبنة، يقال: كلّ لبنةٍ [زنة] قنطارٍ بالدّمشقيّ، أو تزيد عليه.
{حتّى إذا ساوى بين الصّدفين} أي: وضع بعضه على بعضٍ من الأساس حتّى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولًا وعرضًا. واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوالٍ. {قال انفخوا} أي: أجّج عليه النّار حتّى صار كلّه نارًا، {قال آتوني أفرغ عليه قطرًا} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، والضّحّاك، وقتادة، والسّدي: هو النّحاس. وزاد بعضهم: المذاب. ويستشهد بقوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر} [سبإٍ: 12] ولهذا يشبّه بالبرد المحبّر.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج، قال: "انعته لي" قال: كالبرد المحبّر، طريقةٌ سوداء. وطريقةٌ حمراء. قال: "قد رأيته". هذا حديثٌ مرسلٌ.
وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض أمرائه، ووجّه معه جيشًا سرّيّةً، لينظروا إلى السّدّ ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا. فتوصّلوا من بلادٍ إلى بلادٍ، ومن ملك إلى ملك، حتّى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النّحاس، وذكروا أنّهم رأوا فيه بابًا عظيمًا، وعليه أقفالٌ عظيمةٌ، ورأوا بقيّة اللّبن والعمل في برجٍ هناك. وأنّ عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له، وأنّه منيفٌ عالٍ، شاهقٌ، لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال. ثمّ رجعوا إلى بلادهم، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين،وشاهدوا أهوالًا وعجائب). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 196-197]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال اللّه تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا (97) قال هذا رحمةٌ من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقًّا (98) وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ ونفخ في الصّور فجمعناهم جمعًا (99)}.
يقول تعالى مخبرًا عن يأجوج ومأجوج أنّهم ما قدروا على أنّ يصعدوا فوق هذا السّدّ ولا قدروا على نقبه من أسفله. ولمّا كان الظّهور عليه أسهل من نقبه قابل كلًّا بما يناسبه فقال: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا} وهذا دليلٌ على أنّهم لم يقدروا على نقبه، ولا على شيءٍ منه.
فأمّا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد:
حدّثنا روحٌ، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدّثنا أبو رافعٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ يأجوج ومأجوج ليحفرون السّدّ كلّ يومٍ، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه كأشدّ ما كان، حتّى إذا بلّغت مدّتهم وأراد اللّه أن يبعثهم على النّاس [حفروا حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس] قال الّذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء اللّه. ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على النّاس، فينشّفون المياه، ويتحصّن النّاس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السّماء، [فترجع وعليها هيئة الدّم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء]. فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم، فيقتلهم بها. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده، إنّ دوابّ الأرض لتسمن، وتشكر شكرًا من لحومهم ودمائهم".
ورواه أحمد أيضًا عن حسنٍ -هو ابن موسى الأشيب-عن سفيان، عن قتادة، به. وكذا رواه ابن ماجه، عن أزهر بن مروان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: حدّث رافعٌ. وأخرجه التّرمذيّ، من حديث أبي عوانة، عن قتادة. ثمّ قال: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه.
وهذا إسناده قويٌّ، ولكن في رفعه نكارةٌ؛ لأنّ ظاهر الآية يقتضي أنّهم لم يتمكّنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدّته. ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار: أنّهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتّى لا يبقى منه إلّا القليل، فيقولون: غدًا نفتحه. فيأتون من الغد وقد عاد كما كان، فيلحسونه حتّى لا يبقى منه إلّا القليل، فيقولون كذلك، ويصبحون وهو كما كان، فيلحسونه ويقولون: غدًا نفتحه. ويلهمون أن يقولوا: "إن شاء اللّه"، فيصبحون وهو كما فارقوه، فيفتحونه. وهذا متّجه، ولعلّ أبا هريرة تلقّاه من كعبٍ. فإنّه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدّثه، فحدّث به أبو هريرة، فتوهّم بعض الرّواة عنه أنّه مرفوعٌ، فرفعه، واللّه أعلم.
ويؤكّد ما قلناه -من أنّهم لم يتمكّنوا من نقبه ولا نقب شيءٍ منه، ومن نكارة هذا المرفوع-قول الإمام أحمد:
حدّثنا سفيان، عن الزّهريّ، عن عروة، عن [زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمّها أمّ حبيبة، عن] زينب بنت جحشٍ زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -قال سفيان: أربع نسوةٍ-قالت: استيقظ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من نومه. وهو محمرٌّ وجهه، وهو يقول: "لا إله إلّا اللّه! ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا". وحلّق. قلت: يا رسول اللّه، أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
هذا حديثٌ صحيحٌ، اتّفق البخاريّ ومسلمٌ على إخراجه، من حديث الزّهريّ، ولكن سقط في رواية البخاريّ ذكر حبيبة، وأثبتها مسلمٌ. وفيه أشياء عزيزةٌ نادرةٌ قليلة الوقوع في صناعة الإسناد، منها رواية الزّهريّ عن عروة، وهما تابعيّان ومنها اجتماع أربع نسوةٍ في سنده، كلّهنّ يروي بعضّهنّ عن بعضٍ. ثمّ كلٌّ منهنّ صحابيّةٌ، ثمّ ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان، رضي اللّه عنهنّ.
وقد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضًا، فقال البزّار: حدّثنا محمّد بن مرزوقٍ، حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، حدّثنا وهيبٌ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا" وعقد التّسعين. وأخرجه البخاريّ ومسلم من حديث وهيب، به).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 197-198]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قال هذا رحمةٌ من ربّي} أي: لـمّا بناه ذو القرنين {قال هذا رحمةٌ من ربّي} أي: بالنّاس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلًا يمنعهم من العيث في الأرض والفساد. {فإذا جاء وعد ربّي} أي: إذا اقترب الوعد الحقّ {جعله دكّاء} أي: ساواه بالأرض. تقول العرب: ناقةٌ دكّاء: إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها. وقال تعالى: {فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكًّا} [الأعراف: 143] أي: مساويًا للأرض.
وقال عكرمة في قوله: {فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء} قال: طريقًا كما كان.
{وكان وعد ربّي حقًّا} أي: كائنًا لا محالة).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 199]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة