العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنبياء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:54 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير سورة الأنبياء [من الآية(83)إلى الآية(86)]

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:54 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا يونس بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يومًا أيوب النبي وما أصابه من البلاء، وذكر أن البلاء الذي أصابه كان به ثماني عشرة سنة، حتى لم يبق منه إلا عيناه تدوران، ولسانه صحيح يذكر الله تبارك وتعالى به، وفؤاده صحيح، وعقله على حاله الأول، فأما جسده فقد اعترقه البلاء حتى لم يبق منه شيء إلا أوصاله بعضها إلى بعض، عليه عروقه وعصبه، وكما شاء أن يكون من جلده، مع ذهاب الأهل والمال، وكان كذلك ثمانية عشرة سنة، حتى تفرق عنه إخوانه، ومله الناس، وصابره رجلان كانا من أخص إخوانه وأصحابه، فكان يأتيانه بكرة وعشية فيحدثانه، قال: وكانت امرأة أيوب عليه السلام تقوم عليه، وكان إذا خرج إلى حاجته فراث عليها اتبعته فتجده مرارًا كثيرةً ساقطًا فترفعه، تحمله حتى تأتي به إلى منزله، فقال أحد صاحبيه للآخر: أما يعجبك شأن أيوب؟ إنه في هذا البلاء منذ ثمانية عشرة سنة، لا يرحمه الله مما به، إني لأظنه قد أذنب ذنبًا ما عمل أحد مثله قط، فقال له صاحبه: هو عبد الله ونبيه، وهو أعلم به، فلما كان العشي راحا إليه كما كانا يصنعان فيحدثاه وقصرا عنه، ثم أبت نفس الرجل إلا أن يكلمه، فقال: يا نبي الله، لقد أعجبني أمرك وذكرته إلى أخيك وصاحبك، أنه قد ابتلاك بذهاب الأهل والمال، وفي جسدك منذ ثمانية عشرة سنة، حتى بلغت ما ترى، لا يرحمك فيكشف عنك، لقد أذنبت ذنبًا، ما أظن أحدًا بلغه، فقال أيوب صلى الله عليه: ما أدري ما تقولان، غير أن ربي عز وجل يعلم أني قد كنت أمر على الرجلين يتزاعمان، فكل يحلف بالله، أو على النفر يتزاعمون فأنقلب إلى أهلي فأكفر عن أيمانهم إرادة أن لا يأثم أحد ولا يذكره أحد إلا بحق، فنادى ربه: { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [سورة الأنبياء: 83]، وإنما كان دعاؤه عرضًا عرضه على الله تبارك وتعالى، يخبره بالذي بلغه صابرًا لما يكون من الله تبارك وتعالى فيه، فخرج لما كان يخرج إليه من حاجته، فأوحى الله إليه أن: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [سورة ص: 42]، فاغتسل فأعاد الله لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان يكون، وشرب فأذهب الله كل ما كان في جوفه من ألم أو ضعف، فأنزل الله عليه ثوبين من السماء أبيضين، فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، ثم أقبل يمشي إلى منزله، وراث على امرأته، فأقبلت حتى لقيته وهي لا تعرفه، فسلمت عليه، وقالت: أي يرحمك الله، هل رأيت هذا الرجل المبتلى؟ قال: من هو؟ قالت: نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم، أما والله ما رأيت أحدًا قط أشبه به منك إذ كان صحيحًا، قال: فإني أيوب، وأخذ ضغثًا فضربها به.
فزعم ابن شهاب أن ذلك الضغث كان ثمامًا، ورد الله إليه أهله ومثلهم معهم، فأقبلت سحابة حتى سجلت في أندر قمحه ذهبًا حتى امتلأت، وأقبلت سحابة أخرى إلى أندر شعيره وقطانيه فسجلت فيه ورقًا حتى امتلأ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 306-307]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكر أيّوب يا محمّد، إذ نادى ربّه وقد مسّه الضّرّ والبلاء.
وكان الضّرّ الّذي أصابه والبلاء الّذي نزل به، امتحانًا من اللّه له واختبارًا.
وكان سبب ذلك كما؛
- حدّثني محمّد بن سهل بن عسكرٍ البخاريّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم أبو هشامٍ، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهب بن منبّهٍ، يقول: كان بدء أمر أيّوب الصّدّيق صلوات اللّه عليه، أنّه كان صابرًا، نعم العبد قال وهبٌ: إنّ لجبريل بين يدي اللّه مقامًا ليس لأحدٍ من الملائكة في القربة من اللّه، والفضيلة عنده، وإنّ جبريل هو الّذي يتلقّى الكلام، فإذا ذكر اللّه عبدًا بخيرٍ تلقّاه جبرائيل منه، ثمّ تلقّاه ميكائيل، وحوله الملائكة المقرّبون حافّين من حول العرش. وشاع ذلك في الملائكة المقرّبين، صارت الصّلاة على ذلك العبد من أهل السّماوات، فإذا صلّت عليه ملائكة السّماوات، هبطت عليه بالصّلاة إلى ملائكة الأرض. وكان إبليس لا يحجب بشيءٍ من السّماوات، وكان يقف فيهنّ حيثما أراد، ومن هنالك وصل إلى آدم حين أخرجه من الجنّة. فلم يزل على ذلك يصعد في السّماوات، حتّى رفع اللّه عيسى ابن مريم، فحجب من أربعٍ، وكان يصعد في ثلاثٍ. فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، حجب من الثّلاث الباقية، فهو محجوبٌ هو وجميع جنوده من جميع السّماوات إلى يوم القيامة {إلاّ من استرق السّمع فأتبعه شهابٌ مبينٌ}، ولذلك أنكرت الجنّ ما كانت تعرف حين قالت: {وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا}. إلى قوله: {شهابًا رصدًا}.
قال وهبٌ: فلم يرع إبليس إلاّ تجاوب ملائكتها بالصّلاة على أيّوب، وذلك حين ذكره اللّه وأثنى عليه. فلمّا سمع إبليس صلاة الملائكة، أدركه البغي والحسد، وصعد سريعًا حتّى وقف من اللّه مكانًا كان يقفه، فقال: يا إلهي، نظرت في أمر عبدك أيّوب، فوجدته عبدًا أنعمت عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ثمّ لم تجرّبه بشدّةٍ، ولم تجرّبه ببلاءٍ، وأنا لك زعيمٌ، لئن ضربته بالبلاء ليكفرنّ بك، ولينسينّك، وليعبدنّ غيرك
قال اللّه تبارك وتعالى له: انطلق، فقد سلّطتك على ماله، فإنّه الأمر الّذي تزعم أنّه من أجله يشكرني، ليس لك سلطانٌ على جسده ولا على عقله فانقضّ عدوّ اللّه، حتّى وقع على الأرض، ثمّ جمع عفاريت الشّياطين وعظماءهم، وكان لأيّوب البثنيّة من الشّام كلّها، بما فيها من شرقها وغربها، وكان له بها ألف شاةٍ برعاتها، وخمس مائة فدّانٍ يتبعها خمس مائة عبدٍ، لكلّ عبدٍ امرأةٌ، وولدٌ ومالٌ، وحمل آلة كلّ فدّانٍ أتانٌ، لكلّ أتانٍ ولدٌ من اثنين وثلاثةٍ، وأربعةٍ، وخمسةٍ، وفوق ذلك. فلمّا جمع إبليس الشّياطين قال لهم: ماذا عندكم من القوّة والمعرفة؟ فإنّي قد سلّطت على مال أيّوب، فهي المصيبة الفادحة، والفتنة الّتي لا يصبر عليها الرّجال. قال عفريتٌ من الشّياطين: أعطيت من القوّة ما إذا شئت تحوّلت إعصارًا من نارٍ، فأحرقت كلّ شيءٍ آتي عليه. فقال له إبليس: فأت الإبل ورعاتها. فانطلق يؤمّ الإبل، وذلك حين وضعت رءوسها، وثبتت في مراعيها، فلم تشعر النّاس حتّى ثار من تحت الأرض إعصارٌ من نارٍ تنفخ منها أرواح السّموم، لا يدنو منها أحدٌ إلاّ احترق، فلم يزل يحرقها ورعاتها حتّى أتى على آخرها، فلمّا فرغ منها تمثّل إبليس على قعودٍ منها براعيها، ثمّ انطلق يؤمّ أيّوب، حتّى وجده قائمًا يصلّي، فقال: يا أيّوب قال: لبّيك قال: هل تدري ما الّذي صنع ربّك الّذي اخترت، وعبدت، ووحّدت بإبلك ورعاتها؟
قال أيّوب: إنّها ماله أعارنيه، وهو أولى به إذا شاء نزعه، وقديمًا ما وطّنت نفسي ومالي على الفناء. قال إبليس: وإنّ ربّك أرسل عليها نارًا من السّماء فاحترقت ورعاتها، حتّى أتى على آخر شيءٍ منها، ومن رعاتها، فتركت النّاس مبهوتين، وهم وقوفٌ عليها يتعجّبون، منهم من يقول: ما كان أيّوب يعبد شيئًا، وما كان إلاّ في غرورٍ، ومنهم من يقول: لو كان إله أيّوب يقدر على أن يصنع من ذلك شيئًا لمنع وليّه، ومنهم من يقول: بل هو فعل الّذي فعل ليشمت به عدوّه، وليفجع به صديقه. قال أيّوب: الحمد للّه حين أعطاني، وحين نزع منّي، عريانًا خرجت من بطن أمّي، وعريانًا أعود في التّراب، وعريانًا أحشر إلى اللّه، ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك اللّه، وتجزع حين قبض عاريته، اللّه أولى بك وبما أعطاك، ولو علم اللّه فيك أيّها العبد خيرًا لنقل روحك مع ملك الأرواح، فآجري فيك، وصرت شهيدًا، ولكنّه علم منك شرًّا، فأخّرك من أجله، فعرّاك اللّه من المصيبة، وخلّصك من البلاء، كما يخلص الزّوان من القمح الخلاص.
ثمّ رجع إبليس إلى أصحابه خاسئًا ذليلاً، فقال لهم: ماذا عندكم من القوّة، فإنّي لم أكلم قلبه؟ قال عفريتٌ من عظمائهم: عندي من القوّة ما إذا شئت صحت صوتًا لا يسمعه ذو روحٍ إلاّ خرجت مهجة نفسه. قال له إبليس: فأت الغنم ورعاتها فانطلق يؤمّ الغنم ورعاتها، حتّى إذا وسطها صاح صوتًا جثمت أمواتًا من عند آخرها ورعاؤها.
ثمّ خرج إبليس متمثّلاً بقهرمان الرّعاء، حتّى إذا جاء أيّوب وجده وهو قائمٌ يصلّي، فقال له القول الأوّل، وردّ عليه أيّوب الرّدّ الأوّل. ثمّ إنّ إبليس رجع إلى أصحابه، فقال لهم: ماذا عندكم من القوّة، فإنّي لم أكلم قلب أيّوب؟ فقال عفريتٌ من عظمائهم: عندي من القوّة إذا شئت تحوّلت ريحًا عاصفًا تنسف كلّ شيءٍ تأتي عليه حتّى لا أبقي شيئًا. قال له إبليس: فأت الفدّادين والحرث فانطلق يؤمّهم، وذلك حين قرّبوا الفدّادين، وأنشئوا في الحرث، والأتن وأولادها رتوعٌ، فلم يشعروا حتّى هبّت ريحٌ عاصفٌ تنسف كلّ شيءٍ من ذلك حتّى كأنّه لم يكن. ثمّ خرج إبليس متمثّلاً بقهرمان الحرث، حتّى جاء أيّوب وهو قائمٌ يصلّي، فقال له مثل قوله الأوّل، وردّ عليه أيّوب مثل ردّه الأوّل.
فلمّا رأى إبليس أنّه قد أفنى ماله، ولم ينجح منه، صعد سريعًا، حتّى وقف من اللّه الموقف الّذي كان يقفه، فقال: يا إلهي، إنّ أيّوب يرى أنّك ما متّعته بنفسه وولده، فأنت معطيه المال، فهل أنت مسلّطي على ولده؟ فإنّها الفتنة المضلّة، والمصيبة الّتي لا تقوم لها قلوب الرّجال، ولا يقوى عليها صبرهم. فقال اللّه تعالى له: انطلق، فقد سلّطتك على ولده، ولا سلطان لك على قلبه ولا جسده، ولا على عقله فانقضّ عدوّ اللّه جوادًا، حتّى جاء بني أيّوب وهم في قصرهم، فلم يزل يزلزل بهم حتّى تداعى من قواعده، ثمّ جعل يناطح الجدر بعضها ببعضٍ، ويرميهم بالخشب والجندل، حتّى إذا مثّل بهم كلّ مثلةٍ، رفع بهم القصر، حتّى إذا أقلّه بهم، فصاروا فيه منكّسين، انطلق إلى أيّوب متمثّلاً بالمعلّم الّذي كان يعلّمهم الحكمة، وهو جريحٌ، مشدوخ الوجه يسيل دمه، ودماغه متغيّرٌ لا يكاد يعرف من شدّة التّغيّر والمثلة الّتي جاء متمثّلاً فيها.
فلمّا نظر إليه أيّوب هاله وحزن، ودمعت عيناه، وقال له: يا أيّوب، لو رأيت كيف أفلتّ من حيث أفلتّ، والّذي رمانا به من فوقنا ومن تحتنا، ولو رأيت بنيك كيف عذّبوا، وكيف مثّل بهم، وكيف قلبوا فكانوا منكّسين على رءسهم، تسيل دماؤهم، ودماغهم من أنوفهم وأجوافهم، وتقطر من أشفارهم، ولو رأيت كيف شقّت بطونهم، فتناثرت أمعاؤهم، ولو رأيت كيف قذفوا بالخشب، والجندل يشدخ دماغهم، وكيف دقّ الخشب عظامهم، وخرق جلودهم، وقطع عصبهم، ولو رأيت العصب عريانًا، ولو رأيت العظام متهشّمةً في الأجواف، ولو رأيت الوجوه مشدوخةً، ولو رأيت الجدر تناطح عليهم، ولو رأيت ما رأيت، قطّع قلبك فلم يزل يقول هذا ونحوه، ولم يزل يرقّقه حتّى رقّ أيّوب فبكى، وقبض قبضةً من ترابٍ فوضعها على رأسه، فاغتنم إبليس الفرصة منه عند ذلك، فصعد سريعًا بالّذي كان من جزع أيّوب مسرورًا به. ثمّ لم يلبث أيّوب أن فاء وأبصر، فاستغفر، وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبةٍ منه، فبدروا إبليس إلى اللّه، فوجدوه قد علم بالّذي رفع إليه من توبة أيّوب، فوقف إبليس خازيًا ذليلاً، فقال: يا إلهي، إنّما هوّن على أيّوب خطر المال والولد أنّه يرى أنّك ما متّعته بنفسه، فأنت تعيد له المال والولد، فهل أنت مسلّطي على جسده؟ فأنا لك زعيمٌ لئن ابتليته في جسده لينسينّك، وليكفرنّ بك، وليجحدنّك نعمتك قال اللّه: انطلق فقد سلّطتك على جسده، ولكن ليس لك سلطانٌ على لسانه، ولا على قلبه، ولا على عقله.
فانقضّ عدوّ اللّه جوادًا، فوجد أيّوب ساجدًا، فعجل قبل أن يرفع رأسه، فأتاه من قبل الأرض في موضع وجهه، فنفخ في منخره نفخةً اشتعل منها جسده، فترهّل، ونبتت به ثآليل مثل أليات الغنم، ووقعت فيه حكّةٌ لا يملكها، فحكّ بأظفاره حتّى سقطت كلّها، ثمّ حكّ بالعظام، وحكّ بالحجارة الخشنة، وبقطع المسوح الخشنة، فلم يزل يحكّه حتّى نفد لحمه، وتقطّع.
ولمّا نغل جلد أيّوب وتغيّر وأنتن، أخرجه أهل القرية، فجعلوه على تلٍّ، وجعلوا له عريشًا. ورفضه خلق اللّه غير امرأته، فكانت تختلف إليه بما يصلحه ويلزمه. وكان ثلاثةٌ من أصحابه اتّبعوه على دينه، فلمّا رأوا ما ابتلاه اللّه به رفضوه من غير أن يتركوا دينه واتّهموه، يقال لأحدهم: بلدد، وأليفز، وصافرٌ. قال: فانطلق إليه الثّلاثة وهو في بلائه، فبكّتوه، فلمّا سمع منهم أقبل على ربّه، فقال أيّوب صلّى اللّه عليه وسلّم: ربّ لأيّ شيءٍ خلقتني؟ لو كنت إذ كرهتني في الخير تركتني فلم تخلقني يا ليتني كنت حيضةً ألقتني أمّي ويا ليتني متّ في بطنها، فلم أعرف شيئًا ولم تعرفني ما الذّنب الّذي أذنبت لم يذنبه أحدٌ غيري؟ وما العمل الّذي عملت فصرفت وجهك الكريم عنّي؟ لو كنت أمتّني فألحقتني بآبائي، فالموت كان أجمل بي، فأسوةً لي بالسّلاطين الّذين صفّت من دونهم الجيوش، يضربون عنهم بالسّيوف، بخلاً بهم عن الموت، وحرصًا على بقائهم، أصبحوا في القبور جاثمين، حتّى ظنّوا أنّهم سيخلّدون. وأسوةً لي بالملوك الّذين كنزوا الكنوز، وطمروا المطامير، وجمعوا الجموع، وظنّوا أنّهم سيخلّدون. وأسوةً لي بالجبّارين الّذين بنوا المدائن والحصون، وعاشوا فيها المئين من السّنين، ثمّ أصبحت خرابًا، مأوًى للوحوش، ومبتى للشّياطين.
قال أليفز التّيمانيّ: قد أعيانا أمرك يا أيّوب، إن كلّمناك فما نرجو للحديث منك موضعًا، وإن نسكت عنك مع الّذي نرى فيك من البلاء، فذلك علينا. قد كنّا نرى من أعمالك أعمالاً كنّا نرجو لك عليها من الثّواب غير ما رأينا، فإنّما يحصد امرؤٌ ما زرع، ويجزى بما عمل. أشهد على اللّه الّذي لا يقدر قدر عظمته، ولا يحصى عدد نعمه، الّذي ينزّل الماء من السّماء فيحيي به الميّت، ويرفع به الخافض، ويقوّي به الضّعيف، الّذي تضلّ حكمة الحكماء عند حكمته، وعلم العلماء عند علمه، حتّى تراهم من العيّ في ظلمةٍ يموجون، أنّ من رجا معونة اللّه هو القويّ، وأنّ من توكّل عليه هو المكفيّ، هو الّذي يكسر ويجبر، ويجرح ويداوي.
قال أيّوب: لذلك سكتّ فعضضت على لساني، ووضعت لسوء الخدمة رأسي، لأنّي علمت أنّ عقوبته غيّرت نور وجهي، وأنّ قوّته نزعت قوّة جسدي، فأنا عبده، ما قضى عليّ أصابني، ولا قوّة لي إلاّ ما حمل عليّ، لو كانت عظامي من حديدٍ، وجسدي من نحاس، وقلبي من حجارةٍ، لم أطق هذا الأمر، ولكن هو ابتلاني، وهو يحمله عنّي، أتيتموني غضابًا، رهبتم قبل أن تسترهبوا، وبكيتم من قبل أن تضربوا، كيف بي لو قلت لكم: تصدّقوا عنّي بأموالكم، لعلّ اللّه أن يخلّصني، أو قرّبوا عنّي قربانًا، لعلّ اللّه أن يتقبّله منّي، ويرضى عنّي؟ إذا استيقظت تمنّيت النّوم رجاء أن أستريح، فإذا نمت كادت تجود نفسي. تقطّعت أصابعي، فإنّي لأرفع اللّقمة من الطّعام بيدي جميعًا، فما تبلغان فمي إلاّ على الجهد منّي، تساقطت لهواتي، ونخر رأسي، فما بين أذني من سدادٍ، حتّى إنّ إحداهما لترى من الأخرى، وإنّ دماغي ليسيل من فمي.
تساقط شعر عينّي، فكأنّما حرّق بالنّار وجهي، وحدقتاي هما متدلّيتان على خدّي، ورم لساني، حتّى ملأ في، فما أدخل فيه طعامًا إلاّ غصّني، وورمت شفتاي، حتّى غطّت العليا أنفي، والسّفلى ذقني. تقطّعت أمعائي في بطني، فإنّي لأدخل الطّعام فيخرج كما دخل، ما أحسّه، ولا ينفعني. ذهبت قوّة رجليّ، فكأنّهما قربتا ماءٍ ملئتا، لا أطيق حملهما. أحمل لحافي بيدي، وأسناني، فما أطيق حمله حتّى يحمله معي غيري. ذهب المال، فصرت أسأل بكفّي، فيطعمني من كنت أعوله اللّقمة الواحدة، فيمنّها عليّ، ويعيّرني. هلك بنيّ وبناتي، ولو بقي منهم أحدٌ أعانني على بلائي ونفعني. وليس العذاب بعذاب الدّنيا، إنّه يزول عن أهلها، ويموتون عنه، ولكن طوبى لمن كانت له راحةٌ في الدّار الّتي لا يموت أهلها، ولا يتحوّلون عن منازلهم، السّعيد من سعد هنالك، والشّقيّ من شقي فيها.
قال بلدد: كيف يقوم لسانك بهذا القول، وكيف تفصح به؟ أتقول إنّ العدل يجور، أم تقول إنّ القويّ يضعف؟ ابك على خطيئتك، وتضرّع إلى ربّك، عسى أن يرحمك، ويتجاوز عن ذنبك، وعسى إن كنت بريئًا أن يجعل هذا لك ذخرًا في آخرتك وإن كان قلبك قد قسا، فإنّ قولنا لن ينفعك، ولن يأخذ فيك، هيهات أن تنبت الآجام في المفاوز، وهيهات أن ينبت البرديّ في الفلاة من توكّل على الضّعيف كيف يرجو أن يمنعه، ومن جحد الحقّ كيف يرجو أن يوفّى حقّه؟
قال أيّوب: إنّي لأعلم أنّ هذا هو الحقّ، لن يفلج العبد على ربّه، ولا يطيق أن يخاصمه، فأيّ كلامٍ لي معه وإن كان إليّ القوّة؟ هو الّذي سمك السّماء فأقامها وحده، وهو الّذي يكشطها إذا شاء فتنطوي له، وهو الّذي سطح الأرض فدحاها وحده، ونصب فيها الجبال الرّاسيات، ثمّ هو الّذي يزلزلها من أصولها حتّى تعود أسافلها أعاليها، وإن كان في الكلام، فأيّ كلامٍ لي معه؟ من خلق العرش العظيم بكلمةٍ واحدةٍ، فحشاه السّماوات والأرض وما فيهما من الخلق، فوسعه وهو في سعةٍ واسعةٍ، وهو الّذي كلّم البحار، ففهمت قوله، وأمرها فلم تعد أمره، وهو الّذي يفقّهّ الحيتان والطّير وكلّ دابّةٍ، وهو الّذي يكلّم الموتى فيحييهم قوله، ويكلّم الحجارة فتفهمه، ويأمرها فتطيعه.
قال أليفز: عظيمٌ ما تقول يا أيّوب، إنّ الجلود لتقشعرّ من ذكر ما تقول، إنّ ما أصابك ما أصابك بغير ذنبٍ أذنبته، مثل هذه الحدّة، وهذا القول أنزلك هذه المنزلة، عظمت خطيئتك، وكثر طلاّبك، وغصبت أهل الأموال على أموالهم، فلبست وهم عراةٌ، وأكلت وهم جياعٌ، وحبست عن الضّعيف بابك، وعن الجائع طعامك، وعن المحتاج معروفك، وأسررت ذلك، وأخفيته في بيتك، وأظهرت أعمالاً كنّا نراك تعملها، فظننت أنّ اللّه لا يجزيك إلاّ على ما ظهر منك، وظننت أنّ اللّه لا يطّلع على ما غيّبت في بيتك، وكيف لا يطّلع على ذلك وهو يعلم ما غيّبت الأرضون، وما تحت الظّلمات والهواء؟
قال أيّوب عليه السلام: إن تكلّمت لم ينفعني الكلام، وإن سكتّ لم تعذروني قد وقع عليّ كيدي، وأسخطت ربّي بخطيئتي، وأشمتّ أعدائي، وأمكنتهم من عنقي، وجعلتني للبلاء غرضًا، وجعلتني للفتنة نصبًا، لم تنفسني مع ذلك، ولكن أتبعني ببلاءٍ على إثر بلاءٍ. ألم أكن للغريب دارًا، وللمسكين قرارًا، ولليتيم وليًّا، وللأرملة قيّمًا؟ ما رأيت غريبًا إلاّ كنت له دارًا مكان داره، وقرارًا مكان قراره، ولا رأيت مسكينًا إلاّ كنت له مالاً مكان ماله، وأهلاً مكان أهله، وما رأيت يتيمًا إلاّ كنت له أبًا مكان أبيه، وما رأيت أيّمًا إلاّ كنت لها قيّمًا ترضى قيامه. وأنا عبدٌ ذليلٌ، إن أحسنت لم يكن لي كلامٌ بإحسانٍ، لأنّ المنّ لربّي وليس لي، وإن أسأت فبيده عقوبتي، وقد وقع عليّ بلاءٌ لو سلّطته على جبلٍ ضعف عن حمله، فكيف يحمله ضعفي؟
قال أليفز: أتحاجّ اللّه يا أيّوب في أمره، أم تريد أن تناصفه وأنت خاطئٌ، أو تبرّئها وأنت غير بريءٍ؟ خلق السّماوات والأرض بالحقّ، وأحصى ما فيهما من الخلق، فكيف لا يعلم ما أسررت، وكيف لا يعلم ما عملت فيجزيك به؟ وضع اللّه ملائكةً صفوفًا حول عرشه، وعلى أرجاء سماواته، ثمّ احتجب بالنّور، فأبصارهم عنه كليلةٌ، وقوّتهم عنه ضعيفةٌ، وعزمهم عنه ذليلٌ، وأنت تزعم أن لو خاصمك وأدلى إلى الحكم معك، وهل تراه فتناصفه؟ أم هل تسمعه فتحاوره؟ قد عرفنا فيك قضاءه، إنّه من أراد أن يرتفع وضعه، ومن اتّضع له رفعه.
قال أيّوب صلّى اللّه عليه وسلّم: إن أهلكني فمن ذا الّذي يعرض له في عبده، ويسأله عن أمره؟ لا يردّ غضبه شيءٌ إلاّ رحمته، ولا ينفع عبده إلاّ التّضرّع له قال: ربّ أقبل عليّ برحمتك، وأعلمني ما ذنبي الّذي أذنبت أو لأيّ شيءٍ صرفت وجهك الكريم عنّي، وجعلتني لك مثل العدوّ وقد كنت تكرمني؟ ليس يغيب عنك شيءٌ، تحصي قطر الأمطار، وورق الأشجار، وذرّ التّراب، أصبح جلدي كالثّوب العفن، بأيّه أمسكت سقط في يدي، فهب لي قربانًا من عندك، وفرجًا من بلائي، بالقدرة الّتي تبعث موتى العباد، وتنشر بها ميّت البلاد، ولا تهلكني بغير أن تعلمني ما ذنبي، ولا تفسد عمل يديك وإن كنت غنيًّا عنّي، ليس ينبغي في حكمك ظلمٌ، ولا في نقمتك عجلٌ، وإنّما يحتاج إلى الظّلم الضّعيف، وإنّما يعجّل من يخاف الفوت، ولا تذكّرني خطئي وذنوبي، اذكر كيف خلقتني من طينٍ، فجعلتني مضغةً، ثمّ خلقت المضغة عظامًا، وكسوت العظام لحمًا وجلدًا، وجعلت العصب والعروق لذلك قوامًا وشدّةً، وربّيتني صغيرًا، ورزقتني كبيرًا، ثمّ حفظت عهدك، وفعلت أمرك، فإن أخطأت فبيّن لي، ولا تهلكني غمًّا، وأعلمني ذنبي فإن لم أرضك فأنا أهلٌ أن تعذّبني، وإن كنت من بين خلقك تحصي عليّ عملي، وأستغفرك فلا تغفر لي. إن أحسنت لم أرفع رأسي، وإن أسأت لم تبلعني ريقي، ولم تقلني عثرتي، وقد ترى ضعفي تحتك، وتضرّعي لك، فلم خلقتني؟ أو لم أخرجتني من بطن أمّي؟ لو كنت كمن لم يكن لكان خيرًا لي، فليست الدّنيا عندي بخطرٍ لغضبك، وليس جسدي يقوم بعذابك، فارحمني، وأذقني طعم العافية من قبل أن أصير إلى ضيق القبر، وظلمة الأرض، وغمّ الموت.
قال صافرٌ: قد تكلّمت يا أيّوب وما يطيق أحدٌ أن يحبس فمك، تزعم أنّك بريءٌ، فهل ينفعك إن كنت بريئًا وعليك من يحصي عملك؟ وتزعم أنّك تعلم أنّ اللّه يغفر لك ذنوبك، هل تعلم سمك السّماء كم بعده؟ أم هل تعلم عمق الهواء كم بعده؟ أم هل تعلم أيّ الأرض أعرضها؟ أم هل عندك لها من مقدارٍ تقدّرها به؟ أم هل تعلم أيّ البحر أعمقه؟ أم هل تعلم بأيّ شيءٍ تحبسه؟ فإن كنت تعلم هذا العلم وإن كنت لا تعلمه، فإنّ اللّه خلقه وهو يحصيه، لو تركت كثرة الحديث، وطلبت إلى ربّك رجوت أن يرحمك، فبذلك تستخرج رحمته، وإن كنت تقيم على خطيئتك، وترفع إلى اللّه يديك عند الحاجة وأنت مصرٌّ على ذنبك إصرار الماء الجاري في صببٍ لا يستطاع إحباسه، فعند طلب الحاجات إلى الرّحمن تسودّ وجوه الأشرار، وتظلم عيونهم، وعند ذلك يسرّ بنجاح حوائجهم الّذين تركوا الشّهوات تزيّنًا بذلك عند ربّهم، وتقدّموا في التّضرّع، ليستحقّوا بذلك الرّحمة حين يحتاجون إليها، وهم الّذين كابدوا اللّيل، واعتزلوا لفرش، وانتظروا الأسحار.
قال أيّوب: أنتم قومٌ قد أعجبتكم أنفسكم، وقد كنت فيما خلا والرّجال يوقّرونني، وأنا معروفٌ حقّي، منتصفٌ من خصمي، قاهرٌ لمن هو اليوم يقهرني، يسألني عن علم غيب اللّه لا أعلمه، ويسألني، فلعمري ما نصح الأخ لأخيه حين نزل به البلاء كذلك، ولكنّه يبكي معه. وإن كنت جادًّا، فإنّ عقلي يقصر عن الّذي تسألني عنه، فسل طير السّماء هل تخبرك؟ وسل وحوش الأرض هل ترجع إليك؟ وسل سباع البريّة هل تجيبك؟ وسل حيتان البحر هل تصف لك كلّ ما عددت؟ تعلم أنّه صنع هذا بحكمته، وهيّأه بلطفه.
أما يعلم ابن آدم من الكلام ما سمع بأذنيه، وما طعم بفيه، وما شمّ بأنفه؟ وأنّ العلم الّذي سألت عنه لا يعلمه إلاّ اللّه الّذي خلقه، له الحكمة والجبروت، وله العظمة واللّطف، وله الجلال والقدرة؟ إن أفسد، فمن ذا الّذي يصلح؟ وإن أعجم، فمن ذا الّذي يفصح؟ إن نظر إلى البحار يبست من خوفه، وإن أذن لها ابتلعت الأرض، فإنّما يحملها بقدرته هو الّذي تبهت الملوك عند ملكه، وتطيش العلماء عند علمه، وتعيا الحكماء عند حكمته، ويخسأ المبطلون عند سلطانه. هو الّذي يذكر المنسيّ، وينسي المذكور، ويجري الظّلمات والنّور. هذا علمي، وخلقه أعظم من أن يحصيه عقلي، وعظمته أعظم من أن يقدرها مثلي.
قال بلدد: إنّ المنافق يجزى بما أسرّ من نفاقه، وتضلّ عنه العلانية الّتي خادع بها، وتوكّل على الجزاء بها على الّذي عملها، ويهلك ذكره من الدّنيا، ويظلم نوره في الآخرة، ويوحش سبيله، وتوقعه في الأحبولة سريرته، وينقطع اسمه من الأرض، فلا ذكر له فيها ولا عمران، لا يرثه ولدٌ مصلحون من بعده، ولا يبقى له أصلٌ يعرف به، ويبهت من يراه، وتقف الأشعار عند ذكره.
قال أيّوب: إن أكن غويًّا فعليّ غواي، وإن أكن بريئًا فأيّ منعةٍ عندي؟ إن صرخت فمن ذا الّذي يصرخني؟ وإن سكتّ فمن ذا الّذي ينذرني؟ ذهب رجائي، وانقضت أحلامي، وتنكّرت لي معارفي، دعوت غلامي فلم يجبني، وتضرّعت لأمتي فلم ترحمني، وقع عليّ البلاء فرفضوني، أنتم كنتم أشدّ عليّ من مصيبتي. انظروا تبهتوا من العجائب الّتي في جسدي أما سمعتم بما أصابني؟ وما شغلكم عنّي ما رأيتم بي؟ لو كان عبدٌ يخاصم ربّه، رجوت أن أتغلّب عند الحكم، ولكنّ لي ربًّا جبّارًا تعالى فوق سماواته، وألقاني ها هنا، وهنت عليه، لا هو عذرني بعذري، ولا هو أدناني فأخاصم عن نفسي. يسمعني ولا أسمعه، ويراني ولا أراه، وهو محيطٌ بي، ولو تجلّى لي لذابت كليتاي، وصعق روحي، ولو نفّسني فأتكلّم بملء فمي، ونزع الهيبة منّي، علمت بأيّ ذنبٍ عذّبني.
نودي فقيل: يا أيّوب قال: لبّيك قال: أنا هذا، قد دنوت منك، فقم فاشدد إزارك، وقم مقام جبّارٍ، فإنّه لا ينبغي لي أن يخاصمني إلاّ جبّارٌ مثلي، ولا ينبغي أن يخاصمني إلاّ من يجعل الزّمام في فم الأسد، والسّخال في فم العنقاء، واللّجام في فم التّنّين، ويكيل مكيالاً من النّور، ويزن مثقالاً من الرّيح، ويصرّ صرّةً من الشّمس، ويردّ أمس لغدٍ. لقد منّتك نفسك أمرًا ما يبلغ بمثل قوّتك، ولو كنت إذ منّتك نفسك ذلك، ودعتك إليه، تذكّرت أيّ مرامٍ رامت بك. أردت أن تخاصمني بغيّك، أم أردت أن تحاجّني بخطئك، أم أردت أن تكاثرني بضعفك؟ أين كنت منّي يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها؟ هل علمت بأيّ مقدارٍ قدرتها؟ أم كنت معي تمرّ بأطرافها؟ أم تعلم ما بعد زواياها؟ أم على أيّ شيءٍ وضعت أكنافها؟ أبطاعتك حمل الماء الأرض، أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاءً؟ أين كنت منّي يوم رفعت السّماء سقفًا في الهواء، لا بعلائق ثبتت من فوقها، ولا يحملها دعائم من تحتها، هل يبلغ من حكمتك أن تجري نورها، أو تسيّر نجومها، أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها؟ أين كنت منّي يوم سجرت البحار، وأنبعت الأنهار؟ أقدرتك حبست أمواج البحار على حدودها، أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدّتها؟ أين أنت منّي يوم صببت الماء على التّراب. ونصبت شوامخ الجبال؟ هل لك من ذراعٍ تطيق حملها؟ أم هل تدري كم من مثقالٍ فيها؟ أم أين الماء الّذي أنزل من السّماء؟ هل تدري أمٌّ تلده أو أبٌ تولده؟ أحكمتك أحصت القطر، وقسّمت الأرزاق، أم قدرتك تثير السّحاب، وتغشّيه الماء؟ هل تدري ما أصوات الرّعود؟ أم من أيّ شيءٍ لهب البروق؟ هل رأيت عمق البحر؟ أم هل تدري ما بعد الهواء؟ أم هل خزنت أرواح الأموات؟ أم هل تدري أين خزانة الثّلج، أو أين خزائن البرد، أم أين جبال البرد؟ أم هل تدري أين خزانة اللّيل بالنّهار، وأين خزانة النّهار باللّيل، وأين طريق النّور، وبأيّ لغةٍ تتكلّم الأشجار، وأين خزانة الرّيح، كيف تحبسه الأغلاق، ومن جعل العقول في أجواف الرّجال، ومن شقّ الأسماع والأبصار، ومن ذلّت الملائكة لملكه، وقهر الجبّارين بجبروته، وقسّم أرزاق الدّوابّ بحكمته؟ ومن قسّم للأسد أرزاقها، وعرّف الطّير معايشها، وعطفها على أفراخها؟ من أعتق الوحش من الخدمة، وجعل مساكنها البريّة، لا تستأنس بالأصوات، ولا تهاب السلاطين؟ أمن حكمتك تفرّعت أفراخ الطّير، وأولاد الدّوابّ لأمّهاتها؟ أم من حكمتك عطفت أمهاتها عليها، حتّى أخرجت لها الطّعام من بطونها، وآثرتها بالعيش على نفوسها؟ أم من حكمتك يبصر العقاب الصيد البصر البعيد، فأصبح في أماكن القتلى؟ أين أنت منّي يوم خلقت بهموت، مكانه في منقطع التّراب، والوتيان يحملان الجبال والقرى والعمران، آذانهما كأنّها شجر الصّنوبر الطّوال، رءوسهما كأنّها آكام الجبال، وعروق أفخاذهما كأنّها أوتاد الحديد، وكأنّ جلودهما فلق الصّخور، وعظامهما كأنّها عمد النّحاس. هما رأسا خلقي الّذين خلقت للقتال، أأنت ملأت جلودهما لحمًا؟ أم أنت ملأت رءوسهما دماغًا؟ أم هل لك في خلقهما من شركٍ؟ أم لك بالقوّة الّتي عملتهما يدان؟ أو هل يبلغ من قوّتك أن تخطم على أنوفهما، أو تضع يدك على رءوسهما، أو تقعد لهما على طريقٍ فتحبسهما، أو تصدّهما عن قوّتهما؟ أين أنت يوم خلقت التّنّين، ورزقه في البحر، ومسكنه في السّحاب؟ عيناه توقدان نارًا، ومنخراه يثوران دخانًا، أذناه مثل قوس السّحاب، يثور منهما لهبٌ كأنّه إعصار العجاج، جوفه يحترق، ونفسه يلتهب، وزبده جمرة أمثال الصّخور، وكأنّ صريف أسنانه صوت الصّواعق، وكأنّ نظر عينيه لهب البرق، أسرار لا تدخلها الهموم، تمرّ به الجيوش وهو متّكئٌ، لا يفزعه شيءٌ، ليس فيه مفصلٌ، زبر الحديد عنده مثل التّين، والنّحاس عنده مثل الخيوط، لا يفزع من النّشّاب، ولا يحسّ وقع الصّخور على جسده، ويضحك من النّيازك، ويسير في الهواء كأنّه عصفورٌ، ويهلك كلّ شيءٍ يمرّ به ملك الوحوش، وإيّاه آثرت بالقوّة على خلقي، هل أنت آخذه بأحبولتك فرابطه بلسانه، أو واضعٌ اللّجام في شدقه؟ أتظنّه يوفي بعهدك، أو يسبح من خوفك؟ هل تحصي عمره، أم هل تدري أجله، أو تفوّت رزقه؟ أم هل تدري ماذا خرّب من الأرض، أم ماذا يخرّب فيما بقي من عمره؟ أتطيق غضبه حين يغضب، أم تأمره فيطيعك؟ تبارك اللّه وتعالى.
قال أيّوب عليه السلام: قصرت عن هذا الأمر الّذي تعرض لي، ليت الأرض انشقّت بي فذهبت في بلائي، ولم أتكلّم بشيءٍ يسخط ربّي اجتمع عليّ البلاء، إلهي حملتني لك مثل العدوّ وقد كنت تكرمني، وتعرف نصحي، وقد علمت أنّ كل الّذي ذكرت صنع يديك، وتدبير حكمتك، وأعظم من هذا ما شئت عملت، لا يعجزك شيءٌ، ولا تخفى عنك خافيةٌ، ولا تغيب عنك غائبةٌ، من هذا الّذي يظنّ أن يسرّ عنك سرًّا، وأنت تعلم ما يخطر على القلوب؟ وقد علمت منك في بلائي هذا ما لم أكن أعلم، وخفت حين بلوت أمرك أكثر ممّا كنت أخاف. إنّما كنت أسمع بسطوتك سمعًا، فأمّا الآن فهو بصر العين. إنّما تكلّمت حين تكلّمت لتعذرني، وسكتّ حين سكتّ لترحمني، كلمةٌ زلّت، فلن أعود. قد وضعت يدي على فمي، وعضضت على لساني، وألصقت بالتّراب خدّي، ودسست وجهي لصغاري، وسكتّ كما أسكتتني خطيئتي، فاغفر لي ما قلت، فلن أعود لشيءٍ تكرهه منّي.
قال اللّه تبارك وتعالى: يا أيّوب، نفذ فيك علمي، وبحلمي صرفت عنك غضبي، إذ خطئت، فقد غفرت لك، ورددت عليك أهلك ومالك، ومثلهم معهم، فاغتسل بهذا الماء، فإنّ فيه شفاءك، وقرّب عن صحابتك قربانًا، واستغفر لهم، فإنّهم قد عصوني فيك.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، وغيره من أهل الكتاب الأوّل: أنّه كان من حديث أيّوب أنّه كان رجلاً من الرّوم، وكان اللّه قد اصطفاه ونبّأه، وابتلاه في الغنى بكثرة الولد والمال، وبسط عليه من الدّنيا فوسّع عليه في الرّزق. وكانت له البثنيّة من أرض الشّأم، أعلاها وأسفلها، وسهلها وجبلها. وكان له فيها من أصناف المال كلّه، من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير ما لا يكون للرّجل أفضل منه في العدّة والكثرة. وكان اللّه قد أعطاه أهلاً وولدًا من رجالٍ ونساءٍ. وكان برًّا تقيًّا رحيمًا بالمساكين، يطعم المساكين، ويحمل الأرامل، ويكفل الأيتام، ويكرم الضّيف، ويبلّغ ابن السّبيل. وكان شاكرًا لأنعم اللّه عليه، مؤدّيًا لحقّ اللّه في الغنى، قد امتنع من عدوّ اللّه إبليس أن يصيب منه ما أصاب من أهل الغنى من العزّة والغفلة، والسّهو، والتّشاغل عن أمر اللّه بما هو فيه من الدّنيا. وكان معه ثلاثةٌ قد آمنوا به، وصدّقوه، وعرفوا فضل ما أعطاه اللّه على من سواه، منهم رجلٌ من أهل اليمن يقال له: أليفز، ورجلان من أهل بلاده يقال لأحدهما: صوفر، وللآخر: بلدد، وكانوا من بلاده كهولاً. وكان لإبليس عدوّ اللّه منزلٌ من السّماء السّابعة، يقع به كلّ سنةٍ موقعًا يسأل فيه، فصعد إلى السّماء في ذلك اليوم الّذي كان يصعد فيه، فقال اللّه له أو قيل له عن اللّه: هل قدرت من أيّوب عبدي على شيءٍ؟ قال: أي ربّ، وكيف أقدر منه على شيءٍ؟ وإنّما ابتليته بالرّخاء والنّعمة والسّعة والعافية، وأعطيته الأهل والمال والولد والغنى والعافية في جسده وأهله وماله، فما له لا يشكرك، ويعبدك، ويطيعك، وقد صنعت ذلك به؟ لو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عمّا كان عليه من شكرك، ولترك عبادتك، ولخرج من طاعتك إلى غيرها أو كما قال عدوّ اللّه. فقال: قد سلّطتك على أهله وماله وكان اللّه هو أعلم به، ولم يسلّطه عليه إلاّ رحمةً، ليعظم له الثّواب بالّذي يصيبه من البلاء، وليجعله عبرةً للصّابرين، وذكري للعابدين في كلّ بلاءٍ نزل بهم، ليتأسّوا به، وليرجوا من عاقبة الصّبر في عرض الدّنيا ثواب الآخرة وما صنع اللّه بأيّوب. فانحطّ عدوّ اللّه سريعًا، فجمع عفاريت الجنّ ومردة الشّياطين من جنوده، فقال: إنّي قد سلّطت على أهل أيّوب وماله، فماذا عليكم؟ فقال قائلٌ منهم: أكون إعصارًا فيه نارٌ، فلا أمرّ بشيءٍ من ماله إلاّ أهلكته، قال: أنت وذاك. فخرج حتّى أتى إبله، فأحرقها ورعاتها جميعًا. ثمّ جاء عدوّ اللّه إلى أيّوب في صورة قيّمه عليها وهو في مصلًّى، فقال: يا أيّوب، أقبلت نارٌ حتّى غشيت إبلك فأحرقتها ومن فيها غيري، فجئتك أخبرك ذلك. فعرفه أيّوب، فقال: الحمد للّه الّذي هو أعطاها، وهو أخذها، الّذي أخرجك منها كما يخرج الزّؤان من الحبّ النّقيّ.
ثمّ انصرف عنه، فجعل يصيب ماله مالاً مالاً، حتّى مرّ على آخره، كلّما انتهى إليه هلاك مالٍ من ماله حمد اللّه، وأحسن عليه الثّناء، ورضي بالقضاء، ووطّن نفسه بالصّبر على البلاء. حتّى إذا لم يبق له مالٌ أتى أهله وولده، وهم في قصرٍ لهم معهم حظيانهم، وخدّامهم، فتمثّل ريحًا عاصفًا، فاحتمل القصر من نواحيه، فألقاه على أهله وولده، فشدخهم تحته. ثمّ أتاه في صورة قهرمانه عليهم، قد شدخ وجهه، فقال: يا أيّوب، قد أتت ريحٌ عاصفٌ، فاحتملت القصر من نواحيه، ثمّ ألقته على أهلك وولدك، فشدختهم غيري، فجئتك أخبرك ذلك. فلم يجزع على شيءٍ أصابه جزعه على أهله وولده، وأخذ ترابًا فوضعه على رأسه، ثمّ قال: ليت أمّي لم تلدني، ولم أك شيئًا وسرّ بها عدوّ اللّه منه، فأصعد إلى السّماء جذلاً. وراجع أيّوب التّوبة ممّا قال، فحمد اللّه، فسبقت توبته عدوّ اللّه إلى اللّه، فلمّا جاء وذكر ما صنع، قيل له: قد سبقتك توبته إلى اللّه ومراجعته. قال: أي ربّ، فسلّطني على جسده قال: قد سلّطتك على جسده إلاّ على لسانه وقلبه ونفسه وسمعه وبصره. فأقبل إليه عدوّ اللّه وهو ساجدٌ، فنفخ في جسده نفخةً أشعل ما بين قرنه إلى قدمه كحريق النّار، ثمّ خرج في جسده ثآليل كأليات الغنم، فحكّ بأظفاره حتّى ذهبت، ثمّ بالفخّار والحجارة حتّى تساقط لحمه، فلم يبق منه إلاّ العروق والعصب والعظام، عيناه تجولان في رأسه للنّظر، وقبله للعقل، ولم يخلص إلى شيءٍ من حشو البطن، لأنّه لا بقاء للنّفس إلاّ بها، فهو يأكل ويشرب على التواءٍ من حشوته، فمكث كذلك ما شاء اللّه أن يمكث.
- فحدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسن أنّه كان يقول: " مكث أيّوب في ذلك البلاء سبع سنين، وستّة أشهرٍ ملقًى على رماد مكنسةٍ في جانب القرية " قال وهب بن منبّهٍ: " ولم يبق من أهله إلاّ امرأةٌ واحدةٌ تقوم عليه، وتكسب له، ولا يقدر عدوّ اللّه منه على قليلٍ ولا كثيرٍ ممّا يريد.
فلمّا طال البلاء عليه وعليها، وسئمها النّاس، وكانت تكسب عليه ما تطعمه وتسقيه، قال وهب بن منبّهٍ: فحدّثت أنّها التمست له يومًا من الأيّام تطعمه، فما وجدت شيئًا، حتّى جزّت قرنًا من رأسها فباعته برغيفٍ، فأتته به، فعشّته إيّاه، فلبث في ذلك البلاء تلك السّنين، حتّى إن كان المارّ ليمرّ فيقول: لو كان لهذا عند اللّه خيرٌ لأراحه ممّا هو فيه.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة قال: فحدّثني محمّد بن إسحاق قال: وكان وهب بن منبّهٍ يقول: " لبث في ذلك البلاء ثلاث سنين، لم يزد يومًا واحدًا، فلمّا غلبه أيّوب فلم يستطع منه شيئًا، اعترض امرأته في هيئةٍ ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والطّول، على مركبٍ ليس من مراكب النّاس، له عظمٌ وبهاءٌ وجمالٌ ليس لها، فقال لها: أنت صاحبة أيّوب هذا الرّجل المبتلى؟ قالت نعم. قال: هل تعرفينني؟ قالت لا. قال: فأنا إله الأرض، وأنا الّذي صنعت بصاحبك ما صنعت، وذلك أنّه عبد إله السّماء، وتركني فأغضبني، ولو سجد لي سجدةً واحدةً رددت عليه وعليك كلّ ما كان لكما من مالٍ وولدٍ، فإنّه عندي ثمّ أراها إيّاهم فيما ترى ببطن الوادي الّذي لقيها فيه. قال: وقد سمعت أنّه إنّما قال: لو أنّ صاحبك أكل طعامًا ولم يسمّ عليه لعوفي ممّا به من البلاء، واللّه أعلم. وأراد عدوّ اللّه أن يأتيه من قبلها. فرجعت إلى أيّوب، فأخبرته بما قال لها، وما أراها، قال: أقد أتاك عدوّ اللّه ليفتنك عن دينك؟ ثمّ أقسم إن اللّه عافاه ليضربها مائة ضربةٍ.
فلمّا طال عليه البلاء، جاءه أولئك النّفر الّذين كانوا معه قد آمنوا به وصدّقوه، معهم فتًى حديث السّنّ، قد كان آمن به وصدّقه، فجلسوا إلى أيّوب، ونظروا إلى ما به من البلاء، فأعظموا ذلك، وفظعوا به، وبلغ من أيّوب صلوات اللّه عليه مجهوده، وذلك حين أراد اللّه أن يفرّج عنه ما به، فلمّا رأى أيّوب ما أعظموا ما أصابه قال: أي ربّ، لأيّ شيءٍ خلقتني، ولو كنت إذ قضيت عليّ البلاء تركتني فلم تخلقني؟ ليتني كنت دمًا ألقتني أمّي. ثمّ ذكر نحو حديث ابن عسكرٍ، عن إسماعيل بن عبد الكريم، إلى: وكابدوا اللّيل، واعتزلوا الفراش، وانتظروا الأسحار، ثمّ زاد فيه: أولئك الآمنون الّذي لا يخافون، ولا يهتمّون، ولا يحزنون، فأين عاقبة أمرك يا أيّوب من عواقبهم؟ قال فتًى حضرهم، وسمع قولهم، ولم يفطنوا له، ولم يأبهوا لمجلسه، وإنّما قيّضه اللّه لهم لما كان من جورهم في المنطق، وشططهم، فأراد اللّه أن يصغّر به إليهم أنفسهم، وأن يسفّه بصغره لهم أحلامهم، فلمّا تكلّم تمادى في الكلام، فلم يزدد إلاّ حكمًا. وكان القوم من شأنهم الاستماع والخشوع إذا وعظوا، أو ذكّروا، فقال: إنّكم تكلّمتم قبلي أيّها الكهول، وكنتم أحقّ بالكلام، وأولى به منّي لحقّ أسنانكم، ولأنّكم جرّبتم قبلي، ورأيتم وعلمتم ما لم أعلم، وعرفتم ما لم أعرف، ومع ذلك قد تركتم من القول أحسن من الّذي قلتم، ومن الرّأي أصوب من الّذي رأيتم، ومن الأمر أجمل من الّذي أتيتم، ومن الموعظة أحكم من الّذي وصفتم، وقد كان لأيّوب عليكم من الحقّ والذّمام أفضل من الّذي وصفتم، هل تدرون أيّها الكهول حقّ من انتقصتم، وحرمة من انتهكتم، ومن الرّجل الّذي عبتم واتّهمتم؟ ألم تعلموا أيّها الكهول أنّ أيّوب نبيّ اللّه، وخيرته وصفوته من أهل الأرض يومكم هذا، اختاره اللّه لوحيه، واصطفاه لنفسه، وائتمنه على نبوّته، ثمّ لم تعلموا، ولم يطلعكم اللّه على أنّه سخط شيئًا من أمره مذ أتاه ما آتاه إلى يومكم هذا، ولا على أنّه نزع منه شيئًا من الكرامة الّتي أكرمه بها مذ آتاه ما آتاه إلى يومكم هذا، ولا أنّ أيّوب غيّر الحقّ في طول ما صحبتموه إلى يومكم هذا، فإن كان البلاء هو الّذي أزرى به عندكم ووضعه في أنفسكم، فقد علمتم أنّ اللّه يبتلي النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، ثمّ ليس بلاؤه لأولئك بدليل سخطه عليهم، ولا لهوانه لهم، ولكنّها كرامةٌ، وخيرةٌ لهم، ولو كان أيّوب ليس من اللّه بهذه المنزلة، ولا في النّبوّة، ولا في الأثرة، ولا في الفضيلة، ولا في الكرامة، إلاّ أنّه أخٌ أخيتموه على وجه الصّحابة، لكان وهو لا يجمل بالحكيم أن يعذل أخاه عند البلاء، ولا يعيّره بالمصيبة بما لا يعلم، وهو مكروبٌ حزينٌ، ولكن يرحمه ويبكي معه، ويستغفر له، ويحزن لحزنه، ويدلّه على مراشد أمره، وليس بحكيمٍ، ولا رشيدٍ من جهل هذا، فاللّه اللّه أيّها الكهول في أنفسكم.
قال: ثمّ أقبل على أيّوب: صلّى اللّه عليه وسلّم: فقال، وقد كان في عظمة اللّه وجلاله وذكر الموت: ما يقطع لسانك، ويكسر قلبك، وينسيك حججك؟ ألم تعلم يا أيّوب أنّ للّه عبادًا أسكتتهم خشيته من غير عيٍّ، ولا بكمٍ، وإنّهم لهم الفصحاء النّطقاء، النّبلاء، الألبّاء، العالمون باللّه وبآياته؟ ولكنّهم إذا ذكروا عظمة اللّه انقطعت ألسنتهم، واقشعرّت جلودهم، وانكسرت قلوبهم، وطاشت عقولهم إعظامًا للّه، وإعزازًا، وإجلالاً، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى اللّه بالأعمال الزّاكية، يعدّون أنفسهم مع الظّالمين والخاطئين، وإنّهم لأنزاهٌ برآء، مع المقصّرين والمفرّطين، وإنّهم لأكياسٌ أقوياءٌ، ولكنّهم لا يستكثرون للّه الكثير، ولا يرضون للّه بالقليل، ولا يدلّون عليه بالأعمال، فهم مروّعون مفزّعون مغتمّون خاشعون وجلون مستكينون معترفون متى ما رأيتهم يا أيّوب.
قال أيّوب: إنّ اللّه يزرع الحكمة بالرّحمة في قلب الصّغير والكبير، فمتى نبتت في القلب يظهرها اللّه على اللّسان، وليست تكون الحكمة من قبل السّنّ ولا الشّبيبة، ولا طول التّجربة، وإذا جعل اللّه العبد حكيمًا في الصّبا لم تسقط منزلته عند الحكماء وهم يرون عليه من اللّه نور الكرامة، ولكنّكم قد أعجبتكم أنفسكم، وظننتم أنّكم عوفيتم بإحسانكم، فهنالك بغيتم وتعزّزتم، ولو نظرتم فيما بينكم وبين ربّكم ثمّ صدقتم أنفسكم لوجدّتم لكم عيوبًا سترها اللّه بالعافية الّتي ألبسكم، ولكنّي قد أصبحت اليوم وليس لي رأي، ولا كلامٌ معكم، قد كنت فيما خلا مسموعًا كلامي، معروفًا حقّي، منتصفًا من خصمي، قاهرًا لمن هو اليوم يقهرني، مهيبًا مكاني، والرّجال مع ذلك ينصتون لي، ويوقّروني، فأصبحت اليوم قد انقطع رجائي، ورفع حذري، وملّني أهلي، وعقّني أرحامي، وتنكّرت لي معارفي، ورغب عنّي صديقي، وقطعني أصحابي، وكفرني أهل بيتي، وجحدت حقوقي، ونسيت صنائعي، أصرخ فلا يصرخونني، وأعتذر فلا يعذرونني، وإنّ قضاءه هو الّذي أذلّني، وأقمأني، وأخسأني، وإنّ سلطانه هو الّذي أسقمني، وأنحل جسمي.
ولو أنّ ربّي نزع الهيبة الّتي في صدري، وأطلق لساني حتّى أتكلّم بملء فمي، ثمّ كان ينبغي للعبد يحاجّ عن نفسه، لرجوت أن يعافيني عند ذلك ممّا بي، ولكنّه ألقاني، وتعالى عنّي، فهو يراني ولا أراه، ويسمعني ولا أسمعه، لا نظر إليّ فرحمني، ولا دنا منّي ولا أدناني فأدلي بعذري، وأتكلّم ببراءتي، وأخاصم عن نفسي.
لمّا قال ذلك أيّوب وأصحابه عنده، أظلّه غمامٌ حتّى ظنّ أصحابه أنّه عذابٌ، ثمّ نودي منه، ثمّ قيل له: يا أيّوب، إنّ اللّه يقول: ها أنا ذا قد دنوت منك، ولم أزل منك قريبًا، فقم فأدل بعذرك الّذي زعمت، وتكلّم ببراءتك، وخاصم عن نفسك، واشدد إزارك ثمّ ذكر نحو حديث ابن عسكرٍ، عن إسماعيل، إلى آخره، وزاد فيه: ورحمتي سبقت غضبي، فاركض برجلك، هذا مغتسلٌ باردٌ، وشرابٌ فيه شفاؤك، وقد وهبت لك أهلك، ومثلهم معهم، ومالك ومثله معه وزعموا: ومثله معه لتكون لمن خلفك آيةً، ولتكون عبرةً لأهل البلاء، وعزاءً للصّابرين فركض برجله، فانفجرت له عينٌ، فدخل فيها فاغتسل، فأذهب اللّه عنه كلّ ما كان به من البلاء. ثمّ خرج فجلس، وأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه، فلم تجده، فقامت كالوالهة متلدّدةً، ثمّ قالت: يا عبد اللّه، هل لك علمٌ بالرّجل المبتلى الّذي كان ههنا؟ قال: لا، ثمّ تبسّم، فعرفته بمضحكه، فاعتنقته.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: فحدّثت عبد اللّه بن عبّاسٍ، حديثه، واعتناقها إيّاه، فقال عبد اللّه: " فوالّذي نفس عبد اللّه بيده، ما فارقته من عناقه حتّى مرّ بها كلّ مالٍ لهما وولدٌ ".
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: وقد سمعت بعض من يذكر الحديث عنه " أنّه دعاها حين سألت عنه، فقال لها: وهل تعرفينه إذا رأيته؟ قالت: نعم، ومالي لا أعرفه؟ فتبسّم، ثمّ قال: ها أنا هو، وقد فرّج اللّه عنّي ما كنت فيه فعند ذلك اعتنقته.
قال وهبٌ: فأوحى اللّه إليه في قسمه ليضربها في الّذي كلّمته، أن {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} أي قد برّت يمينك. يقول اللّه تعالى: {إنّا وجدناه صابرًا نعم العبد إنّه أوّابٌ}، يقول اللّه: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منّا وذكرى لأولي الألباب} ".
- حدّثنا يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن هشامٍ، عن الحسن، قال: " لقد مكث أيّوب مطروحًا على كناسةٍ سبع سنين وأشهرًا، ما يسأل اللّه أن يكشف ما به. قال: وما على وجه الأرض خلقٌ أكرم على اللّه من أيّوب. فيزعمون أنّ بعض النّاس قال: لو كان لربّ هذا فيه حاجةٌ ما صنع به هذا فعند ذلك دعا.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، عن الحسن، قال: " بقي أيّوب على كناسةٍ لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرًا تختلف فيه الدّوابّ.
- حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا يحيى بن معينٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن وهب بن منبّهٍ، قال: " لم يكن بأيّوب أكلةٌ، إنّما كان يخرج به مثل ثدي النّساء ثمّ ينقفه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا مخلد بن حسينٍ، عن هشامٍ، عن الحسن، وحجّاجٍ، عن مباركٍ، عن الحسن: زاد أحدهما على الآخر قال: " إنّ أيّوب آتاه اللّه مالاً وأوسع عليه، وله من النّساء والبقر والغنم والإبل. وإنّ عدوّ اللّه إبليس قيل له: هل تقدر أن تفتن أيّوب؟ قال: ربّ إنّ أيّوب أصبح في دنيا من مالٍ وولدٍ، ولا يستطيع أن لا يشكرك، ولكن سلّطني على ماله، وولده، فسترى كيف يطيعني ويعصيك قال: فسلّطه على ماله وولده. قال: فكان يأتي بالماشية من ماله من الغنم فيحرقها بالنّيران، ثمّ يأتي أيّوب وهو يصلّي متشبّهًا براعي الغنم، فيقول: يا أيّوب تصلّي لربّك ما ترك اللّه لك من ماشيتك شيئًا من الغنم إلاّ أحرقها بالنّيران، وكنت ناحيةً، فجئت لأخبرك. قال: فيقول أيّوب: اللّهمّ أنت أعطيت وأنت أخذت، مهما تبقي نفسي أحمدك على حسن بلائك، فلا يقدر منه على شيءٍ ممّا يريد ثمّ يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنّيران، ثمّ يأتي أيّوب فيقول له ذلك، ويردّ عليه أيّوب مثل ذلك. قال: وكذلك فعل بالإبل حتّى ما ترك له ماشيةٍ، حتّى هدم البيت على ولده، فقال: يا أيّوب أرسل اللّه على ولدك من هدم عليهم البيوت حتّى هلكوا فيقول أيّوب مثل ذلك. قال: ربّ هذا حين أحسنت إليّ الإحسان كلّه، قد كنت قبل اليوم يشغلني حبّ المال بالنّهار، ويشغلني حبّ الولد باللّيل شفقةً عليهم، فالآن أفرّغ سمعي لك وبصري، وليلي ونهاري بالذّكر والحمد والتّقديس والتّهليل فينصرف عدوّ اللّه من عنده، لم يصب منه شيئًا ممّا يريد.
قال: ثمّ إنّ اللّه تبارك وتعالى قال: كيف رأيت أيّوب قال إبليس: يا أيّوب قد علم أنّك ستردّ عليه ماله وولده، ولكن سلّطني على جسده، فإن أصابه الضّرّ فيه أطاعني وعصاك قال: فسلّط على جسده، فأتاه فنفخ فيه نفخةً، قرح من لدن قرنه إلى قدمه. قال: فأصابه البلاء بعد البلاء، حتّى حمل فوضع على مزبلة كناسةٍ لبني إسرائيل. فلم يبق له مالٌ ولا ولدٌ ولا صديقٌ ولا أحدٌ يقربه غير زوجته، صبرت معه تصدقٍ، وتأتيه بطعامٍ، وتحمد اللّه معه إذا حمد، وأيّوب على ذلك لا يفتر من ذكر اللّه، والتّحميد والثّناء على اللّه، والصّبر على ما ابتلاه اللّه.
قال الحسن: فصرخ إبليس عدوّ اللّه صرخةً جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعًا من صبر أيّوب، فاجتمعوا إليه وقالوا له: اجتمعنا، ما حزبك؟ ما أعياك؟ قال: أعياني هذا العبد الّذي سألت ربّي أن يسلّطني على ماله وولده، فلم أدع له مالاً ولا ولدًا، فلم يزدد بذلك إلاّ صبرًا وثناءً على اللّه وتحميدًا له، ثمّ سلّطت على جسده فتركته قرحةً ملقاةً على كناسة بني إسرائيل، لا يقربه إلاّ امرأته، فقد افتضحت بربّي، فاستعنت بكم، فأعينوني عليه قال: فقالوا له: أين مكرك؟ أين علمك الّذي أهلكت به من مضى؟ قال: بطل ذلك كلّه في أيّوب، فأشيروا عليّ قالوا: نشير عليك، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنّة، من أين أتيته؟ قال: من قبل امرأته، قالوا: فشأنك بأيّوب من قبل امرأته، فإنّه لا يستطيع أن يعصيها، وليس أحدٌ يقربه غيرها. قال: أصبتم. فانطلق حتّى أتى امرأته وهي تصدّق، فتمثّل لها في صورة رجلٍ، فقال: أين بعلك يا أمة اللّه؟ قالت: هو ذاك يحكّ قروحه، ويتردّد الدّوابّ في جسده. فلمّا سمعها طمع أن تكون كلمة جزعٍ، فوقع في صدرها فوسوس إليها، فذكّرها ما كانت فيه من النّعم، والمال والدّوابّ، وذكّرها جمال أيّوب وشبابه، وما هو فيه من الضّرّ، وأنّ ذلك لا ينقطع عنهم أبدًا " قال الحسن: " فصرخت، فلمّا صرخت، علم أن قد صرخت وجزعت، أتاها بسخلةٍ، فقال: ليذبح هذا إليّ أيّوب ويبرأ، قال: فجاءت تصرخ: يا أيّوب، يا أيّوب، حتّى متى يعذّبك ربّك، ألا يرحمك؟ أين الماشية؟ أين المال؟ أين الولد؟ أين الصّديق؟ أين لونك الحسن، قد تغيّر، وصار مثل الرّماد؟ أين جسمك الحسن الّذي قد بلي وتردّد فيه الدّوابّ؟ اذبح هذه السّخلة واسترح قال أيّوب: أتاك عدوّ اللّه فنفخ فيك، فوجد فيك رفقًا، وأجبته، ويلك أرأيت ما تبكين عليه ممّا تذكرين ما كنّا فيه من المال والولد والصّحّة والشّباب؟ من أعطانيه؟ قالت: اللّه. قال: فكم متّعنا به؟ قالت: ثمانين سنةً. قال: فمذ كم ابتلانا اللّه بهذا البلاء الّذي ابتلانا به؟ قالت: منذ سبع سنين وأشهرٍ. قال: ويلك واللّه ما عدلت ولا أنصفت ربّك ألا صبرت حتّى نكون في هذا البلاء الّذي ابتلانا ربّنا به ثمانين سنةً كما كنّا في الرّخاء ثمانين سنةً؟ واللّه لئن شفاني اللّه لأجلدنّك مائة جلدةٍ هيه أمرتيني أن أذبح لغير اللّه، طعامك، وشرابك الّذي تأتيني به عليّ حرامٌ، وأن أذوق ما تأتيني به بعد، إذ قلت لي هذا، فاغربي عنّي فلا أراك فطردها، فذهبت، فقال الشّيطان: هذا قد وطّن نفسه ثمانين سنةً على هذا البلاء الّذي هو فيه فباء بالغلبة ورفضه. ونظر أيّوب إلى امرأته وقد طردها، وليس عنده طعامٌ ولا شرابٌ ولا صديقٌ "، قال الحسن: " ومرّ به رجلان وهو على تلك الحال، ولا واللّه ما على ظهر الأرض يومئذٍ أكرم على اللّه من أيّوب، فقال أحد الرّجلين لصاحبه: لو كان للّه في هذا حاجةٌ، ما بلغ به هذا فلم يسمع أيّوب شيئًا كان أشدّ عليه من هذه الكلمة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن جرير بن حازمٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: " كان لأيّوب أخوان، فأتياه، فقاما من بعيدٍ، لا يقدران أن يدنوا منه من ريحه، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان اللّه علم في أيّوب خيرًا ما ابتلاه بما أرى قال: فما جزع أيّوب من شيءٍ أصابه جزعه من كلمة الرّجل. فقال أيّوب: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي لم أبت ليلةً شبعان قطّ "، وأنا أعلم مكان جائعٍ فصدّقني فصدّق وهما يسمعان ثمّ قال: " اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي لم أتّخذ قميصين قطّ، وأنا أعلم مكان عارٍ فصدّقني فصدّق وهما يسمعان. قال: ثمّ خرّ ساجدًا ".
- فحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: فحدّثني مخلد بن الحسين، عن هشامٍ، عن الحسن، قال: فقال: ربّ إنّي {" مسّني الضّرّ "} ثمّ ردّ ذلك إلى ربّه فقال: {" وأنت أرحم الرّاحمين "}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن جريرٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: " فقيل له: ارفع رأسك، فقد استجيب لك ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن مباركٍ، عن الحسن، ومخلدٍ، عن هشامٍ، عن الحسن، دخل حديث أحدهما في الآخر، قالا: " فقيل له: {اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ}، فركض برجله، فنبعت عينٌ، فاغتسل منها، فلم يبق عليه من دائه شيءٌ ظاهرٌ إلاّ سقط، فأذهب اللّه كلّ ألمٍ وكلّ سقمٍ، وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان، وأفضل ما كان. ثمّ ضرب برجله، فنبعت عينٌ أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داءٌ إلاّ خرج، فقام صحيحًا، وكسي حلّةً. قال: فجعل يتلفّت ولا يرى شيئًا ممّا كان له من أهلٍ ومالٍ إلاّ وقد أضعفه اللّه له، حتّى واللّه ذكر لنا أنّ الماء الّذي اغتسل به تطاير على صدره جرادًا من ذهبٍ. قال: فجعل يضمّه بيده، فأوحى اللّه إليه: يا أيّوب، ألم أغنك؟ قال: بلى، ولكنّها بركتك، فمن يشبع منها؟ قال: فخرج حتّى جلس على مكانٍ مشرفٍ. ثمّ إنّ امرأته قالت: أرأيت إن كان طردني، إلى من أكله؟ أدعه يموت جوعًا، أو يضيع فتأكله السّباع؟ لأرجعنّ إليه فرجعت، فلا كناسة ترى، ولا من تلك الحال الّتي كانت، وإذا الأمور قد تغيّرت، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي، وذلك بعين أيّوب، قال: وهابت صاحب الحلّة أن تأتيه فتسأل عنه، فأرسل إليها أيّوب فدعاها، فقال: ما تريدين يا أمة اللّه؟ فبكت وقالت: أردت ذلك المبتلى الّذي كان منبوذًا على الكناسة، لا أدري أضاع أم ما فعل. قال لها أيّوب ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعلي، فهل رأيته وهي تبكي إنّه قد كان ها هنا؟ قال: وهل تعرفينه إذا رأيته؟ قالت: وهل يخفى على أحدٍ رآه؟ ثمّ جعلت تنظر إليه وهي تهابه، ثمّ قالت: أما إنّه كان أشبه خلق اللّه بك إذ كان صحيحًا. قال: فإنّي أنا أيّوب الّذي أمرتيني أن أذبح للشّيطان، وإنّي أطعت اللّه، وعصيت الشّيطان، فدعوت اللّه فردّ عليّ ما ترين. قال الحسن: ثمّ إنّ اللّه رحمها بصبرها معه على البلاء أن أمره تخفيفًا عنها أن يأخذ جماعةً من الشّجر، فيضربها ضربةً واحدةً تخفيفًا عنها بصبرها معه ".
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ} إلى آخر الآيتين، " فإنّه لمّا مسّه الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ، أنساه اللّه الدّعاء أن يدعوه، فيكشف ما به من ضرٍّ، غير أنّه كان يذكر اللّه كثيرًا، ولا يزيده البلاء في اللّه إلاّ رغبةً، وحسن إيمانٍ. فلمّا انتهى الأجل، وقضى اللّه أنّه كاشفٌ ما به من ضرٍّ أذن له في الدّعاء، ويسّره له، وكان قبل ذلك يقول تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبدي أيّوب أن يدعوني ثمّ لا أستجيب له فلمّا دعا استجاب له، وأبدله بكلّ شيءٍ ذهب له ضعفين، ردّ إليه أهله ومثلهم معهم، وأثنى عليه فقال: {إنّا وجدناه صابرًا نعم العبد إنّه أوّابٌ} ). [جامع البيان: 16/333-365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 83 - 86.
أخرج الحاكم من طريق سمرة عن كعب قال: كان أيوب بن أموص نبي الله الصابر طويلا جعد الشعر واسع العينين حسن الخلق وكان على جبينه مكتوب: المبتلى الصابر وكان قصير العنق عريض الصدر غليظ الساقين والساعدين كان يعطي الأرامل ويكسوهم جاهدا ناصحا لله). [الدر المنثور: 10/333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن وهب قال: أيوب بن أموص بن رزاح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل). [الدر المنثور: 10/333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: أول نبي بعث إدريس ثم نوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل وإسحاق ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ثم صالح ثم شعيب ثم موسى وهارون ثم إلياس ثم اليسع ثم يونس ثم أيوب). [الدر المنثور: 10/333-334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان أيوب أعبد أهل زمانه وأكثرهم مالا فكان لا يشبع حتى يشبع الجائع وكان لا يكتسي حتى يكسي العاري وكان إبليس قد أعياه أمر أيوب لقوته فلا يقدر عليه وكان عبدا معصوما). [الدر المنثور: 10/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وابن عساكر عن وهب أنه سئل: ما كانت شريعة قوم أيوب قال: التوحيد وإصلاح ذات البين، وإذا كانت لأحد منهم حاجة خر لله ساجدا ثم طلب حاجته، قيل: فما كان ماله قال: كان له ثلاثة آلاف فدان مع كل فدان عبد مع كل عبد وليدة ومع كل وليد أتان وأربعة عشرة ألف شاة ولم يبت ليلة له إلا وضيف وراء بابه ولم يأكل طعامه إلا ومعه مسكين). [الدر المنثور: 10/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان الثوري قال: ما أصاب إبليس من أيوب في مرضه إلا الأنين). [الدر المنثور: 10/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن عقبة بن عامر قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال الله لأيوب: تدري ما جرمك إلي حتى ابتليتك فقال: لا يا رب، قال: لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين). [الدر المنثور: 10/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظلم يدرؤه عنه فلم يعنه ولم يأمر بمعروف وينه الظالم عن ظلمه المسكين فابتلاه الله). [الدر المنثور: 10/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن الليث بن سعد قال: كان السبب الذي ابتلي فيه أيوب أنه دخل أهل قريته على ملكهم - وهو جبار من الجبابرة - وذكر بعض ما كان ظلمه الناس فكلموه فأبلغوا في كلامه ورفق أيوب في كلامه له مخافة منه لزرعه فقال الله: اتقيت عبدا من عبادي من أجل زرعك فأنزل الله به ما أنزل من البلاء.
وأخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولاني قال: أجدب الشام فكتب فرعون إلى أيوب: أن هلم إلينا فإن لك عندنا سعة، فأقبل بخيله وماشيته وبنيه فأقطعهم فدخل شعيب فقال فرعون: أما تخاف أن يغضب غضبة فيغضب لغضبه أهل السموات والأرض والجبال والبحار فسكت أيوب فلما خرجا من عنده أوحى الله إلى أيوب: أوسكت عن فرعون لذهابك إلى أرضه استعد للبلاء، قال: فديني قال: أسلمه لك، قال: لا أبالي). [الدر المنثور: 10/335-336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم، وابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال: لما ابتلى الله أيوب بذهاب المال والأهل والولد فلم يبق له شيء أحسن الذكر والحمد لله رب العالمين، ثم قال: أحمدك رب الذي أحسنت إلي،، قد أعطيتني المال والولد لم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخلها ذلك فأخذت ذلك كله مني وفزعت قلبي فليس يحول بيني وبينك شيء لا يعلم عدوي إبليس الذي وصفت إلا حسدني فلقي إبليس من ذها شيئا منكرا). [الدر المنثور: 10/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان لأيوب أخوان فجاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد فقال أحدهما للآخر: لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط مثله قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق من في السماء وهما يسمعان ثم خر ساجدا وقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه، وأخرح ابن عساكر عن الحسن قال: ضرب أيوب بالبلاء ثم بالبلاء بعد البلاء بذهاب الأهل والمال ثم ابتلي في بدنه ثم ابتلي حتى قذف في بعض مزابل بني إسرائيل فما يعلم أيوب دعا الله يوما أن يكشف ما به ليس إلا صبرا وإحتسابا حتى مر به رجلان فقال أحدهما لصاحبه: لو كان لله في هذا حاجة ما بلغ به هذا كله، فسمع أيوب فشق عليه فقال: رب {مسني الضر} ثم رد ذلك إلى ربه فقال: {وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: {وآتيناه أهله} في الدنيا {ومثلهم معهم} في الآخرة). [الدر المنثور: 10/336-337]

تفسير قوله تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى وآتيناه أهله ومثلهم معهم قال آتاه الله أهله في الدنيا ومثلهم معهم من نسلهم وقال معمر وقال الكلبي آتاه الله أهله في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/27]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (واختلف أهل التّأويل في الأهل الّذين ذكر اللّه في قوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} أهم أهله الّذين أوتيهم في الدّنيا، أم ذلك وعدٌ وعده اللّه أيّوب أن يفعل به في الآخرة؟ فقال بعضهم: إنّما آتى اللّه أيّوب في الدّنيا مثل أهله الّذين هلكوا، فإنّهم لم يردّوا عليه في الدّنيا، وإنّما وعد اللّه أيّوب أن يؤتيه إيّاهم في الآخرة.
- حدّثني أبو السّائب سلم بن جنادة قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، قال: أرسل مجاهدٌ رجلاً يقال له قاسمٌ إلى عكرمة يسأله عن قول اللّه لأيّوب: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} فقال: " قيل له: إنّ أهلك لك في الآخرة، فإن شئت عجّلناهم لك في الدّنيا، وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وآتيناك مثلهم في الدّنيا. فقال: يكونون لي في الآخرة، وأوتى مثلهم في الدّنيا ". قال: فرجع إلى مجاهدٍ، فقال: " أصاب ".
وقال آخرون: بل ردّهم إليه بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن الضّحّاك، عن ابن مسعودٍ: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: " أهله بأعيانهم ".
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: " لمّا دعا أيّوب استجاب له، وأبدله بكلّ شيءٍ ذهب له ضعفين، ردّ إليه أهله ومثلهم معهم ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} قال: " أحياهم بأعيانهم، وردّ إليه مثلهم ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: قيل له: " إن شئت أحييناهم لك، وإن شئت كانوا لك في الآخرة وتعطى مثلهم في الدّنيا. فاختار أن يكونوا له في الآخرة، ومثلهم في الدّنيا ".
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال الحسن وقتادة: " أحيا اللّه أهله بأعيانهم، وزاده إليهم مثلهم ".
وقال آخرون: بل آتاه المثل من نسل ماله الّذي ردّه عليه وأهله، فأمّا الأهل والمال فإنّه ردّهما عليه بأعينهما.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن رجلٍ، عن الحسن: {ومثلهم معهم} قال: " من نسلهم ".
وقوله: {رحمةً} نصبت بمعنى: فعلنا بهم ذلك رحمةً منّا له.
وقوله: {وذكرى للعابدين} يقول: وتذكرةً للعابدين ربّهم، فعلنا ذلك به ليعتبروا به، ويعلموا أنّ اللّه قد يبتلي أولياءه ومن أحبّ من عباده في الدّنيا بضروبٍ من البلاء في نفسه وأهله وماله، من غير هوانٍ به عليه، ولكن اختبارًا منه له، ليبلغ بصبره عليه، واحتسابه إيّاه، وحسن يقينه منزلته الّتي أعدّها له تبارك وتعالى من الكرامة عنده.
- وقد حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، في قوله: {رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين}، وقوله: {رحمةً منّا وذكرى لأولي الألباب} قال: " أيّما مؤمنٍ أصابه بلاءٌ فذكر ما أصاب أيّوب فليقل: قد أصاب من هو خيرٌ منّا، نبيًّا من الأنبياء "). [جامع البيان: 16/365-368]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} [الأنبياء: 84].
- عن الضّحّاك بن مزاحمٍ قال: بلغ ابن مسعودٍ أنّ مروان يقول: وآتيناه أهله ومثلهم معهم قال: أتي أهلًا غير أهله. فقال ابن مسعودٍ: أتي بأهله بأعيانهم ومثلهم معهم.
رواه الطّبرانيّ، وإسناده منقطعٌ، ويحيى الحمّانيّ ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/67-68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان لأيوب أخوان فجاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد فقال أحدهما للآخر: لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط مثله قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق من في السماء وهما يسمعان ثم خر ساجدا وقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه، وأخرح ابن عساكر عن الحسن قال: ضرب أيوب بالبلاء ثم بالبلاء بعد البلاء بذهاب الأهل والمال ثم ابتلي في بدنه ثم ابتلي حتى قذف في بعض مزابل بني إسرائيل فما يعلم أيوب دعا الله يوما أن يكشف ما به ليس إلا صبرا وإحتسابا حتى مر به رجلان فقال أحدهما لصاحبه: لو كان لله في هذا حاجة ما بلغ به هذا كله، فسمع أيوب فشق عليه فقال: رب {مسني الضر} ثم رد ذلك إلى ربه فقال: {وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: {وآتيناه أهله} في الدنيا {ومثلهم معهم} في الآخرة). [الدر المنثور: 10/336-337] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: قيل له: يا أيوب إن أهلك لك في الجنة فإن شئت آتيناك بهم وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال: لا بل اتركهم لي في الجنة فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا). [الدر المنثور: 10/337-338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن نوف البكالي في قوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: إني أدخرهم في الآخرة وأعطي مثلهم في الدنيا، فحدث بذلك مطرف فقال: ما عرفت وجهها قبل اليوم). [الدر المنثور: 10/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال: بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: أوتي بأهل غير أهله فقال ابن مسعود: بل أوتي بأعيانهم ومثلهم معهم). [الدر المنثور: 10/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الحسن في قوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: لم يكونوا ماتوا ولكنعم غيبوا عنه فأتاه أهله {ومثلهم معهم} في الآخرة). [الدر المنثور: 10/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: أحياهم بأعيانهم وزاد إليهم مثلهم). [الدر المنثور: 10/338-339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن وقتادة في قوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قال: أحيا الله له أهله بأعيانهم وزاده الله مثلهم). [الدر المنثور: 10/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن {ومثلهم معهم} قال: من نسلهم). [الدر المنثور: 10/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال: ما كان بقي من أيوب عليه السلام إلا عيناه وقلبه ولسانه فكانت الدواب تختلف في جسده ومكث في الكناسة سبع سنين وأياما). [الدر المنثور: 10/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن نوف البكالي قال: مر نفر من بني إسرائيل بأيوب فقالوا: ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه، فسمعها أيوب فعند ذلك قال: {مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} وكان قبل ذلك لا يدعو). [الدر المنثور: 10/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: لقد مكث أيوب مطروحا على كناسة سبع سنين وأشهرا ما يسأل الله أن يكشف ما به وما على وجه الأرض خلق أكرم من أيوب فيزعمون أن بعض الناس قال: لو كان لرب هذا فيه حاجة ما صنع به هذا، فعند ذلك دعا). [الدر المنثور: 10/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جريرعن وهب بن منبه قال: لم يكن بأيوب الأكلة إنما يخرج منه مثل ثدي النساء ثم يتفقأ). [الدر المنثور: 10/339-340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} قال: إنه لما مسه الضر أنساه الله الدعاء أن يدعوه فيكشف ما به من ضر غير أنه كان يذكر الله كثيرا ولا يزيده البلاء في الله إلا رغبة وحسن إيقان فلما انتهى الأجل وقضى الله أنه كاشف ما به من ضر أذن له في الدعاء ويسره له كان قبل ذلك يقول تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبدي أيوب أن يدعوني ثم لا أستجيب له، فلما دعا استجاب له وأبدله بكل شيء ذهب له ضعفين رد أهله ومثلهم معهم وأثنى عليه فقال: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) ). [الدر المنثور: 10/340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ليث قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له قاسم إلى عكرمة يسأله عن قول الله لأيوب {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} فقال: قيل له: إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا، فقال: يكونون في الآخرة وأوتى مثلهم في الدنيا، فرجع إلى مجاهد فقال: أصاب). [الدر المنثور: 10/340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} وقوله: (رحمة منا وذكرى لأولي الألباب) (ص آية 43)
قال: إنما هو من أصابه بلاء فذكر ما أصاب أيوب فليقل: إنه قد أصاب من هو خير مني نبي من الأنبياء). [الدر المنثور: 10/340-341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: بقي أيوب على كناسة لنبي إسرائيل سبع سنين وأشهرا تختلف فيه الدواب). [الدر المنثور: 10/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: إن أيوب آتاه الله تعالى مالا وولدا وأوسع عليه فله من الشياه والبقر والغنم والإبل، وإن عدو الله إبليس قيل له: هل تقدر أن تفتن أيوب قال: رب إن أيوب أصبح في دنيا من مال وولد فلا يستطيع إلا شكرك فسلطني على ماله وولده فسترى كيف يطيعني ويعصيك، فسلط على ماله وولده فكان يأتي الماشية من ماله من الغنم فيحرقها بالنيران ثم يأتي أيوب وهو يصلي متشبها براعي الغنم فيقول: يا أيوب تصلي لرب ما ترك الله لك من ماشيتك شيئا من الغنم إلا أحرقها بالنيران، وكنت ناحية فجئت لأخبرك، فيقول أيوب: اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت مهما يبق شيء أحمدك على حسن بلائك، فلا يقدر منه على شيء مما يريد ثم يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنيران، ثم يأتي أيوب فيقول له ذلك ويرد عليه أيوب مثل ذلك، وكذلك فعل بالإبل حتى ما ترك له ماشية حتى هدم البيت على ولده فقال: يا أيوب أرسل الله على ولدك من هدم عليهم البيوت حتى يهلكوا فيقول أيوب مثل ذلك، وقال: رب هذا حين أحسنت إلي الإحسان كله قد كنت قبل اليوم يشغلني حب المال بالنهار ويشغلني حب الولد بالليل شفقة عليهم فالآن أفرغ سمعي لك وبصري وليلي ونهاري بالذكر والحمد والتقديس والتهليل، فينصرف عدو الله من عنده ولم يصب منه شيئا مما يريد، ثم إن الله تعالى قال: كيف رأيت أيوب قال إبليس: إن أيوب قد علم أنك سترد عليه ماله وولده ولكن سلطني على جسده فإن أصابه الضر فيه أطاعني وعصاك، فسلط على جسده فأتاه فنفخ فيه نفخة أقرح من لدن قرنه إلى قدمه فأصابه البلاء بعد البلاء حتى حمل فوضع على مزبلة كناسة لبني إسرائيل فلم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير رحمة صبرت عليه تصدق عليه وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمده وأيوب على ذلك لا يفر من ذكر الله والتحميد والثناء على الله والصبر على ما ابتلاه الله، فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطاء الأرضين جزعا من صبر أيوب فاجتمعوا إليه وقالوا له: اجتمعنا إليك ما أحزنك ما أعياك قال: أعياني هذا العبد الذي سألت ربي أن يسلطني على ماله وولده فلم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزدد بذلك إلا صبرا وثناء على الله تعالى وتحميدا له ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا تقربه إلا امرأته فقد أفتضحت بربي فاستعنت بكم لتعينوني عليه، فقالوا له: أين مكرك أين علمك الذي أهلكت به من مضى قال: بطل ذلك كله في أيوب فأشيروا علي، قالوا: نشير عليك أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أتيته قال: من قبل امرأته، قالوا: فشأنك بأيوب من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها، قال: أصبتم، فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال: أين بعلك يا أمة الله قالت: ها هو ذاك يحك قروه ويتردد الدود في جسده، فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع فوضع في صدرها فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعم والمال والدواب وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وأن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا، فصرخت فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاه بسخلة فقال: ليذبح هذا إلى أيوب ويبرأ، فجاءت تصرخ: يا أيوب يا أيوب،، حتى متى يعذبك ربك ألا يرحمك أين المال أين الشباب أين الولد أين الصديق أين لونك الحسن الذي بلي وتلدد فيه الدواب، اذبح هذه السخلة واسترح، قال: أيوب: أتاك عدو الله فنفخ فيك فوجد فيك رفقا فأجبته ويلك أرأيت ما تبكين عليه مما تذكرين مما كنا فيه من المال والولد والصحة والشباب من أعطانيه قال [ قالت ]: الله،، قال: فكم متعنا قال [ قالت ]: ثمانين سنة، قال: فمذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء الذي ابتلانا به قالت: سبع سنين وأشهرا، قال: ويلك، والله ما عدلت ولا أنصفت ربك ألا صبرت حتى نكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة حيت أمرتني أن أذبح لغير الله، طعامك وشرابك الذي أتيتني به علي حرام أن أذوق شيئا مما تأتي به بعد إذ قلت لي هذا فاغربي عني فلا أراك، فطردت فذهبت فقال الشيطان: هذا قد وطن نفسه ثمانين سنة على هذا البلاء الذي هو فيه فباء بالغلبة ورفضه، ونظر إلى أيوب قد طرد امرأته وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق ومر به رجلان وهو على تلك الحال ولا والله ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله من أيوب فقال أحد الرجلين لصاحبه: لو كان لله في هذا حاجة ما بلغ به هذا، فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة فقال: رب {مسني الضر} ثم رد ذلك إلى الله فقال: {وأنت أرحم الراحمين} فقيل له: (اركض برجلك هذا مغتسل بارد) (ص آية 42) فركض برجله فنبعت عين ماء فاغتسل منها فلم يبق من دائه شيء ظاهر إلا سقط فأذهب الله عنه كل ألم وكل سقم وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، فقام صحيحا وكسي حلة فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من أهل ومال إلا وقد أضعفه الله له حتى ذكر لنا أن الماء الذي اغتسل به تطاير على صدره جراد من ذهب فجعل يضمه بيده فأوحى الله إليه: يا أيوب ألم أغنك عن هذا قال: بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها، فخرج حتى جلس على مكان مشرف ثم إن امرأته قالت: أرأيت إن كان طردي إلى من أكله أدعه يموت جوعا أو يضيع فتأكله السباع لأرجعن إليه، فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحال التي كانت وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث الكناسة وتبكي وذلك بعين أيوب وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأل عنه، فأرسل إليها أيوب فدعاها فقال: ما تريدين يا أمة الله فبكت وقالت: أريد ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة لا أدري أضاع أم ما فعل قال له [ لها ] أيوب: ما كان منك فبكت وقال: بعلي فهل رأيته فقال: وهل تعرفيته إذا رأيته قالت: وهل يخفى على أحد رآه ثم جعلت تنظر إليه ويعرفها به ثم قالت: أما إنه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا، قال: فإني أيوب الذي أمرتني أن أذبح للشيطان وإني أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله فرد علي ما ترين، ثم إن الله رحمها لصبرها معه على البلاء فأمره تخفيفا عنها أن يأخذ جماعة من الشجر فيضربها ضربة واحدة تخفيفا عنها بصبرها معه). [الدر المنثور: 10/341-346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن وهب قال: لم يكن الذي أصاب أيوب الجذام ولكنه أصابه أشد من ذلك كان يخرج في جسده مثل ثدي المرأة ثم يتفقأ). [الدر المنثور: 10/346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم، وابن عساكر عن الحسن قال: إن كانت الدودة لتقع من جسد أيوب فيأخذها إلى مكانها ويقول: كلي من رزق الله). [الدر المنثور: 10/346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحلكم والبيهقي في الشعب، وابن عساكر عن ابن عباس أن امرأة أيوب قالت له: والله قد نزل بي من الجهد والفاقة ما إن بعت قرني برغيف فأطعمتك وإنك رجل مجاب الدعوة فادع الله أن يشفيك، فقال: ويحك، كنا في النعماء سبعين سنة فنحن في البلاء سبع سنين). [الدر المنثور: 10/346-347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن عساكر عن طلحة بن مطرف قال: قال إبليس: ما أصبت من أيوب شيئا قط أفرح به إلا أني كنت إذا سمعت أنينه علمت أني أوجعته). [الدر المنثور: 10/347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن مجاهد قال: أن أول من أصابه الجدري أيوب عليه السلام). [الدر المنثور: 10/347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد، قال: وما ذاك قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به، فلما جاء إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك فقال أيوب: لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتباعدان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأولف بينهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق، وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) (ص آية 42) فاستبطأته فأتته فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله المبتلى والله على ذاك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا، قال: فإني أنا هو، قال: وكان له أندران [ الأندر هو البيدر كما في النهاية ] أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض). [الدر المنثور: 10/347-348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} قال: رد الله امرأته وزاد في شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ذكرا وأهبط الله إليه ملكا فقال: يا أيوب ربك يقرئك السلام بصبرك على البلاء فاخرج إلى أندرك [ الأندر هو البيدر كما في النهاية ]، فبعث الله سحابة حمراء فهبطت عليه بجراد الذهب والملك قائم يجمعه فكانت الجراد تذهب فيتبعها حتى يردها في أندره، قال الملك: يا أيوب أو ما تشبع من الداخل حتى تتبع الخارج فقال: إن هذه بركة من بركات ربي ولست أشبع منها). [الدر المنثور: 10/348-349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: بينا ايوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال: بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك). [الدر المنثور: 10/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يأخذه بيده ويجعله في ثوبه فقيل له: يا أيوب أما تشبع قال: ومن يشبع من فضلك ورحمتك). [الدر المنثور: 10/349]

تفسير قوله تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وذا الكفل قال: قال أبو موسى الأشعري لم يكن ذو الكفل نبيا ولكنه كفل بصلاة رجل كان يصلي في كل يوم صلاة فتوفي فكفل بصلاته فلذلك سمي ذا الكفل). [تفسير عبد الرزاق: 2/27]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن المنهال بن عمرٍو عن عبد اللّه بن الحرث قال: كان نبيٌّ من الأنبياء قال: من تكفّل لي بأن لا يغضب وهو معي في درجتي في الجنّة فقام شابٌّ فقال أنا: فقال اقعد ثمّ قال الثّانية فقام ذلك الشّابّ فقال: أنا فقال: أقعد ثمّ قالها الثّالثة فقام الشّابّ فقال: أنا قال: فنعم إذًا قال: ثمّ مات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم واستخلف الشّابّ مكانه فكان يقضي بينهم ولا يغضب فاحتال له إبليس بكل شيء ليغضبه فلم يقدر على أن يغضبه فلمّا كان ذات يومٍ وهو نصف النّهار وقد فرغ من قضائه بين النّاس ودخل ليقيّل وهو صائمٌ أتاه فدقّ عليه الباب فأرسل معه رسولًا فذهب مع الرّسول ثمّ رجع فقال: إنّه لم يصنع في حاجتي شيئا فأرسل معه رسولًا آخر فذهب ثمّ رجع فقال: لم يصنع في حاجتي شيئا فأخذ بيده وبنفسه ثمّ انطلق معه فلمّا كان معه في السّوق انفلت منه قال: فسمّي ذا الكفل [الآية: 85]). [تفسير الثوري: 203-204]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصّابرين (85) وأدخلناهم في رحمتنا إنّهم من الصّالحين}.
يعني تعالى ذكره بإسماعيل: إسماعيل بن إبراهيم صادق الوعد، وبإدريس: خنوخ، وبذي الكفل: رجلاً تكفّل من بعض النّاس إمّا من نبيٍّ، وإمّا من ملكٍ من صالحي الملوك بعملٍ من الأعمال، فقام به من بعده، فأثنى اللّه عليه حسن وفائه، بما تكفّل به، وجعله من المعدودين في عباده، مع من حمد صبره على طاعة اللّه. وبالّذي قلنا في أمره جاءت الأخبار عن سلف العلماء.
ذكر الرّواية بذلك عنهم:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن عبد اللّه بن الحارث، أنّ نبيًّا، من الأنبياء قال: من يكفّل لي أن يصوم النّهار، ويقوم اللّيل، ولا يغضب؟ فقام شابٌّ فقال: أنا. فقال: اجلس: ثمّ عاد فقال: من يكفّل لي أن يقوم اللّيل ويصوم النّهار ولا يغضب؟ فقام ذلك الشّابّ فقال: أنا. فقال: اجلس ثمّ عاد فقال: من تكفّل لي أن يقوم اللّيل ويصوم النّهار ولا يغضب؟ فقام ذلك الشّابّ فقال: أنا، فقال: تقوم اللّيل، وتصوم النّهار، ولا تغضب. فمات ذلك النّبيّ، فجلس ذلك الشّابّ مكانه يقضي بين النّاس، فكان لا يغضب. فجاءه الشّيطان في صورة إنسانٍ ليغضبه، وهو صائمٌ يريد أن يقيل، فضرب الباب ضربًا شديدًا، فقال: من هذا؟ فقال: رجلٌ له حاجةٌ. فأرسل معه رجلاً، فقال: لا أرضى بهذا الرّجل. فأرسل معه آخر، فقال: لا أرضى بهذا. فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق معه، حتّى إذا كان في السّوق خلاّه وذهب، فسمّي ذا الكفل.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عفّان بن مسلمٍ، قال: حدّثنا وهيبٌ، قال: حدّثنا داود، عن مجاهدٍ، قال: لمّا كبر اليسع قال: لو أنّي استخلفت على النّاس رجلاً يعمل عليهم في حياتي حتّى أنظر كيف يعمل. قال: فجمع النّاس، فقال: من يتقبّل لي بثلاثٍ استخلفه: يصوم النّهار، ويقوم اللّيل، ولا يغضب؟ قال: فقام رجلٌ تزدريه العين، فقال: أنا. فقال: أنت تصوم النّهار وتقوم اللّيل ولا تغضب؟ قال: نعم. قال: فردّهم ذلك اليوم، وقال مثلها اليوم الآخر، فسكت النّاس وقام ذلك الرّجل، فقال: أنا. فاستخلفه.
قال: فجعل إبليس يقول للشّياطين: عليكم بفلانٍ فأعياهم، فقال: دعوني وإيّاه فأتاه في صورة شيخٍ كبيرٍ فقيرٍ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام اللّيل والنّهار إلاّ تلك النّومة، فدقّ الباب، فقال: من هذا؟ قال: شيخٌ كبيرٌ مظلومٌ. قال: فقام ففتح الباب، فجعل يقصّ عليه، فقال: إنّ بيني وبين قومي خصومةً، وإنّهم ظلموني، وفعلوا بي وفعلوا. فجعل يطوّل عليه، حتّى حضر الرّواح وذهبت القائلة، وقال: إذا رحت فأتني آخذ لك بحقّك فانطلق وراح، فكان في مجلسه، فجعل ينظر هل يرى الشّيخ، فلم يره، فجعل يبتغيه. فلمّا كان الغد جعل يقضي بين النّاس وينتظره فلا يراه. فلمّا رجع إلى القائلة، فأخذ مضجعه، أتاه فدقّ الباب، فقال: من هذا؟ قال: الشّيخ الكبير المظلوم. ففتح له، فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فأتني؟ فقال: إنّهم أخبث قومٍ، إذا عرفوا أنّك قاعدٌ قالوا: نحن نعطيك حقّك، وإذا قمت جحدوني. قال: فانطلق فإذا رحت فأتني قال: ففاتته القائلة، فراح، فجعل ينظر فلا يراه، فشقّ عليه النّعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنّ أحدًا يقرب هذا الباب حتّى أنام، فإنّي قد شقّ عليّ النّوم فلمّا كان تلك السّاعة جاء، فقال له الرّجل: وراءك، فقال: إنّي قد أتيته أمس فذكرت له أمري، قال: واللّه لقد أمرنا أن لا ندع أحدًا يقربه. فلمّا أعياه نظر فرأى كوّةً في البيت، فتسوّر منها، فإذا هو في البيت، وإذا هو يدقّ الباب قال: واستيقظ الرّجل، فقال: يا فلان، ألم آمرك؟ قال: أمّا من قبلي واللّه فلم تؤت، فانظر من أين أتيت قال: فقام إلى الباب، فإذا هو مغلقٌ كما أغلقه، وإذا هو معه في البيت، فعرفه فقال: أعدوّ اللّه؟ قال: نعم، أعييتني في كلّ شيءٍ، ففعلت ما ترى لأغضبك. فسمّاه الله ذا الكفل، لأنّه تكفّل بأمرٍ فوفى به.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وذا الكفل} قال " رجلٌ صالحٌ غير نبيٍّ، تكفّل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه، ويقيمه لهم، ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمّي ذا الكفل.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال: ويقضي بينهم بالحقّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، قال: " كان في بني إسرائيل ملكٌ صالحٌ، فكبر، فجمع قومه فقال: أيّكم يكفل لي بملكي هذا على أن يصوم النّهار ويقوم اللّيل، ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل اللّه، ولا يغضب؟ قال: فلم يقم أحدٌ إلاّ فتًى شابٌّ، فازدراه لحداثة سنّه، فقال: أيّكم تكفل لي بملكي هذا، على أن يصوم النّهار، ويقوم اللّيل، ولا يغضب، ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل اللّه؟ فلم يقم إلاّ ذلك الفتى، قال: فازدراه. فلمّا كانت الثّالثة قال مثل ذلك، فلم يقم إلاّ ذلك الفتى، فقال: تعال فخلّى بينه وبين ملكه.
فقام الفتى ليلةً، فلمّا أصبح جعل يحكم بين بني إسرائيل، فلمّا انتصف النّهار دخل ليقيل، فأتاه الشّيطان في صورة رجلٍ من بني آدم، فجذب ثوبه، فقال: أتنام والخصوم ببابك؟ قال: إذا كان العشيّة فأتني قال فانتظره بالعشيّ، فلم يأته، فلمّا انتصف النّهار دخل ليقيل، جذب ثوبه وقال: أتنام والخصوم على بابك؟ قال: قلت لك: ائتني العشيّ، فلم تأتني، ائتني بالعشيّ فلمّا كان بالعشيّ انتظره، فلم يأت، فلمّا دخل ليقيل جذب ثوبه، فقال: أتنام والخصوم ببابك؟ قال: أخبرني من أنت، لو كنت من الإنس سمعت ما قلت قال: هو الشّيطان، جئت لأفتنك، فعصمك اللّه منّي. فقضى بين بني إسرائيل بما أنزل اللّه زمانًا طويلاً، وهو ذو الكفل، سميّ ذا الكفل لأنّه تكفّل بالملك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي موسى الأشعريّ، قال وهو يخطب النّاس: " إنّ ذا الكفل لم يكن نبيًّا، ولكن كان عبدًا صالحًا، تكفّل بعمل رجلٍ صالحٍ عند موته، كان يصلّي للّه كلّ يومٍ مائة صلاةٍ، فأحسن اللّه عليه الثّناء في كفالته إيّاه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: " أمّا ذو الكفل، فإنّه كان على بني إسرائيل ملكٌ، فلمّا حضره الموت قال: من يكفل لي أن يكفيني بني إسرائيل، ولا يغضب، ويصلّي كلّ يومٍ مائة صلاةٍ؟ فقال ذو الكفل: أنا. فجعل ذو الكفل يقضي بين النّاس، فإذا فرغ صلّى مائة صلاةٍ. فكاده الشّيطان، فأمهله، حتّى إذا قضى بين النّاس، وفرغ من صلاته، وأخذ مضجعه فنام، أتى الشّيطان بابه، فجعل يدقّه، فخرج إليه، فقال: ظلمت، وصنع بي فأعطاه خاتمه وقال: اذهب فأتني بصاحبك وانتظره، فأبطأ عليه الآخر، حتّى إذا عرف أنّه قد نام وأخذ مضجعه، أتى الباب أيضًا كي يغضبه، فجعل يدقّه، وخدش وجه نفسه، فسالت الدّماء، فخرج إليه فقال: ما لك؟ فقال: لم يتّبعني، وضربت، وفعل فأخذه ذو الكفل، وأنكر أمره، فقال: أخبرني من أنت؟ وأخذه أخذًا شديدًا قال: فأخبره من هو ".
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وذا الكفل} قال: قال أبو موسى الأشعريّ: " لم يكن ذو الكفل نبيًّا، ولكنّه كفل بصلاة رجلٍ كان يصلّي كلّ يومٍ مائة صلاةٍ، فتوفى، فكفل بصلاته، فلذلك سمّي ذا الكفل ".
ونصب إسماعيل وإدريس، وذا الكفل، عطفًا على أيّوب، ثمّ استؤنف بقوله: {كلٌّ} فقال: {كلٌّ من الصّابرين} ومعنى الكلام: كلّهم من أهل الصّبر فيما نابهم في اللّه). [جامع البيان: 16/368-373]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أيوب عاش بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية وعلى ذلك مات وتغيروا بعد ذلك وغيروا دين إبراهيم كما غيره من كان قبلهم). [الدر المنثور: 10/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن وهب قال: عاش أيوب ثلاثا وتسعين سنة وأوصى عند موته إلى ابنه حرمل وقد بعث الله بعده بشر بن أيوب نبيا وسماه ذا الكفل وكان مقيما بالشام عمره حتى مات ابن خمس وسبعين سنة وأن بشرا أوصى إلى ابنه عبدان ثم بعث الله بعدهم شعيبا). [الدر المنثور: 10/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن أبي عبد الله الجدلي قال: كان أيوب عليه السلام يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني وقلبه يرعاني إن رأى حسنة أطفأها وإن رأى سيئة أذاعها). [الدر المنثور: 10/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي في الشعب عن مجاهد قال: يؤتى بثلاثة يوم القيامة: بالغني والمريض والعبد المملوك فيقال للغني: ما منعك من عبادتي فيقول: يا رب أكثرت لي من المال فطغيت، فيؤتى بسليمان عليه السلام في ملكه فيقول: أنت كنت أشد شغلا من هذا فيقول: لا بل هذا، قال: فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني، ثم يؤتى بالمريض فيقول: ما منعك من عبادتي فيقول: شغلت على جسدي فيؤتى بأيوب في ضره فيقول: أنت كنت أشدا ضرا من هذا قال: لا بل هذا، قال: فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني، ثم يؤتى بالمملوك فيقول: ما منعك من عبادتي فيقول: يا رب جعلت علي أربابا يملكونني، فيؤتى بيوسف في عبوديته فيقول: أنت كنت أشد عبودية أم هذا قال: لا بل هذا قال: فإن هذا لم يمنعه أن عبدني، والله أعلم). [الدر المنثور: 10/350-351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وذا الكفل} قال: رجل صالح غير نبي تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل ففعل ذلك فسمي {وذا الكفل} ). [الدر المنثور: 10/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل فجمع الناس فقال: من يتكفل لي بثلاث: أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب قال: فقام رجل تزدريه العين فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب قال: نعم، قال: فرده من ذلك اليوم وقال مثلها في اليوم الآخر فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال: أنا، فاستخلفه، قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان فأعياهم ذلك فقال: دعوني وإياه، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة - وكان لا ينام من الليل والنهار إلا تلك النومة - فدق الباب فقال: من هذا قال: شيخ كبير مظلزم، قال: فقام ففتح الباب فجعل يكثر عليه فقال: إن بيني وبين قومي خصومة وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا، وجعل يطول عليه حتى حضره وقت الرواح وذهبت القائلة وقال: إذا رحت فائتني آخذ لك بحقك، فانطلق وراح وكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ الكبير المظلوم فلم يره فقام يبغيه فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس فينتظره فلا يراه فلما راح إلى بيته جاء فدق عليه الباب فقال: من هذا قال: الشيخ الكبير المظلوم ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فائتني قال: إنهم أخبث قوم، قال: إذا رحت فائتني ففاتته القائلة فراح فجعل ينظر ولا يراه وشق عليه النعاس فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل: ما وراءك قال: إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري، فقال: لا والله لقد أمرنا أن لا يدع أحدا يقربه، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها فإذا هو في البيت فإذا هو يدق الباب من داخل فاستيقظ الرجل فقال: يا فلان ألم آمرك قال: من قبلي والله لم تؤت فانظر من أين أتيت، فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه وإذا برجل معه في البيت فعرفه فقال له: عدو الله قال: نعم أعييتني في كل شيء ففعلت ما ترى لأغضبك، فسماه الله {وذا الكفل} لأنه تكفل بأمر فوفى به). [الدر المنثور: 10/351-353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان قاض في بني إسرائيل فحضره الموت فقال: من يقوم مقامي على أن لا يغضب فقال رجل: أنا، فسمي {وذا الكفل} فكان ليله جميعا يصلي ثم يصبح صائما فيقضي بين الناس وله ساعة يقيلها فكان بذلك فأتاه الشيطان عند نومته فقال له أصحابه: ما لك قال: إنسان مسكين له على رجل حق قد غلبني عليه، فقالوا: كما أنت حتى يستيقظ.
قال وهو فوق نائم: فجعل يصيح عمدا حتى يغضبه، فسمع فقال: ما لك قال: إنسان مسكين لي على رجل حق، قال: اذهب فقل له يعطيك، قال: قد أبى، قال: اذهب أنت إليه، فذهب ثم جاء من الغد فقال: ما لك قال: ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأسا، قال: اذهب أنت إليه، فذهب ثم جاء من الغد حين قال فقال له أصحابه: اخرج فعل الله بك تجيء كل يوم حين ينام لا تدعه ينام فجعل يصيح: من أجل أني إنسان مسكين لو كنت غنيا، فسمع أيضا قال: ما لك قال: ذهبت إليه فضربني، قال: امش حتى أجيء معك فهو ممسك بيده فلما رآه ذهب معه نثر يده منه فذهب ففر). [الدر المنثور: 10/353-354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في ذم الغضب، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الحارث قال: قال نبي من الأنبياء لمن معه: أيكم يكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ويكون معي في درجتي ويكون بعدي في مقامي قال شاب من القوم: أنا، ثم أعاد فقال الشاب: أنا ثم أعاد فقال الشاب أنا ثم أعاد فقال الشاب أنا فلما مات قام بعده في مقامه فأتاه إبليس بعدما قال ليغضبه يستعديه فقال لرجل: اذهب معه، فجاء فأخبره أنه لم ير شيئا ثم أتاه فأرسل معه آخر فجاءه فأخبره أنه لم ير شيئا ثم أتاه فقام معه فأخذ بيده فانفلت منه فسمي {وذا الكفل} لأنه كفل أن لا يغضب). [الدر المنثور: 10/354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعيد النقاش في كتاب القضاة عن ابن عباس قال: كان نبي جمع أمته فقال: أيكم يتكفل لي بالقضاء بين أمتي على أن لا يغضب فقام فتى فقال: أنا يا رسول الله ثم عاد فقال الفتى أنا ثم قال لهم الثالثة أيكم يتكفل لي بالقضاء بين الناس على أن لا يغضب فقال الفتى أنا فاستخلفه فأتاه الشيطان بعد حين وكان يقضي حتى إذا انتصف النهار ثم رجع ثم راح الناس فأتاه الشيطان نصف النهار وهو نائم فناداه حتى أيقظه فاستعداه فقال: إن كتابك رده ولم يرفع به رأسا ثنتين وثلاثا فأخذ الرجل بيده ثم مشى معه ساعة فلما رأى الشيطان ذلك نزع يده من يده ثم فر فسمي {وذا الكفل}). [الدر المنثور: 10/354-355]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن حجيرة الأكبر أنه بلغه أنه كان ملك من ملوك بني إسرائيل عتى في ملكه فلما حضرته الوفاة أتاه رؤوسهم فقالوا: استخلف علينا ملكا نفزع إليه، فجمع إليه رؤوسهم فقال: من رجل تكفل لي بثلاث وأوليه ملكي فلم يتكلم إلا فتى من القوم قال أنا، قال: اجلس، ثم قالها ثانية فلم يتكلم أحد إلا الفتى قال: تكفل لي بثلاث وأوليك ملكي قال: نعم، قال: تقوم الليل فلا ترقد وتصوم النهار فلا تفطر وتحكم فلا تغضب، قال: نعم، قال: قد وليتك ملكي فلما أن كان مكانه قام الليل وصام النهار وحكم فلا يعجل ولا يغضب يغدو فيجلس لهم فتمثل له الشيطان في صورة رجل فأتاه وقد تحين مقيله فقال: اعدني على رجل ظلمني، فأرسل معه رسولا فجعل يطوف به وذو الكفل ينظره حتى فاتته رقدته ثم انسل من وسط الناس فأتاه رسول فأخبره فراح للناس فجلس لهم فقال الشيطان: لعله يرقد الليل ولم يصم النهار فلما أمسى صلى صلاته التي كان يصلي ثم أتاه الغد وقد تحين مقيله فقال: اعدني على صاحبي، فأرسل معه وانتظره وتبطأ حتى فات ذو الكفل رقدته ثم أتاه الرسول فأخبره فراح ولم ينم فقال الشيطان: الليلة يرقد، فأمسى يصلي صلاته كما كان يصلي، ثم أتاه فقال: قد صنعت به ما صنعت لعله يغضب، قال: اعدني على صاحبي، فقال: ألم أرسل معك رسولا قال: بلى، ولكن لم أجده، فقال له ذو الكفل: انطلق فأنا ذاهب معك، فانطلق فطاف به ثم قال له: أتدري من أنا قال: لا، قال: أنا الشيطان كنت تكفلت لصاحبك بأمر فأردت أن تدع بعضه وإن الله قد عصمك). [الدر المنثور: 10/355-356]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ما كان ذو الكفل بنبي ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي فتكل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة فسمي ذا الكفل). [الدر المنثور: 10/356]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن حبان والطبراني والحاكم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد مولى طلحة عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك أكرهتك، قالت: لا ولكنه عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته اذهبي فهي لك، وقال: والله لا أعصي الله بعدها أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إن الله قد غفر لذي الكفل.
وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو: قال فيه ذو الكفل). [الدر المنثور: 10/356-357]

تفسير قوله تعالى: (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأدخلناهم في رحمتنا إنّهم من الصّالحين} يقول تعالى ذكره: وأدخلنا إسماعيل وإدريس وذا الكفل والهاء والميم عائدتان عليهم {في رحمتنا إنّهم من الصّالحين} يقول: إنّهم ممّن صلح، فأطاع اللّه وعمل بما أمره). [جامع البيان: 16/373]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:56 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ} [الأنبياء: 83] قال قتادة: المرض.
وقال الحسن كقوله: {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ} [ص: 41] قال الحسن: إنّ إبليس قال: يا ربّ، هل من عبيدك عبدٌ إن سلطّتني عليه امتنع منّي؟ قال: نعم، عبدي أيّوب.
قال: فسلّطه عليه ليجهد جهده، ويضلّه بخباله وغروره فامتنع منه.
قال إبليس: يا ربّ، إنّه قد امتنع منّي، فسلّطني على ماله.
فسلّطه على ماله فجعل يهلك ماله صنفًا صنفًا ويأتيه فيقول: يا أيّوب هلك مالك في موضع كذا وكذا فيقول: الحمد للّه، اللّهمّ أنت أعطيته، وأنت أخذته منّي، إن تبق لي نفسي أحمدك على بلائك.
قال إبليس: يا ربّ إنّ أيّوب لا يبالي بماله، فسلّطني على جسده.
فسلّطه اللّه عليه فمكث سبع سنين وأشهرًا في العذاب حتّى وقعت الأكلة في جسده.
قال يحيى: وبلغني أنّ الدّودة كانت تقع من جسده فيردّها في مكانها ويقول: كلي ممّا رزقك اللّه.
قال الحسن: فدعا ربّه: {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ} [ص: 41] وقال في هذه الآية: {أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين} [الأنبياء: 83] فأوحى اللّه إليه أن: {اركض برجلك} [ص: 42] فركض برجله ركضةً وهو لا يستطيع القيام.
فإذا عينٌ فاغتسل منها، فأذهب اللّه تبارك وتعالى ظاهر دائه، ثمّ مشى على رجليه أربعين
[تفسير القرآن العظيم: 1/333]
ذراعًا، ثمّ قيل له: {اركض برجلك} [ص: 42] أيضًا، فركض برجله ركضةً أخرى، فإذا عينٌ، فشرب منها، فأذهب اللّه تبارك وتعالى باطن دائه، وردّ عليه أهله، وولده وأمواله من البقر، والغنم، والحيوان، وكلّ شيءٍ هلك بعينه.
ثمّ أبقاه اللّه فيها حتى وهب له من نسولها أمثالها، فهو قوله: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} [ص: 43] قال قتادة: أحيا اللّه له أهله بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم.
وقال الحسن: إنّ اللّه تبارك وتعالى أحيا ولد أيّوب بأعيانهم، وكانوا ماتوا قبل آجالهم تسليطًا من اللّه للشّيطان عليهم، فأحياهم اللّه، فوفّاهم آجالهم.
وإنّ اللّه تبارك وتعالى أبقاه فيهم حتّى أعطاه من نسولهم مثلهم.
وإنّ إبليس قال: يا أيّوب وهو يأتيه عيانًا، اذبح لي سخلةً من غنمك، قال: لا ولا كفًّا من ترابٍ.
- الصّلت بن دينارٍ، عن أبي عثمان النّهديّ قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: لا يبلغ عبدٌ الكفر والإشراك حتّى يذبح لغير اللّه، أو يصلّي لغير اللّه، أو يدعو غير اللّه.
وحدّثني أبو أميّة، عن الحسن قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى يحتجّ على النّاس يوم القيامة بثلاثةٍ من الأنبياء، فيجيء العبد فيقول: أعطيتني جمالًا في الدّنيا فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه له تبارك وتعالى: الجمال الّذي أعطيت في الدّنيا أفضل أو الجمال الّذي أعطي يوسف؟ فيقول العبد: لا، الجمال الّذي أعطي يوسف.
فيقول اللّه: إنّ يوسف كان يعمل بطاعتي، فيحتجّ عليه بذلك.
ويأتي العبد فيقول: ابتليتني في الدّنيا، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه له: البلاء الّذي ابتليت به في الدّنيا أشدّ أو البلاء الّذي ابتلي به أيّوب؟ فيقول العبد: البلاء الّذي ابتلي به أيّوب.
فيقول اللّه له تبارك وتعالى: قد كان أيّوب يعمل بطاعتي، فيحتجّ عليه بذلك.
ويجيء العبد فيقول: أعطيتني ملكًا في الدّنيا فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه تبارك وتعالى: الملك الّذي أعطيتك في الدّنيا أفضل أو الملك الّذي أعطي سليمان؟ فيقول العبد: الملك الّذي أعطي سليمان.
فيقول اللّه: قد كان سليمان يعمل بطاعتي، فيحتجّ اللّه عليه بذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/334]
وحدّثني أبو أميّة عن الحسن أنّ أيّوب لم يبلغه شيءٌ يقوله النّاس كان أشدّ عليه من قولهم: لو كان نبيًّا ما ابتلي بالّذي ابتلي به.
فدعا اللّه فقال: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي لم أعمل حسنةً في العلانية إلا عملت في الشّرّ مثلها فاكشف ما بي من ضرٍّ وأنت أرحم الرّاحمين.
فاستجاب اللّه له، فوقع ساجدًا، وأمطر عليه فراش الذّهب فجعل يلتقطه ويجمعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(والضُّرّ: الشدة والبلاء ... ومنه المرض، كقول أيوب عليه السّلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}،

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا}). [تأويل مشكل القرآن: 483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين}
(أيّوب) منصوب على معنى واذكر أيّوب). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين} [الأنبياء: 84] يعني أنّ الّذي كان ابتلي به أيّوب لم يكن من هوانه على اللّه، ولكنّ اللّه تبارك وتعالى أراد كرامته بذلك وجعل ذلك عزاءً للعابدين بعده فيما يبتلون به، وهو قوله عزّ وجلّ: {وذكرى للعابدين} [الأنبياء: 84] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وآتيناه أهله ومثلهم مّعهم...}

ذكر أنه كان لأيّوب سبعة بنين وسبع بناتٍ فماتوا في بلائه. فلمّا كشفه الله عنه أحيا الله له بنيه وبناته، وولد له بعد ذلك مثلهم.
فذلك قوله: {أهله ومثلهم مّعهم رحمةً} فعلنا ذلك رحمةً). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين}
أكثر التفاسير أن اللّه - جل ثناؤه - أحيا من مات من بنيه وبناته ورزقه مثلهم من الولد، وقيل {آتيناه أهله ومثلهم معهم} آتيناه في الآخرة). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصّابرين} [الأنبياء: 85]
- سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ الأشعريّ قال: إنّ ذا الكفل لم يكن نبيًّا ولكنّه كان عبدًا صالحًا، تكفّل بعمل رجلٍ صالحٍ عند موته كان يصلّي للّه كلّ يومٍ مائة صلاةٍ فأحسن اللّه عليه الثّناء.
عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: إنّ ذا الكفل كان رجلًا صالحًا وليس بنبيٍّ، تكفّل لنبيٍّ بأن يكفل له أمر قومه، ويقيمه لهم، ويقضي بينهم بالعدل). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلّ من الصّابرين}

هذا كله منصوب على (واذكر).
يقال إن ذا الكفل سمي بهذا الاسم لأنه تكفل بأمر نبّيّ في أمّته فقام بما يجب فيهم وفيه، ويقال إنه تكفل بعمل رجل صالح فقام به، والكفل في اللغة الكساء الذي يجعل وراء الرّحل على عجز البعير، وقيل الكفل أيضا النصيب،
قال اللّه عزّ وجلّ: {يؤتكم كفلين من رحمته} ). [معاني القرآن: 3/402-401]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأدخلناهم في رحمتنا} [الأنبياء: 86] يعني الجنّة.
{إنّهم من الصّالحين} [الأنبياء: 86] والصّالحون هم أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:57 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي


التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والضر سوء الحال). [الغريب المصنف: 3/981]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 04:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 04:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 04:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: " وأيوب "، أحسن ما فيه النصب بفعل مضمر تقديره: واذكر أيوب، وفي قصص أيوب عليه السلام طول واختلاف من المفسرين، وتلخيص ذلك أنه
[المحرر الوجيز: 6/190]
روي أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان نبيا مبعوثا إلى قوم، وكان كثير المال من الإبل والبقر والغنم، وكان صاحب البثنية من أرض الشام، فغبر كذلك مدة، ثم إن الله تبارك وتعالى لما أراد محنته وابتلاه أذن لإبليس في أن يفسد ماله، فاستعان بذريته فأحرقوا ماله ونعمه أجمع، فكان كلما أخبر بشيء من ذلك حمد الله تعالى وقال: هي عارية استردها صاحبها والمنعم بها، فلما رأى إبليس ذلك جاء فأخبر بعجزه عنه، فأذن الله له في إهلاك بنيه وقرابته ففعل ذلك أجمع فدام أيوب عليه السلام على شكره، فأخبره إبليس بعجزه، فأذن الله تعالى له في إصابته في بدنه، وحجر عليه لسانه وعينيه وقلبه، فجاء إبليس وهو ساجد فنفخ في أنفه نفخة احترق بدنه منها، وجعلها الله أكلة في بدنه، فلما عظمت وتقطع أخرجه الناس من بينهم وجعلوه على سباطة، ولم يبق معه بشر حاشا زوجته، ويقال: كانت بنت يوسف الصديق، وقيل: اسمها رحمة، وقيل في أيوب: إنه من بني إسرائيل، وقيل: إنه من الروم من ذرية عيصو، فكانت زوجته تسعى عليه وتأتيه يأكل وتقوم عليه، فدام في هذا العذاب مدة طويلة، قيل: ثلاثين سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل: اثنتي عشرة سنة، وقيل: تسعة أعوام، وقيل: ثلاثة، وهو في كل ذلك صابر شاكر حتى جاءه - فيما روي - ثلاثة ممن كان آمن به فوقروه بالقول وأنبوه ونجهوه وقالوا: ما صنع بك ربك هذا إلا لخبث باطنه فيك، فراجعهم أيوب في آخر قولهم بكلام مقتضاه أنه ذليل لا يقدر على إقامة حجة ولا بيان ظلامة، فخاطبه الله تعالى معاتبا على هذه المقالة ومبينا أنه لا حجة لأحد مع الله، ولا يسأل عما يفعل، ثم عرفه سبحانه وتعالى بأنه قد أذن في صلاح حاله، وعاد عليه بفضله، فدعا أيوب عليه السلام عند ذلك فاستجيب له.
ويروى أن أيوب عليه السلام لم يزل صابرا لا يدعو في كشف ما به، وكان - فيما روي - تقع منه الدود فيردها بيده حتى مر به قوم كانوا يعادونه فشمتوا به فتألم لذلك ودعا حينئذ فاستجيب له، وكانت امرأته غائبة عنه في بعض شأنها فأنبع الله له عينا وأمر بالشرب منها فبرئ باطنه، وأمر بالاغتسال فبرئ ظاهره ورد إلى أفضل حاله، وأتي
[المحرر الوجيز: 6/191]
بأحسن الثياب، وهب عليه رجل من جراد من ذهب فجعل يحثو منها في ثوبه، فناداه الله تعالى: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عن هذا؟ قال: بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك، فبينما هو كذلك إذ جاءت امرأته فلم تره على السباطة فجزعت وظنت أنه أزيل عنها وجعلت تتوله. فقال لها: ما شأنك أيتها المرأة؟ فهابته لحسن هيئته، فقالت: إني فقدت مريضا كان لي في هذا الموضع، ومعالم المكان قد تغيرت، وتأملته في أثناء المقاولة فرأت أيوب، فقالت له: أنت أيوب؟ فقال لها: نعم، فاعتنقها وبكى، فروي أنه لم يفارقها حتى أراه الله جميع ماله حاضرا بين يديه). [المحرر الوجيز: 6/192]
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {أني مسني الضر} تقديره: بأني مسني، فحذف الجار وبقيت "أني" في موضع نصب، وروي أن سبب محنة أيوب عليه السلام أنه دخل مع قوم على ملك جار عليهم فأغلظ له القوم ولين له أيوب القول خوفا منه على ماله، فعاقبه الله على ذلك، وروي أنه كان يقال له: ما لك لا تدعو في العافية؟ فكان يقول: إني لأستحيي من الله أن أسأله زوال عذابه حتى يمر علي فيه ما مر من الرخاء، وأصابه البلاء - فيما روي - وهو ابن ثمانين سنة). [المحرر الوجيز: 6/192]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في أهله وولده الذين آتاه الله، فقيل: كان ذلك كله في الدنيا، فرد الله عليه بصره وولده بأعيانهم، وجعل مثلهم له عدة في الآخرة، وقيل: بل أوتي جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال.
وقوله تعالى: {وذكرى للعابدين} أي: وتذكرة وموعظة، ولا يعبد الله إلا مؤمن، والذكرى إنما هي في محنته، والرحمة في زوال ذلك). [المحرر الوجيز: 6/192]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين}
المعنى: واذكر إسماعيل، وهو إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهو أبو العرب المعروفين اليوم في قول بعضهم، وإدريس هو خنوخ، وهو أول نبي بعث الله من بني آدم، وروي أنه كان خياطا يسبح الله عند إدخال الإبرة ويحمده عند إخراجها، وذو الكفل كان نبيا، وروي أنه بعث إلى رجل واحد، وقيل: لم يكن نبيا
[المحرر الوجيز: 6/192]
ولكنه كان عبدا صالحا، وروي أن " أليسع " جمع بني إسرائيل فقال: من يتكفل لي بصيام النهار وقيام الليل وألا يغضب وأوليه النظر للعباد بعدي؟ فقام إليه شاب فقال: أنا لك بذلك، فراجعه ثلاثا في ذلك يقول: أنا لك بذلك، فاستعمله، فلما مات " أليسع " قام بالأمر فجاء إبليس ليغضبه - وكان لا ينام إلا في القائلة - فكان يأتيه وقت القائلة أياما فيوقظه ويشتكي ظلامته ويقصد تضييق صدره، فلم يضق به صدرا، ومضى معه لينصفه بنفسه، فلما رأى إبليس ذلك أبلس عنه، وكفاه الله شره، فسمي " ذا الكفل " لأنه تكفل بأمر فوفى به، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/193]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 04:32 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 04:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين (83) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين (84)}.
يذكر تعالى عن أيّوب، عليه السّلام، ما كان أصابه من البلاء، في ماله وولده وجسده، وذلك أنّه كان له من الدّوابّ والأنعام والحرث شيءٌ كثيرٌ، وأولادٌ كثيرةٌ، ومنازل مرضيّةٌ. فابتلي في ذلك كلّه، وذهب عن آخره، ثمّ ابتلي في جسده -يقال: بالجذام في سائر بدنه، ولم يبق منه سليمٌ سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما اللّه عزّ وجلّ، حتّى عافه الجليس، وأفرد في ناحيةٍ من البلد، ولم يبق من النّاس أحدٌ يحنو عليه سوى زوجته، كانت تقوم بأمره، ويقال: إنّها احتاجت فصارت تخدم النّاس من أجله، وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أشدّ النّاس بلاءً الأنبياء، ثمّ الصّالحون، ثمّ الأمثل فالأمثل" وفي الحديث الآخر: "يبتلى الرّجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابةٌ زيد في بلائه".
وقد كان نبيّ اللّه أيّوب، عليه السّلام، غايةً في الصّبر، وبه يضرب المثل في ذلك.
وقال يزيد بن ميسرة: لمّا ابتلى اللّه أيّوب، عليه السّلام، بذهاب الأهل والمال والولد، ولم له يبق شيءٌ، أحسن الذّكر، ثمّ قال: أحمدك ربّ الأرباب، الّذي أحسنت إليّ، أعطيتني المال والولد، فلم يبق من قلبي شعبةٌ، إلّا قد دخله ذلك، فأخذت ذلك كلّه منّي، وفرّغت قلبي، ليس يحول بيني وبينك شيءٌ، لو يعلم عدوّي إبليس بالّذي صنعت، حسدني. قال: فلقي إبليس من ذلك منكرًا.
قال: وقال أيّوب، عليه السّلام: يا ربّ، إنّك أعطيتني المال والولد، فلم يقم على بابي أحدٌ يشكوني لظلمٍ ظلمته، وأنت تعلم ذلك. وأنّه كان يوطأ لي الفراش فأتركها وأقول لنفسي: يا نفس، إنّك لم تخلقي لوطء الفرش، ما تركت ذلك إلّا ابتغاء وجهك. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقد ذكر عن وهب بن منبّهٍ في خبره قصّةٌ طويلةٌ، ساقها ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ بالسّند عنه، وذكرها غير واحدٍ من متأخّري المفسّرين، وفيها غرابةٌ تركناها لحال الطّول.
وقد روي أنّه مكث في البلاء مدّةً طويلةً، ثمّ اختلفوا في السّبب المهيّج له على هذا الدّعاء، فقال الحسن وقتادة، ابتلي أيّوب، عليه السّلام، سبع سنين وأشهرًا، ملقًى على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدّوابّ في جسده ففرّج اللّه عنه، وعظمّ له الأجر، وأحسن عليه الثّناء.
وقال وهب بن منبّهٍ: مكث في البلاء ثلاث سنين، لا يزيد ولا ينقص.
وقال السّدّيّ: تساقط لحم أيّوب حتّى لم يبق إلّا العصب والعظام، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزّاد يكون فيه، فقالت له امرأته لمّا طال وجعه: يا أيّوب، لو دعوت ربّك يفرّج عنك؟ فقال: قد عشت سبعين سنةً صحيحًا، فهل قليلٌ للّه أن أصبر له سبعين سنةً؟ فجزعت من ذلك فخرجت، فكانت تعمل للنّاس بأجرٍ وتأتيه بما تصيب فتطعمه، وإنّ إبليس انطلق إلى رجلين من فلسطين كانا صديقين له وأخوين، فأتاهما فقال: أخوكما أيّوب أصابه من البلاء كذا وكذا، فأتياه وزوراه واحملا معكما من خمر أرضكما، فإنّه إن شرب منه برأ. فأتياه، فلمّا نظرا إليه بكيا، فقال: من أنتما؟ فقالا: نحن فلانٌ وفلانٌ! فرحّب بهما وقال: مرحبًا بمن لا يجفوني عند البلاء، فقالا يا أيّوب، لعلّك كنت تسر شيئًا وتظهر غيره، فلذلك ابتلاك اللّه؟ فرفع رأسه إلى السّماء ثمّ قال: هو يعلم، ما أسررت شيئًا أظهرت غيره. ولكنّ ربّي ابتلاني لينظر أأصبر أم أجزع، فقالا له: يا أيّوب، اشرب من خمرنا فإنّك إن شربت منه برأت. قال: فغضب وقال جاءكما الخبيث فأمركما بهذا؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما عليّ حرامٌ. فقاما من عنده، وخرجت امرأته تعمل للنّاس فخبزت لأهل بيتٍ لهم صبيٌّ، فجعلت لهم قرصًا، وكان ابنهم نائمًا، فكرهوا أن يوقظوه، فوهبوه لها.
فأتت به إلى أيّوب، فأنكره وقال: ما كنت تأتيني بهذا، فما بالك اليوم؟ فأخبرته الخبر. قال: فلعلّ الصّبيّ قد استيقظ، فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله. [فانطلقي به إليه. فأقبلت حتّى بلغت درجة القوم، فنطحتها شاةٌ لهم، فقالت: تعس أيّوب الخطّاء! فلمّا صعدت وجدت الصّبيّ قد استيقظ وهو يطلب القرص، ويبكي على أهله]، لا يقبل منهم شيئًا غيره، فقالت: رحم اللّه أيّوب فدفعت القرص إليه ورجعت. ثمّ إنّ إبليس أتاها في صورة طبيبٍ، فقال لها: إنّ زوجك قد طال سقمه، فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابًا فليذبحه باسم صنم بني فلانٍ فإنّه يبرأ ويتوب بعد ذلك. فقالت ذلك لأيّوب، فقال: قد أتاك الخبيث. للّه عليّ إن برأت أن أجلدك مائة جلدةٍ. فخرجت تسعى عليه، فحظر عنها الرّزق، فجعلت لا تأتي أهل بيتٍ فيريدونها، فلمّا اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب الجوع حلقت من شعرها قرنًا فباعته من صبيّةٍ من بنات الأشراف، فأعطوها طعامًا طيّبًا كثيرًا فأتت به أيّوب، فلمّا رآه أنكره وقال: من أين لك هذا؟ قالت: عملت لأناسٍ فأطعموني. فأكل منه، فلمّا كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضًا قرنًا فباعته من تلك الجارية، فأعطوها من ذلك الطّعام، فأتت به أيّوب، فقال: واللّه لا أطعمه حتّى أعلم من أين هو؟ فوضعت خمارها، فلمّا رأى رأسها محلوقًا جزع جزعًا شديدًا، فعند ذلك دعا ربّه عزّ وجلّ: {أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّادٌ، حدّثنا أبو عمران الجونيّ، عن نوف البكالي؛ أنّ الشّيطان الّذي عرّج في أيّوب كان يقال له: "سوطٌ"، قال: وكانت امرأة أيّوب تقول: "ادع اللّه فيشفيك"، فجعل لا يدعو، حتّى مرّ به نفرٌ من بني إسرائيل، فقال بعضهم لبعضٍ: ما أصابه ما أصابه إلّا بذنبٍ عظيمٍ أصابه، فعند ذلك قال: "ربّ إنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين".
وحدّثنا أبي، حدّثنا أبو سلمة، حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ قال: كان لأيّوب، عليه السّلام، أخوان فجاءا يومًا، فلم يستطيعا أن يدنوا منه، من ريحه، فقاما من بعيدٍ، فقال أحدهما للآخر: لو كان اللّه علم من أيّوب خيرًا ما ابتلاه بهذا؟ فجزع أيّوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيءٍ قطّ، فقال: اللّهمّ، إن كنت تعلم أنّي لم أبت ليلةً قطّ شبعان وأنا أعلم مكان جائعٍ، فصدّقني. فصدّق من السّماء وهما يسمعان. ثمّ قال: اللّهمّ، إن كنت تعلم أنّي لم يكن لي قميصان قطّ، وأنا أعلم مكان عارٍ، فصدقني فصدّق من السّماء وهما يسمعان. اللّهمّ بعزّتك ثمّ خرّ ساجدًا، ثمّ قال اللّهمّ بعزّتك لا أرفع رأسي أبدًا حتّى تكشف عنّي. فما رفع رأسه حتّى كشف عنه.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر مرفوعًا بنحو هذا فقال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيل، عن الزّهريّ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ نبيّ اللّه أيّوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنةً، فرفضه القريب والبعيد، إلّا رجلين من إخوانه، كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلّم -واللّه-لقد أذنب أيّوب ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين. فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنةً لم يرحمه اللّه فيكشف ما به. فلمّا راحا إليه لم يصبر الرّجل حتّى ذكر ذلك له، فقال أيّوب، عليه السّلام: ما أدري ما تقول، غير أنّ اللّه عزّ وجلّ يعلم أنّي كنت أمرّ على الرّجلين يتنازعان فيذكران اللّه، فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما، كراهة أن يذكرا اللّه إلّا في حقٍّ. قال: وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتّى يبلغ، فلمّا كان ذات يومٍ أبطأت عليه، فأوحي إلى أيّوب في مكانه: أن اركض برجلك، هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ".
رفع هذا الحديث غريبٌ جدًّا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّاد، أخبرنا عليّ بن زيدٍ، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاسٍ، قال: وألبسه اللّه حلّةً من الجنّة، فتنحّى أيّوب فجلس في ناحيةٍ، وجاءت امرأته، فلم تعرفه، فقالت: يا عبد اللّه، أين ذهب المبتلى الّذي كان هاهنا؟ لعلّ الكلاب ذهبت به أو الذّئاب، فجعلت تكلّمه ساعةً، فقال: ويحك! أنا أيّوب! قالت: أتسخر منّي يا عبد اللّه؟ فقال: ويحك! أنا أيّوب، قد ردّ اللّه عليّ جسدي.
وبه قال ابن عبّاسٍ: وردّ عليه ماله وولده عيانًا، ومثلهم معهم.
وقال وهب بن منبّهٍ: أوحى اللّه إلى أيّوب: قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم، فاغتسل بهذا الماء، فإنّ فيه شفاءك، وقرّب عن صاحبتك قربانًا، واستغفر لهم، فإنّهم قد عصوني فيك. رواه ابن أبي حاتمٍ.
[وقال] أيضًا: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عمرو بن مرزوقٍ، حدّثنا همام، عن قتادة، عن النضر ابن أنسٍ، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لمّا عافى اللّه أيّوب، أمطر عليه جرادًا من ذهبٍ، فجعل يأخذ بيده ويجعله في ثوبه". قال: "فقيل له: يا أيّوب، أما تشبع؟ قال: يا ربّ، ومن يشبع من رحمتك".
أصله في الصّحيحين، وسيأتي في موضعٍ آخر.
وقوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قد تقدّم عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: ردّوا عليه بأعيانهم. وكذا رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ أيضًا. وروي مثله عن ابن مسعودٍ ومجاهدٍ، وبه قال الحسن وقتادة.
وقد زعم بعضهم أنّ اسم زوجته رحمة، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النّجعة، وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب، وصحّ ذلك عنهم، فهو ممّا لا يصدّق ولا يكذّب. وقد سمّاها ابن عساكر في تاريخه -رحمه اللّه تعالى-قال: ويقال: اسمها ليا ابنة منشّا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال: ويقال: ليا بنت يعقوب، عليه السّلام، زوجة أيّوب كانت معه بأرض البثنيّة.
وقال مجاهدٌ: قيل له: يا أيّوب، إن أهلك لك في الجنّة، فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنّة، وعوّضناك مثلهم. قال: لا بل اتركهم لي في الجنّة. فتركوا له في الجنّة وعوّض مثلهم في الدّنيا.
وقال حمّاد بن زيدٍ، عن أبي عمران الجوني، عن نوف البكالي قال: أوتي أجرهم في الآخرة، وأعطي مثلهم في الدّنيا. قال: فحدّثت به مطرّفا، فقال: ما عرفت وجهها قبل اليوم.
وهكذا روي عن قتادة، والسّدّيّ، وغير واحدٍ من السّلف، واللّه أعلم.
وقوله: {رحمةً من عندنا} أي: فعلنا به ذلك رحمةً من اللّه به، {وذكرى للعابدين} أي: وجعلناه في ذلك قدوةً، لئلّا يظنّ أهل البلاء أنّما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسّوا به في الصّبر على مقدورات اللّه وابتلائه لعباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك). [تفسير ابن كثير: 5/ 359-363]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصّابرين (85) وأدخلناهم في رحمتنا إنّهم من الصّالحين (86)}.
أمّا إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل، عليهما السّلام، وقد تقدّم ذكره في سورة مريم، وكذلك إدريس، عليه السّلام وأمّا ذو الكفل فالظّاهر من السّياق أنّه ما قرن مع الأنبياء إلّا وهو نبيٌّ. وقال آخرون: إنّما كان رجلًا صالحًا، وكان ملكًا عادلًا وحكمًا مقسطًا، وتوقّف ابن جريرٍ في ذلك، فاللّه أعلم.
وقال ابن جريج، عن مجاهدٍ في قوله: {وذا الكفل} قال: رجلٌ صالحٌ غير نبيٍّ، تكفّل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي: ذا الكفل. وكذا روى ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أيضًا.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا عفّان، حدّثنا وهيب، حدّثنا داود، عن مجاهدٍ قال: لمّا كبر اليسع قال: لو أنّي استخلفت رجلًا على النّاس يعمل عليهم في حياتي، حتّى أنظر كيف يعمل؟ فجمع النّاس، فقال: من يتقبّل منّي بثلاثٍ: أستخلفه يصوم النّهار، ويقوم اللّيل، ولا يغضب. قال: فقام رجلٌ تزدريه العين، فقال: أنا. فقال: أنت تصوم النّهار، وتقوم اللّيل، ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: فردّهم ذلك اليوم، وقال مثلها في اليوم الآخر، فسكت النّاس، وقام ذلك الرّجل وقال أنا. فاستخلفه، قال: وجعل إبليس يقول للشّياطين: عليكم بفلانٍ. فأعياهم ذلك، قال: دعوني وإيّاه، فأتاه في صورة شيخٍ كبيرٍ فقيرٍ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة -وكان لا ينام اللّيل والنّهار إلّا تلك النّومة-فدقّ الباب، فقال: من هذا؟ قال: شيخٌ كبيرٌ مظلومٌ. قال: فقام ففتح الباب، فجعل يقصّ عليه، فقال: إنّ بيني وبين قومي خصومةً، وإنّهم ظلموني، وفعلوا بي وفعلوا. وجعل يطول عليه حتّى حضر الرّواح وذهبت القائلة، فقال: إذا رحت فأتني آخذ لك بحقّك. فانطلق، وراح. فكان في مجلسه، فجعل ينظر هل يرى الشّيخ؟ فلم يره، فقام يتبعه، فلمّا كان الغد جعل يقضي بين النّاس، وينتظره ولا يراه، فلمّا رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه، أتاه فدقّ الباب، فقال: من هذا؟ قال الشّيخ الكبير المظلوم. ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فأتني؟ قال: إنّهم أخبث قومٍ، إذا عرفوا أنّك قاعدٌ قالوا: نحن نعطيك حقّك. وإذا قمت جحدوني. قال: فانطلق، فإذا رحت فأتني. قال: ففاتته القائلة، فراح فجعل ينتظره ولا يراه، وشقّ عليه النّعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنّ أحدًا يقرب هذا الباب حتّى أنام، فإنّي قد شقّ عليّ النّوم. فلمّا كان تلك السّاعة أتاه فقال له الرّجل: وراءك وراءك؟ فقال: إنّي قد أتيته أمس، فذكرت له أمري، فقال: لا واللّه لقد أمرنا ألّا ندع أحدًا يقربه. فلمّا أعياه نظر فرأى كوّة في البيت، فتسوّر منها، فإذا هو في البيت، وإذا هو يدقّ الباب من داخلٍ، قال: فاستيقظ الرّجل فقال: يا فلان، ألم آمرك؟ فقال أمّا من قبلي واللّه فلم تؤت، فانظر من أين أتيت؟ قال: فقام إلى الباب فإذا هو مغلقٌ كما أغلقه، وإذا الرّجل معه في البيت، فعرفه، فقال: أعدوّ اللّه؟ قال: نعم، أعييتني في كلّ شيءٍ، ففعلت ما ترى لأغضبك. فسمّاه اللّه ذا الكفل؛ لأنّه تكفّل بأمر فوفى به.
وهكذا رواه بن أبي حاتمٍ، من حديث زهير بن إسحاق، عن داود، عن مجاهدٍ، بمثله.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن مسلمٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: كان قاضٍ في بني إسرائيل، فحضره الموت، فقال: من يقوم مقامي على ألّا يغضب؟ قال: فقال رجلٌ: أنا. فسمّي ذا الكفل. قال: فكان ليله جميعًا يصلّي، ثمّ يصبح صائمًا فيقضي بين النّاس -قال: وله ساعةٌ يقيلها-قال: فكان كذلك، فأتاه الشّيطان عند نومته، فقال له أصحابه: ما لك؟ قال: إنسانٌ مسكينٌ، له على رجلٍ حقٌّ، وقد غلبني عليه. قالوا: كما أنت حتّى يستيقظ -قال: وهو فوق نائمٌ-قال: فجعل يصيح عمدًا حتّى يوقظه، قال: فسمع، فقال: ما لك؟ قال: إنسانٌ مسكينٌ، له على رجلٍ حقٌّ. قال: اذهب فقل له يعطيك. قال: قد أبى. قال: اذهب أنت إليه. قال: فذهب، ثمّ جاء من الغد، فقال: ما لك؟ قال: ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأسًا. قال: اذهب إليه فقل له يعطيك حقّك، قال: فذهب، ثمّ جاء من الغد حين قال، قال: فقال له أصحابه: اخرج، فعل اللّه بك، تجيء كلّ يومٍ حين ينام، لا تدعه ينام؟. فجعل يصيح: من أجل أنّي إنسانٌ مسكينٌ، لو كنت غنيًّا؟ قال: فسمع أيضًا، فقال: ما لك؟ قال: ذهبت إليه فضربني. قال: امش حتّى أجيء معك. قال: فهو ممسكٌ بيده، فلمّا رآه ذهب معه نثر يده منه ففر.
وهكذا روي عن عبد اللّه بن الحارث، ومحمّد بن قيسٍ، وابن حجيرة الأكبر، وغيرهم من السّلف، نحوٌ من هذه القصّة، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الجماهر، أخبرنا سعيد بن بشيرٍ، حدّثنا قتادة، عن أبي كنانة بن الأخنس قال: سمعت الأشعريّ وهو يقول على هذا المنبر: ما كان ذو الكفل بنبيٍّ، ولكن كان -يعني: في بني إسرائيل-رجلٌ صالحٌ يصلّي كلّ يومٍ مائة صلاةٍ، فتكفّل له ذو الكفل من بعده، فكان يصلّي كلّ يومٍ مائة صلاةٍ، فسمّي ذا الكفل.
وقد رواه ابن جريرٍ من حديث عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة قال: "قال أبو موسى الأشعريّ = " فذكره منقطعًا، واللّه أعلم.
وقد روى الإمام أحمد حديثًا غريبًا فقال:
حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، حدّثنا الأعمش، عن عبد اللّه بن عبد اللّه، عن سعدٍ مولى طلحة، عن ابن عمر قال: سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا لو لم أسمعه إلّا مرّةً أو مرّتين -حتّى عدّ سبع مرّاتٍ-ولكن قد سمعته أكثر من ذلك، قال: "كان الكفل من بني إسرائيل، لا يتورّع من ذنبٍ عمله، فأتته امرأةٌ فأعطاها ستّين دينارًا، على أن يطأها، فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته، أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟ أكرهتك؟ قالت: لا ولكنّ هذا عملٌ لم أعمله قطّ، وإنّما حملني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قطّ؟ فنزل فقال: اذهبي فالدّنانير لك. ثمّ قال: "واللّه لا يعصي اللّه الكفل أبدًا. فمات من ليلته فأصبح مكتوبًا على بابه: قد غفر اللّه للكفل".
هكذا وقع في هذه الرواية "الكفل"، من غير إضافةٍ، فاللّه أعلم. وهذا الحديث لم يخرّجه أحدٌ من أصحاب الكتب السّتّة، وإسناده غريبٌ، وعلى كلّ تقديرٍ فلفظ الحديث إن كان "الكفل"، ولم يقل: "ذو الكفل"، فلعلّه رجلٌ آخر، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 5/ 363-365]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة